Skip to main content

Full text of "التراث والمنهج بين أركون والجابري ـ د. نايلة أبي نادر"

See other formats


الثرات والمنهج 
بين أركون والجابري 





الشبكة العربية للأبحاث والنشر 


56 لاقام ملام نأمهمعوعق8 ممع عزعمالااعلز قمهم 





الثراث والمنهج 
بين أركون والجابري 


الثرات والمتهج 


بين أركون والجابري 


الدكتورة نايلة أن نادر 


الشبكة العربية للأبحاث والنشر 


كا قلاع ملذة لع تفعوع5 لمع )لمن لاعلا ققوم 





الفهرسة أثناء النشر ‏ إعداد الشبكة المرببة للانحاث والنشر 
أ نادر» ايلة 

التراث والمنهج: بين أركون والجابري/ نايلة أبي نادر . 

04 ص. 


ببليوغرافية: ص لاه 0940. 
.١‏ التراث الثقافي. ”. الفلسفة العربية. ”. الثقافة العربية. 5. الحضارة 


الإسلامية. أ. العنوان. 
11107 


«الآراء التي يتضمنها هذا الكتاب لا تعبر بالضرورة 
عن وجهة نظر الشبكة العربية للأبحاث والنشر» 


عرق الطليع والتشر مسحفرظة الشيكة 
الطبعة الأولى 





الشبكة العربية للأبحاث والنشر 


بناية «سادات تاور»» شارع ليون.؛ ص .ب: ١١7-5588‏ 
الحمراء ‏ بيروت 5١717 1٠٠١‏ لبنان 
هاتف: 78945857 (951-1) 
فاكس: )451١-١1(184555‏ 


حنم .011 /اتاع 6321/3 ملأص1 االقما-8 


الإفراء 


إهذداء أو 5 


إلى الجامعة اللبنانية 


إهداء ثان 


إلى كل من كفر بأسلحة الدمار الغبي» 
وقبض على زناد الفكر النقدي 
ليدك به صروح التعصّب والانغلاق والجهل 
في كل مكان في العالم 


المحتويات 


تقديم: المعنى الإسلامي: قلق السؤال كو دوقن شر تن تداعو 18-1 


شكر 
تمهيد 


مقدمة عامة : مشكلة المنهج في قراءة التراث 


١‏ النقد والمنهج النقدي عند أركون را 
أ النقد بالمعنى الالسنى ا م م 1 
ب النقد بالمعنى التاريخى زكذد2 10000 


اج -النقد بالمعنى الأنثروبولوجي 

د النقد بالمعنى الفلسفى ة زد زد زد 00000 

أ- التراث في المفهوم النقدي 

ب - في كيفية التعامل مع التراث زةزةز [ز[ز 1 1777111 
نحو أبواب هذه الدراسة وفصولها 


لا 


2: 


6 


600 


9ه 


5183 


القسم الأول 


خصوصية أركون في نقد الفكر العربي الإسلامي 


الفصل الأول : مقوّمات المنهج الأركوني اكمنبني متسية اسطبو و و أذ 
أولأ : التاريخية والنقد التاريخي 4 

27“ ظاهرة الوحى لاقب موقن مجامج اماد كاوه اخ قم‎ ١ 

؟ - مفهوم التاريخية 44 

ثانياً : المنهج النقدي الأركوني كشبكة من المناهج 4 

4 دراسة الظواهر السلبية في التاريخ‎ ١ 

"- المنهج الفلولوجي 414 

المنهجية التقدذمية ‏ التراجعية والمغالطة التاريخية 6١‏ 

- مناهج علوم الإنسان والمجتمع 0 

ثالثاً : مهمّة المؤرّخ الفيلسوف و ا 1 
استنتاجات ١15‏ 

الفصل الثاني : نقد العقل العربي الإسلامي عند أركون و ناذا 
أولأ : تاريخية العقل الإسلامي 0 

١ الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية‎ ١ 

؟ ‏ العقل الديني والعقل الأيديولوجي 1 

1 مشروع نقد العقل الإسلامي وسو ل‎ ٠ 

ثانا : العقل الكتابي والعقل الشفاهي دنر 

1000 0 مستوى التلفظ الأول‎ ١ 

ا- مستوى التص المكجتوت ل يد كر 


4 


ثالثاً 


رابعاً 


: الأسس الأنطولوجية للممارسات العقلانية 


في الفكر الإسلامي والإشكاليات الناتجة منها 
١‏ إشكالية السلطات الغالبة والجماعات المهمّشة 
١‏ - إشكالية القوى الذهنية الثلاث : 

العقل والمخيّلة والذاكرة 


أ إشكالية العقلانيات والبنيات المخيالية 52-0000 


)١(‏ المجاز والرمز 


(؟) المجاز والعجيب المدهش في الخطاب القرآني 


ب - إشكالية العقلانيات والمخيّلة الإبداعية العرفانية 


: العقل المنبثق؛ ركيزة المنهج الأركوني 


استنتاحات 


الفصل الثالث : في إشكالية الخطاب السياسي عند أركون: 


أولاً 


ثانياً 


من الإتولوجيا السياسية إلى الفلسفة السياسية 


“السنادة العزيا الكلينة والمتلطائك السناتة 


: جدلية العلاقة بين الدين/ والمجتمع 


أو بين الروحي/ والزمني 
اث الإسلام والعلمنة 
الحرفات الأستاذية والسلمة 


استنتاحات 


الفصل الرابع 
أولاً 


القسم الثاني 


خصوصية الجابري في نقد الفكر العربي 


: مقوّمات منهج محمد عابد الجابري 


: كيفية بناء فهم موضوعي للتراث 


4 


١6 


1١57 


١15 


١758 


١ا/؟‎ 


174 


١ /ام‎ 


ضرض 


0 القطيعة الإبستمولوجية و م ا‎ ١ 


؟ - القراءة الموضوعية ا اخ عا ال 21 

ثاني : المعالجة البنيوية والتحليل التاريخي 
والطرح الأيديولوجي 1 
ثالهاً : النقد الإبستمولوجي هه" 
رابع : «تبيئة المفاهيم» 1 
استنتاجات 1 
الفصل الخادس : مشروع نقد العقل العربي عند محمد عابد الجابري "١‏ 
أولأ : في نقد الخطاب العربي المعاصر ف 
ثانياً : في تحديد العقل 1 
١-العقل‏ لغةَ وفي القرآن 1 
؟-العقل المكوّن والعقل المكوّن يكن 
ثالثاً : العقل اليوناني والعقل الأوروبي ه11 
١‏ تحديد العقل في الثقافة اليونانية 1 
١‏ - تحديد العقل في الثقافة الأوروبية الحديثة 11 
رابعاً : خصوصيّة العقل العربي 0 
١‏ العقل العربي بين العقل اليوناني والعقل الأوروبي 0 
؟ - مسألة التاريخ وخصوصيّة الزمن الثقافي العربي 55 
عصر التدوين مهدٌ العقل العربي موا 1 
خامساً : في نقد العقل العربي وليس الإسلامي امح الوا وه 
١‏ غياب النقد وهيمنة سلطة السلف عم ا 
” - النقد الإبستمولوجي وليس اللاهوتي ملس لخم 


١٠ 


سادساً : العقل العربي لغ وفكرأً في الثقافة العربية ا 
١_الأعرابي‏ والآصل الحسّي للغة 
؟ ‏ القوالب النحوية وطبيعتها المنطقية 
أساليب البيان وطبيعتها الاستدلالية 0 


سابعا : فى تفكيك بنية العقل العربى وفق ثلاثة أنظمة 


أ- النظام البرهاني في المشرق العربي 
)١(‏ مناحي البرهان عند الكندي 
(؟) العلاقة بين البيان والبرهان عند الفارابي 
(*) تأسيس العرفان على البرهان عند ابن سينا 
(؛) تأسيس الفقه على المنطق عند الغزالي 0 
ب - النظام البرهاني في المغرب العربي 
)١(‏ ابن رشد والقطيعة المعرفيّة 00 
)١(‏ تأسيس التاريخ على البرهان عند ابن خلدون 
(*) النزعة البرهانية في ظاهرية ابن حزم 
(4) تجديد المنهج الأصولي عند الشاطبي 


استنتاجات 


أولا” :+ نتع نسدد العقل السياسى"العري 521 
ثانياً : في مقؤْمات المنهج النقدي السياسي 0 


ثالثاً : فى تفكيك العقل السياسى العربى وفق ثلاثة محدّدات 


1١١ 


دا 


7518 


0 


6 


76 


77 


08 


يدانا 
7 


اا 


74 


1014 


8 


١‏ دور القبيلة في تأسيس الدولة الإسلامية 
١‏ - قراءة التاريخ السياسي من زاوية الغنيمة 
ارتباط العقيدة بالفعل الاجتماعي السياسي 
زائعاً " * دزاسة الدؤلة كظاهرة سناسية ب اح د ا ا 0 


: في نقد الحكم الأموي‎ ١ 
توظيف الدين فى خدمة السياسة‎ 


؟ في نقد الحكم العباسي : مفهوم «الكتلة التاريخية» 
أ تحليل خطاب «الأيديولوجيا السلطانية» 
ب تحليل خطاب «جليل الكلام» 
ج ‏ تحليل خطاب «فقه السياسة» 
خامياً + تجو :إعادة تاسبين الكتابة النتيجية فى السياشة: 
استنتاجات 
القسم الثالث 


التراث والمنهج النقدي بين أركون والجابري 


تراسة فقاوشة 


الفصل السابع : في المنهج النقدي : 


قراءة التراث بين أركون والجابرى 


استنتاجات 


الفصل الثامن : مشروع نقد العقل العربي الإسلامي 


لدى أركون والجابري ا و ا 1 


استنتاحات 


7 


إوداحة 


5١ 


ضرت 


ا 


الفصل التاسع : الديني والسياسي في مشروعَي أركون والجابري 
استنتاحات 

الفصل العاشر : نظرة في تلقي المشروعين النقديين 
استنتاجات 

خاتمة : وتبقى الحداثة الهدف المنشود اجا دنه تسا ا ا ابا 
١‏ دخول الحداثة في النظر 
١‏ دخول الحداثة فى العمل 

الثبت التعريفي 

المراجسع ا ا ا اا 0 


2018 


5ه 


004 


المعنى الإسلامي: قلق السؤال 


تتعين كل ثقافة» في عهودها المختلفة. في ألفاظ بعينهاء ولا سيما في 
التي تكون خفيفة الحمولات عند تبنيهاء ثم يُقبل القارىء عليها إقبال المطمئن 
إلن قيرقة معينة وكافتقة: الفظ «الدرات»» الى يرد فى عدوان* كقات: الدكتورة 
تايلة: أى: نان (لشكاة عر الميلاولة لدي لا سين ب نجل ريماوه اله كباله 
الهو عن فى الثقافة الغ ولق مقافي قد لمك بت صواف! < رمعا شن اعم د 
ه ل ماد نحقى ردق ها بطي لددية ب الاتكاتات »الى عل ازجانات 
الموكن قاد عن قله نما وهو لمطاع ل ندقق: القار ف عاقة بيقع ل فنا 
تسميه اللغة الإنكليزية أو الفرنسية فى لفظى (ع21128ع1؟) و(عمتمصهك )2 لولاا 
أدساتتة اللقعرةه تطانان عن اللفظيه ين الستعتكات: العاف فعا طايه 
العربية من لفظها المستحدث تعيين الممتلكات «العقلية» (لو طلبتُ الاختصار). 
ولو تتبع القارىء مسار الألفاظ لتحقق كذلك من أن ما يشير إليه اللفظ العربي 
كان يمكن أن تسمّيه الإنكليزية أو الفرنسية بلفظى (5350) و(53556). فيما لا 
تعيره العربية المستعملة في الكتاية العوية لمعا هين اماما "يكن 


ذلك أن ما تسعى إليه هذه الكتابات يوضحه الدكتور محمد عابد الجابري» 
بل يميزه عن حمولات لفظ آخر (هو «الميراث»)» مشدداً على أن ما يطلبه لفظ 
«التراث» هو تعيين أقرب إلى أن يكون «حضور الأب في الابن» حضور السلف 
فر المعالقب تعسو اراسي ا > السام #ز رن ند غية دن المي ان كفت 
عدت ألا يكون الماضي (والحاضي القريب واقعاء ومن دون غيره) ماضياًء أي 


1١6 


مصنفاً ومرتباً في التاريخ؟ كيف يحدث أن مثل هذا الماضي مطلوبء بل إن له 
فاعلية منشودة يمكن اختصارها بأنها إلحاحات الجد فى تمثلات الحفيد لما كان 
عليه. بل لما يطلبه منه؟ 


طلبثْ أبي نادر درس «التراث والمنهج» في كتابات المفكرين الجابري 
ومحمد أركون» فى مواجهة نقدية اتخذت شكل المقارنة» وتعينت فى علاقات 
العقلبالخظاسه في" المعاة 'الأول؛: .وها :درستة كان يمكن أن عركر' فى السوال 
الفلسفي أو التاريخي» فيما تعين ‏ على ما يتضح في الكتاب - في مساعي 
«التفسيرا (على اختلافها وتنوعهاء بين إسلامية قديمة» ومعاصرة في خطابات 
علوم الإنسان والمجتمع). فماذا عن العقل والخطاب؟ ْ 


ما عنى الباحثة في كتابها تحدد في مسألة المنهج خصوصاًء على أنها ما 
يضىء العلاقات بين العقل والخطاب. كما تتبدى فى كتابات أركون 
والجادوق وجي 3 لتر سكعي فى لبك ع نيا قفد 
في كفن ميب ديق كن حيو او انه ودرنة مج قلي : المسوزداك لكيه 
الى منذنها :هداق السشكر ان وهم تاشطان فى كلقب عدن أياننا عدوي قن 
نطاق'اشتفالهما المكد لك (الذى يفيض عن معن الماضى ليعتاؤل 'أيضا النظر 
السياسي في الراهن). وهو لقاء بينهما طلبئه وحققته بعد أن تنبهت إلى أنهما 
يمان في ما يختلفان عليه. فبادرت إلى جمع مدونة اللقاء وأجرته. 
وبالعمل معهما أيضاً فى لقاءات جانبية استكلمت بها «معاشرتها' (كما تقول) 
لنصوضيها. فهما 'يجمعان في النطاق عينه تقريباء مع .بعض 'تعديلات. في 
الحدود: إذ تذهب مساعي الجابري إلى ثقافات سابقة على الإسلام؛ فيما 
تذهب مساعي أركون صوب متون وثقافات أخرى. مثل المسيحية تحديداء 
الماضية أن المساضسوة 


هكذا تناولت في كتابهاء في ثلاثة أقسام كبيرة» «خصوصية المنهج» عند 
أركون (في القسم الأول). ثم عند الجابري (في القسم الثاني): مخصصطة القسم 
الثالث والأخير لإجراء مقارنة بين حاصل الجهدين فى الميادين المختلفة (بين دينية 
وسياسية وغيرها» من دون أن تهمل «تلقي» المشروعين في الفكر المعاصر. 


يجمع بين أركون والجابري» ابتداء من عناوين كتب لهما ومن استهداف 
نط التأليفية. «نقد العما». ثم يختلفانء إذ ق به أركون الصفة - 
: هي كم إد ب به ار 
المحدد : «الإسلامي؛». والجابري: «العربى». وقد يجد بعض الدارسين فى مثل 


1١5 


هذا الاختلاف مجالاً لتوسيع الشقةء واختلاف النظرة بينهما إلى موضوعهما 
المشترك - وفى هذا وجوه أكيدة من الصحة,. إلا أن تباينهما قد لا يكون تبايناً 
كافعا إف كتير عله أركرت: إلى عجو عن (الشرف بوالعة حو لعفل فك 
في سياق التجربة الإسلامية» ويشير عند الجابري إلى جهة أخرى من التعريف 
بالعقل هئ ألم اين بالغزية,العة وقراعل وغيرها. 


ومن المؤكد أن تباينهما في التعريف يتأتى كذلك من جهة أخرى. وهي 
جهة المتلقي نفسه والخطاب الموجه إليه: إذ يتوجه الجابري إلى المتلقي 
العربي تحديداً من دون غيره (ما يكتمل عنده بدعوته إلى القومية العربية). 
ويتوجه أركون (وهو الكاتب بالفرنسية أساساًء وبالإنكليزية أحياناً. والمنقول 
إلى العربية) إلى المتلقي العربي والإسلامي وغيره (ما يقترب من مشروعات 
سياسية مثل الحداثة ولعلانة والديمة اطي وما يستوقف فى حالتيهما هو أن 
الجابري يقترب من الفلسفة (في تعبيراتها الكلاسيكية؛ وإن تحداك عن «الحفر) 
العاناً)) قينا يقرت أركون ب الداريخ (والا سما ,قن أطر وععة الى متدرنت فق 
كتاب عن ابن مسكويه). 


قال نيتشه: «بأقوى ما في الحاضر من قوة علينا أن نفسر الماضي». وهو 
تايتف إلية الممكر ان كدوك ماوت مسماعي + مدعنا السجاي ين انين 
في تصنيف المعنى (بعد فحص ولقد). فيما اجتهد أركون في زحزحة مرتكزرات 
المعنى. وإذا كان الجابري توصل إلى خلاصات مبتكرة ومغرية في آنء فإن ما 
باشره أركون رسم أوضاعاً متجددة للسؤال نفسه. التي لها أن تكفل قيام المعنى 
قبل أن تبنيه. ولهذا يبدو مشروع الجابري «مكتملاً» (وهي صفة قد يجدها 
البعض إيجابية» والبعض الآخر سلبية)» ومشروع أركون «مفتوحا» (وهو ما 
يقال في هذه الصفة أيضاً). 


ويمكن القول بأن مسعاهما يشكل أوسع تجربة كتابية . بعد مساعي طيب 
تيزيئني وحسين مروة وأدونيس وحسن حنفي وغيرهم ٠‏ في هذا النطاق». فضلاً 
عن سعيهما إلى تمكين خطابيهما من أسس ومرتكزات تجعل الخطاب يفكر في 
ما يقوم به قبل أن يقدم عليه. وما يمكن أن يشار إليه فى هذا النطاق هو أن 
هذين المسعيين ما كان لهما أن يقوما لولا حاصل الدراسات الاستشراقية 
والغربية عموماًء وهو ما يضمره الجابري وإن كان لا ينكره. وهو ما يعلن عنه 
أركون في نوع من التفاعل البنائي الصريح. هذا ما يجعل من هذين الإسهامين - 


١ا/‎ 


على اختلاف بينهماء وبيننا وبينهما - جهداً مزيداً في إدخال التاريخ الإسلامي 
وقضاياه في «التاريخية». 


ولكن هذا لا يمنع من طرح السؤال» بل من القول: ما كان له أن يكون 
في «ذمة التاريخ». أي مركونا في ماضويته. تحول إلى شاغل راهن» ومقلق؛ 
ومن طلب المقارنة في هذا النطاق تنبه إلى أن انشغال هؤلاء المفكرين بسؤال 
الماضي وبمساعي تفسيره لا يخفف أبداً من «ظلامية» مسألة المعنى في السياق 
الإسلامي الراهن. وما كان له أن يكون محل تأريخ وتصنيف» في عداد العلوم 
والمقاربات القديمة» انتهى إلى أن يكون سؤال الراهن. وما كان له أن يشغل 
جهود الكاتبين» في نطاق «رهانات المعنى» (أي تمكين الكتابة من السؤال» من 
شروطهء من قيام علله وأسبابه) اختفى. بل يبدو خفيف الحضور والفاعلية في 
البحث العربي» بدليل إقدام جامعات عديدة على شطب «الفلسفة» من أقسامها 
الجامعية (وهو ما يشمل «الجمالية» بدورها فى معاهد الفنون وكلياته). 


كتاب الدكتورة أبى نادر وفر للقارىء العربى قراءة جامعة ودقيقة ومعمقة 
لمشووغى أركؤن والجابري» ولما يتعداهما (بما فيه المحجوب فيهما). بما 
يجدد السؤال التى تنهى به كتابها: «وتبقى الحداثة الهدف المنشود». 


عريل ذاهر 
بيروتء كانون الثانى/ يناير ٠٠٠١4‏ 


لفل 


أرغب فى البداية أن أرسل ورود الشكر والامتنانٍ إلى أفرادٍ جَنَيتٌُ من 
بساتنهم أطيب الثمرء وتركوا في ذاكرتي ووعبي أعمق الأثر. 
مقدّما كل النّصح والدّعم المعنوي. بعناية أبويّة لافتة. لم يبخل في تزويدي بما 
قد يفيد بحثى. إنه بمنزلة الأب الفكري والصديق المُحبَ الذي كان حاضراًء 
ولا يزال» متابعاً حتى التفاصيل الدقيقة» ومطمئتتاً إلى أبسط الأمور. كما أرسل 
وردة شكر إلى الصديقة تورياء زوجته. على استضافتها لي ومحاولتها توفير 
أكبر قدر من الراحة والمساعدة المفيدة منذ العام .١994‏ 


أشكر بالعمق الدكتور محمد عابد الجابري على تعاونه معي» واستضافتي 
بهدف محاورته في سائل مهمة تخص دراستي. لقد عمل على إزالة بعض 
الصعوبات». مرحبا وداعما. 

أتوجّه بالشكر أيضاً إلى استاذي الدكتور جيرار جهامي الذي رافق رحلتي 
الجامعيّة منذ العام الأوّل» وتابع عملي هذا مرشدا وناقدا ومصوبا. وضع 
خحْبُراته الواسعة في خدمة الأطروحة وتدعيم مداميكها. له مئي التقدير 
والاحترامء هو الذي لم يوفر جهداً بُغية إنجاز هذا العمل. 


أذكر من كان شاهداً على خطواتي الأولى في مجال البحث الأكاديمي». 
فكان المشرف الداعم لمشروع الماجيستير». والموجّه المنفتح الذي لم يبخل 
علىَّء مقذماً أفضل ما حصّله من معارف ومناهج وخبرة. اشكر الدكتور وليد 
الخوري الذي لم يكن بالتالي بعيدأً عن وضع المداميك الأولى لمشروع 
الدكتوراه» ولا عن مختلف المراحل التي مرّ بها. 


18 


أشكر عميقاً الدكتور شربل داغر على التقديم الذي خصٌ به عملي هذاء 
زاوية المناهج النقدية الأكثر حداثة. فمنذ أن علم من البروفسور أركون عن 
تحضيري أطروحة حول المنهج النقدي وهو لم يوفر فرصة لدعم وتسهيل إنجاز 
هذا العمل 

أود أن أقدّم وردة شكر إلى كل من زوّدني بمقالٍ أو دراسة تفيدٌ 
المساحة الضبابيّة التى واجهتنى. 

أرسل أجمل الورود إلى عائلتي الحبيبة فردأ فردأء إذ لم يوفر أحد منهم 
أي جهدٍ من شأنه أن يمدني بالدعم اللازم» والدفء المثمر. 
إنجاز هذه الأطر وحة. ألف شكر وشكر. 


يوم دخل أرسطو دار حضارة الشعر والأدب الفصيح. والعلوم الدينية 
المؤسّسة على البيان. بكل ما للمعلم الحذق من سطوة» مدجّجا بهالة تحيط 
بمقولاته وتركيباته المنطقية المنطقية؛ بدأ التأسيس الفعلى لجدلٍ سوف يحتدم 
تباعاً بين أهل الحكمة وأهل الشريعة. حدث ذلك بدعم مأمونٍ كان قد حبك 
حلماً مأزوماً بإشكالية أربكت الفكر آنذاك: لمن الأولويّة» أللعقل أم للنقل؟ 
علامٌ يجب تأسيس البحث عن الحقيقة الحقّة. والحكم الصائب؟ أي طريق هي 
الأصوب. وأي نظام هو الأسلم؟ انقسم مفكرو الإسلام إلى ثلاثة فرق» تبيّن 
فى ما بعد أن واحدة فقط هى الناجية. هنالك من ناصر النقل وهبّ مدافعاً عن 
الشريعة: تانكم هال انح لفقل اتوخرا قا اديه دناه عن الحكية. 
وهنالك من آثر الحل الوسط فادّعى التوفيق بين العقل والنقل. لكن في نهاية 
الأمر مالت الكمّة في اتجاه نصرة الطريق القويمة المتمئّل بالأرثوذكسية الدينية 
التي تمتلك وحدها حقّ التأويل والتشريع والتعليم. فانكفات جماعة المنطق 
والحكمة التي لم تُقدّر لها النجاة» منعزلةً في إحدى زوايا متحف تاريخ الفكر 
العربي الإسلامي. بانتظار من يأخذه حنيئه صوبها فيقوم باستحضارها مجذداء 
ليحوّلها أنموذجاً يُحتذى. وأصلاً يُقاس عليه. لقد أعادت الفرقة الناجية ترسيم 
حدود الفكرء وتأسيس مقولاته. وتحديد مسارهء قابضة بيدٍ من حديد على ما 
هو مسموح التفكير فيه. فوسّعت بذلك مساحة المستحيل التفكير فيه والخوض 
في غماره؛ وقلّصت صلاحيّات الذهن العربي في التأمّل والإبداع. 


ثم دارت الأيام ومرّت. . 
ثم دارت ومرّت,. إلى أن فوجئ تاريخ الفكر العربي الإسلامي بألوية 


الم 


النهضة تُرفع عاليأ» متدافعة نحوه من دون هوادة» حتى إنه وجد نفسه حائرا في 
كيفية تأريخ كل هذه النهضات المتتالية وتحقيبها وفق الأصول. الجميع يريد 
النهوض.ء والبعث». والإصلاح» والتغيير»ء والدخول من باب الحضارة العريض. 
لا أحد يرضى بأقل من فعل التدشين». وكأن السباق محتدمٌ بين النهضويين في 
سبيل إحراز لقب الفاتح الأكبر لعصر الأنوار العربي. ازدحمت العناوين 
العريضة» واشتبكت المشاريع الفريدة» لم يعد جائزاً البقاء في وضع الانحطاط 
#الفورسن اعد و1 


ها"الذق تعس ينيدا 95 هل انطوى: اليل :العرين الطويز © هل ابيعفاق 
الوعي وقمرز في اتجاه المراجعة النقدية وتحقيق الإصلاح؟ 


زادت الهوّة اتساعاً بين الفكر والواقع» بين النخبة المثقفة المنهمّة 
بالإصلاح والأكثرية الغارقة في الأميّة والعٌوّز. انشغل الإنسان العربي بتحرير 
بطنه من الجوع. وأرضه من الاحتلال. وآخرته من نار جهنّم. ولم يعد لديه 
متسّع من الوقت لتحرير عقله من قيود الاتكال الدائم على أنموذج سبق. 
فالقضايا التى يناضل من أجلها مصيريّة. أخرجته من ذاته. وأنسته ضرورة 
الغوص في التأمل والبحث المعمّق عن مكامن الضعف والأسر والظلام. لقد 
بات فعل النقد. ممارسة برجوازية» لحَفنة من المفكرين» تمركزوا في القممء 
فلرّحتهم شمس الأنوارء وأخصبت أقلامهم. لكتهم شبهُ معزولين» أو مقموعين 
أو منفيين. حُكم على بعضهم ب «التواصل المستحيل»؛ إن شرقاً أو غرباًء 
فحاصرتهم الغربة أنّى رحلوا. نجد هذا البعض يحنّ إلى أيام العصر الذهبي. 
حين بزغ فجر المناظرات الفكرية» والمناقشات الفلسفية» بعيداً عن سيف 
التكفيرء وأحكام الرّدة. إذ إن اليوم» وعلى الرغم من زوبعة النهضات المتتالية» 
لا نزال متخلفين عمًا شهدته الحضارة العربية الإسلامية» بخاصة فى القرن 
الرابع الهجري ‏ العاشر الميلادي. ْ 


الغريب فى الأمرء كيف أن الفكر العربى يعاند التغييرء مخالفاً بذلك 
أبسط قواعد الطبيعة» إذ إن كل ما ينبض بالحياة معرّض بفعل مرور الزمن 
للتبدل. إن الإشكالية التى شغلت الفكر منذ زمن ليس بقريب» والمتمحورة 
خول العلانة بين العقل والنقلء لم تفعل فيها الأيام الدائرة أمراً يُذكر» لقد 
بقيت على حالها مع تبديل طفيف طاول الألفاظ. فبدلا من الإشكالية التي 
طرحها الزوج النقل/ والعقل. صار هنالك إشكالية التراث/ والحداثة. أو الشرق/ 
والغرب» أو اللامعقول/ والمعقول. وكأن في عملية استبدال المصطلحات هذه 


373 


حماية من الوقوع في التكرار والاكتفاء بالاجترار. وكأن كل الانهمام الفكري 
والقلق المعرفي منصبّان عبر الأجيال في إطار إيجاد حل لمشكل مستعص يفوق 
القدرات الذهنية لدى البشر. ١‏ 


برزت في خضم المعارك المستعرة والمواجهات الملتهبة جهودٌ أرادت أن 
تكسر طوق التكرار» وتحدّ من صلاحية القياس على «أنموذج سلف»» ساعية 
قدما نحو إعادة قراءة الماضى من منظور مغايره ومحاولة الابتعاد عن 
الأيديولوجي في اتجاه المغرفي: لقد عمل كل من محمد أركون ومحمد عابد 
الجابري في سبيل الكشف عن جذور التراث العربي الإسلامي في طبقاته 
المتراكمة وعن آلية اشتغال العقل الذي أنتجه. سعى كل على جدى» من خلال 
اعتماد المنهج النقدي. إلى تحديد مواضع الخلل في التعاطي مع هذا التراث» 
وإبراز مكامن القوة والإبداع فيه» مع 5 بالفارق الزمني الذي يفصل اليوم 
عن الأمس. لقد تبيّن لنا أن الرابط الأساس الذي يجمع بين مفكرينا يكمن في 
هذين المصطلحين: التراث والمنهج. وإذا أردنا أن نزوّد دراستنا بعنوان رديف 
لاخترنا ما يلي: «مشكلة المنهج في قراءة التراث لدى أركون والجابري». أراد 
الاثنان العمل فى حقل التراث تنقيباً» وحدّدا الدخول فى الحداثة هدفاً. لكن 
بدا لنا في نهاية المطافء إن ما جمع بينهما بالتحديد هو الذي قد فرّق بينهما. 
فالأزل. أي أركون. لم يضع حذأ يؤطر حقل عمله داخل التراث» إذ اعتبر أن 
كل ما قد أنتجه العقل العربى ‏ الإسلامى شفههياً أو كتابياً. فلسفياً أو دينياء 
بجت التوقك اعنده» .والبيخث فقي أسشه +مع الانتباه إلى "المسكوت عنه» 
واللامفكر فيه. أما الجابري فقد حصر عمله بالثقافة العالمة. كما إنه وضع منذ 
البداية خطأً أحمر منع قلمه من تجاوزهء حاصراً بذلك إطار بحثه بالعقل 
العربى وحده وبما أنتجه فى إطار البيان والعرفان والبرهان؛» إذ إن العقل 
اللاهوتي: لأ يعليه »وهو يعي نفس من أي ضهئة تطاول:الإصبلاتم ,الديتئ الذي 
له أربابه. 


هذا على صعيد التراث» أما على صعيد المنهجء أو الأداة التي استخدمها 
كل منهما لإنجاز مشروعه لخادت نه رايع إن قارئ نصوص أركون يبدو 
له أن المؤلف يعمل ويستكشف تباعاً أدوات حفره محاولاً توظيفها في المكان 
المناسب» عندما تدعو الحاجة. فالمنهج يتبلور تباعاً عند أركون» كما إن 
الخطوة الأولى هي التي توجّه الثانية أو تغيّر مسارها. بينما قارئ نصوص 
الجابري يشعر وكأن الخطوط العريضة قد رُسمت مسبقاء والنتيجة قد حُدّدت 


اذا 


سلفاً. لأن الهدف واضح في ذهن المؤلف منذ البداية: إنه الإعلان عن عبقرية 
ابن رشدء وتفوّقه. وتميّزه في زمن كان الفكر قد تحجر فيه داخل قوالب 
محددة. أراد الجابري أن يثبت منذ بداية مشروعه النقدي الرباعى الأجزاء. إن 
اكرات العرى قد عرف النعلادة والروم النقدية على بساين رحد ديد ا ولا 
شيء يحول دون إعادة بت هذين المفهومين طالما أنهما ليسا بغريبين عنًا. 


وكأن النتائج واضحة المعالم قبل الشروع بالنقد لدى الجابري» بينما تبقى 
ملئيسة" ومستوزة لدئء أركؤون» تستشمها تباعا مع تقدم البحث وتطوّر مراحله. 
كذلك نجد على صعيد المنهج تمرّس أركون في مناهج علوم الإنسان والمجتمع 
واللغة التي تبلورت حديثاً في الغرب. مع محاولة الاستفادة منهاء. إلى أبعد 
الحدود. من خلال توظيفها في البحث ضمن إطار التراث العربي الإسلامي. 
لقد دض لتقلة أن يطرق ,نار المقادين "و الممحفيل الفكير كيد مستعينا نيد 
الأنئروبولوجيا الدينية» والسيميائيات واللسانيات. حمل هم الكشف عن 
المغالطات التاريخية. وعن عملية الخلط بين النص الأول أي الخطاب 
القرآنى - والنصوص الثوانى - أي التفاسير والاجتهادات الفقهية والكلامية ‏ إلى 
حك المستاواة لسشهتما »هيز 1 الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية» وبين الوحى 
والدينء مشرّعاً الأبواب أمام طرح الأسثلة الشائكة الني تستفرٌ الفكر وتحقه على 
رفض التقوقع داخل ما قد رسمته السلطة الرسميّة في زمن محدد. عمل جاهدا 
على إبراز المنحى التاريخي للعقل الإسلامي» ما يفسح المجال لاستيعاب تبدل 
المكان والزمان» وإخضاع الأحكام الصادرة عن علماء الدين إلى الظروف 
التاريخية والاجتماعية المحيطة بهم في حقبة معيّنة. لم ينظر إلى الحقيقة 
باعتبارها جوهراً جاهزاً ونهائياً إنما ك «مجموع آثار المعنى» التي يقدّمها «نظام 
الدلالات الإيحائية» المستعملة من قبل مختلف الأفراد والجماعات. إنها بمثابة 
اتركيب أو أثر ناتج عن تركيب لفظي أو معنوي قد ينهار لاحقاً لكي يحل محله 
تركيب جديدء أي حقيقة جديدة)""' . 


نشير في سياق الكلام على المنهج إلى أن الجابري قد أعلن منذ بداية 
مشروعه عن تبتّيه للإابستمولوجياء واعتماده النقد الإبستمولوجى بغية التمكن من 
تفكيك بُنى العقل العربي والكشف عن مكوناتها. لم يشأ الدخول في مضمار 


)١(‏ محمد أركون» قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ترجمة وتعليق هاشم 
صالح. سللة نقد الفكر الديني (بيروت : دار الطليعة. .)١994‏ ص ١517‏ 


3 





علوم الإنسان والمجتمع التي لم تحصر عملها بالعقل والعقلانية فقط. إنما 
انشغلت بتحليل القصص الدينيء والوعي الأسطوريء. والخيالء والرمزء 
والعلامة» والشعيرة الدينية؛ وكيفية الاحتفال داخل مجتمع ما... إلخ. كل هذه 
الانشغالات لا تطاول العقل بالمعنى الأرسطى للكلمة. من منظور الجابري» لذا 
فهي لا تعنيهء إذ إنه أراد الاهتمام الل 2 دون سواهء متأثّرا بفكر كانط 
وهيغل. على حد تعبيره. 


صحيح أن أركون والجابري توجّها نحو التراث بحثاً. وحفرأء وتفكيكأ. 
لكن من موقعَين مختلفين» وبأدواتٍ متباينة. لذلك؛ كان من البديهي أن تأتي 
النتائج مغايرة. فما يراه أركون ضرورياً وأساساً. إذ لا يجوز البدء بأ مشروع 
قبل إنجازه ‏ كنقد الفكر الدينى على وجه التحديد ‏ لا يجد الجابري نفسه 
فلرها كا تشييه صر دزقرة الكتالدية كينا بالسرافي المع كن ديك جنا زه 
الخلاف على ثقد العقل العربي أم العقل العربي الإسلامي؛ 00 

كذلك. إن ما يضعه أركون في خانة الارتقاء والإبداع والخروج من الأطر 
الضيّقة. يصفه الجابري بالظلامية والتخلّف والانصياع إلى أحكام اللاعقل. فما 
يسميّه أركون ب «المخيّلة الإبداعية العرفانية»» وما نتج منها من خطاب مميّزء 
أفرز معجماً لغوياً وتقنيّاً خاصاً. يحط الجابري من شأنه. ويضعه في إطار 
«العقل المستقيل» الذي تخلى عن مهامه خاضعاً لألاعيب الرمز والخيال 
والمجاز. 

إن ما يصوّره أركون تجلياً للإنسيّة العربية في القرن الرابع الهجريء 
وللعقلانيّة المعبرة عن عطش الروح للمعرفة والفهم. مع السجستاني ومسكويه 
والتوحدي والعامري وغيرهمء يعتبره الجابري انتقاصاً من مستوى التفكر 
العقلي. والتجريد الفلسفي لصالح المقابسات والأدبيات الشائعة. هذا التدهور 
في الإنتاج الفكري قد أوقفه لاحقا مفكرو المغرب العربي. وبخاصة كل من 
ابن رشد وابين خلدون. 

انْهِمَ أركون بإبراز أهمية المفكرين الثواني الذين لم يسطع اسمهم عاليا. 
بينما انكبّ الجابري على المفكرين الأول. الذين كانت لهم المكانة المرموقة 
فكرياً واجتماعياًء وأهمّهم ابن رشد. 

رأى أركون في نظرية خلق القرآن وأولوية العقل على النقل لدى المعتزلة» 
خوضاً في معترك الحداثة قبل حدوثها بكثير» بينما فسّر الجابري الأمر بأنه 


>30 


صراع سياسي يهدف إلى إثبات موقع على الخارطة السياسية مستخدماً القمع 
بحق معارضي هذه النظرية. 

كذلك أصرٌ أركون فى أكثر من مناسبة على تبيان كيف أن العلمنة ليست 
لورية: عن تارب الفكر العريق 'الآشلامي الذي غرف تعفن التضارت هع المامون 
والمعتزلة وابن حنبل ومعاوية» حيث تم فيها الفصل. ولو بشكلٍ جرني» بين 
الروحي. والزمني. واستخدام الاجتهاد العقلي» والنظر في الإنسان «بصفته كائناً 
كر ظا فى الوصو" الطفاتى ,لجسي 101 كعد فى الحقال ار التجا نوق 
توئفن" لخدام ممظلع العلمدة» اويتضم عدم الخو افيه الآنها غرييه من 
التجربة العربيةء» مفضّلا استخدام مصطلح الديمقراطية والعمل على ترسيخه في 
الأذهان والأعيان. يرى أن الديمقراطية أقرب إلى العقل السياسى العربى والفكر 
الذي أنتجه من العلمانية ذات المنشأ الغربي. اا 


وافح كدالتم) أن اختلاف ام ارات الم لدى أركون 
يطلع على القسم 0 دري حك ارين الله حول مقن 


ميّر بين مشروعّي أركون والجابري النقديين. 


قد يسأل البعض عن سبب اختيارنا البحث ب «خصوصيّة المنهج النقدي في 
الفكر العربي الإسلامي المعاصر». مع العلم أننا حصرنا بحثنا بإسمّين فقط هما 
محمد أركون ومحمد عابد الجابري. لقد حدّدنا فى العنوان التزامنا بنصوص 
هي المفكر رو الكن الهاذا انيرنا أكون والبجا دوي مو وز ن سؤؤا هي 

لم ندع البتة» على مدى صفحات هذه الدراسة. إنه بالإمكان حصر 
المنهج النندي في الفكر العربي الإسلامي المعاصر بما قدّمه أركون والجابري 
فقط. إذ لا يمكن لأحد أن يتغاضى عن وفرة الإنتاج في هذا المضمار من قبل 
أسماء لامعة في عالم الفكر العربي الإسلامي». لا نحن» ولا كزا عطي 
إلغاءها أو تهميشها. وقد عمدنا إلى التوقف عند بعض هذه الأسماء فى التمهيد 
(ص  ””‏ 6. بعد أن كنا قد برّرنا نقاط اختيارنا لمفكزينا الآنفيَ الدكي علن 
الرغم من أن أركون. والجابري يشيران» في أكثر من نضء إلى أن كلا متهما 


(؟) محمد أركونء معارك من أجل الأننة في السياقات الإسلامية. ترجمة هاشم صالح (بيروت: 
دار الساقى, ١١٠1)ء‏ ص 178. 


35 


يقوم بعمل تدشيني في هذا الحقل أو ذاك مفتتحَيْن مجالات جديدة للتنقيب» 
فإن ذلك لم يجرنا إلى إعطائهما وكالة حصرية تخوّلهما احتكار مهمّة النقد في 
الفكر العربي الإسلامي المعاصر. لكن ضرورة البحث تقتضي تحديد المسارء 
وضبط النصوص التي يجب تحليلهاء والسعي إلى هدفيٍ لتحقيقه. ضمن إطار 
مؤلّف واضح المعالم. 

لقد أردنا بعد أن قدمنا لموضوعنا بتحديد مفهوم النقد بعامة» ولدى أركون 
والجابري بخاصة؛ إن نفرد قسماً لكل مفكر على جدىء. نعرض فيه أبرز 
المفاصل النقدية التي تميّز بها مشروعه؛ ونحدّل المسار النقدي الذي اتبعه في 
مقاربة الفكر العربي الإسلامي. مكرسين القسم الثالث لدراسة مقارنة» نبرز فيها 
مكامن الفصل والوصل» ونستخلص النتائج التي توضلنا إليها عبر سني بحثنا. 
اعتمدنا فى دراستنا «منهجيّة مثلئة الرؤوس» تبدأ بالوصف الذي يليه التحليل» 
لكي نهيّى الطريق للمقارنة» الأمر الذي سمح لنا أن نبحث» في نهاية المطاف» 
بالنتائج النظرية والعملية» ضمن خاتمة عملنا فيها على تقويم مجمل ما قذمه 
المشروعان النقديان من طروحات وإنجازات. 


لحظ الدكتور جورج كتّوره في تقريره عن هذه الدراسة وقت قدمت 
كأطروحة لنيل شهادة الدكتوراه؛ أن «الفصل ظل تامأ بين العلمّين المشار 
إليهما»؛ متمئياً «دمج المواضيع وبحثها بمقارنات أوَلية قبل الوصول إلى النتائج 
والوقوف عندها». إن هذا الاقتراح القيّم كان قد راوَّدَنا في أثناء صياغة البحث» 
لكننا قد فضّلنا الفصل بين القسمين لأن المقارنة بينهما ليست وحدها الهدف 
الأساس لدراستنا. أردنا أن نقدّم رصداً دقيقاً لمسار كل من مفكرَيْنا من خلال 
تتبّع خطواتهما النقدية من بداية المشروعين النقديّين ولغاية آخر ما توضّلا إليه. 
فإذا اعتمدنا المقارنة منذ الفصول الأولى. لكتاء بحسب اعتقادناء قد عرقلنا 
تسلسل العرض الذي توخينا الذّقة فيه.ء لإيصال فكر علمَيْنا بصيغة منسجمة 
ومترابطة. علماً بأننا كنا قد تطرّقنا إلى مفكرَينا معأ في المقدّمة والخاتمة وفي 
أكثر من موضع من القسمين الأول والثاني. 


حاولت حصرها بنقتطين : 
١‏ - عندما بدأت بصياغة نص الدراسة كنت على يقين من أن كل خطاب 
يقتضي وجود مرسل ومرسّل إليه. فطرحتثُ على نفسي سؤالا: إلى من يتوجه 


/؟ 


عملى هذا؟ من هو القارئ الذي أحمل إليه عصارة ما قرأت فأطلب منه 
مشاركني عقي المعرقي؟ إذ إن انكل المخاطث بالاغساو د يشكل أجد ابر 
لووط العؤاد ان لماي به إلا توخكه فقا إلى كفده عن ره المسوم يي 
بقضايا الفكر العربي الإسلامي المعاصر اختارتهم إدارة الجامعة اللبنانية لتقويم 
ععلى؟ أء إلى "قله فليلة من الباحفيزق الأكاديضين المشكلين: بالفكر العريى 
الاسلامن. فى موطيق 15م إلى لاب المغرفة الدين ودوك إتحان يلت ها فى 
مادة محددة؟ 


التبس الأمر فى ذهنىء» إذ إن ما يراه الباحث المتبخر استطراداً؛ يجده 
طالب المعرفة فرضة لعنافيى ثقافهه نوما يعتيرة الأول تكرا را تيفكل بالينية 
إلى الثاني مناسبة لترسيخ ما كان قد ورد سابقاً وغفل عنه. من الذي يجب أن 
يراعيه طالب الدكتوراه ساعة يشهر قلمه فى وجه الصفحة البيضاء؟ لو كانت 
مويه 73 ان ميحد دف ملك البداءةت. لاد الصيقة ‏ البياتة الل اونا 0ك عافن 
عليه. بتعبير آخرء لو أنى عرفت مثلاً أن قرّائي هم فقط المخنصّون في قضايا 
الفكر العربي الإسلامي المعاصرء لوفرت على نفسي وعليهم عناء مواكبتي 
علن مد ها يقار الثللاث مئة صفحة. تطليت ضياغتها متشعا من الوقة» 
ومجهوداً فكرياً للإحاطة بمعظم ما أصدره وما زال كل من أركون والجابري. 
أما لو كان المرسل إليه محدّداً بالطلاب الجامعيين لكنت أضفتُ مثلاً العديد 
من الشروحات. وأكثرت الغوص في المفاهيم والمناهج الغربية التي استفاد 
منها مفكريْناء وبخاصة أركون. من هنا كان على فعل الكتابة أن يراعي هذا 
اللبس في تحديد المخاطب» ويجمع بين الاحتمال الأول والثاني» فيتقدّم 
إلى المخاطب بصياغة تأخذ بالاعتبار تبخر المتخصّص وعطش طالب المعرفة 
في آن. 
- يشتكي الطالب عادة من قلَّة المصادر والمراجع التي من شأنها أن 
تقدم له الإفادة الضرورية لإنجاز عمله. أما في فنا يتغل بموضوع دراستي» 
فالأمر مغاير. إذ إن المؤلفات كانت ولا تزال تنهال على بوفرة» لدرجة أني 
اضطررت إلى أن أضع حدًا زمنياً أقف عنده. لكني سرعان ما كنت أبذّله. 
وأعاود فعل القراءة. حتى إنه في الأيام القليلة الماضية أعلمني أركون بصدور 
كتابه الجديد عن دار (مملا) : سوردم الوممممم اك كافطجرم) نماك[ اء متكا مممسطى 
وآخر يتناول فكره عن دار الطليعة للباحث التونسي مختار السخاري». بعنوان 
نقد العقل الإسلامي. كذلك هي الحال مع الجابري الذي كان يُصدر في بعض 


571 


الفترات أكثر من كتاب في السنة الواحدة» ناهيك عن جورج طرابيشي الذي ما 
زال يقصف بمؤلفاته على جبهة نقد العقل العربي» وآخرها ما صدر عن دار 
الساقي بعنوان العقل المستقيل في الإسلام'" . 


د كاد كاد 
بن ٍ بن 


لا بد أن نوضح بعض الأمور قبل المباشرة بقراءة هذه الدراسة التي أردنا 
المنهج النقدي موضوعاً لها. لِمْ أركون والجابري تحديداً؟ ولماذا الانكباب على 
نظمهما المنهجية؟ 


بدأت مسيرتي مع الفكر العربي الإسلامي المعاصر عندما اطلعت على فكر 
محمد أركون وقرأت على وجه الخصوص كتابه تاريخية الفكر العربي الإسلامي 
الذي يتضمّن أسس مشروعه النقدي». وركيزة تصؤره لكيفية مقاربة التراث 
العربى الإسلامى». وتفكيكه للعقل الذي أنتجه. كما إنه يحتوي على نقد الرؤية 
الانعغزافنة :لحن عالحيت (إشتكاليات هذا الكرات. برودف متبط ناهد 
الكلاسيكية في القراءة» مستبعدة في الوقت عينه ما شهده الغرب الأوروبي من 
طفرة على صعيد المنهج النقدي. ومن تبحر في تطبيق هذا المنهج على الفكر 
الديني المسيحي أو اليهودي. لقد تجاهل عدد كبير من المستشرقين مكتسبات 
علوم الإنسان والمجتمع واللغة؛ وتعاطوا مع الفكر العربي الإسلامي بمعزل 
عنها. من هنا كان ردّ أركون عليهم في العمل على تأسيس ما يسمّيه 
ب «الإسلاميات التطبيقية» كمقاربة علمية موضوعية حديثة لهذا الفكرء وذلك 
بعد نقده منهج الإسلاميات الكلاسيكية الذي اتبعه معظم المستشرقين. 

ثم اطلعت في ما بعد على كتابه الصادر بالفر نسية تحت عنو أن #لاوفافت مسن ممم 
عنال1711ك اذا «رمكان: ن| مل فأدركت حينها أن ما كتبه أركون في البداية لم يُنقل كاملا 


إلى العربية» إذ إن تاريخية الفكر العربي الإسلامي ليس ترجمة لكل نصوص 
الكتاب الأول. فالحكمة والحذر والدراية أخذت فى الحسبانء. لأن القارئ العربى 
لم يكن بعد مستعداً لتقبّل الفكر النقدي الحديث والمعاصر بخاصة. 


دفعني حماسي أن أسجّل في العام ١414١‏ موضوع رسالة الماجيستير تحت 


(؟) جورج طرابيشي» نقد نقد العقل العربي. ؛ ج (بيروت: دار الساقي. 55ج :1 


العقل المستقيل في الإسلام .©25٠١5(‏ 


"9 


عنوان «مدخل إلى دراسة فكر محمد أركون». وانكببت منذ ذلك الحين على 
النهل من معينه إن قراءة» أو حواراً مباشراً عبر السفر إليه ‏ أو تبادل الرسائل 
معه ‏ فترسّخ لدي اقتناع حتّني عن ضرورة أن أكتب بالعربية» فأنقل إلى 
الطالب الجامعي العربي» أهم ما توصّل إليه الفكر النقدي من إنجازات تعنيه 
مباشرة» وهو بأمسٌ الحاجة إليهاء لصقل منهجية ذاتية ذات طابع شرقي. 


كان محمد أركون المفكر إنساناً سخياً معيء فزوّدني بكثير من المصادر 
والمراجع التي اطلع عليهاء كما أجاب بإسهاب عن معظم أسئلتي». ووضع بين 
يدي نصوعه الفرنسية التى لم يكن قد نشرها بعد» أو هي في طور النشر. قدّم 
لي النصح؛ من خلال توجيه ملاحظاته حول المخطط العام لمشروع الدكتوراه 
الذي سنحت لي الفرصة أن أناقشه معهء بخاصة في الباب المتعلق بفكره. 


إن إعداد رسالة الماجيستير التى أنجزتها فى العام 14 قد كشفف لى عن 
رغبة في المزيد من التعمّق في المنهج النقدي كما يمارس في الفكر العربي 
الإسلامي المعاصر. وكان أن اخترت المقارنة بين منهبجَي كل من أركون 
والجابري النقديّين لأسباب عدة أبرزها: 


1ح لالش قنك قد قراف كل ما كان قن نفل إلى العرية من مؤلفات 
أركون» بالإضافة إلى ما توفر لدي من كتب ونصوص فرلسية له. كما إني كنت 
قد اطلعت على أبرز ما كتب فيه أو عنه. ما سهل علي متابعة تحليل ما فاتني 

27 لأن الجائرى بحسن «هو الآشر مشتووعا نقديا ييقى الحفره والتفكيكق 
من أجل الدخول فى الحداثة»ء مشيراً إلى العديد من الثغرات في الفكر 
العربي. ومبرزاً في الوقت عينه مزايا ما توصّل إليه هذا الفكر بخاصة في 
المغرب العربي. 

لأن الاثنين قد جعلا من التراث العربي الإسلامي حقلاً شاسعاً 
للتنقيب والبحث. وأقاما فيه ورش حفر لم تنتهِ فصولاً بعد. هذا ما جعلني آخذ 
حذري من إطلاق الأحكام المبرمة. 


 :‏ لأن الاثنين همّهما الحضاري متقاربء. فالأوّل ‏ أي أركون ‏ يبغي 
العمل على إدخال الإسلام في الحضارة العالمية دخولا فاعلاء وعدم الاكتفاء 
باستيراد الحضارة. ورد الفعل على ما تنتجه» أو بتهميشها وكأن شيئاً من قبيلها 


و 


الا ا ف (الككير من الأمور التي تهم الإنسان. 


أما الجابري فيرى أن النقد الذي يمارسه ضروري من أجل تحقيق 
«استقلال الذات العربية»» وإسهامها في العقلانية العلمية المعاصرة. وذلك من 
خلال قراءة «١جديدة»‏ يقذمها تاريخ الفكر العربي» تبلورت في شرع نقدي 
للعقل العربي. له أسس معرفية وأيديولوجية واضحة. 
- لأن الاثنين ركزا أسساً منهجية لإعادة قراءة التراث في ضوء علوم 
العصر وحاجاته الثقافية» فغدا مجمل ما يكتبانه يشكل محور دراسات ومقالات 
ومناقشات عذة. إن شهرة أركون قد تنامت في أوروبا وأمريكاء فهو اليوم 
مرجعية فكرية إسلامية لا يمكن أن يتجاهلها الغرب. كذلك إن شهرة الجابري 
قد عمّت العالم العربي» فأقبل العديد على قراءة ما يكتب». ودليلنا على ذلك 
عدد الطبعات التى يصدر فيها الكتاب الواحد لديه» ومدى ما يتصدّى لأفكاره 
النقاد سلباً أم اتعنابا: 


نود أن نتوقف هنا عند فارقيٍ مهم يميّز بين كتب أركون المنقولة إلى 
العربية والتي اعتمدناها كمرجع أساس نعود إليه في دراسة النص الأركوني» 
وبين كتب الجابري. لم يمارس أركون التأليف المباشر بالعربية» إنما كتبه هي 
عبارة عن عملية توليف. يختار النصوص التي يبغي أن تنقل إلى العربية» 
امهيا انا ننه دين كتاف ضاد كلنة الضاك إن يعار اا اح بطل 
ممؤولية كته الحربية »كنا له يعن مام الوغن سيعونة العام الت أركلها إلى 
تلميذه ومتلقف أفكره هاشم صالح. إذ ليس من السهل نقل المصطلحات من 
بيئة فكرية ومنظومة لغوية إلى بيئة أخرى» ومنظومة غريبة عنها. عندما توقفت 
الحضارة العربية عن الإنتاج الريادي» لم يعد من المألوف فعل إبداع 
المصطلحات أو تطويرهاء أو إغناء اللغة والفكر بالطروحات الجديدة. 


أما الجابري فقد كتب بالعربية من دون أم يمر نصه في مختبر الترجمة الذي 


قل يشوه أو يجمّل أو يحور النص المنقول. لم يواجه ا 
هذه بقدر ما واجه مشكلة «تبيئة المفاهيم» الغربية» والمصطلحات التى استعان 


بها من أجل بلورة أفضل لمشروعه النقدي. إنه عمل على جعل المصطلح الغربي 
الغريب عن البيئة العربية. أقرب إليهاء ويعبّر بالتالي عن همومها. 


تجدر الإشارة هنا إلى أنه على الرغم من عدم تأليف أركون كتبه العربية 


5١ 


تأليفاً مباشرا فهر قد اطلع على ترجمتها في كتين من الأخيان ت مذفقا 
قينا ٠»‏ علماً بأن ترجمات هاشم صالح. تحمل باعترافه هو ثغرات 
عذيةة عمل :وما:زال يما على مالعا ذلك حجد فرق كيرا يكن قا تفل 
صالح بداية وبين آخر ما تم نشره بالعربية. إن نص هاشم صالح بات أقرب إلى 
الأذن العربية مثلاً فى معارك من أجل الأنسنة. أكثر منه فى تاريخية الفكر 
الترين: الأملايق واعني اه جين الذي اله الشر يس فا ف ديل إيقباك 
فكر المؤلف ومنهجه على حقيقتهما. 

لم نشأفي هذه الدراسة أن نكرّر ما سبق أن أوردناه في رسالة 
الماجيسنيرء لذلك جاء التركيز هنا على أمور المنهج أكثر منه على عرض الفكر 
الأركوني والتوقف عند مضمونه. لكن الأمر كان مختلفا مع الجابري» إذ كان 
عانتما متيس الظلانا من كبقية معالضسمه ليزن الموضوعات: الكزائية: 
لذلك سوف يجد القارئ» إن القسم الأول المتعلّق بخصوصية أركون في نقد 
الفكر العربي الإسلامي هو أصغر حجما من القسم الثاني الذي يعالجح خصوصية 
الجابري في نقد الفكر العربي. 


كذلك إن أسلوب الجابري فى التحليل والنقد مختلف عن أسلوب أركون. 
فالأول يعرض بإسهاب ارد لد ويكثر من النصوص التراثية ومن المقاربات 
التي سوف يناقشهاء الأمر الذي يطيل مساره النقدي ويوسّع مخططه الفكري. 
من هنا يأتي الحديث عن منهج الجابري في نقد العقل العربي مسهبا أكثر منه 
كلاماً على منهج أركون في نقد العقل الإسلامي. ثم إن أركون قد اعتمد في 
كثير من الأحيان على التكرار اعتقاداً منه أنه يتوجّه إلى «أبناء قضار» فى معرفة 
الحذاثة كان هله كابهاذ .أن عيذ ووس لع الثكر ان يحول دوت شاع أفكارة 
أو سوء فهمها. فما كان علينا إزاء هذه الظاهرة إلا أن نختصرء لأننا على يقين 
من أن قزّاء هذا الثمن هم .من الجامين الذيق لا يحتاجون إلى «مزيد من 
التكرار. فاكتفينا بالعمل في القسم الأوّل. على تبسيط ما تقدم به لدى أركون. 
واختصاره قدر المستطاعء فأكثرنا من الشروحات وأوردنا العديد من التعليقات» 
علنا نسهم من خلال ذلك في إيصال فحوى المشروع النقدي لديه بيخصوصيته 
وبأبرز مفاصله. 


يبقى أن نشير إلى أن كون مفكرينا اللذين اخترنا مشروغيهما أنموذجاً للبحث 
في الفكر العربي الإسلامي المعاصرء هما في أوج عطائهما الفكري» إن ذلك 


7 


كان له الأثر الإيجابي فيناء إذ تمكنا من مرافقة انتاجهما عن كثب» والتقينا بهماء 
كلا علق جدئ + أكثر مق مرة» 'وافشنا مطؤلاً»- وبحاطة مع محمد اركون الذي 
حاورناه في مناسبات عذة. لكن هذا الوضع أسهم. إلى حد ماء في تأخير إنجاز 
بحثنا هذاء لأنه كان علينا أن نتتبّع آخر ما يصدر لهما أو عنهما. كنا نضع في كل 
مرّة حذا زمنيًا لعملناء يغطي حقبة معينة من إنتاجهما الفكري. لكن سرعان ما 
ان مدر لجنا كنات ند من سكا لطم القن روتس على عاد 0 
إطار اللتسل كشن إلى غارة | نعداة جد السكحات تقل أنه قد بيرك بكر 
الكثير مما كتب ونشر عن أركون والجابري. لكن اكتفينا بالعمل المباشر على 
النصوص التي توافرت بين أيديناء فحللنا معظم كتب الجابري باستثناء ما صدر له 
مؤخراً من تحقيق لكتب ابن رشدء أو بعض المقالات المنشورة. كما بحثنا في 
كل ما نقل لأركون إلى العربية؛ مع عدد كبير من النصوص الفرنسية التي سلمنا 
إياهاء وقسم لا بأس به مما نشر له في الصحف الأجنبية والعربية تباعاء بالإضافة 
إلى اطلاعنا على ما توقّر لدينا من كتبه الفرنسية. 


قبل أن ندخل في تقديم دراستنا هذهء علينا أن نشير إلى أن مشروع نقد 
الفكر العربي الإسلامي»؛ ومسألة البحث في الخطاب الديني وفي كيفية تأويله. 
موضوعان يشغلان حيّزاً كبيرأ من الإنتاج الفكري العربي المعامر ياك الاين 
من المفكرين الذين انخرطوا في مشاريع نقدية طاولت العقل العربي كما النص 
الديني. نذكر على سبيل المثال لا الحصر المحاولات التأويلية التي قام بها نصر 
حامد أبو زيد للخطاب الديني؛ والطروحات التي قدّمها حسن حنفي من أجل 
بلورة موقفٍ جديدٍ من التراث القديم. كما نشير إلى العمل على تجديد المنهج 
فى قراءة التراث واتجديد العقل» لدى طه عبد الرحمن. كذلك لا يمكن أن 
نغفل عن الجهود التي بذلها عبد الله العروي في مقاربة الأيديولوجيا العربية 
المعاصرة. وفي تسليط الضوء على العرب والفكر التاريخي. نذكر أيضاً في هذا 
السياق المحاولة التي قام بها صادق جلال العظم بهدف نقد الفكر الديني منذ 
بداية السبعينيات» والقراءات التي قدمها عبد الهادي عبد الرحمن «في توظيف 
التطن الدونو 4 مو خلال السك فق بتلطة القفنب رون اشركن المفديي» ا 
تذكر هام عضبب فى سؤالة النقدي هل هناك عقلٌ عربي؟ كما تلفت الاننياة 
إلى مشروع الرؤية الجديدة للفكر العربي في العصر الوسيط الذي قذمه طيّب 
تيزيني؛ وإلى دراسة الظاهرة القرآنية» والبحث في شروط النهضة اللذين 
أنجزهما مالك بن نبي. 


رذن 


كذلك نود أن نشير في ختام هذا التمهيد إلى أن العديد من المفكرين 
المعاصرين قد تناولوا بالبحث والنقد مشروعي أركون والجابري”*؟'. لقد اطلعنا 
على مقاربات نقدية عديدة» سوف نأتي على ذكرها تباعاً» بخاصة في القسم 
الثالث» حيث سنتوقف عند مقارنة المشروعين النقديين» وعند كيفية تلقّي كل 
المفكرين» ما استوجب الرّدء والوّد على الرّد فى بعض الأحيان؛ كما حصل 
بين جورج طرابيشي والجابري مثلا. نذكر أبرز الذين بحثوا في مشروعَي أركون 
والجابري معا: جورج طرابيشي» وكمال عبد اللطيف. والزواوي بغورة. وهناك 
من اهتم أكثر بمشروع أركون». فألف فيه محلّلاً ومنتقداٌ. مثل : علي حرب» 
ورشيد بن زين» وغيرهما. 

كذلك هناك من انشغل بأدقٌ التفاصيل التي ميّزت «نقد العقل العربي» عند 
الجابري مثل : يحيى محمدء وبخاصة جورج طرابيشي. لا ندعي في عملنا هذا 
أننا قد أحطنا بكل ما كُتب ويُكتب حول نقد الفكر العربي الإسلامي. ولا بكل 
ما يُنشر حول مفكرينا: أركون والجابري. لكننا كنا حريصين على ذكر كل من 
أفادنا في تسليط المزيد من الضوء على الموضوع الذي اخترناه عنواناً لهذه 
الدراسة ؛ ونحن تأمل فى متابعة المسير وإكمال ما فاتنا فى المستقبل القريب. 


(4) من أجل الاطلاع على عناوين المؤلفات التي بحث فيها أصحابها أما في مسألة المنهج ونقد 
التراث والخطاب الديني» وإما في تقويم مشروعّي أركون والجابري. انظر قائمة المراجع المختلفة في 
هذا الكتاب. 


3 


مقدمة عامة 


مشكلة المنهج في قراءة التراث 


يشكل فعل النقد الجوهر المحرّك للفكر الفلسفيء وللعقل القلق الذي 
يبحث عن المعنى. إنه الدافع الأساس الذي يؤدّي إلى بلورة ما هو جديدء 
واستكشاف ما هو محجوب. إنه كالأفق يدعو القوة العاقلة إلى الانطلاق قدماً 
نحو ما هو أبعدء من دون التوصّل إلى القبض على الحقيقة كاملة وسجنها بين 
دفْتي كتاب» بشكل نهائي. للنقد شروط يعمل من خلالهاء قد تكثر أو تنقص 
وفقاً لما يفرضه المفكر على نفسه أو ما يفرضه المناخ المعرفي والاجتماعي 
عليه. للنقد أهداف أهمها يتراوح بين الهدم. والغوص في العمق. وكشف 
النقاب عمًا أريد حجبّهُ. والحفرء وتسليط الضوء على الزوايا المظلمة» والتهيّؤ 
من أجل تشييد بناء حديد» والانخراط في مشروع الحداثة الفكرية ودخول ركب 
الحضارة العالمية. للنقد موضوعات تتعدّد تبعاً لتنوّع المجالات الثقافية التي 
ولجها الفكر البشري عبر التاريخ؛ لذلك فهي تتطرّق إلى الأدب مثلاء والشعر 
والدين والأخلاق والسياسة؛ وإلى النفس والمجتمع والفنء وإلى العقل 


للنقد مناهج عمل على تأسيسها العقل واحداً تلو الآخر منذ أن بدأ بطرح 
الأسئلة المؤشكلة التي تحمل في طيّاتها قلق المعنى. وهم التوصّل إلى الحقيقة 
الحقّة. وعدم الاكتفاء بالإجابات التي قُدَمت سابقاً. ومع دخول الفكر مرحلة 
الحداثة والعبور فى ما بعد إلى نقدهاء تبلورت فى الغرب مدارس منهجية 
غديدة تمد الشد أمانا له افمع ين ذلك أن طرحت مسطلتحات غير مالوقة 


م 


في حيّز التداول الفكري واللغوي. شغلت المفكرين ودفعتهم إلى المزيد من 
الانخراط في المشاريع النقدية المتعدّدة الأبعاد» حتى غدا النقد عنواناً عريضاً 
يكلل الإبداعات الفكرية الحديثة والمعاصرة. 


من هنا جاء انشغالنا فى هذه الدراسة بالمنحى النقدي بعامة» وبما عرفه 
افك العوني: الاساولى المها صن لون كلف قدي فى (الذرلة لعي وتنا مه إن 
أرلك ها لنت العنافها: منذ أن بدأنا العمل في إعداد ما يلزم من أجل كتابة 
الدراسة» الفرق الشاسع بين المراجع الغربية التي تبحث في مصطلح النقد 
والمنهج النقدي. وبين المراجع العربية التي تفتقر إلى هذا المنحى. الأمر الذي 
دفعنا بالطبع إلى التساؤل عن سبب غياب أو تغييب «النقد» عن الموسوعات 
والقواميس التي اهتمّت بالحضارة العربية الإسلامية وبإنتاجاتها اللغوية والفكرية. 
نذكر معنن انرقم من أن قاريك هه الحضارة قد عرف المناظرات 
والمقابسات والمناقشات. وشهد ولادة فرق كلامية عذة قامت على المحاججة 
والجدل في ما بينهاء من دون أن نغفل هنا ذكر الفكر المعتزلي في صراعه مع 
السلفية والإشكاليات التى طرحها محاولاً إيجاد حلّ لها. كذلك نود أن نشير 
إلى التقك الذي مارسه العزالن سق الفلاسيلة المنائين وعلى راسم ابن بشي 
كما نذكر أيضاً الرّد النقدي الذي وجهه ابن رشد إلى صاحب كتاب التهافت. 
لقد عرف الفقه أيضاً مدارس عذة اختلفت في ما بينها معتمدة سلاح النقد من 
أجل إثبات مقذماتها وتبرير نتائجها. إن ما وجدناه في المعاجم العربية القديمة 
لا يتجاوز ما ذكرته موسوعة لسان العرب فى شأن مادة ن. ق. د. حيث نقرأ أن 
لشي حادق السكدةة التقندلطامد حمدض الاراهي و رات الزييها عي 
وناقدثٌُ فلاناً إذا ناقشته فى الأمر. ونقّدَته الحية: لدغته». بينما نجد فى المقابل 
أن هناك مقالالات وزائجات جمة حول مصطلح ©دو11©) في القواميس 
والموسوعات الغربية ترصد تاريخية» وتتبّع تفرّع معانيه وتعدد استعمالاته في 
سياقات مختلفة عبر حقبات زمنية معينة. 

إن النقد يعنى لغةء إذأَء النقاش. كما يفيد التمييز بين شيئين أحدهما أسوأ 
من الآخر من أجل الفصل بينهماء كذلك فهو مرادف للدّغ أي للأذية. إذا عدنا 
إلى هذه المعاني اللغوية الثلاثة نجد أن النقد كما مورس على المستوى الفكري 
فى العقافة العرية الأساكسة امققي هن الطاسن لك 51 ناس إذا عفنا فليا فى 
مكةا جنات » لك عزف انين سا سات هن" امسسازيعا نفد الفكوية اك مله 
الثقافة. فالنقاش كان مستعراً إن على الصعيد الكلامي أو الفقهي إبَان فترة طويلة 


75 


من تاريخ الفكر الإسلامي حول موضوعات شتّى طاولت العقيدة والشريعة 
والممارسة اليومية للدين. كذلك كان النقاش ملتهباً في المناظرات التي شهدتها 
القرون الوسطى بين أهل الظاهر مثلاً وأهل الباطن» أو بين علماء النحو وعلماء 
المنطق. 


أناا قن ها يتغلق بالعمييز بين أمزيق مين أجل الفصيل يينهما ؛ 'فإن :ذلك كان 
رائجاً في مختلف الاجتهادات الفقهية والتنظيرات الكلامية في سبيل التوصّل إلى 
حكم صائب يحتفظ بالجيّد ويهمّش الرديء. أو بتعبير آخر يميّز بين الحق 
والباطل. 

أما في ما يخصٌ اللدغ أو الأذية» فإنه يمكن أن يعني ممارسة النقد السلبي 
أي النقد الذي يهدف إلى التشويه والإدانة والقمع والهدم والتجريح من دون 
الانشغال بالمنحى الإيجابي الذي من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة للفكر. 


إن النقد بهذا المعنى منتشر أيضاً وقد عرفته ساحة الفكر العربي. وعانته» 
لكن ما يهمّنا في هذا السياق هو أن فعل تلقّي النقد يتم وكأنه لدغة حيّة. أي 
أن المفكر الذي تعرّض فكره لأي مجهود نقدي إيجابي أو سلبي» غالبا ما يقع 
عليه وقع الأذية التي تستوجب الانتفاض والرّد السريع. من الملاحظ أن توجيه 
النقد أسهل من تقبّله بكثيرء وممارسة الفعل الأول قد تعرف النجاح أكثر من 
الفعل الثاني الذي يكمن في تفهّم النقد والفصل بين الفكرة أو النظرية التي تم 
نقدها وبين صاحب هذه النظرية» إذ ليس بالضرورة أن يفضي النقد إلى معارك 
شرسة بين المفكرين تطاول حياتهم الخاصة أو ماضيهم أو انتماءاتهم. 

إذا راجعنا في هذا المجال المعاجم والموسوعات الصادرة حديثاً في اللغة 
العربية يلفت انتباهنا موسوعة مخصّصة للنقدء ترصد تشعًب هذا المصطلح 
وتفرّعه. إذ إنه يطاول ميادين علوم عديدة. تتوقف هذه الموسوعة عند ذكرها 
وفق الترتيب التالى: ١‏ - نقد التراث ”5 - نقد الأيديولوجيا ‏ ” - نقد العقلية 
العوريةاي نقذ النظلام لقان :43د ارقلا العتيدة الكلية حا تك للف 

إننا نجد فى مقدمة هذه «الموسوعة النقدية» نضأ يشير إلى أن الفكر 
الوشيط اك ههه ياه نمطم العنة الآخر الى بيو مان 
الموسوعات المصطلحية السابقة» فالنقد هو «من مفاعيل الفكر الحديث الذي 
تسرّبت مآثره إلى النهضة مؤخراً. لكن هذا لا ينفي عن هذه الموسوعات ورود 


7 


مصطلحات تذندة قها عطة حن لا بحنة تقديهة عدة» سيما فى المنطق. من 
مثل المشاغبة» التبكيت» التعاند. المغالطة» التمييز والمنع»”". 


بنَحذْ النقد بالمعنى الحديث منحى عقلانياً يتطرّق إلى الحقل المعرفي كما 
المسلكي في سبيل تأسيس منطق جديد يتعاطى مع مسائل المعرفة والسلوك. 
اإنه ردن مشروع تنويري وتطويري » انقللانى بوإضاا حي 01 يكتفي ضاحيه 
بالوصف أو التحليل.» بالسبر أو التعليلء. إنما يفكك المقدمات والمبادئ 
والمقاييس تصديأ لطرق البحث وشروطه.ء لمعاييره أو نتائجه»”". 


تشير هذه المقدمة من ثم إلى القاسم المشترك بين مختلف الطروحات 
المنهجية ألا وهو القيام بقراءة جديدة للتراث» وإحياء علوم الدين والدنيا على 
أسس تُوافِقٌ العصر. لذلك جاءت معظم المواضيع التي تناولها الفكر النقدي 
المعاصر متمحورة حول ثنائية التراث/ والحداثة. أو الأصالة/ والمعاصرة. 


من هنا الأهمية البالغة التى يتّخذها التراث في الفكر النقدي العربى 
الأسحئ المحاض: + كدت بيت السعاتلي ب كنا مين ب«بالعوحديا القزاعد 
الفوتين التي تؤسّس لقراءة نقدية للتراث؟ هل يجوز البشحداء مناهج غريبة عن 
هذا التراث بغية تفكيكه ودراسته؟ أيجب اعتباره بمثابة حقل فيه طبقات متراكمة 
تفرض على الباحث استعمال أدوات حفر أجنبية» سبق أن برهنت على فاعليتها 
فى ميدان آخر؟ هل من إمكانية للتوصّل إلى تعرية مختلف الطبقات المحجوبة 
عن رؤية الباحث؟ ومن أثمء هل هناك قراءة واحدة شاملة مستوفية كل الشروط 
الموضوعية الضرورية للبحث في التراث» بإمكانها أن تفرض نفسهاء مستبعدة 
القراءات احرف بففة لسن عانها لست ألا جاه 


سلسلة من التحدّيات طرحت نفسها بقوة فى مواجهة أي باحث اتََخْذ 
التراث موضوعاً والنقد منهجاًء وهي لا تزال تستنفر عقولا كثيرة من أجل 
خوض أم المعارك الكامنة في التغلب والسيطرة على ما اخترناه عنواناً لهذه 
المقدمة العامة: مشكلة المنهج في قراءة التراث. 


المعاصر. سلسلة موسوعات المصطلحات العربية والإسلامية. " ج (بيروت: مكتبة لبنان» 05 


ص 12. 
(؟) المصدر نفسه» ص «. 


58 


إن هذه التحديات قد واجهت بداية كلاً من أركون والجابري في 
مسارَيْهما الفكريّين. كما واجهت العديد غيرهماء لكننا اخترنا فى دراستنا فده 
التوقف عندهماء من أجل إبراز خصوصية المنهج النقدي الذي طبقه كلّ على 
جدى. والمقارنة بالتالي بين مشروعين نقديّين تمحورا حول التراث» فدرساه 
وفقاً لأدوات مغايرة» 58 لمفاهيم ومناهج مختلفة. إن اختيارنا لدراسة 
خصوصية كل من منهج أركون والجابري لا يعني أن ما قام به المفكرون 
الآخرون لا يهمّناء لكننا وجدنا من خلال قراءاتنا أن محمد أركون قد دشّن 
بالفعل خطأً منهجياً خاصاً به في التعاطي مع التراث متسلّحاً بآخر ما تم 
إنجازه على صعيد علوم الإنسان والمجتمع في الغرب. ما يميّزه بالفعل» 
ويجعل من التوقّف عنده أمراً ضرورياً. في حال أردنا الغوص في مجال 
المتهح التقذي التحاضر فمن الشاخة الغربية الإسلامية. كذتك إن ارتفاع 
سقف النقد عند أركون قد لفت انتباهنا وجعلنا ننشغل بما يقدّمه تباعاً من 
أبحاث ومؤلفات إن باللغة الفرنسية أو الإنكليزية» وما نُقل منها إلى العربية 
بشكل خاص. 

كما إنه عندما اخترنا في البداية ألا نحصر اهتمامنا فقط بالمنهج الأركوني 
أردنا الانفتاح أيضا على نمطٍ آخر من القراءة» وعلى منهج مغاير في دراسة 
التراث وذلك بالتوقف عند من اشتهر بصفته «ناقد العقل العربى)» عثينا به 
محمد عابد الجابري الذي تبتى إنجاز مشروع نقد العقل العربي تبعأ لمراحل 
أربع : الكشف عن تكوين هذا العقل. ومن ثم عن بنيته» والتوقف في ما بعد 
عند تفكيك العقل السياسي» ونقد العقل الأخلاقي. إن مشروع الجابري قد 
لاقى رواجاأً وانتشاراً لافتين في ساحة الفكر العربي ما يجعل الباحث في 
خصوصيّة المنهج النقدي في الفكر العربي الإسلامي المعاصر مجبراً على 
التوقف عند مفاصل هذا المشروع والنتائج التي توصّل إليها. 

لسنا هنا في صدد المقارنة بين مشروعي أركون والجابري النقديين» لأن 
ذلك هو موضوع أساس أفردنا له قسما خاصا في ختام الدراسة» لكي نعالج 
أبرز ما قد ميّز بين مسارين نقديّين اتَخذا التراث حقلا خصبا للبحث والتنقيب. 
سوف نكتفي في هذه المقدمة بالتوقف عند تحديد مفهوم النقد. وتسليط الضوء 
على المنهج النقدي كما عزفه كل من مفكرَينا. كيف يتبلور إذآ مفهوم النقد في 
مؤلفات محمد أركون» وما هو تعريفه بالتالي للمنهج النقدي؟ 


8 


١‏ النقد والمنهج النقدي عند أركون 


نود أن نبدأ هنا بذكر ما قد أوردته موسوعة مصطلحات الفكر النقدي 
العربي والإسلامي المعاصر في سياق التعريف بالفكر النقدي» لأننا وجدنا في 
ذلك اختصاراً لآلية اشتغال هذا الفكر. إنه يشير إلى أن الفكر النقدي «هو كل 
وإعادة تركيب؛. إلى حفر في الأعماق لاستخراج غير المنظور»”". 


إن اعتبار موضوع البحث غير ناجز يجعله مفتوحاً على قراءات عذّة من 
شأنها أن تكشف الكثير مما كان قد سكت عنه سهواً أو عن قصدء كما إنه 
يفسح المجال أمام المفكر للتحرر من دائرة الانغلاق داخل الأنظمة الثابتة 
المؤبّدة؛ والانطلاق نحو قراءة حرّة تعيد التفكير في المسلمات. إن موضوع 
الفكر النقدي يحتاج إلى تفكيك وإعادة تركيب. الأمر الذي يفرض على 
الباحث التمرّس في أمور المنهج. أي في دقّة اختياره؛ وصحة تطبيقه؛ وكيفية 
بلوغ الهدف المنشود للاستفادة منه وتوظيفه. فالتفكيك وإعادة التركيب لن يتما 
إلا بعد مسار طويل من الاشتغال على الذات واعداد كفاءاتها المعرفية» لكي 
يُصار في ما بعد إلى العمل على الموضوع؛ أي موضوع الفكر النقدي. كذلك 
إن الحفر في الأعماق من أجل استخراج ما هو مخفي يتطلب تقنية عالية لا 
يمكنها أن تتجاهل مكتسبات علوم الإنسان والمجتمع. والإبستمولوجيا أيضاء 
كما يتطلّب ما هو أصعب من ذلك بكثيرء توفر مختلف طبقات الموضوع 
المتراكمة عبر التاريخ من أجل الحفر فيهاء علماً أن جزءاً كبيراً منها قد ققد أو 
تم إخنفاؤه. 


أردنا الانطلاق من هذا التعريف الموجز للفكر النقدي لأنه ليس ببعيد عمًا 
وجدناه من تعريف عند أركون. إن من يقرأ نصوصه يلحظ أن محاولاته النقدية 
تحمل هم التعرية التاريخية والاجتماعية والفلسفية للتراث. بتعبير آخرء إنه 
يهدف إلى كشف ما هو مستور أو ما قد تم إخفاؤه عمداً أو عن غير قصدء 
فهو بعيد عن التجريح أو التشكيك أو اللدغ. إذا جاز التعبير انطلاقا من لسان 
العرب. عندما غاص في مشروع نقد العقل الإسلامي وجدناه ينهمك بالكشف 
التاربيخي عن عملية تشكل هذا العقل للمرة الأولى. وإبراز آلية اشتغاله في 


(") المصدر نفسه؛ ص <701. 


المجتمعات العربية والإسلامية منذ البداية ولغاية اليوم. إن التعرية والغوص في 
العمق نحو ما هو أبعد همّان رئيسان وججها عملية النقد الأركوني للتراث. 


هناك مسألة لا بذ من التوقف عندهاء إذ نحن في صدد الكلام على مفهوم 
النقد كما تبلور في أبحاث محمد أركون» عنينا بها مسألة التفريق بين الدين 
والأيديولوجياء لأن في ذلك توضيحاً للمسار النقدي الذي سوف يسلكهء 
وإظهاراً للهدف الذي يرجوه. إنه يعني بمصطلح أيديولوجيا «مجموعة من 
التصوّرات الخارجة عن مراقبة العقل النقدي (أي عن كل تساؤل أو شك) والتي 
تهدف إلى تجييش المتخيّل الجماعي بشكل أفضل والتوضل إلى الخلاص 
النهائي والأخير)”). إن الخلاص الذي يتحدث عنه النص هنا يطاول حياة 
الآخرة في منظور الدين» كما حياة الدنيا في منظور الأحزاب السياسية التي تعد 
تابعيها بالقضاء على البؤس والبطالة وبلوغ الجنة الأرضية. 


أما الدين بالنسبة إلى أركون فله معنيان. الأول روحي ومنرّه ومتعالٍء 
زالفاتي قانونى ورسعي + ذو تعد سلطوى, تعندده بالمسى الأول غلى انتيلك 
الرهسة الدي كما عامنيا الأبياء أو “كان المفكوين والعليا”” يدو خلياً ف 
ذا النوكدية أن تنك تعد روي | لالد كقير مطمرو يا لأبقات ذإ العف 
الكشف العلمي أو الفلسفي هي بالنسبة إلى مفكرنا لحظة دينية كذلك. 


يتحمور المعنى الثاني للدين حول التركيبات اللاهوتية والرسمية» أي يقوم 
على المنحيين القانوني والسلطوي. حيث يصبح الدين مؤسّسة متضامنة مع 
السلطة الحاكمة. وهو يلتقي هنا بالعمق مع الأيديولوجياء إذ يعمل على 
تحريف الوظيفة الروحية للدين. من هنا يسلّط أركون الضوء على مشكلة العقل 
الدينى فى أدائه المؤبّد لنوعين من المواقف الغامضة. يكمن الموقف الأول فى 
الوهم الذي يؤسَّسه هذا العقل والذي يفيد بأن الأديان ليست مجرّد النية 
أيديولوجية؛ وهي بالتالي لا علاقة لها بالأيديولوجيا. أما الموقف الغامض الثاني 
الذي يعمل على تأبيده العقل الديني فيكمن في حجب القيمة والوظيفة الرئيسة 
للدين والانحراف بها عن مسارها الضحية: ١‏ 


(؛) محمد أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ترجمة وتعليق هاشم 
صالحء اسلسلة نقد الفكر الديني (بيروت: دار الطليعة» .)١994‏ ص 7775. 
(5) المصدر نفسه) ص 7707, 


١ 


يشير مفكرنا في هذا السياق إلى أنه «ضمن هذا الغموض أو الالتباس 
يحصل المرور المقنّع أو المتدكر من المستوى الديني العالي بصفته رعشة روحية 
أو اتصالا بما هو إلهي. إلى مستوى الأيديولوجيا بصفتها تقنيعا للواقع تحت 
ألبسة التعالي» والتنزيه» والروحانية» والأنطولوجياء والتقديس2. وهكذا يؤدلج 
الحزين ادنع حت "5ن الانمال من المسعوف: الروسى اللدين 'إلن 
المستوى الأيديولوجي لم يحصل فقط في مجال الفكر الإسلامي 5 أيضاً في 
تاريخ الفكر الأوروبي الغربي إبان القرون الوسطىء لكن عقل الحدائة قد انطلق 
فى مساره النقدي ليقلب المقاييس فى أوروباء بينما بقيت الحال على ما هى 
عليه في المجتمعات العربية والإسلامية. | 


تظهر هنا أحد مرتكزات الفعل النقدي عند أركون والتي تتمحور حول 
زعزعة المشروعية الدينية والسلطة العقيدية. من أجل العمل على إحلال 
المشروعية البشرية مكانهاء وفرض قطيعة حاسمة بين ما يسميه بالذروة الإلهية 
للسيادة من جهة» وبين الذروة البشرية التي تقوم على السيادة الْسُعبِية من جهة 
ثانية. إن مهمّة خلع المشروعية على الأنظمة المعنوية والأخلاقية والقانونية 
والسياسية للبشر يجب أن تأتي نتيجة تطور نقدي واع ينجزه العقل بشكل مستقل 
عن السلطات الدينية والعقيدية.» وذلك من دون الانتقاص أو التعرّض للقيمة 
الروحية والمتعالية للدين. 


إن فعل النقد كما يحدده أركون ويمارسه في أبحاثه يكمن في تفكيك 
«التركيبات المعرفية» للعقل الديني التي تتضمّن الأنظمة اللاهوتية» والتفاسير 
والتواريخع» من أجل تحويلها إلى ورشة عمل لا تهدأ. والعقلانية كما يفهمها 
ليست سوى تركيبة موقتة يتم تخطيها في ما بعد لكي يحل مكانها عقلانية 
أخرى أكثر توافقا مع المعطيات الجديدة. إن المنهج النقدي لا يعترف بإمكانية 
تأسيس نهائي ومطلق للعقل البشري» ولا يُقرَ بوجود أصول ثابتة ونهائية للعقل. 
هذه هي أهم مكتسبات الإبستمولوجيا الحديثة التي نهل أركون من معينهاء 
مخاولاً الاستفادة مئها فق -مسروعة التقدئ: تيرق أن المعتى: بحد ذاه امو جود 
على تنجو متسيق: أو جاهير لأن هناك عوامل عديدة أت دوراً في تشكيله 
وانبثاقه» وهو ينحل ويتبدّل بعد فترة قد تطول أو تقصر لكي يحتل مكانه معنى 
آخرء يبقى عرضة للتغيير. 


(5) المصدر نفسهء» ص 578. 


3 


من هنا نجد أن إحدى مهمّات العقل النقدي عند مفكرنا تكمن فى الحفر 
عميقاً من أجل «البحث عن الشروط (أو الظروف) التي يتم فيها إنتاج المعنى 
ونا شك "المع" «الحسية” الى الوجوة الشري4 إن هذا الس بحث انكقفت 
بالتالي عن كيفية «بناء وتسيير شؤون القيم التي تحسم مصير كل شخص بشري 
داخل الجماعة التى ولد فيها هذا الفرد والتى يطوّر وجوده داخلها)”". 


نود أن نشير في هذا السياق إلى نقطة محورية تطاول المنهج النقدي عند 
أركون الا وهى التزامه فى أكثر من مناسبة بتطبيق الدراسة المقارنة بين أديان 
الوعق الكلانة.وتحافية مق اسيك وال حادم »رقي اغنونا بو يداد سيل 
ظاهرة الوحي لا يكتفي بدراستها في المجتمعات العربية والإسلامية إنما يوسّع 
مجال بحته لكي يطلع على العالم المسيحي أيضاً ومن ثم اليهودي. من هنا 
حديئه المتكرّر عن «الفضاء المتوسطى» حيث نشأت الديانات الثلاث وتصارعت 
ف تعاا مها :نقد هذا التهداة يقادما عليه بياتيا وامكواتيسا] لكند ان الرقت 
عيسدعين طن القالعية النقاقة ومنتو على أكثر:من معت تجده :تشم 
باستمرار إلى إبراز إرادات القوة أو الهيمنة والتصارع لدى الأنظمة اللاهوتية 
التوحيدية الثلاثة فى إطار «الفضاء المتوسّطى». إنه يحددها باعتبارها «أنظمة 
ثقافية ذاك غقاعة :ظاهوية يديد بعضها يعفا لكي تؤكد على ذانها وترفم .من 
قيمتها إلى مرتبة الدور التاريخي بصفتها المؤتمن الوحيد والمخلص والموثوق 
على الوحي (أو المعطى الوحي)”". وهنا أيضاً نود أن نتوقف عند مفهوم 
الوحي أو معطى الوحي لكي نلفت الانتباه إلى المعنى الذي يحمّله أركون لهذا 
المفهوم. فالوحي بالنسبة إليه «ظاهرة خارقة للطبيعة ولكنها موجودة في الواقع 
الموضوعي عن طريق تأثيرها الطوبل عبر التاريخ. فسواء أكنت مؤمناً أو غير 
مؤمن (بالمعنى التقليدي للكلمة) فإن الوحي موجود كظاهرة خارجة عن نطاق 
إواذتنا تسيب تانيزه في فلاون ال 1 


إن هذا التعاطي مع ظاهرة الوحي يظهر الأثر البعيد للأنثروبولوجيا الدينية 
التى تمرّس لها مفكرناء واستثمرها فى أبحائه الخاصة بالتراث الإسلامى. كذلك 


(0) محمد أركونء الفكر الأصولي واستحالة التأصيل : نحو ناريخ آخر للفكر الإسلامي؛ ترجمة 
وتعليق هاشم صالح (بيروت: دار الساقي» 48 ص لك 
(6) المصدر نفسهء ص 717. 


(9) أركون» قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإملام اليوم؛ ص 779. 


رذ 


إن تحديده للأنظمة اللاهوتية التوحيدية الثلاثة يبرز أثر هذا العلم في اعتبار هذه 
الأخيرة أنظمة ثقافية تعمل في مجتمع ما عبر التاريخ. 

إن النظر في الوحي والنظام اللاهوتي على هذا النحو أمر جديد في الفكر 
الإسلامى» يشق لنفسه مساراً نقدياً خاصاً مختلفاً عن المألوف» من هنا المنحى 
التقدى اذى يحي معارنة أركون<.وطزوحاية العى تدعو إلىدرابنة العيفن 
اللاهوتي ووظائفه من المنظور التاريخي. 


يفرّق أركون في منهجه النقدي ‏ كما سبق أن أشرنا ‏ بين معنيين للدين» 
الأول روحاني ومنرّه. والثاني أقرب إلى الأيديولوجيا والسلطة الحاكمة. انطلاقاً 
من هذا التمييز نجده يفرّق أيضاً , 1 بين العقل الديني من جهة. والعقل اللاهوتي 
أو العقل اللاهوتي ‏ السياسي» كما يطل أن يذدعوه» من جهه جهة أخرى. الأول 
هو بالنسبة إليه «كل متكامل ومنفتح ء ولا يمكن استنفاده. 7 كل متكامل من 
الاحتمالبة أو الضمنية المفتوحة على اللانهائي)0”''". إنه يلتقي بالعمق هنا مع 
المعنى الأول للدين المنفتح على المطلق. العقل الديني فاعل إذاً في مجال 
التعاليم الأصلية المعترف بها على أنها «مدوّنات للنصوص التأسيسية». لذلك 
نجد أن اليهودية والمسيحية والإسلام ثلااث طوائف مرتبطة بالمعنى الأول 
للدين؛ هذا الذي يشير إليه أركون باعتباره «المكان الأمثل للذاكرة». 


أما العقل اللاهوتي ‏ السياسي فهو يهتمّ بتجسيد العقل الديني. أي هذا 
الكل المتكامل والمنفتح في إطار «أنظمة معقلنة من المقولات والمعايير 
والعقائد/ واللاعقائد. وهذه الأنظمة هضع أو تستوعب في أن معاً الشيفرات 
الثقافية والحاجيات المتغيّرة لكل فق ترك لاا 011 إن نقد العقل 
الأسلذهى .. كنا مارمته محمد أركوق» تمحعور بشكل "ركس حول: الية 'اتعفال 
العفل: اللافوكن + السياسى» وذلك بهدف: إبزاة قدرة هذا الأحس على القياة 
بعملية التطهيرء وإضفاء التقديس» وخلع الطقوس الشعائرية على الأشياء. 
وتأسيس التعليم العقيدي المستقيم الذي نصّب نفسه سلطة مرجعية لا يمكن 
تجاهلها. فالعقل اللاهوتي ‏ السياسي يستعين بالعقل الديني» أو ب «النصوص 


.5١4 2أركون. الفكر الأصولي واستحالة التأصيل : نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي. ص‎ ٠ 
,7١5 المصدر نفسه. ص‎ 0 


(4 


التأسيسية المقدسة». ويعود إليها بشكل دائم باعتبارها تحوي كلاماً مثالياً لا 


هناك إذأ علاقة واضحة بين العقل الديني والعقل اللاهوتي. فالأول هو 
بمثابة النظرية والثاني هو التطبيق» لذلك إنه يتفرّع عن الأول. ومن المعروف 
أن بين النظرية والتطبيق مسافة لا يمكن تجاهلها ولا إلغاؤها مهما كانت 
الجهود المبذولة صادرة عن نيّات حسنة ورغبة في بلوغ المثال الأعلى. لكن 
المسار النقدي الذي يتبعه مفكرنا يركز على التمييز»ء لا بل الفصل بين معنيين 
للدين الإسلامي» وبين مستويين للعقل الإسلامي, ابتغاءًٌ منه تسليط الضوء 
على عمليات تشويه المقصد الأعلى للدين التى مارستها الأيديولوجيا السلطوية 
المفتوحة على المطلق. إن العقل اللاهوتي لا يترذد في استخدام الجهاز العقلي 
والمرجعيات المطلقة عينها التي قذمها الخطاب النبوي» كما إنه يستخدم 
التبشير بالخلاص الأخروي وبثٌ الأمل في النفوس على النحو الذي يتضمُّنه 
معطى الوحي. 


من هنا يأتي إصرار أركون على القيام بتفكيك جذري للماضيء. ماضي أي 
أمة أو طائفة في سبيل فهمه وتقويمه لكي يتمّ التخلي عمًّا لم يعد مفيداً 
والاحتفاظ بما هو إيجابي ويُسهم في البناء الجديد. 


لذلك إنه يلح مراراً وتكرارأً في أكثر من مناسبة على تطبيق النقد التاريخي 
والألسني والسيميائي والأنثروبولوجي على التراث لكي يُحرّر من كل العراقيل 
التى من شأنها أن تحد من حركة المفكر وحريته. إن هذه المراجعة النقدية 
لمحن ار نات التاريخية سوف تؤذي إلى مواجهات خصبة تغنى التراثات 
كافة» وبخاصة التراث العربي الإسلامي من جهة, والتراث لودو من جهة 
أحرف. وذلك نلا ع اليواعيات الع افسة المبنية على العداء. أو 0 (صدام 
الحضارات» وفق تعبير هنتغتون. يقول مفكرنا محذدا مهام نقد العقل الإسلامي : 
«نحن الآن بحاجة إلى ثورة فكرية حقيقية تذهب إلى أعماق الأشياء وتغيّر منظورنا 
جلاريا للتزالق, :وهكذا. وودلا من أن سي الدرابت كتوة معيفة تشدنا إلى اللن 
في كل مرة» يصبح قوة تحريرية تساعدنا على الإقلاع والانطلاق الحضاري. 
ولكن هذا لن يتمٌ قبل القيام بمسح تاريخي شامل للتراث. وهذا ما أفعله شخصيا 
منذ أكثر من ثلاثين سنة من خلال مشروعي: نقد العقل الإسلامي» 


6 


(بالمعنى الألسني والتاريخي والأنثروبولوجي والفلسفي اذ 


من البيّن هنا ما للتراث من أهمية بالنسبة إلى أركون» فهو يعمل على 
تفديم قراءة نقدية من شأنها أن تقلب معايير التعاطي مع هذا التراث في سبيل 
الانخراط في ركب الحضارة العالمية» وعدم الاكتفاء بما قد أنجز منذ مئات 
السنين والعودة إليه في كل مناسبة. يظهر لنا هذا النص المعاني المختلفة لكلمة 
نقدء والتي حاول مفكرنا أن يوظفها في مشروعهء وهي بمثابة خلاصة للمنهج 
الذى 'اتبي؟ "5 فالمسان النقديئ: لديه يمر سراحل عذة». وقطلت 'تمرنيا أكثر 


من علم. 
أ النقد بالمعنى الألسني 


إنه يبدأ بالقراءة الألسنية أو اللغوية من أجل أن يبرز القيم اللغوية التي 
يتضمّنها النصء من دون سواها. لم يفضّل أركون مدرسة ألسنية على أخرى» إذ 
إن مدارس علم الألسنيات ما زالت بالنسبة إليه في طور التشكلء لذلك قرّر أن 
يترك المسائل التي من شأنها أن تقرّر مصير مضمون كل قراءة وتوجهّهاء مفتوحة 
ومشرّعة على أكثر من تساؤل وتأويل. إنه يقصد بالمسائل هنا مسألة العلامة» 
ومسألة الرمزء ومسألة الذات» ومسألة العلاقة بين اللغة والفكر والتاريخ. كل 
هذه الأمور أراد أن يتركها مفتوحة على «روح البحث والتساؤل» ‏ كما يحب أن 
يسميه - لكي يتم تحقيق تقدم لافت في مجال معرفة الإنسان. فالتركيز على البنية 
اللغوية والنحوية واللفظية للنص الديني يحرر القارئ من هيبة هذا النص على 
الصعيد اللاهوتي؛ إذ إنه معتبرٌ فوق الزمان والمكان» لكي يصبح مثل أي نص 
لغوي يخضع لقوانين الصرف والنحو كسائر النصوص الأخرى. 


لقد أعطى أركون الأولوية للمنهجية الألسنية عندما ابتدأ بدراسة النص 
القرآني» وذلك بالقياس إلى المنهجيتين التاريخية والأنثروبولوجية» لاعتباره أن 
الطابع القدسي للنص قد طغى على الطابع اللغوي البحت في كثير من 
الأحيان. بإمكان المنهجية الألسنية أن تسهم في استبعاد الأحكام اللاهوتية التي 
أحاطت بالنص الديني منذ فترات طويلة» لكي تسلط الضوء على كيفية تركيب 


.154 5757 أركونء. قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم؛ ص‎ )١1١( 
للاطلاع بشكل أوسع على أسس المنهج النقدي الأركوني» وأهم الخطوات التي اتبعها‎ ) 1 
والمصطلحات التي استثمرهاء انظر: القسم الأول. الفصل الأول من هذا الكتاب.‎ 


كك 


المعنى أو «مفصلته» انطلاقاً من كيقية صياغة «العبارة اللغوية» و 


أما النقد بالمعنى التاريخي كما يفهمه أركون ويطبّقه في أبحاثه فيتحدد في 
اعتبار أن الوحي أو أي حقيقة أخرى, لا يمكن تفسيرها خارج تاريخيتهاء أي 
بمعزل عن تطورها ونموها عبر التاريخ, وما طرأ عليها من متغيّرات بتأثير من 
هذا التاريخ عينه. هناك تفاعل دائم بين «الوحيء التاريخ ء الحقيقة»). فالروح 
البشرية تعمل جاهدة لكي تتوصل إلى الحقيقة من أجل تجسيدها في التاريخ 
الذى ين حياة 7الناعلين الاجتماعيية )!دين دوك أن يعوا عفانة امل 
الأفعال الفردية والجماعية التي يقومون بهاء ولا آلياتها وانعكاساتها. إن الروح 
البشرية في مسارها نحو الحقيقة تخضع لتأثير التاريخ الذي بإمكانه أن يعرّي 
ويكشف عن مدى انقيادها ‏ أي الروح البشرية ‏ للمعرفة الخاطئة والتركيبات 
العشوائية؛ والخيارات التي نتجت من تصورات ذاتية عاطفية» كما إنه يكشف 
عن إرادة القوة والهيمنة التى أدّت دوراً أكبر من دور الحقيقة بحدّ ذاتها. «إن 
التاريخية ليست مجرّد لعبة ابتكرها الغربيون من أجل الغربيين» وإنما هي شيء 
يخصٌ الشرط البشري منذ أن ظهر الجنس البشري على وجه الأرض. ولا توجد 
طريقة أخرى لتفسير أي نوع من أنواع ما ندعوه بالوحي أو أي مستوى من 
مستوياته خارج تاريخية انبثاقه» وتطوّره أو نموه عبر التاريخ » ثم المتغيرات التي 
تطرأ عليه تحت ضغط التاريخ 7 


أؤلى أركون فى أبحاثه أهمية بالغة للمقاربة التاريخية» وشدّد مراراً وتكراراً 
على ضرورة إدخال المنهج التاريخي في صلب دراسة التراث وبخاصة العقل 
الإسلامي. إن أثر غوصه في علم التاريخ» وإعجابه بمدرسة الحوليات الفرنسية 


)١5(‏ يستخدم أركون في سياق تطبيقه المنهجية الألسنية «العبارة اللغوية» بدلا من الآية القرآنية» 
و«المدوّنة النصيّة؛ بدلاً من القرآن. رغبة منه فى تجنّب الهيبة اللاهوتية لهذا الكتاب» والتعاطى معه كنص 
لغوي؛ أي كمادة لغوية بحتة. كذلك نود أن نشير هنا إلى أن أركون لم يكتفٍ بالتحدّث عن أهمية المنهجية 
الألسنية إنما طبقها فعلاً فى قراءته لسورة الفاتحة» وسورة التوبة» وسورة الكهف. لمزيد من التفصيل 
انظر: محمد أركونء القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني» ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الطليعة» .)5٠١١١‏ 

)١5(‏ يفضّل أركون استخدام «الفاعلين الاجتماعيين» مشيراً إلى البشرء ما يظهر تأثّره بعلوم الإنسان 
والمجتمع التي تنظر إلى الفرد البشري ككائن يفعل في المجتمع أي ك (للهاءه5 عمعوة) . 

.48 المصدر نفسهء ص‎ )١17( 


ع 


والثورة الفكرية والمنهجية التى خلّفتها قد ظهرا جلياً على مدى صفحات كتبهء 
لا يوقو فناسة لكن يلقت الأهاة إلى لفن الدئ يمك أن قذي المتهيية 
التاريخية لكل من يريد أن يعمّق نظره ذ في التراث من دون أن يكتفي بالقراءة 
التقليدية أرالقراءة النومة. يعتبر .مكرتا أن التركيياك اللاهريية الأسلانية على 
لذلك فإنه من حق المفكر أن يخضعها للبحث التاريخي. وذلك من دون أن 
يمس التجربة الروحية الكبرى للإسلام الحنيف. فالنقد عنده ليس له معنى سلبي 
إنما يعني نقد التجسيد التاريخي للوحي أو للمبادئ الروحية. 


ج - النقد بالمعنى الأنثروبولوجي 


أما النقد بالمعنى الأنثروبولوجي للعقل الإسلامي كما مارسه أركون فهو 
يرتكز على التفكير بما يسمّيه المثلث الأنثروبولوجي الممثّل ب «العنف. 
التقديس» الحقيقة»»؛ كما يرتكز أيضاً على البحث فى كيفية التأسيس الاجتماعى 
للعقل أو التأسيس الخيالي للمجتمع. لقد أنكر اللاهوت الكلاسيكي والميتافيزيقا 
الصفة اللاعقلانية» أي مختلف الأبعاد الخيالية للعقل. إن النقد في هذا المجال 
من شأنه أن يكشف عن العامل اللاعقلاني المسكوت عنه والمجهول والمرمي في 
دائرة اللامفكر فيه. اختار أركون سورة التوبة ليقدم قراءة نقدية لها انطلاقاً من عذة 
منهجيات من بينها الأنثروبولوجياء 1 أي بوره الترية 0 
بالتالي كاب تقل لكل خرص الناحتك مقامزة ادا برقم مفهوم ا 
انطلاقاً من بعده التاريخي» وليس فقط من بعده المتعالى والجوهرانى . 


إن الاهتمام بظاهرة العنف دفع مفكرنا إلى البحث في أسبابها وأهدافها 
فوجد أنها مرتبطة بشكل وثيق بالتقديس أو (6ع58 16). وذلك من أجل فرضص 
حقيقة محذدة تعلو على أي نقاش أو جدل. يلحظ أن الإنسان يحتاج إلى العنف 
كما إلى التقديس وإلى الحقيقة أيضا لكي يتمكن من العيش في المجتمع» فيجد 
بالتالى له معنى في حياته. يرتبط العنف بشكل وثيق بالتقديس الذي يرتبط هو 
الك رالسته زمه فى أن مستلفاة بالحقيية المقدية الف كرات دقام هد 
أجلها. يشير في هذا السياق إلى أن التوتر بين المفاهيم الثلاثة قد عرفته سائر 
المجتمعات فى مختلف العصور. «العنف» التقديسء الحقيقة: هذه هى الأركان 
الثلؤنة لكل ترات مشكل وتشكن للكييرلة الجفافية :أو للوجود الجماعى علن 


60 


الأرض. ولا تخلو منها مد من الأمم أو قبيلة ة من القبائل أو دين من الأديان. 
والجماعة مستعدّة للعنف من أجل الدفاع عن ان الج 


إن النقد بالمعنى الأنثروبولوجي كما يمارسه أركون في دراسة المجتمعات 
الإسلامية ينطلق من البحث في نمط العلاقة الكامنة بين القوى المركزية من 
جهة» وقوى الهوامش أو الأطراف من جهة ثانية» فيجد أنها علاقة ذات طابع 
جدلى. إنه يلفت الانتباه إلى التضاد بين تشكيلة الدولةء والكتابات المقدسة. 
والنهيه المتعليقة :والفافة ‏ الرسية «المسمتلة نالا ركر كي انوي كاين 
جهة؛ وبين المجتمعات القبلية المجزأة التى اعتمدت على التراث الشفهى» 
وال أنتقت: ثقافة سعيية اتصفت بالخروع على الأرتودكسية من جهة أخرئ 
لقد شكل هذا التضاد محوراً مهمأ فى أبحاث علماء الأنثروبولوجيا - بخاصة 
ليفي ستروس (5]210055 الاممآ) - و عنه مستخدمين المصطلحين التاليين : 
الفكر المتوخش/ والفكر المدجن. 

كذلك إن النقد بالمعنى الأنثروبولوجي يحت الباحث على عدم اختصار 
المجتمعات الإسلامية بكلمة إسلام أو «الشرق الإسلامي»؛ كما يفعل المستشرق 
التقليدي. لأن هناك فئات عرقية ‏ ثقافية متنوعة ومختلفة إلى حدّ بعيدء كالعرب 
مثلاً والبربر. والأكراد والأتراك والإيرانيين وغيرهم. لذا نجد مفكرنا يتحدّث 
عن عذة بُنى أنثروبولوجية للمخيال (15:28108156) الخاص بكل فئة عرقية ‏ 
ثقافية. إنه يعمل جاهداً على إبراز قيمة كل تجربة إنسانية داخل الحضارة 
الإسلامية» من دون أن يختصر الإسلام بالعرب وحدهم. 


د النقد بالمعنى الفلسفي 


إن فعل التنظير عند أركون يأتي بعد أن تقدم علوم الإنسان والمجتمع كل 
ما يمكن أن يسلط الضوء لطي فى كت لؤقيفه المز عو ادي تومه لذا 
م 0 01 اسلو د الخال عور امي 


.5*0 أركونء, قضايا في نقد العقل الديني : كيف نفهم الإسلام اليوم. ص‎ )١0( 

(18) يفضّل أركون استخدام مصطلح أرئوذكسية لكي يشير إلى السلطة الرسمية؛ وإلى التعليم 
القديم اللذين هما في مواجهة مستمرة مع كل محاولات الخروج عن السراط المستقيم أوالمسار الصحيح 
المعبر عنها في الفرنسية بمصطلح «ع اام له11662» . 


5: 


والعملية التفكيكية ‏ التركيبية. لذلك فهو يشدد على أن البحث في العلوم 
الاجتماعية يجب «أن يعرف كيف يمفصل بين تجميع المعلومات الدقيقة عن 
الموضوع المدروس من جهة/ وبين التنظير المنهجي أو الإبستمولوجي من جهة 
يداد بتعبير آخرء إنه يجمع بين خطوتين تكمل الثانية منهما الأولى» أي 
أن التنظير الذي يهدف إلى تحديد قيمة المعلومات ووظائفها يجب أن يأتى بعد 
عملية تجميع هذه المعلومات أو المعارف. إن فعل التفكير هنا ضروري لديز 
«الصلاحية الإيستمولوجية لهذه المعلومات» والاستخدامات الممكنة التى قد 
تتعرّض لها من قبل الفاعلين الاجتماعيين المتنافسين دائماً على لعبة إنتاج 
المعنى ورهانات هذا الإنتاج»”' ". 


إن “مجارفنة اله بالي الللسلق عدقينا ندند إلن تدك اتمساعلة 
الناس ‏ أي الفاعلين الاجتماعيين ‏ على فهم واقعهم بعمق. لأن الاكتفاء 
بالبحث فقط من دون نقد وتقويم ما تمّ درسه لا يسهم في النهاية في مسار 
تطور المجتمعات الإسلامية»؛ ولا في مواصلة النقاش المفتوح باستمرار من 
أجل العقل. أراد أن يفرض «العلاقة النقدية» في الساحة الإسلامية» أي العمل 
على فس العلانة ولحي أن اوهو دون استهاء فى مسحينه رمات 
وتاريخهء بالإضافة إلى تفسير المفاهيم الموروثة على اختلافها. لقد عمل من 
خلال التوؤف عند «العلاقة النقدية» على أن يموضع ويقوّم ويدمج ما كان قد 
تم نبذه أو تهميشه في السابق»؛ كما اجتهد في توحيد ما تمّ تقديمه كواقع 
متخاصم - الصراع السني/ الشيعي مثلاً - وحاول أن يتجاوز ما اهترأ فصار عالة 
على ذاته. إن فرض "العلاقة النقدية» فعل يجعل من التخيّل والابتكار والتحرير 
واقتراح الحلول أموراً ممكنة. غير بعيدة المنال. 


نيحد كار مبوا ار لصي ل رورس ع كذلك إن «كل المعارف الخاطئة 
والمجتورّة بشكل تواكلي على مر العصور ين ينبغى أن تعرّى وتدان. وكل الأساطير 
التي يتعلّق بها الناس وكأنها متعالية أو مقددية عت إن ككف عنها لاد 0 


(9١)المصدر‏ نقسه» ص ”67 
(0)المصدر نفسه» ص ”017 


(1١5؟)‏ محمد أركونء الإسلامء أوروباء الغرب : رهانات المعنى وإرادات الهيمنة» ترجمة وإسهام 
هاشم صالح (يروت: دار الساقي. م6 )1١‏ ص .١١9‏ 


وه 


هناك بناء شامخ ومقدّس يجب تفكيكه عن طريق تطبيق النقد التفكيكي - 
التركيبي ؛ لذن ع مكدر حاو ووو جتان 0د أن م 0 5 


تعيك الي اللو و ل ال 


لا يزال أركون يُعلن في أكثر من موضع أو مناسبة أن هدفه من ممارسة 
النقد أن يجعل ما هو «مستحيل التفكير فيه)”""؟2 أو الا فك فيه» أمراً ممكناً 
التفكير فيه على الرغم من كل الضغوط والعراقيل التي يمكن أن يتعرّض لها من 
يتَخذ النقد منهجأً للبحث في ساحة الفكر الإسلامي أو العربي المعاصرين. هناك 
صعوبة كبرى لدى مسلمي اليوم في القيام بعملية الفصل بين المكانة اللاهوتية 
للخطاب القرآني من جهة؛, وبين ما يسميّه أركون بالشرط التاريخي واللغوي 
للعقل الذي يعمل على إنتاج خطابات بشرية ترتكز بشكل مباشر على العقل 
الإلهى. من هنا كان النقد الفلسفى ضرورياً من أجل الكشف عن أنماط المعرفة 
النى نون أن القعها: لمق الاشاد هو اندها لنالاك اشح لال اعدف كبر لدج 
أبحاثه للعلاقة التي تربط بين اللغة والتاريخ والحقيقة. ْ ْ 


يتوقف أركون في سياق أبحائه عند مفهوم الحقيقة بالنسبة إلى المفكر 
النقدي. فيرى أنه لا يمكن اعتبارها جوهراً أو أمرأ معطئ على نحو مكتمل 
ونهائى. كما فعلت الأديان والأنظمة الميتافيزيقية المثالية. إنها على خلاف 
ذلك. فهي «مجموع آثار المعنى””" التي يسمح بها لكل ذات فردية أو جماعية 
نظام الدلالات الإيحائية المستخدمة في لغته. إنها مجمل التصورات المختزنة 
من قبل التراث الحى للجماعة القبلية» أو للطائفة الدينية؛ أو للأمة. فكل أمة أو 
طائقة تعتير قراقها مقا “الخققة الوطلقة: إن «السعية لعفت عيوه | أو نينا 
معطى بشكل جاهز ونهائي» وإنما هي تركيب او "اتاج عن تركبي لطي أو 
معنوي قد ينهار لاحقاً لكي بحلّ محله تركيب جديدء أي حقيقة جديدة)”* '. 


(36) عندما يتحدّث أركون في أبحاله عن «المستحيل التفكير فيه! الذي راح ينمو ويتضحّم مع 
الزمن». فهو يعني بذلك مجمل ما تم حذفه في الفكر الإسلامي من دائرة البحث والتداول وذلك منذ القرن 
الثالث عشر على الأقل» إذ تم تضييق إطار ما هو «مسموح التفكير فيه". 

(58) يميّر علماء الألسنيات والتقد الأدبي ب بين المعنى الحرفي للخطاب وبين ن ما يمككن أن يتولّد لدى 
القارئ من آثار للمعنى. إن آثا ر المعنى هي ما ينتج من قراءة الخطاب من إيحاء ءات تتولد فى نفس القارئ» 
وليس من الضروري أن يقصدها المؤلف أو يفكر بها. 

(15) أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم؛ ص .١77‏ 


6١ 


نلحظ بوضوح هنا موقفاً منفتحاً تجاه مفهوم الحقيقة» وهو ناتج من 
أقيات عد لعل ١‏ زهاة نادف عرفا اقلرايها فى ربينة بتك قيوشتو ةعراق 
والثقافات: بوكو قد عن اق الانتبولوجيا الحديفة واطلع عن كن على 
أهم ما نُشر في الغرب حول نقد العقل اللاهوتي المسيحي من جهة. ونقد عقل 
التنوير من جهة أخرى. إن الأدبيات الكلاسيكية فى الفكر الإسلامى كانت تنظر 
إلى الحقينة مخ :موقم مخطلف 6 «فالغنىء بالنسية إلها وكسيا معناة عقااقد بخلع 
عليه في لحظة محددة من الزمن. بدلا من أن يكتسب معناه من وجوهه بالذات. 
لذلك كان يتم تحويل الأحداث والواقع إلى بلاغيات لفظية» تؤثر في نفس 
القارىئ أو المستمع إلى حدّ بعيد. من هنا يشدّد أركون على أن الهدف النهائي 
لبحئه «يكمن في تحرير الروح من هذه البلاغيات اللفظية؛ ليس من أجل سجنها 
في سياج دوغمائي جديد وإنما من أجل تعريفها على الاختلاف بصفته نقطة 
الانطلاق الضرورية بكل بحث عن الحقيقة. وبصفته رفضاً لكل التكرارات أو 
الاجترارات الصريحة أو الضمنية للقيم والمجريات الفكرية التي ولدت في تراث 
ثقافي معين ثم توسّعت وتضحّمت وأبّدت!”". 

إن الهم المعرفي الذي يتبلور في مؤلّفات أركون يكمن في الخروج قدر 
المستطاع مما هو متحجر ومغلق ومسجون داخل الأطر الثابتة للعقائد على 
اختلافها. إنه يسعى إلى موقف متوازن يبرز أثر الوقوع في أسر الأنظمة المغلقة 
إن في الشرق العربي الإسلامي أو في الغرب الأوروبي. لذلك كان موقفه 
النقدي قد طاول العقل الإسلامي كما العقل الغربي: متحدثاً عن النقاط 
الإيجابية كما السلبية عند الطرفين. لقد أشار إلى المواجهة التاريخية والفلسفية 
التي جرت بين «رهانات المعنى»"' '' من جهةء و«إرادت الهيمنة» من جهة 
أخرى. لدى كل من الجهتين المتقابلتين للمتوسط. إذ راح يدين كل محاولة 
تقوم بها «إرادات الهيمنة» بهدف مصادرة «رهانات المعنى» والسيطرة عليها. إنه 


)١8(‏ محمد أركون. معارك من أجل الأنسنة فى السياقات الإسلامية. ترجمة هاشم صالح (بيروت: 
دار الساقى » )١‏ ص 5١5‏ 

(57) يرى أركون أن مفهوم المعنى قد تم التنافس عليه من قبل جميع الناس الذين يبحثون عن 
هويتهم. كما إن المذاهب الفكرية تنافست في ما بينها من أجل اكتشاف المعنى الحق وفرضه؛ كذلك فعل 
اللاهوتيون في سائر الأديان. من هنا نجده يفضّل استخدام عبارة #رهانات المعنى"» كبديل من عبارة 
«البحث عن المعنى»»؛ وهو يقصد «بكلمة «رهانات» هنا انخراط كل متكلّم عن طريق خطابه في لعبة 
الصيرورة الكبرى للعالم». انظر: أركون: الإسلامء أوروباء الغرب: رهانات المعنى وإرادات الهيمئنة. 
ص 5. 


ذه 


يدعو مراراً إلى إخضاع الظاهرة الدينية كما الحداثة في الغرب لعملية التفخقص 
النقدي ل «رهانات المعنى» التى يدعيان امتلاكهاء وعلاقة هذه الرهانات 
ب «إرادات الهيمنة» التي من كانه توي المعنى إلى نظام سيطرة وقمع لحرية 
التفكير والتعبير. من هنا نجد أن توقف المفكر النقدي عند كشف «إرادات 
الهيمنة» على الآخرين من خلال السيطرة على عملية بحثهم عن المعنى والرهان 
عليه بات خطوة منهجية ضرورية يجب الالتزام بها لكي تنجلي أمور عديدة 
تتعلّق بفهم ما جرى في الماضيء وتأويل النص الديني. والتصوّر الذي يبنيه 
المؤمنون عن الله, 


يصرّ أركون على استخدام مفهومين يعتبرهما أساسين في المجال النقدي 
وهما «الزحزحة والتجاوز». إنه يشدّد على الزحزحة كخطوة أولى لكل الأجهرة 
الكفتهومية» والمقولات القطعية الى للا تقبل 'النقاكن > والتحديدات التديهية 
لجف فين االمافويت 40 ساولى ماتس ل كاز قا ماو كز مف 
الماضى هنا التراث الإسلامى من دول سواء» إلما :يكتمل “أيضا التزاتك الأرووى 
الخريى . فالتسو راك والرواسيا العقية امن التساطي عفيرة لليعاية لباق بالثرانين ٠.‏ 
وهي تشكل أحكاماً مسبقة تحول دون تأسيس نظرة تاريخية حقّة. وتوفير لقاء 
عميق بين الطرفين. 


خلاصة القول إن النقد - موضوع بحثنا - عند أركون ليس مجرّد موقف أو 
فكرة يتغنّى بهاء إنما هو منهج ومسار يفضي بالضرورة إلى التغيير. إنه مشروع 
فكري وإنساني. يعمل على إلقاء المزيد من الضوء على حقائق تهمٌ الوجود 
البشري. ويجتهد في تحرير الروح من السجون الفكرية التي فرضت عليها. 
النقد يبدأ بالحفر والزحزحة لكي ينتهي بالتجاوز والتحديث والدخول في مشروع 
الحضارة الإنسانية والمساهمة فيه. إنه باختصار إعادة قراءة التراث من زاوية 
مختلفة تستمر كل مكتسبات علوم الإنسان والمجتمع» إنه دعوة لاتخاذ موقف 
مكالن قره النهن : 

لم يوفر النقد لدى أركون التراث العربي الإسلامي. ولا التراث الغربي 
الأوروبي» لم يتردّد في الاقتراب من الظاهرة الدينية» ومما هو مقدّسء لم 
يتغاض عن إعادة النظر في مفهوم المشروعية وكيفية إضفائها على المجالين 
الديني والسياسي. إنه عملية إعادة نظر واسعة النطاق تقفز فوق الحدود التي 
تضق اسان الفكر وا تححية: 


0, 


" _النقد والمنهج النقدي عند الحابري 


إن التوقف عند مفهوم النقد لدى الجابري يحيلنا مباشرة إلى مسألة تحديد 
التراث وكيفية فهمهء وبالتالي إلى إشكالية العلاقة بين الماضي والحاضر التي 
باتت تُعرّف غالباً باسم الأصالة/ والمعاصرة. لم نجد في مؤلّفات الجابري كمَّأ 
من النصوص ينظر فيها لمفهوم النقد والمنهج النقدي؛ كما وجدنا في مؤلّفات 
أركون. قد يكون مرد ذلك إلى أنه أي الجابري ‏ فضّل ممارسة النقد على 
التفكير فيه. وتحديد كل من شروطه وأهدافه. هذا لا يعنى أنه أهمل هذا 
الجانب التنظيري» إنما بالقياس إلى حجم نج فل ار ييا 
ضئيلاً منها قد أفرد للبحث في مسألة المنهج ولبلورة مفهوم النقد بشكل 
موسّع”"'". بختلف الأمر عند أركون إذ نكاد لا نجد ولو فصلاً واحداً من كتبه 
المنقولة إلى العربية من دون التحدّث عن مسألة اختيار المنهج وكيفية تطبيقه. 
مع الإكثار من وضع الهوامش التي تسهم في تعريف هذا المنهج أو ذاك 
وعرض تاريخيته. بالإضافة إلى أننا نقع على العديد من النصوص التي تبحث 
مباشرة في مفهوم النقد وتسلّط الضوء عليه 


إن النقد إذاً عند الجابري مرتبط بموقف من التراث» أو بفهم خاص به. 
أو بقراءة محددة له. من هنا سوف نحصر اهتمامنا في هذا الإطار بلملمة شمل 
أبرز ما نشره الجابري محاولا تقديم مفهوم جديد للتراث مرتكز على أسس 
منهجية نقدية. لذلك إن ما يجمع في نظرنا بين أركون والجابري يكمن في أنهما 
انشغلا في مسألة التراث وفي كيفية اختيار المنهج المناسب من أجل فهمه كما 
هوء وليس كما يتم تسويقه. كما إن أهم ما يفرّق بينهما هو تحديد التراث بين 
شفاهي وكتابي » ورسم الحدود التي يطاولها النقد» 2 الذي اختاره كل 
منهما وكيفية استخدامه. وبالتالي النتائج التي توصلا إليها. , بتعبير آخرء إن ما 


ع 


يجمع بينهما هو بالتحديد ما يفرّق بينهما'*"2. أي التراث لجيه النقدئ: 


(1؟) لن نستفيض هنا في عرض ركائز المنهج النقدي الذي اعتمده الجابري في مشروعه : نقد العقل 
العربي ؛ لأننا قد أفردنا له فصلاً خاصاً في القسم الثاني من هذا الكتاب. سوف نكتفي بتحديد مفهومه للتراث 
لأننا رجدنا فيه بلورة لمصطلح النقد لديه. كما إننا سنلخص أهم خطواته المنهجية. 

(18) لقد تناولنا ما يميّر بين مشروعي أركون والجابري النقديَيْن في القسم الثالث من هذا الكتاب» 
وأفردنا الفصل الأول للبحث في موضوع المنهج الذي اعتمده كل منهما من أجل قراءة التراث» بغية 
المقارنة بينهما. 


0 


أ التراث في المفهوم النقدي 


نود أن نوضح بداية أن الجابري لم يهتمٌ بالتراث من أجل التراث في حدّ 
ذاته» إنما في سبيل الحداثة التي يتطلع إليهاء وهي تنبع من عمق حياة الإنسان 
العربى وتعبر عن مقوّمات شخصيته. إن الانشغال بالتراث له هدف تحديثى» 
تاصر يعني التحمي هاي امنطوو امفكونا إتهدررق: أن ىعدت اسيفات 
للحدائة خارج أوروبا تتطلب فهم هذه الحداثة في تاريخهاء ونقد العقل 
الأوروبي من قبل الفكر العربي والثقافة العربية. كما إنها تتطلب أيضاً البحث 
المعمّق في تاريخ وتراث الجهة التي يراد نقلها إليها - أي الفكر العربي - من 
أجل تحضير التربة» وطبع هذه الحداثة بخصوصية عربية. لذلك اعتبر الجابري 
أن نقد العقل العربي هو مرحلة مهمة من عملية التحضير لولوج الحداثة. 


والتراث الماديء مثل الآثار والتراث القومىء» أي ما يحضر في الإنسان 
المعاصر من ماضيهء بالإضافة إلى التراث الإنسانى أي ما يحضر في الإنسان 
من ماضى غيره. يقول هذا التعريف: «التراث هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا 
من الماضي. سواء ماضينا أم ماضي غيرناء سواء القريب منه أم البعيد»'"". 
نجد هنا أن الماضى مرتبط مباشرة بالحاضرء فهما متصلانء, وما التراث إلا 
هذا الأثر المتبقى من الماضى والذي هو حاضر بشكل أو بآخر فينا. 

يقارن الجابري في سياق آخر بين مفهومي التراث والميراث فيرى أن الأول 
قد اتخذ فى الخطاب العربى الحديث والمعاصر معنى مغايراًء لا بل مناقضاً 
للثاني. يعني الميراث في الاصطلاح القديم ما يورّع على الورثة من تركة أو 
مشترك بين العرب من تركة فكرية وروحية تجمع في ما بينهم لكي يصبحرا 
جميعهم خلفاً لسلفٍ واحد. لذلك يعتبر مفكرنا أنه «إذا كان «الإرث'. أو 
«الميراث». هو عنوان اختفاء الأب وحلول الابن محلهء فإن «التراث» قد 
أصبح» بالنسبة إلى الوعي العربي المعاصرء عنواناً على حضور الأب في الابن» 
حضور السلف في الخلف» حضور الماضي في الحاضر (. . .) ومن هنا ينظر 


(19) محمد عابد الجابري» التراث والحداثة : دراسات . 7 ومناقئشات (بيروت: مركز دراسات 
الوحدة العربية. ١94١‏ ص ©146. 


66 


إلى «التراث؛ لا على أنه بقايا ثقافة الماضي. بل على أنه «تمام» هذه الثقافة 
وكليتهما: إنه العقيدة والشريعة» واللغة والأدب. والعقل والذهنية» والحنين 
والتطلّعات» وبعبارة أخرى» إنه فى آن واحد: المعرفى والأيديولوجى وأشاستهما 
العقلى .ويطاتتهها الوجدائتة :فى الثقافة العربية الاستللاسية7", 


يظهر هنا المنحى النقدي فى مقاربة التراث» إذ يلفت الجابري الانتباه إلى 
كيفية حضور الماضي في الحاضرء وإلى هذا الكم الهائل من مقوّمات الثقافة 
الإسلامية المرتبط بالماضي على نحو وثيق. إن التراث حي في النفوس» وحاضر 
في الوعي. يفعل بقوة في الحاضرء وتتمٌ العودة إليه في كل مناسبة. لم يعد يعني 
ما كان فقط إنما ما كان يجب أن يكون. على وجه التحديد. لذلك يشير مفكرنا 
إلى أن الخطاب العربى الحديث والمعاصرء وبخاصة الخطاب النهضوي» قد 
دمج ضمن منهوم التراث ما هو معرفي بما هو أيديولوجي ووجداني. 


عمل خطاب النهضة على توظيف التراث بشكل مضاعف عندما دعا إلى 
الانتظام فيه والعودة إلى الأصول في سبيل نقد الماضي القريب والحاضر وبناء 
المستقبل من جهة» وفي سبيل التصدي لتحديات الغرب والدفاع عن الذات من 
جهة ثانية. بات التراث مع الخطاب النهضوي مطلبا ضروريا يتم الارتكاز عليه 
من أجل القفز نحو المستقبل. ومن أجل دعم الحاضر من خلال إثبات الذات 
وتدعيمها في مواجهة التقدم الغربي. 

ينتقد الجابري وضع القارئ العربي المعاصر لأنه بدلا من أن يعمل على 
احتواء التراث» فإن هذا التراث هو الذي يحتويه» لذلك يجده مؤطراً بتراثه. 
«بمعنى أن التراث يحتويه احتواء يفقده استقلاله وحريته. لقد تلقى القارئ 
العربي. ويتلفى» تراثه منذ ميلاده ككلمات ومفاهيم» كلغة وتفكير. كحكايات 
وخرافات (...) كمعارف وحقائق. كل ذلك من دون نقد وبعيداً عن الروح 
النقدية: فهر عندما يفكرء يفكر بواسطته ومن خلاله» فيستمد منه رؤاه 
واستشراقاثه مما ييجعل التفكير هنا عبارة عن تذكر )7 ". 


وكأن النراث في هذه الحال يشبه عالم المثل الأفلاطوني» فهو الأصل 


() المصدر نفسه. ص 51. 


)9١(‏ محمد عابد الجابري» نحن والتراث: قراءات معاصرة في ترائنا الفلسفى . طْ 5 (بيروت؛ الدار 
البيضاء : المركز الثقافي العربي » و 5 ص 55, 


05 


الصحيح الذي يضم الحقائق الثابتة والصالحة لكل زمان. والمعرفة تصبح هنا 
مجرّد عملية تذكر تنهمّ بربط الحاضر بأصل منغرس في الماضي» فيغيب عنها 
النقد والاستكشاف والاستفهام. وبالتالي التجديد. 

كذلك ينتقد مفكرنا القارئ العربى لأنه ليس فقط «مؤطراً بتراثه» إنما لكونه 
أيضاً ١مثقلاً‏ بحاضره»؛ لا يرى فيه ما يسعفه على النهوض» لهذا فهو مجبرٌ على 
العودة إلى التراث من أجل طلب السندء والبحث عن الحلم الضائع.ء بهدف 
تحقيق ما لديه من آمال ورغبات في التقدم والازدهار العلمي والعقلاني. إن 
مجمل ما يفتقده القارئ العربي سواء على مستوى الواقع أم على مستوى الحلم 
يحاول العثور عليه بشغف فى تراثه. «لذلك تجده. عند القراءة يسابق الكلمات 
عنام لمم لدم سيب : ناسو ركز ا عنها دل اجات تمق جيه 
النص ويحرّف دلالته» ويخرج به عن مجاله المعرفي التاريخي (...) إنه يقرأ 
كل مشاغله في النصوص قبل أن يقرأ النصوص»”"". 

يشدد الجابري على إبراز الفجوة التي تفصل بين الماضي العربي والحاضر 
الغارق في القصور الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والسياسي. إنه يعمل على 
الفصل بين ال «هناك» الذي توف عن النمو والإبداع. وبين ال ١هنا»‏ الذي 
يتخبّط بواقع مرير ومأزوم. إنه يرى أن الحاضر العربي «يشكل مزيجاً أو مجمعاً 
غريباً تتلاطم فيه بقايا أمواج ماضينا وامتدادات أمواج «حاضر» غير حاضرناء 
حاضر الحضارة الأوروبية ذات الطابع العالمي» "". 


إن الإنسان العربي من منظور الجابري واقع تحت وطأة التقليد. فهو 
مضطر أما إلى تقليد القدماء الذين أنتجوا التراث» وإما إلى تقليد الغرب الذي 
أنتج الثورة العلمية والصناعية والمعرفية. إنه ‏ أي الإنسان العربي ‏ يفتقد. إلى 
حدّ بعيد. العقلانية النقدية»؛ ويطمئن إلى ما هو نقيض لهاء أي التقليد» وتبني 
الأفكار التي لم يسهم في بلورتها. هناك ضرورة ملحّة للتعامل النقدي مع مجمل 
الموضوعات على اختلافهاء يجب التوقف عندها والعمل على تحقيقها باعتبارها 
فرضاً واجباً. فالتعامل النقدي يقتضي الوعي بتاريخية المعرفة وبالتالي نسبيتهاء 
و اجتوانه! مانم أب بر ونش و لافار الجتااية. التفدنة الث بن مزالا روي إل 
تطبيقها تعني بالتحديد #ممارسة عقلية تقوم على عدم اللي بأي شيء إلا بعد 


(**") المصدر نفسه؛ ص ”73 
(8) الجابري» التراث والحداثةة: دراسات . . . ومناقشات» ص 51. 


لاه 


فحصه. إنها موقف ضد التقليد»”* ". يلتقي هنا مع أركون الذي يدعو مراراً 
وتكرراً إلى إخضاع كل الحقائق الموروثة للنقد الذي يُظهر تاريخيتها ونسبيتهاء 
إذ إن كل ما أنتجه البشر قد دخل التاريخ وخضع لشروطه ومتغيّراته. والقراءة 
النقدية يجب أن تطبّق بقوة من أجل كشف كثير من الأمور التي تمّ إلغاؤها أو 
طمسهاء وتسليط المزيد من الضوء على التصوّرات التي تم إنتاجها في الماضي 
حول الكثير من المسائل. والنقد عند أركون لا يطاول فقط الفكر العربى 
الأمادي إنداء حي أن تطوف إلى الفكر :اللو روف للقي هجوتف امنا اعد 
إليه الجايري كذلك عندما يتحدّث عن إعادة ترتيب العلاقة مع التراث والفكر 
الغربى فى آن. نرى أن العقلانية النقدية من منظوره الخاص مهمّة لأنها ترنّب 
العلاقة بين الذات وموضوعاتهاء فتحول دون وقوع هذه الذات تحت وطأة 
موضوعاتهاء وسيطرتها. إنه يصرّح قائلاً في أحد حواراته الذي يعالج مفهوم 
«العقلانية النقدية» ما يلي: «لقد ناديت غير ما مرة بضرورة الاستقلال التاريخي 
للذات العريبة» وهو استقلال لا يمكن تحقيقه إلا بإعادة ترتيب العلاقة بينها 
وبين التراث والفكر الأوروبي على أساس من العقلانية النقدية»””"©. 


إن الهدف الذي تلمُسناه لدى الجابري خلال قراءتنا لنصوصه على تنوّعها 
يكمن في تحقيق استقلال الذات العربية استقلالاً تاريخياً يحفظ لها هويتهاء 
ويفسح لها المجال للوبداع ودخول ركب الحضارة والتطور. إن هذا الاستقلال 
لا يمكنه أن يتحقّق من دون الالتزام بالمشروع النقدي والانخراط فيه بالعمق» 
أي القيام بنقد العقل العربي في تكوينه وبنيته» وفي مجاله السياسي والأخلاقي» 
وذلك "بعد مزاجغة الخطات:الغريى: المعاضر مراجعة نقدية تبوز النعرات" الى 
يتضمّنها والأخطاء المنهجية التي وقع فيها". أراد أن يبت الروح النقدية في 
كتبه ومحاضراته لأنها الطريق الأقرب إلى الحداثة. وهو يعى جيداً أن غياب 
هذه الزويع بج #الكذي على العاريم يدمكنا ديام معدمنا أن التعدير 
الأيديولوجي هو الذي يجعل الكذب على الأحياء ممكناً"". يجب اعتماد 


(74) محمد عابد الجابريء المسألة الثقافية. سلسة الثقافة القومية؛ 550. قضايا الفكر العربي؛ ١‏ 
(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» :)١944‏ ص 586. 

(55) المصدر نفسه.ء ص 585. 

(7") لمزيد من التفصيل حول نقد الجابري للقراءات المعاصرة التى اتخذت التراث موضوعاًء انظر 
القسم الثاني» النصل الخامس من هذا الكتاب حيث توقفنا عند المسار النقدي الذي اتبعه مفكرنا للعقل 
العربي. 

(370”) الجابري» المسألة الثقافية. ص 591. 


مه 


النقد من أجل تفادي النظر إلى الماضي نظرة تعظيمية» تضخم الحقائق وتغيّر 
التاريخ» فيتخدذر بذلك وعي المتلقّي ويدخل في غيبوبة يصعب الخروج منها. 
لقد اكتسب نقد التراث لدى الجابري أهمية كبرى» فكرّس له جهدا ملحوظا من 
الحداثة المنشودة. كيف هو السبيل إذا إلى التعاطي مع التراث ونقده؟ وما هو 
بالتالي المنهج الذي اقترحه مفكرنا واتبعه في 55-87 ا 


ب في كيفية التعامل مع التراث 


«إن الموضوع الذي أتعامل معه هو النص العربي» هو التراث العربي 
الإسلامي. والعقل الكامن فيه. وأعتقد أن النقد الناجح لهذا الموضوع هو الذي 
يتحرّر من هاجس العمل مثل «الآخرين» أو النسج على منوالهم؛ هكذا بصورة 
شعورية وبرغبة «صبيانية». وكل ما أتعبني في عملي حقاً هو حرصي على 
العار من نوكل نعل لوف وق انالف المي قار 

أردنا أن نبدأ بهذا التصريح للجابري حيث نجد لديه إصراراً واضحاً على 
تقديم قراءة جديدة للتراث تتميّز من القراءات الأخرى. من خلال رفضها 
«النسج على منوال» سبق. لن ندخل هنا في تقويم المسار النقدي الذي اتبعه 
مفكرناء لأننا قد خصّصنا لذلك قسماً خاصاً عبر المقارنة بين ما أتى به منهجه 
وبين ما قدّمه أركون من جديد على صعيد المنهج أيضا” “. نود هنا أن نبرز 
أهم الأسس التي ارتكز عليها الجابري في فهمه للتراث؛ ممّهدين بذلك لما 
سنعالجه من نقاط منهجية في الفصل الرابع. 

إن إصرار الجابري على تقديم ما هو جديد قد دفعه بداية إلى مراجعة 
الخطاب العربي المعاصر ونقده. قبل أن ينتقد التراث» لأن هذا الخطاب. 
برأيه» لم يمارس النقد بسبب عوامل عذة» أهمها هيمنة التراث بقوة على العقل 
العربي» وحضور الآخر ‏ أي الغرب ‏ في الحياة الفكرية السياسية حضوراً قامعا 
يجبر العرب. على الرجوع قدماً إلى الوراء. يرى«مفكرنا أن مزاجعة الفكر ونقده 
أمران ضروريان يؤمّنان النجاح لآي مشروع نهضويء. لكن بعيداً عنهماء من 
الصعب التوصل إلى تحقيق النهضة المرجوة. 


لقد بقى التراث العربى الإسلامى كما هو من دون إعادة تأسيس. ما جعل 


(38) الجابري» التراث والحداثة: دراسات . . . ومناقشات. ص ا79,. 
(9" انظر فى هذا المجال: القسم الثالك» الفصل السابع من هذا الكتاب. 


64 





من الصعب أن تؤسّس عليه نهضة عربية متينة تأتي بثمار فكرية وفيرة. كذلك إن 
تفوّق الغرب» وبلوغه حداً عالياً من التطوّر قد سمحا له بممارسات قمعية من 
خلال استعمار الدول الأخرى. هناك «غرب الأنوار»؛ من جهة. «وغرب 
الاستعمار» من جهة أخرى. لكن هذا الأخير قد طغى على الأول فدفع العرب 
إلى مزيد من التمسّك بهويتهم من أجل المحافظة على الذات العربية» ما أوقف 
التقدمء وأسهم في العودة إلى الماضي في سبيل المقاومة. من هنا نجد أن 
التفكير «الترائي الرجعي» حاضر بقوة في الخطاب العربي المعاصر. 


يشير الجابري إلى ضرورة التنبّه إلى أن «التراث ليس بضاعة تم إنتاجها 
دفعة واحدة خارج التاريخ ‏ بل هو جزء من التاريخء هو وت الفكر وتطلعائه 
خلال مراحل معينة من التطوّر. وبالتالي فهو لحظات متتابعة الغى بعضها بعضا 
أو كمّله. (...) ولذلك فالتعامل مع التراث تعاملاً علمياً يجب أن يكون على 
مستويين : مستوى الفهم ومستوى التوظيف أو الاستثمار)”” 1 


إن المستوى الأول يقتضي استيعاب التراث بمجمله. في كل مراحله 
القاريطيةة وسةه قاراعة , إفان ترم الفيب اندي يمكن: أن,بنها حون الخراك 
سوف يحدد بشكل مباشر مستوى توظيفه. كذلك إن الوظيفة التي يراد إعطاؤها 
للتراث من شأنها أن تؤثر في نوع الفهم الذي يتم بناؤه. 

أما المستوى الثانى» أي التوظيف أو الاستثمار. فيستوجب الاتجاه إلى 
أعلى ذروة توقف عندها التقدّم مع الوعي بأنه لا يمكن توظيف كل التراث إنما 
ما تبقّى منه. وهو صالح للحياة الفكرية المعاصرة. لذلك لا يجوز بالنسبة إلى 
مفكرناء الانشغال بما يمكن أخذه من المعتزلة أو الأشاعرة أو الفلاسفة. لأن 
هذا عمل غير تاريخى يفضى إلى حلقات مفرغة. إنه يشدّد على أن ما يمكن 
التعامل معه اليوم تك العراك هت اسم الذي نجده مؤملاً لكي يشاطرنا بعض 
المشاغل الحالية» وهو يقبل التطوير لكي يعبر معنا نحو المستقبل. على هذا 
النحو يعرّف الجابري الأصالة ويحددها باعتبارها توظيف ما تبقَى من الماضي 
وهو يفيد الحاضر من أجل مستقبل أفضل» وليس توظيف تراث بأكمله. لكن ما 
هو هذا الذي تبقَى وهو يصلح لعيش الحاضر وتطوير المستقبل؟ 


تأتي الإجابة عن هذه المسألة في أكثر من مناسبة وكتاب للجابري حيث 


(50) الجابري. نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي» ص 47. 


10 


نجده يستنتج» بعد دراسته للتراث وفهمه مختلف مراحله التاريخية وتياراته 
الفكرية. المادة التى يجب أن توظف للافادة منها حاضراً ومستقبلاء وهي 
تشكل أعلى كه عندها التقدم. إنها عقلانية ابن رشدء وواقعية ابن 
خلدون على صعيد الفلسفة والتاريخ» كما إنها ظاهرية ابن حزم. والأخذ 
ب «أسباب النزول» و«مقاصد الشرع» لدى الشاطبي على صعيد الفقه. يشير 
مفكرنا إلى أن (ما تبقّى من تراثنا الفلسفي أي ما يمكن أن يكون فيه قادراً على 
ل ل ل نا 

من هنا لقد اتخذ ابن رشد مقاماً رفيعاً فى أبحاث الجابري» معه تمّت 
القطيعة مع الفكر السينوي «الظلامي" و«الغنوصي» في المشرق لكي ينبني فكر 
آخر على العقلانية والواقعية» ويدعو بالتالي إلى فهم الدين من داخله. أي 
بواسطة معطياته. وفهم الفلسفة في داخلها أي بواسطة مقدماتها ومقاصدها. إن ما 
قدمه ابن رشد في مجال العلاقة بين الدين والفلسفة يصلح. من منظور الجابري» 
لكي "نوظفه لبناء العلاقة بين ترائنا والفكر العالمي المعاصر بشكل يحقّق لنا ما 
لبه اماه وفعاضم 193 , إنهامين الضرورق اسان تيع ابد رقن ف سيل 
أن يتم بواسطته بناء علاقة العرب اليوم مع التراث ومع الفكر العالمي المعاصر في 
آن معاء هذا الفكر الذي هو اليوم بمثابة الفلسفة اليونانية في زمن ابن رشد. 

يتميّز الخطاب الفلسفى الرشدي ب «عقلانية نقدية واقعية» متحرّرة من 
هاجس اقياس الغائب على الشاهد؛؛ ودمج الدين في الفلسفة والفلسفة في 
الدين. هنا تتحقق ذروة التقدم الذي عرفه التراث بالنسبة إلى الجابري» وهذا 
بالتالى ما يجب توظيفه والأخذ به. من أجل أن يدخل الفكر العربى الحضارة 
العالمية المعاصرة المرتكزة على العقلانية والواقعية والروح النقدية. إن الفكر 
الرشدي مقبول في عصرنا لأنه يلتقي مع روح هذا العصر أكثر من أي فكر آخر 
في التراث العربي الإسلامي ‏ وبخاصة فكر ابن سينا لذلك يجب الأخذ به 
واستثماره من أجل «تحديث أصالتنا وتأصيل حداثتنا». لكن يبقى لنا أن نسأل: 
ما هي الأداة التي قرأ بها الجابري التراث العربي الإسلامي؟ 

«إن المنهج. مهما كان. هو أداة» والأداة لا تبرز فعاليتها إلا عند 
استعمالها إلا بمقدار مطاوعتها وقدرتها على التكيّف مع المعطيات التي 


.44 المصدر نفسه. ص‎ )4١( 
.0١ (7؟) المصدر نفسه. ص‎ 


1١ 


تعالجها»””'. يرى الجابري من خلال هذا التصريح أن ما يبرّر استخدام منهج 
ما وتفضيله على ما سواه فاعليته في التعاطي مع الموضوع الذي هو هنا التراث 
العربي الإسلامي. لذلك نجده يختار بين سائر المناهج المزاوجة بين المنهج 
البنيوي والمنهج التاريخي والطرح الأيديولوجي”*''؛ معتبراً أن هذا الخيار هو 
الأجدى» بدلا من التوققف عند المناقشات المجرّدة التي تدور حول المنهج. إنه 
يعطي الأولوية لتحليل الواقع وتطبيق المنهج عليه»ء أكان هذا الواقع ماضياً أم 
حاضراء وذلك بدلا ف الوقوع في خطأ الغرق بالمناقشات النظرية المجرّدة 
البعيدة عن الواقع. إنه يقصد بالمناقشات النظرية تلك التي تفضل القراءة المادية 
مثلاً على المثالية أو العكس» فتقع في تصنيفات غير مجدية» لا بل جامدة» 
تنهمّ بالبرهنة على صحة هذه المقولة أو تلك. من دون التوصّل إلى فهم 
صحيح للتراث في سياق تطوره التاريخي واتجاهاته الفكرية. 


يصرّ الجابري على الانتباه إلى تاريخية الثقافة والفكر فى مقاربة للتراث. إنه 
يعتبر أن الماضي والمستقبل هما بالفعل كالحاضرء أي غير جامدين لأنهما 
ضرورة وحركة. وهما في الوقت عينه نتيجة هاتين الصيرورة والحركة. لذلك يرى 
ضرورة إعادة قراءة التراث كما الفكر المعاصر انطلاقاً من رؤية شمولية» وجدلية» 
وتاريخية بخاصة». لا تضحًي بالخاص على حساب العام» كما إنها لا تسجن 
ا الو الا الا م 
بي ل ل ا 


الجابري النقدي. وهي بمثابة أسس القراءة التي قام بها للتراث العربي 
الإسلامى. تنحصر الرؤية لديه فى ثلاثة منطلقات: 


د قذاك أولل الأن بالأععيان أن لفك العتين الاندلة من في القيروق 
الوسطى هو فكر واحد ذو إشكالية واحدة هي التوفيق بين النقل والعقل. وذلك 
على الرغم من ظاهرة تعدد التيارات الفكرية واختلافها فى ما بينها. 

(59) الجابري. التراث والحداثة : دراسات . . . ومناقشات. ص 43. 

(45) لند فصّلنا خيار الجابري المنهجي هذا في: القسم الثاني الفصل الرابع. الفقرة ثانياً من هذا 


الكتاب. 


11 


- وهناك ثانياء الوعي بتاريخية الفكر من خلال ربطه دائماً بالواقع السياسي 
والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي أنتج هذا الفكرء أو تحرّك هذا الأخير 
فى إطاره. إن التحدّث عن المجال التاريخى لأي فكر يقتضى التوقف عند ما 
بوتس أي الحقل المعرقن والمفسولة الأمدير لوعن, إن«فى ذلك نوها من 
الربط بين الفكر والواقع» إذ إن أي فكر يتحرّك ضمن حقل معرفي له جهاز 
خاص من المفاهيم والتصورات والمنهج». وهو - أي هذا الفكر ‏ يحمل 
مضموناً أيديولوجياً يُضفيه صاحب هذا الفكر على مادته المعرفية من خلال 
توظيفه سياسيا واجتماعيا. 

- هناك أيضاً منطلق ثالث للرؤية التي لازمت المنهج لدى الجابري وهي 
النظر إلى الفلسفة الإسلامية باعتبارها قراءات لفلسفة أخرى. إن الفلسفة فى 
الإسلام حصو كرجا جيو عد راجت يفل اللفلسفة البونا بد فاق يرطف 
المادة المعرفية عينها من أجل أهداف أيديولوجية متباينة. لم تكن مثل الفلسفة 
اليونانية أو الفلسفة الأوروبية فعل قراءة متواصل ومتجدد لتاريخها الخاص» إنما 
فعل قراءة لفكر آخرء له وظيفة أيديولوجية أوكلها إليه كل فيلسوف على جدى. 
من هنا يجب أن نبحث فى هذه الوظائف الأيديولوجية عن معنى الفلسفة 
الإسلامية وتاريخها. ١‏ 


يقترح الجابري طريقة للتعامل مع التراث تقوم على الموضوعية التي تفصل 
بين الذات والموضوع لكي تتحقّق رؤية الأشياء كما هي. وبما أن التراث ينتمي 
إلى الغا ضي :ا كان :من: الفبروارق دقر !4 كراءة: علمية بوردكرة على كدر حي ان 
المعقولية والموضوعية. إن اختيار مفكرنا هذا النوع من القراءة ليس ناتجا من 
رغبة ذاتية أو انحياز إلى منهج من دون آخرء إنما هو اختيار أملته عليه طبيعة 
الموضوع الذي يدرسه. أي التراث. من هنا نجده يصرّ على توفير شرطين 
مهمّين من أجل تحقيق قراءة علمية للتراث هما: الموضوعية والعقلانية. 

إنه يعني بالموضوعية أن يعمل على جعل التراث معاصراً لنفسه ما يستوجب 
تشبله عدار كنم إن ريد و السجمفرلية أذ دفي قن جه الدراك عاضر تارمق 
حلذل ناذه وله يبا .هناك إذا نض من أجل إعادة الوفين وذللك تيدف تبعريز 
الإنسان العربى من هيمنة التراث عليه واحتوائه له باعتباره حاضراً فى هذا 
الفا ل را مفكرنا أن التراث هو أقرب أن يكو ن كاتا أكر دبا هر موضوع 
قابل للدرس العلمي, كما إنه ‏ أي التراث ‏ ينتمي إلى ماض هو بمثابة الذاكرة 
الثقافية المشحونة بالتخيّل والرموز والنماذج والقيمء ما يحد من إمكانية التعاطي 


5 


العقلانى معه. من هنا نجده يتحدذث عن الهدف الذي يرمى إليه» والذي يكمن فى 
الف الدرانقة ماقي القيته طلى تمه الذقكا لبه الظرية والمستوئ ليع في 
والتسيرة :الا بدزارطن :الى اللو طايه عا لس فى مقط الخاضي 
المعرفي والاجتماعي والتاريخي. وهذا هو معنى الموضوعية» وفي الوقت نفسه 
جعله معاصراً لنا بنقله إلينا ليكون موضوعاً قابلاً لأن نمارس فيه وبواسطته عقلانية 
تنتمي إلى عصرناء وهذا هو معنى المعقولية. وبهاتين العمليتين معاً يصبح التراث 
موضوعاً لنا بدل أن يبقى موضوعاً فينا يقدّم نفسه ذاتاً لنا)!* ؟». 

إن السعي من أجل تحقيق هذا الهدف قاد الجابري إلى البحث عن المنهج 
لأكثر ملاءمة وفاعلية» فوجد في الإبستمولوجيا مبتغاه"*“. حاول أن يوظف 
مكتسبات هذا العلم في موضوع بحثه توظيفاً إجرائياً عملانياً. إنه يرى أن نقد 
أي أطروحة إذا أغفل الأساس المعرفى الذي تتأسّس عليه فهو لا محالة نقد 
أيديولوجي الايد يوار جا ولا .مكته أن ينتج سوى أيديولوجياء لذلك يجب 
لعمل على نقد طريقة الإنتاج النظري حيث يتبلور «الفعل العقلي»). إن النقد 
لمبني على الإبستمولوجيا هو الذي يؤدّي إلى بناء قراءة علمية واعية. أراد 
مفكرنا نقد العقل العربي» والغوص في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية انطلاقاً 
من استخدام المنهج الإبستمولوجي الذي يدرس بعمق «الفعل العقلي» الذي يتم 
على نحو محدد وبواسطة المفاهيم التي هي بمثابة أدوات للتفكيرء ويتمّ أيضا 
ضمن حفل معرفي له إطاره الخاص. اهتمّ في مقاربته النقدية للتراث العربي 
الإسلامي بالتركيز على أربعة عناصر هي : 


١‏ طريقة التفكير أو كيفية معالجة الموضوع. 

١‏ الأدوات الذهنية أو المفاهيم التي تمّ التفكير بواسطتها. 

 “‏ الإشكالية التي توجّه عملية التفكير. 

الحقل المعرفي الذي تتحقق فيه هذه العملية الفكرية. 

قد تختلف هذه العناصر من مرحلة تاريخية إلى أخرى. أو بين مكان 
ولحوة لقن إذا كان الأحفلةان عميقاء .والتنبير درا يكن السعر يف عد 





(45) الجابري». المصدر نفسهء طنع ١‏ 


(57) لمزيد من التفاصيل حول موقف الجابري من الإبستمولوجياء وتبريراً لخياره هذاء انظر: 
الفسم الثاني الفصل الرابع» الفقرة ثالثاً من هذا الكتاب. 


5 


«قطيعة إبستمولوجية0”"''. وذلك على الرغم من أنه قد يبقى موضوع المعرفة 
واحداء من دون أن يطرأ عليه أي تغيير. من هنا نجد الجابري يتحدّث عن 
«قطيعة إبستمولوجية» أو «قطيعة معرفية» بين ابن سينا وابن رشدء أو بين فلسفة 
المشرق العربى وفلسفة مغربه. إنه يدعو أيضاً من هذا المنظور إلى تجديد العقل 
العربي من خلال تحقيق «قطيعة إيستمولوجية» جذرية مع بنية العقل العربي التي 
عرفها عصر الانحطاط وامتدت بالتالى إلى الفكر العربى الحديث والمعاصر. 
فبذلك يتحقّق التخلّى عن عملية «الفهم التراثي للتراث»» ويتمّ التحرّر من 
مجمل «الرواسب التراثية» التي ما زالت تحكم قراءة هذا التراث. 


حدر الأشازة إلى أن متكرا بسر ابو سيببا دشا فعلنا اعفد الاتحطاط 
لأنه قد كرّس من خلال فلسفته المشرقية «اتجاهاً روحانياً غنوصياً كان له أبعد 
الأثر في ردة الفكر العربي الإسلامي وارتداده من عقلانيته المنفتحة التي حمل 
لواءها المعتزلة والكندي وبلغت أوجها مع الفارابي إلى لا عقلانية ظلامية 
قاتلة (.. .)2**!0. لذلك كان لا بدَ من العمل على إحداث «قطيعة معرفية» مع 
هذا المنهج في التفكيرء الشيء الذي حققه ابن رشد. من خلال التركيز على 
العقلانية والواقعية. من هنا يدعو الجابري باستمرار إلى النهل من مصادر ابن 
رشد في سبيل تحقيق الانتظام في التراث وتخطيه ومواكبة العصرهء الأمر الذي 
بفرضن غلينا المزيد من العقلانية والونا 150 


كذلك أنه يتحدّث عن بعض "الرواسب الذاتية» التي يجب التخلّي عنهاء 
وهو يضع «على رأس هذه الرواسب «القياس» النحوي - الفقهي ‏ الكلامي في 
صورته الآلية اللاعلمية التي تقوم على ربط جزء بجزء ربطأ ميكانيكاًء والتي تعمل 
بالتالي» على تفكيك الكل وفصل أجزائه عن إطارها الزماني ‏ المعرفي - 
الأيديولوجي»”'”“. ينتقد مفكرنا آلية القياس التي تفصل الأجزاء عن الكل من أجل 
أن يتم نقلها إلى حقل اخر هو حقل الذي يستخدم القياس» ما يؤذي إلى الوقوع 
في الدمج بين الذات والموضوع., أي التداخل بين الذات العربية وتراثها. 


(40) لمزيد من التفاصيل حول هذا المصطلحء انظر: القسم الثاني» الفصل الرابع» الفقرة رابعاً 
من هذا الكتاب. 

(58) الجابريء نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي. ص 59. 

(44) لمزيد من التفصيل حول النقد الذي وجّهه الجابري لفلسفة ابن سينا المشرقية» وتفادياً 
للتكرار انظر : القسم الثاني؛ الفصل الخامسء الفقرة سابعاً من هذا الكتاب. 

(00) الجابري؛ المصدر نفسه. ص 9ل. 


516 


نخلص إلى القول فى هذا المجال» إن الجابري عندما تحدذث عن عصر 
الانحطاط وضرورة أن نقطع معهء وعندما انتقد آلية القياس الفقهي» كان ينطلق 
من قاعدة الإبستمولوجيا باعتبارها أفضل وسيلة تسهم في انجاز مشروعه النقدي. 
وبخاصة أن العجانب الايديولوجي فيها ضعيف؛ أو غائب بشكل نسبي. كما إنها - 
أي 0 عي ل 0 لف ونفد المفكرين 
روح نقدي. وتمنحه الخبرة بواسطة الممارسة 5 وتقدم له 
العديد من الأدوات أو المفاهيم التي بإمكانه أن يوظفها في حقل التراث. 


إن هذا الخيار المنهجي قد نتج منه خيار آخر فرضه الجابري على نفسه وهو 
الاكتفاء بدراسة نظم المعرفة وتكوين آليتها من دون التطرّق إلى الفكر الديني. إن 
النقد الذي مارسه هو نقد المعرفة وليس نقد العقل اللاهوتى» لأنه نقد سلمى لا 
يخذاك يجيج ليشا القوص + كما اركون في نقد العقل الإسلامى مكتفياً 
بنقد العقل العربى» فالتقد الأول من شأنه أن يحدث ردود فعل صارخة»؛ ويواجه 
بالرفض الشديدء أما النقد الثاني فهو أقرب إلى المعرفي منه إلى الأيديولوجي» 
له لا يمسن المحرّمات بل يكتفي بالحفر في طبقات المعرفة ليدرس شروطها 
وآليتها ونظمها ونتائجهاء فهي التي تستحوذ على اهتماماته. لذلك يمكن القول إن 
النقد المعرفى مقبول أكثر فى الأوساط العربية الإسلامية من النقد الدينى الذي 
يقطوق إلى اومن التاسيسية وإلى تأرعاذنيا! "ود اننا أن الكدايرى قهاخذ 
هذه المسألة في الحسبان منذ البداية» فحرص على العمل بتأنِ من أجل التواصل 
مع أكبر عدد من الجمهور العربي. 


يتبيّن لنا بوضوح أنه عندما قام بصياغة نصّه لم يغب عن ذهنه التفكير في 
كيفية «تلقّىي" مشروعه معنوياً ومادياً. نلحظ لديه الكثير من العناوين اللافتة التي 
تشذ انتباه القارئ وتثير فضوله المعرفي» والعديد من العبارات المركبة موسيقياً 
أركون. فالأول قد صاغ نصّه منذ البداية باللغة العربية» واعيا كل الوعي بشغف 
القارئ العربي بلغته» وبالموسيقى التي تحتويهاء ووقعها في نفسه. بينما نجد أن 
الثاني لم يؤلف مباشرة بالعربية» فنصّه مترجم بكثير من الدراية والعناية» بهدف 


)0١1(‏ لناعودة مفصّلة إلى خيار الجابري المتمثل فى نقد العقل العربي وليس الإسلامي حيث عالجنا 
الدائرة النقدية التي جعلها كل من أركون والجابري إطاراً لعمله» انظر: القسم الثالث» الفصل الثامن من 
هذا الكتاب. 


1 


إيصال المعنى وتفسير المصطلحات الجديدة التي يزخر بها النص الأركوني. 
لذلك لا نجد الهمّ الجمالي مسيطراً على النص العربي لدى هاشم صالح لأنه 
انهم بنقل ما ألفه أركون بالفرنسية بدقة وأمانة مع حرص شديد على تفسير ما 
قد يجده القارئ العربي غريباً أو نافراً أو مثيراً للغضب. 


نود أن نتوقف هنا عند بعض العبارات التى لفتت انتباهنا لنذكرها كمثال 
على أمتلوت الجابري وهي تتعلق بالموضوع الذي نحن بصلده أي النقد 


انعم له بذ من سلاح النقد. ولكن لا بذ 007 من نقد السلاح)”7. 


«لأن إلغاء التراث لا يمكن أن يتم إلا بتحقيقه (...) لأن تحقيق التراث 
لا يتم إلا بإلغائه»””"©. 


(اجعل المقروء معاصراً لنفسه معناه فصله عنا. . . وجعله معاصراً لنا معناه 
وصله بنا... قراءتنا تعتمدء إذنء» الفصل والوصل كخطوتين منهجيتين 


ال 
ر بيسيمين ١‏ 


«إن القطيعة التي ندعو إليها ليست القطيعة مع التراث بل القطيعة مع نوع 
من العلاقة مع التراث» القطيعة التي تحولنا من «كائنات تراثية» إلى كائنات لها 


دا 


كذلك هناك العديد من العبارات التي يكلّل بها فصول كتبه أو يعنون بها 
المقدمة والخاتمة. أو يصدر بها الفقرات» وهي تعتمد الموسيقى وسيلة للتأثير 
في أذن القارئ واللعب بالألفاظ أداة تسد الانتباه إلى المعنى» كما تهدف ‏ أى 


هذه العبارات ‏ إلى إحداث صدمة لدى «المتلقى'. نذكر على سبيل المثال 7 
الحصر ما يلى: 


«الأعرابي صانع «العالم» العربي)77”. 


(01) الجابري» التراث والحداثة: دراسات . . . ومناقشات. ص .1١”‏ 
(0) المصدر نفسه. ص .١٠١4‏ 

(24) الجابري». نحن والتراث : قراءات معاصرة فى تراثنا الفلسفى؛ ص .١7‏ 
(506) المصدر نفسهء ص ١ 1 ,5١‏ 


(55) محمد عابد الجابري» تكوين العقل العربى. نقد العقل العربى ؛ اط © (بيروت: مركزر 
دراسات الوحدة العربية. »)١9491‏ ص هلا. 


1/ 


لقنت التعالى «السياتنة وتتسين الل 
«الموروث الصوفى : أخلاق الفناء. .. وفناء الأخلاق» 


0م26 


«خاتمة وآفاق: لم يدفنوا بعد أباهم ار ا 
نود في نهاية الكلام على النقد والمنهج النقدي لدى الجابري أن نوجز ما 
يمكن أن نعتبره الأسس النقدية في مشروعه بالنقاط الثماني التالية : 


١‏ - إن فعل النقد عنده مرتبط بتقديم قراءة غير تراثية للتراث. إنه يرتكز 
على التعمّق بفهم التراث» نظراً إلى حضوره الفاعل في الواقع الحاضر وذلك 
من اجل تجاوزه. 

١‏ - إن ممارسة النقد في مفهومه تقتضي الانتظام أولاً في التراث؛» إذ إن أي 
مشروع نهضوي مثمر لا د يمكنه أن ينطلق من الفراغ. يعتقد أن إنجاز عملية التجديد 
ترتب عليه الحفر في التراث بالإضافة إلى التعامل النقدي مع الماضي كما الحاضر. 


”ا عيكتدة فرارا وتكرارا على ضروزة تبتى الروع: التقادية:ففي البست 
غريبة عن التراث العربي الإسلامي. من يحفر يجد أن عقلانية ابن رشد وواقعيته 


في ميدان التراث. لكنه يعتقد أن الوعي بحضور الهاجس الأيديولوجي من شأنه 
أن يحرّر الباحث» إلى حد ماء من هذا الهاجس. كما إنه يشبّه التراث ب «بئر 


اندزو لوعنة”2 لا يكن أن مقن ادها ناء «مقظر | خالا عن الأبديو لوصا 

4 يعتبر أن فصل الذات عن الموضوع ومن ثم الموضوع عن الذات 
مرحلتان مهمتان من أجل التوصّل إلى إعادة ترتيب العلاقة بينهما على أساس 
جديد. من هنا نجده يرتكز على الموضوعية عند معالجته مشكلة المنهج. لأنه 
يرى أن التراث حاضرٌ بقوة في نفس الإنسان العربي المسلم إلى حدّ الاندماج 
بينهما لكى يشكلا ذاتا واحدة. 


(01) الجابري» المسألة الثقافية. ص 47. 

(08) محمد عابد الجابري؛ العقل الأخلاقي العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة 
العربية» نقد العقل العربي؛ 4 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» .)١١١١‏ ص 457. 

(09) المصدر نفسهء ص .35١‏ 

(0) الجابري» التراث والحداثة: دراسات . . . ومناقشات. ص 584. 


34 


١‏ إن الكلام على الموضوعية قد أدَى به إلى تحديد خطواته المنهجية 
بثلاث عمليات هي: المعالجة البنيوية والتحليل التاريخي والطرح الأيديولوجي. 
إنها تسهم في فصل التراث عنا لكي نعيده إليناء على نحو جديد. فيصبح بذلك 
معاصرا لنا. 


٠‏ - لم يشأ التطرّق في مقاربته النقدية للتراث العربي الإسلامي إلى مجال 
العقل اللاهوتي. فاكتفى بتحديد إطار عمله ضمن تجليات العمل العربي في 
اللا دك :وا لالخلد قا أن كان قو قلا مايا عند تكوين 44 العقل ركيت 
بنيته المعرفية. يرى أنه بإمكان الباحث أن يفصل بين العقل الإسلامى والعقل 
العرين الى دؤافنانهالبقدي وهر تنا سكيم النقيار لمصلينة الكاين 4 لالعسازاتك 
عذة أهمها أنه لم ير نفسه يوما باحثا لاهوتياء ومن ثم إن النقد المعرفي سلميّ 
لا يخلف وراءه موجات الغضبء. والسجالات العقيمة. تتبلور هنا نقطة اختلااف 
رئيسة بينه وبين أركون. 


4 إن التركيز على العقل العربي وليس الإسلامي قد جعل الجابري أقرب 
إلى المنحى المعرفي منه إلى اللاهوتي؛ لذلك كان خياره المنهجي ملتزماً 
بالإيستمولوجيا كأداة تساعده في عملية الحفر والتفكيك» رفعها شعاراً علمياً 
موضوصا فى معقك تؤلعاتة اللددية: استقاء ده مكتمدانها'نن يجان ابعراتة؛ 
وبخاصة عندما قرأ تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية» حيث تحدذث عن «قطيعة 
[جخيوارعيةة بين لهم المشرق لمكن يبن سينا لم التتفرب المكمتلة 
بابن رشد. كما استفاد من الإبستمولوجيا عندما قام بتفكيك بنية العقل العربي 
والكشف عن نظمه المعرفية الثلاثة: البيان والعرفان والبرهان. 


 “‏ نحو أبواب هذه الدراسة وفصولها 


إن أول مشكل يعترض طالب الدكتوراه» بعد أن يقع اختياره على موضوع 
يطرح إشكالية ذات قيمة فكرية؛ يكمن في كيفية معالجة هذا الموضوعء أو في 
المنهج الذي يود أن يتبعه في سياق بحثه. فيتوجه تلقائياً إلى ما اكتسبه خلال 
سنى الدراسة» وما حصله من خبرة بعد خوضه تجربة الكتابة فى الماجيستيرء 
فو دون أن يتسى طبعا الاستعانة تمخزون ذاكرته ونا تحريه مح غصضنارة 
المطالعات السابقة. على صعيد المنهج. لكنه سيجد بعد حين أن ذلك غير 
كافٍء فالمشروع الذي ينتظره يتطلب منه المزيد من الجهد الفكري والعمل 
اليومي والتمرّس في فعل الكتابة» بالإضافة إلى الغوص في ما يقذمه الفكر 


4 


المعاصر في مجال المنهج» والمحاولات التي يقوم بها الكثير من المفكرين من 
أجل بلورة رؤية جديدة» وتقديم أدوات أكثر فاعلية لمواجهة التحذيات 
المطررحة حالياً. تبدأ هنا المعركة في مواجهة ما نجهل. إنه كمّ هائل من 
المؤلفات التي تعتلي فجأة حلبة الصراع. وهي تزخر بالمصطلحات والمناهج 
والطروحات. علينا أن نقارعها بكل ما أوتينا من قوة فكرية وقدرة على التحليل. 
فكلٌ يحاول أن ينمي لديه ولو مهارة واحدة نتيجة الصراعء يوظفها في العمل 
الأكاديمى الذي ينتظره» أي كتابة أطروحته. 

إن ما حصّلناه نتيجة خوضنا المعركة التى أردناها ضدّ جهلناء جعلنا أكثر 
اداه أذ عيولن هذ له سكف إلا إن بكرن مساؤلة بين تسارلاق عرق 
عديدة؛ وإن ما ينقصنا هو أكثر مما نمتلكه. ليس في ما يتعلّق بالجانب 
التعرقي وحمي إنها أيها باتعانت السوجيء لعناءى الرقة عدف عيذنا 
تجرأنا على وضع مداميك هذه الدراسة» كان لدينا اقتناع أنه بإمكاننا أن نقدّم 
مقاربة موضوعية تبرز أهم ما تضمّنه مشروعان نقديان فاعلان بقوة على الساحة 
الفكرية العربية الإسلامية» كما على الساحة العالمية ‏ في ما يخصٌ محمد 
أركون ‏ من دون أن نخفي تقديرنا للجهد الذي بذله صاحبا المشروعين. إنه 
لولا هذا التقدير المقرون بالإعجاب والحماسة لما تحمّلنا مشقّة العمل طوال ما 
يقارب السنوات العشر. 

نود في هذا السياق أن نوضح أمرأ يتعلق بخيارنا المنهجي. إن طبيعة 
الموضوع الذي نعالجه في دراستنا فرضت علينا تبتي المنهج المقارن الذي 
يرتكز على إبراز خصائص كل مشروع نقدي على جدىء ومن ثم اختيار أهم 
الموضوعات التى تطرّقا إليهاء بهدف المقارنة بين المقاربتين واستخلااص 
النتائج. إن هنذا الحناذ قادنا إلى الغوص في نصوص كل من أركون والجابري» 
والحفر فيهاء والربط في ما بينهاء وتقصّي جذورها المخفية؛ من أجل 
تقديمهاء ومن ثم تحليلها على نحو يفيها حمّها. نظراً إلى ما تتضمّنه من مناهج 
ورؤى وطروحات. رأينا أنها تفيد في مقاربة الكثير من الأزمات والتحدّيات التي 
تواجه الإنسان العربي المعاصر. 

نرغب في أن نذكر هنا أن نصوص أركون قد أحالتنا إلى مصادر ومراجع 
أجنبية عديدة؛ لكي نتمكن من مواكبة» ولو من بعيد. الطفرة المنهجية التي 
شهدتها علوم الإنسان والمجتمع واللغة في الغرب الأوروبي المعاصرء والتي 
نهل أركون من معينها بوفرة. الأمر الذي ولد عندنا المزيد من الوعي بما لا 


07 


نزال نجهله ونفتقده» إن معرفياً أو منهجياً. كما إننا نود أن نشير إلى نصوص 
الجابري الغنية بالاستشهادات المستقاة من التراث» وبالنصوص القديمة التى 
اختارها وقدّمها لنا. الأمر الذي سهّل علينا عملية الغوص في طبقات التراث» 
ووفّر علينا جهداً كنا نحتاجه لمواجهة أمور أخرى يتطلبها بحثنا. 

إن ما حصدناه من معاشرتنا لنصورص أركون والجابري قد أسهم بشكل 
مباشر في تعميق نظرنا إلى الأمورء وزادنا اقتناع بأن الحقيقة». أي حقيقة لا 
يمكن مقاربتها من زاوية واحدة» وانطلاقاً من منهج واحد. هناك زوايا عدة أو 
مواقع يمكن النظر منها إلى هذه الحقيقة الغنية» لذلك يجب أن نتعاطى معها 
وفق طبيعتها. كما إن استخدام أركون لشبكة من المناهج في مقاربته للتراث 
العربي الإسلامي قد أكسبنا الكثير في عملنا هذاء ووسّع من آفاق توجّهنا إلى 
النصوصء وكوّن لدينا نوعا من رؤية منهجية تتضمّن خلاصة ما وجدناه لديه. 
مع الإشارة إلى أننا نجد أنفسنا أقرب إلى منهج علم الأنثروبولوجيا الدينية الذي 
يقدّم مقاربة جديرة بالاهتمام لتاريخ الأديان» ولتبلور الفكر الديني» ويأخذ 
بالاعتبار الثقافة العالمة كما الثقافة الشعبية» متوهفا عند دور المقدس فى 
مكتلقت المجتمنات التشرية» :وميررا العلافة التي تزبط الدين والمجتمم وآأئر كل 
منهما في الآخر. 

إن دراسة المقارنة التى اعتمدناها أوجبت اختيار نقاط ثابتة مشتركة 
وعاعتر يفوا منطات كنل نحن أكون والسابرى» ترحدنا أن مال دن 
حاون رمك أذ عرقت عندهاء لأنه من شأنها أن تبلور أسس المنهج لدى كل 
منهما. يصئف الاثنان مشروعها على أنه نقدي يعتمد منهج الحفر في التراث 
وتفكيك ما هو متراكم فيه» في سبيل التوصّل إلى معرفته على حقيقته أولاء 
وتجاوزه ثانياء من أجل الدخول في مشروع الحضارة العالمية والمساهمة فيه. 
يتوف الاثنان عند نقد العقل كل من زاويته الخاصة» كما إنهما ينشغلان أيضاً 
بنقد الخطاب العربى الإسلامى فى السياسة. لذلك كان لا بد من التوقف عند 
هذه المفاصل الثلاثة التي تدخلنا مباشرة في صلب المشروع النقدي لدى كل 
من أركون والجابري» وهي: 

١‏ - المنهج 

؟ - نقد العقل العربي الإسلامي 

* - نقد الخطاب السياسي 


7١ 


تجدر الإشارة هنا إلى أن الكلام في موضوع الأخلاق والإنتاج الفكري 
فيه؛ جاء مبكراً عند أركون» ومتأخراً عند الجابري”'''. لم نبحث فيه بشكل 
مباشر ني أطروحتنا لسببين: 

١‏ السبب الأول. إذا اعتمدنا التصنيف الشائع في الفلسفة للعقل نجد أن 
هناك عقلاً نظرياً وآخر عملياً. والعقل العملي قد تبلور أكثر في المجال 
السياسي منه في المجال الأخلاقي. ربما يعود السبب في ذلك إلى أن الدين 
الإسلامي قد بت نهائياً في أمور الأخلاق والسلوك البشريء وشرّع لهاء فلم 
ينشغل المفكرون العرب والمسلمون كفاية فى التنظير للمسألة الأخلاقية 
والإندا وانيهاء إقنا اتسيوا احقن إلى ازع المواض «النياسية الع كانت 
تشغلهم بغية تحقيق «المدينة الفاضلة» أو رسم إطار «الضروري في السياسة», 
من أجل التوصّل إلى الإصلاح المنشود. فضلاً عن مسألة الصراع في شأن 
الخلافة والمشروعية الذي عرفه التاريخ الإسلامي» وما نتج منه من خطابات 

5-السيب العاتى» هو متينجئ بحت ٠»‏ إذ بعد أن اطلعنا غلى «نا كته 
أركون حول الأخلاق في الإسلام» وما ورد في كتاب الجابري العقل الأخلاقي 
العربي. لم نجد من ضرورة للتوققف عند المنهج في موضوع الأخلاق. إذ إن ما 
يهمّنا ني هذه الدراسة هو المنهج النقديء أي كيف قرأ أركون الخطاب 
الأخلاقي وكيف فعل الجابري أيضاً. رأينا أن كلا منهما استخدم تقريباً الأدوات 
المنهجية نفسها التي وظفها في نقد العقل النظري والعقل العملي في مجاله 
السياسي. بتعبير آخرء إن المنهج التعددي الذي اتبعه أركون في مقاربة التراث 
قد سمح له أن يدرس الخطاب الأخلاقي كما سائر الخطابات الأخرىء» نظرا 
إلى غناه وكثرة الأدوات التى استعملها. أما الجابري فقد بقى هو أيضاً وفيا 
لخياره الإبستمولوجي فاهتمّ بتفكيك بنية الخطاب الأخلاقي العربي؛ كما فك 
سابقاً بنية العقل العربي ببُعديه المعرفي والسياسي. 


(11) لد اختار أركون البحث في فكر كل من مسكويه والتوحيدي لكي يبرهن على وجود نزعة 
إنسية عقلية في القرن الرابع الهجري. من خلال معالجته المواضيع الأخلاقية التي تطرقا إليها. قدّم بحثه 
هذا في أطروحته لنيل الدكتوراه والتي نشرها في ما بعدء بعنوان نزعة الأنسنة في الفكر العربي. 
انظر: محمد أركونء نزعة الأنسنة في الفكر العربي : جيل مسكويه والتوحيدي. ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الساقيء 07 أما الجابري فقد كلل مشروعه النقدي بكتابه العقل الأخلاقي العربي الذي 
ورد ذكره سايقاً. 


؟/ا 


يبقى أن نشير في ختام مقدمتنا إلى أقسام الدراسة الثلاثة”" : 

هناك أولآأء قسم يتمحور حول دراسة خصوصيّة أركون في نقد الفكر 
'العربي الإسلامي» يبدأ بالتوقف عند مسألة المنهج ليبحث تاليا في كيفية نقده 
العقل الإسلامي من جهة. والخطاب السياسي من جهة أخرى. 

وهناك ثانيأء قسم يركز البحث في خصوصية الجابري في نقد الفكر 
العربي؛ عن طريق التوققف عند المنهج الذي وظفه في نقده للعقل العربي في 
بُعديه النظري والعملى. 

وهناك الفأ قسم أخير خصّصناه للمقارنة بين المشروعين النقديَيْن» وهو 
يتضمّن فصولا أربعة. بحثنا في الثلاثة الأولى منها في ما يجمع ويفرّق بين 
نفرد في الأخير فصلاً خاصاً ندرس فيه كيفية تلقّى المشروعين النقديين. 

ما هي إذا خصوصية المنهج النقدي في فكر كل من أركون والجابري؟ 

ما الذي يودٌ تقعيده منهجياًء كل على جدى؟ وكيف يمكن أن نقرأه؟ وما 
هي بالتالي النتائج المترتبة عن مشروغَيْهما النقديَيّْن؟ هذا ما سنحاول معالجته 
والإجابة عنه من خلال أقسام الدراسة مجتمعة. 


(51) نود أن نلفت هنا إلى أن حجم الأقسام متفاوت؛. وهو لا يعني البتة أن القسم الأكبر يتضمّن 
مقاربات نقدية أكثر عمقاً وأهمية من سواه. إن حرصنا على تقديم الخطوات المنهجية المتبّعة بدقة» 
بالإضافة إلى توافر نصوص عديدة بين أيدينا» قد جعلانا مثلاً نفرد سبعة عناوين رئيسة لبحث فى نقد 
العقل العربي لدى الجابريء ما أدّى إلى جعل الفصل الخامس من القسم الثاني أكبر فصول الكتاب 
العشرة من ناحية الحجم. 


زف 


خصوصيّة أركون 
في نقد الفكر العربي الإسلامي 


الفصل الأرق 
مقؤمات المنهج الأركوني 


يشكل البحث في المنهج أحد أهم ركائز الفكر الفلسفي المعاصر. كما إن 
الكمزين فن كتفثة مفازية الانكالنات والمرضوعات المطروحة على صباعة 
الفكزء واستخدام الأدوات المعرفية اللازنة» يكير اليم :من أسين قعل 
التفلسف. إن الثورة التي شهدتها علوم الإنسان. والتقدم المتسارع الذي نتج 
منها على صعيد بلورة مناهج جديدة تحمل في طيّاتها أفكاراً ومصطلحات 
حديثة. كل ذلك حتّم على المشتغل بالفلسفة أن يطلع ويتمرّس بما قد استجد 
على الصعيد الفكري. من هنا لم يعد مقبولا البتة تهميش مختلف المناهج التي 
تسيطر اليوم على ساحة الفكر الغربي» وتؤذي إلى نتائج إيجابية ملموسة. 
ونُسهم في تطوير المسار النقدي نحو البحث عن المسكوت عنه في الخطاب 
على مختلف صعده وأنواعه. 


لقد شئنا أن تحمل هذه الدراسة همّ البحث في المنهج لأنه الأساس في 
تقعيد كل مشروع فكري» فاخترنا المنهج النقدي تحديداً لأنه الأكثر فاعلية وهو 
يحمل في طيّاته فروعاً كثيرة تبلورت من خلال مدارس عديدة. كما إننا نرى أن 
هذا المنهج هو الذي تحتاجه ساحة الفكر العربي الإسلامي» ولا يجوز التأخر 
في تطبيقه؛ حيث أمكن. نظراً إلى حجم الإشكاليات التي تطرح نفسها بقوة 
اليوم» ولا يمكن التعاضي عنهاء كإشكالية التراث والحداثة مثلاً أو الإشكالية 
التي تطرحها مسألة تاريخية العقل الإسلامي. 


إن محمد أركون. هو أحد المفكرين الذين تمرّسوا عميقاً في المناهج 
الغربية» بخاصة تلك التي أنتجتها علوم الإنسان في الحقبة المعاصرة» وآمن 


لاا 


بجدواها, وألمَ على تطبيقها في مجال الفكر العربي الإسلامي. لقد نهل مليّاً 
من مّعين الفكر الغربي» فأتقن الغوص في مختلف تيّاراته» وبرع في استخدام 
أدواته. لم يشأ التقوقع داخل نظام واحدء ومدرسةٍ محددةء إنما استطاع أن 
يترك مسافة نقدية أسهمت في توضيح الثغرات التي يتضمُْنها كل منهج. لم يكن 
هذا العمل هدفاً بحدّ ذاته. بالنسبة إلى مفكرناء إذ شاء الاستفادة من النتاج 
الفكري الغربي الضخم» من أجل بلورة مشروعه الأساسء ألا وهو القيام بقراءة 
نقدية مفتوحة للفكر العربي الإسلامي. لذلك لم يكتفبٍ بالاطلاع فقط على 
مناهج العلوم الإنسانية» بل انكبٌ على الاهتمام بحقل بحثه.) حيث يريد 
استخدام أدوات الحفر التي تسلح بها. 


من هنا فإننا نجده يُبحر في عباب التراث الإسلامي ليسبر أغواره. 
ويكشف عن المناطق التي بقيت مهمّشة. ومسكوتاً عنهاء ولا مفكراأً فيها. ركز 
كثيرأً على الفكر الدينىء وأراد الكشف عن آلية اشتغاله؛ فاعتبر أن مهمّة نقده 
ملختة نظرا إلى اهمه الدوى "الى يؤديه الدين افق «سيروز 6 الفارية + برداسيين 
المجتمع؛ وتميّز الفكر العربي ‏ الإسلامي. لذلك لم يتردّد في البحث في 
الآيات والسُوّر القرانية التي تحمل إمكانية التأويل؛ كما اهتم بالحديث النبوي 
بسختيه السنيّة والشيعيّة» واشتغل أيضاً بالسيرة النبوية. ميّز بين النص الذي 
جُعل أولا وبين النصوص الثواني التي تفسّرهء وعمل على الكشف عن آلية 
اشتغال الخطاب العقيدي الصارم الذي أنتجه رجال الدين. كما لم يُهمل 
السلطة السياسية؛ فدرس كيفية استفادتها من الدين والسلطة الدينية لتدعيم 
مواقفها وتبريرها. أراد أن يعيد من جديد دراسة الظاهرة الدينية بمختلف 
تجليّاتها عبر التاريخ. غاص في عمق التراث الديني الإسلامي. واطلع على 
الطبقات المتراكمة عبر تاريخه الحافل بالأحداث والمحطات البارزة. لقد رفض 
أن يُسقط المصطلحات الحديثة على التراث كما فعل بعض المستشرقين 
والنقاد. إذا اعتبر أن في دللك مفالطة بالسة امف منهجياً لا يجوز الوقوع 
فيه. لم يكن هدفه التوفيق ما بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي» أو البحث 
عن أصلٍ لذاك في هذاء أو العكس. يكمن همه الأساس في بلورة مشروع 
نقدي. يشْرّع الأفق أمام عقل طال سجنه في أطر ضيّقة» وسياجات مغلقة» لا 
بل في حلقات مفرغة. 


يريد مفكرنا إذأ أن يُطلق سراح العقل العربي الإسلامي ليعود فيأخذ دوره 
الريادي في مسيرة الحضارة العالمية. صحيح أنه يستخدم التفكيك والهدمء لكن 


7,7 


فق شيل البقاءءبثاء" أشسن: متيئة اللعقل" كى يتدكن من مواكبة التطور البشرى» 
والمساهمة في دفعه قُدُماً نحو الأفضل. إنه باختصار يعمل بجهد على إعادة فتح 

لا يمكننا أن نبحث في مقوّمات منهج أركون من دون أن نتوقف عند 

أولاً: التاريخية والنقد التاريخي 

ثانياً : المنهج النقدي الأركوني كشبكة من المناهج. 

ثالثاً : مهمّة المؤرّخ الفيلسوف. 

قبل أن نتوقف بالتفصيل عند كل من هذه النقاط الثلاث» نود أن نعرض 
بإيجاز مضمون المشروع الذي كرّس له مفكرنا العديد من الكتب والأبحاث 
والمحاضرات والمقالات التي تسنّى لنا الاطلاع عليها. 

عندما نقرأ مؤلفات محمّد أركون نلحظ بوضوح أن هناك رابطأ مشتركاً 
في ما بينهاء وهو يشكل ركيزة مشروعه النقدي. وهمّه المعرفي. يظهر لنا جلا 
أن أركون مأحوذ بفكرة نقد العقل الإسلامي وتفكيكه. لم يوفر جهداً في سبيل 
بداية تحقيق هذا المشروع. إنه يعي تماماً صعوبة ما يوذ وم به ويعرف 
جِيّداً أنه لن يتمكن من إنجازه بمفرده. فهو يرسم منهجاً أمام الباحثين 
والطلاب» ويدعوهم إلى الانخراط في العمل داخل الحقل المعرفي الواسع 
الذي بدأ بالتنقيب فيه. نجده يصرّء وفي اكت لاسي له 
محررة من الأطر العقيدية الجامدة» كما يدر فى الوقت عينه » من الوقوع في 
صرامة الموضوعية العلمية الحديثة التي 3 توق العجوة الدينية. إنه يريد إفساح 
المجال أمام قراءة حرة» غير مؤطرة» لمجمل التراث الديني .» ويخاصة القرآن. 
حيث يمكن لكل إنسان. مسلماً كان أم غير مسلم. أن يطلق العنان لقدرته 
الشخصيّة على ربط الأفكار والتصوّرات» ويختار بنفسه الركائز التي يود 
الانطلاق منها. 

لقد واجَهّت مفكرنا بالطبع» صعوباتٌ جمّة» لكن الصعوبة الكبرى تكمن 
في كيفية تحرير العقل الإسلامي من القيود التي فرضها أهل التقليد والجمود 
على النص» وعلى مجمل الممارسات الفكرية. «الواقع أن العقل الدوغمائي 
أغلق ما كان مفتوحاً ومنفتحأً وحوّل ما كان يمكن التفكير فيه» بل ويجب 


ءى[2”23> 


التفكير فيه أثناء قرون طويلة على ما يجب التفكير والإبداع فيه. وبعبارة 
أخرىء يمكن القول بأن نزعة التقليد للمذاهب الأرثوذكسية وتكرارها قد 
تغلّبت على إعادة التقييم لجميع المذاهب الموروثة والمسلمات التعسّفية التي 
أنبت غليها»”''.' من هنا تركيزه على كشف كل ما”من اشأنه أن يتحكم بنشاط 
العقل وبعيق انفتاحه على المعرفة. بخاصة في زمن العولمة. حيث لم يعد 
مسموحاً التقوقع داخل أنموذج واحد من التجربة البشرية» بل بات ضرورياً 
اعتماد المنهج المقارن للأديان. لذلك فهو يريد أن ينخرط «في كل البحوث 
الابتكارية التي تؤدي إلى فهم صحيح للوظائف الثقافية والنفسية والسياسية 
والأخلاقية التي تقوم بها الأديان. ويمكننا أن نفهم بشكل أفضل الدور الذي 
توه فى كناأة الفصاراتف ومريفها والفيايه أن كي 1ت لين 
بوضوح ص هدفه الذي يسعى إلى تحقيقه قائلاً: «هذا هو المشروع الذي أريد 
أن أقوم به بشكل استباقي انطلاقاً من المثال الإسلامي. وقصدي أن أساهم في 
تهدئة العنف والقلق الهائل الذي يمرّق المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية 
من دون أن يكون أمامها منظور حضاري محدد بوضوح من أجل تجييش 
دجمل اللتعوب ا 


من البيّن أن مفكرنا في أعماقه هاجس الانفتاح على العالم» ويريد إدخال 
المجتمعات الإسلامية المعاصرة فى صلب المسيرة الحضارية من خلال تفكيك 
اث ادير الكقافن والتنس ىعو اسان«( الأخلاتي اث هلة المحتعات الدلك 
نجده يتحدّث عن ضرورة تحقيق ثورة فكرية عميقة تغيّر جذرياً النظرة التقليدية 
إلى التراث» وتحؤله إلى «قوة تحريرية» تسهم في الانطلاق الحضاري 
المي بيدلا من اننيبقى _ الترراضةفوة تميق التطور ركفت الفبدامية: إلى 
الوراء. يعي مفكرنا جيّداً أن هدفه لن يتحقّق ما لم يكن هناك خطوة أولىء 
ومُهمّة أساسية ضرورية ألا وهي «القيام بمسح تاريخي شامل للتراث». وهذا ما 
بفعله شخصياً منذ أكثر من ثلاثين سنة من خلال مشروعه «نقد العقل الإسلامي 
بالمعنى الألسني والتاريخي والأنثروبولوجي والفلسفي لكلمة نقد»”". 


)١(‏ محمد أركون. قضايا في نقد العقل الديني: كبف نفهم الإسلام اليوم: ترجمة وتعليق هاشم 
صالح. سلسلة نقد الفكر الديني (بيروت: دار الطليعة» »)١9194‏ ص ل. 

(؟) المصدر نفسهء ص .5١‏ 

() المصدر نفسه؛ ص .3١‏ 

(5) المصدر نقسه. ص 77514. 


إن ركيزة المشروع الأركوني تكمن في القراءة التاريخية للتراث» أو في 
تطبيق المنهج التاريخي ذي الأبعاد المتعذدة على الفكر العربي ‏ الإسلامي. من 
هنا يأخذ مصطلح التاريخية أهمية كبرى عند مفكرناء من أجل التوصّل إلى 
تحقيق قراءة تحليلية مقارنة الكل أنظمة الفكر والتراثات الثقافية المكتوبة أو 
الشفهية والتي كانت قد انتشرت وترعرعت وتنافست في حوض البحر الأبيض 
المتوسّط»”"". هذا هو جوهر المشروع النقدي الذي انخرط فيه مفكرناء لذلك 
كان لا بد من التوقف بالتفصيل عند مفهوم التاريخية وأهمية النقد التاريخي كما 


تبلور عنذده. 
أولاً: التاريخية والنقد التاريخى 


«إن الإسلام في التاريخ فعلاً وليس خارج التاريخ»”'2. هذا ما يُصرْ على 
إثباته مراراً وتكراراً من خلال الأبحاث التي يقوم بهاء وذلك خلافاً لما 
يحاول أن يثبته الفقهاء والعقيديون من أن الدين الإسلامي لا يخضع للتاريخ 
بل يتعالى عليه. 


نشير في البداية إلى أنه لا يمكن البحث في التاريخية بعيداً عن التأمل في 
التغيير عبر الزمن الذي يتعرّض له الإنسان والمجتمع وكل ما ينتج منهما من 
تفاعلات وأحداث. يذكر أركون أن مصطلح «التاريخية» كان قد ظهر للمرة 
الأولى في مجلة نقد (م«ب::71) وذلك في 5 نيسان/ أبريل 2"7141077. كما ورد 
في قاموس لاروس الكبير للّغة الفرنسية. لكن لا نجد له ذكراً في قاموس 
روبير. ويرى في هذا المجال أن التاريخية هي بمثابة «صياغة علمية مستخدمة 
خصوصاً من قبل الفلاسفة الوجوديين للتحدّث عن الامتياز الخاص الذي يمتلكه 
الإنسان في إنتاج سلسلة من الأحداث والمؤسسات والأشياء الثقافية التي تشكل 
بمجموعها مصير البشرية»”. هنا يبرز جليّاً دور الإنسان في إنتاج الأحداث 
ضمن المجتمع الذي يتفاعل معه. وبالتالي فإن كل فعل بشري يتموضع داخل 
إطار مكاني محدّدء وفي فترة زمنية معيّنة» وهو حكماً خاضع للتبدّل. كذلك 


(4) المصدر نفسهء ص 85 -/49. 

(3) محمد أركون» الفكر الإسلامي قراءة علمية. ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومى؛ :.)١941/‏ ص .5١‏ 

3 .209 .م.(1872 اتتمة) مبونانى 

(6) أركونء المصدر نفسه: ص .1١5‏ 


4م 


يورد أركرن فى هذا المجال تحديداً للتاريخية عند المفكر الفرنسى آلان تورين 
(عم نه ناه نواه ) الذي يعتبرها تلك «المقدرة التي يتمتّع بها كل مجتمع في 
(إنتاج حقله الاجتماعي والثقافي الخاص بهء ووسطه التاريخي الخاص به 
أيضاً (. ..) وبدلاً من أن نضع مجتمعاً ما في التاريخ. فإن الأمر يتعلّق بوضع 
التاريخية في قلب المجتمع كمبداً منظم لحقل العلاقات والممارسات6©'. من 
هنا نجد مفكرنا ينتقد كل هَّوّس في البحث عن أصول الأفكار عبر التاريخ 
والتعاطي معها «كجواهر حيّة مجرّدة عن كل الشروط الاجتماعية والسياسية 
ال 0 


كما ينتقد الاقتناع السائد بأنها تنتقل عبر الزمن من حضارة إلى أخرى كما 
هي. من دون أن يطرأ عليها أي تغيير باعتبار أنه يشدّه الأصل ويحرّفه. ويرى 
يهنا البعالوان الجفارة الاسكية: كانت ع السفين والفب بعك إنها 
مضاع | الوكفراجة خافة ا رذافيا لانو ممتددها رده تمرلية كلكة. «وبالعالق فإن 
الثقافة فيها (كما في كل الحضارات والمجتمعات الأخرى) تتأثر بالأوضاع 
المعاشة المحسوسة وتؤئّر فيها. هناك مشروطية متبادلة ومعقّدة بين الثقافة 
والواقع» أو بين الفكر والمجتمع"'". 


تُعتبر العلاقة بين الفكر والمجتمع من أهم إشكاليات الفكر المعاصرء لقد 
شغلت حيّزاً مهما من أبحاث أركون فى الفكر الإسلامى» وذلك مثذل البداية؛ 
حين قام بإعداد أطروحة الدكتوراه في الستينيات. لقد استغرق طويلا آنذاك في 
الاطلاع على معظم مناهج علوم الإنسان والمجتمع التي عرفها الغرب حتى فترة 
السبعينيات. من هنا جاء تركيزه على المجتمع واعتبره أنه «هو الأول وليس 
الفرد». كما إن كل محاولة تهدف إلى «عزل الفرد عن مجتمعه حتى لو كان 
كاتباً مهمّاً أو عبقرياً شيء غير جيّد من الناحية المنهجية»”"". 


لذلك يمكن القول بأن كل إنتاج فكري يجب أن يدرس كنتاج ١لحقيقة‏ 


(9) المصدر نفهء ص .١١5‏ 

)١(‏ طبق كل من طيْب تيزيني وحسين مروة هذه المنهجية عند دراسة التراث العربي الإسلامي. 

)١١(‏ محمد أركونء نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكوبه والتوحيدي؛ ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الساقي» .)١1917‏ ص 5١‏ 37. 

(١١)المصدر‏ نقفيهء ص 37 


م 





أهم الأسس التي يرتكز عليها منهج النقد التاريخي هي التعاطي مع الأفكار كما 
تجسّدت على أرض الواقعء أي من خلال مشروطيّتها الاجتماعية والاقتصادية 
والسياسية والنفسية. لذلك يدرس هذا المنهج بدقّة» مختلف البنى الاجتماعية 
والاقتصادية والديمغرافية والسياسية والسيميائية التي تظهر في مجتمع ماء بهدف 
التوصّل إلى فهم نوعية الأفكار والعقائد التي تسود فيه. عندما تمرّس أركون في 
هذا المنهج. أدرك أهميتهء وأراد أن يطبّقه في أبحائه التي تتتاول الثراث 
الإسلامي من مختلف جوانبه؛ نذكر بخاصة عندما درس ظاهرة الوحي كيف قام 
بتحليلها من الناحية التاريخية. 


١‏ ظاهرة الوحى 


يرى أركون أن الوحي «يعني تحريك التاريخ أو شحنه بطاقة خلاقة تعلّم 
الإنسان بأنه كائن وسيط». من هنا يأتى تمييزه ما بين «الوحى فى أعلى صورة 
وأنقافاة وي تملاته الحعطة غلك عه قزافة عمل ريل مها لأف زوفن 
محذدة. فهناك فرق بين الوحي المتعالي؛ الصافي, المنزه/ وبين تجسيد هذا 
الوحي على أرض الواقع بعد ظهور الأنبياء من وقت إلى آخر عبر 
التاريخ)”"'"2. إن هذه الخطوة المنهجية ضرورية بالنسبة إلى المفكر الباحث 
الذي يود التوصّل إلى الحقيقة بعيداً عن التحويرات التي لحقت بها وبدلت 
ملامحها. فالوحي لحظة تجلّيه في التاريخ مختلف عن كيفية تطبيقه في 
المجتمع» حيث أصبح نوعاً من القواعد التشريعية» أو الأنظمة السياسية التي 
فُرضت إكراهياً بعد موت النبي. 

هناك خلط ما بين الإسلام كدين» والإسلام كإطار تاريخي يعد ثقافة 
وحضارة ممبّزتين» لذلك كان من الضروري التنبّه لأهمية الفصل بينهماء 
وضرورة العودة إلى درس المجتمعات فى ذاتها ولذاتها. كما يحدث فى 
الغرب. يشْدّد مفكرنا على ضرورة أن يُدرس الوحي في تجلياته اللغوية الأولية 
الثلاثة» أي في العبرية والآرامية والعربية» وكذلك ضمن الشروط التاريخية 
والأعزروواوعة اليذه المجليات الثلانة. مهدا تان أهوية. بطي ستو الماريم 
المقارن للديانات والعلوم الاجتماعية والإنسانية» هذا المنهج الذي يعيد "فحص 
ظاهره الوحي. خارج التعريفات العقائدية» التي لا تزال تصون القوة المحرّكة 


(١)المصدر‏ تقسهة) ص 6ك 


الذذا 


ذات اللجكوي الأرديو لين الما ردضى «الدياناته اللينورق ”1 لهذا ده أكون 
في ديد الم تف الريانات: والقادات: والساييهاك كين قي ليان أهية 
ذلك /اللصتورة العتضرك و الا ساراخ و الرمرو للق ولت م ينس يفاك 
عرقية ‏ ثفافية في الشرق الأوسط. لكي «تنتج منظومات من العقائد ومن 
اللاعقائد؛ وقد استّخدمت لتبرير إرادة القوة» والاميراطوريات المهيمنة 
والحروب الفتّاكة (...)”*'2. أصبح من الضروري أن تبحث الأنثروبولوجيا 
الدينية فى الديانات المنزلة الثلاث». وتُنهى بذلك استبعاد التجرية الإسلامية. 
كذلك ف الي الإسلامي في المقابل» أن يخرج من دائرته العقيدية» وينفتح 
على أدوات علوم الإنسان ليستفيد منها. 


يمكن أن نستنتج مع مفكرنا أن ظاهرة الوحي ينبغي ألا نُحصّر فقط 
باللاهوتيين». لأنها مجال واسع بإفكانة أن يستوعت عمل كلّ من المؤرّخ. 
وعالم الاجتماع» وعالم النفس. ورجل القانون» وعالم الأنثروبولوحيا. من هنا 
تأتي تعددية المنهج عند أركون الذي يرفض التقوقع في نظام واحد. وتطبيق 
قراءة أحادية الجانب». بل هو من دعاة القراءات المتنوّعة لظاهرة الوحي. 
فالمور درفن تاريخ النص القواى كله والادت التسسترع6 وطاك الاجتباء 
يبحث في الخطاب الديني؛ والممارسة الدينية المرتبطة بالقرآن أو بالتقاليد 
المحليّة القديمة. أما عالم النفس فيعالج الرصيد الرمزي الديني» وأهمية الوحي 
في عملية التكامل النفسي - الاجتماعي - الثقافي للشخص. رجل القانون يتوقف 
عبد أصول "القانوةالدبني ومرتكراته. أما“بالسية إلى عاك الأنثرويولو جنا فيو 
يدرس الوحي كونه خطاباً يبرّر شرعياً أنواع السيطرة كلها في المع سواء 
أكانت سياسيّة» أم اقتصاديّة؛ أم نفسيّة» أم رمزيّة» هناك مثلا سيطرة الرجل 
البالغ على المرأة؛ وعلى الولد والمراهق. وسيطرة الغني على الفقير. والشيخ 
الروحي على السائل . . . إلخ. 

إن ظاهرة الوحي إذا مع ما نتج منها من مؤسّسات وأيديولوجيات» لم 
تُدرس بعد كظاهرة «لغوية وثقافية وأيديولوجية واجتماعية في إطار الإشكاليات 
التي افتتحتها علوم الإنسان والمجتمع»'''. لم يعد مسموحاً اليوم أن يظلّ 


2)١995 محمد أركون. نافذة على الإسلام؛ ترجمة صيّاح الجهيّم (بيروت: دار عطية.‎ )١4( 
.537 ص‎ 
.37” المصدر نفسيه) ص‎ 216) 


.515 المصدر نفسهء ص‎ )١1١( 


:م 





الوحي «موضوعاً تمجيديا»: تعمل كل جماعة دينية على استغلاله إلى أقصى 
حد» لكى تدف موقفها' المستكر للحقيفة. ذلك كان من الفبؤوري إرشاد 
الوعى الإيمانى عند المسلمين إلى مجال اآخر من مجالات حقيقته الخاصة. 
ضير اخره اير أركون» أنه من واجب الباحث المفكر أن يبيّن للوعي الإيماني 
«كيفية المرورء في التفسيرء من مرحلة الكلام الحق لله (أي الوحي)؛ إلى 
مرحلة الكلام الحق لكل المؤمنين»”""". 

هناك معنى ثابت وجوهري يضمن الله صحته. وهناك فى المقابل آثار 
المفتى الى تحت مق اسرد والعمازسات الميتطلقية الاشعدلالية الى تشفلفته بين 
نظام معرفي وآخر. من الضروري التمييز بين هذين المعنيين وفصل واحدهما 
عن الآخر. يلحظ مفكرنا في هذا المجال «أن المسلمين اليوم يجدون صعوبة 
كبيرة في الفصل بين المكانة اللاهوتية للخطاب القراني» وبين الشرط التاريخي 
واللغوي للعقل الذي ينتج -خطابات بشرية ارتكازاً على العقل الآلهي*". 2 

إن هذا الفصل بات ملحا للغاية من أجل بلورة فكر نقدي يرتكز على 
المنهج التاريخي. والتوصّل إلى مقاربة الظاهرة الدينية مقاربة إيجابية ومنفتحة 
وواقعية. بعيدة عن التحديد المسبق» والعقلية الجوهرانية الماهوية. لقد أراد 
أركون أن يطبّق منهجأ يستوعب أكبر قدر ممكن من الحقيقة والواقع. بحيث إنه 
لا يهمّش أحداء وهو يهدف إلى تقديم قراءة جديدة للظاهرة الدينية. يقول عن 
نفسه: «أنا صوت يرتفع من داخل الإسلام لكي يقول بأن هناك طريقة أخرى 
لمقاربة الظاهرة الدينية اليوم. أنا صوت من بين أصوات أخرى تحاول أن تعبر 
عن نفسها وتحتل مكانتها في المجتمع» وفي أوساط الباحثين العلميين» وذلك 
من خلال مناقشة مفتوحة ترغب في أن تكون ديمقراطية بالمعنى الفكري 
والعقلح الكلي7". 

من البيّن أن مفكرنا يهتمّ بموضعة مسألة الوحي ضمن منظور علوم الإنسان 
الحديثةء وهو يهدف من خلال ذلك إلى «زحزحة جذرية» لمختلف الأنظمة 
المعرفية الموروثة أما عن التراث الديني أو عن الفكر العلمانوي. يريد أن يقوم 


)١0(‏ محمد أركونء من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي. ترجمة هاشم صالح. بحوث 
اجتماعية؛ ١١‏ (بيروت؛ لندن: دار الساقى؛» .)١94١‏ ص 4١‏ - 45. 

(18) المصدر نفسه» ص85 2 

(19) محمد أركون. العلمنة والدين (الإسلام؛ المسيحية» الفرب). ترجمة هاشم صالح (بيروت؛ 
لندن: دار الساقي. .)1١49٠‏ ص 01١‏ 57. 


46م 


بممارسة أخرى للمعرفة حيث لا يتم استرجاع المواقع القديمة بصيغة مختلفة 
لتقوم بدور مشابه لما سبق. إن ما يصرّ على تحقيقه يشكل عملية إعادة نظر 
شاملة فى مجمل الصراعات التاريخية التى عاشتها المجتمعات البشرية تحت 
شعان المصطلبحات العنؤية والأزدواخية مل :«الأبمان/القفل + والمل (الديي؛ 
والزمني/ الروحي. . . إلخ. هكذا فإننا نشهد ضمن هذا المنظور «انبثاق إشكالية 
جديدة لم تعد تابعة لازدواجية ثنائية بالية كما كان عليه الحال في السابق» وإنما 
مندرجة داخل رؤيا موحذة للإنسان بصفته شخصا متكاملا مزودا بخيال وعقل 
في أن معاً. وبشكل لا ينفصم)”' ". ١‏ 


إن هذا المنهج الذي يطبْقه أركون يفتح حقول عمل واسعة. ويهيّئ الطريق 
لجميع المهتمين بشأن العقل العربي الإسلامي لكي ينخرطوا في عملية تفكيك 
وإعادة بناء هذا العقل. إنه نوع من «ممارسة الاجتهاد المفتوح على المعرفة 
الحديئة الخاصة بالتاريخ والمجتمعات والثقافات والأديان»"'". 


لقد أردنا من خلال البحث في مقوّمات المنهج الذي اتبّعه أركون أن نلفت 
إلى المكانة المهمّة التى تحتلّها التاريخية فى مشروعه النقدي. إنه يُْصرٌ على 
إدخال هذا المفهوم 0 ساحة الفكر الغرين الإسلامي الذي لا يزال ينكرها 
ويرميها في دائرة المستحيل التفكير فيه. إنه يعتبر «أن الإنسان إذا لم يصحح 
نظرته لماضيه. فإنه لن يستطيع تصحيح نظرته لحاضره أو لمستقبله. أو قل 
سوف لن يسير على هدى من أمره لصنع حاضره ومستقبله. لقد قتلت 
الأبديولوجيا العرب)”"". 


لذلك فإننا نجده يركز دائماً على تاريخية كل ما يبرّره التراث الأرثوذكسي». 
الذي يهيمن على المؤمنين» ويجعله الحقيقة الدينية المتعالية والوحيدة. كما يعتبر 
أن الفقهاء والمؤرخين الرسميين قد شاركوا فى «حذف هذه التاريخية وتصفيتها 
عن :طريق رام -غتمليات لاتتقا والنتمو.والتتدتع والتشويه :على العراك تقد 
انتقاء بعض الوقائع والأحداث وحذف بعضها الآخر بحسب مصلحة المبادئ 


(١)المصدر‏ نفسه» ص 8لا. 

)7١(‏ محمد أركونء الإسلام؛ الأخلاق والسياسة. ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومى» )١599‏ ص 18. 

.518 أركونء قضايا في نقد العقل الديني : كيف نفهم الإسلام اليوم: ص‎ )5١( 


اله 


العقائدية لكل مدرسة» أو مذهب من مذاهب الفكر الإسلامي)”"". 

من هنا تبرز صعوبة تطبيق هذا المنهجح وخطورته في أن معاً. إنه يكشف 
عن التلاعبات الكثيرة التي حصلت عبر التاريخ» ويعرّي المواقف الأيديولوجية» 
في محاولة للتوصّل إلى الحقيقة بحد ذاتها. نشير هنا إلى ملاحظة مهمة في هذا 
المجال وهي ضرورة التمييز بين الحقيقة الاجتماعية والحقيقة الحمّةء فاك فرق 
شاسع بينهما. الأولى ونين بعلي .راي الأكثرية وضغط أكبر عدد من الناس» 
أما الثانية فهي كما يحدّدها مفكرنا «انبثاق بدهية ما داخل الروح عن طريق 
المقارعة والمجابهة التي تخوضها الروح مع معطيات الواقع»”*". يرى أنه على 
المفكر الباحث أن يجاهد بكل قواه مع الواقع وضذه لكي يسبر أغواره فيبلغ 
حقيقته» والواقع في مشروع أركون هو التاريخ في مختلف مجالاته. 

لذلك يمكن أن نفهم موجات الرفض التي قوبل بها المشروع الأركوني من 
ناحية السلطات الدينية الإسلامية. فالتاريخية تعتبر رهاناً كبيراً وخطيراً لأنها 
«تخصٌ بنية الحقيقة المطلقة ذاتهاء كما تخصٌ الشروط. أو الظروف السياسية 
والثقافية لإنتاجها ولبلورتها ولاندماجها في فكر وسلوك كل مؤمن. هذا يعني أن 
كل مجتمع يصوغ الوجه المتغيّر بالضرورة لحقيقته)”*". 


من هنا ينتج هذا المفهوم الخاص بكلمة إسلام في فكر محمد أركون» 
فهي تعني تلك الصيغة النموذجية للوجود البشري وااخالم عدف دفعة واحدة. 
إنما تبلورت خلال أربعة عشر قرنا من الزمن» مكوّنة أنموذجاً أعلى للعمل 
التاريخي في أكثر من مجتمع انتشر فيه الدين الإسلامي مشكلاً دين الأكثرية. 
لذلك نجد مفكرنا يعمل جاهداً من أجل القبضس على هذه الصيغة النموذجية 
«ضمن صيرورتها التاريخية» أي ذخ ضمن الشروط المحسوسة لمنشتئها لمنشئها المفهومي 
والاجتماعي التاريخي في أذ معاه. كذللك يشير إلى أن العدف الأساتن للدت 
الذي يقوم به يكمن في «إغناء التاريخ المعاش في كل لحظة؛» وذلك عن طريق 


.179 أركون. الإسلام. الأخلاق والسياسة. ص‎ )١6( 


(14؟) محمد أركون. الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. تر جمة وتعليق هاشم صالح (بيروت؟ لندذن: دار 
الساقي» 2©). ص 157. لقد ورد هذا التحديد أيضاً في الصفحة عينها باللغة الفرنسية : :]5ع 6)لءغلا ه[آ» 
وعمصمل ذع1 عم/اه اأرروع'! عل امتاهامهعلممء 12 عهم المموع'! عل «بعلمغاما"! 2ه ععمعلاية عمال امعممعوواع ناك عآ 


.«اءة: نال 


(15) أركونء الإسلام» الأخلاق والسياسة. ص .١794‏ 


/ا/ 





وضع مهمات جديدة ومسؤوليات عالية على عائق التاريخ المكتوب». أي تجديد 
كتابة التاريخ»"" "©. 


هكذا فهو يريد أن يرحل دائماً في رحلة البحث المتجذد عن المعنى 
ويرفض الاكتفاء بما قد قذم لغاية الآن. إنه يدعو إلى دراسة مقارنة للنموذج 
الأعلى الذي ساد في كل تراث ثقافيء يهودياً كانء أم مسيحيأء أم إسلامياء أم 
غير ذلك. إن هذه الدراسةء فى رأيه. قد تكشف الصيغة النموذجية التى تربط 
كل تراث بالآخرء. «والتي تشكل ذروة المعنى بالنسبة إلى الوجود البشري على 
الرغم من الخلافات والفروقات السطحية والظاهرية. وعندئذك تجتاز معرفتنا 
للثقافات والحضارات البشرية » لأول مرة» مرحلة جديدة من البحث المتجدد 
تاستمزار ال 1 


بالعودة إلى التجربة الإسلامية» يرى مفكرنا أن هناك علاقة مباشرة بين 
المطلق الذي اختبره النبى وبين العمل التاريخى والممارسة التاريخية. هناك 
سلسلة من «الأحداث التدشينية» تتمئل بأعمال النبي التي قام بها كرئيس لجماعة 
نشأت حديئاء كما تتمئّل أيضاً بالآيات القرآنية التى صحبت هذه الأعمال 
وأسهمت في تساميها وتعاليها فوق التاريخ. من هنا يؤكد أركون أن «كل 
الخطاب القرآني يتموضع داخل التاريخية الأكثر اعتيادية ويومية» ولكن هذه 

دح 2 1 وك 1ه 97 5 5 5 0 ( 
التاريخية تحرّر وتحوّل إلى نوع من تاريخ الخلاص الأخروي)””". 


؟ - مفهوم التاريخية 
يصف مفكرنا مفهوم التاريخية في الإسلام انطلاقاً من ثلاث نقاط : 
أ إنها تظهر من خلال «التاريخ الوقائعي الحدثي» الذي أنتجته جماعة 


المؤمنين» والذي يمكن حصره بين عام 11م تاريخ بدء النبوة وعام 1م 
تاريخ اختتامها بوفاة النبي. 

ب - كما إنها تظهر أيضاً من خلال «ديناميكية المتغيّرات» التي شهدها 
المجتمع العربي في هذه الفترة عينها. 


(55؟) المصدر تقسه. ص 784. 
إفففق المصدر نفسه » ص 96ل. 
قف أركون» الفكر الإسلامي : قراءة علمية. ص 04١‏ 


4-4 





ج - كذلك تنجلي التاريخية داخل «الوعي الأسطوري - التاريخي» الذي لا 
1 1 1 ا ا لحية 
يزال يحرّك التاريخ الإسلامي مند فترة النبوّة ولغاية اليوم»”" "2. 


من هنا نجده يعتبر أن التاريخ الحالي للمجتمعات الإسلامية يدين بشكل 
كبير إلى ديناميكية «الوعي الأسطوري - التاريخي» التي بقيت تتكرّر وتتردّد في 
التاريخ. لقي كد و الم بح القرآني إذا اق إفمفاء القدسية والتعالي على التاريخ 
المادي والدنيوي للبشرء ما اذى إلى تناسي الفقهاء ء لكل تلك «الآنية والاعتباطية 
الجذرية للأحداث الذرائع ( التي أدت دوراً في ظهور هذا الخطاب لقانب 
لذلك فقد دعا أركون 39 التفكير في «عدم التناسب الكبير في آنية اللحظة 
الأولية التى انبثق فيها هذا الخطاب وبين ديناميكية الوعى الأسطوري - التاريخي 
اللانهائية 0 الى تند و1 ها انه أعيان إلى أن التاريخية كما طهونت 
في القرآن تمثل شك دقيق العلاقة التي تربط الحقيقة بالزمن. 


هكذا يحدد مفكرنا الزمن القرآنى باعتباره زمناأ قد تشكل «بواسطة الزمن 
المحدود للحياة الدنيوية» الذي يرتكز بشكل كلى على «الزمن اللامحدود للحياة 
الأبدية». ويصبح بالتالي هذا الزمن الأخروي «إطاراً لازماً ومرجعية إجبارية 
للزمن الدنيوي بصفته مذّة زمنية معاشة وليس فقط مفهوماً نالو جنا أو فلسفياً. 
الزمن القرآني هو زمن مليء؛ بمعنى أن كل لحظة من الحياة والمذة المعاشة 
مليئة بحضور الله الذي يتجسد بالشعائر والتأمّل الديني واستذكار تاريخ 
الخلاص وتلاوة الكلام الموحى (كلام الله) والسلوك الأخلاقي والشرعى 
المتوافق مع الأحكام)”' ". 


0 هذا النص ا 0 جرت ا 
فالأول 00 وألر كيرف ومو الذي يُضفي 0 على الرمن 0 


إن التاريخية: ذا كما تتلواورت “عند أركون: تيخدلفي عن تللكه القن :ظهرات من 
خلال الموقف الإسلامي الكلاسيكي, أو الموقف الإسلامي المعاصر. أو حتى 


)259 لمزيد من التفصيل ١‏ انظر: المصذر نفسه» ص لاحت 
(90) المصدر نفسه.ء ص 85. 
(5) المصدر نفسهء ص ”9. 


4 


الموقف الوضعى للفلسفة الحديثة فى الغرب. إنها تجسّد بُعداً خاصاً بحياة 
المعحنات المييفة الفى ينقت مارج كعابة#الناريي «تشربيك مو الدرسن 
والتحليل. ينتقد مفكرنا عملية الإسقاط التي يقوم بها الفكر الماهوي 
والجوهراني؛ إسقاط الجمود الخيالي للزمن الأخروي على الزمن التاريخي 
المحسوس. لذلك يستمرٌ هذا الفكر في رفض التعاطي مع نسبية العقل ونسبية 
الحقيقة المثالبة وبخاصة نسبية كلام الله. 

يصرّ أركون في كل كتاب يؤلّفه على التحذث عن التاريخية ومنهج النقد 
التاريخي» إذ يعتبر أن الأنظمة العقيدية كلها كما الدينية»؛ تخضع للتاريخية» ولا 
يمكنها أن تكون خارج التاريخ كما توهّم المؤمنون منذ قرون عديدة. معنى ذلك 
أن هذه الأنظمة تخضع لضرورات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية» وهي 
تتبدّل بتبدلها. لهذا نرى من الضروري أن نتطرّق هنا إلى تصوّره الخاص لكيفية 
معالجة التاريخية بالمعنى الفلسفى. أي كيفية تطبيق بعض القرارات المنهجية 
والإبستمولوجية على القرآن وعلى التراث الإسلامي الكلي. يمكن أن نحصر 
تبلور هذا المشروع في خمس مراحل أساسية توفت عتدقا بالتتالي : 


- المرحلة الأولى: إن أهم ما يجب أن يقوم به الباحث المفكر على صعيد 
تطبيق المنهج التاريخي هو إعادة جمع وترميم الحقيقة التاريخية المعاشة في 
المجتمع بكثانتها الأولى» على الرغم من كل ما يعتريها من تعقيد. ولكي يتمّ 
التوصّل إلى هذا الهدف. كان من الضروري تطبيق قراءة جذرية للقرآن» 
والعودة إلى “القرن «الهبتري الأول الذي يشكل الفثرة التأسيسية م أجل سير 
أغوراها. إن هذه الفترة قد أسّست فى ما بعد «الذاكرة الجماعية الإسلامية». من 
أهد ناا شيؤدق إليد هذا العمل التمكيكي» معطي الوعي الاسطوري لدى 
المؤمنين الذين ينهلون من اللغة القرآنية» وذلك ضمن اتجاهين مختلفين: 

الاتجاه الأول ذو منحى تبشيري أيديولوجي. وصل إلى أوجه منذ فترةء 
وهو سيأخذ مكان الخطابات العقيدية التدبعة. ذل مثل الخطابات المتعلّقة 
بالاشتراكية (الإسلامية). 


الاتجاه الثانى يسير نحو تطبيق مسؤول للمعرفة الإيجابية التي سعى بجهد 
المعرفة يتجاوز مختلف الخصوصيات التاريخية والأسطورية والاجتماعية الضيّقة. 


- المرحلة الثانية: إن المشكلة المطروحة هنا تكمن فى كيفية النفاذ إلى 


0 


الرسالة القرآنية بكل أبعادها. من المهم أن يعي الباحث في هذا المجال أن 
التعبير عن الأسطورة بلغة غير أسطورية لا يمكن أن ينقل مضمون الرسالة 
الأوّلية بمجمله. لذلك بات من الملمح «وضع التاريخية في قلب تجارب 
المجتمعات الإسلامية» ثم تتبّع مصير الدين الذي هو أحد مكوّناتها”"". إن 
هذا العمل سوف يؤدّي بالضرورة إلى توقف الفكر الإصلاحى عن استغلال 
التعارض القنائي ما بين :رسالة متعالية: تهائية. لاغلاقة لها بالرسآلات 
الأخرى» وبين تاريخ البشر القائم على أحداث مرحلية عابرة. لا يريد مفكرناء 
من خلال هذه المرحلةء أن يهمّش مفهوم كلام الله الذي أنزل بواسطة القرآن» 
لكي يموضع الوعي الإسلامي في مهبٌ الريح. لكن في الوقت عينه نجده يلفت 
الانتباه إلى تغاضي الفكر الإسلامي عن تاريخ الأديان» والأديان المقارنة» 
والألسنيات». وعلم الاجتماعء» والأنثروبولوجيا الدينية» والتحليل النفسي». 
وغيرها من علوم الإنسان الحديثة. إذ لم يَعْد مقبولا تجاهل الإنجازات المهمة 
التي حقّقتها هذه العلوم التي يتعذر الوصول إليهاء لأنها لم تُنتجّ باللغات 
الإسلامية الأساسية. ولم تنقّل إليها بعد. إن أهم ما ينادي به مفكرنا من خلال 
مشروعه هو «طرح مفهوم كلام الله طرحاً إشكالياً ضمن التوججهات التي فتحها 
العلم المعاصرء ثم طرح مفهوم الكتابات المقدّسة., للمرة الأولى في تاريخ 
الأديان؛ خارج نطاق أية أسبقية تيولوجية»”"". 

- المرحلة الثالثة: إن ما يجب العمل عليه هناء في ما يخصٌ الإسلام. 
يكمن في طرح تفكير لاهوتي آخرء يختلف عن السائد؛ ويرتكز على أسس 
جديدة كليا. إن المدارس اللاهوتية قد حُبّمت مرّتين: عندما قام التاريخ 
المقارن للأديان بتعرية تعاليمهاء وعندما تمّ إبراز تاريخية كل نظام لاهوتي. 
وربطه منذ نشأته بظروف تاريخية محذدة. من هنا أهمية تأسيس فكر لاهوتى 
جديد يأخذ بالاعتبار منطيات الواقع التازيتخي» :من دون أن يلغي التتفارب 
الدينية الأخرى. 


المرحلة الرابعة: لا يمكن الانخراط فى عملية بحث جديد عن المعنى من 
دون التعمّق بما أنجزته الألسنيات والسيميائيات. إن التركيز على الألسنيات فى 
زأق أركون» سناعد تشكل فاعل عنلى الاحانة عن السواك الذي يشكل محور 


(؟؟) المصدر نفسهء ص .15١‏ 
(3) المصدر نفسهء ص .١5١‏ 


4١ 


بحثهء وهو «طبقاً لأية آلية ينبني المعنى. أو ينصنع وينحلء أو ينحجب 
ويتعّى؟2؛ ويضيف مؤكداً «أن تاريخيّتنا هي بالضبط نسيج من العلامات والرموز 
التى نستثمر (. . .) فيها رغائينا وهلوساتنا وطوباويّاتنا ومفهوماتنا ونجاحاتنا 
وإحمافاتقاء خم :صواعقا تا الموف» ل إل" ".كذ سر جلا تلك العلاقد 
المتينة التي تربط التاريخ واللغة والفكر. فاللغة الدينية. كان لها في كل مكان 
امتياز التعبير النموذجي الأول عن حالاات الوضع البشري المحدودة. والتاريخ هو 
المكان الذي تتصارع فيه طوباويّات مختلفة» وما اللغة إلا تلك الأداة التي تؤمُن 
الاتصال. وتحفظ آثار كينونية الإنسان التي لا تنفك تبحث عن إمكانية تحقّقها 
ضمن شروط أفضل. من هناء كان من الضروري الركون إلى الألسنيات 
والسيميائيات من أجل إظهار الروابط التي تكمن بين الدين والتاريخية. 

المرحلة الخامسة: إن مفكرنا يعى تماماً أن التجربة الدينية» لا يمكن أن 
مكرليا اى تعيض لأنها فعوية مار رانقه سل كعوتية الأنسان: لذلك فين 
سيحاول أن يلتقي من خلال الخطاب القرآني والإسلام التاريخي؛ بمسألة 
الكيئؤلة: والتاريكية . بعيدا عق "كل امفشاولات الأسطرة التعظيمية» والتحديدات 
التعسّفية التى يطلقها الوعى الخاطى. وبعيداً أيضاً عن مختلف البدائل الخاطئة 
الغ قَدَمِتَها العقلاية المدالية» والفيلولوجة» والتازيشانية :مثل+ ذات» موضوع 
موضوعية» ذاتية» جسد. روحء نظريةء تطبيق. . . إلخ. 

وفي ختام هذا التسلسل المنهجي الهادف يمكن القول إن الغاية من تطبيق 
مشروع أركون لن تؤدّي إلى نتائج اعتباطية» أو إثباتات مستعجلة؛ لأن عمله 
ليس سوى الحظات تقشّفية» وذلك من أجل بلوغ الحقيقة والكشف عن كل ما 
هو خاطئ من يقينيّات الإنسان التقليدي. والحقيقة بالنسبة إليه «هي ظهور ما هر 
موجود». إن عملية التسلسل عبر التاريخ» وتجلي الحقيقة عبر صَيْغ مختلفة 
يسمحان بالتكلّم على تاريخية هذه الحقيقة وليس على محدوديّتها. من هنا 
يستنتج مفكرنا «أن المعرفة التاريخية توقظ فينا الحنين إلى الكينونة» وإلى الرغبة 
في الخلود. والتطلع إلى شمولية المعنى. أي باختصارء إلى كل ما يتجاوز 


التاريخية بالذات»0”". 


يبقى أن نشير إلى أن التاريخ الذي يكتبه المؤّرخون التابعون للسلطة 


(5") المصدر نفسه. ص ,١5١‏ 
(0*) المصدر نفسه. ص .1١52‏ 


04 





الرسمية. يتجاهل صفة أساسية من صفات التاريخية» وهى الاحتمالية. بالنسبة 
البهم التاريشة هي ضرؤريةة تتجاهل كليا ها كان ممكداً أو معطلا أن يحقق 
ولم يفعل. إن التاريخ الرسمي الذي يكتبه التيار المنتصر يُسهم في تحويل 
سلسلة الأحداث التى كان من الممكن أن تحدث إلى «ضرورة تأسيسية وإلى 
حقيقة تبريرية». من هنا يطرح مفكرنا مسألة الوعي الممكن على بساط البحث» 
ويدعو الجميع إلى اعتبار «تاريخية القرآن وكأنها انتصار لوعي ممكن على 
مجموعة أخرى من الوعي التي كان لها هي الأخرى حظ ما في الانتصار أيضا 
ولكنها لع 0 


بتعبير آخرء إذا عدنا إلى الوضع التاريخي والاجتماعي الذي كان سائداً 
في شبه الجزيرة العربية زمن النبي» يظهر لنا أن المعارضة التي واجهت النبي 
في مكةء ومعظم المعارك التي قادها انطلاقاً من المدينة» يمكن اعتبارها كلها 
«عدداً كبيراً من مناسبات التطوّر التاريخي المختلفة والاحتمالية»”"". من هنا 
يرى مفكرنا أن مفهوم «الوعي الممكن' ضروريء. ويجب أن يطرح. لكي يتم 
تحجيم الوعي التاريخي المنتصرء ولو نسبياً. 

لا يمكن أن نتناول مسألة المنهج الأركوني ومقوماته في بحثنا هذا من 
دون أن نلحظ مدى تعذديته وانفتاحه على أكثر من علم. لذلك». بعد أن عالجنا 
التاريخية والنقد التاريخي. كنقطة أولى»؛ سوف نبحث في ما يلي في المنهج 
النقدي الأركوني الذي يشكل شبكة من المناهج الحديثة تؤدّي إلى الانفتاح على 
المنغلى الفكري. 

انيا: المنهج النقدي الأركوني كشبكة من المناهج 

إن التعمّق في دراسة فكر محمد أركون يكشف لنا عن مدى ثورته على 
انغلاق المفكرين داخل أيديولوجيا ضيّقة. لذلك لم يشأ هو بدوره أن يتقوقع 
داخل إطار منهج ضيّق وصارم. من هنا جاء مشروعه النقدي يحمل في طباته 
أكثر من قراءة» ويستوعب أكثر من منهج. إن تبتي المنهج التعددي يفصح عن 
رغبة في الانفتاح على مختلف ما ينتجه الفكر من معارف» ويعبّر عن اقتناع 
عميق لدى مفكرنا أنه ما من منهج يمكنه أن يكشف لوحده الحقيقة بمختلف 


(35) المصدر نفسهء ص .١758‏ 
(10") المصدر نفسه )» ص .1١258‏ 


ول 


أبعادها. وما التزامه بالتاريخية إلا عبارة عن وعيه لمحدودية المناهج أمام 
ضخامة تراث متراكم منذ أجيال عذة» تحتاج طبقاته إلى حفر عميق ومُضْنٍِ لا 
يتوقف أمام الصعوبات» ولا يوفر وسيلة حفر أو تفكيك إلا ويستخدمها. من هنا 
يكتسب منهج التفكيك أهمية كبرى عند أركون لأنه يرى أن تحرير الفكر 
الإسلامي لن يتم ما لم تُنمْذْ عملية تفكيك جذري لمختلف طبقاته. إنه يرفض 
بشدّة كل ما يعرقل أو يوقف ديناميكية الروح التي تعشق الخلق أو الاستكشاف 
أو التحرير. لقد تمّ تقديم صورة مختلفة عن حقيقة الماضي والدين والتراث» 
ترتكز على الخيال المحضء. بدلا من أن تقدّم الصورة التاريخية التي تعبّر عن 
الواقع المحسوس. إن «هذه الصورة الخيالية أو الأيديولوجية المضحمّة هي التي 
تسيطر الآن على وعي ملايين العرب والمسلمين (. ..) وبالتالي فإن أول خطوة 
ينبغى اتخاذها هى تفكيك أوصال هذه الصورة الأيديولوجية/ وإحلال الصورة 
الواقعية التي تحترم الحقيقة التاريخية محلّها200". 


لكي نتحقّق هذه الخطوة المهمة في مسيرة الفكر العربي الإسلامي يجب 
تطبيق المنامج الحديثة على مجمل التراث» أي على القرآن» والحديث والسنّة» 
والسيرة النبوية» وسائر العلوم الإسلامية. هكذا ثُفْرَرُ العناصر التاريخية عن 
العناصر التبجيلية التضخيمية. إن هذا الصراع الجدلي المبدع الذي يدور بين 
رؤيتين مختلفتين للتاريخ» أي الرؤية الواقعية ‏ التاريخية/ والرؤية المثالية 
الموروثة» هو الذي سيقوم بإنتاج رؤية جديدة ومجلدة. 

يعتبر مفكرنا أنه «ليس هناك من خطاب أو منهج بريءاء لذلك كان من 
الضروري القيام بنهد كل خطاب من خلال اللجوء إلى اتعددية المناهج الفاحصة 
من أجل تجتب أي اختزال للمادة المدروسة»”* ". من هنا كان ضرورياً اعتماد 
المنهج السلبي من أجل إنجاز دراسة ملحّة تبحث في اللامفكر فيه داخل الفكر 
الإسلامى. هذا ما سنتوقف عنده لكى نبرز أهمية الظواهر السلبية عند أركون. 
١‏ دراسة الظواهر السلبية في التاربخ 

يرى مفكرنا أنه عندما كتب التيار المنتصر التاريخ» رمى في دائرة اللامفكر 

(1) أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم: ص 578. 

(54) محمد آركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 


القرمى.» )ل ص الاه. 


4: 


فيه كل المقوى المعارضة» والثقافة الشعبية» والتراث الشفهى . وحصر اهتمامه 
بالسلطة الحاكمة» والثقافة العالمة» والتراث الكتابى. من هناء ولكى نتوصّل 
إلى فهم التاريخ بكليّته؛ يجب علينا الاهتمام بالأمور المحذوفة كما المثبتة» 
وبالأشياء السلبية كما الإيجابية. لذلك كان من المهم أن يتوقف المفكر الباحث 
عند كل ظواهر القطيعة أو الحذف أو النسيان» واعتبارها ظواهر محدّدة تحصل 
في التاريخ مثلما تحصل الظواهر الإيجابية التي تخص الاستمرارية والتواصلية 
والأحداث المهمّة والشخصيات الكبرى. يرى أركون في هذا المجال أن فترة 
الانحطاط تَقَدّم خير مثال على هذه الناحية» «بمعنى أنها تمئّل أفضل فترة من 
أجل دراسة الظواهر السلبية في التاريخ ومن أجل بلورة مصطلحات من نوع: 
النسيان» القطيعة» التصفية. الحذف» المستحيل التفكير فيه» اللامفكر فيه» 
المسموح التفكير فيه الإجباري التفكير فيه؛ الممنوع منعاً باتاً التفكير فيه»””4). 
من هنا كان على المؤرّخ أن يعتني بهذه الموضوعات العامة التي لا يمكنه أن 
يفهم حركة التاريخ من دونها. 


تجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن مفكرنا يفضل استخدام مصطلح 
«التفاوت التاريخي» بدلاً من مصطلح الانحطاط» لأنه يصف هذه الفترة بشكل 
أفضلء ويُجبر الباحث على المقارنة بين القوى الموجودة في جهِنَيْ حوض 
البحر الأبيض المتوسطء وعلى المقارنة أيضاً بين الآليات التاريخية والأنظمة 
الاقتصادية والسياسية والقانونية والمعرفية فى هذه المنطقة الحضارية. إن مختلف 
العتحفينات الرييية :الى ايحتهدتيا الحوذ حوك و تمتها الكدت المندرسية 
والجامعية كانت تم قف قطاع الثقافة المكتوبة أو التراث الكتابي. هذا القطاع 
من دون سواهء تركزت عليه أنظار المؤرّخين في الماضي والحاضرهء وهو الذي 
اتهيمن عليه العصبية التضامنية الشغالة بين أربع قوى هي: تشكيلة الدولة 
المركزية + الكتابة واللغة الفصحى + الثقافة العالمة أو الرسمية + الأرثوذكسية 
الدينية»7' ؟2. هكذا فقد هُمَشْت كل المناطق النائية من أرياف وجبال وعرة وبوادٍ 
شاسعة ثقافتها شفهية. يعيش أهلها على تناقل التراث بواسطة الذاكرة الشفهية 
عبر السنين العديدة» وألغي تاريخها بالكامل. 


إن دراسة الظواهر السلبية تعني تطبيق منهج يبحث في كل ما يحذفه العقل 


(40)أركون» قضايا في نقد العقل الديني : كيف نفهم الإسلام اليوم. ص 44 40. 
(١:)المصدر‏ نفسه » ص 42. 


4 


«المؤسّس والمؤسّس على هيئة إطلاقية ونهائية» في مجال اهتمامه. فيرميه في 
خانة البدع والضلال. كذلك يتعاطى هذا المنهج مع التاريخ ليس فقط من وجهة 
نظر التيار المنتصر والراسخ. إنما أيضاً من وجهة نظر الاتجاهات التي حُذفت 
واضطهدت. إن «التاريخ خ العربي الإسلامي - وتاريخ خ أي أمة بشكل عام 
جماع تياراته من 0 ومعارضة». كما إن 0 العقلي والفكري يفرض 
عليئا اليوم أن نستوعب كل تيارات تاريخنا لا أن نتعضّب لبعضها ونرفض 
الف ل بشكل ملل 0 


يمكن القول مع أركون إن الكتابة السلبية للتاريخ هي بمثابة «القراءة 
اتح قراءة الوجه الآخر من التاريخ»”*). فالقراءة الرسمية تجعل 
التاريخ خطأ متواصلاً لا قطيعة فيهء ولا ثغرات. إنه تطوّر متتالٍ مشبع بفكرة 
التقدّم الحضاري المستمرء وذلك برعاية السلالة أو السلطة الحاكمة. هذا 
الأمر ليس محصوراً بالمنطقة العربية وإنما يحدث في الغرب أيضاً. «التاريخ 
يكتبه الظافرون المنتصرون» وأما أصوات المهزومين فتضيع أصداؤها في ليل 
التاريخ خ العميق. ونحن نعلم مدى الأهمية التي يوليها التاريخ خ الرسمي والقومى 
0 التاريخيين والفاتحين الكبارء هؤلاء الأبطال 5 يملأون التاريخ : 
ويغذُون المتخيّل الجماعى للأمة وحتى لأطفالها الصغار منذ المدرسة 
الانتدائية:. زهكذا يشحئون كنابة التاريخ بالحماسة والنطولة + ويقدمون -ضورة 
مكنيمة مل بقن الع 0ف 

ال احا و في ا 
الحوليات الفرنسية””؟' وممثليها. هكذا لم يَعْد يُنظر إلى التاريخ كخط مستقيم. 


(57) انظر تعليق هاشم صالح في: أركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ص 47. 

57) أركونء الإسلام. الأخلاق والسياسة. ص .١74‏ 

(54) المصدر نفسهء ص .١76‏ 

(45) «أسّس هذه المدرسة عام ١9794‏ لوسيان لوفيفر. ومارك بلوك. لا يزال يتابعها اليوم فيرنان 
بروديل وكوكبة من كبار الحواريين وقد بلورت منهجية جديدة في علم التاريخ ودراسته. ويعود الفضل في 
تطبيق برنامجها الغني على الشرق الإسلامي إلى المؤرّخ كلود كاهين". أسهمت مدرسة الحوليات في 
تحرير مفكرنا من النظرة الخطية المستقيمة للتاريخ. 

إنها تنتقد التوقف فقط عند المنهجية الفلولوجية والتاريخوية والاكتفاء بتطبيقها ٠‏ أي تلك النظرة التي 
يكمن همّها كله في البحث عن الأصول الماضية للأفكار الحاضرة» افلا يمكن أن يأتي الحاضر بجديد». 
إنها منهجية خطيّة مستقيمة ممتذة من الماضي إلى الحاضرء تبحث في أصول الأفكار وبتأثيراتها عبر التاريخ. 
انظر: : أركونء نزعة الأنسنة في الفكر العربي : جيل مسكويه والتوحيدي. ص .5١‏ 


45 


بل أصبح تعذدياً معقّداً يتضمّن مختلف الخطوط والاتجاهات» من غير أن يهمل 
شيئاً. لقد تأثّر مفكرنا بهذه الثورة المنهجية» وانخرط في صفوف مناضليهاء 
وهو يعمل اليوم على إيصالها إلى ساحة الفكر العربي الإسلامي؛ لكي تنكشف 
صورة التاريخ كما هي بكل أبعادهاء ويتمْ التخلّص من الصورة الخطيّة 
المستقيمة التى كرّستها السلطة الرسمية والمؤرّخون التابعون لها. إن هذا العمل 
في غاية الأهمية لكي «تبدو الحقيقة التاريخية بكلّيتها وعلى حقيقتها. تبدو 
واضحة ساطعة كالشمس في عر النهار. ويبتدئ زمن التحرير الكبير»” . 


إن المؤرّخ النقدي الحديث إذا تخطى مشكلة المستحيل التفكير فيه التي 
فُرضت في كل ثقافة» يعطي بذلك حتق الكلام لسائر الفئات المغلوبة على 
أمرهاء ولجميع المفكرين الذين أسكتت أقلامهم. وأحرقت كتبهم. وخلت 
عليهم لعنة السلطات الأرثوذكسية فمحتهم من الذاكرة الجماعية. من هناء يجب 
على المؤرّخ النقدي. أن يعيد تركيب المناخ العقلي لمختلف فترات التاريخ 
العربي الإسلامي وذلك عن طريق الاهتمام بكل ما حذفه الفكر الرسمي 
المسيطرء ورماه في دائرة المستحيل التفكير فيه. هناك على سبيل المثال نظرية 
المعتزلة التي تقول بخلق القرآن» قد أصبحت من المستحيل التفكير فيها مع 
الخليفة القادر الذي فرض عقيدته القادرية وهي التي انتصرت في النهاية» معلنة 
نظرية القرآن غير المخلوق. من هنا يرى أركون «أن القراءة السلبية للتاريخ هي 
العمل الإيجابي الوحيد الممكن اليوم»””*'. لكنه يعي تماماً كل الصعوبات التي 
موف بعر طن وراب بتتبتية سبال للك العو لخاد بها, إن تراكم الزمن قد خلع 
رداء التقديس على التاريخية. فأصبحت مثلا نظرية القرآن غير المخلوق مشكلة 
خارج التاريخ » واختفت اللحظة الأولية لتاريخيّتها. 


انطلاقاً مما تقدّم يمكن أن نفهم مدى اعتناء مفكرنا واهتمامه بإلقاء الضوء 
على الزوايا المخفية في التراث» وإبراز مفكرين لم يمثلوا السلطة الرسمية» ولم 
يُنصْمُوا في ما بعد. نقصد هنا كلا من مسكويه والتوحيدي. إن هذين المفكرين 
كانا قد عدي نزعة الأنسنة (ع06روتمفقصنة1) التي تبلورت في القرن الرابع 
الهجريء والتى ارتكزت بشكل رئيس على النزعة العقلانية. هذا ما حاول 
مفكرنا أن يشبته في أطروحة الدكتوراه التي قدّمها بعنوان: نزعة الأنسنة في الفكر 


(17) أركونء الإسلام. الأخلاق والسياسة. ص .١76‏ 
(4) المصدر نفسهء ص .١9726‏ 


/ا0 


العربى - جيل مسكويه والتوحيدي”**'. فهو يعتبر أنه من الخطأ أن ينظر الباحث 
إلى العتائرة أو القيم فى العازيم فق يريك أن نمع 0 التاريخ العريض 
ككل. هدفه أن يبيّن دور الكاتب «الثانوي»» ويبرز مكانته فى 0 أي ثقافة 
وتشرهاء ين هنا تسله يتور غلى تازيج الأدكار الشيدي الذي لأ يهعة إلآ بالقييم 
والشخصبات الكبرى» ويهمّش المفكرين المُعْمُْلِينَ أمثال التوحيدي. 


كذلك. يمكن أن نفهمء انطلاقاً من تطبيق المنهج السلبي في قراءة 
التاريخ. نقد مفكرنا لمنهج المستشرقين الذين لم يهتمّوا إلا بالثقافة العربية 
الإسلامية الرسمية والعالمة والمكتوبة. لم يتوقفوا إلا عند فترات الذروة أو 
العصر الذهبي؛ ولم يدرسوا إلا المؤلّفين المشهورين الذين كرّسهم التراث» 
فأهملوا بذلك كل الثقافة الشعبية الشفهية» وسائر المؤلفين غير الرسميين. هذا 
ما يحذفه المنهج الفلولوجي من اهتمامه ويّقصيه عن حقل عمله. لكن في 
الوقت عينه يرى مفكرنا أنه لا بدّ من المرور بهذا المنهج كخطوة أولى من أجل 
دراسة التراث علمياً. 


المنهج الفلولوجي 

يدرس هذا المنهج بشكل دقيق النصوص من أجل البحث عن الجذور 
والأصول المتسلسلة من الأعمال السابقة إلى الأعمال اللاحقة. إنه يغرق عميقاً 
فى البحث عن أصول الأفكار. إذ يعتبرها أنها جواهر حيّة منفصلة عن 
المعووظة الاجساعية - السياسية والافتسادية: كما إنها فل من جضازة إلى 
أخرى كما هي» لا تخضع للتبدل. حتى وإن طرأ عليها تغيّر ماء فإن ذلك 
يُعتبر نوعاً من التحريف وتشويهاً للأصل. إن إيجابيات هذا المنهج تنحصر في 
دراسة التراث وتحقيقه علمياء وقد بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر في 
أوروبا. كان موضوعها الأساس تحديد النصوص وتأويلها بعد التحليل» ودراسة 
التاريخ الأدبي لمختلف العادات والمؤسّسات. 


يرى أركون أنه لا يجوز اليوم تطبيق المناهج الحديثة والبنيوية من غير 
المرور بالمنهج الفلولوجي, أو بفقه اللغة. لكن في الوقت عينهء لا يجوز أن 


يتوقف المؤرّخ الباحث عند هذا المنهج. لأنه يقدم قراءة محدودة» إذ يعتبر «أنه 


(44) صدرت الأطروحة بالعربية؛ انظر: محمد أركونء نزعة الأنسنة في الفكر العربي : جيل 
مسكويه والتوحيدي» ترجمة هاشم صالح (بيروت: دار الساقي . .)١91/‏ 


48 


ليك أن توحن للنصن : الذ سن :واجزا*5*. إن هيدا الأمر من كانه أن يققر 
النص ويحذ من معانيه. إن الفلسفة الوضعية التي تتبئّى هذا المنهح لا تكترث 
إلا بالوقائع والأحداث الثابتة تاريخياً. وتهمّش بالتالي كل الخيالات والأساطير 
والأحلام التي ترافق هذه الوقائع. لذلك يرفض مفكرنا التوقف عند هذا المنهج 
(وعطاءة8 لصذاهظ) «أن النص متعدّد المعاني» وأنه يوجد بالإضافة إلى المعنى 
الأساسي والتاريخي للكلمة معانٍ ثانوية أخرى (-ظلال المعاني) لا بد من 
أخذها بعين الاعتبار فى تحليل النص)”'". 


كذلك نجد ميشيل فوكو (1ناهءناه'1 [6ط8/10) يبدع مصطلح «الموضوعاتية 
التاريخية المتعالية) «(20222|16عع3225م] -15]02160ط عنالأ)ةصغط) 12» فى كتابه 
أركيولوجيا المعرفة من أجل أن يعني به تاريخ الأفكار التقليدي كما كان سائداً 
في القرن التاسع عشر وحتى منتصف هذا القرن في الجامعات الفرنسية. لقد 
انتقد فوكو «الموضوعاتية التاريخية ‏ المتعالية» وطرح بديلا منها منهج الحفريات 
أو أركيولوجيا المعرفة. إن المنهج الفلولوجي إذ يعتمد على «الموضوعاتية 
التاريخية ‏ المتعالية). يسجن الباحث في إطار فلسفة محدودة للتاريخ ‏ تعتبر 
أنه أي التاريخ - يسير» من نقطة بداية لكي يصل إلى نقطة نهاية وذلك بشكل 
محدّد سلفاً. في السابق كانت فلسفة التاريخ مسيحية ‏ لاهوتية»؛ ثم عُلمنت 
بعدئذ في الغرب بعد عصر التنوير وأصبحت تاريخية ولكنها ممزوجة بالتعالي. 
ولذلك. وعاها فركن تاقاريقة :اهالب 10 الوكرها أرولوج) احفر له 
تحرّرت كليّأ من التعالي وأصبحت تاريخية مائة بالمائة”'”). 


لا ينكر أركون أنه في بداية مسيرته الفكرية قد طبّق المنهج الفلولوجي»ء 
وهيمنت على أبحاثه المنهجية التقليدية لتاريخ الأفكارء إذ كان مندهشأ بنظرية 
العبقرية التي تُبرز تفوّق فرد ماء أو ثقافة ماء أو شعب ما. نجده ينتقد عمله 
بنفسه فيقول: «كان عملنا ينحصر فقط في تطبيق المنهجية الفلولوجية والتاريخية 
على نصوص مسكويه للكشف عن كل الاستشهادات التي أخذها من الفلسفة 


(9:) أركون» تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ص 777. 

(00)المصدر 20 ص 5509. 

(01)انظر تعليق هائم صالح في: أركونء تضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. 
ص 48. 


ل 


الإغريقية. ثم نقوم بعدئذ بجرد المصطلحات والأفكار الأساسية التي استعارهاء 
ونقارن بينها وبين النصوص الإغريقية ذاتها لكي نكشف عن الانحراف والإفقار 
والتحوير الذي أصاب المعنى أثناء عملية النعل؛ بل عن ارتكاب الخطأ فى 
الانتقال من النص الإغريقي إلى النص العربي (...)00. ْ 


نشير هنا إلى أن مفكرنا قد رفض الاستمرار بدرس الفلسفة العربية الإسلامية 
من الخارجء. وبتقديمها إلى القرّاء كما فعل كثيرون غيره. وكأنها «مجرّد زائدة 
فطرية وعابرة»» لم يكن وجودها ممكناً لولا الركيزة الأساسية التي قدّمتها الفلسفة 
الإغريقية. لقد أعجب بالاتجاه الفكري المميّز الذي بلورته مدرسة الحوليات 
الفرنسية» إذ طبّقت منهجية جديدة في علم التاريخ ودراستهء تعتبر أن الثقافة 
تتأثر بالوضع المعاش المحسوس وتؤثّر فيه. وتركّز من ثم على أن هناك 
«مشروطة متبادلة ومعقّدة بين الثقافة والواقع. أو بين الفكر والمجتمع»””. 

لقد استفاد أركون من هذه المدرسة التي دشنت العلم التاريخي الحديث» 
وهو يعتبر أنه من دونها لما استطاع التحرّر من النظرة الخطية المستقيمة للتاريخ. 
إن المنهج الفلولوجي إذ يعتمد على البحث عن الأصول الماضية للأفكار 
الحاضرة» يصبح منهجاً خطيّاً مستقيماًء يهتمّ بالتواصل والاستمرارية ما بين 
الماضى والحاضر فقط. إن هذه المنهجية الجديدة قد ولدت انقلابا على صعيد 
كتابة التاريخ عندما أعطت الأولوية في البحث للببى الاجتماعية والاقتصادية 
النى سادت فى فترة محدّدة» وراحت تُهمل تقريباً الكثير من الأحداث السياسية 
التي 'تشغل عادة التاريخ التقليدي. لم يعد تاريخ الفكر يعتمد فقط على 
«التواصلية التطوّرية» إنما على القطيعة. بصياغة أخرىء» القطيعة حاضرة فى 
التاريخ كما التواصلية؛ والعناصر الجديدة الطارئة فاعلة في الفكر الحالي؛ كما 
العناصر السابقة. 


لم يعد جائزاً أن يبقى المؤرّخ الباحث سجين النظرة التقليدية لكتابة 
تاريخ الفكر» لا يرى الجديد إلا صادرا عن القديم من دون انقطاع ملموس ٠»‏ 
بتعبير آخرء لا جديد تحت الشمسء. لأن القدماء قد قالوا كل شىء. وما 
علق البعاسرينة إلا تكران كلاميية .وفق أمكال معيلفة: لا يمكن الفكر أن 
سكل اليم دو «الشعر نك لجررد تن إلا اليه ارد بقن لكر ,ناه نينا 


(؟6)أركون. نزعة الأنسنة في الفكر العربي : جيل مسكويه والتوحيدي. ص ٠١‏ 
(68) المصدر نفسه. ص .1١‏ 


عليه أن يستمدها أيضاً من الوظيفة الاجتماعية ‏ الثقافية التي يؤديها في 
المجتمع حيث حيث ظهر للمرة الأولى. لا يمكن أن يست الفكر ف في الفراغء إنما 
في إطار ظروف محددة. 


هكذا أراد مفكرنا أن يتبّع المنهجية الحديثة في كتابة تاريخ الأفكار. تلك 
المنهجية التي «تربط بين حركة الأفكار من جهة. وحركة الواقع أو المجتمع من 
او إنه يهدف إلى تقديم صورة تاريخية عن مسار الفكر عبر 
الزمن. وليس صورة تجريدية أو مثالية تسبح في الفضاء. لذلك كان من 
الضروري أن يعتمد على المنهجية التقدمية ‏ التراجعية وأن يبتعد في الوقت 
عينه عن الوقوع في المغالطة التاريخية» من أجل الوصول إلى هدفه. ‏ - 


المنهحية التقدمية التراجعية والمغالطة التاريخية 


رأينا أنه من الضروري التوقف. ولو بإيجازء عند المنهجية التقدّمية - 
التراجعية نظراً إلى أن مفكرنا غالباً ما يعتمدها عندما يعالج الموضوعات التراثية. 
تفترض هذه المنهجية. كخطورة أولى» الرجوع إلى الوراء إلى الماضي البعيد 
ومراقبة كل التلاعبات التي يتعرّض لها الماضي من قبل الحاضر. بصياغة 
أخرى ء إن العودة إلى الحاضر ضرورية لتحديد كل الأشياء التي, انقرضت في 
ا ل ولتحديد كل إنتاجح فكري إتخاين قل أعمل 'رطفسن 
ظلماء ورمي بعيداً عن كل اهتمام. «إن هذه المكتسبات الإيجابية الخاصة 
الجافيي والتراث تستحق أن تُستعاد من جديد وتحظى بالاهتمام داخل سياقنا 
التاريخى الحديث. ٠‏ ونحن» إذ نفعل ذلك نكون قد أنجزنا فى الحركة الواحدة» 
واللسكلة اجرف عولد كلا للمعونة العلية: وللقك المكيلن يفقة ال 001 
من هنا تكتسب العودة إلى الماضي أهمية كبرى في فكر أركون. ولكن ليس من 
أجل إسقاط متطلبات المجتمعات الإسلامية المعاصرة وكل مشاكلها على 
النصوص التأسيسية. وذلك كما يفعل علماء الدين والإصلاحيّون. إن العودة إلى 
الماضي ملحّة من أجل أن يتم التوصّل إلى الآليات العميقة والعوامل التاريخية 
التي أدّت إلى إنتاج هذه النصوص ورسمت لها إطاراً وظيفياً معيّناً. هذا ما 
يسميه مفكرنا بالمنهجية التراجعية. 


(05) المصدر نفسه. ص 558. 
(54) أركون» الإسلام» الأخلاق والسياسة. ص .١19‏ 


٠١١ 


أما المنهجية التقدّمية فهي ترتكز على عدم إهمال أثر النصوص التأسيسية 
واستمرار فاعليتها فى المجتمعات المعاصرة: إن" هذه النصوض لا تزال ناشطة 
تقدّم اليوم الكلانا أندر لويف خاصاً من الاعتقاد والمعرفة»» من شأنه أن يرسم 
المستقبل أو يُسهم في تشكيله. لهذا السبب يجب علينا أن ندرس عملية التحوّل 
الطارئة على مضامين هذه النصوص ووظائفها السابقة ثم نتوقف عند تولّد 
مضامين ووظائف جديدة”"*. لا شك في أن أثر الإسلام المتعالي والثابت 
والجوهراني؛ كبير جدا في الخطاب الإسلامي المعاصرء إنه يهيمن بقوة عليه 
حيث تصع تجانية من دؤة أن تملا جميع 'البالعنين جهودم ويعليد 
المنهجية التقدمية ‏ التراجعية. كل ذلك لن يبلغ الهدف المرجو ما لم يتم 
الاطلاع عن كثب على كل المراجع الضرورية الخاصة بالتراث وبالحداثة على 
حذد سواء. بتعبير ير آخرء إننا نجد أركون يشْذد هنا على أهمية مراجعة ما كان 
التراث قد نجه من معانٍ واجتهادات» من دون أن يتم الاكتفاء بذلك» إنما 
يجب الغرص أيضاً في ما توصلت إليه الحداثة في الغرب وما نتج منها بعد 
ذلك من مناهج نقدية وأدوات حفر لم يَعْد جائزاً الاستغناء عنها. 


يرى مفكرنا أن كل مؤرّخ باحث ملرّمٌ في أن يُعمّق التنقيب والتحليل 
أكثر فأكثرء إلى أن يتمكن من الوصول إلى المنشأ الأول للدين. هناك مهمّة 
ملحة يجب القيام بها وهى الكشف عن المضامين الحقيقية للوعى «الدينى» 
عند جميع الذين تبعوا منذ البداية يسوع ومحمد وعند الخوارج الأشذاء. إن 
العودة إلى الماضي البعيد ضرورية من أجل فهم الحاضر القريب. لذلك كان 
من المهم أن تُبذل الجهود من أجل إعادة تأويل كل «المعجم المفهومي» الذي 
ورثناه عن الماضى» أي مجمل التراث الديني. من الملاحظ أن الحركات 
المتطرّفة الحالية تقوم باستعادة هذا «المعجم المفهومى» من دون تأويل أو 
تجديد. هكذا يصبح المسح التاريخي الشامل للماضي مهمَّأ جداً. من دونه لن 
يقدر أحد على تجديد النقاشات التي تجري حول مسألة الفصل ما ب بين العامل 
الروحي والعامل الزمني. 


إن أركون لا يدعو المؤرّخ إلى إخضاع أبحاثه لما يحتاجه الحاضر من 
مطالب مختلفة ومتعددة. إنما يطلب منه أن يقوم بإضاءة الحاضر عن طريق 
الماضى » والماضي عن طريق الحاضرء. مع المحافظة على حدود كل منهماء 


(07) أركون» الفكر الإسلامي قراءة علمية.ء ص .١154‏ 


٠١ 


واحترام ظرفه الزمني وخصوصيّته. إن هذا الأمر ضروري جداً من ناحية 
المنهج. فهو يحمي المؤرّخ من الوقوع في خطأً فادح وهو المغالطة التاريخية 
أو الإسقاط. لذلك تكتسب عملية ربط الحاضر بالماضى دقّة كبيرة» إذ تفرض 
الكثير من المهازة والتمرّس في عمليّة البحث التارينتي- من هنا يرى مفكرنا «أن 
أخلاقية المهنة تجبر المؤرّخ على أن يوضح بشكل أفضل الرهانات المخفية 
تحت الألفاظ المعنوية والمصطلحات والمفاهيم الواردة في كتب المؤرّخين 
القدماء. وكذلك ينبغى أن يكشف عن الرهانات العميقة المختبئة تحت الآمال 
الحتافية والأمداف: السلنية» عت العةاند المدرشفة والانظلية الشكرية 
المصعّدة أو المتسامية بحسب تعبير التحليل النفسي». وذلك في جميع البيئات 
والمنعطفات التاريخية المختلفة)20, 


يمكن أن نجد هنا استراتيجة معرفية جديدة تقوم بتحليل الخطاب التراثي 
وتفكيكه من الداخل لكى تبرز مختلف المسلمات الضمنية والأيديولوجية 
الجففة اقرح إطان هذا الخطربي النواترن سوجدوة .أن لكلو يسك ماقي إن هذا 
المنهج الحدية يخاو فياك كن المرافف التقليدية لكي يزحزحها عن مواقعها 
الثابتة ويتجاوزها. لقد اختار أركون أن يقوم بقراءة تزامنية للنص وهي نقيض 
القراءة الإسقاطية التي تقع في هوة المغالطة التاريخية» فتسقط على النص معاني 
لا تنتمي إلى زمنه. تجدر الإشارة هنا إلى أن معاني مفردات اللغة العربية تتبذل 
وتتطوّر من فترة إلى أخرى» فالقراءة التزامنية إذآً هى القراءة التى تحاول أن 
تعود إلى الوراء؛ إلى الزمن الذي كُتب فيه النصء» فتقرأ مفرداته وتركيباته 
انطلاقاً من معانيها في ذلك الحين» وليس من المعنى المتعارف عليه اليوم. هذه 
هي إحدى أهم صفات القراءة التاريخية التي تمتنع عن كل عملية إسقاط 
أيديولوجية على النص. 


إن المنهج التعددي الذي بنى عليه محمد أركون مشروعه النقدي». واسع 
ومتشعغب. كما إن معظم العلوم التي ركن إليها تُعتبر حديثة العهد. ما يتميّز به 
أنه غاص عميقا في مناهج علوم الإنسان والمجتمع» وعرف كيف يستفيد منها 
ويجني من ثمارها. لم يشأ أن يترك الفكر العربي الإسلامي بمنأى عنهاء فرفض 
تهميشه كما فعل معظم المفكرين في الغرب الذين درسوا هذا الفكر في إطار 
الاستشراق. لذلك سوف نحاول أن نختصر مختلف هذه المناهج في ما يلي: 


(00) أركونء. قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإملام اليومء ص 175. 


١ ال‎ 


4 مناهج علوم الإنسان والمجتمع 


إن من يريد العمل والبحث في الفكر الديني (نشأته ‏ تطوّره - أثره في 
المجتمع) عليه أن يعي أن اللغة الدينية تختلف عن سائر اللغات. من هنا كان 
من الضروري بلورة علم ألسنيات يخصٌ اللغة الدينية وحدهاء ويأخذ بعين 
الاعتبار أنها لغة مهمّتها أن تفتح الوعي البشري على المطلق. لذلك نجد أن 
مفكرنا يطرح تساؤلات عذة حول «معنى «الكتاب» و«التحريف»؛ وإمكانية أن 
يكون الله حكما في قضايا البشر. والحق. والعدل. وكلمة الله التي تمت . 
بمعنى آخرء فإنه ينبغي علينا إعادة تشكيل علم الربوبية» وعلم تيولوجيا 
الوحي. وعلم تيولوجيا التاريخ. وتيولوجيا الأخلاق وفلسفة القانون... 
إلخ”**2: لكن هذا العمل الضخم لن يُنجز ما لم يتم أولآء تشكيل علم 
ألسنيات حديث خاص باللغة العربيةء وثانياء تشكيل نظرية متماسكة فى 
التأويل» وثالثاًء إنجاز علم سيميائيات الخطاب الديئي؛ ورابعاًء وضع نظرية 
متكاملة فى السيادة العلياء والسلطات السياسية التنفيذية والجدلية التى تربط 
بينهما. هذا ما يُلزْم الساحة الفكرية العربية - الإسلامية» وما ينقصها بالتحديد 
في منظور مفكرنا. 

يرى أركون. انطلاقاً من مكتسبات العلوم الإنسانية الحديثة» إن القرآن 
والأناجيل ليست إلا «مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري. إن هذه 
المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً”*". هناك وهم كبيرٌ الإشارة إليه 
أمرُ واجبٌ. وهو اعتقاد المؤمنين بإمكانية تحويل التعابير المجازية في الكتب 
المقدّسة إلى اقانون شغال» يفعل في المجتمع» وإلى مبادئ محدّدة يضصلح 
تطبيقها في كل الظروف والأحوال. لذلك نجده يهتمّ كثيراً في مشروع كتابة 
تاريخ خاص بالتقديس عند العرب. ثم عند كل المجتمعات التي آمنت 
بالإسلام. وذلك من خلال تشكيل أنثروبولوجيا دينية وثقافية. كما يرى في هذا 
المجال أن «المناقشة الملتهبة التي جرت بين الشيعة والسّئَة والخوارج تتجاوز 
كونها مجرّد معارضة سياسية أو حتى تيولوجية. إنها راجعة أولاً وبشكل أساسي 
إلى الروابط التي تتعاطاها كل فئة من هذه الفئات مع التقديس)!'". 


(08) أركون» الإسلام» الأخلاق والسياسة.» ص 186. 
(04) أركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ص 154. 
600 المصدر نفسية 6 ص 7327. 


إن ما يريده تحديداً من خلال تطبيق علوم الإنسان والمجتمع. يكمن في 
فهم كيفية تمكن الدين من اختراق وسط اجتماعي ما ومدى تمثّله فيه؛ ونسبة 
نجاحه أو فشله. ومن ثم يدرس العكس. أي مقدار تأثير الوسط الاجتماعي في 
الدين الرسمي الذي دخل إليه وكيف يعذل فيه ويغيّره. يركز جيّدا على التداخل 
الحاصل بين الدين والمجتمعء أو بين العامل الديني المتعالي والممارسات 
الاقتصادية والاجتماعية. يبرز هنا الدور الفاعل الذي يمكن أن يقوم به علم 
اجتما اع التلقي لأحد لماج النقدية الأدبية الأكثر خصوبة في ألمانيا 
الغربية 2 يرى مفكرنا أن مفهوم التلقي يأتي ليكمل مفهوم التاريخية» وهو 
يستخدمه فى أبحاثه. إن العمل الأدبى بعامة. والنص الدينى ذا القيمة العالمية 
بخاضة لا يمكله أنه موحد أ يدوم مقرل عن عمامفة الجمهون الفاعلة التي 
تؤمّن له الاستمرار والانتشار. من هنا يمكن اعتبار «أن التراث فى مجتمعات 
الكتاب ليس فقط عبارة عن "كل مكتنز بالشهادات التي خلفها لنا أولئك الذين 
مسّتهم روح الوحي عبر التاريخ » وإنما هو عبارة عن خلق جماعي يصنعه أو 
يشارك في صنعه كل أولئك الذين يستمذون منه هويّتهم ويساهمون في إنتاجه 
وإغادة انعاحس( :)ا باستمر ا 


إن علم الأنثروبولوجيا الدينية يشذد كثيراً على كيفية تلقّي الدين في 
المجتمع والتفاعل معه سواء على صعيد التراث الشفهي أم على صعيد التراث 
الكتابي. لذلك كان من الملح أن يقوم الباحثون بإعادة دراسة كل التاريخ الثقافي 
فى المجتمعات العربية ‏ الإسلامية انطلاقاً من ازدواجية التنافس بين العاملين: 
الشفهي/ والكتابي » والاسطورى| والقلدي. إن التراث قد حمل عبر التاريخ آثار 
هذه المنافسة. 0 هنا 3 تح إكزافية 00 إلى دراسة اعتمم الأساسية التي 
والعامل الشفهى» 0 الكتابي. . . إلخ. إن هذه المفاهيم الضمنية تنتقل الآن إلى 
مرتبة «المعروف الصريح» بفضل ما تقدمه الاكتشافات الجديدة في مجال علوم 
الإنسان والمجتمع. 

إن المنهجية الأنثروبولوجية لا تميّز بين الثقافات البشرية» بل تدرسها كلها 


(51)أركونء. الفكر الإسلامي قراءة علمية؛ ص 37. يذكر هاشم صالح في الصفحة نفسها ما يلي: 
«يمكن القول بأن هذه المنهجية قد انتقلت إلى ألمانيا من فرنساء وأن رائدها الأكبر كان جان بول سارتر 
الذي حدد خطواتها العريضة أو برنامجها فى كتابه ما هو الأدب؟ 6. 


وتقارن في ما بينهاء من دون أحكام مسبقة. لذلك يجد أركون أنها من أفضل 
المناهج. فهو يتبناها في أبحاثه وتنقيبه» بخاصة المنهجية الأنثروبولوجية المقارنة 
التي تهتمّ بالناحية الروحية أو الرمزية كما بالناحية المادية أو العقلانية. يقول في 
هذا المجال: «نحن لا نختزل الأشياء إلى مجرّد مادة من دون روحء أو عقل 
عاق فرجدون بال :كا ندعل الوضهية الدتطزفة الساكدة قن الشرين 7 
فالجانب الروحي مهم لأنه يعني الإنسان ويشغله. لذلك بود هيت 
العامل الررحي أو الرمزي داخل المجتمع. 


إن البعد الروحي من شأنه أن يُغني الحياة الداخلية أو يهتمّ بها «بصفتها 
وكانا تعس شتت يتتكل الشكتخص :دانم وندستهنا ساعد حاتي 
المسؤولية”*'؟. إن معالجة الفراغ الروحي الذي تشهده اليوم المجتمعات 
الأوروبية باتت ضرورية؛ ولكن ليس عن طريق العودة إلى الوراء» وإنما عن 
طريق استنباط مفاهيم جديدة للروح والأخلاق. فالأديان؛ كما يراها مفكرناء 
تبدو عاجزة عن تحقيق ذلك انطلاقا من صيغتها التقليدية. 

نلحظ اليوم أن النقد الأنثروبولوجي يدرس مختلف الثقافات ويعطيها حنّ 
الكلام» لم يَعْد منشغلاً فقط بالثقافة الأوروبية التي كانت تهيمن على المسار 
الفكري للبشرية. هناك إذأ محاولة تأسيس نظام معرفي يشمل الثقافات كلهاء 
وبرتكز على فرضيّات «العقل المستنير». هكذا راح الفكر الأوروبي يقوم بعملية 
نقد ذاتي تطاول الهيمنة الثقافية التي كان يمارسها منذ القرن الثامن عشر. إن هذا 
الإنجاز الفكري يُعتبر خطوة مهمة في مسار عقل الحداثة. لذلك أعطي تسمية 
عقل ما بعد الحداثة. لكن أركون يفضّل «تعبير ما فوق الحداثة» أي العقل الذي 
يشمل الحداثة الغربية وغيرهاء العقل الذي يرتفع فوق كل التجارب البشرية التي 
حصلت حتى الآنء بما فيها تجربة الحداثة الأوروبية»9". 


إن هذا العقل يتميّز بانفتاحه الواسعء وقدرته على استيعاب الجميع من 
دون استبعاد أحدء وذلك على خلاف عقل الحداثئة الذي أسّس للمركزية 
الأوروبية واعتبر أن العقل الأوروبي هو الأكثر تفوقا. يرفض مفكرنا كل أشكال 
التقوقع على الذات» من أي جهة أتى» سواء من الناحية الأوروبية أم من 


(78) أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ص .5١١‏ 
(58) المصدر نفسهء ص 15060. 
(506) المصدر نقفسهء ص .57١‏ 


الناحية الإسلامية. من هنا مناداته المستمرّة بتطبيق المنهج المقارن» والقيام 
بمراجعة نقدية للتراثات التاريخية كافة. وذلك من أجل أن ينتج الكثير من 
المواجهات الحصم والمفيدة للجميع. هكذا ده منهجيات العلوم لات 
والمجتمع هي الآهم في الوقت الحاضر» ويجب أن ترتقي إلى مستوى الآأولوية 
مايوفر تطبيق التق التازيحى» والالسى» واليبياتي (الدلالي)» 
والأنثئروبولوجي على التراث. لذلك يرى أركون أنه «لا مستقبل لقوى التقوقع 
على الذات والخصوصيّات الضيّقة والعودة إلى الوراء. لا مستقبل للقوى التي 
تؤسّس كل برنامجها على عداء الآخرء سواء أكانت هذه القوى في الجهة 
الإسلامية أم في الجهة الأوروبية أو العربية'""". 


من أهم مكتسبات علوم الإنسان الحديثة التي تبئاها مفكرناء هناك علم 
النفس التاريخي الذي ازدهر في فرنسا من خلال دراسة النفسية الجماعية 
الفرنسية في القرون الوسطى. ثم نشوء النفسية العلمية الجديدة في فرنسا 
الحديثة وتطوّرها. من مؤسّسى هذا العلم نذكر جاك لوغوف 601 ع.آ 65ناو30) 
وجورج دوبي (لإطناطط وعع7مء6). اللذين يشير إليهما أركون باستمرارء وهما من 
العقلية التى سادت فى فترة ماء ويتعمّق بخاصة فى «العقلية الجماعية 
والحساسية الجماعية والنفسية الجماعية ثم الخيال والمخيال والأسطورة.. 
إلخ000, كما يدرس التطوّر التاريخي لمفهوم العقل» والعلاقة التي تربط بين 
العقل والذاكرة والخيال» بخاصة أن الذاكرة تؤدي دوراً مهماً في المجتمعات 
ذات التراث الشفهي. وفي أماكن انتشار الساحر المدهش» كما في الأوساط 
العلمية. إن الأمر يتعلّق إذاً بتحليل العلاقات ذات الطابع النفساني التي تربط ما 
بين مختلف قدرات الفكر البشري. يظهر جليّا تأثر مفكرنا بهذه المنهجية من 
خلال اهتمامه بالمجال اللاعقلاني في التراث الإسلامي؛ أي أنه أعطى حيّراً 
كبيراً من أبحاثه لإبراز دور الأسطورة والخيال والوعي الأسطوري الفاعل في 
تاريخ العقل العربي الإسلامي”''2. لقد درس عميقاً تاريخ العقل» وتاريخ الخيال 


(85) المصدر نفسه.ء ص 755, 

(107) انظر تعليق هاشم صالح في : أركونء الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. ص 707. الهامش رقم . 

(74) سوف نفصّل الكلام على هذا الموضوع في الفصل الثاني من هذا القسم حيث نطرح مسألة 
نقد العقل والعقلانيات والبينات الخيالية. 


١١ 7ع‎ 


يهمّنا أن نشير في هذا السياق إلى أن أركون لم يحصر نفسه في إطار ضيّق» 
بل أراد أن ينفتح على مختلف إنجازات علوم الإنسان والمجتمع. وينهل من 
معينهاء فاستطاع أن يستفيد منها في أعماله. من هنا يمكننا التحدّث عن تعددية 
المنهج الأركوني. نلمس ذلك في سائر أبحاثه. ونذكر بخاصة تحليله لسورة التوبة 
والاقتراحات التي أوردها من أجل القيام بقراءة جديدة لهذه السورة. 

لقد فكك الآية الخامسة من هذه السورة مستخدماً المنهجية السيميائية 
والألسنية التي تسعى إلى كشف العلاقة بين الله والنبي والمؤمنين. يهدف من 
خلال ذلك إلى تحرير المسلم من هيمنة القراءة المغلقة» لكي مهم العلاقات 
الداخلية للنصء بكل حيادية وموضوعيةء فيكتشف عند ذاك العلاقة التي تربط 
بين النص «التاريخ. يعتبر أن الحقيقة نُصاغ في الزمن» في ضوء مجمل الوقائع 
التي كانت وراء النص. إن الرهبة التي تحيط بالنصوص المقدسة تمنع المؤمن 
من رؤيتها كما هي عليه في الواقع؛ أي كنصوص لغوية» تستخدم مفردات لغة 
وضعها البشر مع كل قواعدها وأساليبها في التعبير. إن العلاقة الطبيعية التي 
يجب أن تربط المؤمن بالنص هي علاقة فهم وتحليل ومعقولية. من هنا يؤدي 
المنهج الألسني والسيميائي دوراً مهما في تحرير الفكر ومساعدته على القيام 
بقراءة نقدية تشمل التراث الإسلامي يكامله. 


ضمن الإطار نفسهء يستفيد مفكرنا من المناهج الحديثة من أجل القيام 
بيحث في سبيل تحديد معنى واضح لكلمة «كلالة» التي وردت في سورة النساء 
في الآيتين )2325 و(5/ا١).‏ وذلك حول موضوع التوريث» وهناك أيضاً الآيات 
دنا ب 8 و(٠51)‏ من سورة البقرة حول الموضوع عيله. نيحده هنا يعر ضص 
أولا التفسير التقليدي لهذه الآيات» ومن ثم يقدّم قراءته الخاصة التي طرحت 
تساؤلاات عذة حول مشي له الناسخ والمنسوخ» ودور الفقهاء فى التلااعب 
بالآيات القرآنية من أجل تشكيل «علم للتوريث» يناسب الوضع الاجتماعي 
والاقتصادي في المجتمعء أي يناسب مصالح الفئات الاجتماعية التي اشتغلوا 
داخلهاء وعاداتها وتقاليده0". 


نود أن نشير هنا إلى أن منهجية الألسنيات التى ازدهرت فى الستينيات 

(19) لقداختلف المفسّرون حول إيجاد معنى واحد لكلمة كلالة؛ نورد هنا ما ذكره أركون: "إن 
المرء إذ يموت دون أن يخلّف وراءه طفلاً يمتّل حالة من حالات الكلالة». انظر: أركون» من الاجتهاد إلى 
نقد العقل الإسلامي. ص ”7. لمزيد من التفصيل انظر: المصدر المذكورء ص 1-56. 


١٠١8 


اتخذت أهمية كبرى عند أركون. فهو باعتباره مؤرّخاً للفكر العربي الإسلامي» 
عمل تشكل .دانم على السوص الفديمف؟ (ذااكان عليه الديقن قرافة. أ تصن 
ترائي من خلال تفكيك لغته ألسنياء لكي يعرف كيفية تشكله. ولكي يسائله 
على صعيده الأول المباشرء أي صعيد اللغة العربية والإسلامية الكلاسيكية. من 
هنا يرى «أن لعلم الألسنيات أهمية عظمى في ما يخص مجالنا المعرفي. مجال 
تاريخ الفكر الإسلامي. ومن يقوم بكتابة تاريخ التفسير في الإسلام كما أفعل 
اليوم» يجد فائدة كبيرة في المنهجية الالسنية)2"7. 


هكذا نجد مفكرنا يعترف بالوحي. لكنه يريد إعادة النظر في كيفية 
تجسيد هذا الوحي في التاريخ» هدفه «التوصّل إلى معرفة أفضل لوظائف 
العامل العقلانى والعامل الخيالى (المخيال) ودرجات انبثاقهما وتداخلهما 
وصراعهما في مدن بالا ا الفكر التي سادت المناخ الإسلامي)”"". 
كذلك يمكن القول إن القراءة المنفتحة التى يقترحها أركون لا تشمل فقط 
التضر هن العفدية والعصزف » االتسرية بل أيقنا مشعلب الادات الشفية انه 
يدعو إلى قراءة هذا التراث الغني في ضوء علم الألسنيات والأنثروبولوجيا 
وعلم الاجتماع والتاريخ. 

عندما قرأنا فكر محمد أركون من خلال شروحاته وتحليلاته وتأويلاته 
المختلفة لفتنا بشكل لا يمكن تجاهله تعدذد المناهج التي تمرّس بهاء ووفرة 
المصادر والمراجع الحديثة التي توقف عندهاء وكثرة المصطلحات الجديدة 
على اللغة العربية التي استخدمها. حاولنا أن نبحث في ما يخصٌ المنهج. عن 
تراتبية معيّنة» أو تسلسل يبيّن لنا أولوية منهج على آخر وأهميتهء فوجدناه يركز 
على سائر المناهج ويرى أن كل حقيقة لها مستويات عديدة يجب أن يأخذها 
في الاعتبار. لذلك كان من الضروري أن يتقن الباحثون فى مجال الفكر 
الامثلامن» :ويعموسوا' في امسدالفه إنجازاك افكر العداثة: وما بستعاء إن جار 
التعبير. في معرض بحثنا في نصوص مفكرناء استوقفنا نص يتحدّث فيه عن 
الحقيقة. وعن كيفية مقاربتها منهجياً. رأينا من المناسب أن نذكر هنا أبرز ما 
ورد فيه. من أجل أن نوضح أهمية تلك المناهج التي سبق أن كشفنا عنها لديه 
وكان قد طبقها ولا يزال بدقة. 


.5907” أركون.ء الفكر الإسلامي: نقد واجتهادء ص‎ )7١( 
.17 أركون. تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ص‎ )7١( 


ل 


إن الحقيقة كما يزاها ففكزنا اتتجسد.دائما وفى كل مكان عن طريق 
القاغلين 'الاجتماعنيق + أي البشر» إنها'إذن: شيء بحسو وملموسي»! "ا .وغي 
تتطلّب مستويات عدة من التحليل. ْ ١‏ 

المسترئ الأول: إن أزل:ما'يجب فعله .هر تحليل المستوى اللنوئ 
والسيميائي للحقيقة لكي تتم الإحاطة بها من الداخل. يمكن تصنيف علم 
السيمياء فى المرتبة الأولى من الناحية المنطقية لأنه يبحث فى المعنى ويُصتف 
فى الجرت: الكاضة لغيه التسلنل لتقو لام مط أن كمد على الدراندات 
الومفية لبق الدلالة: 


نشير في هذا المجال إلى أن علم السيميائيات قد تطوّر كثيراً في فرنسا بعد 
ازدهار علم الألسنيات» وهما على ترابط وثيق. يبحث علم الألسنيات بنظام 
العلامة اللغوية» ويهتمْ علم السيميائيات بدراسة مختلف أنظمة العلامات غير 
اللغوية كالمناخ العابق بالرموز في المجتمع. نذكر مثلاً مجال اللباس» وفئون 
الطبخ» وآداب التحيّة. وتنظيم الشوارع والساحات كما تنظيم المنازل. إن هذه 
كلها تشكل النظام السيميائي الرمري الذي يخصٌ مجتمعاً محدداً. 


المستوى الثانى : بعد التحليل اللغوي والسيميائي» يجب البحث فى 
المستوى التاريخي للحقيقة الذي يُسهم في تحديد منشئها وروابطها مع التجليات 
المستوى الثالث: يرتكز البحث هنا على تحليل المستوى الاجتماعي 
للحقيقة وموضعته كانعكاس لما يجري من صراعات داخل الجماعة ولآمالهاء 
أكانت هذه الجماعة في السلطة المركزية أم مهمّشة ومغلوبة على أمرها. 
المستوى الرابع : يكمن في درس الحقيقة من خلال تحليل البعد 
الأنثروبولوجي الذي يأخذ أهمية كبرى اليوم في مجال علوم الإنسان الحديثة» 
المستوى الخامس: يظهر هنا دور تحليل المستوى الفلسفي أو المقاربة 
الفلسفية» لكي تتم مقاربة الحقيقة من خلال علاقتها بالكائن وبالتماسك 
الأخلاقي ‏ الماورائي للذات البشرية» في إطار منفتح على تعدّدية الثقافات. 


0 المصدر نفسهء ص 8”. 


1١٠ 


المستوى السادس: إن تحليل المستوى اللاهوتي أمر ضروري في مجال 
كل تراث دينى». بخاصة فى مجال التراث الإسلامى. يرى مفكرنا أنه من 
الواكتك ايا حك الكلهتات: اللاحوبة سك ,يسشرات ملفل العن سبق 
ذكرهاء لأن في ذلك محاربة لكل انغلاق. على البقينّات الثابتة» ولسائر أنواع 
التبجيل الدفاعي. 

يمكن أن نفهم من خلال ما تقدّم سبب اعتماد مفكرنا المنهج التعددي. 
فالحقيقة التى يبحث فيها هى متعددة بحذ ذاتهاء وتمكن مقاربتها انطلاقا من 
مسكونات «محقلفة » حعتى إإنه يرفضن مدلا النتخدام مصطاح الإسلدم أو العالم 
الإسلامى لأنه ليس موحخّداً ولا منسجماً كما تُصوّره لنا مختلف الخطابات 
الاير لو خيلة. فهو على العكس يتميّز بالتنوّع والتعقيد سواء على الصعيد 
التاريخي أم الاجتماعي» أم الأنثروبولوجي . . . إلخ. من هنا نجده يستخدم 
مصطلح «الوسط الإسلامي» أو «السياق الإسلامي» لكي يُظهر نطاق «التعددية 
العرقية ‏ الاجتماعية ‏ الثقافية» في الإسلام. «فهناك «إسلامات» بقدر ما هناك 
من مجتمعات مختلفة وأعراق ذات لغات مختلفة وخلفية أنثروبولوجية مختلفة. 
هذا لا ينفي بالطبع وجود نواة واحدة للاعتقاد الإسلامي. ولكنها تتلوّن بحسب 
البيتات والأوساط والمجتمعات7”0", 


يبقى أن نشير إلى مسألة مهمة في ما يخص المنهج النقدي عند محمد 
أركون» إنها العلاقة التي تربط ما بين المؤرّخ والفيلسوف على صعيد تفكيك 
التراث وإعادة قراءته بعيداً عن اليقينيات العقّيديةء والأنظمة المغلقةء 
والأيديولوجيات الضيّقة. 


الثاً: مهمّة المؤرّخ الفيلسوف 
إن من أراد التعمّق في المنهج الأركوني» يمكنه أن يرى بوضوح الأهمية 
التي يكتسبها علم التاريخ كما بلورته مدرسة الحوليات الفرنسية. فالثقافة لم 
يُعل يُنظر إليها كشيء مجرد عن المجتمع والتاريخ المحسوس » هناك علاقة 
وثيقة بين الثقافة والواقع» أو بين الفكر والمجتمع. كذلك؛» إن البحث في 
الكينونة وفى التماسك الأخلاقى ‏ الماورائى للذاتء. وتفكيك العقل ودراسة 
آلية اشتغاله. والبحث عن المعنىء وإعادة تركيب الواقع. كلها من مهام 


(77) أركونء نزعة الأنسة في الفكر العربي: جيل مسكويه والتوحيدي. ص 5 - .٠١‏ 


١١١ 


الفيلسوف. لكن مفكرنا يشير فى أكثر من مناسبة إلى أولوية دور الباحث 
المؤّخ الذي سينقّبٍ في طبقات التراث ويقدّم المعطيات الضرورية لكي 
يتمكن الفيلسوف من القيام بعمله. لذلك لم يعد من السهل الفصل جذريا بين 
علوم الإنسان والمجتمع من جهة. وبين الفلسفة من جهة أخرى. فالحقيقة 
معقّدة تمكن مقاربتها من زوايا عديدةء من غير أن تلغي الواحدة الأخرى. 
حتى إنه لا يمكننا أن نفصل بشكل قاطع. في نصوص مفكرناء بين دور 
المؤرّخ ودور الفيلسوف. 


يشدّد أركون كثيراً على أهمية المؤرّخ الباحث». ويرسم له مساره الفكري 
«لأنه هو المسؤول أولا عن نقد التراث.ء (...). فهو الذي يمتلك الكفاءة 
لفك عقدة كل الحالات المتداخلة والمستعصية. ولتوضيح كل مواقع التراث 
التي علاها الغبار وامّحت معالمها بسبب مرور الزمن المتطاول. إنه هو 
المسؤول عن إعطاء حق الكلام للمهمّشين والمنبوذين على مر التاريخ» أي 
كل أولئك الذين لا صوت لهم (...). إن المؤرّخ النقدي الحديث هو 
المسؤول عن تعرية رهانات كل المعارك والصراعات التي جرت في التاريخ » 
وذلك لأن الخط المنتصر يطغى عليها أو يفرض روايته الرسمية لما حدث عن 
طريق القوة0 9" 


نلحظ أن المؤرخ هنا لم يعد من اهتمامه فقط سرد أخبار الملوك وسِيّر 
العظماء؛ والسلالات الحاكمة. والأحداث السياسية» والمعارك الكبرى» عليه 
أن يُعمّق أبحاثه لكى يصل إلى المهمّشين» أي عليه أن يكشف عن التلاعبات 
التي سيطرت على تاريخ الأقوياء. ترتكز مهمّته إذا على تفكيك الخطاب الترائي 
من داخله. من أجل التوصّل إلى الكشف عن ملابساته؛ وعن مختلف المواقف 
المسبقة والمخفية التي يعمل على طمسها. يكفي المؤرّخ «فخرا أنه يضىء لنا 
عمليات الأسطرة والأدلجة التي يمارسها الخطاب التاريخي التراثي»””". 


بنذو وافكها هنا كم إن المهام الملقاة على عاتق المؤرّخ تطاول التفكير 


الفلسفي» لا بل تجعله ضرورة ملحّة من أجل التوصّل إلى الكشف عن حقيقة 
آلية اشتغال العقل فى التراث الإسلامى. 


(74) أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم؛ ص .١6١‏ 
(9/6) المصدر نفسه. ص .16١‏ 


١1١7 


اللحظة الفلفة: وهو بكو عن الفطدا «أنا نع لاد أكون القت 
ديه لاد النقد الكالاا من لدعا ور 0 أولًء م 
كذلت برى أن الفقلال: الملحية عن طريخ نذا القفل تدع نس أيضا للتتجول: 
إن العمل الإسلامي ء وكل ما نتح منه. ليس عقلاً مطلقاء مجرّداً عن كل مكان 
وزمان. إنما هو مرتبط بظروف وشروط تاريخية واجتماعية ونفسية 
واقتصادية... إلخ. من هنا لم يعد من السهل الفصل تماما بين مهام المؤرّخ 
ومهام الفيلسوف في مشروع محمد أركون» هناك تداخل واضح بين الاثنين» 
نظرا إلى اتساع حقل عمله. وعدم رغبته في التقوقع داخل نمط واحد من 
التفكير والتنقيب. ونظراً إلى اعتقاده بأن الحقيقة متعددة الأبعاد لا يجوز 
مها الى زافب كفن الصكنه وتقار كها من مطور :وائدة 


يؤكّد مفكرنا في حوار له مع هاشم لت حول المنهج. أن «اللحظة 
الفلسفية ‏ أي لحظة التقويم الشامل ‏ تجيء بالضرورة بعد اللحظة 
التاريخية (...). ولك حتى! اللحظة الدار يض لمن قيلي العقاد الكترف تدر 
ضمناً على عناصر وبذور من النقد الفلسفي. فمئلاً» عندما أتساءل عن تنوّع 
العقلانيات أ 000 في العمتر كاتني الكلاسيكي رشافتا في ما بينهاء 


ل الات كك العقول. وهذا ا 
عمل . :. "قفن 


يبدو واضحاً هنا أن منهج النقد التاريخي «يحتوي ضمناً» على النقد 
الفلسفي الذي يقوّم مسار العقل» وآلية إنتاجه. ويكشف عن التلاعبات التي قام 
بها. لذلك كان من الضروري أن يلتزم المؤرّخ بالموقف الحيادي من دون أن 
يفضل أي نمط عقلانية على غيره. عليه إتمام عمله بالكثير من الحياد 
والموضوعية. هنا يبرز امتياز المؤرّخ عن الفيلسوف. وتظهر خصوصيته. إذ إن 
هذا الأخير بإمكانه أن يفضّل عقلانية على أخرى. أو يميل إلى منهج دون 
آخرء أما المؤرّخ فلا يمكنه ذلك. لكن نجد أنه في الوقت عينه ينفصل المؤرّخ 


(71) أركونء الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. ص .77”1١‏ 
(0/ا) المصدر نفهء ص 7147. 


1١117 


عن الفيلسوف الناقد ويمسي التاريخ عنده نوعاً من التأريخ ليس إلا. 


إن الفلسفة كما يفهمها أركون ليست بعيدة عن الواقع نيك متورع رو 
تعالجح مشاكله. لذلك جنوه السهوم المثالي القديم للفلسفة والفيلسوف 
الذي أصبح اليوم بإمكانه أن يلوث يديه بالواقع المادي. من غير أن يأنف من 
المشاكل التانهة التي يعانيها المجتمع. يلح مفكرنا على أهمية «أن يمارس 
الفيلسوف العلوم الإنسانية والاجتماعية من أجل إغناء تفكيره. ومن أجل أن 
يستمد غذاءه الفلسفي من ممارسة هذه العلوم بشكل علمي وتجريبي. . هذه هي 
إحدى أهم خصائص الفلسفة المعاصر 00 


لم يعد مقبولاً اليوم سجن الفلسفة في برجها العاجي. وإبقائها كقطاع 
معرفي معزول عما سواه. يجب أن تترك سماء الماورائيات الرحبة التي تعلو 
على هموم الإنسان وقضاياه المعاصرة. بصياغة أخرى. يجب التخلي عن 
المفهوم الحديث والمعاصر. لم تعد الفلسفة اليوم سجينة الكلام المبهم المعقّد» 
الذي يصعب تحليله لأنه «يقول كل شيء ولا يقول شيئاً يذكر». إن العبارات 
المجرّدة التي يكشر فيها الغموض والتعقيد من شأنها أن توهم القارئ أنها 
تتضمّن كل الحفائق وتفك كل الألغازء وتكشف كل الأسرار لكنها في الحقيقة 
فارغة من المعنى. هكذا فقد «أصبح الفيلسوف الآن يذهب في كل مكان 
ويستنشى هواء الداخل والخارج. ويتجول في رحاب علم الاجتماع والنفس 
والألسنيات والأنثروبولوجيا وعلم الآديان المقارنة 00 .. أصبح يشمّر عن 
ساعديه وينخرط في المعمعة كما يفعل جميع الباحثين 0 


يتوقف مفكرنا في هذا المجال عند ما قاله الفيلسوف الفرنسي بول ريكور 
(مناعمء11 1بضة2) في مقابلة أوردتها المجلة الفرنسية /م»م#ءله حول ضرورة 
انفتاح الفلسفة على العلوم الإنسانية الحديثة. يذكر هاشم صالح بعضا مما جاء 
في المقابلة : «ألمح لدى بعض الفلاسفة الفرنسيين المعاصرين ميلا للتخلي عن 
العلوم الإنسانية وهجرانها. هذا الاتجاه خطر جدا ومسيء. فعندما تنفي الفلسفة 
نفسها عن ساحة العلوم الراسخة» فإنها لن تصبح عندئذ إلا نوعا من الحوار 


(4) المصدر نفسهء ص .,7506١‏ 
() المصذر نفسه» ص .595١‏ 


الذاتي مع نفسها. ونحن نعلم أن كل الفلسفات الكبرى في تاريخ البشرية قد 
تشكلت على أساس الحوار مع العلم الراسخ والسائد في وقتها. ففلسفة 
أفلاطون لم تتطوّر إلا على أساس الحوار مع علم الهندسة والاستفادة منه. 
وفلسمة ديكارت نمت وتطوّرت على أساس الحوار والعلاقة مع علم الجبر'» 
(فيزياء نيوتن). وفلسفة بيرغسون ما كانت ممكنة لولا اطلاع صاحبها على نتائج 
علم الاحياء ونظرية التطور. 3 00 


مهمّة الفيلسوف تغيّرت عن السابق. إنه لا يتدخل اليوم إلا بعد الجميع. 
لا يصمّ له أن يتكلم إلا بعد أن يطلع بشكل كامل على ما تقوله اللسانيات 
وعلوم الإنسان والمجتمع. يجب أن يعمل على إيجاد التفسير والمعنى. إن 
ملاحظة بول ريكور التي يؤيّدها مفكرنا تشير إلى وجوب انفتاح الفلسفة على 
علوم الإنسان لكي تؤمّن التواصل مع مختلف ما ينتجه الفكر البشري. فتتفادى 
بذلك الانعزال والخروج من الواقع. 


يحصر أركون المهام الجديدة والتحرّرية التي يجب أن يقوم بها مؤرّخ 
الإسلام اليوم بثلاث نقاط أساسية تخصٌ المنهج : 

«أولاً: ينبغي عليه أن يبيّن كيف أن عمل المخيال77 وظيفته تتغلب اليوم 
كما في الأمس على عمل العقل الإيجابي أو الوضعي الذي يمارسه المؤرّخ 
الفلولوجي. وثانياً: ينبغي عليه أن يتتبّع ويدرس العمليات المتكرّرة التي يعيد 
هذا المخيال إنتاج نفسه بواسطتها ويستمر هكذا في التأثير على المسار التاريخي 
للمجتمعات. وأخيراً ينبغى عليه أن يدخل منهجية التعقلن والعقلنة ويطبّقها على 
اللميحان السوين د الاسادي' الذي ترك بويا اللعية الخوى اتعمياه الكافية 
التسكر وحية الصناعية العسيرة 311 


يلخص هذا النص المحاور التي يجب أن يركز المؤرّخ عمله عليهاء كما 


انظر تعليق هاشم صالح في : المصدر نفسه؛ ص 705 7507؛ الهامش رقم 06. 

(81) نود أن نشير هنا إلى أن هاشم صالح كان قد ترجم مصطلح «ءءتقهنعهم1» «بالمخيال»», لكنه 
قام بتعديل هذه الترجمة في ما بعدء نظرا إلى عدم تقبّل الذوق العربي لهاء فاستخدم مصطلح «المتخيّل» 
الذي يعني «مجموعة الصور والتصوّرات التي تملأ وعي الفرد والجماعة تجاه شىء محذد أو جماعة أخرى 
مثلا». انظر تعليق هاشم صالح في: المصدر نفسه, ص 2197 هامش رقم #. ١‏ 

(85) أركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي.» ص .77١0‏ 


١١6 


يبرز اتساع المجال الذي يبحث فيه. هناك نقد واضح يطاول المنهجية 
الفلولوجية التى اعتّمدت فى دراسة الفكر العربى الإسلامى بخاصة من قبل 
السكه قنو يط الفا أمنية عل الدين حار يقن اذى دوين السك 
ومدى تأثيره في الفكرء من أجل الكشف عن التلاعبات التي حصلت» فأثرت 
في المسار التاريخي للمجتمعات. 


استنئاجات 


في خاتمة هذا القسم الذي تناولنا فيه مقوّمات المنهج الأركوني» نود أن 
نشير إلى أننا لن نكتفي بما قد ورد سابقاً. لأنه في سياق الفصول التالية» ومع 
كل اتوص تقوو لبه شكون لذا بوافنة مع الجتيع :| امتبرو متكرا كج امو 
مشروع قراءة جديدة. لذلك فإن مختلف أبحائه جاءت تحمل معها طرحا 
منهجيّأ مميّزأء يهدف إلى تحقيق فكر إسلامي نقدي وحر. لم يوفر منهجاً إلا 
وتمرّس به من أجل أن يدرس عن كثب المادة التي اختارها محوراً لأبحاثه 
كلّهاء أي الفكر العربي الإسلامي. ينتقد التسرّع في تطبيق المناهج الحديثة. 
ويرفض الالتزام بمنهج واحدء فهو يدعو دائما إلى إتقان المنهج بشكل جيّد 
لكي لا تأتي الدراسة شاذة. 

لذلك كان من الضروري أن يمتلك الباحث المنهج عن طريق الصبر 
والتجربة المنتظمة» قبل البدء بتطبيقه. يقول أركون عن كيفية اختياره للمنهج : 
«إن المادة الني أدرسها هي التي تفرض علي اختيار المنهج الملائم وليس 
العكس. بمعنى آخر. فأنا لا أطبّق المنهج اعتسافاً على النص. هذا موقف 
منهجي ذو أهمية قصوى. ينبغي عدم استيراد المناهج هكذا وإلصاقها لصقا على 
النصوص والمادة المدروسة. ذلك أنه ينبغي إعطاء الكلام للنص أولا وطرح 
الأسئلة عليه ومن خلاله قبل تطبيق أية منهجية أجنبية عليه. إن المادة هى التى 
تفرض اختيار هذا المنهج أو ذاك وليس المنهج هو الذي يخضع المنادة 
المدروسة لمفاهيمه وقوالبه تعسّفاً)””". 


إن هذا الكلام واضح بما فيه الكفايةء ينتقد فيه أركون جميع جميع الذين 
تطرّفوا في اتباع المناهج الحديثة من غير أن يتمرّسوا بها أو مصراق 


(87) أركونء الفكر الإسلامي قراءة علمية. ص .55١‏ 


1١15 


ملاءمتها للمادة المدروسة أم لا. إنه يرفض كل عملية إسقاط من أي جهة 
أتت. لأن في ذلك مغالطة تاريخية يدينها العقل النقدي الحر والمنفتح على 
المعرفة. إنه ضد إسقاط المفاهيم الحديثة على التراث» كما ينتقد إسقاط 
مناهج علوم الإنسان والمجتمع من فوق أو من خارجء مع إهمال امتحان 
مدى فاعلية هذه المناهج أو عدم فاعليتها. وهوء إذ يستعين بالكثير من العلوم 
والمناهج القديمة والحديثة في آن». يهدف إلى تجاوز كل أشكال الصرامة 
النظرية والنزعة الاختزالية التي تقع فيها علوم الإنسان والمجتمع. إن الموقع 
المعرفي القلق الذي اتخذه مفكرناء يجعله لا يكتفي بمنهج واحدء بل يحافظ 
على التردّد والتساؤل والتمهّل في البحث. 


لقد شاء أن يتخذ قراراً منهجياً وإبستمولوجياً يتوافق مع صعوبة الموضوع 
الذي يدرسه وتشابكاته» وتأخر الأبحاث فى مجال الإسلاميات» وقلّة المصادر 
والرنائن» واحقبء المنازك اللطرية: والمتهسية ين كل علم مين اللو الانسائية 
والاجتماعية الحديثة. يوجز خياراته المنهجية كما يلى: «نريد ألا نكتفى بمجرّد 
الفضول الموضوعاتي (عناوناهم106) لمؤرّخ الأفكار» وهوس التقشي 
الكلاسيكى بحرفية دلالة الكلمات والبحث عن معانيها الأصلية فقط. كما نهدف 
إلى تجازز الشكلانية البتسؤدة للسوية واتعلافية عل العلذمات الذى يفيل 
الأشكال المنطقية ‏ السيمانتية للدلالة عن الشروط البسيكولوجية ‏ الاجتماعية 
لانتاجها وطريقة ممارستها واشتغالها. ونريد أن نتجتب أيضاً النسبوية الاختزالية 
أو النظرة الإتنوغرافية المخصّصة للثقافات (الأخرى)7؛", 

يهدف من خلال خياره المنهجى هذا إلى تشكيل معرفة بعيدة عن 
الأتلاق»: سعوغيةالمكتسبات"الإبجابية للماصي: وستبه إلى إتجازات 
الحاضرء وتترقب المستقبل. إن هذه المعرفة التى 08 إليها تقف موقف العداء 
تجاه الخداع وعمليات الأسطرة والأدلجة والفدسي: وهي تسعى جاهدة من 
أجل تحقيق التطابق بين الواقع والممارسة والقول. 

إن المشروع الفلسفي كما يفهمه أركون "يعني موقفاً للروح أمام مشكلة 
الكون والمعرفة. إنه موقف مفتوح على كل طارئ وجديد إلى أقصى الحدودء 
موقف لا ينغلق ولا ينحصر بأي تجربة تاريخية أو قوميّة أيا تكن عظمتها 


(6) المصدر نفسه ٠‏ ص 7777 


وضخامتها (...)0””". كما إنه لا ينحصر في منهج واحدء ولا في تفسير 
ضيّق يذعي أنه يستنفد الموضوع المدروس. لقد عمل منذ أكثر من ثلاثين عاما 
على نقد التراث المعرفى الإسلامى. رفض أن يسجن نفسه داخل أطره التقليدية 
ومواقعه الثابتة وتحديداته وماق ورؤيته العامة للعالم والوجود. لقد حاول أن 
يزحزح هذا التراث عن مواقعه التقليدية لكي يفتح له آفاقأ جديدة» فيخرجه 
بذلك من عزلته وانغلاقه العقيدي الذي طال زمنه. 

يبقى أن نسأل هنا: كيف طبّق مفكرنا مشروعه النقدي عندما فكك العقل 
العربي الإسلامي؟ ما هي بالتالي النتائج التي توصّل إليهاء والحقائق التي 
كشفها؟ وهل أدّت المناهج الحديثة مهامها جيداً في هذا المجال؟ نترك معالجة 
الأسئلة المطروحة للفصل الثاني. 


(86) أركون:؛ الإسلام, الأخلاق والسياسة. ص .١١54‏ 


١178 


الفصل الثانى 
نقد العقل العربي الإسلامي عند أركون 


يرتكز مشروع مفكرنا النقدي بشكل أساس على تفكيك بنية العقل العربي 
الإسلامى. والبحث فى آلية اشتغاله وانتاجه نمطا خاصاً من المعرفة. يريد أن 
بكر نف عند كز الشادى"واليدهتات القن سنظرك على هذا اليف وكيك 
بشماله خلال اقترة طويلة مق الرمن :لد قناء أن مغرف مشت تم هذا لفقل 
وبلوغه أوجه في العصر الكلاسيكي» ومن ثم بداية تراجعه وانكفائه واكتفائه 
بتكرار ما أنتج لا أكثر. 


استعان أركون. من أجل البلوغ إلى أهدافه المعرفية هذه. بمناهج علوم 
الإنسان والمجتمع الحديثة؛ كما تمس أيضأ في معرفة التراث» واستخدم في 
البداية المنهج الفلولوجي من دون أن يكتفي به أو يتوقف عنده. يرفض بشذة أن 
يعتبر العقل العربي الإسلامي كمعطى فوق التاريخ» يُصدر أحكاماً تصلح لكل 
زمان ومكان. لقد ركز كثيراً فى مختلف أبحاثه على تاريخية هذا العقل. وشدّد 
على تفتوعه اروف المتماغية واقتضادية وكفافية بوتاريظية ومياسية اعديل: 
أسهمت في تبدله. لم يجد أن هناك عقلاً عربياً إسلامياً واحدأ. بل هناك عقول 
كثيرة تتنافس في ما بينها عبر التاريخ. لكي يُثئبت كل عقل صحة مبادئهء 
ويدحض مبادئ العقل الآخر أو يكمّله فيضاهيه. 

لم يحقّر مفكرنا البنية الأسطورية لهذا العقل. كما لم يرمها في دائرة 
المستحيل التفكير فيه. بل تعاطى مع القصص والمتخيّل والرمز والأسطورة» 
بكثير من الموضوعية» مستفيداً بذلك من مكتسبات علم الألسنيات والسيميائيات 
وبخاصة الأنثروبولوجيا الدينية. 


١114 


يرى أن أساس الفكر الإسلامى وتطوّره مرتبط بمبدأ «الإيمان المتمثّل 
بالأصل الإلهي للعقل. والدعم الإلهي للعقل. هذا الإيمان المتجسّد في نص 
لغوي محذد تماماً هو القرآن. ثم جاء الشافعي وأضاف إليه السئّة. ضمن هذا 
المعنى وهذا المنظور يمكننا أن نتحرّث عن عقل إسلامي)27. 

انطلاقاً من هنا يمكن أن نسأل عمًا إذا كان هناك من فرق بين مفهوم 
العقل الإسلامي ومفهوم العقل العربي. بالنسبة إلى مفكرنا هناك أمور أساسية 
تميّز الأول عن الثاني. يلتزم الأول بمعطى الوحي ويعتبره بمثابة الأصل لأنه 
آلهى؛ وما دور العقل فى هذا المجال إلا خدمة الوحى عن طريق فهمه وتفسير 
تعاليمه وأحكامهء ومن ثم القيام بالاستنتاج واستنباط الأحكام منه. فالعقل هنا 
«تابع وليس بمتبوع»؛ شأنه في ذلك شأن العقل المسيحي والعقل اليهودي. 
فهما يخضعان للوحى. «أما العقل العربى فهو الذي يعبّر باللغة العربية أيا تكن 
نوعية المعطى 'الفكري الخارج عنه والذئ يتققد بد..وهكذا تجلا المسيحيين 
واليهود ينتجون علومهم الدينية باللغة العربية (...)70". 


يشير أركون في هذا المجال إلى أن العقل العربي هو عقل ديني» أو لم 
حاون لغابة:الان- الموحلة الدهية من الوتعود: للك كاذ من المجتحيل على 
المفكر الباحث أن ينتقد العقل العربى بعيداً عن انتقاد العقل الدينى. أي 
الانتاذسى. تن ها برق أنه انق لتقل اللؤهوتى لقو وستطى السفظل علنا ميد 
بذات الست يشكل الميظة الكبرى للفثافة المزينة بمجملها: ومن دون القيام 
بهذا العمل فلا تحرير ولا خلاص”". 

إن عملية نقد العقل الدينى ليست مريحة أو آمنة. إنها تتطلب الكثير من 
التجهود. والقزة على تحمل الصعوبات :والمتغاطر بالطبع» إن عملا كهذا لن 
قباد تستمؤولة م ف المسلطات الدضية نولا السكاسة كاتف السرسون 
التقليديون البعيدون عن روح النقد المنفتح يصعب عليهم كثيراً أن يتقبّلوا نتيجة 
نقد عقلهم الديني. 


)١(‏ محمد أركون» تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومي . كمةكا/ل ص 16. 

)١(‏ محمد أركون» أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ : من فيصل التفرقة إلى فصل المقال. ترجمة 
وتعليق هاشم صالح (بيروت؟ لندن : دار الساقي» ٠ .)١‏ ص 2617 . 

(*) محمد أركون» قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم؛ ترجمة وتعليق هاشم 
صالحء سلسلة نقد الفكر الديني (بيروت: دار الطليعة؛ .)١99/‏ ص 57١‏ 


١ 


إن مفكرنا يستخدم مراراً مصطلح العقل الإسلامي لأنه يعتقد بعدم جدوى 
نقد العقل العربي وتحريره ما لم يبداً الباحثون أولا بنقد العقل الإسلامي انطلاقا 
من المعنى التاريخي والفلسفي لكلمة نقدء وليس انطلاقاً من مفهوم التجريح 
والاستهتار. كذلك لم يشأ أن يتوجّه في مشروعه إلى العرب من دون سواهمء 
بل قصد أن يطاول جميع المسلمين من خلال مؤْلّفاته. فلم يُهمل الأتراك 
والإيزانيين والباكستانيين والأندوتسيين وغيرهم: 


نود أن نشير فى هذا المجال إلى أن تعبير الفكر الإسلامى الذي نجده فى 
مؤلفات أركون. يعني كل فكر عربي» أو إيراني» أوتركق: أو غيرة» سيطرت 
عليه مسلّمات الإيمان الإسلامى. لقد ركز عمله على تحرير هذا الفكر من كل 
ما يحول بينه وبين التجدد. فطموحه يتجاوز الفكر العربي ليشمل كل الفكر 
الإسلامي؛ على الرغم من أن معظم المادة التي بحث فيها كُتبت باللغة العربية. 
«عقلاً خصوصياًء مميّراً أو قابلاً للفرز والعمتير لذي المسلمين عن عيرهه: 
فالعقل بالمعنى العام ملكة مشتركة لدى كل البشر وإنما التمييز أو الفرق كامن 
كله في النعت: أي الإسلامي. نقصد بذلك أنه كامن في المعطى القرآني وفي 
ما كنت قد دعوته بتجربة المدينة» هذه التجربة التي أصبحت في ما بعدى 
وبفضل العمليات المتتابعة للاجتهاد : : (نموذج المدية 1 


هنا تكمن نقطة البداية في منهج مفكرناء أي العودة إلى النصوص 
التأسيسية. وإلى التراث الإسلامي ككل. على المفكر المسلم أن يطلع على 
سائر ما يخص معرفة النصوص التراثية وشروط عملية الاجتهاد الكلاسيكي 
لذلك لم يعد مسموحاً التغاضي عن النصوص القذ يدك واعق از ماد تف اذ شامره 
أو مؤلفات ترائية عفا عليها الزمن. يجب أن يُفهم الانتقال من مرحلة الاجتهاد 
الكلاسيكى إلى مرحلة نقد العقل الإسلامى كونه امتداداً للاجتهاد الكلاسيكى 
وتطويراً له. يرفض أن يُحدث قطيعة عشوائية مع التراث ولا يريد أن يقفز عليه 
بشكل متهوّرء وهو ينتقد في الوقت عينه جميع الذين وقعوا في هذا الخطأ 
المنهجي. يمكن أن نلحظ من خلال مؤلفاته أنه يحترم تراث الأوّلين ويقطع معه 
في أن معاء وهذا ما يميّز مقاربته النقدية للفكر العربى الإسلامى. 


(4) محمد أركونء من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي. ترجمة هاشم صالحء بحوث 
اجتماعية ؟؛ 1١١‏ (بيروت؟؛ لندن: دار الساقى» )١15 5١‏ ص .١8‏ 


١1١ 


في سياق التحدّث عن القطيعة. يشير أركون إلى قطيعتين في تاريخ الفكر 
العربى الإسلامى. لقد عرفت الفترة العثمانية الممتدذة من القرن الثالث عشر إلى 
القرن التامسع :مغر قطيعتان رئيستان» لا يزال العالم العربي الإسلامي يعانيهما 
حتى اليوم. إن هذه الفترة الطويلة تحتاج إلى دراسة معمّقة. وذلك لأن 
المجتمعات العربية والإسلامية قد نتجت منها مباشرة» وبالتالي لن يتمكن 
الباحث من فهم العراقيل والصعوبات الحالية بعيداً عن هذه الفترة. ما أنجز حتى 
0 الحقبة من التاريخ بلقب الانحطاط». وهذا لا يكفي. 


يرى مفكرنا أن القطيعتين اللتين قد حصلتاء كجبّلتا العقل العربي الإسلامي» 
وأعاقتاه عن النمو. «القطيعة الأولى داخلية» والثانية خارجية. لقد انقطع الفكر 
الإسلامى فى المرحلة العثمانية عن أفضل ما انتجه الفكر الإسلامى ذاته فى 
المرحلة الكلاسيكية» (...) وأما القطيعة الثانية فكانت مع الخارج؛ أي مع 
أورويا. فقد نام الفكر العربي الإسلامي وجمد ولم يعْد يعرف ماذا يحصل حوله 
من اكتشافات علمية وتطوّرات فلسفيّة)0©, 


يعتبر أن العصر الذهبي الذي أنتج فيه العقل العربي الإسلامي أهم 
ابداعاته كان العصر الكلاسيكي الذي تميّز بالمناظرات المعرفية» والانفتاح » 
وبالنزعة العقلانية التي أضفت على هذا العصر طابعاً فريداً. لكن» بدلاً من أن 
يتابع العقل مساره نحو المعرفة الحرةء بدأ يتراجع ويتقوقع داخل أنظمة فكرية 
محجّرة أوقفت نموّه». وأرجعته خطى عديدة إلى الوراء. لقد أصبح العقل 
العربي الإسلامي يجترّ ما كان قد أنتجء ويكتفي بما قد سبق. فانحرف بذلك 
عن مساره. 


00 2217 


١‏ مرحلة القرآن والتشكيل الأوّلي للفكر الإسلامي. 
؟ ‏ مرحلة العصر الكلاسيكي. أي عصر العقلانية والازدهار العلمي 
والحضاري 


(4) أركون. نضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم» ص 45-594. 
(5) نشير هنا إلى أننا سوف نأتي على ذكر هذه المراحل الخمسء ونفضّلها لاحقاً في سياق هذا 
الفصل عندما ستتكلّم على تاريخية العقل العربي الإسلامي. 


١71 


* - مرحلة العصر السكولاستيكيء التكراري والاجتراري (أو ما يُدعى 
بعصر الانحطاط) . 


؛ - مرحلة النهضة في القرن التاسع عشر وحتى الخمسينيات من هذا القرن 
[القرين العشرين]. وربما كان ينبغي أن نضيف إليه مرحلة خامسة يمكن أن 
ندعوها ب «الثورة القومية» (عبد النصر ١965”‏ ٠١1917١ء‏ ف «الثورة الإسلامية» 
في إيران ١910(‏ وحتى اليوم) (...) المراحل الثلاث الأولى (...) هي 
المراحل التي تأسّس فيها العقل الإسلامي وتبلور وترسّخ (...))”". 


من الواضح أن أركون يعتمد في تحقيبه هذا على «الإبستمه' أو «نظام 
الفكر) كما بلوره الفيلسوف الفرنسى ميشيل فوكو (1ناةعنده5 [عط8410). إنه 
بع تتظم التسلمات الفمية الى تسدكم يمجمل ما يقح الفكر خلال خزة 
زمنية محددة» وذلك بشكل مخفيء. من دون أن تبرز بوضوح. إن محاولة 
الكشف عن هذه المسلمات الضمنئية» وفرز إنتاجات العقل انطلاقاً منهاء يُعتبر 
من أهم مكتسبات علم الإبستمولوجيا التاريحية الذي يدرس مسيرة العقل عبر 
التاريخ ويكشف عن المواقع التي لا تزال منسيّة أو مجهولة وهي تنتمي إلى 
الواقع التاريخي. 


يمكن أن نلحظ أن مصطلح «الإبستمه» يطرح بقوة مسألة القطيعة/ 
والاستمرارية في تاريخ الفكرء وهي تُعتبر من المسائل الإبستمولوجية الأكثر 
صعوبة» إنها تشغل الفكر الغربي بقوة. لقد استفاد مفكرنا منها في أبحاثه 
وتنقيبه داخل الفكر العربي الإسلامي؛ كما استفاد من مختلف المناهج 
الحديثة. 


عندما أردنا أن نطرح إشكالية العقل في دراستنا هذهء واخترنا أن نتوقف 
عند نقد العقل العربي الإسلامي عند محمد أركونء لم نشأ أن نكرّر ما سبق أن 
أوردناه في بحث سابق لنا"» إنما نهدف من خلال ذلك إلى تفصيل الكلام 
على المنهج الذي اتبعه مفكرنا في عملية نقد العقل العربي الإسلامي. نشير هنا 
إلى أن محور هذه الدراسة هو البحث في خصوصية المنهج النقدي العربي 


() المصدر نفسهء» ص 187, 


(8) انظر : نايلة أبى نادرء «مدخل إلى دراسة فكر محمد أركونء' إشراف د. وليد الخوري (رسالة 
ماجستير غير منشورة» الجامعة اللبنانية» كلية الآداب ‏ الفرع الثاني؛ »)١19944‏ الفصل الثاني. 


1١7 


لاجد لاه ينغي ل تلق بمو فك قنار دعن افك ار سبي اسفاها بكي 
نالجع لعاريفة القل الأسلدي كمرسلة اول بوعل تسرف عرقت عمد 
إقارة كوه كلوه اعفن الكداني والعمن (التشاعي في ناريك الفكر لاقي 
كمرحلة ثانية؛ لكى نتطرّق فى ما بعد إلى الأسس الأنطولوجية للممارسات 
العقلانية في الإسلام والإشكاليات المترثّبة عليهاء ونختم من ثم مع مفهوم 
أركون للعقل المنبئق. 


أولاً: تاريخية العقل الإسلامى 


إن من يتمرس بما أنتجته الحدائة من ثورات فكرية مهمة» ويتعمّق مليّأ 
بمناهج علوم الإنسان والمجتمع. ويطلع عن كثب على آخر المؤلّفات التي 
تصدر في الغرب .حول نقد الفكر الديني. ويتأثر إلى حد بعيد بمدرسة 
التتولبات القزلسية:» لا يمكتدربالتاكيك' إلا أن مضع العقال الاسبلادي :داتخل 
تاريخ الفكر وليس خارجه. بتعبير آخرء لقد أدخل مفكرنا العقل الديني في إطار 
التاريخية والتبدّل عبر الزمن وفقاً لشروط اجتماعية وثقافية وسياسية محدّدة. أراد 
أن يركز على نسبية هذا العقل. وعدم تمركزه فوق التاريخ؛ وإصداره أحكاماً 
مطلقة تصلح لكل زمان ومكان. وقف بشذة في وجه المنظور اللاهوتي التقليدي 
وهو يطمح إلى إحداث «زحزحة إبستمولوجية» في ساحة الفكر الإسلامي. إنه 
يرى أن التحرّر من المنظور التقليدي للأمور سوف يؤدّي إلى نتائج فكرية مهمة. 
لا يجوز أن يبقى السئي راسخاً في اعتقاده أنه هو وحده المسلم الصحيحء أما 
الباقون فمنحرفرن عنه قليلاً أو كثيراً. كما إنه لا يجوز أن يظل الشيعىّ يعتقد 
الشيء عينه. ١‏ 

لقد بات من الضروري أن يعترف كل مذهب بتاريخيته لكي يعقل نسبيته. 
ويعى أن هناك مذاهب أخرى سواهء تفرّعت من الأصل ذاته أي القرآن الذي لا 
مكو ره الا الم" ولا _الجيمي: لأنه مشترك بين الجميع. إنه بمثابة الأصل 
لكل الفروع. فالأصل يوحّد أما الفروع فتفرّق» من هنا نستنتج أن الأصول هي 
أهم من الفروع. لذا فإن الاعتراف بتاريخية كل مذهب من شأنه أن يوحّد الوعي 
الإسلامي ويساعده على تجاوز ما يعانيه من تمزقات مزمنة. 

إن مشروع أركون النقدي يتمحور حول «دراسة شروط صلاحية كل 
المعارف التي أنتجها العقل ضمن الإطار الميتافيزيكي والمؤسّساتي والسياسي 


١7 


الذي فُرض عن طريق (...) الظاهرة القرانية والظاهرة الإسلامية)”". إن 
تار يخية العقل الإسلامي. 


١‏ الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية 


يعتبر مفكرنا أن بداية الظاهرة القرآنية كانت شفهية» وهي عبارة عن سلسلة 
من الآيات الشفهية التي تلقّظ بها النبي. فالقرآن بتع ها دينياً غنيّاً عابقاً 
بالمجاز» لغته تتميّز ببعدها الرمزي الذي عجزت المنهجيات الآلسنية والفقهية 
اللغوية أن تسبر كل أغواره حتى الآن. فالخطاب القرآني يرتفع بالبعد الرمزي 
إلى مستوى عالٍ يفوق الوصف. شأنه في ذلك شأن التوراة والأناجيل. لذلك 
فإن الظاهرة القرانية هى ظاهرة متعالية ا حصرها فى تفسير واحد لأنها 
متكراحة على الدلالات السععوية كلباء: فنا نيا متفوحة على الكاتن المظلق” 
الله. «فالقرآن ليس كتابا في علم الفيزياء أو الكيمياء. ولا في علم الاجتماع 
والاقتصاد. وهو لا يفرض نظاماً اقتصادياً محدداً دون غيرهء ولا نظاماً سياسياً 
معيّناً. هذه أشياء متروكة للبشر لكي يحلوها طبقاً لقوانين علم الاقتصاد 
والاجتماع والسياسة. القرآن هو أولاً وقبل كل شيء خطاب ديني يتحدّث ببلاغة 
عالية عن موضوعات أساسية تخص البشر أينما كانوا كالحياة» والموت» 
والآخرة؛ والعمل الصالح. (...)70'". 

أما الظاهرة الإسلامية فهي تاريخية بشكل كامل» أي إنها تجسّد خطأ واحداً 
من خطوط المعنى التي تتضمئها الظاهرة الأولى. من غير أن تجسّدها كلها. بتعبير 
اخرء إن الظاهرة الإسلامية هي تجسيد للظاهرة القرانية من خلال الوساطة 
البشرية؛ أي من خلال فعل التفسير الذي يقوم به البشرء وهم الفقهاء 
والمتكلمون. لذلك نجد أن الظاهرة الإسلامية» على خلاف الظاهرة القرانية» 
تنقسم إلى خطوط ومذاهب عذة نذكر مثلاً: الخط الشيعي. والخط الستي» 
والخط الخارجي. وكل ما نتج من هذه الخطوط. هذا الأمرء دليل واضح على 
تاريخية الظاهرة الإسلامية التى تجسّدت من خلال فئات اجتماعية محددة» راحت 
كل «واحنة توهم المؤمين: بأنها :تلك المشروعية الديية بسكل كاضل واستعال أن 


(4) أركون؛ تاريخية الفكر العربي الإسلامي؛: ص 14. 
)3١(‏ أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم: ص 587-57485. 


١ 


الواقع ف إلى أنها حركات سياسية بحتة » أ الأحزاب لاهوئية - سياسية ). 


عرق انكو قار كره الماهزة الاتنادهة كوو :ف اتخرية لسار الى 
عاشها النبي. «وهذه التجربة هي أساساًء تجربة رجل اسمه محمدء مواطن من 
مكة. وقد استطاع بدءاً من عام (177م) أي العام الأول للهجرة أن ينجح في 
عملية ذات نمط تاريخي ومرتبطة بقوة الخطاب الديني المكتف فى القرآن. 
لكقس مده العكلية الث ريده اناف مويه كله لووول ال 7 


إن علماء الكلام والفقهاء لا يمكنهم أن يوافقوا على هذا التمييز بين 
الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية» لأنه يفرّق بوضوح بين كلام الله المطلقء 
وبين تفسير رجال الدين لهذا الكلام. لقد اعتبر مفكرنا أن الظاهرة الإسلامية هي 
تجسيد تقريبي للظاهرة القرآنية في التاريخ. إنها «محاولة غير دقيقة وغير مطابقة 
فقط حرفتيه. هذا الخطاب الذي يستعصي على كل التفاسير»”"''. من هنا نجده 
في معرض تمييزه ما بين الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية يركز على ثلاث 
نقاط أساسية ينطلق منها: 

أؤلاً: هناك فرق بين" الظاهرتيق :مق التاحية اللغوية» :إذ إلة«من” السنهلن 
أركون أن يتكلم على إعجاز القرآن. بل يهدف إلى أن يشير إلى كل ما يميّز 
أم الإيقاع. فالمجاز يؤدي دوراً حاسماً في بنية الخطاب القرآني عندما يسمح 
بتغيير الوقائع الوجودية اليومية ويصعّدها فيجعلها متسامية» فيتأسّس بذلك وعي 
دينى جديد. 


ثانياً: نجد من الناحية السيميائية أن هناك خطة معيّنة متبعة من أجل 
توطيلن الرسالة 0 عه الخطاب القراني الله 7 الفاعل المرسل ينواضل 


)١١(‏ محمد أركون, العلمنة والدين (الإسلام» المسيحية. الغرب). ترجمة هاشم صالح (بيروت؛ 
لندن: دار الساقيء .)١199٠‏ ص 44. 

(10) محمد أركونء الإسلام» الأخلاق والسياسة. ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنما 
القومي» .6١994٠‏ ص 54. 


١75 


الثاً: يتبيّن من الناحية التاريخية أن القرآن قد خلع غطاء التعالي على ما 
قام به النبي من أعمال وممارساتء. ما جعلها متسامية ومرتبطة بالله. أسماء 
الأماكن. والتواريخ» والأحداث الفردية مُجيت ولم تعد مهمّة. فتُزعت عنها 
الصفة التاريخية. هكذا أصبح من واجب المؤمن أن يربط كل ما هو في هذا 
العالم بالخالق المطلق» وأن بتبع أحكام القرآن التي تصلح لكل زمان ومكان» 
لأنها فوق التاريخ. 

أما فى ما يتعلّق بالظاهرة الإسلامية فالأمر مختلف. إذ إنه بعد موت النبى 
ويك الحطاب القرآني يمارس دوره «كقوّة منظمة أو مشكلة ترسّخ 0 
حالة الآتعاق ممق الأحدات: المغاشة مد قبل جشاعة «المومعين 1" لد 
أصبح مرجعاً مميّزأ ومكاناً نُسقط عليه مختلف التصوّرات والمفاهيم والأفكار 
التي تعيشها العواصم الحضرية التي نشأت حديئاً كدمشقء وبغدادء 
والبصرة. .. إلخ. وهي مختلفة عن تلك التي كانت سائدة زمن النبي. 


يمكن أن نستنتج إذاً أن العقل الإسلامي الذي عمل على تفسير الظاهرة 
القرانية في سبيل تحيينها وتجسيدهاء هو عفقل تاريخي» يخضع لمشروطية 
التاريخ البشري» ولا يمكنه التعالي عليها. يعتبر أركون أن الخطاب القرآني قد 
كرّس تراتبية هرمية أنطولوجية تظهر من خلال مستويين: 

المستوى الأول. وهو الأرقى لأنه على علاقة بالكائن المطلق والمنرّه 
والمتعالى. 


أما المستوى الثاني؛ فهو الأدنى لأنه مرتبط بالتاريخ وبالعمل التاريخي 
المحسوس. البعيد عن كل ما هو نظري ومثالي. إن الخطاب القراني يتضمن 
لخو هذى الفرهةة وتحرة السدمة اتستدها تار رش +قلة التسوية التى متك 
في ما بعد أنموذجاً أعلى يجب التمثّل به. 1 


نلحظ أن مفكرنا يؤكّد مراراً تاريخية العقل الديني ما يسمح له بإخضاعه 
ونقدهء ومقارنته بالعقل الأيديولوجى. 


(*1) محمد أركون, الفكر الإسلامي قراءة علمية؛ ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومى. /ا4 )ل ص ”/ا. 


1١77 


* - العقل الدينى والعقل الأيديولوجى 


إن العقل الدينى. كما يراه أركون. هو عقل لا يمكنه الانفصال عن 
الترات فهو ايقبع :تحت كل أشكال العراك أو يقف وراءهاء وهو في الواقت"ذاته 
يمثّل نتيجتها أو محصّلتها. والحقيقة» بالنسبة إلى هذا العقل. هى واحدة لا 
تفجرا ولا يمكن زذها إلى أي لنىء آخر أذ إلى آي نحقيقة اندر 17 


لذلك إن مقاربة العقل الديني لأي موضوع هي أحادية الجانب» تلغي كل 
ما سواهاء وتحصر نفسها ضمن إطار ضيّق من التفكير. هذا التعاطي منافٍ 
لطبيعة الدين المنفتحة في حذ ذاتها. يبحث العقل الديني عن بناء غان مامون 
في إطار سياج لوكو محذد. من دون أن يطرح السؤال حول الفرضيّات 
المسبقة». والمسلّمات واليقينيات التى تضمن إمكانية ممارسة «الفاعلية التأمّلية - 
الاستدلالية» من داخل هذا السياج بالذات. 


إن الدين بالنسبة إلى مفكرنا هو تلك «الرعشة الدينية العالية والمنزّهة أو 
#التسزنة المشرية” لما هوا ال 015 لكر اير عل العف الدييةة الأنياء كنا 
المفكرون والعلماء الكبارء 1 إن لحظة الكشف العلمى أو الفلسفى هى لحظة 
دي هنا لك الدية اهاوه مؤسسة أو تزكية الاقوي رمس هر ام يكل 
تماماً. فالدين عندما يصبح مؤسّسة تضم أفراداً كثراً لهم مصالح خاصة؛ وتدخل 
في علاقة مباشرة مع السلطة. يفقد الكثير من بعده الروحي ويتحوّل إلى 
أيديولوجيا. 


إن الأيديولوجيا هي «مجموعة من التصوّرات الخارجة عن مراقبة العقل 
النقدي (. ..) والتي تهدف إلى تجييش المتخيّل الجماعي بشكل أفضل 
والتوضّل إلى الخلاص النهائي والأخير (أي الخلاص في الدار الآخرة) بالنسبة 
إلنا لأديان التفليوي أرقن هذه الهياة الأرفيدة بالسة إلى الأكرانة الحييقة 
كما تعبّر عن ذاتها من كول العتساناته السناسنة العام ان 


يبرز جليّاً هنا أن العقل الأيديولوجي يتحرّك ضمن حقل أوسع من حقل 
)١4(‏ أركرنء قضايا في نقد العقل الديني : كيف نفهم الإسلام اليوم؛ ص 7714. 


,7237 المصدر نفسةء ص‎ )١6( 
7750 المصدر نفسهء» ص‎ )١( 


العقل الدينى» لأن بإمكانه أن يشمل مختلف الأيديولوجيات الدينية وغير 
الدينية. ينتقد أركون العقل الديني لأنه يحاول أن يكرّس نوعين من الغموض. 
فهو يعمل من جهة على خداع المؤمنين بأن الأديان لا علاقة لها بالأيديولوجياء 
ولا يمكن أن يحجّمها أحد في إطار أنظمة أيديولوجية محددة. وهو يقوم من 
جهة أخرى بتحريف وتحوير القيمة والوظيفة الأساسية للدين عن مسارها 


الصحيح. لذلك نجده يشدد على التمييز بين مَعنّيين للدين والفصل بينهما 


هناك أولاً المعنى الروحي المنرّه والمتعالي؛ وهناك ثانياً المعنى القانوني» 
والمؤسّساتي الذي تجسّده السلطة الرسميةء وهو الذي يقوم في أغلب الأحيان 
ا ارو كلاه الله 0 أن 1 ا ل 
ا ع و ل 0 
المجتمعات الإسلامية محل ما يدعونه ب «احكم الله»» وراح رجال الدين 
يقنعون المؤمنين بأنهم يحكمون باسم القدرة الإلهية. أما الواقع فهو مختلف 
عن ذلك تماماء «فهم بشر ويستخدمولن التكتيكات البشرية والتقنيات السلطوية 
والمناورات السرية ذاتها التي يستخدمها أي حزب سياسي علماني (.. ( 
وتالعالي كنيدي برع الفناع عن الأشياء لكي ثرى على حقيقتها. ا 
لادب جيودا جاه وزمناً طويلاء ل 1 أوروبا (.. 8 
وينبغي أولا ل رم الفكر قبل أن تُترجم على أرضيّة الواقع 
السياسي المحسوس. هذه هى المهمة الكبرى ل «نقد العقل الإسلامي" بالمعنى 
الفلسفي العميق 0 


يمكن أن نلحظ». من خلال هذا النص» مدى صعوبة المشروع النقدي. 
ببعذديه التاريخي والفلسفي. فهو يتضمّن الكثير من المعارك والمواجهات مع 
مشروعيات احتلت الساحة الفكرية وسيطرت على عقل المؤمنين. إن هدف 
أركون صعب المنال». فهو يتصذّى لطبقات متراكمة من الأنظمة اليقينية والبديهية 
التي تعتبر نفسها أنها قبضت على الحقيقة المطلقة التى تستحق أن يُبذل في 
يلها الغالى والوحيسض :من ساايكا الف الشاشر وغلافته ينوم 


(10١1)المصدر‏ نفسه» ص 54 


ريل 


الحقيقة . إذ إن كل من له يؤمن بهاء يستحق الاضطهاد حتى الموت. 


يعتبر مفكرنا أن العنف والتقديس» والحقيقة تشكل أركاناً ثلاثة لا يمكنها 
أن لعل عن بعضهاء وهي تؤمّن الدعم الأساس لوجود الجماعة المؤمنة» 
وتحقّق لها الأمل بالنجاة في الدار الآخرة. «العنف» التقديس» الحقيقة: هذه 
هي الأركان الثلاثئة لكل تراث مشكل ومشكل للكينونة الجماعية» أو للوجود 
الجماعي على الأرض. ولا تخلو منها أمة من الأمم أو ق قبيلة من القبائل أو دين 

من الأديان. والجماعة مستعذة للعنف من أجل الدفاع عن حقيقتها 
المقدّسة (...) العنف مرتبط بالتقديس والتقديس مرتبط بالعنف» وكلاهما 
مرتبطان بالحقيقة أو بما يعتقدان أنه الحقيقة)”*"). 


تجدر الإشارة هنا إلى أنه حتى العقل المرتكز على مكتسبات الحداثة» 
يصعب عليه التحرّر بشكل كلى من هذه الأركان الثلاثة» إذ إن الأيديولوجيا 
السياسية الحالية هي التى نؤتن لها المشروغية فى الغرب. تر فى هذا المجال 
أن أركون لا بحصر مهامه فقط في نقد العقل الديني الإسلامي» إنما يوسَع 
دائماً حقل نقده ليطاول عقل الحداثة بمختلف تجلياته في المجتمع. يمكن أن 
نفهم هناء عدم توقّفه عن نقد مفهوم «الدين الحق»» والوظيفة الأيديولوجية التي 
يؤذيها في المجتمعات الإسلامية. إن كل ما يضعه الفكر الديني في دائرة «الدين 
الحق'. هو أيديولوجيا تقتنع بها كل جماعة دينية لكي تفرض تفوّقها على 
الجميع. يجتهد علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع في الكشف عن مضمون 
الوظيفة الأيديولوجية للدين الحق التي يتجاهلها الخطاب الديني بشكل عام. 


يشدّد مفكرنا في أكثر من مناسبة على ضرورة القيام بنقد العقل الديني 
وعدم الاكتفاء بالخضوع له من دون كيف. والنقد هنا لا يعني الهدم. بل هو 
الكشف عن آلية اشتغال هذا العقل وتحديد مكمن الخلل فيه. يعتبر أن العقل 
الديني «هو ذاته في جميع الحالات». بمعنى أنه يشتغل عن طريق الآليات 
الداخلية ذاتها. إنه يستوعب التركيبات الخيالية» ويسبح في بحر من الحقائق 
المتخيّلة» وبتعامل مع الكائنات والقوى الرمزية أو القصصية والخارقة 
للطبيعة» ويعتقد بأنها قادرة على أن تحكم الكون. وأن تولد المعجزات طبقا 
لمنطق المعرنة العجائبية والأسطورية. من المهم أن نؤكّد هنا أن الدين هو 


.59"60 المصدر نفسه.ء ص‎ )١8( 


نظام من العقائد/ واللاعقائدء أو نظام من الاعتقاد/ واللااعتقاد»”*". 


لا شك فى أن الحديث عن «التركيبات الخيالية»). و«الحقاتق المتخيّلةا» 
والقضة» ليت فى إطار البحث فى العقل الدينى» يشكل أمراً مستجداً فى 
جاكة لد العو ال سلاتوي. ومو ال كيه جر قوفن زول لمتشا الل 
لقد أصبح مقتروع نقد العقل الإسلامي أمراً ملحا يوماً بعد يوم» نظراً إلى تراكم 
دائرة اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه» لذلك كان من الضروري أن نعرض 
هنا أهم أسس عملية نقد هذا العقل. 


٠‏ مشروع نقد العقل الإسلامي 


نود أن نشير في البداية إلى مشكلة يعتبرها أركون خطيرة» وهي مفهوم 
الاجتهاد كما يمارسه الفقهاء الذين يرونه اميتازاً حصرياً بهم فقط. أنهم يزعمون 
بغرور واضح بأنهم يستطيعون التماس كلام الله مباشرة» كما إنه بإمكانهم أن 
يفهموا بشكل مطابق كل مقاصده العلياء ومن ثم يقومون بتوضيحها من خلال 
القانون الديني. كذلك يعتبر الفقهاء أنه بمقدورهم أن يثبتوا القانون الإلهي الذي 
يخصٌ الأحكام الشرعية التي تسيّر تفكير وتصرّف المؤمنين الخاضعين لطاعة 
الله. من هنا تأتي مهمّة الباحث المفكر لكي يتتبّع في كل ظرف» وعند كل من 
يمارس الاجتهاد. عمليات الانحراف الأيديولوجي التي ترافق هذه التمارين 
الذهنية التي أضفى عليها الفقهاء طابع الاحتكاك المباشر للروح البشرية مع 
الكلام الإلهي في سبيل فهمه على حقيقته. 


لذلك يرئ مفكزنا أنه لآ يمك اغتبار الاجتهاد: كما طيق سابقاً وخاضراء 
مجرّد تفكير ذهني في مواضيع لاهوتية ومنهجية بعيدة عن الواقع الاجتماعي 
والسياسي. لا يجوز القبول بتعريف الاجتهاد كاتصال مباشر بين روح الفقيه 
وكلام الله من أجل التوصّل إلى الفهم الصحيح الذي يطابق المقاصد النهائية 
للنص. هذه المقاصد النهائية التي تؤسّس القانون الديني وتحكم في شرعية 
سلوك البشر وأفكارهم طوال عمرهم. إن أهم ما يقوم به المفكر المسلم اليوم 
فى مجال نقد العقل الإسلامى على حد تعبير أركون» هو الانخراط «فى تلك 
المؤقة (العرطة بو المعيكلة بوعرهة فيرط الاأجتدواذ الظري ودود ف الميعال 


.5١9 المصدر نفسه.؛ ص‎ )١9( 


١7١ 


اللاهوتي ‏ القانوني الذي حخصر فيه من قبل الفقهاء. إلى مجال التساؤلاات 
الجذرية وغير المعروفة حتى الآن من قبل التراث الإسلامى: قصدت إلى مجال 
العيناؤلات النخاصة ' حقة لعفل الإندلكيق) 21 لم بعد نموا الوم آلا نئل 
الفقيه عن صحة شرحه أو عدم صحته» وألا يبحث في نسبة تطابق أحكامه مع 
مقاصد الله أو عدم تطابقها. لا يهتمّ المجتهد ولا يقلق في شأن توفر كل 
المشروعية اللاهوتية» والإمكانية الإبستمولوجية لدى كل عقل بشري أراد أن 
يتصدى لتفسير المقاصد الكلية لكلام الله. 


يشير مفكرنا في هذا المجال إلى أن مسلمي اليوم يرون أنه من الصعب 
جداً القيام بأي محاولة تفصل بين المكانة اللاهوتية للخطاب القرآني؛ وبين 
مكانة العقل البشري الذي يخضع لشروط تاريخية ولغوية محددة في كل مرّة 
يدح نبي حل وإبعب ردك على العيل الالو لكر "لفل عدر روفي ندا 
المجال لأن الخطاب القرآنى متعال ومنرّهء بينما الخطاب الفقهى تاريخي 
يلضع الظروت سيايية والتضنافية واعيماطية "لا يجوز التخاصي عتها: .إن 
الاجتهاد كما تبلور في الفكر الإسلامي «هو فعل من أفعال الفكر النظري 
الموجّه نحو المعرفة. إنه البحث عن الأسس الإلهية والمعرفية من أجل تبرير 
الأحكام الشرعية. وهو بهذا المعنى يشكل ممارسة مشتركة لدى كل المؤمنين 
الذين يقفون وجهاً لوجه أمام الكتاب الموحى”'". 

لذلك كان تأثير الاجتهاد في الملايين من المؤمنين كبيراء فأنتج أنظمة 
معرفية وعقائد شعبية انتشرت بين الناس بواسطة خطبة الجمعة والأحاديث 
اليومية. إن هذا الانتشار قد أدَى إلى ترسيخ القوانين الأخلاقية التي وضعها 
الفقهاء مع كل اليقينيّات المتعلقة بالله والإنسان والعالم. هكذا يؤدي الاجتهاد 
دوراً كبيراً في التأثير في فكر المؤمنين وسلوكهم. 

نجد أركون يصرٌ على ضرورة «تجاوز المفهوم التقليدي للاجتهاد 
والممارسة العقلية المحدودة المرتبطة به» وذلك عن طريق النقد الحديث 
للعقل. لا ريب في أن العمل التفسيري الذي أثاره القرآن هو عمل من أعمال 
المعرفة. بأعلى درحاتها»'"". إثتجاوز المفهوء التقليدي للاجتهاد» و السسي إلى 


.١7 أركون, من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي. ص‎ )3١( 
.١٠١5 المصدر نفسهء ص‎ )؟5١(‎ 
.97 زققة المصدر نفسه.» ص‎ 


خرن 


تجديده لن يتمٌ بسلام لأنه سوف يزعزع حتمأ مختلف الحقائق الشعبيّة 
المترسّخة في نفوس المؤمنين؛. وسوف يُسهم في تصحيح العادات القديمة. 
والعقائد الراسخة. من هنا تأتي قيمة بلورة علم اجتهاد جديد يطلق عليه مفكرنا 
5 افر توصي - [لاسمة ا مم للوحي. تكمن مهام هذا العلم في بذل 
الجهود المتواصلة وتوسيعها وإغنائها قدر المستطاع من أجل المساهمة في 
تحرير الوضع البشري. نلحظ أنه يعود في هذا المجال إلى مفهوم الإنسان في 
القرآن لكي يتمكن من بناء نظرية حديئة حول الإنسان وحقوقه. فهو ينطلق من 
المفهوم القرآني لكي يطوّره؛ ويوسّعهء فيتناسب مع الأوضاع المستجذة» 
ويستوعب مكتسبات الحداثة. كذلك نراه ينطلق من مفهوم العقل في القرآن لكي 
ينتقد قراءة الفقهاء لهذا المفهوم وإسقاط المعنى اليوناني الأرسطي عليه. 

إذا أردنا الغورص في مشروع نقد العقل الإسلامي كما تبلور في مؤلفات 
ومحاضرات محمد أركون. سوف تلحظ أنه يمرَّ بمراحل عديدة» ويتطلب 
جهوداً كبيرة. نحاول في دراستنا هذه أن نتوقف عند أهم ما تضمّنه هذا 
المشروع النقدي. مستعينين بالنصوص التي بين أيديناء لكي نسلّط الضوء على 
المفاصل الرئيسة» والنقاط المحورية التي من شأنها أن تدخل القارئ في خضم 
المعركة التي فتحها مفكرناء وتساعد الباحث الملتزم بتحرير الفكر على مقاومة 
الصعوبات التي تعترضه. 

بعد أن عرضنا موقفه من الاجتهاد كما يمارسه الفقهاء»ء ووضحنا مفهومه 
الخاص بالاجتهاد. سوف نتوقف عند ثلاث محطات إلزامية تضمّنها مشروع 
نقد العقل الإسلامي. وهيء في رأيناء تنتمي كلها إلى عنوان واحد: كيفية 
تفكيك العمل العربي الإسلامي» أو منهج أركون في إظهار تاريخية العقل 
العربي الإسلامي. 


-١‏ يهتمَّ مفكرنا كثيرا في مشرؤوعه النقدي بالعودة إلى النصوضص 
التأسيسية» وأولها القرآنء من أجل إبراز المغالطات التاريخية التي وقع فيها 


)١9(‏ هكذا فصل هاشم صالح أن يتر جم المصطلح الفرنسي «عنعه1-هممعطاصه-060)») وهو يشير في 
سياق تفسيره لهذا المصطلح إلى أن «هناك رابطة مفهومية بين بلورة الفكر اللاهوتي (التيولوجي) الذدث 
يفترض ضمناً أو صراحة وجود أنتروبولوجيا محدّدة (أي تصوّر محدد عن الإنسان). وهذا الفكر التيولوجي 
يستخدم من أجل بلورة خطابه أدوات المنطق ووسائله. وهكذا يِتَمّ نسج روابط مفهومية واستنباطية منطقية 
بين العلوم الثلاثة المذكورة: أي علم التيولوجياء وعلم الأنتروبولوجياء وعلم المنطق». انظر في هذا 
المجال: المصدر نفسه.؛ ص .8١-94١‏ 


رض 


رجال الدين» والقراءات المؤّدلجة التي قاموا بها خدمة لمصالح مذاهبهم 
الخاصة. بما أن موضوع بحثنا هو العقل الإسلامي», فلا بد أن نعود إلى معنى 
كلمة عقل انطلاقاً من القرآن. 

إن من يعود إلى النص القرآني يرى أن كلمات مثل عَقّل وعاقل ومعقول 
وتعفّل غير موجودة., هناك فقط الصيغة الفعلية: عَقَلْء يعقّل. المستخدمة تسعاً 
وأربعين مرة. إن فعل (عقل) لا يدل. كما يشير مفكرناء إلى ملكة محددة. بل 
يعني فاعلية مميّزة يعبّر عنها بواسطة أفعال أخرى يستخدمها في جُمل مشابهة. 
هناك مغلا :إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون» و#إن في ذلك لآية لقوم 
يذكرون4”* "'. #قد فصّلنا الآيات لقوم يتفقهون6)”*". 

إذا عدنا إلى التحديد اللغوي» انطلاقاً من المعنى البدوي نجد أن عَقَل 
تعني رَبَط البعير من رجليها لكي يمنعها من الهرب. كما تعني أيضاً ثمن الدم 
والامتناع عن تنفيذ قانون العقاب بالمثل» ما يعبّر عن الاعتراف بالمسؤولية. كما 
إن اللهجات التى كانت بعيدة عن اللغة العالمة (الفصحى) عرفت معنى قريباً من 
الذى اتشعريه الثران كاديجر والريظ والعدذكر والععد ف" إلى الشىء ينظ 
تفكرنا فى نذا التاق أن الكلمة بعتي هنا معلية اسمولية وأزلكة تقو ها 
الروح (أو القلب بحسب القرآن) التي توافق بشكل عفوي على صحة ما كانت 


قد رأته أو عرفته أو تعرّفت عليه "2 


عندما قام أركون بالتحليل اللفظي» والنحوي. والأسلوبي للآيات القرآنية 
التي تتضمن فعل عمقل يعقل» كشف عن أهمية كل من الإدراك والتصور 
للدلالات المتعالية الثى 'تجدها مق خلال" العلامات ت الرموق»: وال “له تتطلب 
استخدام الفهم المنطقي. إن عملية الإدراك تتمئّل من خلال الحجز أو الربط 
أو التذكر» مشلا : تفكره» تذكر ومن خلاله فهم الخطاب» مثلاً: فَقَّه. كما 
تتمثل أيضاً عبر الإحساس الصميمي بالمعنى, مثلا: شَعْر. ومن خلال العلم 
الآني والكلّيء مثلاً: علم»ء وهو يؤدي إلى موافقة المؤمن وخضوعه لكلام 
الله الخلاق. إن كل هذه الأفعال «استخدمت مرات عديدة كبدائل لكلمة عَقَل 
ضمن عبارات ذات بنية نحوية وأسلوبية متمائثلة من مثل: «ولكن أكثر الناس 


(15) القرآن الكريمء «سورة النحلء» الآيتان ١١‏ و١‏ على التوالي. 
(5؟) المصدر نفسه. «السورة الأنعام»» الآية 94. 
)١1(‏ أركونء الفكر الإسلامى قراءة علمية. ص 194. 


15 


الاوك ووو انو لاحك ترو و عب الا وو له ل 

من البيّن أن هذه العبارات التى تحمل معنى عاطفياً واضحاً لا تعتمد على 
استخدام الفهم المنطقي؛ أي على إيجاد نوع من المطابقة بين الفكرة الواضحة 
والحقيقة الواقعية الظاهرة في الخارج. تهدف هذه العبارات إلى تنبيه المؤمن 
ولفت نظره لكي يندهش بنعم الله على البشرء ويُعجب بتدخله في تاريخ النجاة 
الآخروي» فيدخل عند ذاك برابطة الميثاق أو العهد بكل قوة. من هناء يصبح 
مركز الإدارك في الإنسان هو القلب وليس العقل. لذلك كان من الضروري عدم 
إسقاط مفهوم العقل بالمعنى الأرسطي على هذه العبارات لأنه لم يكن قد دخل 
بعد إلى ساحة الفكر العربي الإسلامي من خلال حركة النقل والترجمة. 


يستنتج مفكرنا في هذا المجال «أن للعقل مكانة خاصة في النص القرآني ولا 
مثيل لها فى كل النصوص الإسلامية التى جاءت بعده. وهذا عائد إلى الصياغة 
اللفوكة تلقران ارالك كتقايي عقر | ع مين التجدوك جات اكبيد لفق از 
علم الكلام» أو الفلسفة. . . إلخ»””". إنه يصرّ على إبراز الفرق بين استخدام 
كلمة عقل فى القرآن وبين سائر المعانى التى أسقطت عليها فى ما بعد. فالخطاب 
القرآئي» مثل خطاب الكتب المقدّسة السابقة» يضفي على كلماته الطابع الرمزي 
والمجازي العابق بالصور الإبداعية. لذلك يمكن القول إن الخطاب القرآني هو في 
معظمه خطاب سردي وقصصي وحكمي وتسبيحي ١»‏ أكثر مما هو خطاب منطقي» 
وعقلاني»؛ واستدلالي شوم على المتجاخة والبرهان» وبالتالي لا يمكن فصل 
مفهوم العقل في القرآن عن معنى الخيال والحساسية والشعور». «يبدو الخطاب 
القرآني وكأنه انبجاس طالع من القلب ومفعم بالحياة اليومية والأحداث الجارية 
للعمل التاريخي الذي قاده النبى طيلة عشرين عاماً. وبالتالى فالعقل السائد فى 
القرآن هو عقل عملي» تجريبي (. ..). إنه عقل جيّاش يغلي كما الحياة. وليس 
أبدا عقلا تأكليا أو سعد اليا مس20 ا 

نلحظ هنا مدى تأثّر أركون بالأنثروبولوجيا الدينية وبعلم الألسنيات» فهو 
لا يحمّر القصصي والسردي الذي يعتمد على المجاز والرمز.ء ويرفض أن يُضفي 
الطابع البرهاني على ما هو خيالي» لكي يُكسبه قيمة مميّزة. إنه يقرأ. النص كما 


(7100) المصدر نفسهء» ص 1 


(18) أركون» قضايا في نقد العقل الديني ١‏ تبك ننه الإنلام اليوم ص 747 
(9)المصدر نقسيه ٠)‏ ص 4 5”, 


اتنا 


هوء ويعود إلى بيئته الأولية لكي يفهم مصطلحاته. هذه هي ركيزة القراءة 
التزامنية التي طبّقها. وهي تختلف كليا عن القراءة الإسقاطية التي قام بها رجال 
الدين وما زالوا حتى يومنا هذا. لقد تأثروا بالمنطق الأرسطيء وأرادوا إسقاطه 
على معنى العقل في القرآن. وهو غريبٌ عنه. حتى إن بعض المعاصرين 
وجدوا أيضاً لعلم الذرة أصلاً في القرآن. 


إن نقد العقل الإسلامى إذن يرتكز على الكشف عن كل الإسقاطات التى 
جنات غرر تازيم ع طريى العام رشراءة تراشية تند النعن يجن رن أنه 
على الباحث أن ينسى كل ما حوله ويضع نفسه في لحظة القرآن». أي داخل 
النبدة”الفوعة الند ويه > الحصرية الكل عر يكهة شي «الجويرة القربية تان القرن 
السابع الميلادي. فالعودة قدر الإمكان إلى هذه الفترة الزمنية أصبحت ضرورية 
وملحة للغاية. إن تمّ ذلكء» يتمكن الباحثون من التوضّل إلى معاني الكلمات في 
ذلك العصر والمقارنة بينها وبين المعاني الحالية. 


على الرغم من كل الصعوبات» إن الرجوع إلى ذلك العصر يفيد جد في 
فهم كلمات القرآن انطلاقاً من المعنى الذي ساد في ذلك الحين. وليس انطلاقا 
من المعنى الذي يسود فى المرحلة الراهنة» أو حتى فى المراحل التى جاءت 
بعد زمن القراة: لذ يكت التنبّه من الوقوع في المكا مله العا ز يمف أي أن يقرأ 
الباحث نصاً تراآنياً ويفسّره انطلاقاً من حاجاته هوء. ومن الإشكاليات التى تشغل 
عصر هذا الباحث أو أي عصر آخر. «فلا يضير القرآن في شيء الا شري على 
المفهوم الأرسطوطاليسي أو الفلسفي الحديث للعقل. كما لا يضيره ألا يحتوي 
على الاكتشافات العلمية والفيزيائية الحديثة. فالقرآن كتاب ديني عظيمء وليس 
كتاباً في علم الجغرافيا أو التاريخ أو الذرّة أو البيولوجيا. . . ولكن من شدّة 
غيرة المسلمين عليه؛ فإنهم يريدونه أن يحتوي على كل شيء”'". 

يظهر جليّاً هنا الفرق الشاسع بين مقاربة مفكرنا لمفهوم العقل في القرآن 
وبين مقارية الفقهاء وعلماء الدين الذين يرفضون تفسيره لأنه يُدخل النص 
الديني في التاريخ. ويموضعه في بيئة معيّنة. عَرَفت ظروفاً ثقافية واجتماعية 
واقتصادية خاصة بها. من هنا يمكن أن نلحظ سوء الفهم الحاصل مع النص 
الأركوني» والاتهامات العشوائية التي تُطلق عليه. 


[كرف المصدر نفسه» ص 8 


احرنا 


إن نقد العقل الإسلامى يفرض على الباحث أن يعترف بتاريخية العقل 
وصيرورتهء أي عليه اهاقل كسدراه وتبدّله في الزمن وفقاً لإمكانات كل عصر 
ولالأدوات» علي والققة السرلافة كن سلف لكات تعن ايوق أركرة ان 
نهر إلى المجنى الأول القرافى لكلية حدق ف الفران + بجا أنه تع كما 
ذكرنا سابقاً ‏ الربط بإحكام. وإقامة علاقة محددة بين شيئين: السماء والتعالي 
من جهةء والأرض والنعم التي خلقها الله من جهة أخرى». وذلك خلافاً لمعنى 
التحليل المنطقيء, والاستدلال البرهاني. إن هذا المعنى الأخير عرفه الفكر 
الإسلامي بعد أن تمّت عملية ترجمة الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية» بخاصة 
منطق أرسطو. من هنا يمكن القول إن «نظرة العقل في القرآن تتركز على 
الكلام؛ أي على العلامات والآيات والرموزء وليس على الواقع ذاته»''". 

١‏ - انطلاقاً من مفهوم تاريخية العقل يميّز مفكرنا بين أربع أو خمس 
مراحل ‏ كما أشرنا في مقدّمة هذا الفصل - مرّ بها العقل الإسلامي: 

المرحلة الأولى: إنها مرحلة القرآن والبدايات التكوينية. حيث كان العقل 
يعني الربط وإقامة العلاقة بين السماء والأرضء إنه عمل يقوم به قلب الإنسان 
في مجال التحسّس والتخيّل والشعور عن طريق الإشارات والمجاز والرمز. 


المرحلة الثانية: إنها مرحلة العصر الكلاسيكي. وهي تمتدٌ بين عامّي ١٠6١‏ 
ودهةة هه وتُعتبر أرقى وأهم مرحلة شهدها تاريخ العقل في الحضارة العربية 
الإسلامية. لذلك أطلق على هذا العصر تسمية «العصر الذهبي». فهو قد شهد 
بداية العقلانية وتطوّرها. مع دخول العقل العلمي والفلسفي من خلال حركة 
النقل والترجمة» حصلت مواجهة قوية بين تنازعين أساسيين: المقلدون 
المرتبطون بالعلوم الدينية من جهة والعقلانيون المرتبطون بالعلوم «الدخيلة» من 
جهة أخرى. إن هذا الصراع يخفي وراءه صراع فئتين اجتماعيتين: هناك العامة 
من الناس المتأثرون بالوعَاظ فى مواجهة الخاصة المثقّفة والميسورة مادياً. لقد 
ظهر هذا الصراع جليّاً عندما استلم المعتزلة الحكم وحاريوا الحنابلة؛ أهل 
التقليد والنقل. 


هناك مواجهة أخرى أدت دوراً في كيفية استخدام العقل في المرحلة 
الكلاسيكية» إنها المواجهة بين أهل الاجتهاد من ناحية؛ وأهل التقليد من ناحية 


(91) المصدر نفسه» ص 5860. 


يفن 


أخرى, الأمر الذي يشير إلى نوع من تمايز اجتماعي - أيديولوجي في واقع 
المجتمع السلامي انذاك. 

المرحلة الثالثة: إنها مرحلة السكولاستيكية أو التكرارية حيث تميّز العقل 
بتقوقعه داخل أنظمة ضيّقة من التفكيرء وبحذفه الفكر الفلسفى. واضطهاد 
اتناعه» :وحصر نقسه في إطار تعاليم مذهب خا يكتفي بالتكرار والتقليد 
فقط. لقد شهدت هذه المرحلة قطيعة مهمة مع الفترة الذهبية السابقة التي 
تميّزت بالإنتاج الغزير والإبداع الفكري» فما كان مسموحاً أصبح ممنوعاًء 
وتقلصت دائرة العقل الحر. بات من الصعب إقامة المناقشات والمناظرات بين 
وكتلة المذامي .وعدا "نعل المفكيو كويية لعافت ينقةة كر هن وكيا هكدا 
حدثت فى هذا العصر قطيعة ثانية تكمن فى تهميش واستبعاد كل ما أنتجته 
التدانة الأوروية ددا من القرن السادين عفر 


المرحلة الرابعة: إنها مرحلة عصر النهضة التي تمتد من القرن التاسع عشر 
ولغاية منتصف القرن العشرين؛ وهى تتميّز بالصدمة المريعة التى سيّبتها الحداثة 
للعقل التقليدي. 

المرحلة الخامسة : يضمّها أركون إلى المرحلة السابقة» لأنها نتجت منها. 
فالعقل النضالي النهضوي اتخذ بين عامي ١946٠‏ و1970 منحى قومياً» كما اتخذ 
منذ 1917١6‏ ولغاية اليوم المنحى الإسلامي الأصولي. إن العقل النضالي بوجهيه 
القومي والأصولي يختلف بشكل أساس عن العقل الليبرالي والعقل التقليدي' ' “. 

يتحدذث مفكرنا عن نوعين من الحداثة: هناك الحداثة المادية والحداثة 
الفكرية. فالأولى ضرورية لكنها لا تكفي من أجل تحرير العقل. لقد استُورد من 
الخارج الكثير من الإنتاجات التكنولوجية» فدخلت إلى الأسواق العربية 
الإسلامية المعدّات الحديثة والألبسة الأوروبية وغيرهاء لكن ذلك كله لن يؤدّي 
إلى النهضة المرجوّة. فالعقل الليبرالي الذي كان وراء النهضة الأوروبية بقي 
بعيداً عن ساحة الفكر العربي الإسلامي. 

لقد اتخذ العقل فى هذه الفترة منحى نضالياً ضد الغرب المستعمرء 

(5) للمزيد من التفصيل حول المراحل التاريخية التي مر بها العقل العربي الإسلامي؛ التحقيب 
الذي وضعه أركون لآلية اشتغال هذا العقل؛ انظر: أركون»ء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم 


الإسلام اليوم . ص ”787 55352 


78 


وتجسّدت بذلك أيديولوجيا من نوع آخرء إنها «أيديولوجيا الكفاح». لقد تأثر 
العقل النضالي إلى حد بعيد بأفكار الثورة السياسية البرجوازية التي حصلت في 
فرنساء وبأفكار الثورة الاجتماعية التى أحدثتها «الديمقراطيات الشعبية» فى 
الاتحاد السوفياتي» والبلدان الكيرعن اعرف الآمر الذي أوقع عقل النهضة 
نفسه في خطأ كبيرء وهو أنه أسقط تجربة الغرب على مجتمعات لا دخل لها بما 
تخري كشي أحرة: عيدما قن عمل الدرافة ابدبواوصة غرية طن فياناة الباق 
العربية والإسلامية» لأنها لم تنشأ فيهاء ولا تتطابق معهاء فقد ضل الطريق. 


كانت المجتمعات العربية والإسلامية بعيدة عن التجربة الصناعية» 
والاكتشافات التقنية التي عرفتها أوروباء كذلك لم تشهد هذه المجتمعات 
مراحل الصراع والمناقشات الثقافية ‏ الاجتماعية التي عاشتها المجتمعات الغربية 
طيلة قرنين. لذلك لم يعد الفكر طريقاً تؤدّي إلى التحرير بل أصبح ارتهاناً 
واستلابا ونضالا مؤدلجا. 


يشدّد أركون على الطابع التاريخي للعقل الإسلامي؛ وما التحقيب الذي 
أوردناه فى هذا السياق إلا خير دليل على ذلك. فعمل العقل قد تبدّل كثيراء 
من الترحلة العأستسيية فن القرآف» مرووا باللعرخلتين الهفلاسبكية والتكزارية» 
وصولاً إلى مرحلة النهضة والنضالين القومي والأصولي. إن القطيعتين اللتين 
حدثتا في المرحلة التكرارية تنبّهان إلى ضرورة متابعة البحث وسبر أغوار العقل 
الإسلامى من أجل الكشف عن مكامن ضعفهن وتحديدهاء والعمل على 
معالجتها. لذلك سنورد في النقطة الثالثة في ما يلي بعض المقترحات المنهجية 
التي يتضمّنها مشروع نقد العقل الإسلامي عند مفكرنا. 


 "‏ إن عملية نقد العقل الإسلامى ترتكز على رفض نوعية العلاقة التى 
تزيظ هذا العف بالنسن التي ل تكسن هده العلاقة في أن يبقى العقل دائماً في 
الدرجة الثانية؛ أي في عو الس دو قو ار ان طرح أي سؤال أو 
القيام بأي محاولة تأويل لا يسمح بها الوحي الذي يحيط بكل شيء. إن الأمر 
يتعلّق إذاً «بإضافة قراءة أخرى إلى كل تلك القراءات التى أثارها الكتاب 
الموحى». إن ما يريده أركون بالفعل هو "أن يثير في داخل الفكر الإسلامي 
تساؤلات مألوفة::.في'ما :بخص الفكن المسيحي مندذ وقت .طويل)!”"2: يرفضن أن 


(71) أركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي؛ ص 507. 


خرن 


يبقى القرآن مستبعداً عن ساحة أبحاث علوم الإنسان والمجتمع الحديثة»: فهو 
يريد أن يُخضعه للنقد التاريخي المقارن. وللتحليل الألسنيء. وللتأمل الفلسفي 
الدع بتحكلة :فى تداع الميحى: وو انوا نيل لشف والقكدة رات الى تطر | عانيه:. 
يأمل من خلال عمله الخاص في حقل الفكر الإسلامي أن يشارك في مشروع 
تجديد الفكر الديني بشكل عام. 


نلحظ أن مشروع مفكرنا النقدي مبنيّ على الانفتاح. فهو يهدف إلى 
مقارنة أنماط مختلفة من الفكر الدينى بعضها ببعض فى سبيل إغناء الفكر 
الأننانى + زوالكسف بهن بعاد تكجرية المطلق الى يعنتهاء هن هنا فجن نقد 
العقل الإسدتي في آلية اقتكالة لكيه ارال العا اليوم يرتكز بقوة على 
المسلّمات المعرفية التي سادت في القرون الوسطى. فهو ايخلط ب بين الأسطوري 
والتاريخي» ثم يقوم بعملية تكريس دوغمائية للقيم الأخلاقية والدظة: وتأكيد 
تيولوجي لتفوقية المؤمن على غير المؤمنء. والمسلم على غير المسلمء. 
وتقديس اللغة» ثم التركيز على قدسية المعنى المرسّل من قبل الله ووحدانيته 
(معنوياً)ء هذا المعنى الموضّح والمحفوظ والمنقول عن طريق الفقهاء. 
بالإضافة إلى عقل أبدي» فوق تاريخي لأنه مغروس بكلام الله ومجهّز بأساس 
أنطولوجي يتجاوز كل تاريخية»”*". 


إن الفرق واضح بين مسار العقل الإسلامي والأهداف التي يرسمها من 
جهةء وبين العمل النقدي والنتيجة التي يبغي التوصّل إليهاء لذلك تبدو مهمة 
النقد المنفتح صعبة جداء وهي تتطلب القع الواسع على مكتسبات عقل 
الحداثة» واتخاذ مسافة نقدية منهاء في آن معاً. سوف نحاول أن نلخص بسبع 
نقاطء أسس مشروع نقد العقل الإسلامي؛. والمهام التي يجب أن يقوم بها 
المفكر النقدي. وذلك كما حددها محمد أركون في أكثر من مؤلف. 
- إن من يريد الانضمام إلى المسيرة النقدية عليه قبل كل شيء أن 
يتحلى بموضوعية الباحث» أي بعدم التحيّز لمذهب ضذ آخرء أو لعقيدة ضد 
أخرى. فالمشروع تاريخي بالدرجة الأولى» لا يكتفي بإنجازات التاريخ الراوي 
الذي يسلسل الحوادث والأفكار من غير أن يهتمّ بتاريخ المفهومات الأساسية 
التي يتأسّس عليها الوعي. كالدين مثلاء والدولة؛» والمجتمعء والحلال» 


(1”) المصدر نقفسيه ١‏ ص 660. 


١ 


والحرامء والعقل. والمتخيّل» والمعرفة القصصية »2 والمعرفة التاريخية. من 
هناء يأخذ المشروع بُعداً أنثروبولوجياً أيضاً. من خلال الموضوعات التي 
يتطرّق إليها. 


١‏ إن اعتماد منهج نقد العقل الإسلامي يفرض عدم الاكتفاء بالبحث 
فقط في ما يتعلق بالدين الإسلامي. وما أنتجه من فكر وثقافة وتاريخ. من 
الضروري أن يوسّع الباحث دائرة عمله من أجل التوصّل إلى العقل اللاهوتي 
عند أهل الكتاب بعامة. وإلى نقد العقل الدينى أيضاً. هكذا يمكن الدين 
الأتةت وقره من الأديات السهاودة أن بعفك مكات الست قي ىدان 
النعدف الأمرؤيولة حى إلى الأديان «الكالقية) والاديان السجلي الون ١‏ النتيث 
بالوثنية. إن في هذا الكلام نقدأ واضحاً لمنهج المستشرقين أو للاسلاميات 
الكلاسيكية كما يسمَّيها مفكرنا. فالنظرة الاستشراقية تتفق مع نظرة المسلمين» 
فترى أن الإسلام دين جوهري ذاتي يعلو على التغييره خارج التاريخ» وهو 
مستمر كما هو «كالأقنوم الإلهي» يؤثّر في أذهان البشر وفي مجتمعاتهم. من 
دون أن يؤثّر فيه شيء”*". 

* - إن الانخراط في مشروع نقد العقل الإسلامي يتطلب أيضاً الاطلاع 
على «عقل الأنوار؛ ‏ أي عقل الحداثة ‏ الذي بلورته أوروبا البرجوازية 
والرأسمالية. واتخاذ موقف نقدي منه. لقد فرضت أوروبا عقل الأنوار باعتباره 
أنموذجاً عالمياً واستبدلت به أنموذج التجربة الدينية. ليس من السهل القيام بنقد 
هذا العقل. بخاصة إذا كانت الانطلاقة من العقل الإسلامى الموروث عن الفقهاء 
والمتكلمين. لأنه لم يُسهم في إنتاج عقل الأنوار. لايل يناقضه. ويناضل 
ضذه؛ كما كان يفعل العقل المسيحى سابقاً. كذلك. يجب من جهة أخرى اتخاذ 
موقف نقدي من فكر الحداثة لأنه وفع فى الموضوضية المتطرّفة وألغى دور 
الدين في المجتمعء وهمّش التجربة الروحية وأقصاها عن دائرة أبحاثه. لقد قدم 
بديلا سياسيا تشريعيا من اللاهوت السياسي والمشروعية الدينية. 


؛ - ينبغى على المفكر الباحث ألا يكتفى بتأدية دور المشاهد الذي يراقب 


(5*) خصّص محمد أركون مجالاً واسعاً من أبحاثه لدراسة المنهج الاستشرافي ونقده. كنا قد 
عالجنا ذلك في بحث سابق لنا. انظر: أبي نادرء «مدخل إلى دراسة فكر محمد أركون»» ص 2١1817‏ كما 
نحيل القارئ إلى دراسة حول أعمال كلود كاهين» حيث نجد تقويماً شاملاً لمسار المنهج الاستشراقي 
في : أركونء قضايا في نقد العقل الديني : كيف نفهم الإسلام اليوم؛ الفصل الثاني»ء ص ؟1. 


١١ 


من بعيد المسرح الاجتماعي والتاريخي. عليه أن يدخل في المجتمع ويعيش مع 
أهله الصعوبات والمسؤوليات والصراعات والآمال والخيبات» عليه أن 
يشاطرهم قدرهم الجماعي. فمنهج الباحث في الإسلاميات التطبيقية'" "'. يفرض 
عليه أن يتموضع داخل المجتمعات الإسلامية لكي يلمس مشاكلهاء فيتمكن من 
فهمها والتحدذث عنها. هكذا يتمٌ إغناء البحوث العلمية كما تمارسها اليوم 
البيئات الثقافية الأكثر تقذماً. على المفكر أن ينغرس في المجتمع وأن يحافظ 
في الوقت عينه على استقلاليته الفكرية» قياس على إيمانه الديني» وقياسا على 
موقعه الأيديولوجي. 


5 إن مشروع نقد العقل الإسلامي كما يبلوره أركون يتمحور حول 
هدفين: تفكيك المناخ الفكري العربي الإسلامي» وتفكيك المناخ الفكري 
الغربي. إنه يعمل على تجاوز المنهجية الوصفية التي ترتكز على السرد والتبجيل 
والتي اتبعها المؤرّخون في كلتا الجهتين. يجب تطبيق المنهجية النقدية - 
التفكيكية على مسار العقل العربي ‏ الإسلامي؛, والعقل الأوروبي المسيحي 
فالعلماني. من الضروري أن يشمل النقد مجمل المسار التاريخي للعقل. من 
غير أن يكتفي بجزء منه. 


5١‏ - يتطلب الالتزام بنقد العقل الإسلامي التعاطي مع الكتاب المقدّس من 
الزاوية التاريخية» والاجتماعية» والأنثروبولوجية لكي تتمٌ زعزعة الأبنية 
التقديسية كلها التي شيّدها العقل اللاهوتي التقليدي. لا يهدف المشروع النقدي 
إلى تجريد الفكر الدينى من الأسطورة. فالعمل الحديث يعيد إليها وظائفها 
النقسة والأستباعية والشافة مو فا يحب على الففكر الاك أن مشعة عن 
إطار الثنائية التي تقيم التعارض بين العقل والخيال» والتاريخ والأسطورة. 
ويلتزم بعقلانية منفتحة» تستوعب العمليات النفسية كلها التي وضعها القران في 
القلب. والتي تسمّيها الأنثروبولوجيا اليوم ب «المتخيّل». 

يصرّ مفكرنا على كل من يريد أن يقوم بنقد العقل الإسلامي أن يلتزم 
بمبادئ المعرفة العلمية ويحترم حقوقها حتى ولو اضطر إلى أن يدفع الثمن 

(77) أسّس أركون هذا العلم» ووضع له تسميته بعد أن قام بنقد الإسلاميات الكلاسيكية؛ أي 
المنهج الاستشراني. إن الإسلاميات التطبيقية علم يجسّد مشروع مفكرنا النقدي» ويبلور منهجه المرتكز 


على مكتسبات علوم الإنسان والمجتمع الحديثة. أنظر في هذا المجال: أركون. تاريخية الفكر العربي 
الإسلامي» الفصل الأول» ص 6١‏ 


١ 


غالياً. سواء على الصعيد النفسي أم الاجتماعي أم الأيديولوجي. الهدف من كل 
ذلك البدء بإدخال البحث الحى الذي يرتكز على التأمّل والتفكير بمشاكل 
الأمس واليوم؛ لكي يُصار إلى ويد مختلف «المعاني المتشظية والمبعثرة»» 
ولكي تتم مواجهة الأيديولوجيات الرسمية وإزالة آثارها المدمّرة. من هنا ضرورة 
تأسيس تاريخ منفتح وتطبيقي للفكر الإسلامي. منفتح. من جهة. على كل ما 
أنتجه هذا الفكر من دون إهمال النتاج الفكري المصئئف في خانة البدع 
والهرطقات أو المعارضة» ومنفتح من جهة أخرى بالقوة نفسها على مناهج 
علوم الإنسان والمجتمع الحديثة وكل ما تطرحه من تساؤلات. هكذا يُسهم 
الباحث فى تلبية حاجات وآمال الفكر الإسلامى المعاصر ويساعده على مواجهة 
الإشكاليات الجديدة التى تطرحها الحداثة المادية والعقلية. 


إن هذه النقاط السبعء من شأنها أن تُدخل القارئ في صلب مشروع 
أركون النقدي. من غير أن تفيه حقّه. لذلك نود أن نشير إلى أن مسألة المنهج 
تشكل الطرح المحوري لدراستنا هذهء ونحن أردنا أن نعالجها في سياق 
فصولهاء وانطلاقاً من موضوعات مختلفة. يكشف البحث فى العقل الإسلامي. 
من زاوية علم الألسنيات» عن قارة مهمة من التراث العف لام متسحدة 
ومهمّشة. فالعقل الإسلامي بدأ مسيرته مع «المُقال» وليس مع «المكتوب». لذلك 
نجد مفكرنا يركز في أبحاثه على الممارسات الفكرية وعلاقتها بالوضع اللغوي 
المكتوب والشفهي. 


ثانياً: العقل الكتابي والعقل الشفاهى 

يتحدّث علم الألسنيات عن «خطاب قرآني»» فيستخدم كلمة خطاب عن 
قصد لكي يشير إلى أن القرآن لم يكن مكتوباً في البداية» وإنما كان كلاماً 
شفهياً أو عبارات تلظ بها النبي أولآء ومن ثم نقلتها الذاكرةء فراحت تُستعاد 
انطلاقا من ظروف ومناسبات متعددة. وذلك خلال عشرين عاما. إن العبارات 
القرآنية التى تلفظ بها محمد قد تجسّدت فى إطار لغة بشرية» لها مصطلحاتها 
وقواعدها الخاصة بهاء. فلذلك يجد أركون أن هذه العبارات قد تفاعلت مع 
التاريخ الأرضي الواقعي والمحسوس. ويشير في هذا الصدد إلى أن التواصل 
اللغوي كان في البداية شفهياًء سواءافي المشطية أم في الإسلام. + فهو يرئ أنه 
في كلتا الحالتين» كان هناك رجل يتكلم لغة بشرية محددة) وويخال آخرون 
يستمعون إليه ويتفاعلون معة. فحفظوا ما سمعوه ونقلوه إلى الذين من بعدهم. 


١7 


لذلك؛ كان من الصعب تمحيص كل ما نقل من خلال تطبيق المنهج التاريخي. 
إن الاعتماد على الذاكرة دام فترة من الزمن قبل أن يتمّ تحويله إلى نص مسجل 
في كتاب خاص. لذلك سوف نتوقف عند دعوة مفكرنا إلى ضرورة البحث عن 
كيفة جمع «النصن-القرائى». لكن تنه في .ما بعد إعادة قرلدته. 


منهجياًء يجب أن يعود الباحث المفكر في مجال العقل الإسلامي إلى 
نقطة البداية» أي إلى مرحلة تشكل سُوّر القرآن وجمعها في مصحف. هذه 
الخطوة تُعتير عاجلةء من أجل تحقيق المراجعة النقدية للنص القرانى. 


يتفق التراثان السئي والشيعي على أن النبي كان قد خاطب الناس في شبه 
الجزيرة العربية طيلة عشرين عاماً بطريقتين مختلفتين. من جهة أولى. كان يتكلم 
كمبعوث مرسّل من قبل الله؛ يحمل مهمّة عاجلة تبلورت في القرآن. . ومن جهة 
ثانية. كان النبي يتكلم بصفته الشخصية» أي كقائد مُلهَمء فتشكل من خلال 
ذلك الحديث النبوي الذي يتضمن تعاليمه. 


يعترف التراث الإسلامي بأن النبي لم يتدخّل في القرآنء كل ما قام بى 
كان نقل كلام الله باللغة العربية» مهمته هي مجرّد وساطة يقوم بها بين الله 
والإنسان. لقد أحاط الصحابة بالنبى فى أثناء ذلك. فحفظوا السُور واحدة تلو 
الأخرى. بعد وفاة النبي» زاتما جين الرواية التراثية» اتخذ الخليفة الثالث 
عثمان بن عفان قراراً بجمع الشهادات الشفهية» والأجزاء التي كانت قد كتبت 
في عهد الخليفة 3 أي بكر. هكذا فقد تشكل عام 1357م النص المتكامل 
الذي فُرض نهائياً» واعتُّبر «المصحف الحقيقي لكلام الله؛» كما أوحي به إلى 
محمد. بعد ذاك أصبح ب الشعكل إدخال أي تعديل ممكن على النص الذي 
ججمع أيام عثمان. تحوّل القرآن إذا إلى «مدونة نصية رسميّة منلفة ]2*7 سكلنيا 
السلطة السياسية بأمر منها. 


يعتبر أركون أن هذه المدوّنة النصية الرسمية هي مغلقة بإحكام. إذ لم يعد 


(19*) تعني «المدونة النصيّة» في علم الألسنيات» مجموعة من العبارات الشفهية اللغوية التى جمعت 
لكي تشكل وحدة ما .(١‏ . . ). وهذه الوحدة المتجمّعة ترغب في أن تشمل كل العبارات النصية التي تلظ 
بها المعلم (أو النبي). ثم إن هذه المدوّنة النصيّة «رسمية» في حالة الإسلام كما في حالة المسيحية أو 
اليهودية. (. . .)إنها واقعة تحت سيطرة السلطة؛ أي سلطة الخليفة في حالة الإسلام». انظر: أركون» 
العلمنة والدين (الإسلام ‏ المسيحية» الغرب). ص 46 


١.5 


جمع العبارات الشفهية التى اعترفت السلطة بصحتهاء انتهت بذلك عملية 
الجمع واعتّبرت شاملة وكاملة. 


إن الرواية التراثية التى أتينا على ذكرها حول تشكيل النص القرآنى» تمثّل 
اليوم الموقف الإسلامي العام وهى ببابة«المسلمة "التي لا شاقن+ فازئقت 
بذلك إلى مستوى الحقيقة المطلقة بالنسبة إلى الوعي الجماعي الإسلامي. لقد 
حصل إذا إجماع قويّء سني وشيعيء. حول مسألة جمع النص القرآني؛ وكل 
من يتصدى لهذا الإجماع سوف يحل عليه عقاب الجسد الاجتماعي بكامله. 
وفق ما يرى مفكرنا. 


كذلك راحت فئة من المؤمنين تستثمر هذا النص» فتفسره لكي تستخرج 
منه القانون الفقهي. وتشكل علم الكلام» وتؤسّس لمنظومة أخلاقية محذدة. 
هذا ما يدعوه مفكرنا ب «المدونات النصيّة المفسرة»؛. وهو يعلى بها كتب 
التفسير. «فالواقع أنه يوجد عدد من التفاسير بقدر ما يوجد عدد فد لسر 
بل وحتى من القرّاءء فالقرّاء أيضاً مفسّرون على طريقتهم الخاصة. وبهذا المعنى 
فإنه لا يوجد سياج مغلق. فهم ينتجون كل يوم نصوصاً مقروءة؛ ونصوصاً 
يرد من هنا يوجد نص بعل أولاً أي القرآن - ونصوص ثانية وثالثة 
ورابعة إلى ما لا نهاية ‏ أي تفاسير. فالقرآن يشكل النص التأسيسي الأول 
تالقنية إلن السدلكى» والتاسين البواسلة سكل 'التصوصن العائوية: إن العفببر 
لم يتوقف منذ زمن الطبري وحتى اليوم؛ فكل جيل يرى في القرآن شيئاً جديداً 
ويسقط عليه همومه ورغباته. 


يشير أركون في أكثر من موضع إلى طبيعة المجتمع الذي تلقى الرسالة من 
النبي لأوّل مرّة. فهو مجتمع يعتمد بشكل أساس على النقل الشفهي. من هنا 
ضرورة الاهتمام بالبحث في العقل الشفاهي على الرغم من تشدد مقولات 
الوضعية العلمية التي عرفتها أوروبا في القرن التاسع عشر. لقد اختار عن قصد 
ان يستخدم «العبارات الشفهية» في سبيل أن ينبّه القارئ إلى أهمية البعد الألسني 
واللغوي للكتابات المقدّسة. ولكي يرجع إلى الوراء حيث الحقيقة الثقافية 
واللغوية للأوضاع التاريخية التي أحاطت بالآيات عندما لُفظت للمرة الأولى. إن 
هذه العودة إلى نقطة البداية» أو إلى المرحلة التأسيسية؛ ليست سهلة أبدأء 


(74) المصدر نفسهء» ص 85. 


فظاهرة الوحي تفلت من يد الباحث من كل النواحي. أما الإمكانات التي 
يمتلكها اليوم من أجل الوصول إلى لحظة الوحي» فهي أقل من إمكانات الذين 
عاشوا في القرون الوسطى. «فهؤلاء الأسلاف عاشوا في زمن يسوده نظام معرفي 
مناسب لحاجياتهم. ولم يكن البُعد الإلهي المعجز والخارق للطبيعة يتعّض 
لأدنى ذرة من الشك أو الاعتراض لا سياسيا ولا عقلياء كما هو حاصل اليوم 
منذ القرن السادس عشر في أوروبا الغرب)”"". 

لقد ركز مفكرنا في سياق أبحاثه على الفضاء اللغوي» أو النسيج اللغري 
للقرآن» ما يُظهر تمرّسه بعلم الألسنيات. قام بمقاربة الخطاب القرآني انطلاقاً 
من مستويين مختلفين: المستوى الأول هو مستوى التلفظ الشفهي للمرّة 
الأولى» أما المستوى الثانى. فهو مستوى النص المكتوب» أو ما سبق أن سمّاه 
اعفار رن لنعزة 1ل سمي المحلقة: 


١‏ مستوى التلفظ الأول 


أشرنا سابقاً إلى أن القرآن كان فى البداية» وخلال عشرين عاماً. سلسلة 
تتواضلة نالعا اه اللو القفية الت ككها النيو وكات ايها الم 
ينفصل عن نجربة رجل يتمتّع في أن هنا بالضماك الكالية ادهل أنه برل درك 
وإنسان يحب التأمّل والتفكرء ولكنه رجل ممارسة ونضال منخرط فى قضايا 
التاريخ الدنيوي المحسوس)” . ْ 


يشدّد مفكرنا على انخراط النبي في مجتمعهء ويريد أن يلفت إلى تأثير 
البيئة التى عاش فيهاء والظروف الثقافية المحيطة بهء فى القرآن. لقد أراد محمد 
تغيير المجتمع الذي يحمل الكثير من العاداث والتقاليد والقيم الماضية» وينتقل 
نه إلى إطان موشفاتق اخر و إلى يط يعي دلت و اليا كقافة وفانون 
مفارقين: من هنا يستنتخ أن «عملية الأنتقال هذه هي التي يقوم.بها القرآن 
الشفهي (أو يعبّر عنها أو يعكسها). ومجمل هذه العبارات الشفهية سوف تُسججل 
فى ها يعد نف كعات :لمعن القفافق ,والغادي الكلعة عناء ونين بالمعي 
المقفال اكات ال ار 


(فخرة المصدر نفسه.؛ ص 59. 
(٠غ)‏ المصدر نقفسة © ص ١‏ 14. 
(41) المصدر نفسهء ص 48. 


نلحظ جلياً هنا المحاولة التي يقوم بها أركون من أجل إدخال الوحي في 
التاريخ؛ أو من أجل النظر إلى النص القرآني كأي نص مكتوب؛ بمعنى أنه 
يجوز أن تطبّق في قراءته كل المناهج المستخدمة في قراءة النصوص الأخرى. 
إن في ذلك خطوة جريئة» قليلون هم الذين يتمكنون من القيام بها. 


؟ - مستوى النص المكتوب 

عندما تم جمع الآيات القرآنية في المصحف تحمقّقت عملية الانتقال من 
الثقافة الشفهية إلى الثقافة المكتوبة. لقد أحاط بهذا الانتقال الكثير من الغموض 
والتعقيدء من هنا صعوبة مقاربة الموضوع. ففي لحظة الانتقال هذه. حسمت 
المسألة» وتشكل المصحفء. وأعلن كمرجع صحيح وحيدء على كل 
المسلمين أن يلتجئوا إليه. إن هذا العمل هو بمثابة الخطوة الأساسية نحو 
تشكيل الأرئوذكسية الدينية فى الفكر الإسلامى» أي نحو تشكيل مجموعة 
المبادئ أو المسلّمات والبدهيّات التى تؤسّس لفعل الاعتقاد الإيمانى» والتى لا 
بخرراة غرج علنها حدمو رن أ لعاقب ران كنا بدات مر حلة 
جديدة لإنتاج مجتمع آخر في التاريخ وليس خارجه. إن هذه الصياغة المكتوبة - 
أي المصحف - سوف تؤدي دورها طيلة خمسة عشر قرنا من الزمن «ولكن 
بشكل مضاد دائماً (من النواحي السياسيّة والثقافية والمعرفية) لكل ذلك القطاع 
الواسع في المجتمعات الإسلامية» والذي ظل خاضعاء على الرغم من كل 
شيء؛ للتراث الشفهي. وهذا التراث لم يختففٍ أبدأ في أي يوم من الأيام في 
المجال الإسلامي. على الرغم من ظهور الكتاب على مسرح هذه المجتمعات 
بصفته أداة للسلطة)640), 


من الواضح هنا أهمية التراث الشفهيء والأثر الذي يتركه في مجتمعاتنا 
المعاصرة. كذلك يظهر جليّاً تأثير الأنثروبولوجيا الدينية في مشروع أركون 
النقدي» إذ يعطى الأهمية دائمأ لما هو مهمّش ومخفى ومستبعد وشفهي. يرى 
أن هيبة التراثين الكتابي والشفاهي مرتبطة بذاكرة الجماعة وبدور أكثر أعضائها 
حكمة وتعقّلاً وثقافة. أما الفرق بينهما فهو مرتبط بمسألة الكتابة التي تُعتبر 
ظاهرة ثقافية تعلق مباشرة بانتشار الدولة المركزية وبسط سلطتها بالقوة. إن علم 
الألسنيات الحديث يشير إلى اختلاف مهم بين آلية اشتغال العقل في التراث 


.17/ المصدر نفسهء» ص‎  ( 


التفاهى» وبين آلية اشتغاله فى الثراك الكتانىء لقد تشكل الفكر:وتيلوز فن كل 
م التراقود: بطريقة #شدلفة إن «الجدز وعن الاسوكك ل تف بالشيرورة مزق 
الخراك الكتابق على الغراك" الشفاهى»: كما تزعم «النظرية الأيديولوجية الع 
ضيه الدلطة الجا ده والمتهؤة" التو شهر ا الها 


إن سيادة التراث الكتابى المقدس. والهيبة التى يمارسها مشروطتان بقيمة 
كل شهادة من الشهادات التي تقلت الكلمات التى قالها النبى. #فتحن نجد أن 
جيل الصحابة هو وحده الذي رأى وسمع وشهد الظروف الأولى والكلمات 
الأولى التي نقلت في ما بعد على هيئة القرآن والحديث والسيرة. إنه لمن 
الصعب تاريخياً. إن لم يكن من المستحيل. التأكيد على القول إن كل ناقل قد 
سمع بالفعل ورأى الشيء الذي نقله”"*2. إن الشك واضح هنا بصحة ما فرضته 
النظرية اللاهوتية القائلة بعصمة الصحابة في ما نقلوا من شهادات وروايات. 


لقد أقرَ التراث فى هذا المجال بأنه حصل تدهور وانحطاط بعد فترة 
البهانة تاعرفت العك المعلومات التى نُقلت درجة صحتهاء الأمر الذي أجبر 
الناقلين على الاعتماد أكثر فأكثر على ما ترويه الذاكرة. هكذا تم اللجوء إلى 
الرواية التي تقوم بسرد فئي وأدبي مميّز للكلام الذي تلفظ به النبي ضمن 
ظروف وجودية خاصة. 

يذكر مفكرنا أن صياغته للمسألة على هذا النحو ليست أمراً تعسّفياً. إنما 
يهدف من خلال ذلك إلى «إثارة مشاكل عديدة من تاريخية وأدبية ونفسية 
واجتماعية والسنية وسيميائية دلالية.... إلغ2”0 ".يريد أن يطبق النقد 
الجدري”* ** على الحرات لأنه ما زال تحبا يفعل فى المجتمعات الفعاضرة 
شرك نط قدو لحاس ان وساف ومر عمسن ل وان معتياك الخدالة 
والجو العلمى الذي يحيط به. كذلك نجده أيضاأً قد ركّز على دور اللغة العامية 
وعدم الأكتفاء بإبراز دور اللغة الفصحى. لم يكتف بتطبيق قراءة خطية متسلسلة 
في الزمن» كما فعل المستشرقون» ولم يرض بقراءة عقيدية تستبعد ما عداها 
وتسيطر على كل الفضاء الجغرافي المحدّد من قبل المصحف والثقافة العالمة 


(417) أركونء الفكر الإسلامي قراءة علمية» ص .١78‏ 

(55) المصدر نفسه. ص .١75‏ 

(10) يذكر أركون فى هذا المجال إنه تأثر بالفيلسوف الفرنسى بول ريكور (#ناءمء81 اناةط) فى 
كتابْيْه : فن السرد والزمن والحكاية. انظر : المصدر نفسيه.؛ ص .١74‏ 


١8 


التى تعتمد اللغة الفصحىء كما فعل رجال الدين. لقد رفض بشذة القراءة 
اللقلطد الى قد على أفضماء راسد وتحدفة كا شاع اخره قلح م الوسر ده 
على الفكس من .ذنك»١‏ .بريد أكون أن "يدن المراءة الجلالية والدبالكتيكية 
للفضاء الاجتماعي التاريخي: نقصد قراءة تتراوح باستمرار بين القطاع الذي 
سيطرت عليه الثقافة الشفهية» والقطاع الذي سيطرت عليه ظاهرة الكتابة. وهذه 
القراءة جديدة كلياًء ويمكن تطبيقها بشكل من الأشكال على ظاهرة الأناجيل 
والتجتيعات الشيصية القن افق عب 


من هنا تنبع دعوته المستمرة إلى تطبيق المنهجية التراجعية والعودة إلى 
لحظة القرآن من أجل قراءته ضمن إطار التجسيد المزدوج - شفهي وكتابيّ - 
الذي تميّز به منذ البداية. لذلك لم يَعْد يكفي «التلويح بنسخة القرآن» كما 
يحدث اليوم» لأنها عبارة عن نص مكتوب» أي أنها لم تعد كلاماً شفهياً حرا 
مثلما كانت في اللحظة الأولى. إن هذا الأمر يبدل جذريا شروط فهم كلام الله 
وتفسيرة واستتكد امف إذ إن: كل عقلية التقال مع #ترجملة التصن الشفين إلى 
مرحلة النص المكتوب يصحبها لا محالة ضياع جزء من المعنى. 1 

هكذا كان من الضروري منهجياً أن يفصل الباحث المفكر بين كلام الله 
والقرآن. «فكلام الله لا ينفد ولا يمكن استنفاده. ونحن لا نعرفه بكليته. فأنواع 
الوخي التق 'أوخيت بالتنالي إلى مؤسى:وأنبياء التوواة»: ثم إلى عيسى » وأخيرا 
إلى محمد ليست إلا أجزاء متقطعة من كلامه الكلى. ونظرية «الكتاب السماوي» 
الى اتعهلها لنت ولا زمرا للقول يان هذاه كتانا اح يتجرئ على كليالية كلام 
الله (أَمَ الكتاب). وبهذا المعنى نجد أن القرآن يتحدّث عن «اللوح 
المحفوظ» (.. .) مهما يكن من أمر فإننا نجد فى الخطاب القرانى تجلياً أرضيا 
لكلام الله المحفوظ ذاك»”". ْ | 

يبدو واضحاً هنا الموقع المنفتح الذي ينطلق منه مفكرناء فهو لا يريد أن 
يُحصر كلام الله بكليته بين دفتي كتاب» ويرفض أن يدعي أحذ امتلاك كل 
حقيقة هذا الكلام الذي لا يستنفد. إن في ذلك نقداً صريحاً لكل أشكال 
الأرثوذكسيات الدينية التي عرفها الفكر البشري عبر التاريخ. نجده يتحدّث دائما 
عن دائرة لغوية محذدة (©:غطمومعم.آ) لدى أهل الكتاب وهي تعبير عن «الفضاء 


(57) أركون. العلمنة والدين (الإسلام؛ المسيحية» الغرب)؛ ص 48. 
(40) المصدر نفسه ) ص 1م الى 


١.9 


اللغوي الذي تنظم فيه (أو داخله) كل فئة بشرية تجاربها التاريخية ووظائفها 
وآلياتها وتنقلها أو تعدّل فيها”*'". إن الدائرة اللغوية مهمّة جداً بالنسبة إلى أهل 
الكتاب لأن لديهم نصاً يرونه متعالياً. ويتخذونه أنموذجاً أعلى يرجعون إليه في 
كل زهان وكاو لذ بر فد قار ولا ليكول 


كذلك نجده عندما يريد أن يشير إلى النصوص الترائية يستخدم كلمة 
(ونام:20) أي المدوّنة النصيةء وهو يهدف من خلال ذلك إلى أن يبيّن أن هذه 
النصوص لم تُشَكل دفعة واحدةء بطريقة خارقة. وإنما خضعت لعوامل عديدة 
رافقت إنجازهاء منها العوامل التاريخية واللغوية واللاهوتية. هذه هي نظرة 
الألسنيات التحريرية إلى النص الديني. ْ 


من هنا تأتي دعوة أركون المستمرة من أجل تطبيق مراجعة نقدية لمختلف 
التراث وبخاصة للنص القرآني. هذه المراجعة لا يمكن أن تتمّ إن لم تسبقها 
محاولة إعادة كتابة تاريخ تَشّكل النص القراني. بتعبير آخرء إن المطلوب هو 
نقد الرواية الرسمية التى أثبتها التراث ونُقلت عبر الأجيال. إن هذا النقد 
الجذري بات ضرورة ملخة من أجل كشف حقيقة ما حصل فعلاً في أثناء جمع 
المصحف. إن الأمر يتطلب» كخطوة أولىء أن يرجع الباحث المفكر إلى 
مختلف الوثائق التاريخية التي تمكنت من أن تصلناء أكانت سنيّة أم شيعيّة أم 
خارجيّة» لكى يتجتب حذف أي طرف. أما الخطوة الثانية فتكمن فى أن يتأكد 
تن عكعة هده الوتائي قل أن 'بعيد قرانتياء كد ذلك «زكشغطرة كالكة يدا 
بمحاولة البحث عن وثائق البحر الميت. 


هكذا يبدو العمل شاقاًء لا يمكن لشخص واحد أن ينجزه كاملاً من دون أن 
يتعاون مع مجموعة من الباحثين المنفتحين على المناهج الحديثة. إن إعادة قراءة 
النص القرآني قراءة سيميائية ألسنية. أمر مهم جداًء على الرغم من أن المنهج 
الألسنى «غليظ» وأسلوبه «ثقيل».: لكنه «يحرّرنا من تلك الحساسية التقليدية التى 
تم على هافق ابه عر ار خنة ورا التسومي لدت هيبنت المفرلة . 
عندها نستطيع إقامة علائق طبيعية تمكننا من دراستها والتأمّل فيها بحرّية»'"). 


إن التحوّر من القيود التي تعيقى القراءة النقدية» هدف محوري عند 


(48) أركرن» تاريخية الفكر العربي الإسلاميء ص .١47‏ 
() المصدر نفسه» ص 5١‏ 


مفكرناء يعمل من أجل تحقيقه في الفكر العربي الإسلامي. وما بحثه في مجال 
العقل الشفاهي والعقل الكتابي إل خير دليل على ذلك. فهو لم يقبل بالشروط 
التي فرضتها السلطة الرسمية من أجل قراءة النص القرآني» بل حاول أن يرجع 
إلى الوراء» إلى حيث بدأت لحظة الخطاب القرانى» كما شدّد على أن البداية 
كانت شفهية فى منطقة ترتكز على التراث”الشفهى: إن عملية الانتقال .من -مرحلة 
العقل الشفاهي إلى مرحلة العقل الكتابي في الإسلامء تُعتبر حدثاً مهمّاء أثر في 
ما بعد في مسار الفكر العربي الإسلامي. 

شمر سجااالى :أن التموعر الذي هه عون الخطان الحديى > والتمن 
المكتري» :5 هد فق قن اشوا وا سيق ١‏ أن لوقا الماع لد لق 
الأتقرويو لوحك أيضا: فالتحتوحات الشفيية" لها تمط حاص بممارسة القرئ 
الذمفة مدل الذاكؤة واتمهز + مكحف هر تمط سنارسة عدو القر الذهت 
داخل مختلف المجتمعات التى عرفت الكتابة””*©. فالمؤمن التقليدي لا يكترث 
بالمساقة اليعية الف تفص ريق تلتظ الآنات الأول فرة من قل النمن ادروبية 
تثبيتها في كتاب محدّدء زمن عثمان. فالمسافة كبيرة» وينبغي الا لكياندبها: 

لقد أشار أركون إلى تدخل الأرثوذكسية الدينية التى فرضت على المسلمين 
مجموقة نصية مسذةة بعضرتها نى مطصفت» وأعيرت الجتطيع عل النقيد 
بهاء على الرغم من كل الثغرات التاريخية التي تتضمُّنها. من هنا نجده يتحدث 
عن الممارسات العقلانية في تاريخ الفكر الإسلامي. من خلال الجدلية السائدة 
وما أنتجته من إشكاليات» نذكر أبرزها: إشكالية السلطات الغالبة والجماعات 
المهمّشة. وإشكالية القوى الذهنية: العقل والمخلية والذاكرة. 

ثالثاً: الأسس الأنطولوجية للممارسات العقلانية 
فى الفكر الإسلامى والإشكاليات النانئجة منها 

إن الكلام على العقل الشفاهي والعقل الكتابي يحنّم علينا بالضرورة 
التوقف عند إشكالية مهمة أشار إليها مفكرنا بسياق بحثه في مفهوم العقل 
الإسلامي. إنها إشكالية السلطات الغالبة والجماعات المهمّشة. إذ عاد إلى أيام 
النبي حيث كانت هناك ديانة أخرى وثقافة مختلفة عن تلك التي جاء بها 


(00) يذكر مفكرنا في هذا المجال مرجعاً مهمّاً لعالم الأنثروبولوجيا الإنكليزي جاك غوديء انظر: 
. (1979 باأتناص تالا :كيه ط) عناونناممجع :«هكذزه!! مرا ,لإل000 )36 ل 


١6١ 


الوحي. ما أدَى إلى الصراع بين الدين الجديد بدعوته وأسسه وقوانينه» والدين 
القديم الذي كان سائداً قبله. بعد انتصار النبي» وتثبيت الإسلام؛ صنّْفتَ 
الحضارة القديمة بالجاهلية» ونشأ صراع من نوع آخرء نتج منه هذه المرة أيضا 
جماعة غالبة» وجماعات مغلوبة» نقصد هناء انتصار الإسلام الأرثوذكسي 
وتهميشه لمختلف التيارات التي حاربته. إن إشكالية الصراع ما بين السلطة 
الرسمية المنتصرة وجماعات الأطراف المقهورة» أثْرت إلى حد بعيد في آلية 
اشتغال العقل الإسلامي. ما حثّ أركون على الاهتمام بهذه الإشكالية من خلال 
أبحاث عديدة. كذلك إن تنافس سائر الفرق الإسلامية التى كانت موجودة على 
الساحة قد أدَى إلى إنتاج ما يسمّيه بالعقول المتنافسة التي تصارعت من أجل 
السيطرة على السلطة. فحاول كل عقل أن يبرهن من خلال «المزايدة 
المحاكاتية»”" أنه الأقرب إلى فكر النبي وتجربته. 

كذلك؛ هناك إشكالية أخرى يعتبرها أساساً أنطولوجياً لآلية ممارسة العقل 
الإسلامي؛ تمئلت في كيفية تعظيم عمل العقل واحتقار دور المتخيّلة» ما أدّى 
إلى نظرة ثنائية تقسّم عمل العقل البشري بين متضادين» ما هو عقلاني/ وما هو 
خبالى: أراد مفكرنا من خلال طرحه هذه الإشكالية أن يرفض فكرة التضاد بين 
هذبن المفيوقيو راك تون النائرة الواتسة من اللامشكر يه والمستهيل اللفخير 
فيه التي امتنع العقل الإسلامي عن البحث فيهاء يقصد هنا كل ما يمتّ إلى 
الأسطورة والمجاز والرمز والخيال بصلة. فهناك قطاعات فكرية مهمة من 
مضامين التراث بقيت منسيّة أو مهمشة. 


من هنا سوف نقسم البحث في الأسس الأنطولوجية للممارسات العقلانية في 


الفكر الإسلامي إلى قسمين» نتناول في القسم الأول؛ ضمن إطار الجدلية السائدة 
المستمرّة والإشكاليات المتربة عليهاء إشكالية السلطات الغالبة والجماعات 


المهمشة » وفى القسم الثانى » إشكالية القوى الذهنية. العقل والمخيّلة والذاكرة. 
١‏ إشكالية السلطات الغالبة والجماعات المهمّشة 
هناك ظاهرة تاريخية ميزت الفكر الإسلامى فى مختلف مراحله. وتكررت 
من خلال ظروف تاريخية وصراعات سياسية واجتماعية بارزة. إنها النظرة العقلية 
)6١(‏ هذه الترجمة العربية ل 06ا16)10اته ع5غطاعمء:1ا2145» يقصد هنأ أركون أن كل فريق راح يزايد على 
الآخرء ويذعي أنه يحاكي تجربة النبي أكثر من سواه. لكي يكسب أهمية أكبر؛ ويدحض خصمه. 


١6 


التي تنطلق من وجود الإسلام كدين صحيح أصيل» يشكل الدين الحق الذي 
بإمكانه أن يحارب البدع كافة ويرد على الضالين والمضللين» ويخضع جميع 
الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم والفرقة الناجية. لذلك نجد أن العقل 
الإسلامى انشغل منذ البداية فى إثيات صحة الطروحات الجديدة التى يحملها 
من خلال دحض وتهميش الطروحات المقابلة. وما الطابع الجدالي للخطاب 
القرآني إلا خير دليل على الصراع الذي كان دائراً أيام النبي. أراد الرسولء من 
خلال عمله؛ أن يحط من قيمة التراث الجاهلي الذي سبقه» وليستبدله بقيم 
ورموز جديدة. كذلك يمكن القول إن مفهوم الجاهلية كما ورد في القران له 
معنى أيديولوجي يتوافق اليوم مع مفهوم العقلية البدائية» والمجتمع القديم الذي 
يجهل الكتابة» والفكر المتوخش. 


هكذا رحنا نشهد عبر التاريخ ظهور مرشدين مصلحين في كل قرن تقريباً. 
تكمن مهمّتهم في تحذير الأمة من الوقوع في البدع» وتذكيرها بتعاليم الدين 
الحق. لقد حدثت صراعات عديدة في التاريخ حاول العقل من خلالها أن يعمل 
بجهد على تبرير نفسه وتكفير خصمه. لقد اهتم مفكرنا بهذه الظاهرة المتكرّرة» 
وأراد أن يبحث في الموقف الفكري الذي يقرَ «بوجود«إسلام» واحد أصيل 
حقيقي يهتدي إليه بعض العلماء فقط ويقدّم للناس في مؤلفات وخطابات لا تُعدّم 
أن تكون عرضة للمناظرات والاحتجاجات والتنظيرات والردود (. . .)22”00. تعتبر 
هذه الظاهرة مهمّة جداً في تاريخ الفكر الإسلامي لأنها ولّدت حالة ثقافية 
واجتماعية خاصة. فكل مفكر أو مذهب كان يتحّذ مواقف عديدة أنتجت بدورها 
ردّات فعل كثيرة» واعتراضات متنوّعة. واللافت أن كل فريق كان يرى شعار 
الدفاع عن العقيدة السليمة؛ مرتكزاً في ذلك على المصادر عينها. فراح كل واحد 
يكمّر الآخرء وذلك من خلال الدين القويم؛ أي الإسلام الذي يدعي بمعرفته 
لوحده.ء والالتزام بمبادئه من دون سواه. تبعاً للحديث القائل: ١ستفترق‏ أمتي 
ثلاثا وسبعين فرقة. الناجية واحدة». 


انطلاقاً من هذه الظاهرة التاريخية والأيديولوجية»؛ يرى أركون أنه أصبح 
من الضروري أن يهتمّ الباحث والمفكر المعاصر بمسألة العلاقة التي تربط 
الإسلام بالدين الصحيح؛ وهو يطرح السؤال التالي: «هل هناك من سبيل 
علمي للتعرّف على هذا الإسلام حتى يُجمع عليه العلماء؛ أم هل يجب أن 


(29) أركونء أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ : من فيصل التفرقة إلى فصل المقال. ص 111. 


١017 


نعدل لأول مرّة عن النظرة التقليدية ونقَرَ بضرورة التعدّدية العقائدية للأن مصدر 
«الإسلام» هو القرآن. والنصوص القرآنية قد ألهمت ولا تزال ثلهم تأويلات 
متغيّرة بتغيّر الزمان والمكان. كما هو شأن كل نص غزير المعاني قصصي البنية 
ردق اللمقاضيد 727 , 


إن هذه القراءة لمسألة الدين الحقء وما أنتجته من صراعء تظهر لنا انفتاح 
صاحبها على مختلف القراءات التي عرفها العقل الإسلامي للخطاب القرآني. إنه 
يرفض حصر الحقيقة فى مذهب واحدء أو مفكر واحدء فالقبول بالتعدّدية هو 
دوع من أنزاء «اللديمقراطبة الفكريةر الا فيه بشع بالبلنية إلى مفكرنا مد 
القراءات نظرأ إلى بنية الخطاب القرآني المليئة بالرمز والمجازء ما يجعله غزير 
المعاني» يحتمل أكثر من تفسير. من هنا تنبع دعوته إلى تحرير الفكر من كل 
أشكال التصوّر والإدراك التى تسجنه فى إطار ضيّق. فتحدٌ من نشاطه وتحط من 
دانم وما جاح تبان تكري سيق أو فشله إلا شيجة واصحة لعرامل كقيرة 
مجتمعة نذكر منها العامل السياسى والعامل الاجتماعى والعامل الاقتصادي 
وغيره. إن الأمر لعاف نت الس كه الأزية رالفيكة الأساسة للعقيدة التى 
يدافع عنها كل تيار ولا بالممارسات العقلية والثقافية التي أراد أن يتبعهاء 
هناك إذاً عرامل أخرى يجب أن تؤخذ بالاعتبار. يضرب لنا مثلاً على ذلك 
«التيار الحنبلي (أو الحنبلية) الذي اضطهد أيام المأمون ثم ارتفعت أسهمه في ما 
بعد وأصبح أحد التيارات الأكثر أرثوذكسية في الإسلام». 


يريد أن يُبرز من خلال ذلك الطابع الآني والصفة الموقتة لممارسة العقل 
في الفكر الإسلاميء بتعبير آخرء يريد أن يبرز تاريخية العمل الإسلامي 
المتجدر :ل النة امعفالف وواسظ فى هد المسفال أن عل تان أز مده 
إسلامي يحاول أن يرتكز على مفهوم العقل الأرئوذكسي الذي يملك الدين 
الحق» ويرفض تطبيق النظرة التاريخية على نفسه؛ إنما يطبّقها على أخصامه 
لكي يحط من قيمتهم ويصتفهم في خانة ما هو منحرف وخاطى. فالاستبعاد كان 
متبادلاء والانتصار كان موقتاء إذ إن ممارسة العقل لدى مختلف الفئات 
المتصارعة ليست أزلية خالدة كما كانت تذّعى» إنما ترتبط بلحظة انبثاق 
محدّدة» وتخضع بالتالي اتير عر مسقنت :ذا الاعشتان لم يكن مؤكداً دائماء 


(0) المصدر نفسهء ص /18. 
(05) أركرن» تاريخية الفكر العربي الإسلامي؛ ص .51-5٠‏ 


١0 


كما إن الفشل لم يستمر إلى ما لا نهاية. غالباً ما كان النجاح مرتبطاً بظروف 
اجتماعية وسياسية مواتية» ثم زال عند تبدّل هذه الظروف ومعاكستها له. 


من هنا نلمس مدى اهتمام أركون بالمنهج السلبي الذي يدرس كل ما 
يحذفه العقل الأرئوذكسى ويرميه فى دائرة البدعة والضلالء إذ لا يمكن 
التعتطسية لعبار دا عفاسل العيار الآشرء ونا العاربتع العزيى الاسلافي». أو أى 
تاريخ آخرء إلا نتيجة لكل التيارات الموالية والمعارضة» فالنضج العقلي يفرض 
استيعاب الجميع. لقد بات من الضروري الكشف عن هذه المنطقة المهمشة من 
تاريخ الفكر العربي الإسلامي» وذلك في سبيل تأمين انطلاقة جديدة للفكر 
العربى المعاصر. إن الدور الذي قامت به «العقول المنافسة» بالنسبة إلى العقل 
الأرثو ككس فيه جد بولا يحرة إهتاله: «الأسعرئ ناا مكل الأ تقس 
السنيّة» «لم يلحظ لا هو ولا أتباعه ولا مناصروه الدوغمائيون بخاصة إلى أي 
مدى هم مديئون في حيوية فكرهم وابتكاريته إلى حجم المشاكل التي أثارها 
خصومهم وجرأة هؤلاء الخصوم وجرأة الخصوم بالذات. لم ينتبه المؤرخون بما 
فيه الكفاية إلى أهمية هذا الدور الإيجابي للعقول المنافسة وذلك بغية تقييم 
مفهوم العقل الإسلامي التعددي والديالكتيكي)”””. 

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الطابع التعدّدي الذي يتخذه العقل ينسجم 
إلى حد بعيد مع طبيعة الواقع الاجتماعي والتاريخي والجغرافيء. ولا يمكن 
فصله عنها. إن ظاهرة تعذدية العقل انتشرت في المشرق العربي أكثر منها في 
انكرت رسيت مكرتا عميك كانه الع المالكة العمل فى الساقدة 
بشكل عامء لذلك لم يعرف إلا قليلاً غنى «التوترات التثقيفية» التي جرت في 
الشرق الأوسط. يظهر واضحاً هنا مدى انفتاح المنهج الذي اتّبعه أركون على 
سائر التيارات المتصارعة؛. لقد رفض الانغلاق في محدودية تيار واحدء أو نظرة 
ضيّقة تحجم غنى الواقع التاريخي. إنه يعتبر صراع الرأي مع الرأي الآخرء في 
أي مجتمع. سوف ينتج منه نشاط ودعم كبيرين للفكرء ما يغني الحركة الثقافية 
والممارسة العقّلية إلى حذد بعيد. 


لذلك نجده يقدر كثيراً كل المناظرات الجريئة والغنيّة التى حصلت فى 
المرحلة الكلاسيكية من تاريخ العقل الإسلامي. فيصف هذه المرحلة بالعصر 


(20) المصدر نقسسية » ص 655١‏ 


١6 


الذهبي. أما سيطرة الرأي الواحد والمذهب الواحد فينتج منها لا محالة ركود 
عقيم يسجن العقل ويسحق إمكانياته. 


يهدف مفكرنا من خلال أبحاثه إلى دراسة كل تيارء وكل نظام اختار 
الانغلاق داخل نظام من الإيمان/ واللاإيمان» ثم دراسة الروابط التي يقيمها هذا 
النظام مع المصالح الأيديولوجية للجماعة التي أنتجته. كما إنه يهدف إلى 
الاهتمام بمسألة الغلبة أو الهيمنة في التاريخ» والبحث في أساسها وشروط 
حدوثها في المجتمعات» ما يساعد على تحرير البحث العلمي من الأحكام 
المسبقة والقوالب الجاهزة المادية أو المثالية. من هنا ضرورة أن يتوقف الباحث 
المفكر عند نقطتين مهمتين تؤثّران في التنوع والتعدّدية: هناك أولا: «الطاقة 
الإنتاجية الأيديولوجية والرمزية للنص المشترك"”"* المتفّق عليه من قبل كل 
الفئات الإسلامية المتنافسة”"”“. وهناك ثانياً. «تأثير البنى والوظائف والآليات 
المختلفة» أو بالأحرى لعبة مصير عوامل الهيمنة في المجتمعات التي لمستها 
الضبرضن الأسلافية نرت 000 


نلحظ أن أركون يربط التنوّع في الإسلام بغنى «النص المشترك» الذي 
يحتمل قراءات متعذدة نظرا إلى كثرة المجاز فيه. فالمدارس المختلفة كانت 
تبحث عمًا يسوّغ تعليمها الأيديولوجي في النص القرآني. وتاريخ علم الكلام 
خير دليل على ذلك. حتى إن بعض الفرق الكلامية التى كانت تحمل طروحات 
متناقضةء كانت تجد ما يسؤغ طرحها في القرآن. فالنض القرآني» باحتماله 
تأويلات متنوّعة. خلق مناحأ من التنافس. كذلك نراه لا يُهمل الدور الكبير 
الذي أدّاه النزاع من أجل السلطة. إذ إن كل طرف كان يحاول أن ينتصر 
فيفرض مذهبه ويهيمن على الاخرين ويهمش مذاهبهم. إن الواقع الاجتماعي 
والسياسي أثّر كثيراً في انتصار فريق ضدّ آخرء وشجّع على تثبيت إشكالية 
القوى الغالبة والجماعات المهمّشة. لكن هناك ملاحظة مهمّة فى هذا المجال. 
إذ إن #تكدلف عو القول المسانيية ...رك نواه كانت تنيت الأفق الديس أو 
الرمزي نفسهء كما إنها كانت تستخدم الطريقة عينها في نقل واسعناكل 


(57) يقصد أركون بالنص المشترك (أو المجموعة النصية المشتركة (ونام:0© 16)) «تلك النصوص 
والعقائد التي تتبح لنا أن نتكلّم؛ كالأشعريء عن جماعة المسلمين». انظر: أركون» تاريخية الفكر العربي 
الإسلامى؛ ص 45. 

(00) المصدر نفسه. ص 44. 

(08) المصدر نفسهء ص 44. 


١65 


النصوصء وتأويلهاء كل وفق مصالحه. وانسجاماً مع أيديولوجيته. هكذا راح 
العقل الإسلامي يولّد المعاني التي تتلاءم مع المصلحة المباشرة لكل فئة 
تناضل» ليس فقط من أجل أن تبقى على قيد الحياة» وإنماء كما سبق أن 
أشرناء من أجل أن تبسط سلطتها وتفرض هيمنتها على الباقين. 

إن المجتمعات الإسلامية التي كانت تشهد هذه الصراعات لم تكن 
حدودها ثابتة. فالحدود الجغرافية كانت تتبدّل انطلاقاً من قوة السلطة المركزية 
وقدرتها الفعلية على ضبط الأوضاع. لذلك كانت القوى المهمّشة والمتمرّدة 
تقطن دائماً فى الأطراف. كلما قوي شأنهاء كانت تتحرّك وتقلّص من سيطرة 
السلطة المركزية؛ والعكس صحيح. يرى مفكرنا أن عوامل الهيمنة في 
المجتمعات التي عرفت الظاهرة الإسلامية هي ثلاثة : 

١‏ أنظمة القرابة السائدة فى المجتمعات القائمة على النسب والعصبية 
الدموية ما قبل الإسلام. 


؟ - الدولة ‏ المجتمع التي تفر رض تراتبات هرمية وظائفية بين المسلمين/ 
وغير المسلمين. الأحرار/ والعبيد؛ الرجال/ والنساء. الحضريين/ والريفيين 
والبدو. . . إلخ. 


 *‏ الدولة ‏ الأمة (بالمعنى الدينى لكلمة أمة) الطوباوية التى تحاول أن 
تتجاوز حدود النسب والععكية وتلغيها وها ول جارد الفراوق الماع 
والاقتصادية والعرقية. ولكنها لا تمتلك الأدوات المفهومية ولا الأطر الثقافية ولا 
التقنيات التأطيرية الضرورية والملائمة لتحقيق ذلك2500, 


لا شك في أن هذه العوامل الثلاثة كان لها الأثر الواضح في هيمنة فئة 
على أخرى. وفي اتساع بقعة السلطة أو ضيقها. إنما المصادر التي توفرت عن 
وضع كل فئة» نادرة وشبه مفقودة. لذلك كان من الصعب التعرّف بشكل كافٍ 
إلى وضع كل فئة من الفئات المتنافسة» سواء على الصعيد البيئي أم البنيوي. 
أو على صعيد آلية الاشتغال التي تعتمدها كل فئة لتعبّر عن ذاتها. 


هناك قاسم مشترك يوحّد بين كل عقلٍ تمكن من استلام السلطة والسيطرة 
لفترة محدّدة. هذا ما يسمّيه أركون بالعقل الأرثوذكسي. هذا العقل الذي استطاع 


(59) المصدر نفسهء ص 44 56. 


أن يفرض نفسه تدريجياً وكأنه الأكثر صحة»ء وكل ما سواه بدعة وضلال. فهو 
وحده بإمكانه أن يعبّر بكل أمانة عن التعاليم التي وردت في النصوص المقدسة. 
لا يقبل العقل الأرثوذكسي بإمكانية أن تتوصل العقول المنافسة إلى ما توصل إليه 
فوردن مبعة ومكيقية: كوا ]كه لأا ينه قرا نمه :وميفيه الاحتعالية ولا درت 
بالاستراتيجية الدوغمائية لآليته ووظائفيته وطريقة اشتغاله وممارسته. كما إنه لا 
يعترف بالضعف النظري لتراكيبه)””'2. فهو يعتقد بأنه فوق التاريخ» ومعصوم عن 
الخطأء لا تجوز مناقشتهء فهو يملك الحقيقة النهائية التي ظهرت في النص 
القرآني. ومفهوم الحقيقة في علم البلاغة يعني المعنى الحرفي للكلمة؛ وهو ما 
يعنيه مفهوم المجاز الذي اعتّبر أداة أدبية مهمّتها إغناء الأسلوب القرآني وتجميله. 
لكن المجاز لم يدرس إبستمولوجياً بعد. أي لم يؤخذ بالاعتبار كونه «محلا 
ووسيلة لكل التحويرات الشعرية والدينية والأيديولوجية التي تصيب الواقع»”'"2. 
ينتقد مفكرنا فى هذا المجال الذين اعتادوا أن يدرسوا العقل الإسلامى فى 
مرحلته الكلاسيكية» انطلاقاً من وجهة نظر السلطة الرسمية فقطء والتي رسّخت 
خطأً واضحاً من خلال ما أنتج من أدبيات عالمة؛ وليس من أدبيات شعبية. 
هكذا فقد أهملت الحضارة الشعبية» وما أفرزته من أدبيات وحركات فى 
المجتمع . بإذاها ذكرقى ان الس نيد وانيه على التحرك غنها تهنا 
ا ل ل ا ل ل ل ل 
نفسه ومعقلن» وذلك وفقاً لعمل لفقل الأرثوذكسي. لم يقبل أركون هذه 
النظرة» وهر يلح على أن يدرس بدقة كل وظائف الإسلام» وسعة انتشاره» 
معتمداً على البحث فى الحياة اليومية الأكثر اعتيادية للشعوب التى تجذرت 
رسيت فى مماوسيات عط واكل:: لجتكمعانك. الى عر فنع لطا هراة "الاباك ةا 
لم يكت 8 تقدمه السلطة الرسمية أو العقل الأرتو دكن عن الإسلام» أراد أن 
ينزل إلى رتبة الشعب» بثقافته وممارساته اليومية» فاكتشف عند ذاك أنه لا 
يوجد إسلام واحدء. كما زعم العقل الأرثوذكسي. إنما هناك أنواع متعددة من 
الإسلام أو إسلامات» وذلك بقدر ما يوجد من فئات عرقية ‏ ثقافية. يرد هذه 
الاختلافات ليس فقط إلى استمرارية هويّة كل فئة عرقية ‏ ثقافية» وإنما أيضا 
إلى تاريخ الروابط التي بنيت بين كل فئة وبين الدولة الإسلامية المركزية. يقصد 


م4 المصدر نفسه ٠»‏ ص 46. 
)5١(‏ المصدر نفسهء ص 48. 


١68 


أركون بالهوية مختلف «العقائد والعادات والفنون وطرز الاندماج البيئوي مع 
الطبيعة والذاكرة الجماعية ونظام القرابة وتقسيم العمل وكل المعطيات التي 
لقن اي الوسوة المومون: هط أن معدى سار المسط نالك ربا نو لي 
الإشلده ويطقهيا لعل له أ كام معزي 


من الضروري أن نتوقف هنا عند أمر يلحظه مفكرنا إذ يشير إلى أن الدين 
الإسلامى كان قد حافظ على الكثير من الشعائر والعقائد التى عرفها الدين الوثنى 
العربي, هناك العديد من الشعاتن لها أصول ميعذة إلى ما قبل الإشلام» يذكر 
بعضاً منها على سبيل المثال: الحج إلى مكة» والاعتقاد بالجن. وقصص عديدة 
تحت المؤمن على التقوى وهي بيده لحرو م و اتويت القديمة. لقد 
أعاد القرآن توظيف هذه الأنقاض» «أنقاض خطاب اجتماعي قديم «لكي يبني 
«صرحاً أيديولوجياً) جديداء كما تشهد بذلك سورة الكهيف م770 . 

يمكن أن نلاحظ في هذا المجال أن المقاربة التي يقوم بها أركون لا 
تهمّش. كما فعل العقل الأرئثوذكسي. الثقافة الجاهلية. لقد أراد أن ينفتح على 
مختلف الناس.» أو الفاعلين الاجتماعيين - بحسب تعبير علم الاجتماع - بكل 
فئاتهم. لم يحصر اهتمامه بالسلطة المركزية» والطبقة الحاكمة» وما تقدّمه من 
حقائق عن ذاتها وعن المجتمع. أشار مراراً إلى أن هذه السلطة لم تكن ثابتة 
طيلة الوقت» فعندما كانت قوية استطاعت أن توسّع انتشارهاء وتفرض تطبيق 
الشريعة. أما عندما كانت تمر بفترات الضعف. فكانت قاعدتها الاجتماعية 
تتبدّل». وقدرتها على السيطرة تنهارء الأمر الذي أذى في أكثر الأحيان إلى بروز 
الموروث القديم السابق على الإسلام» والذي لم يكن قد اختفى نهائياً بعد. 

من هنا يتوجّه أركون إلى المؤرخ لكي لا «يهتم فقط بالسلطة المركزية 
وكتابة تاريخها وتاريخ القطاعات المدجّنة التابعة لهاء وإنما ينبعي عليه أن يوسّع 
من فضوله العلمي وأن يكتب تاريخ من لا تاريخ لهم : أي كل الفئات المهمشة 
والمنبوذة والتي كانت حتى أمد قريب خارجة عن نطاق السلطة المركزية»”؟'". 


إن منهج النقد التاريخي يفرض تحرير الفكر من مختلف أشكال التصوّر 


(87) المصدر نفسهء ص .٠١4‏ 

(18) محمد أركونء نافذة على الإملام» ترجمة صيّاح الجهيّم (بيروت: دار عطية» »)١983‏ 
ص .١1١6‏ 

(54) أركون. قضايا في نقد العقل الديني : كيف نفهم الإسلام اليوم»؛ ص 177. 


١9 


والإدراك التي سبق أن فرضها التراث الإسلامي والتى رمت في دائرة الظلمة 
والجامزية كن نجوانيا الححكام العربي ما قبل الإسلام. صحيح صحيح أن القرآن 
يتحّث بوضوح عن حصول صراع من أجل بلوغ السلطة ما بين فئة جديدة في 
المجتمع غرفت «بالمؤمنين»»: وبين القوى التقليدية الموجودة والتي عرفت 
ب «الكفار؛ المشركين»» لكن لا يجوز أن تتم مقاربة هذا الصراعء في وقت 
لاحق. انطلاقاً من وجهة النظر اللاهوتية التي ثبّتها رجال الدين في سبيل دعم 
سلطة الخلافة. من الضروري التحرّر من هذه النظرة عند القيام بمقاربة الجدلية 
الاجتماعية التي وردت في القرآن ما بين المؤمنين/ والكافرين. 


يشدّد مفكرنا في هذا المجال على نوعين من العصبية انتشرا في كلية 
العصبية الناتجة عن التلاحم والتضامن مأ د بين الدولة الكتابة 55 
الثقافة 0 العالمة  )531072216(‏ الدين الرسمى. 


00 1) - الثقافات ار شعية ب الأديات أو الأزثو كنات مس0 


إن التعارض بين هاتين العصبيّتين استحوذ كثيراً على اهتمامه. فلم يُهمل 
عصبية على حساب الأخرى» ولم ينحاز لواحدة ضد الأخرىء فهما كانتا على 
تفاعل مستمرّ ولا يجوز فهمم عصبية واحدة بمعزل عن الثانية. إن التعارض الذي 
أشار إليه ليس محصوراً بالمجتمعات الإسلامية» إنما هو موجود في سائر 
المحديكات البشرية. عرفة مكة والمدينة هد] العسار ص سن عناض 157 
و577م,. وذلك خلال فترة الدعوة المحمدية. لكن الأجيال اللاحقة» قد خلعت 
على الخطاب القرآني كثيراً من المبالغات المعنوية والرمزية؛ ما أذى إلى تحويل 
وتوقبة الذ كا ميك له الب يمكن أن تختبرها كل الحضناراة 
إلى رتبة الحقيقة الكبرى المتعالية. هكذا أضيعة تجربة محمد البشرية المادية 
المحسوسة تجربة تفوق الطبيعة البشرية وهي بالتالي متعالية» خرجت من إطار 
الشروط المكانية والزمانية المحدودة في بيئة معيّنة. 


من هنا على المفكر الباحث أن يولي اهتمامه بالعصبية الثانية» على الرغم 
من محاربة السلطة الرسمية لها. إن المنهج التاريخي يعطي الأهمية لمختلف 
(15) أركون» تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ص 159. 


11 


القوى المهمّشة ولأبعادها الواقعية والحقيقية. لأنه يأخذ بالاعتبار الدور الذي 
قامت بهء والأثر الذي تركته في المجتمع. لقد هُمَسْت العصبية القبلية أو 
البدوية» وخط من شأنهاء من قبل الخطاب المسيطر الداعم للسلطة»؛ وذلك 
عن طريق قتل أعلامها الثقافيين والاجتماعيين. هناك على سبيل المثال تلك 
الحرب التي شنّتها الدولة المركزية ضدّ الشيعة والخوارج؛ كذلك هناك اضطهاد 
اللغات والثقافات غير العربيةء بالإضافة إلى مختلف أشكال السلطة التى 
اقطيدك القوى المعارعة لبا "مدل «الشلظة الساففة للدرلف. أو .الشلطظة ايده 
للمثقفين (الذين يعرفون الكتابة)» أو السلطة الثقافية للنخبة الحضرية التى تسكن 
المدن والعواصيء أو السلطة الاقتصادية للتجار وملآك الأراضي أو السلطة 
الذكة اللعليناء 2١‏ رمعال“الديره) أو اسلطة الأزلاء والصالحين يك 


[اكلعةه الملطات عازبيت توعا من عمرانةة التعالى والتقاوين + وإعيناء 
الطابع الأسطوري على مجمل الكتابات التي أنتجتهاء وذلك في سبيل خدمة 
مصالح الدولة المركزية. ودعم سلطتهاء وترسيخ مشروعيتها. 

يبدو جليّاً هنا أثر المنهج التاريخي. ومن ثم المنهج الأنثروبولوجي على فكر 
أركون الذي دعا إلى إبراز دور القوى المهمّشة والمستبعدة» كما طالب بالكشف 
عن .مجال التقديس :وعتمليات:التجالي التي اعجملاتها المتمارسات الديئيةب"السياسية. 
«في الواقع. اننا لا نستطيع أن نحلّل بشكل جيّد التجربة الدينية المرتكزة على 
حركة اجتماعية ‏ سياسية إذا لم نستشكف مجال التقديس (58:6 ©.1) الذي تتجلى 
فيه وتفكتد الله اشكن خرف المتارينات" الذزقية تن البسياس 071 


إن في هذا الكلام نقداً واضحاً لكل القراءات التي طَبّقت على التراث 
العربي - الإسلامي والتي أهملت المنهج التاريخي والمنهج الأنثروبولوجي. لم 
يعد مقبولا اليوم إهمال الثقافة الشفهية والاكتفاء بالثقافة المكتوبة في مختلف 
المجتمعات وبخاصة في المجتمعات التي عرفت الظاهرة الإسلامية. فالتاريخ 
يجب أن يذكر كل قطاعات المجتمع وليس فقط قطاع الثقافة المكتوبة الذي 
تمئله الدولة المركزية وما أنتجته من أعمال سياسية وثقافية» كما يجب التنبّه إلى 
كل العوامل التي تؤثّر في المجتمع وليس فقط العامل الديني» فهناك عوامل 
أخرى. كالعامل اللغوي مثلاء والعامل العرقي. والعامل الجغرافي ‏ التاريخي 


(50) المصدر نفسه. ص 155. 
(700) المصدر نفسه. ص 575. 


السابق على الإسلام. والعامل الاقتصادي. وغيره. إن عملية الإحاطة بكل هذه 
العرامل تفرض على الباحث المفكر أن يتقن مناهج علوم الإنسان والمجتمع 
الحديثة. لم يعد من واجب المؤرّخ الحديث للفكر أن يبحث عن الحقيقة 
المطلقة وبقبض عليهاء لأن ذلك وهم وسراب. لقد أصبح من واجبه أن يدرس 
مختلف العقائد الدينية أو المذاهب الفكرية بشكل موضوعى ومتخصّص. لقد 
اتوسعت حدود الموضوعية في علم التاريخ الحديث وأمسححه كن كلف 
المذاهب والعقائد: المنتصرة منها والمهزومة. الغالبة والمغلوبة» الرسمية 
السلطوية» والمعارضة على حدّ سواء)!*". 


أصبح له أهمية» وهو يستحق عناء البحث والتدقيق من أجل التعرّف أكثر إلى 
حقيقة المجتمعات وتركيبة الثقافات وآلية اشتغال العقل. 


يعي مفكرنا تمامأ صعوبة البحث في أمور غير مدونة» تنتمي إلى شعوب 
فزية» ثقانتها عنهية لكب يري أنه بحت عل الباعية تغط المتعويات 
وعدم الاكتفاء بما هو متوفر. هاجسه الإحاطة بمختلف جوانب الحقيقة, 
والخروج من سجن النظرة الأحادية الجانب التي تختزل الواقع وتحقره*". 


نلحظ أنه ينتقد بشذة التاريخ التقليدي للأفكار الذي يُعلّم في المدارس 
والجامعات لأنه يعتمد على انتقاء بعض الأسماء المشهورة ويركز عليهاء 
مستبعداً كل من سواهاء ما يؤذي إلى تقديم صورة بعيدة عن واقع هذه الأسماء 
القممء لأنها انتزعت من سياقها التاريخي. من هنا فقد اتبع في أطروحته 
«المنهجية الحديثة في كتابة تاريخ الأفكار: أي المنهجية التي تربط بين حركة 
الأفكار من جهة» وحركة الواقع أو المجتمع من جهة أخرى». إن ذلك ضروري 


(14) محمد أركونء نزعة الأنسنة في الفكر العربي : جيل مسكويه والتوحيدي. ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الساقئ. .)١94951‏ ص .5١4‏ 

(19) حتى إنه عندما اختار موضوع أطروحة الدكتوراه ‏ التي قدّمها في جامعة السوربون - لم يشأ أن 
يدرس مفكرا عظيما ومعروفا في تاريخ الفكر الإسلامي؛ إنما اختار مسكويه والتوحيدي المصئفين 
ثانويين. لم يكتفٍ بالاهتمام فقط بالعباقرة أو القمم في الحضارة الإسلامية؛ فانشغل أيضا بالقاعدة 
العريضة التي لها دور فاعل في التاريخ» لكنها مُمّسْت. يقول في هذا المجال: «ولهذا السبب اخترنا 
دراسة مسكويه عن قصد. فقد كان هدفنا منذ البداية يتمثّل في تبيان دور الكاتب «الثانوي» ومكانته في 
تكوين ثقافة ما ونشرها. ولذا فقد نهضنا بشدّة ضد تاربخ الأفكار التقليدي الذي لا يركّر اهتمامه إلا على 
القمم والشخصيات الكبرى». انظر : المصدر نفسهء ص 5114. 


ل 


لكى يقدم صورة تاريخية عن مسار الفكر على مدار القرون» لا صورة تجريدية 
0 
أو مثالية تقبع فوق السحاب (...))0". 


هذا التركيز على النظرة الشاملة لمختلف القوى الفاعلة في التاريخ وربطها 
بالواقع يبرز بوضوح المنحى الذي اتخذه المشروع الأركوني. كذلك نجده عندما 
بحث في القوى الذهنية لم يشأ التوقف فقط عند العقل. بل شمل في بحثه 
المخيلة والرمز والأسطورة من دون فعل الباقون. 

إن الكلام على إشكالية السلطات الغالبة والجماعات المهمّشة المغلوبة 
على أمرها سوف يفضي إلى التوقّف عند إشكالية أخرى أثرت في آلية اشتغال 
عمل العقل الاؤس لأنها تكدف هن معطم دون العدل او الفط متو قناز 
الخيال والأسطورة والرمز. 
؟ ‏ إشكالية القورى الذهنية الغلاث : العقل والمخيلة والذاكرة 

«فليس بالعقل وحده يحيا الإنسان» وإنما برطوبة الخيال أيضاً وجموحه 
واتساعه الخلاق"". من الصعب أن يقبل بهذا الحكم ليس فقط رجال الدين 
والفقه المسلمين وإنما أيضاً علماء الاجتماع والسياسة العموم. لأنهم ‏ كما 
يشير مفكرنا ‏ غير مستعدين للربط ما بين عمل العقل وعمل الخيال. إن ما هو 
سائد يكمن فى الفصل بين هاتين القوتين الذهنيتين واعتبارهما كشيئين متضادّين 
نل الجدعته ار لذلك نجد من الضروري أن نتوقف عند كيفية مقاربة 
أركرة: لهذه الافتكالية. 


يكمن أساس هذه الإشكالية في الفرق الجوهري الذي يميّز النص القرآني. 
أو أي نض تأسيسي آخر: عن النض التفسيري. لقد:ركر أركون كثيرا في أبحائه 
على إبراز الفرق والتمييز بين الخطاب النبوي العابق بالرموز والإشارات والمجاز. 
والخطاب المفسّر له الذي أنتجه الفقهاء ورجال الدين. إن الانتباه إلى هذه الناحية 
مهم جداً من أجل التوصّل إلى فهم أعمق لإشكالية العقل في الإسلام. فلغة القرآن 
رمزية في معظم الأحيانء بينما لغه الفقهاء يطغى عليها الطابع الواقعي. إن القرآن 
«لا يزال يحبل» بالمعانى المتجذدة حتى الان». لغته «ليست حرفية بقدر ما هى 
بتبجينةه متفجرة بالمخاز الرائم الذئ جلت الالنايم دا في حين أن له 

.578 المصدر نفسه. ص‎ )7١( 

(١ل)‏ أركون. قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم؛ ص .5٠١‏ 


1١17 


المفسرين هي لغة عادية» واقعية. حرفية عموماً”""". لذلك نجد اليوم أن 
الخطاب القرآني يؤثر في زه نفسية المؤمن بشكل عميق ويخترق حياته ويبدل نظرته 
إلى أمور عديدة »2 وذلك عن طريق استخدام لغة شعرية ذات بنية أسطورية. 


نود هنا أن نتوقف عند ملاحظة مهمة تتعلّق بترجمة مصطلح (6طالالا) 
بأسطورة في اللغة العربية. فعندما يقول مفكرنا إن بنية الخطاب القرانى 
أسطورية» فهو يعني أنها تضبطية :"أق أنه «عدما مسعفد لمة ا 0 
يتقتتييها الفصصن . ونين الأبطورة يعن > الحكانات الحراقة الى علق 
نبا بالسقهفة :' وتوكد فائلا : 7[ العريث ]3 رعسو الكلمة اللحيية ماك 
بالأسطورة قد منعوا أنفسهم من التفكير بهذا المصطلح ووظائفه التي لا تعرّض 
لبناء المتخبل الدينى. إنى انتهز هذه المناسبة للتأكيد على هذه النقطة لأن الكثير 
نمكتو قن ارمكنا نمطا فادها إذ فيهزا الأحطور ة ينين الكتكان 
الأسطؤوية أو الدرافة التي ل اشاس الها .ومذا نما يؤدي بالطيع إلى تدسير القع 
الالبتو ري المعلص ال 0 


إن مايهمَ أركون في دراسته للقصص القرآنية» ليس مطابقتها للواقع 
التاريخي والتحقّق منهاء إنما نجده ينشغل بكيفية صياغة هذه القصصء وتركيبها 
بشكل مبدع؛ وبأسلوب بلاغي رفيع. ما يعطيها قدرة كبيرة على الإيحاء وتهذيب 
النفس وإرشادها إلى الحق. لقد استخدم الخطاب القرآني أساليب أدبية وبلاغية 
عديدة لكي يرفع بعض القيم الأخلاقية» ويهمّش بعضها الآخر. لقد واجه الكثير 


(0/) المصدر نفسه. ص آلا١‏ -لال9١.‏ 

(76) نود أن نشير هنا إلى أننا كنا قد فصّلنا في بحث سابق مفهوم الأسطورة وأهميته في فكر 
محمد أركون. أنظر: أبى نادرء «مدخل إلى دراسة فكر محمد أركونء' الفصل الخامس. ص 157. إن 
ما يهِمّنا إبراز خصوصية المنهج الذي اعتمده مفكرنا في نقده للعقل الإسلامي؛ من خلال التركيز على 
دور الأسطورة والبنية الأسطورية للخطاب القرآني»؛ من دون أن يُحقّر أو يهمّش البعد الخيالي ويكتفي 
فقط بالبعد العقلاني. فهو يشدّد على أن الخيال كالعقل قوة ذهنية لدى الإنسان, لا يجوز إهمالها أو 

(5/) محمد أركون. الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. ترجمة وتعليق هاشم صالح (بيروت؛ لندن: دار 
الساقي؛. ٠154١)ء‏ ص .١46‏ يعلّق هاشم صالح في هذا المجال على كلمة أسطورة فيرى أنه انطلاقاً من 
المعنى الأنثروبولوجي للكلمة فإن الأسطورة «هي عبارة عن تجميع ذكي وناجح لنتف متفرّقة من حكايات 
قديمة تعود إلى عهود قديمة. ولا يهم في الأسطورة مطابقتها للواقع والتاريخ. وإنما في تشكيل «قصر 
أيديولوجي» منيف وناجح من عناصر متفرّقة1. انظر تعليق هاشم صالح في: المصدر نفسه. ص ؟١5.‏ 
الهامش رقم 45 


١ 





والتاريخ. والشخص البشري. لذلك كانت القصص هى «أفضل إطار أدبي 
وأفضل وسيلة فنيّة لهذا العرض الجدالي القوي للقيم الجديدة التي يريد فرضها 
محل قيم الشعوب الضالة. العاصية. التي رفقضت أن تسمع نداء نهم 


لقد كان حضور الأسطورة فاعلاً ومهمّاً في تاريخ الوعي الإسلامي. وهو 
مستمر حتى اليوم لأنها جزء مكوّن للوعي البشري. فالبُعد الأسطوري ليس 
موجوداً فقط في التراث إنما أيضاً في الوعي الإسلامي. فالطقوس والشعائر الدينية 
مزالت تحيط بحياة المسلمين اليومية. والطقس أو الشعيرة الدينية مرتبطة 
ومتضامنة مع الأسطورة» وهي نوع من «التعبير الشفهي والإشاري ‏ الحركي عن 
ال 00 إنها تؤدي دوراً نينا في استرجاع مختلف الدلالاات والمعاني 
التى ترافق الوعى. وهى تجسّد الشهادة الحمّة التى تدل إلى الدين الحى الذي 
بعديظه اتسنا بك لكر هنذا المسجاك أن « اشر :دوي هن" الرييلة 
الوحيدة للدخول في تماس مع ان أو مع التقديس»”"". ْ 


لذلك. إنه من الضروري الاعتراف بالأسطورة كأسطورة» بمعنى أنه يجب 
فصلها عن كل ما هو تاريخ واقعيى محسوس. إن هذه الخطوة المنهجية أساسية 
وهي تشكل أحد أهم الإنجازات المعرفية للفكر الحديث. فالقدماء لم يميّزوا 
بين الأسطورة والتاريخ. ولم يكن بإمكانهم أن يفعلوا ذلك. إذ إن الفكر في 
القرون الوسطى كان محكوماً بضرورة الخلط في ما بينهما. 


من هنا يمكن القول إن كل فكر أسطوري» ترسّخ في يقينياته» لا يمكنه 
أن يتجّه نحو الفكر الإيجابي الواقعي. لكن العكس غير صحيح.ء بمعنى أن 
الفكر الإيجابي الواقعي قد تمكن من قطع المسافة وأعاد الاعتبار إلى الأسطورة 
وإلى مكانتها الخاصة في الفكر البشري. لذلك كل فكر تاريخي لا يمكنه أن 
يتغاضى عن الواقع وما يصيبه من تغيّرات» فهو يدرس الانقطاع كما يدرس 
الاستمرارية داخل المجتمعات. في إطارها الزماني ‏ المكاني المعروف. أما 
الفكر الأسطوري في المقابل فهو يقع في اللازمن» لأنه يتبع طريق التعالي 
والتقديس. يصعد نحو الأصول ويعرّي أسسها التوليدية والمتزامنة. 


(75) أركونء الإسلام. الأخلاق والسياسة. ص 27. 


(7,7) أركونء نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكويه والتوحيدي. ص *77. 
(0/ا) المصدر نفسه. ص "7"7”. 


١6 


انطلاقاً مما تقدّم» نجد أركون يقف ضدّ الفصل النهائي بين البعد العقلاني 
والبعد الخبالي» ويرفض بالتالي الرؤية الثنائية الانقسامية التي تقيم التضاد بين 
هذين البعدين. هذا ما سنبيّنه في ما يلي عندما سنطرح إشكالية العقلانيات 
والبينات المخيالية كخطوة أولى» ومن ثم إشكالية العقلانيات والمخيلة الإبداعية 
العرفانية كخطوة ثانية» في سياق بحثنا حول إشكالية القوى الذهنية الثلاث: 
العقل :والتكيلة والد اكز 


أ إشكالية العقلانيات والبنيات المخيالية 


يشْدّد مفكرنا على أن «اللغة الدينية مرتبطة بالمنطق الشعري أكثر من 
ارتباطها بالمنطق العقلاني. إنها تغذي الخيال وتهرّ العاطفة أكثر مما تسجن (أو 
تعجر ) القاري) الى عقا لالم وتسوودات وكرافد 0 
بداية هذا الفصل إلى انتى كلمةا عق للد ورد فى القرآن. وهو مغاير لمعنى 
العقل عند أرسطو. هكذا فقد ظهر الاختلاف في تلقّي اللغة الدينية؛ هناك من 
يتبع طريق العقل والنُظم المنطقية الصارمة؛ وهناك من يتبع طريق القلب والعاطفة 
والخيال. نجد أن تشابكاً حصل بين العامل الخيالي/ والعامل العقلاني يعود 
تاريخه إلى زمن بعيد. لقد تمكن العقل لأول مرةء في اليونان الكلاسيكية؛ من 
أن يثبت قدرته على مواجهة الأسطورة. لن نطيل الكلام هنا على تاريخ الصراع ما 
بين العقل/ والأسطورة» لكن نود أن نشير إلى أن هذا الصراع ليس حكراً على 
الفكر العربي الإسلامي وحده؛ لقد عرفته الحضارات الأخرى. 


«إن إعادة الاعتبار للفكر الأسطوريء في الغربء» تمثّل رد فعل على مرحلة 
الانتصار المنطرّف للعقل التكنيكي ‏ المنطقي». والوضعي (في القرن التاسع عشر 
وحتى منتصف هذا القرن). هكذا يبدو أن زمننا الراهن يمتاز بأنه يعترف» وللمرة 
الأرلى» بالأسطورة كأسطورة. وإدخالها مع كل قيمها الإيجابية (الواقعية) ضمن 
إطار معرفة تعدّدية)57"', يما أن الخطاب النبوي ذو بنية شعرية» أصبح من الممكن 
أذ يفهم البوم كز مو يوه الببحت في الفكز الفيني كه التتفال هذا المكر مين 
التي كانت تواجه كل من يتحدّث عن الأسطورة ودورها في هذا المجال. 


. كنا قد أشرنا فى 


(78) أركون» الفكر الإسلامي قراءة علمية. ص .7١7‏ 
0 المصدر نقسه. ص .١55‏ 


١15 


نلحظ أن مفكرنا ينتقد كل من يهمّش فى بحثه دور الخيال على حساب 
تعظيم شأن العقل» ويقصد بخاصة أعمال المستشرقين الذين لم يهتمّوا بدراسة 
هذا الجانب المهمّ وتحليله. يعتبر أن الخيال له تحديدات عديدة””* وهو يطابق 
في أحدها مفهوم الذاكرة عندما يقوم باستحضار صور الأشياء التي كنا قد 
رأيناها وذلك عن طريق تجسيدها وتحيينهاء وأنه بالتالى «ملكة أو وسيلة 
للتصوّر والمعرفة مرتبطة بالعقل في كل العمليات التي يخوضها من أجل 
الأؤرالك والعمير و العف الوص 537 


لذلك لا يجوز أن نفصل هذه الملكة عن عمل العقل». ونحصر اهتمامنا 
كما فعل المستشرقون بمفهومّي العقل والعقلانية. إن التطرّف في تطبيق العقلانية 
الوضعية ‏ الذي عرفته أوروبا في القرن التاسع عشر ‏ قد رسّخ جهلا كبيرا في 
مفهوم الخيال؛ ما أدَى إلى اعتباره شيئاً مقصوراً على الأدب والحكايات. 


نود أن نشير هنا إلى الفرق بين مصطلحين هما: خيال (52]1080أع قم]) 
ومتخيّل (5816أ128): نظراً إلى الأهمية التي يحتلها هذا الأخير في فكر 
أركون. لقد بلور علماء الأنئروبولوجياء وعلماء التاريخ الحديث مصطلح 
المتخيّل وهو جديد حقاً. لم يتوصّل بعد أهل الاختصاص إلى تبيان حدوده 
ووظائفه بشكل دقيق. لقد أرادوا به ردّ فعل على التطرّف المادي الذي وقعت 
فيه الماركسية في دراسة التاريخ. فالعامل المادي ليس المسؤول وحده عن حركة 
التاريخ ٠‏ بل هناك عوامل أخرى كالعامل الرمزي مثلاء الذي أذى دوراً مهمّا في 
مجتمعات القرون الوسطى». وفي مختلف المجتمعات الزراعية. 


إن المتخيّل هو مجمل التصوّرات المنقولة بواسطة الثقافة. وكانت هذه 
الثقافة معمّمة شعبياً في الماضي بوساطة الملاحم والشعر والخطاب الديني. 
المدرسة ثانياً. وبهذا المعنى يمكن القول. بالطبع» إن لكل فرد ولكل مجتمع 
متخيّله الخاص المرتبط باللغة المشتركة00. 


نلحظ هنا أنه لا مفرَ من التحدّث عن المتخيّل والبحث بوظائفه حتى فى 
التق لمزيد من التفصيل حول تحديدات الخيال التي يذكرها أركون» انظر: أركون. الإسلام؛ 
الأخلاق والسياسة. ص 4. 


(81) المصدر نفقسهء» ص 1 
(815) المصدر نفسهء ص .6١‏ 


1١ 11/ 


المجتمعات المعاصرة التي يُظن خطأ أنها همّشت أو قضت على الرمز والمجاز. 
يتشكل متخيّل جماعة ما عبر التاريخ؛ داخل الذاكرة الجماعية أو في الذهن. 
فتمتدٌ جذوره إلى أعماق اللاوعى». وهو يثور ويتحرّك داخل الجماعة كلما تدعو 
الحاجة. إن المتخيّل ليس شيئاً ثابتأ يعلو على حركة التاريخ فهو يتبدّل لأنه مرتبط 
بتطوّر المجتمع وتقذمه العقلاني. فهناك مثلاً متخيّل إسلامي ضد الغرب». ومتخيّل 
غربي ضد الإسلام. لقد توقّف مفكرنا عند عدائية كل متخيّل تجاه الآخرء وحاول 
تجاوزها. فالمتخيل يعني في هذه الحالة «جملة الأحكام المسبقة والجبّارة التي 
يكتها شعب ما تجاه الشعب الآخر (أو طائفة ما ضد الطائفة الأخرى. أو مذهب 
ما ضد المذهب الآخره أو طبقة ما ضد الطبقات الأخرى. 0 


كذلك نجد مفكرنا عندما يفكك آلية اشتغال العقل الدينى يتحدّث باستمرار 
عن «المتخيّل الديني» الذي يربط كل شيء بالكلام مس وهو ١مركب‏ 
(بالمعنى الأكثر عضوية وحيوية لكلمة تركيب) بواسطة الصور المتعالية التى 
لا ل دعا دو اع لبي الى اندي ا وا ود انان بان م 
تراسظة امجتكان اللفه عرد طون كلتو وبوشاطة الشكر ان التطائري .بحت تلع 
على المتخيّل قدرة دائمة على تمئّل كل الأشياء المحسوسة أو الذهنية المطلوب 
تصرّرها. وكل ذلك داخل إطار من الرؤيا المتماسكة والمنسجمة)!**6. 


يمكن أن نلحظ هنا ارتباط المتخيّل باللغة الدينية ذات البنية الأسطورية 
والمجازية ما يغذي فاعلية المتخيّل ويدعّمها. لذلك نجد أن المتخيّل أصبح 
بمثابة مجموعة من العقائد التي يجب إدراكها وتطبيقها لأنها هي الحقيقة التي 
تعلو على كل نقاشء. أو تدخل يقوم به العقل النقدي المنفتح على المعرفة. 
هناك تقارب فى هذا المجال بين المتخيّل الدينى والمتخيّل الاجتماعى الذي هو 
اعبارة عن تركيبة ديناميكية مؤلفة من الأفكار - القوئ والتصوّرات المهيمنة مع 
دعامات وجودية متكرّرة. وهو يتغذّى من الخطاب الأيديولوجى الذي تنتجه 
الفئات الاجتماعية المتنافسة من أجل الهيمنة على الرأسمال الرمزي : أي على 
القيم المحورية التي تجدّد هويّة كل فئة من الفئات)””67. 


(8) انظر مقدمة هاشم صالحء في: أركونء أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ : من فيصل التفرقة 
إلى فصل المقال. ص ١‏ . 

(84) أركونء الإسلام» الأخلاق والسياسة. ص .٠١‏ 

(86) المصدر نفسه. ص .١١‏ 


١718 


يربط أركون بين المتخيّل الاجتماعي والقوى التي تتصارع في المجتمع من 
أجل الهيمنة على الرأسمال الرمزي”'* عن طريق استخدام الخطاب 
الأيديولوجي المشحون بالرموز. فكل فئة منافسة في المجتمع تحاول أن تسيطر 
على الأخرى من خلال فرض رأسمالها الرمزي الذي يؤمّن استمراريتها 
ماح ريع والمرابة وقانون الشرف» وهي تغتني به وتحميه كما تحمي 
رأسمالها المادي. هكذا يمكن أن نرى مدى الأهمية التي يكتسبها المتخيل في 
مناهج علوم الإنسان والمجتمع الحديثة. فلم يعد مقبولاً اليوم غض النظر عن 
ذلك. وإهماله بحجة انتمائه إلى عالم المجاز والرمز. 


دق المحاز والرمز 


يقول أركون إن «التاريخ لا تصنعه فقط الأحداث والوقائع التي حصلت 
بالفعل. وإنما تصنعه أيضاً أحلام البشر وخيالاتهم وطوباوياتهم التي تشكل بحذ 
ذاتها قوة ماديّة تضغط على مسار التاريخ اننا 


إن هذا الموقف المعرفي الذي يتخذه مفكرنا يوضح مدى الأهمية التي 
يوليها لكل ما هو مرمي في دائرة الحلم والخيال والمجازهء إذ إنه يشكل قوة 
ضاغطة في المجتمعء وذلك من خلال الأثر الذي بتركة دي نفس الفاعلين 
الجا مين ل الكبير ا يحدثه الرمر ا العلامة عند كل 
مجموعة من الرموز والإشارات الخاصة. لذلك 0 تجار حا 
عن إطار المجتمعء كما إنه لا يمكن أن نفهم الإنسان مجرّداً عن مجتمعه. 


عندما انَخْذْ المسلمون النصوص المقدسة كوسيط. أو علّة لازمة لكل حكم. 
فقد أسهموا في زيادة الخلط بين عالمين مختلفين. هناك من جهة عالم الرموز 
والإشارات التي تحويها ل ا ا ومن جهة أخرى العالم المادي 
المحسوسء عالم الممارسات الاجتماعية ‏ التاريخية. إن الأمر زاد صعوبة» لأن 


(8) إن مصطلح الرأسمال الرمزي قد بلوره عالم الاجتماع الفرنسي بيار بور ديو (نءأل؟ناهظ عمعام) 
في : .(1980 ,التتصتالا :حموط) مناوناه'ام وررعى عا ,لاع للعناوظ ععروزط 

عندما درس منطقة القبائل الكبرى في الجزائر» فتبيّن له «أن الإسلام ليس هو العامل الحاسم في 
المجتمع وإنما هي الطقوس والشعائر السابقة على الإسلام بكثير. وهذا الكلام على كل المناطى ذات الثقافة 
الشفهية فقط سواء أكانت عربية أم بربرية لا فرق6. انظر: أركون؛» المصدر نفسهء ص 177. 

(40) أركون؛ المصدر نفسه؛ ص .18١‏ 


1١8 


المسلمين عبر التاريخ» لم يشكلوا نظرية خاصة بالعلاقة والرمز والإشارة. إن 
انتصار تيار التفسير الظاهري والحرفي للنصوص ساعد على تهميش كل التفاسير 
الأخرى. وبخاصة تفسير الغنوصية الباطنية. فضغط الأحداث السياسية قد أدّى إلى 
تغليب التيار الظاهري. وطمس البنية الرمزية التي يتميّز بها القرآن. «فالمناخ 
الرمزي الإبداعي الذي أسّسه القرآن» وافتتحه لأول مرة في اللغة العربي؛ راح 
يجف ويتجمّد عندما تحؤل النص المقذس إلى قانون أخلاقي وتشريعي صارم. لقد 
فقد روحه الإبداعية المثيرة لشتّى أنواع الدلالات والمعاني الرمزية»!*0. 


هنا تكمن نقطة اختلاف جوهرية بين نظرة مفكرنا إلى النص القرآاني» وبين 
نظرة المفسّرين من علماء دين وفقه. فهو لا يعتبر أن الرمز أو المجاز يحطان من 
قيمة النصء بل على العكس من ذلكء إنه يرى أن إحدى أهم خصوصيّات هذا 
النص تكمن في كيفية استخدامه القصص والرمز والمجازء ولا يجوز بالتالي 
إهمال البنية الرمزية والاهتمام فقط بما هو عقلاني. لذلك كان لا بد من العمل 
على تأسيس نظرية للرمز من أجل إثبات أن كل أنواع البنى الرمزية تسهم إلى حد 
بعيد في حت المجتمع على الانفتاح واسعاً على كل ما هو كوني. ولكنها أيضاً 
تسهم من جهة أخرى في حصر الجماعة, أو الطائفة» أو المجتمع ضمن 
صياغات خاصة جداً بالتعبير. وهى تسجنها داخل «أنظمة من ظلال المعانى 
والدلالات الحاقة* المسجلة في اللغة. والمؤيّذة» فقطء. في أوساط مستخدمي 
هذه اللغة الذين يستطيعون وحدهم العثور على الأصل التاريخي والمعنوي للقيم 
المرَسْمّلة والموظفة في الرموز والعلاقات)””"). 

هكذا أراد مفكرنا أن يشير إلى العلاقة الكائنة بين التعالى والتاريخية فى 
النص: القرآني» .وذلك على الصعيد 0 والسقائ "نن حي أن كلذ فن 
اتباع التيار الظاهري» أو التيار الباطني» لا يوافقونه الرأي» لأنهم يرفضون إقامة 
أي علاقة بين المعاني المتعالية وتجسيدها في مجتمع له رموزه الخاصة وأساليبه 


(88) المصدر نفسه. ص .14١‏ 

(89) يورد هاشم صالح في سياق تعليقه على ممطلح الدلالات الحافة ما يلي: «يقصد أركون 
بالدلالاات الحافة والمعاني المحيطة ما يُدعى في اللغة الفرنسية بال (000201811082). فكل كلمة أو مصطلح 
له معنى حرفي مياشر أي قاموسي (1(62701811080) ومعئى مجازي أو لمهأ غهاممومع) (...) والواقع أن 
العرب الكلاسيكبين كانوا يتحذئون عن ظلال المعاني بنفس المعنى. فهناك المعنى وظلال المعنى أو 
إيحاءاته». انظر: أركونء الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. ص 5١١‏ . الهامش رقم .5١‏ 

(40) أركونء الإسلام» الأخلاق والسياسة» ص .18١‏ 


1١6 


في الحياة اليومية. فالمطلق لا يمكن التأمّل فيه بمعزل عن المجتمع بكل أبعاده 
المادية والسياسية والاقتصادية واللغوية. لقد جاء رجال الدين والفقه فحوّلوا 
وحوروا كل ما هو منفتح ومتعالٍ ومطلق في النصوص الدينية» إلى قوالب 
جامدة وسجنوا فيها الحقيقة المطلقة. إن إلغاء الرمز والمجاز وعلاقتهما بالحياة 
اليومية للجماعة من شأنه أن يشْوّه جمالية النصوص الديئنية المفتوحة على 
المطلق باستمرار. 


من هنا صعوبة التعرّف إلى أي مجتمع بشري من دون الأخذ بالاعتبار 
فحوى كل من المصطلحات التالية: الأسطورة» والرمزء والمجاز»ء والإشارة» 
والعلافة و :والضبال: والنتهة ".إن من يريت دراية المسعيداض الفرتية 
الإسلامية بالعمق. ومعرفة بنيتها وكيفية تركيبهاء عليه أن يبحث في كيفية تطبيق 
هذه المصطلحات داخل الحقل الاجتماعي - التاريخي. فالنظرة العلمية تميل إلى 
اعتبار المجاز أمراً غير حقيفقي. لا ينتمي إلى الواقع. وليس من الضروري 
البحث فيه أو الاعتماد عليه من أجل التعرّف إلى مجتمع معيّن. كذلك إن 
فلسفة اللغة الكلاسيكية المرتبطة بالمنهج الفلولوجي تعتبر أن المجاز هو قشرة 
خارجية لا تؤثّر في الناحية المعنوية الرئيسة. فكل كلمة تحيل مباشرة إلى الشيء 
نفسه» ولكل اسم مسمّى يشير إليه من دون سواه. أما فلسفة اللغة الحديثة التي 
ترتكز على علم الألسنيات فلا تقرّ بوجود علاقة مباشرة بين الكلماتة والاشياء. 
إنما هناك دائماً وسيط ما. «فالشيء قد يكون له أكثر من اسم في أكثر من لغةء 
ثم إن الاسم يحيل إلى صورة الشيء في الذهن (أي المرجع) لا إلى الشيء 
ذاته. وبالتالى فالمجاز لا يمكن أن يحوّل بمثل هذه السهولة إلى لغة أحادية 
الحكق او | حائية: التداني؟ كه زعر ' النعياة الارثر يول مين مقرو القران 
وحؤلوه إلى قوانين وأحكام وقوالب جامدة وثابتة وجوهرانية. .. وقالوا إن هذا 


هو المعنى الوحيد» وما عداه باطل)”. 


ينتقد مفكرنا الفلسفة اللغوية الكلاسيكية لأنها قد جعلت نصوص الوحى 
جواهر اسمية ثابتة ومجمدة فى إطار صياغات لغوية تخص نظام العلامات الذي 
يحكم الآلية اللفظية والمعنويّة للغة العربية. 


(1) نود أن نشير في هذا السياق إلى أن هاشم صالح قد أعاد النظر في ترجمة مصطلح 
«عمنهوتوهد1» فاستبدل لاحقاً كلمة متخيّل بكلمة مخيال». لعل ذلك أصوب لغة. 


(0)انظر تعليق هاشم صالح في: أركون. الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد.ء ص 25١‏ الهامش 
ركم 15. 


١/١ 


إن البحث في المجاز يُعتبر اليوم من المسائل الصعبة نظراً إلى عدم وجود 
نظرية متكاملة تسمح للباحث بأن يتوضّل قل إلى الكنا اللدوى العرك السعين 
ولمكانته الفلسفية. وهي صعبة أيضاً بسبب وقوع التحديدات اللاهوتية التقليدية - 
من قبل اليهود والمسلمين ‏ بالخطأ الكبير عندما اعتبرت بشكل مسبق وجود 
حل لمشكلة المجاز والرمز في الخطاب الديني. لذلك نود أن وشا نادي 
عند تصوّر أركون لكيفية قراءة المجازء. والعجيب المدهش فى القرآن» علّنا 
نوضح أبرز الخطوات المنهجية التي يجب اتخاذها على هذا الفيقيد 


(؟) المجاز والعجيب المدهش فى الخطاب القرانى 


يرى أركون أن الخطاب القرآني يتميّز بصفة تكوينية تفعل وتؤثّر في 
المؤمن. أي كلما يتلو المؤمن هذا الخطاب يُخلق ويُصاغ وفقاً لتحديداته 
الخاصة. عند لحظة التلفظ بالآيات القرآنية وصياغتها اللغوية يتم فعل تكوين 
هذا الأمر يعود بيحسب علماء الألسنيات المعاصرين إلى أن المجاز المستخدم 
في القرآن والذي يثبّت مادة رمزية غنية «هو مرتبط بالإبداع المعنوي الدائم بقدر 
ارتباطه بالحدث التاريخي المحسوس الذي أدَّى إلى انبثاقه لأول مرة (فى 
الخطاب القرآني٠‏ في و ارو 3 


من هنا يكتسب المجاز أهمية كبرى» ولذلك كان لا بد من الناحية 
المنهجية الانتباه إلى أن المجاز يبقى حياً فاعلاً فى النفوس طالما هو قادر على 
أن يجسّد المطابقة بين البعد المتعالي والواقع 2 الذي يتكرّر عبر الزمن. 
إن هذه المطابقة التي يقوم بها الرمز تجعل المؤمن يختبر بعمق العلاقة 
الوسائطية عينها التي تربط بين ذروة التعالي والكون المحسوس الذي يحيط 
بالمؤمن. تبرز هنا فاعلية الشحنة الروحية التي ينقلها المجاز وذلك منذ لحظة 
الكاق الرعي: ميض “تلكرنا ع الإشارة إلى أهفة دور الوشاظة الذى قوم انه 
المجاز لكي يصل ما ,ب بين الوجود المادي والتجرية الماورائية. ويؤكد في هذا 
المجال أن وظيفة الابتكار المعنوي التي يؤدّيها المجاز «تمكننا من فهم 
الصراعات والتوترات التى أثرت فى التفاسير الإسلامية بكل أنواعها: من 
صوفية» وتيولوجية كلامية (أصول الدين): وقانونية (أصول الفقهء الشريعة). 


(91) أركون. الإسلام» الأخلاق والسياسة. ص 15. 


١7 


كما إن فرضية المجاز الوسائطي (... هذه تمكننا من تجاوز المتضادات 
الثنائية العتيقة بين الظاهريين الاك 8406 


إن التفسير الذي قدمه الفقهاء. للمجاز لم يعد مقبولاً لأنه يُحججم هذا 
الأخير في دور محدود يكمن في إضفاء التعالي على الواقع المحسوس»ء 
وتسهيل الهروب من التاريخ الأرضي والارتفاع نحو عالم الحق» وتجميل 
الأسلوب الأدبى. فالتركيبة المجازية للنص القرآنى هى أبعد من ذلك» لأنها 
تقوم على تحريك الحياة والوجود ككل انطلاقاً من الإمكانات الجمالية والغنية 
التى تحويها اللغة. يجب ألا يهمل الباحث هذه التركيبة لأنها رافقت النبى فى 
كبر نجاود 1 تنواكا انين لواف لك جحي مواق اللمو مين 
الأولىء واليوم تترك الأثر الكبير في نفوس المؤمنين من خلال تحسّس وإدراك 
العجيب المدهش. 

إن العجيب المدهش كما يظهر في القرآن هو نوع من تجلّي العقل 
المتعالي الذي لا يمكن لأحد أن يسبر أغواره» من هنا تنبع وظيفته الكبرى التي 
لا يمكن الإحاطة بها. إن المؤمن عندما يترك كلام الله الحي والخالق يخترقه 
حتى الأعماق. نجده يتفاعل بكليته مع هذا الوجود. فيصل إلى الاندهاش 
والانبهار. «هكذا نرى كيف أن القرآن يؤسّس علاقة تحسّس وعي أو 0 5 
وعي (ع501606م0)- 0و أامعوعع أنزممم10) مينية على قبول العجيب المدهش : 
الجميل والخيّر واللانهائي بصفته مكاناً أو فضاءً لانبئاق الشخص 0 
كذلك من الملاحظ أن الإنسان كلما غرق في التفكير بالعالم وما فيه من ظواهر 
محسوسة. أدرك عجز عمّله ومدى قصوره عن الإحاطة بكل ما من حوله. إن 
هذا الأمر يولّد حالة من الانفعال الماورائى فى الوسط الفلسفيء. ويؤدّي إلى 
الانكباب على البحث عن فرضيات جديدة في المجال العلمي. من هنا نرى أن 
المومن بعلمب له القمكم بعائل التحكلمة اللذمتتاهية الى 'تسيطر ملق النظام 
الفحيه للكون: 

بشير أركون إلى أن الفكر اللاهوتي الأرثوذكسي في المسيحية كما في 
الإسلامء وعقلائية النخبة» قد صتفا العجيب المدهش أو الساحر الخلا في 


خانة العقائد الخرافية والأدب الشعبىء أي فى درجة ثقافية دونية تخصٌ الأطفال 


(914)المصدر نقسله + ص 590. 
(45) أركونء الفكر الإسلامي قراءة علمية.ء ص .١9١‏ 


1١7 


والشعوب «المتخلّفة". لقد بلور الفكر المسيحي مصطلح الخارق للطبيعة 
(أع1لناة معتددع1) لكي يقطع مع هذا المفهوم للعجيب المدهش» وليرتفع إلى 
عقلانية متماسكة في الإيمان. وليتوصل إلى وقائع لا علاقة لها بالمجرى الطبيعي 
للأمور. أما الفكر الإسلامي؛ وضمن الخط نفسهء فهو يستخدم مفهوم الأمور 
الإلهية أو أمر الله ليدل إلى «واقعية أنطولوجية» لا يمكن أن ينقضها أحد. 

يحدد مفكرنا هذه الواقعية الأنطولوجية في الإيمان بعفو الله والوحيء 
والمعجزات. . . إلخ. ا لا يمكن التوصّل إلى ضبطها عن 
طريق الحواس»؛ كما إنها لا تفسر انطلاقا من قانون السببية» فهي صحيحة وحقيقية 
اكدراسة المنطات: لطس هن هذا تلط رففن النكي الدمي: التصيد دفن 
العجيب المدهش أو الساحر الخلاب» ويرميه في دائرة المستحيل التفكير فيه. 

لقد أصرّ أركون في أكثر من موضع. على طرح مسألة الممكن التفكير 
فيهء والمستحيل التفكير فيه» واللامفكر فيهء في سبيل الكشف عن أشكال 
التسلّط التي مارسها العقل الأرثوذكسي في الفكر العربي ‏ الإسلامي. إن هذه 
المتاهيد الماذقة بقيت تجهولة من قبل الفكر الاسلامي»- كما إن غلم الامتتراق 
لم يبحث فيها. سوف نتوقف عندها نظرا إلى أهميتها قبل أن نعرض منهج 
تحليل الحكايات في القران. 

أراد مفكرنا أن يغني تاريخ الفكر الإسلامي عندما طرح هذه المفاهيم 
الثلاثة» وذلك عن طريق تسليط الضوء على الرهانات المعرفية والثقافية 
والأيديولوجية التي تظهر في أثناء صراع التيارات الكثيرة التي استبعدهاء 
والمحرّمات التى وضعها. إنه يريد أن ينشّط الفكر الإسلامى المعاصر من خلال 
كتف 5ل اهدرو رس لدي رمك شيم د نيا عت ادغ كد سك 
الحقيقة الوحيدة. يرى ”أن الممكن التفكير فيه (61ةوهعم 16) بالنسبة إلى أمة لغوية 
ما في فترة ما هو الشيء ال لل و ل ا 
المتوفر في تلك الفترة»”'*'. بتعبير آخرء إن ما هو ممكن التفكير فيه يشكل ذلك 
البشوان ادق تبح لعفل .أن يسول دحل ولد ور. مخطيف إن سيق كل ءا 
يقَرْه التراث الرسمي المقدس ويضفي عليه الطابع المقدس من خلال استخدام 
رهبة النصوص التأسيسية والسلف الصالح ومختلف الشخصيات الكبرى المتّخذة 
باعتبارها أنموذجاً مثالياً والتي يجب أن يعود المؤمن إليها ويعيش عليها. 


() المصدر نفسهء» ص 5904. 


1١/6 


انطلاقاً من هذا التعريف نستطيع أن نفهم ما هو مستحيل التفكير فيه 
(©61ةودعمصرة"1). أي «ما هو مستحيل إيضاحه في الفترة ذاتها والبيئة 
الاجتماعية ‏ الثقافية ذاتهاء وذلك إما بسبب 1 النظام المعرفي وطراز 
العقلانية الخاص بالنظام الاجتماعي ‏ الثقافي الموجود. وإما بسبب أن الذات 
المتكلمة (المؤلف) كانت قد تمثّلت على هيئة رقابة ذاتية للإكراهات المتجسّدة 
بالأيديولوجيا المسيطرة (...2)» وإما أخيراً بسبب أن توتر الفكر يصل إلى 
منطقة ما يستعصي على الوصف والتحديد ومنطقة الكثافة التي لا يمكن سبرها 
لكا 


يعطى أركون أمثلة عديدة على المستحيل التفكير بهء نكتفى بذكر ثلاثة 
منها. :هناك مفهوم الوسحدانية أو الإبمان بالآله: الراحد الذي كان من:الستحيل 
التفكير به في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام. لقد اعتّبر القرآن مخرّبا في 
هذه البيئة الولنية والنبن مهذمأ لعقائد الآباء في ذلك الزمن. أما دراسة 
العجبب المدهس :فى التران + والبنيةالمتجازية: للخطات القراني». فتعتير البو 

نن الممائل الممفحيل التفكر هاه أر”اللانقكر نان عهالك ابفا مفهوها 
الانتقاء والذاكرة الأسطورية ‏ التاريخية اللذان استبعدهما التراث وأدخلهما فى 
ذائرة اللامشكر” يت لأنه. إذاذننا' تبحك قبهها سعة الكعنت. عين كل امنا مخاول 
التراث إخفاءه. 


هكذا راحت دائرة اللامفكر به أو المستحيل التفكير بهء. أو اللامقال ‏ 
تتسّع يوماً بعد يوم. حتى بلغت في المرحلة المعاصرة أوجهاء إذ إنه في 
المرحلة الكلاسيكية من تاريخ العقل الإسلامي كانت هناك الور بيصت 
من خلال المناظرات الفكرية التي نفتقدها اليوم. إن منهج مفكرنا يهتمّ إلى حدّ 
ا ل 
وبالمكشوف والمسموح التفكير فيه. نشير إلى أنه عندما 00 
المستحيل التفكير فيه واللامفكر فيه حاول أن يظهر محدودية كل مفكرء 
اختصاص عملي أو فئة اجتماعية» أو ثقافة بشرية مهما علا شأنها. اابمعنى أن 
لكل ثقافة منطقة مسموح التفكير فيها/ ومنطقة أخرى ممنوع التفكير فيهاء 
وهناك حدود عازلة تفصل بين كلتا المنطقتين. وقل الأمر نفسه عن مفكر ما. 
فالمفكر مهما علا شأنه تظل له حدود لا يتخطاهاء وهي حدود لا واعية في 


(/910) المصدر نفسهء؛ ص 1504 100, 


١/6 


معظم الأحيان. وينعكس ذلك كله على اللغة (أو المصطلحات. أو المفردات) 
الى يتكدميا ال 


يظهر واضحاً هنا أيضاً تأثّر أركون بمناهج علوم الإنسان والمجتمع التي 
ترفض أي ادّعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة والرأي المستقيمء وتخضع كل حكم 
لمجهر النقد والتفكيك. إن من يطبق المنهج التاريخي؟ ٠‏ سوف يدخل كل حدث 
في التاريخ؛ وكل السو لكريم بصبح اليا كاير بشروط بيثيّة ودينيّة 
وثقافيّة وسياسيّة ولغويّة محددة. 


من هنا يمكن أن نفهم الخط الذي يربط مختلف نصوص مفكرنا. كل ما 
يحلله يُخضعه للتاريخية ويفككه ليكشف عمًّا هو مخفئ فيه. لذلك عندما درس 
التسجومن الكييةالإشاكاقا بو يشا فيه القر اق قر نف ع اله القسصية لسر 
وحاول أن يرسم منهج تحليلها. 


إن من يبحث في القرآن تستوقفه حكايات عديدة. بعضها يطول ليتوزع 
على أكثر من سورة. كقصة النبىَ موسى مثلاء وردت في 71 سورةء وغيرها. 

كمرحلة أولى» يجب تطبيق النقد التاريخي الذي من شأنه أن يحدّد مختلف 
«أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات 
القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي امد قفد اركرن ماه 
أنه من الضروري 000 الأسطرة. أو إضماء الطابع المتعالى. على 
الأحداث المحسوسة التي حصلت في الواقع» وذلك من أجل تصعيدها. 

أما المرحلة الثانية من دراسة القصص فى القرآن فهى تكمن فى تطبيق 
التحليل البنيوي لإبراز كيف أن القرآن يبلور. كما يفعل الفكر الأسطوريء 
«شكلاً ومعنىئ جديداً؛. أي عملا متكاملاء مجهّزاً بطريقة استخدام وأسلوبية 
خاضية فن اللعة العرية"**. بشن" أناعية السيطاب القراى مرقطة. .بأسالنت 
اللغة العربية: وبخاصة كيفية استخدام المجاز. 

إن هاتين الخطوتين المنهجيتين مهمّتان. إذ إن الواحدة منهما تكمل 

(48) أركرن» قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ص .4١‏ 

() أركونء الفكر الإسلامي قراءة علمية» ص .7١*‏ 

.707 أركون.ء تاريخية الفكر العربي الإسلامي.: ص‎ )٠٠١( 


١/6 


الأخرى. من الضروري أن يعرف الباحث مدى تشظى الأساطير التى أعيد 
الجعداي: ا ل 0 0 
القرآني ما بين الأسطورة والتاريخ» وما بين العجيب المدهش والأحداث 
الواقعية التي حصلت فعلا. 


يشير أركون إلى أن هذا المنهج صعب جداًء ويتطلب صبراً طويلاً وهو 
يحاول في هذا المجال أن يسهّل الطريق. يريد أن يلفت انتباه الباحث إلى أن تمثّل 
قصص الأنبياء بشكل صحيح. يحناج «من قبل وعي المؤمن إلى علاقة (إدراك ‏ 
وعي) مشابهة لتلك العلاقة التي تتطلبها كل الحكايات الأسطورية من أجل 
التصديق بها"”' ''“. فالمؤمن هنا ليس مجرّد مستمع لحكاية مسلية» فهو ينخرط 
بكل وعيه بما يسمعه. لقد أصبح جزءاً لا يمكن فصله عن «بنية تمثيلية ثابتة» يشكل 
الله فيها المحور الأساس. فهو المرسٍل والمرسل إليه في آن. إنه يرسل الكلام 
والأحداث فيتحذد بذلك تاريخ النجاة» وترسل إليه طاعة المؤمنين وفقا للميثاق. 

كذلك يبرر دور الأنبياء في هذه البنية التمثيلية كمساعدين لعمل الله 
ودور فرعون باعتباره أنموذجاً للشرّ المطلق والكفر بالميثاق. أما البشر فهم 
الذين ترسل إليهم النعم الإلهية ويرسلون هم الطاعة والشكر لله. إن البحث في 
هذه البنية التمثيلية القصصية ضروريء لأنها تؤمّن اللحمة العميقة التي تربط 
كل الأحداث بشكل مستمر ولأنها «توجّه الإدراك والإحساس بهذه الأحداث 
وذلك م لخو 0 ..) الأمة لماي لكي اللو كل الور الفعَال 


يلحظ مفكرنا أنه كلما يظهر نبي في التاريخ تتسارع أحداث «الدراما 
الخلاصية». فقصص الأنبياء تكشف عن توتر ما بين تاريخين: الأول أنموذجي. 
مثالي يتوجّه نحو الآخرة والثاني دنيوي فارغ بر بقوى الشْرّ الموقتة. وما 
التذكير بنضال الأنبياء وما يحقّقرن من انتصارات فى مواجهة الشعوب الكافرة؛ 
إلا تققيط للدم ليطا العاميسى فن تغالاتة الا نمو خسة: المسري مه هنا باق 
دون الوم “سد المؤين لكي تمك :مج إمواكا هذ النفية الأتعراجة لتاريع 
النجاة. فعليه أن يخترق المجال الرمزي لمفاهيم عديدة كالحياة والموت والأمل 


.707 أركون.ء الفكر الإسلامي قراءة علمية. ص‎ )٠١١( 
,5١14 نفسه. ص‎ ردصملا)٠١5(‎ 


١ /ا/ا‎ 


واليأس» أي عليه أن يتجاوز الفصل المعهود ما بين الواقعي والخيالي» 
والتاريخي والأسطوري. لذلك (إن «قصص» الأنبياء الواردة في القرآن لا تقترح 
فقط مجرد نماذج أخلاقية ينبغي أن تقلّد وتحتذى وإنما تقوّي الرؤيا الأخروية 
وتتوجّه إلى وعي مفتوح على العجيب المدهش ومتقبّل له ومنغمس فيه)"":". 

هكذا يمكن القول إن أثر الخطاب القرآنى ما زال فاعلاً عبر القرون» وهو 
رلك فى كلب المرلن كارا تشم "عمف دعل نوهلا لأن لسعلل لعشي 
المدهش ويتقبّله في وعيهء فيستخدمه كدعامة ضرورية في كل تجربة يخوضها 
في الانفتاح على عالم الكائن والكينونة. لذلك يبدو مهما جدا الدور الذي يؤديه 
العجيب المدهش في القرآن. إذ يشكل الفضاء الحيوي حيث ينمو الوعي الديني 
ويحيا وينتعش. لقد بات من الصعب جداً اليوم» بعد ازدهار علم الأنثروبولوجيا 
والاهتمام بالأدب الشفهي, أن نجرّد الوعي الديني من مفهوم العجيب 
المدهش. على الرغم من معارضة رجال الدين الذين يحتقرون هذا المفهوم. 
من هنا يأتى إصرار مفكرنا على التحديد النسبي للعجيب المدهش وللعقل معاأء 
وهو يعتقد أن هذه النسبية تبدو واضحة في القرآن. لقد ركّز في تحليله على أن 
«مفهوم العقل غير موجود في القران يميصق اهنا عه كان الفكد 
الإغريقى على الساحة العربية ‏ الإسلامية»”؟''©2. وما القراءة الإسلامية المعهودة 
للقرآن والتي تؤكد استخدام العقل بالمعنى الأرسطي إلا مغالطة تاريخية؛ لم 
يعد مقبولاً الاعتماد عليها أو الاكتفاء بها. 

لقد التزم أركون بإعادة قراءة القرآن مستخدماً كل ما يقدّمه علم الألسنيات 
من معطيات وإشكاليات حديثة» مطبقا منهجية البحث التاريخي الذي ينفتح على 
العلوم الأخرى كافة. قدّم لنا من خلال أبحاثه مثالا تطبيقياً عن الأبحاث التي 
قام بها من خلال اتخاذه العجيب المدهش كمنطلق له. وهو يرى «أن تطبيق هذا 
المفهوم على القرآن يعطي مردوداً ضخماً إذا جاز التعبيرء ويتيح لنا الانخراط 
في إعادة قراءة القرآن من جديد. وكل ذلك سوف يمكننا من القيام برد فعل 
ضدّ تراث طويل جدا من تفسير القرآن وقراءته. هذا التفسير المغموس بوعي 
ديني كامل. وعي فوق تاريخي أو يتجاوز التاريخ)2":*7. 


.75١4 المصدر نئفسهء ص‎ )٠١*( 
,5١١ المصدر نفسه.ء ص‎ )١5( 
,5١١ نفسهء ص‎ ردصملا)٠١6(‎ 


١174 


نلحظ هنا أن مفكرنا لم يكتف فقط بشق الطريق وبالحديث عن ضرورة 
استخدام المناهج الحديثة. وتقديم المقترحات المفيدة» إنما نجده ينخرط فعليا 
في تطبيق ما نادى به» ما يكسب مشروعه صدقية أكثر وفاعلية أكبر. لقد بدأ 
بالعمل وهو يعي تماماً حاجته إلى من يلتزم معه نظراً إلى ضخامة المشروع 
واتساع حقل العمل. بخاصة في ما يتعلق بتحليل القران على مستوى المفردات 
التي يستخدمهاء وعلى مستوى صياغته الأدبية» لكي يتم الكشف عن كيفية 
تشكيل الوعي الديني. إنه يريد من خلال أبحاثه أن يطرح مشكلة حاسمة بالنسبة 
إلى الفكر الإسلامي المعاصرء إنها: «تاريخية القران وتاريخية ارتباطه بلحظة 
زمنية دوا ريفية بحن مين كان العقال يعاري الله وعينه تطريف تمينة 
ومحددة"'''©2. ويريد أيضاً أن يتجاوز الكثير من الصراعات والتوترات التي 
عرفها التاريخ البشري» بخاصة التوثّر ما بين العقل/ والأسطورة» وما أنتجته من 
تضاد فى الفكر الإسلامي بين المعنى الظاهري والمعنى الباطني» أو بين 
المداوس الشاتر سه الى العويي تكدرففه لماكو وجرن !الم اوس لضي فية: الى 
فحت على ميطد لف التدابين المشاتية فيناك وائها اتكالية دام ييز المقلاقة 
المركزية الصارمة من جهةء. والتركيبات الرمزية للخيال والمتخيّل. 


ب - إشكالية العقلانيات والمختلة الإبداعية العرفانية 


أردنا ان نتوقف هنا عند هذه الإشكالية التى عرفها الفكر العربى الإسلامى 
لأنه بات من الضروري» على صعيد المنهج النقدي. أن نعيد النظر في 6 
مفهومّي العقل واللاعقل. 

لقد عملت الأنثروبولوجيا الدينية على تحقيق هذه الخطوة المنهجية من 
خلال دراسة إشكالية المقدس/ والدنيوي في المجتمعات البدائية» ومقارنتها مع 
الإشكالية عينها فى المجتمعات الحديثة والمعاصرة. نشير فى هذا السياق إلى أن 
اركون قد تأثر بقوة بالأنتروبولوجيا الديثية» 'فهق علق الرغم من تبثيه أطروحات 
الحداثة» وتشديده على أهمية العقل لا يُنكر دور اللاعقل» أو هذا النمط الآخر 
من العقلانية الذي عرفه الفكر الإسلامي مطلقا عليه اسم التصوّف. إنه يختلف 
هنا مع الجابري الذي» كما سنرى في القسم الثاني. اعتبر أن الفكر الصوفي 
العرفاني علامة واضحة على استقالة العقل العربي؛. وغرقه في ضبابية الفكر 


(0 المصدر نفسهء ص ؟١1.‏ 


١7/4 


الهرمسي والشطح البعيد عن نظم البرهان وقوانينه. كذلك نود أن نشير إلى أنه 
لا يمكن البحث في الفكر الإسلامي من دون التوقف عند الصوفية كتيار فكري 
وضع تعنتما لخؤياً وتقنبا خاضام والح خطانا ترا عنما سواه من الفياراكه 
يحمل في طيّاته نظريات متفرّدة» كما أوجد أسلوبه في ممارسة الحياة الدينية 
من خلال الشعائر والاحتفالات التي يندمج فيها الجسد والروح فيسهمان في 
تجسيد الحقائق الروحية. 


يحدّد أركون التصوّف قائلاً: «إن التصوّفء. فى مقصده النهائى والأعمق. 
يمك ألا التسررة الكينا له كه الغا لمعي وا بترسحايى .كن الحوفق والاله 
الشخصي (...). وق وك ا ري مص تايط وها بي للم قر 
الصوفي إلى ذاته. والتجربة التي تحظى بالتأمّل على هذا النحو (...): ثم توضع 
كتابة تغذّي المريد الذي ينخرط في السلوك الصوفيّ تحت إمرة شيخ ما0””'". 


نلحظ هنا التركيز على العلاقة الفردية التي يقيمها المريد بينه وبين الكائن 
المطلق وهي علاقة تستوجب الكثير من الانفتاح على كل ما يؤمّن اللقاء 
باللامتناهي. عم كه الذي نشا أت بين الملتزمين بحرفية النص والمنادين 
بالغرص إلى العمق من أجل اكتشاف ا لذلك سيد الكثير من اتباع 
التصوّف على يد السلطة المركزية الصارمة التى تذدعى أنها تمتلك الحقيقة 
وتحارب باسم العقلانية. 1 1 


يربط مفكرنا بين نشأة الصوفية وتطورها في المجتمعات الإسلامية وبين 
إشكالية السلطات الغالبة والجماعات المهمّشة والمغلوبة على أمرها. يريد أن 
يبرز البعد الاجتماعي والسياسي للصوفية من أجل توضيح أسباب التوترات التي 
سبّبها متصوّفة كبار داخل 5 نذكر الحلاج الذي أعدم عام 9957م كمثال 
و المجال. إن - ا 0 حماسة ا د 
ني في المجتمع والانتماء إلمهاء والذين موا ف انا 0 
عر اجتماعياً لنشأة الحركات الصوفيةء وهو يريد أن يبدّل بذلك النظرة 
السائدة التي 7 تعتبر أن الصوفية حركة خارج الزمان والمكان. بعيدة عن كل 
مشروطية ا أو اقتصادية. إنه ينلتهد الاتجاه المثالى والجوهرانى الذي 


.١97 أركونء الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد. ص‎ )٠١0( 


١18٠ 





يعتمد الثبوتية» وقد سيطر على معظم الباحثين في الفكر الإسلامي. هكذا 
ارتبطت الصوفية بالطبقات الكادحة؛. وتطورت هذه العلاقة إلى أن وصلت إلى 
درجة الارتباط بالمرابطين أو الأولياء الصالحينء. وبسكان القرى الذين خرجوا 
عن نطاق السلطة المركزية. كما حصل في المغرب الكبير. 

لقد أصبحت الصوفية في القرن التاسع عشر «حركة إخوانية متنوعة جدأء 
وشهدت المنافسات بين القبائل والعشائر التي راحت تعبر عن نفسها في طقوس 
واحتفالات مختلفة تميّز كل إخوانية أو طريقة من بقية الطرق الأخرى. وقد 
راحت الطرق الصوفية تجهد فى محاولة اكتساب الرفعة والشأن والمكانة 
السياسية والأنصار عن طريق إرسال المبشرين المرابطين إلى كل أنحاء العالم 
الإسلامي بعد تدريبهم مسبقاً في زاوية صوفية مرتبطة بشيخ ١‏ د 

يريد أركون أن يربط بين تدهور الحضارة العربية الإسلامية في مرحلة 
الاتعطاط وبين انما زا لش كاف المدرنية بواليقانها الكبي :يعن الدرة الدانك 
عشر في مختلف أرجاء العالم الإسلامي. لكنه لا يريد من خلال ذلك أن يحقّر 
الصوفية كاتجاه روحي سام. أو كدافع للاتحاد بالمطلق اللامتناهي. يمكن أن 
نلحظ بوضوح هنا الفرق بين ما ابتدأت به الحركة الصوفية وما انتهت إليه. إن 
أسماء مثل الحلاج والمحاسبي والجنيد وغيرهم لمعت في تاريخ الفكر 
الإسلامي. وأعمالهم ما زالت تفرض نفسها حتى اليوم على الذين يبحثون في 
علم النفس الديني. يورد مفكرنا في هذا السياق رأي لويس ماسينيون في أعمال 
الحلاج: «لقد بذل الحلاج كل جهده لمطابقة العقيدة مع الفلسفة الإغريقية. 
وذلك ارتكازاً على قواعد التجريد الصوفى وكان بذلك رائدا وسابقاً 
للغزالي:”*''". كما نذكر أيضأ ما توضل إليه ابن عربي في مسيرته الصوفية 
عندما أتى بنظرية وحدة الوجود حيث بلور موقفه من الوعي وعلاقته بالزمن 
وبعالم الأشياء. 


إن ما حصل فى ما بعد عند ازدهار الحركات المرابطة» والتنافس على 
كيت ننه الناسى» نقد أن الل علاين .فسا د السموفلة: عدي العا ةتف الى أن 
الغرب الذي افتتح المجتمعات الإسلامية إِيَانَ القرن التاسع عشرء قد اكتشف 
هذه الناحية من الإسلام. أي الإسلام المرابطي القائم على عبادة الأولياء 


(8١٠)المصدر‏ نفسهء ص .١159‏ 
)١١9(‏ المصدر نفسه. ص ,.١1098‏ 


18١ 


الصالحينء وعلى نشر التقديس في كل زاوية»ء فأساء الحكم عليه. هكذا فقد 
تغذى المتخيّل الغربي وكوّن صورة خيالية عن الإسلام. فالمستعمر الأوروبي 
الذي تموّس بالحداثة وبالفكر الوضعي شكل صورة سلبية عن الدين 
الإسلامي. لأنه اكتفى بما صادف من طرق وتكايا وزواياء ولم يقصد أن 
يتعرّف إلى هذا الدين والفكر الذي نتج منه في المرحلة الكلاسيكية. لقد 
راحت الاتهامات الغربية تطلق عشوائياً. فنُعت الإسلام. والمسلمونء والفكر 
الإسلامي بالتواكل والخمول والتقوقع والجمود والاستسلام لما هو «مكتوب». 
لا شك في أن هذه الأحكام المسبقة قد لاقت رواجاً في أوروبا وترسشّخت 
بسرعة في الوعي الجماعي. 

أراد مفكرنا من خلال أبحاثه أن يغيّر هذه النظرة» ويبرز خطأ هذه الأحكام 
المسبقة» فانتقد مراراً تشكل المتخيّل الغربي عن الإسلام» كما انتقد أيضاً تشكل 
المتخيّل الإسلامي عن الغربء فالاستبعاد متبادل. كما إنه شاء أن يلفت 
المجتمعات الإسلامية المعاصرة إلى عدم وجود أي إنتاج لاهوتي أو صوفي 
بساري ما فد الضرمانقا في مرحلة الإسلام الكلاسيكي. لم يعد مقبولاً اليوم 
العودة إلى التجارب والشهادات القديمة التى كانت تتضمن نزعة نحو التعالى 
كانت قد اخترقت ممختلف المجالاات الاجتماعية والثقافية. لأنها لا تكفى كي 
لذلك لم يعد ممكنا في أي مجتمم أن تسدنا علاقة الإنسان المعاصر بالألوهة إلى 
«الرأسمال الرمزي القديمء. ومعنى العجيب المدهش. والمناخ الأسطوري 
0 والمقدرة على الافتتان والسحر. فكل هذه الأشياء انتهت أو دُمْرتَ ليس 

فقط من قبل محيطنا المشكل من الباطون والأسمنت المسلّح والمعامل والمساكن 
الشعبية؛ وإنما المشكل أعمق من قبل الأسطورة ذات الأصل العلمانى 
والجمهوري التي حلت في مجتمعاتنا محل الأديان التقليدية)7١"2., ١‏ 

لقد أردنا أن نتوقف في سياق بحثنا في نقد العقل العربي الإسلامي عند 
إشكالية العقلانيات والمخيّلة الإبداعية العرفانية» من أجل إبراز إشكالية الباطن/ 
والظاهر التي سيطرت طويلاً على الفكر العربي الإسلامي. يعالج أركون هذه 
المسألة انطلاقاً من العلاقة التى تربط اللغة بالفكر. فهو يعتبر أن المفسّرين 
الكل سكي الدية: أناموا النضاد كن الشعان نوا للامقاك ف الأاك القر انسلف أن 
بن الأيات المضكمات/ والآيات المتشابهات» لم تكن لديهم تظرية متكاملة 


(١0)المصدر‏ نفسه» ص م 


تحيل 


حول الروابط ما بين اللغة والفكرء تدرس بشكل مناسب المجاز والكناية. 
كذلك لم يكونوا قادرين على فهم الأسطورة ك «مفتاح لنمط خاص من أنماط 
المعرفة»). ولم يكن لديهم تصور للرمز والعلاقة كعنصرين أساسيّن للدلالة. في 
كل نظام سيميائي؛. وبخاصة في نظام الخطاب الديني الغني بمضمونه والذي 
يولد أنظمة دلالية كثيرة. 


إن المفسّرين الكلاسيكيين كانوا يفتقدون كل مكتسبات علم السيميائيات 
والألسنيات الحديثة» أي لم يكونوا قادرين على فهم الدور الذي تقوم به.ء من 
خلال الخطاب الدينى. كل الأدوات البلاغية والألسنية أو السيميائية» من أجل 
تشكيل المعنى والدلالة. إن هذا الأمر لا يعني أنهم لم يعرفوا المجاز والكناية 
والمثل والقصة؛ ولم يستخدموهاء إنما المقصود أنهم لم يغوصوا في عمق 
الدور الذي تقوم به كل هذه الأدوات في سبيل تشكيل المعنى. حتى إن 
المحدثين بالكاد ابتدأوا يكتشفون «الوظيفة المؤسّسة للمعنى» هذه الوظيفة التي 
يشتمل عليها المجازء والرمزء والأسطورة» وذلك بالترابط مع تشكيل المتخيّل 
والحلقات التاريخية المتحوّلة للمعنى. فالمعنى لم يعد ثابتاً أو راسخاً أبدياً في 
التعالي. وإنما أصبح خاضعاً لولادة تدميرية مستمرة. أصبح المعنى مولدا 
بواسطة الإبداعية المعنوية وإبداعية الذات الإنسانية فى ظَلّ تأثير الحاجيات 
الوتجودية الجديدة بالعانى فإ ذللنه يفرة بالسروورة :الى عدفير ال لالاضه السارقة 
والمعنى السابق كخرلها وتجاوزها)"'". 

من البيّن هنا أن أركون يريد أن يتجاوز التضاد ما بين المعنى الظاهر/ 
والمعنى الباطن كما رسّخه المفسّرون القدماءء إذ لم يعد مقبولاً اليوم التغاضي 
عن مكتسبات علم الألسنيات الحديئة والسيميائيات» والاكتفاء بما قد توصّل 
إليه المفسّرون سابقاً. فالمتصوّفة ركّزوا على المعنى الباطن والمُضمّر الذي لا 
يمكن التوصّل إليه إلا عن طريق التصوّفء بينما نجد اليوم طرق أخرى بدأت 
تتفتتح من أجل سبر أغوار المعنى. مثل دراسة البنية العميقة والبنية السطحية في 
كل لغة بشرية» أو دراسة الخطاب الضمني والخطاب الصريح. 

يبرز الفرق جلياً بين منهج مفكرنا في مقاربة إشكالية الباطن/ الظاهر من 
جهة. وبين منهج الاستشراق ومنهج الإسلام التقليدي من جهة أخرى. 


(١١١)المصدر‏ نفسيه ٠‏ ص 6 


الذييل 


فالمستشرقرن والمفسّرون التقليديون يطرحون المشكلة من باب الموروث». أي 
إن هناك صراعاً بين اتجاه يغلب المعنى الظاهري ويتمسّك بحرفيّته» واتجاهات 
أخرى تحت التقيّة وتمارسهاء فتعلن غير ما تبطن كلما دعت الحاجة إلى ذلك. 
لا بد أن نذكر هنا بإشكالية السلطات الغالبة والجماعات المهمّشة؛ فالعقل 
الأرثوذكسى كان يرمى فى دائرة البدعة كل ما تنتجه العقول الأخرى. ويضطهده 
وينكل دا عي اه هؤلاء إلى إخفاء آرائهم. فالأرثوذكسية المنتصرة. 
كانت تعتبر أنها هي وحدها تمتلك الحقيقة. وكل ما سواها في ضلال. لذلك 
كانت تعمل على تحقير وتهميش واضطهاد الرأي المنافس. لأنها هي الأصح 
والباقي بدع وزندقات. هكذا فقد ألصقت صفة الباطنية على الجماعات المهمّشة 
الخائفة من بطش السلطات الغالبة» على الرغم من أن الباطنية ليست من 
طبيعتها ولا من جوهرها. مرّ الزمن على هذا التقسيم. من دون الأخذ بالاعتبار 
منشأه التاربخي والاجتماعي والسياسي؛ وأصبح التقسيم الظاهر/ الباطن يتخذ 
صفة شاملة تتجاوز التاريخ والشروط التاريخية.. 


أراد أركون أن يموضع إشكالية الباطن/ الظاهر ضمن السياق العام لتاريخ 
والأوروبي. إن هذه الإشكالية تمثّل في الإسلام نوعا من استمرارية الصراع 
الطويل الذي بدأ مع الفكر اليوناني ب بين الأسطورة/ والعقل. أو بين الخيالي/ 
والعقلاني. هناك أصلّ لغوي لهذه الإشكالية أيضاًء إذ إن لكل نص معنى حرفياً 
ظاهرياً وآخر مجازياً باطنياً. وما تصوير الصراع بين السئة والشيعة على أساس 
أنه صراع ببن أهل الظاهر وأهل الباطن إلا حكم سطحي ومتسرّع لأن مقولة 
الظاهر/ الباطن تخترق الاثنين معاً. إنه على الرغم من سيطرة مقولة المعنى 
الظاهري على الاتجاه السني والمعنى الباطني على الاتجاه الشيعيء نحد 
مفكرين كثرأ قد خرجوا عن هذه القاعدة. فابن عربى» المتصوّف السنى قد غرق 
في فكره الباطني ولم يشأ التوقف عند ظاهر النص. 


انود أن نشير إلى أن مفكرنا تخطى المزدوجة الثنائية التي تفصل فصلاً 
نهائياً بين الظاهر/ والباطن» أو بين السنّة/ والشيعة. وهو يعتبر أن القرآن يحوي 
دلالات ومعاني احتمالية موجهة إلى الجميع . وهي تستطيع أن تولّد تيارات 
عقبدية مختلفة بل متناقضة لدى الفئات التي تتعاطى مع النص. كذلك يرى أن 
مقاربة الصراع السّني/ الشيعي من الناحية الإبستمولوجية؛ أي من ناحية البنية 
المعرفية لنذى الطرفية؛. تكشف لنا الحنين إلى الأصولء. وبأن الفريقين يدافعان 


1 


ويبحثان عن الميراث الدينى نفسه. كما يلحظ أن البنية اللغوية التى هى أساس 
الطاب و لوق عله الخو دنه قا انعم بان حير ها رد تاو ال اللقةة لعزي عات 
مفرداتها. كما إن المبادئ والأوليات التي توجه المناقشات السنية/ الشيعيةء ده 
التوافق» نظرا إلى اعتماد المنهجيات نفسها في الخطاب المستخدم. إن الفريقين 
مثلا يستندان إلى سيادة القرآن والسئة اللذين هما محور النقاش. ويشكلان 
بالتالي «السيادة العليا أو المشروعية العليا المطلقة» في الإسلام. 


الأصل إذاً واحدء يستند إليه كل فريق ليرسّخ يقينيّاته» ويسوّغ أحكامه 
بشكل قاطع. يصر الاثنان معأ على أهمية وضرورة توحيد الوعي الإسلامي الذي 
لا يمكن أن يتم إلا عن طريق التحوّل الكامل للشيعة إلى المذهب السئيء أو 
للستة إلى المذهب الشيعي. يرفض أركون الدخول في متاهات الصراع الدائر 
بين الظاهر/ والباطن» إنه يفكك الخطابين الناتجين منه ليغوص في عمق البنية 
المعرفية ويكشف عن آلية اشتغال العقل. 1 


إن الفصل النهائي ما بين الاثنين غير مقبول لأنه بعيد عن الواقع وهو 
يدعو إلى الخروج من التصور التقليدي لهذه المسألة. نذكر في هذا السياق أن 
هاشم صالح يأسف من «أن التصوّر التقليدي لهذه المشكلة الفلسفية الكبرى لا 
يزال مسيطراً على الثقافة العربية المعاصرة. فهي مرتبطة بأحكام سلبية مسبقة 
سرعان ما تُستنفر تجاه المعنى الباطني والباطنيين. والواقع أن كل الناس باطنيون 
وظاهريون فى الوقت ذاته. وهذا ما يمكن أن نتحقّق منه من خلال التجربة 
ا 

بعد أن توقفنا عند إشكالية القوى الذهنية بجزثيها: إشكالية العقلانيات 
والبنيات المخيالية» وإشكالية العقلانيات والمخيّلة الإبداعية العرفانية» يمكن أن 
نستنتج مع مفكرنا «أن ما ندعوه "بالعقل» لا يمارس فعله أبدأ بشكل مستقل. 
على عكس ما أوهّمنا بذلك تاريخ طويل من الفلسفة واللاهوت في الغرب 
الأوروبي كما في الإسلام. العقل يمارس فعله ودوره دائماً على علاقة مع 
الخيال والمتخيّل»” ''''2. من هنا إن أي محاولة للفصل أو لإقامة المواجهة ما 
بين العقلاني/ والخيالي هي تشويه وطمس للحقيقة. هناك تداخل وتشابك في ما 
بينهماء ولا يمكن أن نجد أي مجتمع في العالم.. مهما كان وضعياً ومادياً» 


(؟١١)‏ المصدر نفسه. ص 7١؟.‏ الهامش رقم .١١1‏ 
)١1(‏ أركونء العلمنة والدين (الإسلام»ء المسيحية» الغرب). ص 52. 


١166 


يمارس آليته من دون تشكيل متخيّل ما. حتى النظام الجمهوري له متخيّل خاص 
به»ء يذكر أركون مثالا على ذلك النظام الجمهوري الفرنسي الذي شكل متخيّلاً 
حول العلمانية مستبدلاً به المتخيّل الكاثوليكي والملكي السابق. 


اليوم ومع تقدم المعرفة العلمية أصبح مفهوم العقلاني ومفهوم المتخيّل 
يحيطان بتعريفين أكثر مرونة ووظيفتين أكثر واقعية في الإنتاج المعرفي. لقد بدأنا 
نشهد تخلي العقل عن سيادته المطلقة واعترافه بقسط من التخيّل الذي يدخل في 
ممارسته الصارمة» بخاصة في مجال علوم الإنسان والمجتمع. يرى أركون أنه 
«حين نعترف بأن العقلاني والتخيّل وجهان مرتبطان» وفي توتر تربوي في كل فعل 
معرفي يقوده الفكرء فنحن نتحرّر من الفكر الثنائي الذي طالما عارض بين الفكر 
والخيال» بين العقل والأسطورة؛ بين التصوّر والاستعارة» بين المعنى الحقيقي 
والمعنى المجازي» بين الصواب والخطأء بين الخير والشرء بين العقل والإيمان» 
بين العلم والدين» بين العقائد الحقيقية والخرافات (. . .2١400).‏ 


في التعبير عن الواقع. وهي نوع من التصوّر والتحقّق الروحي الذي عرفته 
مختلف المجتمعات القديمة. وما إعادة الاعتبار للبعد الأسطوري إلا وسيلة 
أساسية تسهم في التوصّل إلى المضمون الواقعي لوعي القرون الوسطى بكليّته 
وهو أيضاً وسيلة تؤمّن التواصل ما بين فكر القدماء والفكر الحديث من خلال 
البحث عن معنى الوجود البشري. 


هكذا نجد مفكرنا يرفض الفكر الثنائي وينتقد كل عقل يذدّعي الهيمنة على 
الحقيقة» أكان العقل الإسلامي. أم العقل الوضعي. فكل عقل عقيدي يفرض 
يقينياته كصاحب سيادة على الآخرين وينتج تخيّلا للعقلانية يوظفه في الخطاب 
السياسي أو في الخطاب الديني وفقاً للظروف الاجتماعية والثقافية. يريد أن 
يكشف عن آلية اشتغال العقل العربى الإسلامى انطلاقاً من المنهجيات الحديثة» 
ذلك لا حدة ريمض نا انسعنة الجماعاه 'المضظهةة + والسشعدة + كما ننه ثم 
يحتقر العقل الشفهي. انتقد العقل الأرثوذكسي وأشار إلى نقاط ضعفه. لم يتعاط 
مع النص القرآني انطلاقاً من المنهج التقليدي في التفسير بل سخر كل ما اكتسبه 
من علوم الإنسان والمجتمع في سبيل بلورة قراءة جديدة أكثر انفتاحا على 


(1) أركونه تافذة على الإسلام. ص 51475 717. 


كما 


المعنى. أشار إلى عجز الفكر العربي الإسلامي عن دراسة التاريخ بأدق تفاصيله. 
وعن التعاطي مع الواقع بكل أبعاده المادية والاجتماعية والثقافية والسياسية 
والقانونية. لقد بقي هذا الفكر «عاجزأ عن التمييز بين التاريخ/ والأسطورة التي لا 
تزال تتحكم بالوعي تحت اسم الدين؛ أو القومية» أو العروبة». أو الأصالة» أو 
الاشتراكية. . . إلخ (. ..). هذه الأدلجة المفرطة للدين أو هذا الوعي الخاطئ 
بالأشياء وللأشياء هو ما نشهده أمام أعيننا اليوم»*2"5. 


تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن منهج أركون النقدي لم يطاول فقط 
العقل الدينى والخطابات التى أنتجهاء إنما أفرَدَ حيّزاً واسعاً أيضاً لنقد الحداثة 
واكط اف فى تطيق :المتااي والومعنة )!كما سيق أن ريا ل تدز يمنا هه 
لكو نا نود أذ نتوقف عنده تاليا هو قراءة متكاونا لعف «ها لاد لد أو لما 
يفضل أن يسمّيه بالعقل الاستطلاعى أو العقل المنبثق» باعتبار أن هذا الأخير قد 
انبثق عن الحداثة موجّهاً إليها مَل ةحنظات نقدية عديدة. كيف يربط أركون بين 
الحداثة وما بعدها؟ وما هى قراءته للعقل الاستطلاعى أو المنبثق؟ وما علاقة 
كل ذلك بمشروعه: نقد العقل الإسلامي؟ 


رابعاً: العقل المنبثق» ركيزة المنهج الأركوني 

يرى أركون أن سبينوزا (12028م5) وديكارت (106502:165) قد عملا على 
تحرير العقل الفلسفى من سلطة العقل اللاهوتى المسيحى فى الغرب. إنه منذ 
ذلك اللشيريه أي سد اعون السا عسو واشت أزرونا سدوق على العالي 
الإسلامي. وبدأت عملية تحرير الروح والعقل تتحمّق تدريجيا. لذلك كان إسهام 
هذين المفكرين لا يُقدّر بثمن» «لقد أعطيا الاستقلالية الذاتية للعقل البشري 
وللذات البشرية بعد أن انتزعاها من براثن العقل اللاهوتي القروسطي (...) 
بالطبع ليسا هما وحدهما من فعل ذلك» وإنما كان الجيل الذي تلاهما أيضاًء أي 
غيل 'فولتير وديدرو ؤوؤشو والموسوعيين. وكانظ والاتكلير من قبل 3337 

إن الاستقلالية الذاتية التي يتحدّث عنها أركون تعني قيام الذات البشرية 
ببلورة الأخلاق وقواعد السلوكء وتنظيم المجتمع بمبادرة خاصة منهاء لأن 
التشريع أمرا بات يعني البشر وحدهم. إن هذه الاستقلالية لم تكن ممكنة في 


.371/- 575 أركون. نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكويه والتوحيدي. ص‎ )١١5( 
71١7 قضايا في نقد العقل الديني : كيف نفهم الإسلام اليوم؛ ص‎ ءنوكرأ)١١5(‎ 


١ا/‎ 


العصور السابقة؛ لأن الإنسان لم يكن يجرؤ قبلاً على أن يستقلٌ عن المعيارية 
الخارجية عليه. والتى هيمنت عليه طوال قرون عديدة. من هناء فإن مكانة 
العقل تالت عقا كانت عليه ل العصنور الوسطي إن هذه العثلانية الجديدة :قد 
أسهمت في تفوّق الغرب على باقي الشعوب. وفي الانتقال من مرحلة العقل 
اللاهوتي للقرون الوسطى إلى مرحلة العقل الحديث الكلاسيكي. لكن عقل 
الحداثة هذا بقي يؤمن بإمكانية وجود أصول ثابتة ونهائية للعقل» ما جعله يرتكز 
على البقيبات المطلقةء الأمن الذي دفع المفكرين في أورونا بنقد عقل :الحداثة 
الذي دخل في أزمة. سواء على الصعيد المعرفي. أم على الصعيد الأخلاقي. 
أم غيرهما. من هنا تمّ الانتقال من مرحلة العقل اليقيني المطلق إلى مرحلة 
العقل النسبي أم النقدي الذي يهتمٌّ بالعودة إلى نفسه لتصحيح مساره عندما يلزم 
الأمر. إن الفرق الوحيد الذي يراه أركون بين عقل الحداثة وعقل ما بعد الحداثة 
يكمن في أن هذا الأخير يدرك أنه عندما يقوم ببلورة معارف جديدة لن يتوضّل 
إلى الحقيقة المطلقة. إنما إلى حقائق نسبية وموقتة. بينما كان سبينوزا وديكارت 
يعتقدان بأن العقل قادر على بلوغ الحقائق المطلقة واليقينية. 


ليس كل ما أتت به الحداثة يجب أن يُقبل برمْته بخاصة فى ما يتعلّق 
بالالكلوى: أن ماف لقا عير الو «مجتمتعا رف القكد الا نين طرق النوضين الك 
خلفتها مثلاً علوم الحياة. لقد بات البحث عن ضوابط أخلاقية تحكم مسيرة العلم 
أمرأ مُلِحَاّء "لهذا السبب أصبح المفكرون في أوروبا يشعرون بالحاجة للتحدّث 
عن مكانة الشخص البشريء والرسالة الروحية للكائن الإنساني» والقيم العليا 
التي تؤسّس أخلاقية الاقتناع وأخلاقية المسؤولية. وهنا يمكن أن نجد أشياء كثيرة 
فى القرآن والتوراة والأناجيل» ويمكن أن نبنى عليها. فالبعد الروحي العالى 
المضورى غاب عن انق العدانة التعتر لوتجة النن: ادف عام الإنسان وكانه 
تت ءامن حمل ارام أخري عن كلمن عدي انم الملافة لسار 

نلحظ هنا بوضوح أن مفكرناء على الرغم من إعجابه الشديد بعقل 
الحداثة. وتعمّقه بالإيجابيات التى أنتجهاء فهو يترك مسافة نقدية تفصله عن 
هذا العقل» وتسمح له بالإشارة إلى الأزمات الثي أذى إليهاء بخاضة على 
الصعيد الأخلاقي. إنه لم يتنكر البتة لما قد أنجزه «عقل التنوير» الذي أسّس 
الحداثة» فهر الذي شرّع الآفاق أمام الفكر لكنه ما لبث أن هجرها من دون أن 


(1١)المصدر‏ نقسه» ص .١19‏ 


١84 


يستغرق بالكشف عن هذه الأفاق. لذلك نجد العقل اللاهوتي في الغرب يحاول 
أن يستعيد بعض ما فقده منذ مائتي عام نتيجة الحداثة التي حجّمت سلطته. 
يعمل العقل اللاهوتي المسيحي على استرجاع صدقيته في جو تغمره أزمة فكرية 
عامة» بسيب ما تتخبّط فيه الحداثة «التكنولوجية ‏ المصرفية». إن هذه الأخيرة 
قد قامت بتهميش مجموعة من الأنبياء والقديسين وعلماء اللاهوت والفلاسفة 
وأهل الفن والشعر الذين أعطوا البشرية في الماضي أفضل ما عندهمء وذلك 
على حساب الاهتمام بالاقتصاد والسيطرة على الطبيعة واستغلالها. 

إذا كانت الأديان والفلسفات قد علّمت في السابق أن الإنسان هو روحٌ 
قبل أي شيء. فإن هذا التعليم قد تم تحريفه عن المعنى الأوّلي. فتحوّل بذلك 
إلى روحانية بالية» أو «أنطولوجيا تجريدية». أو إلى نوع من اللاهوت يرتكز 
على القمع وممارسة التفكير المغلق في أطر محذدة. لذلك جاء عصر التنوير 
لنقد هذا الانحراف الذي تعرّض له الدين بمبادثئه وتعاليمه. لكن هذا الانحراف 
الالافيوق " والفسة إلى اركنوة ا لين نط عو الاس افا ال «السينت 
بالحذاثة- فى الخالتين هناك خطر على .طبيعة الأتنبان الحقيفية ٠‏ 


إنه بات من الضروري إذأ تسليط الضوء على ما يجب أن تقوم به الحداثة 
باعتبارها مشروعاً إنسانياً. عليها «أن تصحّح إرادة المعرفة الهادفة إلى السيطرة 
والاستغلال والهيمنة (...) عن طريق الإدخال الفعلي. أي الفلسفي 
والقانوني». لحقوق الروح في حقوق الإنسان. فقد تحوّلت هذه الأخيرة إلى 
مصطلح مُوَدْلَحِ أكثر من اللزوم» بل ومستهلك وفاقد لروحه»”*' '“. إننا نجد هنا 
عدم انحياز مفكرنا إلى كل ما أنتجته الحداثة على الرغم من مناداته المستمرّة 
بتطبيقها فى مجال التراث» وعمله الدؤوب على نقد العقل الإسلامى بخاصة. 
نهو عقن الجراة؟ اللاييق كينا درات اللحداقة (العريية فى شييل لوطل إلى عقن 
آخر يتجاوز العقل اللاهوتي وعقل التنوير على حدّ سواء. إنه يرفض التحدذث 
عن عقل ما بعد الحداثة, إذ لم تتم بلورته بعد بشكل جيدء. وهو يُسهم في 
سجن الفكر داخل المسار التاريخي الخطي المستقيم الذي افتتحته الحداثة 
الأوروبية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. لذلك يقترح أركون استخدام 
مصطلح «العقل الاستطلاعي» أو «العقل المنبثق»؛ لأن مصطلح ما بعد 


الحداثة» لا يصح من الناحية التاريخية ولا الاجتماعية ولا الفلسفية. فهو يوحى 


(4١١)المصدر‏ نفسة 6 ص 01 


١1 


بأنه قد تمّ تجاوز الحداثة» والمفكرون هم الآن في صدد عمل كل شيء وكأنه 
مغاير جذريا عن الذي توصّلت إليه الحداثة. إن ما بعد الحداثة هو استمرار 
لهاء لأنها مشروع غير مُنجز نهائياً لغاية الآن. 

عندما يتحّث أركون عن «العقل المنبثق» فهو يعنى تحديداً العمل الذي 
بضوع بمرائفة المعرنية طازجا إيأها الث والمياظرة: إلمديهعو يننا بتكن 
التفكير فيه؛ وبما لم يتم التفكير فيه إِبَان المرحلة التي بحث فيهاء لكي يحدد بعد 
ذاك هذه المرحلة معرفياًء إذ إن لكل مرحلة مرحلة تاريخية محدوديتها الفكرية. 
ثم إنه يعني «بالعقل المنبثق» ذلك العمل الذي يهتمٌ بالشمولية لكي يحيط قدر 
الإمكان بمجمل الموضوعات التى عالجها العلماء فى الفترة التاريخية التى 
يدرسهاء ويطلع بالتالي على المصادر العلمية باللغات الأجنبية التي من شأنها أن 
تسلط مزيدا من الضوء على موضوع البحث. إن في ذلك خطوة منهجية منافية 
لكل ما هو تقوقع في فلسفة واحدة» والتشبّث باتجاه واحدء ولغة معيّنة. 

يشير مفكرنا إلى «أن العقل المنبئق حديثاً يعتمد على نظرية التنازع بين 
التأويللات (كضه تأهاع7مرع امأ وعل اتاممء ع.آ) بدلا من الدفاع عن طريقة واحدة في 
التأويل والاستمرار فيها مع رفض الاعتراضات عليها حتى لو كانت وجيهة 
ومفيدة"”'''". إننا نرى في ذلك دعوة واضحة إلى الانفتاح» وتوسيع الأفق 
المعرفي. وعدم التحيّز لعقلانية ما ضدّ أخرىء وذلك بهدف الخروج من 
السياج العنيدي المغلق والتحرّر من تصنيف الأمم بين ناجية وهالكة. إن «العقل 
المنبثق» يعتمد على منهج المقارنة بين مختلف التأويلات والعقلانيات من أجل 
استخراج مكامن الخلاف ورهان التنازع» وتقويم قبول الناس لها أو رفضهاء 
وتتبّع نجاحها أو فشلها في الحقبات اللاحقة أو البيئات الأخرى. 

يشدّد أركون على أمر مهم يتعلّق بقاعدةٍ تحكم عمل «العقل المنبثق» ألا وهي 
«استحالة التأصيل»» أي أن هذا العقل عندما يحاول أن يؤصّل حكماً ما يرى أن 
الأصول المؤضّلة تحتاج هي أيضاً إلى التحقيق والتأصيل» فيتابع بحثه حتى يكتشف 
تاريخية كل تأصيل. يعمل هذا العقل على عدم السقوط مرة أخرى في الخطأ الذي 
يسعى إلى الخروج منه؛ أي تشكيل منظومة معرفية تؤصّل الحقيقة وتسجن الفكر 
داخل السياج العقيدي المغلق. من هنا جاء رفضه للمقاربة الأحادية الجانب وتبنّيه 


)١114(‏ محمد أركونء الفكر الأصولي واستحالة التأصيل : نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي. ترجمة 
وتعليق هاشم صالح (بيروت: دار الساقي. 2048 من 14 


0 


للمقاربة التي تعتمد التعدد والانفتاح. فهو #يحرص على ممارسة الفكر المعقّد 
(6«ءامهره©) لأنه يحترم تعقيد الواقع ويتبناه. ويذهب في ذلك إلى تجريب 
الفكر الافتراضي (ع اعنام عغومعم 13) لكي يفسح المجال لكل أنواع ومستويات 
القسيا و لاكدو الاشكاليات"' 077 إن الفكز المعفه الذق يتاك عن النض ا لا 
يعنى تبتى التعقيد وإهمال التبسيط أو الانشغال بالتفكيك بدلا من إعادة البناء» 
أن "الغوص قن _مجالات البثيات المغرفية :والمفاهت الححردة عن دوق الاهتمام 
بتلقين المعلومات الأساسية بأسلوب يفهمه القرَاء. إن «العقل المنبثق» الذي 
يعمل أركون على توظيفه في أبحاثه يسهم بجدية في تطبيق المنهج النقدي 
التفكيكي على التراث» أي على كل ما تمّ تأصيله في الماضي» وعلى ما يتم 
تأصيله في الحاضر أيضاً من أجل تقليد الموروث غير المفكك. إنه يهدف من 
خلال ذلك إلى تحرير الفكر العربي الإسلامي المعاصر من كل انّهام عقيمء 
واحتجاح فارغ» وجدل باطل مرتكز على البنيات العقيدية الموروثة. وعلى 
الثنائيات المتناقضة التى أسرت التفكير الأنطولوجى - اللاهوتى - المنطقى 
(عساوأعه1!-مغطا-مام0)» والفكير التاريخى المتعالى اها ممم م0 14011 : 
والتفكير اللاهوتي 5 السياسي لل اه ا 0 


إن توظيف «العقل المنبئق! لا يعنى التخلى عن الموروث أو حذفه أو 
تهميش دوره التاريخي» إنما يشرّع الأنوات ا قر من قراءة» ويفتح آفاقاً 
جديدة للمعرفة. يميّز مفكرنا في هذا السياق بين ما يعمل من أجله «العقل 
المنبثق»» وبين ما تم إنتاجه من خطابات متطرّفة في العودة إلى التراث أو في 
التزام مبادئ الحداثة وعقل التنويرء قائلا: «شتان ما بين المشروع الاستقرائي 
الاكتشافي الحفري التقديري الإنصافي المستنطق للمسكوت عنه والمزيل لأنواع 
التلبيس والحجاب. الذي يعمل من أجله العقل المنبثق». وبين الخطابات 
الأيديولوجية الأصولوية والعلمانوية والشعبوية والقوموية والخصوصوية 
والإيمانوية والتاريخوية وغيرها من البنيات الطاغية على جميع المجتمعات 
المعاصرة» حتى أصبح المتقدّمون والمتأخرون والغالبون والمغلوبون والأغنياء 
والمحووسوةة يعانين جنيع النوفيى الدلالية: أن البشستوية لمق 


إننا نلحظ فى هذا النص أن العقل الجديد الذي يتوقف عنده مفكرنا يتَحَْدذْ 
0 0)المصدر نفسهء ص .,.١169‏ 


(11١١)المصدر‏ نفسه» ص .١١‏ 


15١ 


مسافة متساوية في مختلف السياجات العقيدية المغلقة سواء في مجال الدين أم 
في مجال الدنيا. بصياغة أخرى». إن منهج «العقل المنبثق» أو «العقل 
الاستطلاعي» يجب أن يُطبّق على تراث الإسلام كما على تراث الحداثة 
الأوروبية. الذي بات هو الآخر بحاجة إلى تفكيك بعد أن تراكم على نفسه طيلة 
قرنين من الزمن. 

يشير أركون إلى أن الأوروبيين الذين قطعوا مراحل الحداثة بمجملها لم 
يستنفدوها لغاية الآن. فالدولة عندهم قد أخذدت مكان الدين. ولم يتمكن العقل 
بعد من الحصول على استقلاليته التامة» إذ لا يزال أمامهم عمل كثير في سبيل 
اكتمال الحداثة. كما إن العقل الأوروبي قد انحرف عن مساره في بعض الأحيان 
لكي يؤدّي إلى كوارث عالمية؛ كالحرب التي خاضها هتلر الذي يمثل برأي 
مفكرنا واحداً من الانحرافات التي خَلّفها عقل التنوير. لقد أصبح العقل أداة 
قمع وإرهاب متخلياً عن دوره كأداة تحريرء فانقلب بذلك إلى نقيضه. 


كما يمكن التوققف عند انحرافٍ آخر طاول البيئة» فتلوّثُ الهواء والمياه 
والتربة» وجنون البقرء وغير ذلك من الآفات التى باتت تهذد الحياة على 
الأرضن بستية» لها حلات تيه حول «العقل السويري والإساني :الك" إلى 
عقل أدواتي» انتهازي. رأسمالي. بارد. إنه «عقل» يهدف إلى اربخ والفائدة 
بأي شكل وبأقصى سرعة ممكنة. ويضرب عرض الحائط بصحة الناس أو 
بالمصلحة العامة (...) هذا الانحراف الخطير الذي لحق بالعقل الغربي هو 
الذي يتعرّض للنقد الشديد على يد مدرسة فراتكفورت وميشيل فوكو ويورغين 
هابرماس وآلان تورين وغيرهم كثيرين»"'"". 


كذلك ينتقد مفكرنا موقف الحداثة الأوروبية من الدين» لأنها ترفض كل ما 
هو ديني باعتباره باليأ وقديماً. إن في ذلك بترأ للتاريخ الروحي والثقافي للبشرية» 
وكأن الإنسان يسلخ نفسه عن ماضيه. فالأديان تقدم له غنى روحيا وثقافيا إذا 
أتقن كيفية فراءة تجربتها التاريخية. من هنا نجد أركون يؤكّد أهمية البعد الروحي 
غندما يري لاحي كلها يقد ان البعدين: النعافى رو االمتساني يقير إلى: أن 
الحركات المتطرّفة فى تطبيق الحداثة غالبا ما تتجاهل هذا البعد الروحى لكى 
ترق على العك الأردى لرعي والفعلبه للدي المشوه الذون اميم الدي »كما 


(؟1١)‏ أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم: ص ١؟5.‏ 


يحل 





دُمّر العقل باسم العقّل . . . ولكن ينبغي أن نعيد الأمور إلى نصابها ونطهّر الدين 
والعقل مما لحق بهما من انحراف أو استخدام مشوّه وخاطىئ)””"". 


تجدر الإشارة هنا إلى أن نقد العقل عند مفكرنا لا يعني البتة التخلي عن 
العقل» إنما تصويب مساره ونوسيع آفاقه وجعله أقرب من الإنسانية وأقل أنانية. إنه 
يعني أيضا الخروج من رد الفعل العنيف ضدّ الدين الذي عرفته أوروبا في القرن 
التاسع عشر أو قبله» كنتيجة للقمع الذي مارسه اللاهوت في القرون الوسطى. لقد 
بات من الممكن إرساء علافة جديدة مع الدين بعيدة عن القيود الفكرية. إن التجربة 
البشرية للإلهي هي تجربة ترتقي بالإنسان نحو المطلق, لأنها تحثه على شعور 
يحمله في داخله بالتعالي. لذلك لا يجوز التخلّي عن هذه البذور الإيجابية التي 
يزرعها الدين كما فعلت «الوضعية الاختزالية» التى سادت فى الغرب. 

من هنا نجد مفكرنا يدعو إلى إعادة قراءة الحداثة رافضاً التحذّث عن 
القطع معها والقول بعقل ما بعد الحداثة» لأن ذلك من باب الوهم. إنما يجب 
إكمال مشروع الحداثة؛ إذ إن هناك شيئاً ما يود أن ينبئق؛ من دون أن نعرف ما 
هو تحديداً على الرغم من ظهور بعض ملامحه في مجال الفنون والفلسفة 
والعلوم الاجتماعية وعلم الحياة» كما يتجلّى أيضاً في مجال السياسة (تحقيق 
الوحدة الأوروبية مثلا). 


يشير أركون في هذا السياق إلى بعض الذين يدعون بإلحاح إلى ما بعد 
الحداثة. وهم يريدون فعلياً القضاء عليهاء وسحق الطاقة التحرّرية التي 
فجَرتهاء لأنهم يهدفون إلى تصفية الحسابات مع الحداثة من أجل العودة إلى ما 
قبلها. إنه يقصد بهذا البعض اليمين المتطرّف والمحافظ المنتشر فى أوروبا 
بعامة» وفى ألمانيا وفرنسا بخاصة. لذلك نود أن نذكر هنا بأن نقد كرا 
للسوانة وكرققة عفد با بكم م ١‏ أن ستيه فى «الفوان ١‏ المستوية لبون فخ كانت 
القضاء على الحداثة» كما اليمين المحافظ» إنما من أجل توسيع آفاق العقل 
وإغناء قراءة التجربة البشرية في مختلف الميادين. لا نريد أن نكرّر هنا كم من 
مزة ألقى الضوء على التصوّر الجديد الذي أدخلته الحداثة للوضع البشري وذلك 
بالقياس إلى التصوّر اللاهوتى. لقد قامت الحداثة بتحرير الإنسان من القوى 
العتعالية لكي تشيعه فى اصلب التاريت المحيوس: :إن .هذا لكين العميي: لم ينه 


(١)المصدر‏ نفسه؛ ص الموضية 


الحلا 


بشكل كامل في الثقافات البشرية» وحتى الأوروبية منهاء فكم بالحري في 
الثقافة العربية الإسلامية التي لم تتجاوز بعد المرحلة الأولى من الحداثة. لم 
يخض العرب والمسلمون لغاية الآن «المعارك التنويرية» التي قام بها الأوروبيون 
خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بهدف إنجاز الاستقلال الكامل للعقل 
قياساً إلى لاهوت القرون الوسطى. 

يؤكد مفكرنا أنه من الجهة العربية الإسلامية هناك حاجة ماسّة إلى الدفاع 
عن مكتسبات عقل عصر التنوير الإيجابية» بخاصة في الوضع الراهن حيث 
تزداد الدعوات للرجوع إلى الوراء. فعقل التنوير قد أسهم في تحرير العقل من 
هيمنة اللاهورت العقيدي. كذلك يشدد على ضرورة القيام بقراءة نقدية لعقل 
التنوير بهدف التمييز بين سلبياته وإيجابياته» لكي يتمكن المفكرون العرب 
والمدلكرة مق استخلاص: الدووين المسعة درا لاحعاط نما هر رساب ومخير 
أيضا إلى محدودية عقل التنوير على الرغم من عظمتهء. فهو ليس مطلقا كما 
كان يرى العديد من المفكرين. هناك بعض المثقفين ينادون بنقد التراث أو حتى 
التخلي عنه بشكل كامل من دون أن يكترثوا لما قد ينتج من ذلك من رهانات 
كبرى. لذلك يقول أركون: «أنا اعتقد أننا نخسر كثيراً إذا لم نرفق عملية النقد 
هذه بجردٍ فلسفي وجرد لاهوتي أيضاً. بمعنى ينبغي تقديم بديل ذي مصداقية 
وإلا فإن الناس لن يتخلّوا عن الماضي بمثل هذه السهولة)”؛"". 


ينتقد مفكرنا عملية إزالة التراث أو التخلى عنه التى يطالب بها بعض 
المتقفية سنب الشعظ الكرايد الذئ تمارميه>الأنديولرجيا التزائية م 'الدايمية 
السياسية على هؤلاء المثقفين. فهو يرى أنه من غير الممكن التخلّص من 
«ماضوية التراث» التي تجبر الناس على الرجوع إلى الوراء إلا من خلال التأهَب 
من أجل الدخول في معركة داخلية مع التراث. إن مجرّد التصريح بالرغبة في 
التخلي عن التراث واتباع الحداثة أمر غير كافيء. لا يؤدّي إلى بلوغ الهدف. 
يتوقف أركون هنا لكي يشير إلى أهمية التراث» وإلى أن التخلص منه بشكل 
كلي ضرب من الوهم بإمكانه أن يقضي على بُعد نفسي مهم لدى البشرء ألا 
وهو الأمل. فيقول: (إن هناك عذة وظائف للتراث وليست كلها سلبية. فهو 
يقدم أفق الأمل لملايين البشر المحرومين من كل شيء. وبما أنك لا تستطيع أن 
تنقذهم ماديا فإنه لا يحقّ لك أن تمنعهم من التعلّق بترائهم لأنه يشكل حخشبة 


.5١9 المصدر نفسه.ء ص‎ )١14( 


١0 


الخلاص الوحيدة التي تبقّت لهم (. . .)يُضاف إلى ذلك أن التراث هو الحضن 
الدافئ والذاكرة الجماعية العميقة» ولا ينبغى الاستهتار به بأي شكل ولكن 
ينبغي إخضاعه للدراسة العلمية» وهذا أعظم احترام يُقدّم له)””"". 


يمكن أن نلحظ في هذا السياق تجتب مفكرنا الوقوع في أي مغالاة» فهو 
ضذ التطرّف في تطبيق النقد» كما إنه ضد التطرّف في الخضوع للتراث. هناك 
مسافة ضرورية يجب أن تفصل بين المثقّف وموضوع بحثه من جهة» وبينه وبين 
المناهج التي اقتنع بها واستخدمها في أبحائه. من جهة أخرى. كذلك نود أن 
نشير إلى الهاجس الإنساني الذي يتبيّن لنا بوضوح في مختلف كتاباته» إنه 
حريص جداً على المحافظة على كل ما هو إنساني؛ حتى في أكثر الأمور انتماءً 
إن 'الخدووكوإردنه الماش بع ينيف واتسمر اجو ليد لضاني للرضوه 
البشري. فالتراث يبقى مهمَّأ طالما أنه يشكل جسرّ عبور نحو ما هو أفضل لدى 
الملايين من المعذبين والمحرومين في المجتمعات العربية والإسلامية. 


نود أن نشير في ختام هذا المبحث المتعلق بنقد الحداثة كما ورد لدى 
محمد أركون إلى أن ما أراد أن يسمّيه بالعقل المنبثق أو العقل الاستطلاعى» 
فو خلاصة مشروعه النقدئ: إن مجمل العتروظ التى.وفهها على العقل الذي 
انبئق من الحداثة ليست سوى خلاصة الخطوات المنهجية التي قام وما زال يقوم 
بها فى مختلف أبحاثه. يمكن أن نقرأ جليًاً مدى انخراط مفكرنا بالحداثة» 
شعادل لين مكتسباتهاء من دون التخلى عن التراث أو إنكار أهميته أو رميه 
في دائرة اللامفكر فيه. إن ما يطالب به من تطبيق للمناهج الحديثة» ومن نقدٍ 
لعقل التنوير» هو ما يقوم بتطبيقه فعلا من خلال ما ينجزه من مؤلفات 
ودراسات ومحاضراتء فهو لا يوفر مناسبة إلا ويطرح فيها همّه المعرفي 
ومشروعه النقدي» مقرونين بالنماذج التطبيقية التي اشتغل عليها'"'"'2. فالنظر 
عنده مقرون بالعمل» إنه مقتنع» كما يبدو لناء بضرورة التمرّس بعقل الحداثة 


.5١9 المصدر نفسه.ء ص‎ )١١10( 

)1١17(‏ نرغب في الإشارة هنا إلى أنه على الرغم من تمرّس محمد أركون في مناهج علوم الإنسان 
والمجتمع؛ ومن إصراره على المطالبة بتطبيقها في الفكر الإسلامي؛ فهو لم يكتف بفعل الكلام أو التنظير 
فقط إنما قام بتطبيق هذه المناهج في العديد من مؤلفاته. نذكر على سبيل المثال قراءته سورتي الفاتحة 
والكهف في: محمد أركرنء القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدبني» ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الطليعة؛ .)23٠١١‏ كما طبّق هذه المناهج في قراءته لكل من مسكويه والتوحيديء انظر: 
أركون» نزعة الأنسنة في الفكر العربي : جيل مسكويه والتوحيدي. 


١ 5 


من دود الاكتفاء به إنما عليه السعى إلى مكتسياته التي فتحت مجالاات معرفية 
عديدة» ووفرت مقاربات كثيرة» يتم الانتقال في ما يلي إلى مجال التطبيق 
الفعلي على نصوص التراث. 


استنتاجات 


نحرص على أن ننهي هذا الفصل بالإشارة إلى أن مشروع نقد العقل 
الإسلامي كما قذمه محمد أركون يتطلب تضافر جهود حثيثة من قبل أهل 
الاختصاصء. بالإضافة إلى مناخ معرفي ملائم تنمو فيه روح البحث العلمي 
المجرّدء فضلاً عن الدعم الماديّ اللازم من أجل توفير سائر الأدوات الضرورية 
لتحقيق هذا المشروع. لا يمكن أن ننكر أهمية ما قام به مفكرنا في هذا 
المجال» سواء على صعيد زحزحة المفاهيم القديمة» أم شق طرق منهجية 
جديدة؛ أم إدخال مفاهيم حديثة على الفكر العربي الإسلامي؛ أم العمل على 
توسيع دائرة المفكر فيه. لكن ذلك يبقى غير كافٍ بسبب كثافة طبقات التراث 
المتراكم عبر السنين من جهة. وكثرة المناهج الجديدة وتعدّد أدوات الحفر 
والبحث من جهة أخرىء. بالإضافة إلى أن أهم ما أنتجه عقل الحداثة لم يُنقل 
بعد إلى اللغة العربية. لذلك يبقى السؤال مطروحاً في النهاية حول: ما إمكانية 
تحقيق مثل هذا المشروع الضخم الذي عرضنا أهم خطواته في سياق الفصل 
الثانى. علماً أن أجزاء. لا بل حقبات تاريخية واسعة لا زالت طن الكتمان» 
نظرا إلى افقتدات الكت امن واليتخطوطات»الغائناة اللها؟ ١‏ 


إن ما يعيق تحقيق مشروع نقد العقل العربي الإسلامي في نظرنا ‏ بالإضافة 
إلى ما ذكرناه ‏ يكمن في غياب الهم المعرفي عن الساحة العربية في الوقت 
الراهن» وذلك لأسباب عذة» أبرزها انشغال الأكثرية بالهمَ السياسي» والتنظير 
المستفيض إلى حد اللغو ‏ سواء على محطات البث المرئي والمسموع. أم على 
الصفحات المطبوعة ‏ في سبيل تعبئة الجماهير» وتسجيل مواقف هي أقرب إلى 
الملاحم الأسطورية منها إلى الواقع المأزوم. إن العديد من الطاقات الكامنة في 
الوطن العربي تُهدر يومياً من دون التنبّه إلى ما هو ملح أو ضروري. لقد باتت 
عملية التمرّس في الأمور المعرفية مهمّة مستبعدة لأنها تخص - كما يُعتقد_ 
الطبقات البرجوازية التي تتمتّع بنوع من الحرية الفكرية والمادية. 


هناك أمور أكثر إلحاحاً تفرض نفسها على الكثيرين» كهمّ تحرير الأرض 
مثلاء وتوفير لقمة العيش. وغير ذلك من الهموم الاقتصادية. إن إنجاز المشروع 


١545 


نقد العقل الإسلامي بات يقارب الحُلّم أكثر من الواقع الملموس. إننا نستعين 
بهذا التصريح المعبّر لمفكرناء لكي نشير إلى أن الهدف الذي ينشده يلامس 
الحُلّم والترجّي»: نجده يعي صعوبة الوضع ولكن من دون أن يغرق في التشاؤم 
المكبل» فهو يقول في سياق وصفه للعقل الذي يسعى إلى ترسيخ بنيته ما يلي : 
«إن العمل الذي نحلم بظهوره هو عقل تعدذدي» متعدّد الأقطاب. متحرّك» 
مقارنء انتهاكي؛ ثوريء. تفكيكيء, تركيبي» تأمَليء ذو خيال واسعء شمولي. 
إنه يهدف إلى مصاحبة أخطار العولمة ووعودها فى كل السياقات الثقافية الحيّة 
خَاليا (أي فى كل النعافات: البشرية تعاض 1190 


من البيّن هنا أن أركون يبتغى تحقيق المزيد فى مجال العقل العربى 
الأشلامية. لكو اتتستعدانه ليل اتحلع سين للعاية فى نظر قا + ]د إن فى ذلك 
إشارة واضحة إلى صعوبة إنجاز مشروعه»ء ووعيه للحواجز التي تعيق تقدم المسار 
النقدي. إن هذه الصفات المتتالية التي يطلقها على العقل الذي يسعى إليه» 
والمهمّات التي يحيطه بهاء تجعل من المشروع الأركوني حلماً كبيراً يتطلب 
تضافر جهود عديدة من أجل تحقيقه؛ إن في الزمن المنظور أو حتى في الزمن 
البعيد. لكن» يبقى الحُلم أمرا جائزاً في عالم الفكر والفلسفة والبحث الرصين. 

إن إزميل النقد في يد مفكرنا لم يتوقّقف فقط عند العقل النظري إنما طاول 
أيضاً العقل العملي ببعدّيه السياسي والأخلاقي. لقد أنتج الفكر الإسلامي في مجال 
السياسة نمطا خاصاً من الخطاب سوف نتوقف عند كيفية قراءة أركون له فى 
الفصل التالي» من دون أن نفرد فصلاً خاصاً بالعقل الأخلاقي نظراً إلى عدم توافر 
نصوص نقدية كافية بين يدينا إن عند أركون أو الجابري» وذلك بالمقارنة مع ما 
أنتجاه في مجال العقل المعرفي أو العقل السياسي. إن في ذلك دليلا على اهتمام 
الفكر الإسلامي بالإنتاج في السياسة أكثر منه في الأخلاق» ما جعل النقد أكثر 
تركيزاً على الأولى منه على الثانية. ربما هذا التهميش للتأليف فى المجال 
الاتخلاقي عائد إلى أن" القرآن والتيئة كايا قد كروغا ما ركفن هن أجل تتعديد وتنظم 
السلوك البشري. كيف يقرأ أركون إذأ الخطاب السياسي في الفكر الإسلامي؟ 


778 أركونء الفكر الأصولي واستحالة التأصيل : نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي» ص‎ )١10( 
كف‎ 


١ /ا‎ 


الفصل الثالكت 


في إشكالية الخطاب السياسي عند أركون: 


من الإتولوجيا السياسية إلى الفلسفة السياسية 


يشمل مشروع نقد العقل العربي الإسلامي عند محمد أركون الخطاب 
السياسي في الإسلام ويطرح جدلية الروحي/ والزمني باحثاً فيها بالعمق. لا يرى 
مفكرنا أن الدين يمكن أن نتصوّره خارج المجتمعء فهو على علاقة وطيدة 
بالأوضاع الاجتماعية ولا يمكن فهمه بمعزل عنها. 


من هنا نشأ التباين ما بين نظرتين رئيستين: الأولى» نظرة السلطة الدينية 
والسياسية إلى الإسلام» والثانية» نظرة أركون إلى الدين وعلاقته بالمجتمع. إن 
محاولة مقاربة الدين الإسلامي انطلاقا من المجتمع يعني إدخال الإسلام في 
التاريخية وإخضاعه لشروط المجتمعات التي انتشر فيها. بالطبع» لن توافق 
السلطتان الدينية والسياسية على هذا الأمر لأن الإسلام هو فوق التاريخ. لا 
يتأثر بالتحوّلات التى تطرأ على الزمان والمكان. إن الخط الذي اتبعه فى تفكيك 
الخطاب السياسي الإسلامي يُظهر حقيقة مهمّةء لم يعْد مسموحاً التغاضي عنها 
وهي: إنه على الرغم من تعدد الصراعات التي شهدتها المجتمعات الإسلامية. 
بين الفرق والفئات المختلفة» هناك آلية اشتغال توحّد فى ما بينها وتصتفها كلها 
في خانة الادّعاء بامتلاك الحقيقة والعمل على الساطوة من أجل استلام الحكم 
وفرض التفاسير والمبادئ» التي كانت كل فئة تؤمن بها. 


لذلك نجد أن كل جماعة استلمت السلطة كانت ترى نفسها أنها بحاجة 
ماسة إلى تسويغ شرعيتها عن طريق التقرّب من النص التأسيسي والأنموذج 


١4 


الذي يحمله. هكذا راحت كل سلطة تذّعى وتصرَّ على أنها هى وحدها التى 
تنتج الحقيقة وتحميهاء وهي تستند في ذلك إلى الدين الذي عل بالحليفه 
المطلقة التي يجب على الجميع الخضوع إليها. لذلك حاول أركون أن يفكك 
العلاقة التى تربط بين السيادة العليا من جهة. والسلطات السياسية من جهة 
أخرى. فالسبادة العليا الإلهية كانت تمنح المشروعية الضرورية للسلطة السياسية 
لكي تصبح مقبولة عند الفاعلين الاجتماعيين. لقد اعتنى بالبحث مليّاً في 
خلفيات الصراع على السلطة بين السئة والشيعة. واعتبر أن الأساس لم يكن 
دينياً بقدر ما هو سياسي ‏ اجتماعي. وهو يرى في هذا المجال أن «الشيعة 
والسنّة قد تنافسوا في صراعهم المتبادل على الإخراج المسرحي للتراث الذي 
ثم ممارسة هذه السلطة. إن دراسة تركيباتهم الأيديولوجية وألاعيبهم واعتبارها 
بمثابة إخراج سينمائي أو مسر حي (عمنء؟ و عولص) وليس نقل أميناً سنا 
للحقائق المؤسّسة هو شيء أساسي جدا من أجل القيام بنقد فلسفي وبالتالي 
5 7 5 5 31 )02 5 0007 - 7 . 7 
تاريخي لمفهوم السلطة في الإسلام)”''. من هنا ينتقد إقحام الدين بهذا الشكل 
في السياسة وجعله أداة طيّعة في الدفاع عن كل مذهب وتسويغ شرعيته. فهو 
يتحدّث فى هذا المجال عن الأتولوجية السياسية أي عن تشكيل خطاب فى 


اللاهوت السياسي. 

هناك إذآ مسألتان مهمّتان فى مجال تفكيك الخطاب السياسى العربى 
النقدي الأركونى. هاتان المسألتان هما: أولآ. السيادة العليا الإلهية والسلطات 

أولاً: السيادة العليا الإلهية والسلطات السياسية 

يعتبر أركون أن كل سلطة تحتاج إلى سيادة عليا أو مشروعية. أكانت هذه 
السلطة دينية أم علمانية. ولا يمكن الفصل في ما بين السلطة ومشروعيتها بشكل 
جذريء» بمعنى أن الفصل بشكل قاطع ما بين العامل الديني المتمثل بالسيادة 
العليا والعامل السياسى المتمثّل بالسلطة السياسية أمر عسير. لقد سيطر الوحى 


)١(‏ محمد أركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي» ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومى. ,)١1945‏ ص 757548. 


إثأث القرون الوسطي على السلطة السياسية وكا بانة الستادة الغلا فمارسن 
دوره كمصدر وحيد لكل حقيقة متعالية. مع مرور الزمن حل حق التصويت العام 
محل الوحي باعتباره مصدر الحقيقة والمشروعيةء عندما راحت سلطة الدولة 
تفرض شرعيتها من خلال طرقها الخاصة. 

يطرح مفكرنا في هذا المجال السؤال التالي: «باسم ماذاء وباسم من يقبل 
إنسانٍ ما أن يقدّم الطاعة لانسان آخر ف بمعاريد 0 5250 


غوشيه (1]عطعناة0 1 . 


إن هذا المفهوم يعني قبول الإنسان بملء إرادته أن يطيع شخصاً آخر يروي 
عطشه لكي يتوصل إلى اامعنى مليء). فالطاعة هنا داخلية تنبع من عمق الذات 
وليس من أمر خارجي ضاغط. هكذا نجد أن السلطة هنا تصبح سيادة عليا 
ومشروعية مطلقةء. لا تلجأ إلى القوة والعنف من أجل أن يعترف الناس بها 
ويخضعوا لها. لقد استمد الحكام عبر التاريخ مديونية المعنى من معطى الوحي 
في المجتمعات المسيحية كما الإسلامية» وهم اليوم يحاولون أن يحصلوا عليه 
انطلاقاً من التصويت العام. يضيف أركون شارحاً دين المعنى: «أنا مدينٌ بالمعنى 
الحقيقى الذي أعيّنه لحياتى» مدين لسلطة روحية تغدو مرشداً ودليلاً» وأرتضى 
طاعتها. إني استبطن أوامر المرشد وأنصاع لسلطته ما دامت هذه السلطة تمازس 
في حدود المعنى الذي أعلنه لي من حيث هو سلطة روحية"”". 

إنه يشير هنا إلى العلاقة الداخلية التي تربط بين المؤمن والسيادة العليا 
التي تضفي المشروعية على أوامر المرشد وسلطتهء :لصي مفبرل نو فاغلة لين 
حد. لذلك كان من الضروري البحث في عمق هذه العلاقة واكتشاف أثرها في 
مسار التارد يخ الذي يُصنع عن طريق القوة . في كل مرة كان حاكم ما يستلم 
السلطة. كات المضووء؟ لمق على مليطق قن خلرل البتحث دن مروت 
للمعنى فى مكان ما. من هنا أهمية دراسة مشكلة الخلافة والسلطنة فى 
المجتمعات الإسلامية حيث خلع علماء الدين القداسة على السلطة السياسية من 
خلال السيادة العليا. 


)١(‏ محمد أركونء العلمنة والدين (الإسلام؛ المسيحية» الغرب)؛ ترجمة هاشم صالح (بيروت؛ 
لندن: دار الساقى» ). ص 10-65, 


(7) محمد أركونء نافذة على الإسلام» ترجمة صيّاح الجهيّم (بيروت: دار عطية» -)١997‏ ص 4”. 


لذى ا 


هكذا أصبح للخليفة حضور مقدّس» يفرض الطاعة على الجميع. ولا 
يجوز المساس بسلطته أو التعرّض لها. إن ما قام به كمال أتاتورك عام ١1715‏ 

من إلغاء لنظام السلطنة العثمانية في تركيا وفرض للنظام العلماني» قد خلف 
نقمة وحزناً عميقَيْن في مختلف أرجاء العالم الإسلامي. أما ما حشّقه.ء فى 
المقابل. الؤمام الخمينى عام ١‏ فى إيران عند استلامه السلطة فقد نج منه 
ارتياح كبير. إن الخليفة بالنسبة إلى المسلمين يمثّل شخصاً إلهياً وليس بشرياًء 
بخاصة في ما يتعلّق بعامة الناس» والمشروعية التي ينعم بها مصدرها إلهي في 
نظر المؤمنين الذين يقدمون الطاعة بشكل عفويء» ومن دون نقاش. هكذا 
تشكلت الأمة في الإسلام من الرعية المسلمة التي اعترفت بالسلطة المركزية» 
وأسّست كياناً جوهره ديني يرتبط اعضاؤه بإخاء روحي يدعمه الحاكم. يرى 
مفكرنا أن وعي الأمة هو وعي أسطوري بشكل أساس» يغذّيه حضور الزعيم 
الروحي المقدّس. كلما كان الزعيم الروحي أميناً في تأدية وظيفته كوكيل للنبي. 
كان تأثيره فاعلاً في نفس الأمة. لذلك لم يكن له أي سلطة تشريعية؛ بل عليه 
أن يسهر على تطبيق شريعة الله المنزلة بشكل دقيق وحازم. 


إن الكلام على الحاكم والسلطة في الإسلام قد جعل أركون يميّز ما بين 
ثلاثة: الخليفة والإمام والسلطان. الم الأول يعني نائب النبي الذي يقوم 
بضمانة استمرارية وظائفه. أما الإمام ف فهو الشخص الذي تكمن مهمته في قيادة 
المؤمنين أثناء الصلاة وتحديد اتجاه مكة. والسلطان هو الشخص الذي تنحصر 
مهامه فى ممارسة السلطة السياسية. فوظيفته دنيوية. هكذا يمكن أن نلحظ أن 
الخليفة والإمام يقومان بمهام روحية وزمنية» أما السلطان فيمارس السلطة 
الزمنية التى اكتسبها بفضل القوة»ء والتى لا يمكنها أن تستمرّ من دون القوة. كما 
انه يقير ) لى أن امعان متاق محمد ميسره ملبوالة نقمي اكد وغية الفاكو 0 
والتقيّد بضرورة استمرار الدولة بعد وفاته. هذه الدولة التي تكمن مهمتها في 
الدفاع عن الأرلوية النظرية 0 أقول إن اعتبار المسألة كذلك يعني تقليص 
مفهوم النبوة ة وتخفيضاً من قدرها)!*) ٠‏ إنه يريد من خلال ذلك أن يُبرز الفرق بين 
السيادة الإلهية والسلطة البشرية. فهو يعتبر أن هناك فرقاً شاسعاً ؛ بين الأولى التي 
تنتمي إلى مستوى التعالي» وبين الثانية التي تنتمي إلى مستوى العمل البشري. 


(4) محمد أركونء نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكويه والتوحيدي؛ ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الساقي» /ل1١1)‏ ص 535 


لا يجوز التعاطي مع النبوة بصفتها مسألة حكم أو نظام دولة يحمّق الاستمرارية 
والخلافة. ينتقد هذا التصوّر للنبوة إذ يعتبرها أرقى جدأً من ذلك. إن الفرق 
كبير بين النبي والخليفة الذي يعتبره مجرّد حاكم. فاعتماد التصور السياسي 
للخلافة من شأنه أن يحدث قطيعة مع «المقصد التأسيسي الأعلى» الذي يتضمّنه 
الوحي. لقد رسّخ القرآن في أعماق كل مؤمن مناقشة محتومة لا يمكن التغاضي 
عنها كما لا يمكن التوصّل إلى حل لها. إنها مسألة التناقض بين السيادة الإلهية/ 
والسلطة البشرية. 

من هنا يأتي تركيز أركون على نقد الفقهاء الرسميين الذين خلعوا صبغة 
القداسة أو المشروعية الدينية الإلهية على الخلافة. يذكر من بينهم الفقيه 
الشافعي الماوردي (متوفى عام 401 ه) الذي ألّف كتاب الأحكام السلطانية 
حيث يذكر القواعد المثالية التي كانت السئة قد طبقتها في تعيين الخليفة للشرع. 
والمحافظة على سلطته. كما يلحظ أن الماوردي قد حذف عن قصد الكثير من 
الأحداث التاريخية التي لا تخدم مصلحة السنّة» ما أدَى إلى الطعن بالقواعد التي 
ذكرها. لقد أراد أن يخلع الشرعية على الخلفاء الأمويين والعباسيين جميعهم 
الذين استلموا السلطة بالتسلسل؛ فاعتبرهم جميعاً متحدّرين من قريش. فقاعدة 
استمرارية الخلافة تشكل أمرأ أساسياً جداً لدى السئّيين. 

كذلك. حذف الماوردي من كتابه كل «الأحداث التاريخية السلبية» التى 
من شانها أن تطفن ببصورة الكلافة: لد قعل“ ذلك كلمن أجل الميحافظة على 
صورة الخلافة وهيبتها لدى المؤمنين» ومن أجل تقديم صورة متعالية ومثالية 
عن الخلافة. «فهذه الطريقة في التركيز على بعض الوقائع التاريخية وحذف 
بعضها الآخر تشكل إحدى السمات الأساسية للمتخيّل الديني لكل الفقهاء 
المتكلمين من كل المذاهيت)7 . 

عمل الفقهاء والمتكلّمون بجهد من أجل تدعيم الصورة المثالية للخلافة 
عند جماعة المؤمنين» وهم يهدفون من خلال ذلك إلى المحافظة على الأولوية 
الشرعية للخلافة فى مواجهة ما تتعرّض له من تعذيات وانقلابات عسكرية. 
فالمهح :تو تامين استعرارية: الخلاقة أكثر من معالجة التراقض: الك 'تضيبيهنا 
بسبب ضعف الخلفاء البشري» وقوة الصراع على السلطة. اعتمد الفقهاء في 


(5) محمد أركون. الإسلام؛ الأخلاق والسياسة. ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومى» ١٠‏ ص .173١5‏ 


اا 


معالجتهم مسألة الشرعية على العقائد الإيمانية بالدرجة الأولى. وعلى المبادئ 
التي استمذوها من الأخلاق العامة للشخص - بخاصة في ما يتعلق بموضوع 
العدالة ‏ وعلى كيفية ممارسة الخلافة كما هم يريدون التحدّث عنها. بتعبير 
آخرء يرفض الفقهاء الاعتراف بأن الخلافة ناتجة من أمر واقع خضع لقوة 
سياسية واجتماعية محددة» إنما يحاولون أن يقنعوا المسلمين بأنها ناتجة من 
تحديد مسبق من قبل ذروة عليا تتمتّع بالمشروعية والكفاءة» كذروة القرآنء 
والحديث»ء والإجماع. 


يشدّد منكرنا في هذا المجال على «أن الخلافة ليس لها أي مشروعية دينية 
إلهية بحذ ذاتهاء وإنما استولي عليها عن طريق القوة ثم خلعت عليها 
المشروعية بعدئذ من قبل الفقهاء الرسميين2'"2. إنه يقدّم قراءة تاريخية لمسألة 
طالما أضفي عليها طابع التقديس والتعاليء لذلك لن تُقبل قراءته بسهولة. فهو 
يكشف عن الصبغة الدينية التى يخلعها الفقهاء على السلطة السياسية التى 
تدازين ما يا رتل عد القو فيه الختر ميل زفي عور لوس ْ 


يعود أركون إلى الوراء» إلى فترة دعوة محمد وتبشيره ونضاله لكي يبحث 
في كيفية انبثاق السيادة العليا في الفكر الإسلامي. يرى أنه كان على محمد أن 
يعمل على ترسيخ سيادته وسيادة الوحي التي جوبهت بالرفض والمعارضة 
حينذاك. لذلك» بدأ يشرح الوحي ويمارسه من خلال أعماله اليومية» محاولا 
الانتصار على معارضة جماعتين : الوثنيين العرب من جهةء وأهل الكتاب اليهود 
والنصارى من جهة أخرى. يعتبر أن أصالة هذه العملية تكمن «فى ذلك الربط 
الامطياق" المريك "عم ترعة من المغاريكة السداسنة اؤالا قياف والنعافينة تاحصم 
تعمد وبين «خلع الشيامن والتعال مخ التفتن -باسيقك د امهيهاة" . 


لقد أثّر أسلوب النبى هذا فى الجماعة التى تبعته وانخرطت معه فى حركة 
خلاقة ». تدعمها عملية الترفير الحتى- إن اعتماد القرآن ترميو:الوسوة البشرق 
وأسالييه قد أذى إلى اتساع اتتشاره وتأيزه :في معاضريه زفي الأجيال التي أت 
بعده. يرى مفكرنا أن القرآن قد عبّر بشكل رمزي خاص به عن مختلف الأمور 
الدتبوية الها فت اننا رقي 


(5) المصدر نفسه» ص 177 
(0) محمد أركون:؛ الفكر الإسلامي قراءة علمية» ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومى. .)١41/‏ ص 118 


5 


من المهم أن نشير في هذا المجال إلى أن السيادة العليا الرمزية يلزمها 
عامل الوقت والتكرار» والقيام بالشعائر والطقوس لكي تترسّخ قوياً. كما إنها 
تحتاج إلى استبطان الصيغ الأدبية والفنية باعتبار أنها معايير متعالية من قبل 
الجماعة المؤمنة التي تسهم في إنتاج التراث» ويسهم التراث في إنتاجها أيضاً. 
ويصرَ فى هذا المجال على أنه فى بداية الدعوة الإسلامية» كانت سيادة النبى أو 
هيبته ظاهرة بشكل محسوس من خلال حضوره وعمله في المجتمع» ومن 
خلال اعتماد الخطاب القرانى الأسلوب البلاغى الغنى بالرموز. إنما بعد أن 
مات النبي انقسمت هذه السيادة إلى فرعين: القرآن والحديث. ومن ثم سوف 
يُجمع القرآن والحديث ويُسجَلان كتابة» ويكوّنان مجموعة نصيّة تشكل أساس 
التراث الكتابى الإسلامى. لقد استفادت الدولة من السيادة العليا للنصوص 
الكتابية» فاستعانت بها لكى تمارس سلطتها السياسية والثقافية. 


من هنا يميّز أركون بين مرحلتين: مرحلة النبوة ومرحلة الدولة الأموية. إنه 
فى فترة انبثاق القرآن والحضور الفاعل لشخص محمد كانت الأولوية معطاة 
لتحديد السيادة والمشروعية؛ ومن ثم كان العمل على نشرها واستبطانها 
واعتبارها آتية من الله توجّه أعمال النبى وأحكامه. وتضفى عليها الشرعية. 
فالسيادة العليا في ذلك الحين كانت تسبق الممارسة الفعلية للسلطة من الناحية 
الأنطولوجية والزمنية. 

لقد اهتمٌ النبيَ من خلال تبشيره في مكة بتثبيت سيادة الأوامر والتعاليم 
الإلهية. أما فى زمن الخلفاء الراشدين فقد ساعدت الذاكرة الجماعية للصحابة» 
والمتاخ الثقافي الذي كان سائداً 'في المذيئة على جماية القيم التي سادت أيام 
النبي والمحافظة عليها ولو بشكل جزئي. لكن الصراع الذي نشأ وقوي بين 
المفاهيم التقليدية والعصبيات التي عرفها المجتمع العربي قبل الإسلام من 
جهة. وبين الرؤية الجديدة التي بلورها القرآن من جهة أخرى؛ إن هذا الصراع 
قد كشف عن اتساع مقاومة التاريخ الأرضي المادي لهذه الرؤية الجديدة. 
وأظهر حجم الضغوطات التي مارسها التاريخ الأرضي على الجهود المبذولة من 
أجل تسامي الوجود البشري وتعاليه. وما مقتل عمرء. وعثمان وعليّ إلا خير 
دليل على مدى ثبات ظاهرة العنف فى مختلف المجتمعات البشرية» وعلى 
محدودية السيادة العليا التي فرضتها أديان الوحي. 


إن هدف أديان الوحى كان يكمن «فى السيطرة على العنف الطبيعى الأزلى 
الموجود في أعماق كل شخص بشري وذلك بواسطة عملية التسامي الأخلاقي 


>53 


والتصعيد الروحي لدوافعه وغرائزه)”". كان ذلك وضع السيادة العليا في 
المرحلة النبوية والمرحلة التي تلتها مباشرة» أي مرحلة الخلفاء الراشدين. 

أما فى المرحلة الثانيةء» مرحلة الدولة الأموية والعباسية من بعدهاء فقد 
استجدٌ حدث مهم يكمن في أن الدولة هنا نشأت على أثر العتف والصراع الدموي. 
هكذا تبلورت المراتبية الأخلاقية ‏ الروحية التى سادت فى المرحلة النبوية» «هذه 
الج انمد الكملفة بالجعادلة الغالنة سياد علب اتتلطة تاس امتصة الأرلرية 
للسلطة السياسية القائمة على العنف واستخدام العنف لكي تفرض نظامها 
الاجتماعي والسياسي المثبّت والمرسّخ من قبل الفئة الاجتماعية المنتصرة»”"©. 


فالدولة تستغل ذروة السيادة العليا لكي تسوّغ سلطتهاء لأنها بحاجة إلى 
الشرعية الذاتية. من هنا يمكن التحدّث عن «الأيديولوجية الرسمية» التى تموّه 
المنشأ التاربخي للدولة وتتلاعب به وتفرض بدلا منه صورة محدّدة عن السلطة 
الشرعية. يبدو واضحاً لدى مفكرنا الفرق بين سلطة النبي وسلطة الدولة في ما 
بعد. فالسيادة العليا للنصوص المقدّسة أسّست سلطة النبي وسوّغتهاء كما إن 
حضوره الفاعل جذب الاتباع والانصار بشكل عفوي وطوعي. أما الوضع مع 
الدولة الأموية والعباسية فكان معكوساً. إذ إن السلطة السياسية هى التى تتلاعب 
وتتحكم بالنصوص لكي تقول ما يناسبها ويسوّغ وجودها ويثبت شرعيتها. بدلا 
من اجتذاب الناس إليها طوعاء. كانت تفرض الانتساب إليها عن طريق القوة 
والعنف. لذلك يتحدّث أركون عن الأيديولوجيا الرسمية» ويعتبر أن هناك عملا 
أساساً لكل أيديولوجيا هو: «تشويه العملية الحقيقية لمجرى التاريخ من أجل 
المحافظة على تأييد الشعب لصورة منمذجة ومثالية عن الشرعية»”'". 


فاللغة الدينية مجازية رمزية منفتحة على مختلف الاحتمالاات والمعاني. 
وبإمكانها أن تقبل كل أنواع التأوين في التاريخ» لكن الدولة هي التي تتدخل 
وتحذ من عمق اللغة الدينية وغناها الرمزي فتحوّلها إلى قوالب جامدة. وهي 
تقوم أيضاً بتشويه الأصل الحقيقي والتاريخي للأحداث» وتجبر الناس على 
الاعتقاد بأن الأرثوذكسية هي الدين المستقيم وما يخرج عنها يُرمى في الضلال. 
إن الأرثوذكسية بفرعيها الستي والشيعي هي بمثابة الدين الرسمي الذي نشأ 


(8) المصدر نفسه. ص 157. 


(9) المصدر نفسهء ص 1517 -158. 
)١(‏ المصدر نفسهف. ص .١١88‏ 


نتيجة التعاضد والتضامن ما بين رجال الدين والدولة. يرى مفكرنا أن للسيادة 
العليا كما تظهر في نصوص التراث ثلاثة أوجه: 

9 الجانب الأيديولوجي الذي يستخدم لتقوية الصورة الشرعية للدولة 
الرسمية ولتذكير الحكام بنوعية الحكم المثالي الذي ينبغي تقليده دوما. 

؟ - الجانب الأسطوري والمؤسطر الذي يتمئّل فى الخلق الأدبى 
التشمات: المودكية الكو لعاف العك بولك بوايظة إمقاط كن النضاتر 
وصفات الكفاءة العالية على الشخصيات التاريخية من أمثال: محمدء وعليء. 
وعمر بن الخطاب. وعمر بن عبد العزيزء وأبو بكر. . . إلخ. 

والجانب الثالث يخصٌ السيادة العليا أو الهيبة الشخصية الأصلية 
والدولية المرتبطة بالشخصية التي اعتيد على استخدامها لبناء نموذج مثالي 
يحتذى مثل شخصية محمد وعلي وجعفر الصادق. . . إلخ2"500. 

تسهم هذه الأوجه الثلاثة إلى حد بعيد في ترسيخ السيادة العلياء بخاصة 
الجانب الثالث منها الذي يعتبره مفكرنا الأكثر عمقاً نظراً إلى تأثيره فى التشكيلة 
القزاسيةاللذاكرة الجماعية #من فيا كان لا بد مره الفعصق هن النضك مق أجل 
الكشف علق حتلك العناصر الأيديؤلوخية والأسطورية الى حلت في تزكية 
هذه الشخصيات التراثية» والتوصّل إلى الشخصيّة التاريخية الحقيقية. كل ما هو 
أسطوري أصبح ضرورياً من أجل التعمّق في سائر جوانب السيادة العليا. هكذا 
نجد أن عملية تكثيف التاريخ وحصره في التراث الذي سوف يسيطر بدوره على 
التاريخ؛ إن هذه العملية» قد بدآت منذ وفاة النبي وهي تتضمّن بالعمق مسألة 
الصراع الدائم بين التراث/ والبدعة. فالصراع القائم بين التراث من جهة والبدعة 
من جهة أخرى يُظهر جلياً التوتر الحاصل بين مشروعية القيم التراثية التي 
مُضمت من جهةء وبين سلطة الأفكار والاكتشافات والأحداث التي لم تهضم 
بعد من جهة أخرى. بصياغة أخرىء إن الصراع بين التراث/ والبدعة يكشف لنا 
عن الصراع بين التراث/ والحداثة. 

نخلص إلى القول إن السلطة السياسية كما عرفتها المجتمعات الإسلامية 
هىء بالنسبة إلى أركون» بحاجة إلى تحديد جديد انطلاقاً من العلاقات الواقعية 
المادية الني 'تربط بين السلظة :وبين الفضاء الاجتسماعي الذى ته .يه.وتشرف 


(١١)المصدر‏ نفسه 6 ص 1١5١9‏ 


لا 


على أموره. أما أشكال السلطة السياسية فهى عديدة» منذ العصور الأولى ولغاية 
اليوع». .هناك + الخلاقة والأمامة. والسلطلة» .والآمارة» والعملكة » .والجمهورية: 
من الضروري تحديد تشكيلة الدولة فى كل حالة على جدىء بعيدا عن النظرة 
اللاهوتية التي سيطرت إبان القرون الوسطىء وبعيداً أيضاً عن النظرة الفلسفية - 
المئاسية التجريدية العن جاءت بعد «النظرة الالاغرتية + وعي. ااتكدفى بتسوية 
فروط تضرع مجموع القنياء لسد السليلة وامتاحيها بعلم أن ضاحت هله 
السلطة كان دائماً مؤقتاً أو عرضة للاحتجاج والمعارضة أو حتى لا يمتلك من 
السلطة إلا اسمها©2. 


يشير أركون في هذا المجال إلى أن ذروة السيادة العليا الشرعية لم تتجسّد 
في الواقع أبداء إنما وجودها كان ذهنياً في عقول المؤمنين. يمكننا أن نلمس 
هذا الوجود الذهني من خلال الانتظار الأخروي.لدى الجماعات التي تحلم 
بمجىء المهدي لكى يبسط العدل.» ومن خلال المفكرين المسلمين الذين عملوا 
كن مز وه السيورطة السوورية وعسود :الخلدفة ب الإماحة ايششك مفالن كنا 
يمكن حصر السيادة العليا المثالية في الأذهان فقط وليس في الأعيان. ' 

إن الكلام على السيادة العليا الإلهية وعلاقتها بالسلطات السياسية يؤدّي 
لدى مفكرنا إلى طرح إشكالية الروحي والزمني وإمكانية الفصل بينهما نهائياً أو 
التوفيق فى ما بينهماء كما إنه يفضى إلى معالجة مسألة العلمنة والديمقراطية 
واكمركات. الامو سوه تتر في نر بن كل شطاة كشي عقا ون ممه أركون 
لمجمل هذه الإشكاليات التي شغلت خيّزاً مهما من مشروعه النقدي. 

ثانياً: جدلية العلاقة بين الدين/ والمجتمع 
أو بين الروحي/ والزمني 

يرى أركون أن هناك فكرة منتشرة كثيرأء تفرض نفسها وكأنها هي وحدها 
التي تعبّر عن حقيقة الواقع. فتشدّد على الخلط والتلاحم الأزلي بين الذرى 
الثلاث في الإسلام» أو بين الدالات الثلاث: الدين والدولة والدنيا. فالإسلام 
بحسب هذه الفكرة لا يفصل بين الروحي والزمني. الأمر الذي يميّزه من 
المسيحية بشكل خاص. لكن مفكرنا لا يوافق هذا الرأي ويريد برهنة العكس. 


)١1١(‏ محمد أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ترجمة وتعليق هاشم 
صالحء سلسلة نقد الفكر الديني (بيروت: دار الطليعة. 99/8١)غ»,‏ ص 596؟١-1551١.‏ 


لا 


إذ إن الإسلام بنظره لا يقوم على الجمع بين الروحي والزمني» كما هو شائع 
لدى العديد من الناس» فالتحليل التاريخي بإمكانه أن يثبت ذلكء ما يعني أن 
العلمنة ممكنة في الإسلام؛ من غير تحجيم الدين أو القضاء على العاطفة 
الروحية. إن الإنسان بالنسبة إليه هو روحي/ وزمني ولا يجوز بالتالي بتر أحد 
عائيق التعدين والمجنا مكل علق التعد. الا شر ولعو فالتهف: لون المتضيرة هنا 
ككرت رايا عن الخصيون الديني ادق ماك في اورف الوسط .لير ا 
الحاجة الدينية بالمعنى الروحى الكت أي 50 النزعة الداخلية البغارقة ف 
الإنسات والثن عفنيه إلرن متعائقة" العتطلق 4 والقهنا على القسور بالففاة الكامل 
مع الترالية ارسق 


يحتاج الإنسان بشكل أساس إلى التواصل مع عالم الأبدية والخلود» من 
هنا باتت الحاجة ضرورية إلى وضع ترميز روحي جديد بخاصة في المجتمعات 
التي غرقت في الحداثة المادية. لذلك نجد أركون ينتقد في أكثر من موضع 
علمنة القرن التاسع عشر التي أرادت القضاء على البعد الروحي للإنسان. هذا 
بالتالي ما يميّز مشروعه النقدي» إذ لم يكتف بدراسة التراث الإسلامي وتفكيكه 
ونقدهء ولم ينبهر بإنذار الحداثة» فيتبعها ويقبل بكل ما أنتجه الفكر العلمي 
الموضوعي. لقد استفاد من الحداثة» وأشار إلى أهمية إنجازاتهاء لكنه في 
الوقت عينه ينتقد تهميش البعد الديني وكل محاولة لاستئصاله والقضاء عليه؛ 
من دون أن يرتد إلى الوراء ويغرق في مواكب الدعوات الأصولية. عندما 
يتحدّث عن البعد الروحى؛ فهر لا يقصد البتة ديئاً محذداً» إنما يريد اختراق 
كل الأديان وتجاوزها. إنه لا يقبل بالانغلاق داخل سياج عقيدي محدّدء إذ إن 
إحدى سمات السياج العقيدي رفض كل محاولة تميّز ما بين الديني والسياسي. 
ورفض مجرّد القبول بوجود علاقة معقلنة بينهما. إن هذا الأمر يعرقل فعلا 
إمكانية الانتقال إلى الحداثة ومواجهة سائر التحديات التى يطرحها العقل 
الحذيث. من هنا يآتي اهتمام مفكرنا بدراسة الآليات. العقلبة التي أسهمت في 
إنتاج الأنظمة اللاهوتية والعقيدية المتنوّعة. وهو يريد أن يدرس أيضاً الآليات 
الاجتماعية التي تستفيد من هذه الأنظمة العقيدية من أجل الوصول إلى غايات 
سلطوية. بمعنى بمعنى آخرء إنه يدرس «آليات التمفصل والتقاطع بين اللاهوتي 
والسياسي وتأثير هذا في ذاك أو العكس)””". 


)١7(‏ محمد أركون» الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. ثر جمة وتعليق هاشم صالح (بيروت؛ لندن: دار 
الساقي» )2 ص /ا59. 


"4 


كنا قد عالجنا فى المبحث الأول من هذا الفصل كيفية تلاعب السلطات 
جامد لاف" لكلا نو لعفاو ران مدا لهي انها صن إن "الال كير 
دليل على تقاطع الروحي والزمني في المجتمع. فالسلطات السياسية الإسلامية 
هي سلطات زمنية دنيوية تحكمها إكراهات المجتمع والتاريخ» ويسيطر عليها 
صراع الفئات المتنافسة وموازين القوى. على الرغم من اذعائها القداسة» 
ومحاولتها خلع رداء المشروعية الدينية المثالية على نفسها. إن القراءة التاريخية 
للأحداث تظهر أن السلطات السياسية «قد حسمت الأمور على أرض الواقع 
بالقوة أولاً نم لجأت بعد ذلك مباشرة إلى تكوين أيديولوجيا كبرى للتبرير 
والتسويغ. إن ادّعاءها مشروعية فوق بشرية أو خارقة ليس إلا وسيلة لا تزال 
فعَالة من أجل تدعيم ذاتها وإرهاب الخصوم وتسفيههه”؟". 

يلحظ أركون فى هذا المجال أن ادّعاء المشروعية ما زال فاعلاً حتى فى 
المجتمعات العربية الإسلامية المعاصرة» نظراً إلى أسباب عديدة أبرزها تأخر 
هذه المجتمعات مادياً ومعرفياً. وممارسة الضغوط الإمبريالية الخارجية» وتزايد 
التمييز الطبقى فى الداخل وانتشار الحروب والأوبئة والمجاعات. يعتبر أنه من 
الضروري أن يكشف الباحث عن مختلف التلاعبات التي حصلت عبر التاريخ 
وهي لا تزال مستمرّةء تفعل فعلها في عمق المجتمع. 


إن إطلاق الأحكام عشوائياً والقول بأن الإسلام لا يفصل بين الروحي 
والزمني. وهو بالتالي دين مغلقى في وجه العلمنة» دليل واضح على عدم اعتماد 
القراءة التاريخية المنفتحة عندما يتعلّق الأمر بدراسة الفكر الإسلامي. لقد بحث 
مفكرنا مطوّلا فى إشكالية العلمنة وإمكانية حصولها فى المجتمعات الإسلامية» 
كما يرهن عن امد المعدييات دغر يع العلمةة ميايفا »وك اليوم تسير 
نحوها من دون أن تشعر بذلك. 


5 الإسلام والعلمنة 


العلمنة ا حك ار والروح 0 يحذدها زكرا اباي 
1 التوصل إلى 0 ويقول في موضع آخر عقن العلمنة: «إنها 


.١؟ أركونء الفكر الإسلامي قراءة علمية» ص‎ )١5( 
.٠١ أركون: العلمنة والدين (الإسلام. المسيحية؛ الغرب). ص‎ )15( 


51 


الموقف الحر والمفتوح للروح أمام مشكلة المعرفة:”'©. فهو يعتبر أن من حق 
الإنسان أن يعرف أسرار الكون والمجتمع. ولا يجوز أن يحول شيء بينه وبين 
كشف ما هو مجهول. مادياً كان أم روحياً. إن هذا المعنى المنفتح للعلمنة لا 
يقبل بالقضاء على الدين وتهميش العامل الروحي في المجتمعات الإنسانية» إنه 
موقف إيجاين يأحل بالاعتان الإنسان يتعديه المادئ. والروحعي.من .وون أن يرجح 
واحداً على آخر. 


إن مفهوم العلمنة قريب جداً من مفهوم الحريةء والموقف الذي يتّخذه 
أركون تجاه المعرفة يعبّر عن انفتاح وحرية إلى أبعد الحدود. إذ إن الإنسان 
بحاجة دائما لكي يفهم المزيد وينتقدء فينبغي عدم منعه من تحقيق ذلك. إن 
موقفه الإيجابى هذا قد دفعه إلى انتقاد العلمنة عندما أصبحت عقيدة 
ابدكرلوعة» وعملت على العدد مز كرية لفكي تومن أن سيم العلحة 
بدورها «سلطة عليا تضبط الأمور وتحدد لنا ما ينبغى التفكير فيه كما فعلت 
سلطة الفقهاء والإكليروس سابقاً'"". ْ 


يمكن أن نذكر هنا على سبيل المثال ما قامت به الجمهوريات العلمانية 
في الغرب» بخاصة في فرنساء من طمس وتهميش العامل الديني أو البعد 
الروضو :ف المجنمم: لعيظ أن الشكن القدي الحر لا برضن يكل اشتكال 
التطرّف» وينتقد كل مظاهر الأدلجة والتقوقع داخل الأنظمة المقفلة» أدينية 
كانت أم علمانية. 

إن تحقيق العلمنة في المجتمعات الإسلامية يتطلب» بالنسبة إلى أركون؛ 
فروظأ عويدة أروقها بعلن خطييق” للف كا ورد عونة مان كن وسقي بهذا 
ما لم يحصل بعد لغاية الآن. يرى أن الفكر العربي الإسلامي المعاصر لم يعرف 
بشكل عام الماركسية الإيجابية» كما إنه لم يعرف نقد القيم الذي مارسه نيتشه 
عندما درس الفكر المسيحى. ما يؤخر مسيرة المجتمعات العربية الإسلامية نحو 
الفلمنة. لعن التحديده الذى أزوذة مشكونا :لعلو كي أذ تسيل الطريق مه 
أجل الوصول إلى العلمنة» إذ إن الإسلام بحذ ذاته ليس مغلقاً في وجه 
العلمنة» لكن على المسلمين أولاء. إن يتخلصوا من سائر القيود والإكراهات 
التي تضغط عليهم من الناحية النفسية واللغوية والأيديولوجية. إن هذه القيود لم 


59١ أركون» الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. ص‎ )١5( 
.59454 أركون؛ تاريخية الفكر العربي الإسلامي» ص‎ )10( 


51١ 


تنج فقط من رواسب التاريخ الإسلامي» وإنما نتجت أيضا من العوامل 
الخارجية والمحيط الدولي. عليهم ثانياء إن يعيدوا الاتصال مع الفكر الإسلامي 
بحقيقته التاريخية خلال المرون الهجرية الأربعة الأولى. لقد شهدت هذه 
المرحلة التاريخية المهمة حركة من المثقفين غرفت بالمعتزلة» وهي كلمة تعني 
10 «أولنك الذين وقيغيوا اسيم جانياً لاوا را لجسي ايم للتأمل 
فأصبحت تعني المعزولين أو المفترقين عن الأمة» ل حر وت 
3 5 كيلف 
والحط من قدرتهم') : 


يرى أركون أن العلمنة كانت موجودة خلال فترة حكم المأمون أكثر مما 
هي اليوم في معظم الدول العربية والإسلامية؛ لأن الأسئلة التي تجرأ المعتزلة 
على طرحها حول القرآن وخلقهء لا يمكن أن تُعالج اليوم في الأوساط الثقافية 
العربية أو الإسلامية. وهذا ما كان مستحيلا التفكير فيه قبلا. كانت مرجعيتهم 
الثقافية فى ذلك تتمثل بالوحي الإسلامي والفكر الإغريقي الذي دخل إلى 
الساحة الفكرية بقوة منذ القرن الثاني الهجري. إن مجرّد اعتراف المعتزلة بأن 
القرآن مخلوق يشكل موقفاً قريباً من الحداثة على الرغم من البعد الزمني عنها. 
إن هذا الموقف تجاه ظاهرة الوحي «يفتح حملا معرفيا جديدا قادرا على توليد 
عقلانية نقدية مشابهة لتلك العقلانية التي شهدها الغرب الأوروبي بدءأ من القرن 
الغالك عر" لول قار ضيه الأرترفكسة الظافدة فى القرن التافيق الهجري/ 
التادئ سر الميلذدي 2 وخطيوها عدن بن« الخلنة و1301 


يرى مفكرنا في هذا المجال أن اعتبار القرآن مخلوقاً يشكل موقفاً حديثاً 
وجريئاً يُدخل البعدين الثقافي واللغوي في طرح المشكلة. ويشير إلى أن هذين 
البعدين هما من صنع البشر أدخلهما المعتزلة عندما بذلوا الجهد من أجل 
استملاك رسالة الوحي». ما يدّل إلى اعتراف صريح وواضح بقيمة العقل ودوره 
في عملية الاستملاك هذه. هنا يبرز المنحى العلماني عند المعتزلة إذ إن حركتهم 
الفكرية ارتبطت بشكل مباشر «بالأطر الاجتماعية للمعرفة وليس بالإسلام كدين. 
بمعنى أن التطور الاقتصادي والاجتماعي للمراكز الحضرية الكبرى قد تحكم 
مباشرة بانتشار العلوم العقلانية المؤدّية لعلمنة الفكر والوجود أو حصرها أو 


.5١ أركونء العلمنة والدين (الإسلام؛ المسيحية» الغرب)» ص‎ )١18( 
.5١ المصدر نفسهء ص‎ )١9( 


اضمحلالها"”' '. لكن هذا الموقف الذي اتخذه المعتزلة بشأن القرآن المخلوق 
لم يعرف الاستمرارية كخط لاهوتى في الإسلام: فتم حسم الأمور من قبل 
الإسلام الأرثوذكسي الأشعري» وذلك لأسباب سياسية وأيديولوجية وتاريخية. 


لقد برهن محمد أركون على وجود بذور للعلمنة فى القرون الهجرية الأربعة 
الأولى؛ وذكر في هذا المجال أيضأء بالإضافة إلى المعتزلة وطرحهم مشكلة 
القران المخلوق» محنة ابن حنبل التي تعرّض لها في أيام المأمون تحديدا. سيب 
هذه المحنةء إن الخليفة المأمون أراد أن يفرض ما جاء به المعتزلة حول القرآن 
المخلوق ويجعله عقيدة رسمية للدولة الإسلامية. أجبر جميع الموظفين على 
الأخذ بهذه العقيدة تحت ضغط التهديد بفقدان الوظيفة. أحد الذين رفضوا القول 
بأن القرآن مخلوق كان ابن حنبل الذي أدخل إلى السجنء واعتّبر كزعيم 
للمعارضة الجماهيرية التى وقفت فى وجه السلطة الحاكمة» ورفعت الشعار 
التالي : «لا شيء صادر عن الله مخلوق» والقرآن من الله. . .» 

يحلل مفكرنا هذه الحادثة ويرى فيهاء وعلى خلاف الآخرين؛ نوعاً من 
الفصل ما بين الروحى والزمنى أو الدينى والدنيويء إذ إن المذهب الحنبلى 
قد أسهم اكتر دين عيره فى حنثة الأسلام: الست .علق غنم الخلظ نين دين 
العاملين. يقول في هذا المجال: «في الواقع» إن ابن حنبل إذ رفض إطاعة أمر 
الخليفة في إحدى مسائل العقيدة قد ثبت صلاحيات الخليفة التي ينبغي ألا 
تتعذاها. فموقف ابن حنبل يعني عملياً ما يلي: الخليفة لا يُطاع إلا في ما 
يخصٌ السلطات الخاصة بجهاز الدولة. أما العقائد الدينية المحصّنة فهى من 
اختصاص ومسؤولية الأمة المستئيرة التي يقودها علماء مستقلّون عن السلطة 
ومعترف بهم من قبل الجمهور العام على هذا النحو. ومن واجب الخليفة 
حماية القانون الدينى والسهر على تطبيقه.» ولكن لا يحق له أن يحدّد مضامينه 
| 

نلحظ هنا أن هذه القراءة لمحنة ابن حنبل مختلفة عمًا سواهاء وهي 
تحاول أن تبرهن على أهمية هذا الإنسان الذي كان وفيا لمبادئه» على الرغم 
من الضغوط التي تعرّض لهاء لقد نادى بالفصل بين العامل الروحي والعامل 
الزمني وبقي منسجماً في تصرفاته العملية مع موقفه النظري. كذلك اعتبر ابن 


.5١ المصدر نفسه. ص‎ )١( 
.50 أركونء, الإسلام. الأخلاق والسياسة. ص‎ )5١( 


517 


حنبل أن عصيان الخليفة فى أمور العقيدة أمرٌ جائزٌء لكنه مرفوض فى المسائل 
الجتعلقة بالتظاع الستياسئ' وبالاموي الدنيوية, بإذ هذا العيدا الذئ وضيعه ابن تيل 
لم يدم طويلا فقد خضع العلماء الدينيون في ما بعد للسلطة السياسية» وتم 
الخلط على أرض الواقع بين الذروتين الدينية والسياسية بعد أن كان ابن حنبل 
قد حدد الفصل بينهما نظريا وعملياء بحسب ما برهن مفكرنا. 

هكذا توهّم المسلمون أن الحاكم. أخليفة كان أم سلطاناً؛ أم غير ذلك». 
يتمتّع بالفعل بمشروعية دينية يجب الخضوع لها. عرّز ذلك الوهم تدهور الأمن 
بدءا من القرن الخامس الهجري. حيث كانت المجتمعات تتعرّض للتهديد 
الخارجي سواء من الترك أم المغول» أم الصليبيين» ما دفع الناس إلى القبول 
بالحاكم وبكيفية حكمه على الرغم من كل مساوئه. فخضع بذلك العلماء 
الدينيون كما المسلمون بعامة لسلطة الحاكم. إذ إن الخطر قريبء. والأمن 
مهددء فلا تجوز المعارضة. 


نود أن نتوقف هنا عند ملاحظة مهمة أبداها أركون. فى سياق بحثه فى 
معن ان بعد اسان إلى أن متا العصل مسن الدورة اللمتمالية اللسنادة 
الروحية :والذزوة البشوية للسلطة الميانية الذق وتجة اين تيل -قن حافظ 
عليه الشعب في وعيه الجماعي. وبقي حيّاً. ويؤكّد في هذا المجال أن الشعب 
المسلم كان مغيبا دائماً منذ سلطة الأموبيق. وحتى البو :هدالة قطبعة وائمة :بين 
الدولة ورعاياها نتج منها عدم الثقة واللامبالاة تجاه الحكم المتمثّل بالدولة 
المركزية» وكان في بعض الأحيان نوعا من الرفض الجذري للحكم. 


يعود مفكرنا تاريخياً إلى الوراء إلى عام 11١‏ ليشير إلى أن نوعاً من 
العلمنة البدائية قد راح يظهر منذ ذلك الحين. فبعد ثلاثين سنة من وفاة النبي 
تمكن معاوية ‏ الذي ينتمي تاريخيا إلى عائلة بني سفيان المنافسة لعائلة النبي 
بني هاشم من الاستيلاء على السلطة بالقوة والدماء» فجعل مركزها في دمشق 
عندما قام بتصفية أنصار علي بن أبي طالب دمويا. لقد استلم معاوية السلطة عن 
طريق الانقلاب الدموي وليس بحسب القانون والشريعة» لكن الخلفاء الأمويين 
راحوا في ما بعد يُُضفون على أعماله طابع الشرعية والقداسة والتعالي. قام 
رجال الدين بمساعدة معاوية وأسهموا مليّا في إضفاء القداسة على إنجازاته. 


يشير أركون إلى أنه انتشرت في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري 
الثقافة العلمية والفلسفية التي تقلت عن الإغريقء أو اسثلهمت منهمء 


53 


رم ما أضفى أبعاداً استثنائية على المناخ الإسلامي. إن دراسة هذه الفترة 

تشير إلى «ظهور علائم على العلمنة الجنينيّة (أو البدائية». من أبرز هذه العلائم 
إضعاف هيبة الخلافة من قبل الأمراء البويهيين» ثم ازدياد أهمية الدور 0 
يلعبه العقل الفلسفي من أجل تجاوز الصراعات المتكرّرة والحاصلة بين 
الطوائف + والمذاهت» والعقائد» والتراثات الغرقية ‏ الثقافية70"'". 


يعتبر أركون أن تحجيم الخلافة من قبل البويهيين وتهميشها يعني البدء 
بالتقدذم نحو علمنة مؤسسة السلطة العلياء بخاصة أن الخلافة كانت لها رمزانية 
دينية عالية» ورهبة قوية. كما يعتبر أن نمو العقل الفلسفى على حساب العقل 
الدرنى الا انود كب "يفيو انها إلى علض لمك فى العيانجة المرتزلة اب الا اانه 
خلال القوت الرابع المجرى: لعد انكقك فن هله الفكزة الزئنية ظاهرة الإنسية 
العربية (©6 32 عصرعنه مس701" والفكر العقلانى الذي صحبها داخل 
المجعمدات الى ثرضت فيها اله الدين الإسلامق. واللقة العرية كتعاليم 
العالم المتحضّر ولغته. 

هكذا نجد من خلال الأمثلة الأربعة التي ذكرناهاء أن الإسلام بحدّ ذاته لا 
يرفض العلمنة» بل على العكس. لقد شهدت المجتمعات الإسلامية فترات 
ومواقف تشير إلى وجود العلمنة. اكتفينا هنا بالتوقف عند الحركة الفكرية التي 
قادها المعتزلة الذين طرحوا مشكلة القرآن المخلوق» ومن ثم ذكرنا أهمية ما 
قام به ابن حنبل من محاولةٍ للفصل بين العاملين الروحي/ والزمني؛ عدنا بعد 
ذاك إلى فترة بداية الخلافة الأموية مع معاوية» ورأينا كيف أن الفقهاء هم الذين 
قدسوا مؤسّسة الخلافة الأموية كما العباسية» على الرغم من أنه ليس لها أي 
قدسية بحد ذاتهاء سواء من ناحية المنشأء أم الممارسة» أم المجرى التاريخي. 
ثم أنهينا بذكر أهمية الحركة الإنسية العربية التي عرفها القرن الرابع الهجري. 
لقد أصرّ مفكرنا في كل مرة كان يطرح فيها إشكالية العلاقة ما بين الإسلام 


.47 أركون» نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكويه والتوحيدي. ص‎ )1١( 

(7) عندما يتحدّث أركون عن الإنسية العربية فهو يحصر نفسه بالدائرة اللغوية والثقافية العربية. 
ويقصد ابهذه الدائرة هنا تلك الأوساط الاجتماعية التي تمثّل فيها اللغة العربية المكتوبة لغة التعبير 
السائدة». وهو لا يريد أن يستبعد أحداً من الذين أنتجوا باللغة العربية: لذلك نجده يدمج «في الإنسية 
العربية جميع اليهود والمسيحيين الذي يعرفون القراءة والكتابة ويتقنون اللغة العربية» إِيَانَ العصر 
الكلاسيكي وعصر النهضة. «بالتالي فالتيار الإنساني والفلسفي العربي يشمل إنتاج كل المثقفين أو 
المفكرين الذين كتبوا وعبتروا عن مشاعرهم باللغة العربية سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أم يهوداً». 
انظر: المصدر نفسهء» ص .١7-1١5‏ 


516 


والعلمنة» على أن الإسلام كدين ليس مغلقاً في وجه العلمنة» لكن هناك عوامل 
اجتماعية وسياسية وثقافية عديدة اجتمعت لكي تسهم في إفشال كل المحاولاات 
التي شهدها تاريخ الفكر العربي الإسلامي من أجل تحقيق العلمنة وتطوير 
الفلسفة الإنسية المبنيّة على النزعة العقليّة. 


إن الدولةء منذ بداية الخلافة الأموية هى مجرّد بنية سياسية انغمست فى 
محيط أيديولوجىء. وسَّعَت إلى الهيمنة على الرؤية الدينية. كذلك فعل 
العباسيون فى ما بعدء إذ «كانت الثقافة الدنيوية والمؤسّسات السياسية وتقاليد 
البلاط والحياة الاقتصادية متأثرة بالتراث الساساني الإيراني والفكر الإغريقي 
والتقاليد والعادات الحية الناشطة دائماً في الشرق الأوسط القديمء أكثر مما 
كانت متأئرة بتعاليم القرآن والنبي الدكيةة المعط وو" لقن ريدت المشضيهات 
الإسلامية حركة علمنة للفكر والثقافة والحياة اليومية لا يمكن التغاضى عنهاء 
إلى درجة أن العلماء الدينيين قد استسلموا لهاء ونهلوا من ملذاتها. الصوفيّون 
نقط وقفوا في وجه العلمنة ورفضوا الملذات». وأدانوا المادية التي غرق فيها 
المجتمع والفكرء كما تأسّفوا على العصر الافتتاحي الأول حيث كان الدين 

0 

والزهد صادقين 


يستنتج أركون, انطلاقاً من القراءة التاريخية التي قام بها «أن الدولة قد 
علمنت الدين باستخدامها له كأداة لتبرير سلطتها وخلع المشروعية عليهاء أكثر 
مما لجأت إلى حمايته طبقاً لما ينص عليه قَسَم الطاعة (أو البيعة). لقد راحت 
تتلاعب به كيفما تشاء لمصلحتها. هذا التطور الذي طرأ جعل الفقهاء يلحون 
على أهمية وجود الدولة والسلطة المرتكزة على القانون الدينى أكثر مما ألحَوا 
على الخلافة التي بقيت صيغة مثالية لهذه الدولة» صيغة اختفث بالفعل»0", 


يشير موقف الفقهاء هذا إلى بُعد الدولة عن تطبيق الشريعة والعدالة 
الاجتماعية والفرق في أنظمة تعتمد في كثير من الأحيان على العو والعنف. إن 
الحكم لم يكن دائماً مخلصاً لمبادئ الدين الإسلامي» وشهد نوعاً من الفصل 
بين الروحي/ والزمني. 


(14) أركرنء الإسلامء الأخلاق والسياسة. ص 01. 

(75) يحيلنا أركون في هذا المجال إلى كتاب قوت القلوب حيث يعرض فيه أبو طالب المكي شكواه 
من الوضع القاكم. انظر: المصدر لئقسةء؛ ص 61. 

0 المصدر تقسهةء» ص /0ا6. 


515 


أما فى ما يتعلّق بالمجتمعات العربية الإسلامية المعاصرة» فإن العلمنة 
الفعلئة سد .من ذون ان اشعر رذالك 4 وعن مخلعل البوع "ف هذه الجيجيعات؛ 
إن خير دليل على ذلك تلك الرغبة في حصول الوحدة الوطنية القومية كما 
حاف فى أروونا: وه رفن وسعلت نالو التشافى زر الترتهد كان الرعرة 
الإسلامية ذات الأبعاد اللاهوتية والأخروية. لم يعد أحد يحلم بإعادة السلطنة 
العثمانية مثلاً أو بتشكيل الوحدة الإسلامية» لا في مصر أو العراق أو سورية» 
لكن العكس هو الصحيح., هناك الفكر القومي الذي يعمل على تشكيل الوحدة 
القومية لبعض المناطق العربية. «وإذن» فالعلمنة حاصلة شئنا أم أبيناء وهذا ليس 
الاعقالا. وابحدا م صييلة أله أكرى 0 يحمي وتاذفط أن العليةة قصيت 
حتى اللغة بكل مفرداتها وتراكيبها. لقد غاب المنظور الأخروي (أي الديني 
اللاهوتي) عن الأنظار كلياًء ولم يعد المسلمون المعاصرون يعرفون ماذا تعني 
النزعة الأخروية. وعندئذ راحت فكرة الوحدة الوطنية تمارس دورها كنوع من 
الأخرويات الأرضية كلياً)""). 


من هنا ضرورة القيام بدارسة نقدية للواقع الراهن من أجل إبراز نزعة العلمنة 
ولفت الانتباه إليهاء إذ لم يعد مسموحاً التغاضي عنها. لكن يحذّر مفكرناء في 
المقابل» من الانسياق الأعمى وراء الشعارات العلمانية المتطرّفة التى عرفها 
الكرت'إبان المزن اتاسع عقي إذ أصبحت العلمانوية"المداضلة ارتوذكبة .حر 
حلت محل الأرثوذكسية الدينية؛ وهي بمثابة عقيدة أيديولوجية حدّت من حرية 
التفكير كما فعلت الأديان. ينتقد أكون هذا الموقف الذي يحول العلمنة إلى 
سلطة عليا تضبط الأمورء وترسم بدقّة ما يجب التفكير به وما لا ينبغي عدم 
التفكير به» تماما مثل السلطة التي مارسها رجال الدين في السابق. 

إن الفكر الوضعي قد حذف بشكل كلي الموقف الديني واعتبره أمراً بالياً 
قد تجاوزه الزمن لأنه ينتمى» بحسب تعبير أغست كونت (008016 إوناوناة) إلى 
المرحلة اللاهوتية العابرة. إن هذا الفكر قد هيمن على أوروبا الغربية فترة زمنية 
طويلة. لقد تمكن من السيطرة على الأوساط الفكرية والثقافية» كما على 
الأوساط السياسية حيث أراد رجال السياسة فصل الدين عن الدولة انطلاقاً من 
تأثرهم بالفلسفة الوضعية في القرن التاسع عشر. ازداد هذا الموقف حذة بعد 
تفاعله مع الفلسفة الماركسية التي تعتبر العامل الديني مجرّد قشرة سطحية» أو 


(/0؟) أركونء الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. ص .75١‏ 


1/ 


بئية فوقية لا أهمية لها. هكذا فقد نشأ تفسير اختزالي للتاريخ البشري». 
وحخصرت القوى الحقيقية للتاريخ في نظام التبادل والإنتاج فقط. 

لا يكتفى مفكرنا بنقد العلمانوية المناضلة فى الغرب لأنها همّشت البعد 
الديني 57 سيادتها على العقل البشري» انك يطفن اننا النا ب الحلداة 
الجذرية الني عرفها المجتمع التركي مع أتاتورك. وهي في الواقع تجربة فريدة 
بتطرّفها. لقد اتخذ أتاتورك موتفاً علمانوياً لا متسامحاً مبنياً على الأيديولوجيا 
والعدوانية والانغلاق لكي يواجه موقف رجال الدين الذي لا يقل عنه في 
الانغلاق: والتعصّب. كان يجب على كل من يقف إلى جانب العلمانية والتقدم 
أن يهتمّ أولاً بمسألة الدين والمجتمع ويُشبعها درساً. كما حصل مع فلاسفة 
أوروبا ومفكريها خلال فترة زمنية طويلة. 

من الضروري الغوص في البعد النظري لعلاقة الدين والمجتمع. وطرح 
المشاكل الحقيقية التي يعانيها هذا المجتمع. قبل الاندفاع وراء المبادئ 
العلمانية وتطبيقها بتطرّف. يعتبر مفكرنا أن انبعاث الحركات الدينية» سواء فى 
تركيا أم في البلدان الإسلامية الأخرى» هو بمثابة رد الفعل على كيفية إسقاط 
العلمنة على المجتمع» ما يوضح سبب استخدام العنف في مواجهة العنف. 
١‏ الحركات الإسلامية والعلمنة 

تشهد المجتمعات الإسلامية المعاصرة صحوة دينية مميّزة يتوقف أركون 
عندها لكي يدرس أسباب نشوئها وازدهارهاء وينتقد في ما بعد خطابها 
الأيديولوجي. وهو يرى أن الثورة الإسلامية مثلاً هي ردّ فعل قامت به الجماهير 
الفقيرة دن :رست حكريناكة الريك لامكفلون الس | لوانتا ره بف اقل 
لمدة ادن سنة. لقد قام بقراءة سوسيولوجية ض أجل تفسير الواقع» فرأى أن 
الجماهير الفلاحية والبدوية قد سُلبت «من لغاتها وتقاليدها الموروثة وتوازناتها 
البيئوية وعصبياتها الدموية بعد أن هاجرت إلى المدن واقثلعت من جذورها 
وشكلت حزام الفقر أو مدن الصفيح حولها"”*"'. من هنا كان الارتباط الوثيق ما 
بين عامة الشعب والحركات الأصولية» وما التحدّث عن الظاهرة الشعبوية إلا 
إشارة إلى مدى الضغط الذي يرزح تحته الشعب» وإلى كيفية محاولته للخروج 
منه عن طريق العصبية والعنف. 


.١67 أركونء قضايا في نقد العقل الدبني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ص‎ )١8( 


518 


يبحث مفكرنا في العوامل التي أدّت إلى نشوء الظاهرة الشعبوية فيذكر 
أربعة منها: 

العامل الأول يكمن في وصول الجماهير الشعبية إلى السلطة» في حين لم تكن 
تحلم سابقاً بذلك لأنها كانت مكتفية بواقعها المتواضع ذي الإمكانات المحدودة. 


أما العامل الثاني فيعود إلى تضخم واتساع المناخ الأيديولوجي الذي يُسهم 
في تجييش الجماهير. 

والعامل الثالث الذي أذّى إلى إنتاج الظاهرة الشعبوية هو تفكك مختلف 
الشبكات التضامنية الكائنة بين الناس. وتفكك «الشيفرات الثقافية». أي 
الأعراف والتقاليد الثقافية الساتدة والموروثة عبر الأجيال. كذلك هناك «تفكك 
واتخلاك العلقوين الشتعائرية والاتظمة الرموية للفضؤر والادوالم”؟" فيعد أن 
كان هناك تماسك عميق بين الناسء وشعور بالهوية الجماعية. وأمل كبير 
بالخلاص» انحل كل ذلك ولم يعد أمام الشعب سوى الانخراط بالحركات 
الأيديولوجية التي تشكل الملجأ الأمين. 


أما العامل الرابع الذي أسهم في إنتاج الظاهرة الشعبوية فيتعلق بعمليات 
الاقتلاع من الجذور. وما حدث من هجرة كثيفة للبشر باتجاه ضواحي المدن 
حيث انتشرت البيوت الفقيرة المحرومة من تدبير الأمور السياسية الخاصة 
بالحياة اليومية. هكذا يؤدذي تشتيت الناس وتهميشهم إلى اعتمادهم العنف 
كسلاح فاعل بإمكانه أن يُسمع صوت الجماهير الشعبية التي يعذبها الحرمان. 
لقد تضافرت هذه العوامل الأربعة لكي تؤدّي إلى تبلور الظاهرة الشعبوية التي 
يغ نينا | ركوق هنا المت عاق" الأضو ل المعط نف وس :تلفت عق السحزكاات 
الشعية المعيافيفة والسههرة القن انسل إن التمطوي 57 

هناك أيضاً عوامل أخرى أسهمت إلى حدّ بعيد في إنتاج الحركات 
الأصولية التي نشطت في الفترة الأخيرة داخل المجتمعات العربية الإسلامية» 
أبرزها أن الإسلام المعاصز «واقع تحت تأثير العولمة الكاسح مثله مثل 
غيره»”' ". فكل الأديان الحيّة قد تأثرت بالحالة الجديدة التى طرأت» ولا يمكن 
الرجوع عنها: كذلك.إن سوه تطبيق النتهسية الثازيشية المي ازدهرت فى أورويا 


(5) المصدر نفسه. ص .١756‏ 
(0") المصدر نفسهء ص .١17١‏ 


إبَانَ القرن التاسع عشر من قبل مثقّفي عصر النهضة أذّى إلى انفجار الحركات 
الأصولية لأنه لم يتمّ تفكيك التراث ودرسه بعمق. إن عدم البحث الدقيق في 
التراثء وعدم فهمه بكل أبعاده في عصر النهضة. أمران مهمان نتج منهما 
انفجار الحركات الأصولية بعنف. يؤكّد أركون فى هذا المجال أنه لو تعّرض 
اوزاف لمر اكاكس «العني ربكي قاد ب هاف نفدي نا ربع عامل 
لما صل ما خضل الالحقاً: هذه تذهية يتبتغى أن بتامل فبها المتقفؤن الغرت 
المعاصوون 3ن ). لوالجع التويز الإسلامن» “لها:ظهرت الاضولبة :وفلات 
الشارع والبيت والمدرسة والجامعة وكل شيء...00١".‏ 


واضح من خلال ذلك أن القراءة النقدية للتراث» وتطبيق المنهج 
التاريشخى. خطوتان مهمّتان فى مسيرة تحرير الفكر الإسلامى والمساهمة فى 
انقاسه عل التحدانة ومتطلات المسفيكات المساسه ‏ وحوانة أكانيا: من 
الإحباط والانخراط فى أعمال العنف. 


يعتبر مفكرنا أن المنهج الفلولوجي. على الرغم من كل النقد الذي يوجهه 
إليهء لو طبّق على الفكر التقليدي لساعد على الحد من انتشار التطرّف الذي 
نشهده في المرحلة المعاصرة. إن عصر النهضة الممتد من القرن التاسع عشر 
وحتى منتصف القرن العشرين انتهى بإنتاج حركات التحرّر الوطني السياسية التي 
تمكنت من مخاطبة الشعب وتعبئته من أجل نُصرة الإسلام؛ على الرغم من 
محافظتها على قشرة من العلمانية والاشتراكية. كذلك استفادت حركات التحرّر 
الوطني من الإسلام وطاقته على تجييش الجماهير من أجل محاربة الاستعمارء 
ما أذى إلى نحجيم دور التيار الإسلامي. لكن الظروف ما لبثت أن تبدلت بعد 
هزيمة عام 2١9717‏ وارتفاع عدد السكان» وانخفاض مشروعية الأنظمة الوطنية» 
حيث أصبحت الساحة خالية أمام الحركات الأصولية التي لم تفوّت الفرصة 
واستفادت من الوضع السائد فحقّقت النجاح المطلوب. هكذا فإن اجتماع أكثر 
من عامل سلبي ساعد على تحجيم الأطر الاجتماعية للمعرفة في مختلف البلدان 
العربية والإسلامية. «بمعنى أن المجتمع نتيجة أزماته وفقره وهمومه لم يعد 
يستطيع أن يفتح صدره للفكر الحر والنقدي» وإنما فقط للفكر الأصولي التقليدي 
الموروث أبأ عن جد. هذا هو السبب الذي أدَى إلى نجاح الأصوليين؛ وليس 
عبقريتهم أو اكتشافاتهم العلمية الخارقة في مجال الفكر الإسلامي»”'". 


.١ ل١ المصدر نفسهء ص‎ )"1١( 
.١ 775 (غرة المصدر نقسه)» ص‎ 


3 


لا شك في أن أزمة القيم التي تعيشها الحضارة العالمية»ء وانهيار 
الأبديولوجية الشيوعية في الغرب» وتقلص اليقينيات في المجال العلمي. كل 
هذه الأمور قد تزامنت مع انطلاق الحركات الأصولية وانتشارها. هناك عطش 
في النفوس يقودها بشغف نحو المطلق والقيم والمبادئ» فجاءت هذه الحركات 
لكي تروي النفوس العطشى برأي مفكرنا. لقد حصل انقطاع كبير يفصل بين 
الإسلام الكلاسيكي وبين الحركات الأصولية المعاصرة التي لم يعد يهمّها إلا 
التوضّل إلى السلطة بأي ثمن. أما الإسلام الكلاسيكي فقد عرف تعدّدية مميّزة 
على الصعيد العقيدي. فكانت هناك مذاهب كثيرة كالسئّة» والشيعة» والمعتزلة» 
والأشاعرة» والفلاسفة. وغيرهم من المذاهب والفرق المتنافسة. كذلك فقد 
تميّز الإسلام الكلاسيكي بانفتاح كبير سواء على الصعيد الفكري والعقلي أم 
على الصعيد الروحي والتجربة الصوفية. لم يعرف الإسلام المعاصر هذه الأجواء 
كلّهاء فهو بعيد عنها. 


إن الإسلام كدين هو نتيجة القوى المحسوسة التاريخية والاجتماعية 
والثقافية التى شكلته عقيدياً وأيديولوجيأء وهو بذلك يشبه أي دين أو مذهب 
عفيدي آخر. أما المسلمون فقد حولوا الإسلام إلى أقنوم ضخم يؤثْر في كل 
شيء وبإمكانه أن يحقّق كل شيء, ما يُظهر الاختلاف الكبير بين التصوّر 
التجريدي الذي يضحم الإسلام من جهة. وبين التصوّر التاريخي الذي يأخذ 
بالاعتبار الواقع المحسوس. فالمؤرّخ يرى أن الإسلام يخضع للتاريخ وللقوى 
المحسوسة المتجسدة بالقوى الشعبوية. 

يستخدم أركون عن قصد مصطلح القوى الشعبوية لكي يشير إلى الفرق 
بين هذا الأخير ومصطلح الحركات الشعبية الحقيقية التي تؤسّسها أيديولوجيا 
تقدّمية للمستقبل» وهي تهتمٌ بتحرير البشر وتحسين أوضاعهم ونقلهم إلى مرتبة 
أفضل. أما القوى الشعبوية فهى تدل إلى التطرّف وتجييش الشعب بواسطة 
النعرات العصبية والعواطف. فلا يتكل على استخدام عقله كما يجب. إن التزايد 
السكاني ساعد على تضخيم الظاهرة الشعبوية التي يسيّرها الأصوليون الذين 
استفادوا منها إلى حد بعيدء كذلك إن البطالة والهجرة الريفية» وتدهور الوضع 
الاقتتصاديء وزعزعة التقاليد والرموز الثقافية السائدةء مع تخلي الأنظمة 
حبّذ انتشار الظاهرة الأصولية التى وجّدت فى المجتمعات الإسلامية المقهورة 
والمحرومة حقلاً خصباً لنموّها. إن الوضع المتدهور أسهم في تحضير جو 


51١ 


مناسب للانفجار والتمرّدء لذلك لا يمكن القول إن الحركات الأصولية قد نتج 

منها ثورة تحريرية حقيقية» وهى بمثابة حركة تمرّد وانتفاضة. أما الثورة 

الإسلامية الحقيقية فهي التي عاشها محمد. لقد حوّل الخطاب القرآني «العمل 

أو يخترق التاريخ (...)2» وبالتالي فإن ظهور الإسلام يُعتبر ثورة بالمعنى 

الحقيقى والتقدمى والإيجابى للكلمة. ولكن ليس "الثورات الإسلامية أو 
5 5 العس) ١‏ 

الأصولية المعاصرة»؟ © . 


يصرّ مفكرنا على التمييز بين التمرّد والثورة الفعلية المبنيّة على أيديولوجيا 
مستقبلية تعمل على خلع المشروعية على الثورات الكبرى التي حدثت في 
التاريخ. هكذا يمكن اعتبار الثورة الإسلامية الوحيدة في التاريخ هي الثورة التي 
قام بها محمدء وكل ما سواها هو من باب التقليد والتكرار الذي لا يأني بجديد. 
إن «ظهور الإسلام يُعتبر بمثابة تدشين جديد للتاريخ أو تأسيس جديد لنموذج غير 
معروف سابقاً (. ..)0”*©» من هنا يأتي انتقاده للفكر الأصولي لأنه لا يرضى 
بإخضاع أصول الإيمان للنقد والتمحيصء» في حين أن اليوم بات من الضروري 
للغابة القيام بثورة فكرية جذرية تبدّل المنظور التقليدي للتراث» وتؤمّن مواكبة 
المجتمعات الإسلامية المعاصرة للحضارة الكونية. إنه من الملحٌ جداً أن تنخرط 
المجتمعات في موكب الحضارة الكونية لكي تحافظ على بقائها واستمراريتهاء 
عليها أن تقدّم جديداً ما للإنسانية. من هنا 12 القول إنه لا مستقبل للخطابات 
الأصولية المبنيّة على الحقد والاتهامات والتحقير الكبير للعالم الحديث باعتباره 
منبع كل شر. كما إنه لا مكان اليوم لمن يبرَئ نفسه باستمرار ويلقي اللوم على 
الآخرين لأنهم بحاجة إلى تطوير ونقد» أما هو فإنه فوق كل تغيير ونقد عميق. 
لذلك يحتاج الفكر الإسلامي إلى «عمليات جراحية في العمق». وليس إلى 
خطابات التبجيل المكرورة منذ مئات السئين. لماذا يبدو أفق الأصولية مسدودا؟ 
لأن المجتمعات المعاصرة التى تهيمن عليها المسؤولية الثقافية والحرية الفكرية لا 
مقن انس الذظه لبان أ اليا 


إن التحرير الحقيقي يبدأ بالفكر أولاً لأنه الأساس وهو الكفيل بتغيير النظرة 


(**) المصدر نفسه. ص .١797‏ 
(254© المصدر نفسهء ص .١975‏ 
(765) المصدر نفسمه » ص 6 


71 


إلى الماضي وكيفية التعاطي معه بشكل منفتح. لا يجوز أن تستمرّ الأمور اليوم 
مع هجمة العولمة كما كانت عليه بالأمس. لا يمكن أن يتحاشى التراث قوى 
العلمنة والحداثة التى تحيط بهء وهو لن يصمد إلى الأبد فى وجه التحوّل» 
والتبدّل» فضربات الحداثة موجعة وتأثيرها سوف يظهر لاحقاً. «بالطبع إن هذه 
المواجهة بين إسلام الجهاد/ وعولمة الغرب ليست متكافئة على الإطلاق. فالغرب 
أقوى بكثير. ولذا فإن الأصولية تقدّم نفسها اليوم كضحية بريئة (. . .). إنها تقذم 
نفسها كمنقذ أعلى يمتلك الوديعة المقدّسة (أي الشرعية))0". 


تجدر الإشارة هنا إلى أن الغرب كان قد تجاوز معوّقات الفكر والصناعة 
التي ما زال الشرق يشكو منها لغاية الآن. كما إن النهضة العربية لم تبلغ أهدافها 
التنويرية كما حدث فى الغرب. لو تمكنت الحداثة الفكرية من تفكيك أطر الفكر 
العددي ركايت” الحركات »الأ معولية حي اليه إلى امك قات عير مر ييه بالالتحدم 
إلى الممارسات المتطرّفة والخطابات الوسيطية. بتعبير آخرء لو تمّ تطبيق 
المنهجيات التي نقلتها النهضة العربية عن أوروبا على نحو يطاول التراث في 
العمق. ويؤثر في كيفية فهمه بشكل حاسمء لما انفجرت الحركات الأصولية 
بقوة وعنف» كما تشهد الساحة الراهنة. إن المسح التاريخي الشامل» بالإضافة 
إلى الإضاءة النقدية التاريخية للتراث العربى الإسلامى من شأنهما ‏ لو حدثا 
بالفعل ‏ أن يجعلا العقل الإسلامي عاجزاً عن توليد حركات أصولية ذات حجم 
ضخم كالتي نعرفها اليوم. هذا ما سبّب ظهور التطرّف الأصولي على الصعيد 
الفكري. لكن هناك أيضا هزيمة العام 2١45717‏ وانحسار الهيمنة السوفياتية» 
ونمو السكان الهائل. وغروب وهج الفرح بتحقيق الاستقلال» كلها أحداث قد 
أسهمت في نجاح المدّ الأصولي على الصعيدين السياسي والاجتماعي. 
فالمجتمع العربي الإسلامي» الرازح تحت وطأة الفقر واليأس من أنظمته 
السياسية» لم يعد بإمكانه أن ينفتح على الفكر الحر والنقدي» إنما وجد ملاذه 
في رحاب الفكر الأصولي التقليدي الموروث. إن نجاح الأصوليين غير مرتبط. 
في نظر أركون» بعبقريتهم أو إنجازاتهم الخارقة في مجال الفكر الإسلامي. 
إنما بالأسباب التي أتينا على ذكرها. 


إن الحركات الأصولية إذ تستخدم الدين كسلاح أيديولوجي لكي تخوض 
معاركهاء وتحقّق أهدافها السياسية؛ تدفع في المقابل ثمناأ روحياً باهظاء لأن 


0( المصدر نفسهء ص 110١‏ 


ارفص 


تحويل الدين إلى مجرّد أيديولوجية سياسيّة يفقره من كل غنى» ويسهم في 
فقدان روحانيته المتعالية» أو بتعبير آخر «ينزّله من تنزيهه المتعالي»» ويحط من 
شأنه عندما يقحمه فى الصراعات اليومية الأكثر مادية. 


هكذا فإن ادّعاء كل الحركات الأصولية الانتساب إلى التراث الإسلامى 
في مرحلت التأسيسية ومثاليته الأولى» أي زمن النبي والصحابة» هو اذعاء 
خاطىع: لأن الواقع يشير إلى خلاف ذلك. فالخطاب الديني الذي تنتجه هذه 
الحركات يعبّر بشكل واضح عن «قطيعة تاريخية كلية مع الإسلام الأولي: أي 
مع إسلام المدينة المنوّرة. إنه يتميّز بكل صفات الدعوة المهدوية (انتظار 
المهدي المنقذ) الموجّهة إلى الشعوب المحرومة البائسة (- المستضعفين) ص 
الناحية الثقافية والاقتصادية والمضطهدة سناتجنا والمكبوتة فسا 
وجنسياً (...)0”""“. لذلك نجد أن المستضعفين مستعدّون للالتزام بأي حركة 
تبغك 9 الأمل بالنجاة من الأوضاع المزرية» وتنقذهم من الحرمان. لقد 
انخرطوا في صفوف الحركات الأصولية عن طريق التجييش والتعبئة بواسطة 
الخطاب الأسطوري الذي يحول التراث إلى نوع من «أيديولوجيا الاحتجاج 
والتغيير». لقد ابتعد المسلمون بذلك عن التراث بصفته طاقة محرّكة أو كروح 
للوحي تدعم المؤمن وتغذي إيمانه. 

نود أن نتوقف هنا أيضاًء وقبل أن نبحث فى كون الحركات الإسلامية 
دليلاً على العلمنةء عند ثلاثة مفاهيم أساسية: العنف والتقديس والحقيقة. 
فالكلام على العقل الديني بعامة والحركات الأصولية بخاصة يحيل إلى البحث 
في الحقيقة الواحدة التي لا يجوز ردّها إلى أي شيء آخرء لأنه لا حقيقة 
سواهاء وهي تستحق بالتالي أن تُقدّم من أجلها كل التضحيات. من هنا كان 
اللجوء إلى العنف في سبيل الدفاع عن الحقيقة ونشرهاء مهما كبّرت 
التضحيات؛ وذلك من دون ترذد أو بحث أو تحليل. إن كل جماعة مؤمنة 
بحقيقة ماء ترتكز بالعمق على هذه الأركان الثلاثة» من أجل الحصول على 
النجاة وبلغ الدار الآخرة. يرى مفكرنا أنه لا يمكن أن نجد قبيلة ما أو أمة أو 
ديناً خارج إطار العنف والتقديس والحقيقة. لأنها قوى تدخل في البنية 
الأساسية لكل واحدة منها. يشير أركون إلى أن «الجماعة مستعدة للعنف من 
أجل الدفاع عن حقيقتها المقدّسة (. ..) العنف مرتبط بالتقديس والتقديس 


(370) أركرنء الفكر الإسلامي قراءة علمية. ص 58. 


53 


فرتيظ! بالعدف» ركاكهها رطان الحففة أو ينا عفان انه لشفي 


لم يتمكن الإنسان من السيطرة على هذه القوى الرئيسة الثلاث لغاية 
الآنء وهي لا تزال تتحكم بمختلف أشكال وأنماط الوجود البشري. كما إن 
العامل الديني والعامل السياسي في المجتمع تهيمن عليهما المعطيات 
الأنثروبولوجية للأركان الثلاثة التى تمثّل تشكيلة اجتماعية - تاريخية. ويمكن أن 
باحك :أن" البق ناك لاتق ني الى يعللضب السضي عن فلاف بين الدب 
والدتاية ,تعيحي أكثر نكما ير الدور الدى نعف لعل د اقديش فون إقامة 
العلاقة التمفصلية مع الحقيقة»(5". ١‏ 


إن الحقيقة التي تؤمن بها الجماعة تتعرّض للتهديد باستمرارء سواء من 
قبل «الكفار» في ان كانت الجماعة دينية» أم من قبل أعداء الوطن في حال 
كانت الجماعة سياسية. يشير أركون إلى أن التعاليم في كل الأديان لا تتردّد أبدا 
في إدانة العنف أخلاقياً ورفضه بشدّة. لكنها في الوقت عينه تباركه وتدعو إليه 
إذا كان الأمر يتعلّق بالدفاع عن الحقيقة من أجل مواجهة الكفارء أو في سبيل 
فرض هذه الحقيقة بالقوة على كل من يعترض عليها. كما إن الدولة العلمانية 
الحديثة تقوم بالفعل ذاته» عندما تدعو مواطنيها إلى خوض «الحرب العادلة» 
وهي التي يقابلها مفهوم الجهاد في الإسلام. لقد أخذت الأحزاب العلمانية 
الحديئة تحل اليوم محل المذاهب والطوائف الدينية. لكن الآلية العميقة في 
الربط بين العنف والتقديس والحقيقة هي ذاتها على الرغم من تغيّر صيغتها 
الشكليّة. هكذا يقول مفكرنا ١نجد‏ أنفسنا بين نوعين من العنف: عنف مقددس 
يخلع المشروعية على ذاته من خلال التعاليم «الإلهية» للآديان التي لم تتعرّض 
بعد للنقد العلمي؛. وعنف مادي أو دنيوي محض نزعت عنه أغلال التقديس. 
ونقصد بهذا النوع الثاني ذلك العنف الشائع في المجتمعات الأوروبية والأميركية 
الحديثة: أي المجتمعات التى انحسر عنها الدين وتعلمنت وأصبحت قيمها 
شب "0 )ا زشنافيف” إزاذة الفوة والويية: كفيوة لي 17 

إن الكلام على العنف والتقديس والحقيقة من شأنه أن يبرز العلاقة بين 
الروحي/ والزمني» أو بين العامل الديني/ والعامل السياسي داخل المجتمعات. 


(78) أركونء. قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ص 47. 
(79) المصدر نفسهء ص 7[6. 
(0:) المصدر نفسة. ص 7 38-17. 


530 


لذلك لم يعد مقبولاء من وجهة نظر مفكرنا القول إن الإسلام دين ودنيا وهو 
يستبعد .قطعيا الغلمنة:. فى المقابل تجد أن الكتيسة فى الغرب كانت تتدحل فى 
تلت الشؤوة الخياتيةة وذلك قبل القيام بالفصل موالفكةة والسلط 
السياسية وظهور القوميات الحديثة في الغرب. إن التعمّق في الأنثروبولوجيا 
الدبمة نظي إن الفضل#التهاتي والمطان بون الذي والانناة اد العامل الروحي 
والعامل الزمني أمرُ لم يتحقق لغاية الآن في أي مجتمع. كما إن ظاهرة التقديس 
يمكن أن نجدها في سائر المجتمعات البشرية» لكنها تتجلى بشكل مختلف بين 
مجتمع وآخر تبعأ لمستوى التطوّر الاجتماعي والثقافي. 


من المهم أن نذكر هنا موقف أركون الرافض لأي فصل قاطع بين 
الذروتين الروحية والزمنية» وهو يعتبر أن الحركات الإسلامية المعاصرة تحقّق 
اليوم خطوات كبيرة نحو العلمنة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الإسلام» 
لكنها لم ترد ذلك. وهي غير واعية لما يجري. عندما تستخدم هذه الحركات 
الشعارات الدينية فى نضالها السياسى وتعبئتها للجماهيرء فهى تكشف عن 
الكثير من الرهانات الماذية والزمنية للأهداف التي تعمل من أجل راسيو إليها. 
إنها قامت بتفريغ الشعارات الدينية التي تستخدمها في خطاباتها اليومية من 
العفسزة الدمي الذى عوف"فن الفثرة الكالاسيكيةه لهذ زلف الشعارات 
القيسة ودكاة. إلى وسلة اسعكدمة اقفن الداع الابديو لوكي والعجمل على يلوم 
السلطة. ومواجهة الخصم. إنها بمثابة قشرة رقيقة شمافة بالكاد يمكنها أن تخفي 
الرهانات السياسية والدنيوية التي تقف وراءها. لذلك كان من الضروري عدم 
الوقوع في الوهم الذي أحدثته الثورات السياسية التي حصلت تحت راية 
الإسلام وانتصار الحركات الإسلامية؛ لأن هذه الظواهر ليست كما يدعي 
الخطاب الغربى السطحى دليلاً على عودة العامل الدينى. إنها تدل إلى أمر 
سات نا لكو في وتان الإعلام الكرسة: رك عن تيا اليوم 
«المجتمعات الإسلامية والعربية» هو عبارة عن استخدام عنيف ومتطرّف 
للمفردات والشعارات والمرجعيات الدينية» من أجل تمويه وتغطية عملية العلمنة 
والدنيوة الجذرية» التى هى الآن فى طور الحصول فى هذه المجتمعات بالذات. 
مكذا يشيني أن شه مااحصل في التدرات العشتر الأحيرة) ومن الخطا الكبير 
أن نعتبره دلالة على عودة الإسلام» أو الدين» أو ما إلى ذلك6300), 


(11) أركرن» الإسلام» الأخلاق والسياسة. ص .17١‏ 


مرا 


إن الإسلام كدين لم يغب يوماً عن المجتمعات الإسلامية والعربية» ولا 
يجوز التحذث عن عودة الدين إلا فى المجتمعات الغربية التى كانت قد شهدت 
علمنة الدولة والمجتمع والتربية وغيرها. إن الحكم الذي يطلقه الخطاب الغربي 
بشأن عودة الدين في المجتمعات الإسلامية ليس إلا حكماأ متسرّعاً وسطحيا 
يجب عدم الأخذ به. «إن المخاض العسير الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية 
الآن ليس مخاض عودة الدين». وإنما مخاض العلمنة ومواجهة مسائل التنمية 
والاقتصاد والتحديث وما إليها””*. إننا نجد في هذه الملاحظة لأركون نقداً 
واضحاً لكيفية قراءة الواقع السياسي داخل المحكسات العربية والإسلامية 
المعاصرة من قبل الفكر الغربي. 

إنه يرفض إطلاق الأحكام العشوائية من دون البحث في جذور الظواهر 
الاجتماعية والسياسية. يمكن القول إذاً إن المجتمعات العربية والإسلامية بدأت 
تنخرط اليوم أكثر من السابق في «تاريخ علماني معلمن» على الرغم من مختلف 
القشور والمظاهر الخارجية التي تشير إلى عكس ذلك. منذ مرحلتي الاستعمار 
وأيديولوجيا التنمية بعد الاستقلال راحت هذه المجتمعات 00 ما أنتجته 
المادية فى الغرب وتتبنّاه. إن عملية الانخراط الكامل فى خط الحداثة المادية 
يتمهم قن اتير النجاح الذئ حتفت الحركات الاصضولية الني تعمل بهد على 
تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا. 

على الصعيد العملي؛ والواقع اليومي المعاش» نجد أن هذه الحركات هي 
علمانية في المِهّن والوظائف التي تمارسهاء. وفي احتياجاتها الاستهلاكية 
الضرورية. كما إن أكثرية المناضلين السياسيين الذين ينتموت إلى الحركات 
الأصولية هم من الطبقات الفقيرة» وثقافتهم تقليدية» لم يتمكنوا من التوضل 
إلى الثقافة الحضرية الحديثة. إنهم يطالبون بحقّهم في المساهمة في صنم تاريخ 
مجتمعاتهم الجديد. وهم يعبّرون عن هذا المشروع العلماني وعن آمالهم في 
تحقيقه عن طريق استخدام مفردات اللغة التي يتقنونهاء أي اللغة الدينية. 

إن مستقبل العلمنة في الإسلام مرتبطء بحسب مفكرناء بالانتشار الواسع 
للحداثة العقلية» وهو يصرّ على أن «الحداثة العقلية والفكرية هى الوسيلة الأكثر 
العاتها وفتالة الخورع رغاد تضي ختايل للإنها )!7 1 ممكن أن تعفر 


(؟5) المصدر نفسهء ص ,١73١‏ 
(*1) أركون. الفكر الإسلامي قراءة علمية. ص .18١‏ 


5/ 


العلمنة في ممجتمع يعاني الفراغ الثقافي. ويفتقر إلى الفكر النقدي المنفتح الذي 
تبلور من خلال علوم الإنسان والمجتمع وبخاصة علم التاريخ. إن المجتمعات 
الإسلامية ليس لديها الوسيلة السياسية أو الثقافية المناسبة لكي تتمكن من إحداث 
امتذابهة خصية بين الرقيا الملقاقة العالم :والرؤيا الميدية للعالم 4 21 يرن -طر يقتي 
مختلفتين في الإدراك والوعي والتفكير والعمل والخلق والمعرفة)”*؟؟). 

إن الفكر الغربي كان قد قام بهذه المجابهة واستفاد منها كثيراً. فالعلمنة 
كما تعيشها المجتمعات الإسلامية اليوم هي نوع من الأيديولوجيا الموجهة من 
أجل نقد الغرب الملحد والغارق فى الفكر المادي» وهى أيضاً إضفاء النزعة 
المادية السطحية على المجتمع من خلون السيراة الإنتاج الغربي كالآلات 
والسيارات وغيرها من الوسائل الاستهلاكية الحديثة؛. وذلك على الرغم من 
انتقاد الغرب والتهجّم عليه. «هكذا نجد أن كل العقبات قد تجمّعت لمنع كل 
فكر جاد من استشكاف العلمنة بصفتها بُعداً فكريأ وطريقة محدّدة لتشكيل مفهوم 
جديد عن السيادة والمشروعية وممارسة جديدة لهما»”*. 


نلحظ هنا أن أركون يشذد كثيراً على البُعد الفكري للعلمنة. وهو يلح 
على ضرورة تطوير الفكر النقدي الحر لكي تتمكن المجتمعات الإسلامية من 
الانخراط بعمق في العلمنة» وتستطيع بالتالي أن تسهم في الحضارة الكونية. 

إن البحث في مسألة العلاقة بين الإسلام والسياسة» وفي الجدلية القائمة 
بين العامل الروحي/ والعامل الزمني أو السياسي». قد فرض على مفكرنا 
التحدّث عن العلمنة وبالتالى عن الحركات الأصولية التى تحقّرها لكنها فى 
الواقع تسير نحوها بخطى واضحةء ومن دون أن تعي ذلك. هذا ما حاول أن 
يبنه فى مختلف أبحاثه» بخاصة عندما نجده يركز على السيادة العليا الإلهية 
وكيني بسنل الموتطانف السياضية الما لقن اغا إلى أن العلطات التواتة 
الإسلامية هي زمنية دنيوية تخضع لمشروطية المجتمع والتاريخ» وتتأثّر بصراع 
الفئئات التى تتنافس فى ما بينها. إن كل الادّعاءات بالقداسة التى أطلقتها 
وخاولك من خبلالها أن تضيى على ننيها غطاء من السمزوعية الدينية العليام 
لم تغيّر شيئاً. فالتاريخ واضح يظهر أنها قد قامت بحسم الأمور لمصلحتها 
بالقوة في المرحلة الأولى؛ ومن ثم باشرت بتأسيس أيديولوجيا التسويغ. إن 


0 المصدر نفسه.ء ص .١18١‏ 
(6:) المصدر نفسه.ء ص .١87‏ 


ادّعاء السلطات السياسية أنها تمتلك مشروعية خارقة تفوق البشرء ما هو إلا 
وسيلة ناجحة تمكنها من تثبيت نفسها ومحاربة خصمها وإرهابه. إن هذه الوسيلة 
لا تزال مستخدمة حتى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة» وذلك بسبب افتقار 
وم لميتسدات" الن حداف شاد السك و وس قيفي ليها ع ل 
تمارسها الإمبزيالية» وازذياد التقاوت الطيقى في الداخل» وسيطرة المتجاعة 
والأوبئة والحروب. 

من الضروري أن نشير هنا إلى أن أركون لا يعتبر أن الشريعة الإسلامية لها 
أصل إلهي وذلك بسبب ما قامت به السلطات السياسية عبر التاريخ من عمليات 
خلع القداسة عليها وعلى أحكامها. فالشريعة ترتبط بالعمق بالدولة المركزية. 
لذلك كان تطبيقها وامتدادها الجغرافى يتعلقان بقدرة الدولة المركزية على 
الآكفان ونسظ السلطة العى لم تكن اذا كنا وقاملة قن قز الارساء فى 
الجزائر مثلاء خلال فترة ما قبل الاستقلال. كان قسم كبير من البلاد يطبّق فيه 
القانون المحلي الذي يعتمد على العرف» وهو يعود إلى ما قبل الإسلام. 
فالشريعة إذا هي «مجموعة من المبادئ التي تشمل كل نواحي القانون. من 
مدني ومؤسّساتي وجنائي» والمطبقة في يعم ما. كان المسلمون قد تلقوا هذه 
القوانين وتمثلوها وعاشوها وكأنها ذات أصل إلهي. لقد ترسشّخت في الوعي 
الى كانه حاف لني هن التفيومن امقر اما لأسا ويف الق 101 
اسيك عيدنا ردعية ]لل المشكتة بيس احباراً هما لأنه يعيند بالقمكء 
الإلهي. لكن الواقع يشير إلى أن الشريعة لم تطبّق في سائر البلدان الإسلامية» 
فالمناطق الزراعية كانت بعيدة عن ذلك. وحدها الدولة المركزية هى التى 
طبّقتها. إن التاريخ يظهر مدى العلاقة بين سلطة الخليفة والمحكمة الشرعية؛ إذ 
إن الخليفة هو الذي كان يعيّن قاضي القضاة. وهذا بدوره كان يعيّن قضاة 
الأمصار. والشريعة كانت قد تشكّلت انطلاقاً من ممارسات القضاة عن طريق 
استنباط الأحكام من القرآن كما جاء في الرواية الرسمية. أما مفكرنا فيرى أن 
الأمور قد جرت بشكل مختلف. «فالواقع أنه من خلال النصف الأول من القرن 
الهجري التأسيسي الأول كان عمل القضاة يستوحي أساساً الأعراف المحلية 
السابقة على الإسلام والتي كانت تختلف حسب الأماكن. وكان الرأي الشخصي 
للقضاة هو الذي يفصل في المسائل المطروحة في نهاية الأمر. وأما الرجوع إلى 


(17) أركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي» ص 5947. 


5284 


القانون القرآني فلم يحدث إلا بشكل متقطعء وليس بشكل منتظم كما حاولت 
الرواية الرسمية أن تشيعه»”"*'. إن هذا الواقع دفع بالشافعي إلى معالجة الفوضى 
الحاصلة من خلال الرسالة التي كتبها بين عامي 86٠١‏ و١85م‏ لكي يحذد فيها 
منهجية القانرن. 

لم ير أركون أن العلمنة شيء غريب على الإسلام» لقد عرفت المجتمعات 
الإسلامية بعض حالات العلمنة» وهي اليوم تسير نحوها لا محالة. لقد ذكرنا 
قسماً من هذه الحالات في سياق بحثناء ويهمّنا أن نختم بالإشارة إلى المنافسة 
وحالة التوثر التي كانت سائدة بين الفقهاء حرّاس الدولة وبين الفلاسفة. 

لقد عرف تاريخ الفكر الإسلامي مفكرين أحرارأًء لكنهم كانوا يتعرّضون 
باستمرار للشبهات والإدانات التعسّفية. وما عرفه القرن الرابع الهجري إلا خير 
شاهد على ذلك من خلال النزعة الإنسية والعقلانية التى كانت سائدة فيه. إن 
العلمئة باعتبارها موقفاً منفتحاً للروح تجاه مشكلة المعرفة قد كانت حاضرة لدى 
العديد من المفكرين العقلانيين خلال القرن الرابع الهجريء. كما إن الفلسفة 
التي أنتجها الفكر الإسلامي ليست مجرّد ترداد هزيل للفكر اليوناني. كانت هناك 
إمكانات لتأسيس الفلسفة؛ لكن تدخل الإسلام الرسمي قد حال دون النهورض 
بهذا المشروع والانطلاق به. ولكي نفهم حقيقة ما جرى من إقصاء مستمر 
للفلسفة. فإنه يجب النظر مليا في واقع المجتمعات الإسلامية منذ بداية القرن 
الثاني عدر اماد إن اندم المعجيعات المهددة من الداخل والخارج مجبرة 
دائما على أن تؤسّس نظاما أمنيا خاصا. إن الفلسفة النقدية لا يمكن لها الإسهام 
في تشييد مثل هذا النظام. على العكس إنها تهدّده بالأخطار)”*. 

لذلك كان الفلاسفة فى مصاف الخطرين الذين يهدّدون السلطةء أما الفقهاء 
فهم الداعمون بامتياز للسلطة والمدافعون عنها. فالشريعة الصارمة التي تفعل في 
نفوس الجماهير هي التي تدعم النظام القائم. إن ما حصل لابن رشد يظهر 
حقيقة التوتر بين الفقهاء والفلاسفة. هو الذي يُعتبر شخصيته فريدة ومميّزة في 
تاريخ الفكر الإسلامي. لأنه جمع بين القضاء والفلسفة» فقد تعرّض للمحاكمة 
والاضطهاد على الرغم من الوظيفة القضائية العالية التي كان يشغلها. من هنا 
يدعو مفكرنا إلى البحث عميقاً من أجل معرفة سبب فشل الفلسفة وذلك عن 


(لاع2 المصدر لنقسهةء ص 7597. 
(58) المصدر نفسهء ص 5948. 


ا 





طريق القيام بدراسة العلاقات التي تربط بين عوامل عدة: أشكال السلطة 
السياسيةء والأطر الاخجتماعية للمعرفة السائدة» والمنزلة الاجتماعية والاقتصادية 
لجميع المفكرين والمثقفين» وأخيراً الوظائف المشروعية التي أوكلت إلى الدين. 
إن التعمّق فى هذه العوامل» وبالعلاقات التى تربط فى ما بينهاء من شأنه أن 
عقن عد لو قشل القروة ني التحان | الاجالاتة عو التقيا بها الما من القدن 
الناق مقت الفالافى > إن الفترة الرمجة الح خم .ذه تسكن الفلضنةة وتران 
عي حلووية كما يحي الأنيا :لخنم لاتحم ذا ,و الجتيرد: 


إن العثمانيين الذين استلموا الحكم وأسّسوا الامبراطورية العثمانية الواسعة 
الأرجافة قد ايمر إلى عد بعيه في" داهن السرية الفكرية وبحالي فعا 
التفلسف. فالازدهار الذي عرفه القن العاكتر الميلادي/ الرابع الهجري ِ يدم 
طويلاًء لأن النزعة الإنسية العربية'*'' والتيار العقلاني الذي دعمها واجها في ما 
بعد حواجز وعراقيل كثيرة أذت إلى خنق الفلسفة. هناك قوى اجتماعية داخلية 
وخارجية قد حاربت الفلسفة و«الإنسية العقلانية الجنينية» التي نتجت منها. ولا 
يجوز بالتالي تفسير هذا الفشل بشكل سطحي وحصر أسبابه برد الفعل السئي 
على اندولة التويهية الشيعية المغقدلة والمسامةة : أن بالتضان الأسعرية؟ أو 
بمحاربة الغزالي للفلسفة والفلاسفة» أو بالادعاء بعدم التوافق ما بين النزعة 
العقلانية ‏ الإنسية وبين الإسلام. كل ولو الأطا ع في زف وزاسكا اركر ل اودع 
إلى تفسير هذا الفشل عن طريق «القيام بتحرّيات واسعة عن سوسيولوجيا 
الفشل. أي ما هى الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى تؤدّي إلى 
فشل تيار فكري معيّن في لحظة ما من لحظات التاريخ ونجاح معاكسه؟)0©. 


لذلك يرى مفكرنا أنه كان من الضروري دراسة الظروف التى ساعدت 
على تشكك مراك السلظة حاسيا واقتصادياء والضحوط الع تيده القرئ 
الاجتماعية الجديدة “كل المكول والصليسيق والعبيد والبدو :زالاتزاك: #كل هده 
العرامل الضاغطة داخلياً وخارجياً ساهمت في دفع المسلمين إلى تشكيل 
أيديولوجيا دفاعية (الجهاد) وإحلالها محل الفكر العقلاني ‏ الإنسي: أي 


(49) يؤكّد أركون «وجود نزعة فكرية مرتكزة حول الإنسان في المجال العربي ‏ الإسلامي». هذا ما 
يدعوه بالإنسية العربية» #بمعنى أنه يوجد في ذلك العصر السحيق في القدم تيار فكري يهتم بالإنسان وليس 
فقط بالله. وكل تيار يتمحور حول الإنسان وهمومه ومشاكله يُعتبر تياراً إنسيّاً أو عقلانياً أو علمانياً» انظر: 
أركونء نزعة الأنسنة في الفكر العربي : جيل مسكوبه والتوحيدي. ص .1١09‏ 

(60) المصدر نفسه. ص 00. 


خرف 


أيديولوجيا الانفتاح والتوسّع الثقافي والدمج الإنساني والفكري التي كانت 
سائدة سابقاً. كما أدّت أيضاً إلى ازدهار المدارس السكولاستيكية المحلية 
الضيّقة التي راحت تصفي كل «العقول المنافسة» التي ظهرت في المرحلة 
الإنسية والعفلانية)”2"1. 

إن حالة التنافر والمنافسة بين المذاهب الإسلامية أثّرت بشكل سلبى فى 
مصير الثقافة. كما إن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية قد أدَى إلى تداعي 
حضارة العصر الكلاسيكي وإلى تراجع الموقف الفلسفي. إن العقلانية النقدية 
والفضول العلمي وإرادة افتتاح مجالات فكرية جديدة أصبحت كلها أموراً لا 
أهمية لهاء وهي بالتالي لا تعني شيئاً بالنسبة إلى المناطق التي تفككت في 
الامبراطورية العثمانية. لم يعد هناك من أطر اجتماعية ‏ اقتصادية تقوم باحتضان 
الفلسفة وحمايتها من الانهيار. 

يرى مفكرنا أن الوضع الاقتصادي قد تراجع كثيراً بعد أن سقطت الخلافة 
العباسية. واضمحلت البرجوازية التجارية في بغدادء وأصبح الاقتصاد يرتكز 
على الزراعة والصناعات الجرفية البدائية. كل هذه الأمور قد أدّت إلى انحسار 
الفلسفة في أرض الخدم وذلك حتى القرن التاسع عشر مع بداية عصر 
النهضة» ولا يجوز أن نجعل الغزالي وحده مستؤولة عمًا حدث. إنه ينتقد في 
هذا المجال المثاليّين التجريديين لأنهم يتوهظمون بأن الأفكار هي وحدها التي 
تحسم حركة الواقع» ويهملون بالتالي الدور المهم الذي تؤديه البنى المادية 
والأطر الاجتماعية والاقتصادية. من هنا يعتبر أن موقف الغزالى هو جزء من 
الانهبار العام التحاضدل فئ السباق الإسلامي الذي يتجاؤق الغزالي كشخض 
ويقوم باحتضانه في الوقت عينه. 


استنتاجات 

يمكن أن نلحظ في ختام هذا الفصل مدى انخراط أركون في مسيرة علوم 
الإنسان والمجتمع عندما رفض تفسير فشل الفلسفة انطلاقاً من الأسباب 
التقليدية المعروفة. إنما أراد الغورص عميقاً فى البنى الاجتماعية والاقتصادية 


والسياسية للمجتمعات الإسلامية لكي يصل إلى معرفة السبب الحقيقى الذي 
أعاق نمو الفلسفة. لقد حتّ على دراسة القوى السلبية في التاريخ ومدى تأثيرها 


(61) المصدر نفسه» ص .6١‏ 


ضرم 


وإضفاء القداسة على ما لا قداسة له. إن التنافس بين الفقهاء والفلاسفةء أو ما 
بين الشريعة والفلسفة قد خسم لصالح الفقهاء والشريعة في بداية القرن الثاني 
غشر الميلادق: ولم يعد للفلسفة النقدية قيمة تذكر في وضع غير مستقر أمنيّا 
من الداخل والخارج. فالشريعة هي التي بإمكانها أن تثبت النظام وتدعمهء بينما 
الفلسفة تهدده بالخطر. 

إن الخدم الشريعة كلغة وحيدة. وكنظام قيمي جاهر. قل سمح للسلطة 
الشتامية أن قد «السواف راقن مشتلف: لتحطات التعيين المضدريةة لقة 
وُضعت الشريعة في خدمة السلالات والسلطات الحاكمة سابقا وهي اليوم في 
خدمة أيديولوجيا البناء الوطني. ضمن هذا المنظور نجد مفكرنا قد طرح مسألة 
العلمنة التي دخلت إلى المجتمعات الإسلامية منذ زمن عن طريق استخدام 
الشريعة من أجل دعم وتثبيت السلطة السياسية الحاكمة. 


يبقى أن نشير إلى «أن العلمنة هدف يتطلّب الافتتاح باستمرار»”"”2. سواء 
في المجتمعات الغربية أم في المجتمعات العربية ‏ الإسلامية. لذلك كان من 
الضروري متابعة البحث والتفكيك والقيام بقراءة نقدية ومقاربة في الوقت عينه » 
وذلك من أجل بلورةٍ فضلى لبنى العلاقات التي تربط بين الروحي والزمني» أو 
بين الدين والمجتمع» ومن اجل تحقيق - على الصعيد العربي الإسلامي - 
الانتقال الفعلى من الإتولوجيا السياسية إلى الفلسفة السياسية. 

إن هذه المهمة ليست سهلة؛ فالغرب نفسه لم يتمكن من حل مشكلة 
المقدذس (16526:8). لقد ألقى بها الفلاسفة جانباً لأنهم اعتقدوا بإمكانية هيمنة 
العقل على هذه المشكلة وتفسيرها ملياً. إننا نلحظ بوضوح كيف أن عملية 
انبئاق المقدّس تحدث فى أكثر من مكان فى المجتمعات الأوروبية المعلمنة منذ 
زمن. إن حاجة الإنسان إلى التقديس» وتوقه المستمر إلى المتعالي والمطلق لم 
يتم التخلّى عنهاء ولا تخطيها. «إن التقديس قد انتقل من الناحية الدينية إلى 
الناحية العلمانية على الرغم من اختلاف الأسماء والمسّميات. وهذا يعني أن 
الناس له يستطيعون أن يعيشوا من دون ذروة عليا يقدسونها سواء كانت هذه 
الذروة الدين أم الوطن»”””*2. كما يمكن أن نضيف إلى هاتين الذروتين تقديس 


(07) أركونء ناريخية الفكر العربي الإسلامي. ص 597. 
(017) أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم.: ص 177155. 


انقرف 


الابطال في مجال الرياضة» أو المطربين والممثلين في مجال الفن. . . إلخ. 
لا يزال علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع يبحثون معمّقين الدرس في ظاهرة 
التقديس. وفي جوهرهاء وفي تبدّل تمظهرهاء لقد وقع مفكرو القرن الثامن 
عشرء بالنسبة إلى أركون» بالوهم عندما ظنوا أنهم يستطيعون أن يحلوا مختلف 
المشاكل والقضايا عن طريق العلم الذي بإمكانه أن يفسّر الأسرار المخفية» 
ويكشف عن كل ماهر مسجرت في ظلمة الخول: 


كذلك على الصعيد الإسلامي. يرى مفكرنا أن الإسلام المعاصر لم يعد 
ديناً إنما هو أقرب إلى الأيديولوجيا السياسية التي تنافسها قوى السلطة 
والمعاوعنة لي أن :30 قو معدن اول المحه جدلية: الخلاقة بيو الدين 
والمجتمع أو بين الروحي/ والزمني إنما يهدف إلى التركيز على أن العلمنة التي 
ينادي بها لا تناقض الدين بحذ ذاته بل تتنافى مع استخدام الدين من أجل 
أغراض سلطوية أو منفعية. إنه يطالب بتنقية الدين الإسلامي من كل ما علق به 
من شوائب عبر الزمن» لأنه خسر الكثير من بُعده الروحي المتعالي خلافاً لما 
يظنَ الآخرون. لقد عمل من خلال مشروعه النقدي وتحليله العقل الإسلامي 
على الفصل بين الإسلام من جهة والهموم السلطوية الغارقة في المادية والأمور 
الدنيوية من جهة أخرىء فى سبيل إعادة هذا الدين إلى «نقائه الأول». أي إلى 
جاه الروسان لماي ” 


عندما درس أركون الخطاب السياسى فى السياقات الإسلامية انتقد بشذة 
القراءة الإسقاطية التي يقوم بها بعض المتحمسين من أجل إضفاء الحداثة على 
الخطاب القرآني» أو من أجل إثبات أن هذا الكتاب يحوي أهم مكتسبات 
الحداثة كمفهرم الديمقراطية مثلاء إن في ذلك ضرباً لإمكانية حصول أشياء 
جديدة في التاريخ. وبصياغة أخرى» إن في ذلك إلغاءً للتاريخ. هذا النقد. لم 
يوجّهه أركون إلى المفكرين المسلمين فقط لأنه وجد مثل هذه القراءة الإسقاطية 
لدى اليهود والمسيحيين أيضاًء أو بالأحرى لدى المؤمئين التقليديين الذين 
رفضوا النظام الفكري للحداثة واتبعوا النظام الفكري للعصور الوسطى. إن هذا 
النقد لا يعني أن النصوص التأسيسية للأديان التوحيدية الثلاثة لم تعرف بذور 
العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان» لكن ذلك كان متعلما بشكل محوري 
بحقوق الله فالإنسان لم يكن بعد قد استقل بذاته» كما حصل في أؤروبا 
خلال «عصر الأنوار». عند ذاك وثق الإنسان بقدرة العقل على فهم الأمور 
وتسييرها. من هنا الخطأ المنهجي الذي يكمن في إسقاط مفاهيم إلى إنجازات 


>23” 


عصر متأخر في الزمن الذي يكمن في إسقاط مفاهيم تنتمي إلى إنجازات عصر 
متأخر في الزمن على عصر آخر سابق له؛ وذلك بهدف إبراز غنى النتصوص 
الدينية واحتوائها على كل ما يمكن أن يتوصّل إليه العقل البشري يوما. 

أما في ما يتعلّق بمصطلح الديمقراطية الذي تناوله الخطاب السياسي 
بالبحث» فإن جذوره الأوّلية وُجدت حقأ في القرآن» كما يرى مفكرناء ولكن 
ليس بالمعتى الخديث للمصطلح: إذ إن هناك فرقاً بين الديمقراظية والشورى» 
فالأولى تخصٌ جميع البشر في المجتمع من دون استثناء أحدء بمعزل عن 
الانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي» بينما تنحصر الثانية - أي الشورى - 
ب "الفئة العليا؛ من المسلمين» وهي مرتبطة بالفضاء العقلي الوسيطي؛ في حين 
أذ التسقر اطبة متملقة باليقاء العقلى اللحداثة. ١‏ ات 


يبقى أن نشير في ختام القسم الأول الذي تطرّقنا فيه إلى خصوصية القراءة 
الأركونية للتراث العربى الإسلامى إلى أن ما تقدّمنا به» حاولنا التركيز فيه على 
الناحية المنهجية الى شف فر فكو عا من دون أن ندّعى بأننا قد أوفينا كل 
المناهج التي استخدمها أركون حقها. إن ما كان بهِمّنا هو كيفية استفادة أركون 
من مناهج علوم الإنسان والمجتمع في المباشرة بإنجاز مشروعه النقدي العام. 
لقد اهتمٌّ مفكرنا بإدخال الإسلام في الحدائة والبرهنة على غنى التراث 
الإسلامي بتجارب فكرية عديدة تسمح له بمواكبة الحضارة العالمية. لم يدخل 
على هذا التراث متسلّحاً بأيّ من الأحكام المسبقة» أو الأهداف الأيديولوجية 
المُسيّسة. إن ما توصّل إليه فى أبحاثه. لغاية الآن» وما عرضناه فى دراستنا 
ع عرد ابه يحررك الجداعية ويا ساف لش رن ومسي ند الواسفة شيو اك قن 
ميدان الحداثة أم في ميدان التراث. لم تكن طريقه واضحة منذ البداية» كنا 
نشعر وكأنه يتلمس خطواته. وهو بسير في عالم رحب مليء بالمفاجآت. 

لذلك نود أن نشير في هذا السياق إلى أن الهاجس الأساس الذي وجدناه 
كامناً في خفايا مشروع أركون النقدي هو هاجس إنسي. عقلاني؛ معرفي. 
منفتح على أكثر من نظرية وتيار ومذهب. فالأيديولوجيا ليست منطلقة ولا نقطة 
وصوله. على الرغم من أن مشروعه غير بريء منها تمامأء وهذا أمر مشروع 
لدى مختلف العاملين في حقل البحث الفلسفي. إن نسبة الأيديولوجي أقل من 
الفكري لدى أركون». حتى ولو أننا نرى نمطين من الخطاب لديه. فهو عندما 
يتوجّه إلى الغرب نجده ينتقد المادية» والتطرّف في تبني الوضعية والتاريخية 


عرف 


والعقلانية الصارمة. أما عندما يتوجّه إلى العرب والمسلمين فهو لا يوفر جهداً 
في نقد الانغللاق والتقوقع داخل التراث». والاكتفاء بالمناهج التقليدية وحدها من 
أجل القيام بقراءة هذا الأخيرء مع إهمال أبرز مكتسبات الحداثة» والروح 
العلمية الناشطة فى الغرب. بصياغة أخرى. إننا إذا قمنا بقراءة سطحية للخطاب 
الأذكرق لبوك العري يوكتنا الترل نهدا المفكر إملارة متمطب ولتي 
بالأصولية كما فعل بعض النقّاد الغربيين. وذ ملتقن طقو اندر 821 للقي يغينيا 
على الخطاب الأركوني الموجّه إلى العرب والمسلمين فمن السهل أيضاً أن 
ننعته بالكفر والعمالة والتهر وق الانسياق وراء الحداثة. وبالعمل على أذيّة 
الدين الحق وتشويه قيّمَهِ الروحية؛ وذلك كما فعل بعض المتحمّسين من رجال 
دين مسلمين أو مفكرين باحثين في المجال الإسلامي. 

لسنا هنا في صدد الدفاع عن محمد أركونء. لكن أردنا أن نبرز ذلك 
المنحى الأيديولوجي الذي وجدناه في مشروعه الفكري النقدي؛ لكي نشير إلى 
أنه من الصعب أن نجد خطاباً معرفياً منزّها كلياً عن الأيديولوجياء مهما اذعى 
هذا الخطاب والموضوعية التامة وعدم الانحياز. لكن ما يهمٌ هو مقدار 
الأيديولوجيا في الخطاب المعرفي» وموقعها. هل هي المحرّك الدافع؟ هل هي 
الهدف المنشود؟ من هى الجهة المستفيدة من هذه الأيديولوجيا أو تلك؟ زمن 
الى نفعت وواة هد" امعان" لآ درو لوه هر دو نما :أركون تعقدنا "احقد 
«عصر الأنوار؛ مثلاء أو عقل الحداثة» والتطرّف في العقلانية» لم يقم بذلك 
البتة من باب التبشير بالإسلام. والدعوة إلى اعتناق مبادثئه. إنما قام به من 
زاوية الأنثروبولوجيا الدينية وعلم الاجتماعء حيث نجد قراءة مختلفة لما هو 
روحي داخل الزمنيء. أي للدين كأحد العوامل التي أدّت دوراً في تأسيس 
المجتمع لا يجوز إغفاله. قام هذا الأخير ‏ أي المجتمع ‏ بإدخال الدين في 
تاريخية معيّنة.» وتبدلٍ واضح لا يجوز التغاضي عنهما. إن النقد الذي وجّهه 
مفكرنا إلى الحداثة يهدف إلى إبراز المنحى الروحيء» وقيمة السعي الدائم نحو 
المطلق في حضارة همشت الدين وعزلته عن دائرة بحثها الدؤوب. 

أما النقد الذي وجّجهه إلى العرب والمسلمين فهو يهدف إلى تسليط الضوء 
على أسماء عدّة» وإنجازات كثيرة كان قد عرفها تاريخ الفكر العربي الإسلامي» 
وه اليتق الداواسة». نظرا إلى ما تعصحته من سوافف تمنث الى التعداثة 
الفكرية بصلة وثيقة. فالإسلام ليس ببعيد عن الإنسية والعقلانية والعلمنة» من 
هنا جاء اهتمامه بالمفكرين الثانويين الذين لم تدعمهم السلطات الحاكمة لكي 


اضرم 


يبرز أهمية ما توصّلوا إليه على الصعيد المعرفي. لقد أراد أن يفتح عيون القرّاء 
على غنى هذا التراث المتراكم والمدفون في الذاكرة المدوّنة كما الشفهية. 
كذلك عندما يذهب أركون بعيداً فى نقد الفكر الدينى انطلاقاً من منهجيات 
علوم الإنسان والمجتمع. فهو يهدف إلى إدخال هذا الفكر موكب الحداثة 
الفكرية» كما يسعى إلى تنبيه الوعي العربي الإسلامي على ضرورة التمرّس 
المعرفىء والاستفادة من مكتسبات الحداثة التى ظهرت ثمارها فى مجال الفكر 
الديني المسيحي. لا يجوز الاكتفاء بما أنتجه القدماء. والانحباس في إطار 
النظرة التقليدية وحدهاء فالنص الديني مفعم بالمعنى والمجازء وهو يحثٌ 
العقول على سبر أغواره. لذلك لم يعٌّد مقبولا أن يتم رفع أي نص تفسيري 
مهما علا شأنه إلى مستوى النص المقدس الذي يبقى هو النص الأول. وكل ما 
سواه يُعتبر بمثابة النصوص الثانوية الخاضعة للتاريخية وللنقد الفكري. 

نكتفي بهذا القدر من التقويم لما وجدناه من ميزات اختص بها مشروع 
محمد أركون النقدي. لكي نعاود البحث فيها لاحقأ في الباب الأخير. ولكن 
الأساس يكمن في إظهار خصوصيّة المنهج النقدي عند كل من أركون والجابري 
بالدرجة الأولىء والمقارنة بين مشروعين رفعا لواء النقد بالدرجة الثانية. تجدر 
الإشارة هنا إلى أننا سوف نتبّع في القسم الثاني المتخصّص بالبحث في 
خصوصيّة مشروع الجابري النقدي » التقسيم عينه الذي اتبعناه في القسم الأول. 
هناك فصل أول يبرز مقوّمات المنهج الذي اعتمده الجابري» ومن ثم هناك 
فصل يتوقف عند نقد العقل العربي. لكي نختم القسم الثانى بدراسة الخطاب 


السياسي من زاوية الجابري. 


لخر 


(لقسم الثاني 
خصوصية الجابري 
في نقد الفكر العر بي 


الفصل الرابع 


مقومات منهج محمد عابد الجايبري 


إن البحث في منهج محمد عابد الجابري يتطلب قراءة دقيقة لمساره 
الفكري والنتائج التي توضّل إليها بعد أن قام بدراسة العقل العربي في بنيته 
وتكوينه ومن ثم في تجلّياته السياسية والأخلاقية. نبدأ هذا الفصل بالتوّقف عند 
مقومات هذا المنهج كما وردت في أقوال المؤلف الذي حذد بذاته وفي أكثر 
من موضع الخطة المنهجية التي يود اتباعها'''. 


كان الجابري. كباحث مُنْقَّبٍ في التراث العربي الإسلامي» ملزماً بتحديد 
الإطار الذي يتحرّك فيه والأدرات التي يستخدمها. إنه قام بذلك في كل مؤلفاته 
التي تطرّق فيها مؤخراً عمله ضمن التراث لأنه لا يرى إمكانية لأي تجديد إلا 
من داخل ترائنا باستدعائه واسترجاعه استرجاعاً معاصراً لناء وفي الوقت ذاته 
بالحفاظ له على معاصرته لنفسه ولتاريخيته حتى نتمكن من تجاوزه مع 
الاحتفاظ بهء وهذا هو التجاوز العلمى الجدلن”". إنه يعتبر أن مهمّة المفكر 
لا 'تكين في أن يدل نفسه في الحدالة» إنما علبه أن ينشيها على أوسع 
نطاق» أي في العرات, «فإذا لم نكن على معرفة دقيقة وعامة بالتراث وأهله 
فكيف يمكن أن نطمع في نشر الحداثة فيه. (...)©. هنا تظهر أولوية معرفة 


)١(‏ سوف نبحث لاحقاً في كيفية تطبيق هذه الخطة وفي نتائجهاء ونترك المقارنة بين خطته المنهجية 
وخطة محمد أركون إلى القسم الثالث حيث نوره استنتاجاتنا الخاصة حول مسألة خصوصية المنهج 
النقدي العربي الإسلامي المعاصر. 

)١(‏ محمد عابد الجابري» «التجديد لا يمكن أن يتمّ.. إلا من داخل تراثنا (مقابلة فكرية)»» حاوره 
عبد الإله بلقزيزء المستقبل العربي. السنة 14”"» العدد 51/8 (نيسان/ أبريل .)5٠١7‏ ص .1٠١‏ 

(*) المصدر نفسهء ص .5١‏ 


54١ 


التراث كخطوة ة ضرورية في مشروع الجابري النقدي» الذي عدت في نهاية 
المطاف إلى «تدشين عصر تدوين جديد). فالتدوين م إخضاء ماهو 
مترافر بين الأيدي». ومن ثم تأتي عملية قراءته وشرحه من خلال المفاهيم 
والشساهح الحذيفة لكي يضان في بها يعد إلى اتذويئه من حديده 


يصف الجابري جهوده الفكرية في نقد العقل العربي بأنها ضرورية لكي 
تمهّد الطريق وتقدم صورة شاملة مختلفة عمًا هو سائد. إنها «تعرّف الناس 
بما لم يكن شائعاً لدى غموم المثقفين» تقدم للجيل الضاعد مجالاً للبحث 
والتنقيب والتأمل والاتفاق والاختلاف... إلخ. ففي هذا المجال اعتقد أن 
عملي يشكل جانباً من أرضية اعصر تدوين حدون؟ نكن أن دع هنا 
همه المزدوج الذي يطمح في آن إلى شىّ الطريق باتجاه أسلوب آخر فى 
التعاطى مع التراث الفلسفى على وجه التحديدء. كما إنه يود ا 
روهز 0 التي تفرضها الهموم الأيديولوجية التي تدفعه نحو هذا التراث 
بالذات. إنه بريد أن يقوم بقراءة معاصرة لأهم ما أنتجه التراث الفلسفي. وهي 
ليست بحثأ أو دراسة «لأنها تتجاوز البحث الوثائقي والدراسة التحليلية (...) 
وتقترح (...) تأويلاً يعطي للمقروء «معنى» يجعله في أن واحدء ذا معنى 
بالنسبة لمحبطه» الفكري ‏ الاجتماعي - السياسي». وأيضا بالنسبة لنا نحن 
القارئين»””. 

يظهر جليّاً هنا البعدان اللذان وجّها عمل الجابري النقدي. فهو يتعاطى 

مع النص التراثي كإشكالية قائمة بذاتهاء لها مضمونان: معرفي وأيديولوجي. 
0" 525 أن يموضع «المقروء» في إطاره ويجعله معاصراً لمحيطه 
الفكري والاجتماعي والسياسي. كخطوة أولى. لكنه لم يكتف بذلك إنما حاول 
أن يجعل هذا «المقروء» معاصراً لنا أيضاء مع حرصه على أن تكون هذه 
المعاصرة محصورة فقط بالفهم والمعقولية» إذ إن إضفاء طابع المعقولية على 
«المقروء» يؤدي إلى نقل هذا الأخير إلى اهتمامات القارئ المعاصرة مما يفيد 
فى إغناته أو إعادة بناء ذاته. إنه يرى فى هذا المجال أن «جعل المقروء»ء 
بدا مرا 'لنثية بعناة مله ناي + تفده يعاسرا لنا هاه :زصله كا : 


(4) المصدر نفسه » ص .١194‏ 
(0) محمد عابد الجابري» نحن والتراث : قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي. طْ 5 (بيروت؛ الدار 
اللبيضاء : المركز الثقافي العربي . *19815), ص 1 


بحس 


قراءنا تقل إذنة الفصل والوغنل قخطواتية موجكين وس 

لا شك في أن القيام بالفصل والوصل في إطار تراث مليء بالرموز 
والأيديولوجيا والثوابت الحاضرة في ذهن الإنسان العربي المعاصر وخياله 
حضوراً يُملي عليه تفكيره وفعلهء أمرٌ دقيق وبالغ الصعوبة. من هنا يمكن أن 
نسأل عن الخطوات التي رسمها الجابري والآليات التي استعملها من أجل 
تحقيق هذا الفصل والوصل في آن. 

أولاً: كيفية بناء فهم موضوعي للتراث 

إن التصور الشائع للفكر العربي في تطوره عبر التاريخ تصور لاا يخضع 
للمنطق لأن هذا الفكر لم يُعقلن» ولم يتم تقديمه على أنه «تاريخ وتطور 
وصراعٌ». بل هو مجموعة من الأفكار والاتجاهات. لذلك؛ كان من الضروري 
تنظيم التراث في الوعي العربي من خلال إعادة ترتيبه في سياقه التاريخي؛ لكي 
يُصار إلى إدخاله في التاريخ فيدخل معه العرب في التاريخ. من هنا يعتبر 
الجابري أن أول وأهم خطوة منهجية يجب القيام بها تكمن في إحداث قطيعة 
مع الفهم الترائي للتراث. إن كل فكر لا يمكنه تحقيق استقلاله الذاتي يعمد إلى 
أجل إعادة الاعتبار لهاء والرفع من شأنها. 


لذلك يرى أن الفكر العربى الحديث والمعاصر «سلفى النزعة والميول» 
يبحت عن .ركيزة يعخضن. بها مع الإشازة هنا إلى أن الخرق بين اتنجاهات هذا 
الفكر وتياراته يكمن في نوع السلف المعتمد. يذكر أنواع هذه «السلفيات» 
ويخضرها :قن أثلانة: السلفية الذوية» والسلفية الاسعتراقية والسلفية الماركسية 
وهى اف قطن ازلةا تشعد جوهريا عن تنكيها هجا من الناحية 
الأدسه لوعو لأنهنا سوشكة نولا علطت نقة بو اناده قن لتساك ل 0 
«قياس الغائت على الشاهد:”"؟. إن هذه الآلبة بحد ذاتها هي منهج علمي عرفته 
الثقافة العربية الإسلامية» وقد أسهم العديد من الباحثين في وضع حدوده 


(5) المصدر نفسه؛ ص .١7‏ 
(0) المصدر نفسهء؛ ص .١7‏ 


57 


وشروط صحته. كما استخدم في مجال النحو والفقه وعلم الكلام وعلم 
-(م) 
الطبيعة : 


إن هذا المنهج الذي كان سائداًء انتشر وذاع استعماله إلى حد التفريط 
بأهم مقوّماته» فألغت عبارة «وقس على ذلك» كل جُهِدٍ من أجل متابعة البحث 
والتقصّي. لقد سيطرت آلية القياس على العقل العربي فصارت هي «الفعل 
العقلي' الوحيد الذي تعتمن عليه فى الإنتاج المعرفي”'. وذلك بشكل لد 
شعوريء فأصبح كل مجهول بمثابة «الغائب» الذي يجب أن يُبحث له عن 
«شاهد». فالمستقبل هو بمنزلة المجهول والماضى هو وحده المعلوم, وما على 
العقل إلا أن يبحث في الماضي لكي يجد ما يُقاس عليه الحاضرء فتتحوّل 
بذلك آلية قباس الغائب على الشاهد إلى قياس الجديد على القديم». وترتكز 
معرفة ما هو جديد على اكتشاف ما هو قديم ليّقاس عليه. 


يرى الجابري أن اعتماد آلية القياس هذه فى الفكر العربى الحديث والمعاصر 
قد أدَى إلى إلغاء الزمان والتطوّرء إذ لم يعد الزمان يتحرّك. فالمستقبل هو امتداد 
للحاضر والماضيء كما أذى إلى عدم الفصل بين الذات والموضوع؛ فأصبح 
الشاهد حاضراً في العقل والوجدان بشكل دائم. إن «الفكر العربي الحديث 
والمعاصر هر بمجمله فكر لا تاريخى يفتقد إلى الحد الأدنى من الموضوعية. 
وتزلك عانك قراضه للعراق. كر واسلقية درم السسافى انيدي ركسضيه يذه 
«الحلرن# الساهرة لمشاكل السام والسيف 0 هنا كين التخطوة :الارلن التي 
بدأنا الكلام عليها وهي إحداث قطيعة مع الفهم الترائي للتراث عن طريق نقد آلية 
القياس الميكانيكى كما وردت فى الفكر العربى الحديث والمعاصرهء من أجل 
التؤصل إلى'قراءة موضوعية: ذلك سوق تعوقفت:ف.هذا الإطار عسل مفتهرم 
الجابوق لك دخ «التطيعة الا يمر وق ولق راق لطر طية. 


(8) يرى الجابري أنه «يمكن حصر أهم الشروط التي وضعوها لضمان صحة هذا القياس في شرطين 
أساسبين: لا يجوز قياس الغائب على الشاهد إلا إذا كانا يشتركان ‏ داخل طبيعتهما الواحدة ‏ في شيء 
واحد يعينه يُعتبر بالنسبة إلى كل منهما أحد المقومات الأساسية. ولاكتشاف هذا «المقوّم الذاتي» لا بد من 
القيام ب «السبر والتقسيم». التفسيم يعني تحليل المقيس والمقيس عليه. كلا على جدى. أي حصر 
صفاتهما وخصائصهما لاكتشاف ما يشتركان فيه. والسبر هو اختبار تلك الصفات والخصائص المشتركة 
بينهما لتحديد أي منها يشكل جوهرهما وحقيقتهما. التفسيم هنا استقراء تحليلي» والسير اختبار وتحقّق. 
فهو بمثابة ما دعاه فرنسيس بيكون ب «التجربة الحاسمة». انظر: المصدر نفسه. ص .١7‏ 

(4) المصدر نفسه. ص 18. 

.19 المصدر نفسه. ص‎ )٠١( 


>32: 


القطيعة الإبستمولوجية 


إن مفهوم «القطيعة الإبستمولوجية» يعود إلى باشلار (13:50ءطء88) الذي 
استخدمه عندما درس تاريخ الفيزياء. كانت هناك نظرية سائدة قبله تقول بنمو 
الغدع عن طريى" لاصيال كما تير السك . فالقديم هو الذي يؤسّس الجديد 
ويستمر حاضراً فيه. أما باشلار فقد أكد عكس ذلك» إذ إن العلم في نظره لا ينمو 
إلا عبر القطيعة والانفصال. هناك مفاهيم ينبني عليها التفكير العلمي في حقبة ماء 
وهي أساس في إنتاج المعرفة والاكتشافات العلمية؛ لكن هذه المفاهيم تُستّنفد 
بشكل كامل. فتحدث أزمة علمية لا تحلها إلا مفاهيم جديدة أخرى. هناك إذاأ 
عملية قطع العلاقة أو الاتصال بالمفاهيم القديمة» إذ لا يمكن العودة إلى الجهاز 
00 القديم. . يرى باشلار أنه كان هناك فكر أرسطي له مفاهيمه الخاصة به. 
تمّ التخلي عن بعضها مع غاليليو (ءعةائله0). ليأتي بعد ذلك العلماء الذين 
ا ور د لد الل ا ا 
الفيزيا. حدث الأمر عينه مع ألتوسير 560وناط]1م) حين أخذ مفهوم القطيعة من 
باشلار ليستخدمه عندما أراد أن يفصل بين مرحلتين فى فكر كارل ماركس. 
5ع ا تمه لك بو مركطة كلاه رن ريا اال 


لقد استعمل ألتوسير مفهوم القطيعة هنا استعمالاً إجرائياً من دون أي 
انتقاص من ماركس فى المرحلة الأولى» أو تعصّب للمرحلة الثانية. من هنا 
فر «الحايرى أن الكقاست و الجفعط جاه تإنكانهنا أن «تناف لدي التقيافة 
المعاصرة كما في الثقافات القديمة. لأن فعل السفر هو من خواصها. «فالمفهوم 
عندما تكون له قيمة معينة» أي قيمة تعبيرية متميّزة في زمن معيّن. فهو يُنقل أو 
يُرحَل من مجال إلى آخرء هو يحتفظ بمعناه الأصلي أو بقسم منه ويأخذ أيضاً 
جرء امن متادقو لمجال الدق تفل لي 

نجد الجابري يصرّح في أكثر من موضع أنه أخذ مفهوم القطيعة 
الإبستمولوجية لكي يستخدمه استخداماً إجرائياً لا غير» أي أنه لم يكن يهدف 
البتة إلى أن يخوض في جوهر هذا المفهوم؛ إنما شاء أن يستفيد مما يثيره من 
أسئلة وأن يغوص بما يفتحه من آفاق» وهو يرى فى هذا المجال أن «الإجرائية 
هي أنك تعرّف شيئاً تعريفاً معيناً من أجل الوصول بواسطته إلى نتائج معينة تعبّر 


.١4 الجابري» «التجديد لا يمكن أن يتم.. إلا من داخل تراثنا (مقابلة فكرية)»» ص‎ )١١( 


>53 


عن الحقيقة الموضوعية أو المنطقية أو التاريخية»”"'"2. لقد أخذ مفهوم القطيعة 
الإبستمولوجية ليستعمله في مجال تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية باعتبارها - 
كما سنبيّن لاحما ‏ «قراءات مستقلة متوازية» للفلسقة اليونانية. من هنا يستنتج 
أن هذه الفلسفة ‏ أي العربية الإسلامية ‏ لا تاريخ لهاء وذلك بسبب استخدامه 
مفهوم القطيعة الإبستمولوجية. يصف عمله على أنه توظيف لهذا المفهوم 
اتوظيفاً جديداً في مجال آخرء وهو بالنسبة لي مفهوم إجرائي مكنني من أن 
ألاحظ أشباء لم أكن ألحظها من قبل طرجه كأداة للعمل»”"". 

إن التركيز على الناحية الإجرائية مهم بالنسبة إليه لأنه يريد أن يستخدم 
مفهوم القطيعة في دراسة التراث من دون أن يدعو إلى إلقائه في المتاحف. يرفض 
تهميش التراث لأن في ذلك خروجا عن العلم والتاريخ» فهو لا يدعو إلى قطيعة 
بالمعنى اللغوي الشائع» إنما يريد أن يتخلى ويقطع مع الفهم التراثي للتراث. 
فالقطيعة الإبستمولوجية تتعلق بالفعل العقلي كنشاط يتم وفقا لطريقة ما من خلال 
أدوات خاصة هي المفاهيم» في إطار حقل معرفي محذد. إن موضوع المعرفة 
يبقى كماهو لكن كيفية معالجته والأدوات المستخدمة فى المعالجة. كما 
الأشكالية الموجهة والحقل المعرقي الذي هو :نمفاية:الإطار العام للحمل» كل 
ذلك من شأنه أن يتبّدل. إن هذا التبدّل كلما كان جذرياً. ولم يعد بالإمكان 
الرجوع عنه إلى ما كان عليه الأمر في السابق. تكون هناك «قطيعة إبستمولوجية». 


من هنا جاء إصرار الجابري على التحرّر من «الرواسب الخرائية؟ في فهم 
التراث» وأهم ما في هذه الرواسب في نظره «القياس» كما طبّق في النحو 
والفقه والكلام بصورة آلية لا علميّة ترتكز على الربط بين الأجزاء» وتفكيك 
الكل من خلال فصل اجزائه عن إطارها الزماني ‏ المعرفي ‏ الأيديولوجي. إن 
القياس على هذا النحوء. والفصل بين الأجزاء والكل الذي تنتمي إليهء يؤدي 
إلى تقل سذه الأجزاء إلى كل آحرء. إثه التحقلالخاضن' بالذي يستخدم بهذا 
القياس. ينتج من هذه الطريقة تداخل بين الذات والموضوع من شأنه أن يسبب 
تشويهاً للموضوع أو انخراط الذات فيه بشكل غير واع» وغالباً ما تقع الهفوتان 
معاً. وبمًا أن الموضوع هنا هو التراث» فالنتيجة أن ألذات تندمج فيه إلى حدّ 


(6()المصدر نفسه. ص .١4‏ 
)١(‏ محمد عايد الجابري. العراث والحداثة: دراسات . .. ومناقشات (بيروت: مركر دراسات 
الوحدة العربية؛ )١ 404١‏ ص 01 


اد 


يصعب الفصل بينهما. نلحظ أن الجابري يريد أن يميّز فى هذا المجال بين 
اندماج الذات في التراث وبين اماج التراث في الذات. "أن يحتوينا التراث 
شيء» وأن نحتوي التراث شيء آخر. .. إن القطيعة التي ندعو إليها ليست 
القطيعة مع التراث بل القطيعة مع نوع من العلاقة مع التراث» القطيعة التي 
تخؤلنا مه اكاننات ترائية» إلى كاندات لهاترات ل و إن موضوع 
المعرفة هنا ليس هو المشكلة» بل التعاطي مع هذا الموضوع بطريقة موضوعية 
تنظر إلى التراث كأحد مقومات شخصية الأفراد» وكجامع لهم في شخصية 
أعم. أي شخصية الأمة التي تملك هذا التراث. من هنا تأتي الخطوة التالية 
وهي فصل الموضوع عن الذات» أو القيام بقراءة موضوعية للتراث. 


القراءة الموضوعية 
يرى الجابري أن المشكلة التي يجب مواجهتها لا تكمن في عملية اختيار 
بين المنهج التاريخي أو البنيوي أو غيره» فكل منهج قد يصلح لميدان محدّد» 
لكن كل المناهج الحديئة ليست صالحة إذا لم يتوفر لها موضوع منفصل عن 
فالمشكلة الأساس بالنسبة إليه تكمن في إيجاد الوسيلة التي تمكنه من فصل 
الذات عن الموضوع» والموضوع عن الذات لكي يُصار إلى إعادة العلاقة بينهما 
على اساس جديد. 
من هنا يمكن أن نستنتج أن القراءة الموضوعية هي أهم ما يواجهه الفكر 
العربي ا والموضوعية ليست فقط المحافظة على 
عدم تدخل الذات في الموضوع. فالأمر أكثر تعقيداً لأن العلاقة القائمة بين 
الذات العربية بميولها ورغباتها وبين تراثها تُجبر الباحث على أن يطرح المتشألة 
على مقامين : 
- هناك أولا العلاقة التي تتجه من الذات إلى الموضوع حيث تعني 
الموضوعية فصل الموضوع عن الذات. 
- وهناك ثانياً العلاقة التي تتجه من الموضوع إلى الذات حيث تعني 
الموضوعية فصل الذات عن الموضوع. 
(4١)الجابري»‏ نحن والتراث : قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي. ص .5١‏ 


/ا 5 


يشير الجابري إلى أن تحقيق الموضوعية على المقام الأول شرط من أجل 
تحقيقها على المقام الثاني. إنه يصرّ على الفصل بين الذات والموضوعء وإن 
بدا هذا الفصل صعب المنال» «لأن القارئ العربى المعاصر مؤطر بتراثه» مثقل 
عاك 4" بوالتراف مهدي إن عد انمد وه سروه المكري ديد مقر 
سنهء يتلقى القارئ العربي تراثه في الكلمات والمفاهيم والحكايات وهي طريقة 
التعاطي مع الأشياء وأسلوب التفكيرء وفي المعارف والحقائق الملقئة. من دون 
تساؤل ولا محاولة نقد. لذلك عندما يريد أن يقوم بعملية فكرية فهو يستعين 
بتراثه» يفكر بواسطته لأن فيه تكمن رؤاه وتطلعاته» ما يحول عملية التفكير إلى 
«تذكر». نتصبح بالتالي قراءة التراث فعل تذكّر وليس اكتشافاً أو استفهاماً. 


تحص الوضارة هنا إلى الفرق الكبير بين من يفكر بتراث يمتد إلى الحاضر 
كن الحاضر جزءاً منهء وبين من يفكر بتراث جامد منذ قرون. في الحالة 
الأولى نجد أن التراث يتجدّدء إذ إنه موضوع يخضع للمراجعة النقدية بشكل 
مستمرًء أما فى الحالة الثانية فالتراث بعيد عن الحاضر تفصله عنه «مسافة 
5 


إن خير مثال على كل ذلك اللغة العربية التي تُقرأ في التراث وهو يُقرأ 
بهاء لقد بقيت كما هي طيلة أربعة عشر قرناً أو أكثر تقوم بصناعة الثقافة والفكر 
من غير أن تصنعها الثقافة ولا الفكر. إنها بنظر الجابري الجزء الأكثر تراثية» 
في التراث» أي الأكثر أصالة؛ لذلك فهي حظيت بمنزلة التقديس. إنها تقوم 
باحتواء القارئ لأنها «مقدسة في وجدانه»؛. وهو عندما يقرأ بها يقرأها. 


ويتابع وصفه لوضع القارئ» المحاصر من قبل تراثه فيتوقف عند واقعه 
الذي يثقل كاهله ويجبره على البحث عن المعنى فى الماضى. إنه يطلب السند 
في التراث حيث يستنبط آماله ورغباتهء فينهل منه العلم والتقدّم والعقلانية» أي 
كل ما لم يجده في حاضره. لهذا السبب نجده «عند القراءة» يسابق الكلمات 
بحثاً عن المعنى الذي يستجيب لحاجته. يقرأ شيئاً ويُهمل أشياء. فيمزق وحدة 
النص ويحرّف دلالته. ويخرج به عن مجاله المعرفي التاريخي'''') 
الذي ينفي الموضوعية. إن الحاجة إلى مواكبة العصر ترمي بثقلها على القارئ 
العربي. علماً أن العصر يهرب منه ليطرح مزيداً من الأموور المعقّدة. إنه يحاول 





» الأمر 


,.١15© ص‎ ٠ المصدر نقسيه‎ )١65( 
77 المصدر نفسهء ص‎ )0( 


تكييف احتواء التراث له على نحو يسمح له أن يقرأ فيه ما لم يتمكن من 
إنجازه. فهو يقرأ اهتماماته قبل أن يقرأ النص التراثي. 


تجاه هذا الواقع المحاصّر يرى الجابري أن المكتسبات المنهجية التي 
قدّمتها العلوم الألسنية بإمكانها أن تساعد في التعاطي الموضوعي مع النص من 
خلال القاعدة الذهبية التالية: ١يجب‏ تجتّب قراءة المعنى قبل قراءة الألفاظ 
(الألفاظ كعناصر في شبكة من العلاقات لا كمفردات مستقلة بمعناها)»”"'". إنه 
يدعو إلى التحرّر من الفهم المبني على أسس تراثية ورغبات حاضرة؛ من أجل 
التوصّل إلى أمر ضروري يكمن في استخراج معنى النص «من ذات النص 
نفسه». وذلك من خلال التوقف عن العلاقات بين أجزائه. إن التعاطي مع النصص 
«كشبكة من العلاقات» والتركيز على متابعة هذه العلاقات من شأنه أن يقضي 
على عملية تحوّل الكلمة العربية إلى نغم أو صورة حسية في ذهن القارئ» أو 
حتى إلى مجموعة أحاسيس وأشجان. 


كذلك». من شأن هذه الطريقة في التعامل مع النص أن تحرّر الذات من 
«هيمنة النص التراثي»» وذلك من خلال إخضاعه لعملية تشريح دقيقة تحوّله إلى 
موضوع لهذه الذات. إلى مادة مقروءة. إن في ذلك خطوة منهجية مهمة من 
أجل السير نحو مزيد من الموضوعية والقراءة العلمية» لكن هذا غير كافٍ. من 
هنا ضرورة الاستعانة بمناهج أخرى. 


ثانياً: المعالجة البنيوية والتحليل التاريخي والطرح الأيديولوجي 


إن فصل الذات عن الموضوع يجب أن يُستتبع بخطوة تسهم بإعادة 
الانطلاق من الموضوع كمعطى مستقل له هويته وتاريخيته. من هنا ضرورة 
المعالجة البنيوية التي تركز على التعاطي مع فكر مؤلف النص بشكل عامء 
وهو أي الفكر ‏ يخضع لثوابت متضمّنة فيه. إن هذا الفكر يغتني بكثرة 
التحولات التي تتم حول محور واحد. من شأن هذه الخطوة المنهجية أن 
تمحور «فكر صاحب النص حول إشكالية واضحة؛ قادرة على استيعاب جميع 
التحوّلات التي يتحرّك بها ومن خلالها فكر صاحب النص)'*". 


(10) المصدر تفيه.ء ص ”77 
(6١)المصدر‏ نفسه 6 ص 14 


هكذا يمكن أن تجد كل فكرة موضعها داخل فكر المؤلف ككل وتجد 
أيضاً ما يبرّرهاء وذلك يتم مع الحرص على ربط أفكاره ببعضهاء والتنبّه إلى 
كيفية التعبير عنهاء. واستحضار المخاطب لديه. لذلك كان من الضروري 
الانطلاق في دراسة التراث من النصوص كما هيء» ما يقتضي وضع التفسيرات 
كلها السابقة لموضوعات التراث جانباء والاكتفاء بالتعامل المباشر مع النص»ء 
كمدونة» وبالتعاطي معه ككل يخضع ولثوابت معيّنة. ويغتني بمختلف التغيّرات 
التي تجري عليه. إن الأمر يتطلب وضع فكر صاحب النص حول إشكالية 
واضحة بإمكانها أن تستوعب كل التحوّلات التى يتحرّك من خلالها هذا الفكر. 
هكذا يصبح بإمكان كل فكرة أن تأخذ مكانها الطيمن الذي يمكن تبريره داخل 
فكر صاحب النص ككل. إن القاعدة الذهبية فى المعالجة البنيوية تكمن فى 
الابتعاد عن قراءة المعنى قبل القيام قاف للق لاج إن ذلك من شأنه أن يي 
في التحرّر من الفهم المؤسّس على المسبقات التراثية أو حتى على الرغبات 
التي تخصٌ الحاضر. من المهم التعاطي مع الألفاظ كمجموعة عناصر في شبكة 
من العلاقات وليس كمفردات لكل منها معناه المستقل. إن في هذا المنهج 
وسيلة لاستنتاج معنى النص من النص نفسهء أي بواسطة العلاقات التي تربط 
بين كل أجزائه. 

أمّا التحليل التاريخي فيتعلّق بربط فكر المؤلف بعد إعادة تنظيمه في إطاره 
التاريخيء بما فيه من أبعاد ثقافية وأيديولوجية وسياسية واجتماعية. إن هذه 
الخطوة مهمة من أجل اختبار صحة المعالجة البنيوية» كما هي ضرورية من 
أجل التوصّل إلى فهم تاريخي للفكر الذي هو موضوع الدرس. إن التوقف عند 
الإمكان التاريخي يعني الاطلاع على ما يمكن «أن يتضمّنه النصء وما لا يمكن 
أن يتضمنه. وبالتالي يساعدنا على التعرّف على ما كان في إمكانه أن يقوله 
والكن نيك هوي 1 ات الجطر ماني أ تساف إن الو د د 
المضامين التي بقيت ضبابية لفترة طويلة. 


إن ربط فكر صاحب النص بمجاله التاريخي مهم لسببين: الأول من أجل 
فهم تاريخية الفكر موضوع البحث وفهم كيفية تكوينه؛ أما السبب الثاني فهو من 
أجل اختبار صحة المعالجة البنيوية التى سبقت التحليل التاريخي. يقصد 
الجابري هنا بمصطلح «الصحة» الإمكان التاريجي وليس الصدق المنطقي. 


( )المصدر نفسهء ص 755. 


كك( 


لكن نشير هنا إلى أن التحليل التاريخي يبقى صورياً ومجرّداً في حال لم 
يُستكمل بالطرح الأيديولوجي بحسب ما يرى الجابري. يجب العمل على 
كشف الوظيفة الأيديولوجية التي قام بها فكر معيّن في الإطار الاجتماعي 
والسياسي الذي تحرّك فيه. يريد أن يعيد الحياة إلى الفترة التاريخية التي ينتمي 
النهلا الدمن برالقق ‏ امعد تهنا الكذالتحة" السترية زماناً مقن لزن السياد م 
المضمون الأيديولوجي لفكر ما هو الوسيلة الوحيدة لجعله فعلاً معاصراً 
لكيه رقنا عدا ليون "007 ركان ذا ساعن :اماق اللي لكا ايوم 
الوضع الاجتماعي التاريخي حيث نشأت. وما الإشكالية الأيديولوجية إلا 
الهروب من الحاضر المأزوم نحو مستقبل أقل تعقيداً وأكثر معقولية. 

لذلك كان من الضروري القيام بتعرية الإشكالية الأيديولوجية انطلاقاً من 
الخطوتين السابقتين» أي المعالجة التكوينية ‏ البنيوية للفكر ومن ثم التحليل 
الاجتماعي التاريخي للمجتمع الذي هو بمثابة القاعدة الأساس لهذا الفكر. إن 
هذه الخطوة من شأنها أن تعرّز القراءة الموضوعية التي اجتهد الجابري في 
أكثر من مناسبة من أجل تثبيت أسسها والبدء بممارستها في التعاطي مع 
التراث العربي. 


يمكن أن نشير في هذا الإطار إلى ضرورة التوقف عند تاريخية الفكرء أي 
عند ارتباطه الوثيق بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي أنتج 
هذا الفكر وشكل له إطاراً يتحرّك فيه. لذلك تكتسب علاقة الفكر بالواقع 
وبالتاريخ المزيد من الصعوبة لأنها ترفض الخضوع للقوالب الجاهزة؛ وهي 
تفترض نمطأً خاصاً من التحليل والأدوات التي تسمح باستيعاب هذه العلاقة. إن 
تحديد المجال التازيخي للفكر يتطلب اللجوء إلى «مكوّناك هذا الفكرء .والمجال 
التازيكئ يتحضر «بعمر الأشكالية»+ أي بالفعرة التي 'تسبيطل ليها الاشكالية 
عبنها خلال تازيع نكر عون لة بجو تحديدالمتعال العاريتي بتعاقب الدول»؛ 
أو بتطوّر النظام الاقتصادي. أو بالحروب أو غيرها من الأمور التي لا يخضع 
لها الفكر بالضرورة. من هنا يحدد الجابري المجال التاريخي لفكر ما بالحقل 
المعرفي وبالمضمون الأيديولوجي لهذا الفكر. 


إن الحقل المعرفي مهم لأنه يشكل الإطار الذي يتحرّك فيه الفكر. وهو 


(56) المصدر نفسهء ص 5 


مكوّن من مادة معرفية واحدة. ومن جهاز تفكيري واحد بمفاهيمه وتصوراته 
وأسسه ومنهجه. أما المضمون الأيديولوجي فهو الوظيفة الأيديولوجية في إطارها 
الاعفيافي والسناسى المعظاة ' لهده الماذة المعرفية من قبل ضاحب الفكز 
موضوع البحث. يعتبر الجابري أن نمو المعرفة غير مرتبط بالضرورة بتطور 
المجتمع لأن الحقل المعرفي والمضمون الأيديولوجي لدج راحم لض به 
الثابت أن يكونا متساوقينء» إنما كثيراً ما يكون أحدهما متقذماً على الآخر. إنه 
يرى أن الانتماء إلى إشكالية واحدة وإلى حقل معرفى واحد لا يعنى ذلك 
بالعورونه اتاد ان ا ردير فيح والحة 3 كما إن ولك لأ مك بريه الهادة 
المغرنية الى أغرامن ا بدبرلويعة انعد دما يعمل اننا آنا لسار المعرقية 


الواحدة تحمل مضامين أيديولوجية واحدة. 


لذلك كان من السهل ربط فكر فيلسوف ما بالحقل المعرفي الذي ينتمي 
إليه» لكن المضمون الأيديولوجي لهذا الفكر لا يمكن الرجوع فيه إلى غير هذا 
الفكر عينه. فالمطامح السياسية والاجتماعية المعبّر عنها غالبا ما تتقدّم أو 
تتخلف عن المادة المعرفية التى توظفهاء وعن التطور الاجتماعى الذي تنشأ فيه 
أبضاً. والحال أصعب مع الفكر الفلسفي لأن طبيعته أكثر تجريدأء لذلك كانت 
علاقة هذا الفكر بالواقع الاجتماعي والتاريخي «علاقة ملتوية ومنعرجة». إنها في 
أكثر الأحبان «علاقة غير مباشرة تمرّ عبر أشكال أخرى من الوعي. مثل الوعي 
الديني والوعي السباسي + وتعكس مطامح غير خاضعة لإطار الزمان - مكان» 
مطامح متخلّفة عن عصرها أو متقدّمة عنه تركب المادة المعرفية المتوافرة وتقذم 
نفسها على أنها نتاج «العلم» لا 7 


إن مسألة التمييز بين المحتوى المعرفي والمضمون الأيديولوجي أمرٌ 
إلزامي يفرضه واقع الفكر الفلسفي في الحضارة الإسلامية. لقد اهتم الفلاسفة 
المسلمون بمعالجة إشكالية واحدة تتمحور حول التوفيق بين العقل والنقل» ما 
قلّص مجال الإبداع لديهم. لم يقرأ اللاحقٌ منهم السابق لكي يتمّم ما نَقَصَ 
أو ليتجاوزه. إنما كان الجميع منكبّين على قراءة الفلسفة اليونانية حتى بَدَوا 
وكأنهم يكزرون فكر بعضهم بعضاً. لذلك يرى الجابري أن الفلسفة الإسلامية 
لم تكن «قراءة متواصلة ومتجذندة باستمرار لتاريخها الخاص»؛ بل «كانت 
عبارة عن قراءات مستقلة لفلسفة أخرى هي الفلسفة اليونانية» قراءات وظفت 


(١؟)المصدر‏ نفسهء ص .5١‏ 


50 


فين المادة الشعرية الأهدات أبديولوسة مكيلفة لا 


من هنا نجده يشدّد كثيراً على الفصل بين المحتوى المعرفي والمضمون 
الأيديولوجي لكي يتم اكتشاف ما تتضمّنه الفلسفة الإسلامية من تنوّع وحركة 
ويُصار إلى ربطها في ما بعد بالمجتمع والتاريخ. إذا لم يتحمّق هذا الفصل 
ويُنظر إلى الفلسفة الإسلامية من جهة محتواها المعرفي بِبُعْدَيه العلمي 
والماورائي فقط. سوف تبدو كمجموعة من الآراء لكا : لا يميدهنا 00 
أسلوب العرض ومدى الإيجاز أو التوسيع. 


أما إذا تمّ التعاطي مع الفلسفة الإسلامية من زاوية المضمون الأيديولوجي 
سوف نلحظ أنها فكر متحرّك وهي «وعي متموّج» مهتم بإشكاليته وبما يزخر به 
من تناقضات. لم ينشغل الفلاسفة المسلمون ببناء تصوّرات جديدة على أسس 
جديدة؛ إنما ركّزوا جهودهم الفكرية على كيفية جعل التصوّر الديني مقبولا من 
جهة العقل. وجعل التصوّر العقلي مسموحاً به من جهة الدين؛ ما جعل من 
الفلسفة الإسلامية خطاباً أيديولوجياً عقيدياً مسترسلاً. إذا أهملت هذه الخطوة 
المنهجية وتم التعاطي معها مثل الفلسفة اليونانية أو الأوروبية سوف تبدو ولا 
شك راكدة لا تحمل أي تقدم. لذلك يجب عدم البحث عن الجديد في الفلسفة 
الإسلامية «في جملة المعارف التي استثمرتها وروجتها بل في الوظيفة 
الأيديولوجية التى أعطاها كل 5056 لهذه المعارف. . . ففى هله الوظائفة 
ارم مسمي الف اقلق الاو ف ان ا ا لا 

يستعين الجابري هنا بباشلار لكي يؤكّد أن المحتوى المعرفي هو في 
النهاية علم. والعلم له تاريخهء وتاريخ العلم هو "تاريخ أخطاء العلم». لذلك 
كان من الطبيعى أن يموت المحتوى المعرفى فى كل فلسفة ميتةً واحدةً» لأنه 
في كل مرة فلل فيها التاريخ على خنطا فينعدم. أما المضمون 
الأيديولوجي فهو أيديولوجياء والأيديولوجيا تقاس بالمستقبل لأنها تعيش 
مستقبلها في حاضرها» على شكل حلم لا يقر في الزمان ولا في المكان» 
وذلك خلافا للعلم الذي يقاس بالزمان الحاضر. يورد مثالا على ذلك ما حدث 
في تاريخ الفلسفة اليونانية والأوروبية» كيف أن المحتوى المعرفي قد مات مع 


)2 المصدر نفسه » ص إأحرة 
[فرفة المصدر نقفسة ٠6‏ ص إزفرة 


تطور العلم المؤسس عليه منذ أرسطوء مروراً بديكارت وغاليليو. ومن ثم 
بكانط ونيوتن» ومن ثم بأينشتاين. 


من البديهي أن يصرّ الجابري على هذا الفصل بين المحتوى المعرفي 
والمضمون الأيديولوجي» ليس فقط لأن المكتسبات العلمية والمعرفية في 
الثقافة العربية الإسلامية لم تتابع تقدمها وتخطاها الزمقة كل لأنه يدوئ الرد 
بموضوعية على كل الأحكام العشوائية التي أطلقت بحق الفلسفة الإسلامية» من 
كونها «أقاويل مكرورة»؛ كما ذكر الشهرستاني في الملل والنحلء إلى كونها 
فقط «فلسفة يونانية مكتوبة بحروف عربية»21» على حد قول إرنست رينان. 


نخلص إلى القول في هذا المجال إن الجابري يزاوج بين ثلاثة أنواع من 
المناهج» فهو يرجع إلى التاريخ بكليته ليبحث فيه عن الشواهد التي تدعم 
الأطروحات والقوانين التي تمكن من استخلاصها. إذا ما تأكد بواسطة التحليل 
التاريخي من الأطروحات التي استنتجها من التحليل البنيوي؛. وعثر على شواهد 
تاريخية لهاء عند ذاك يعتبر هذه الأطروحات صحيحة. ويتابع عمله بالبحث في 
الطرح الأبديولوجي. لكنه يشير إلى أنه لا يرى نفسه ملزماً بالبدء بأي منهج 
على وجه التحديد» قد يبدأ بالتحليل التاريخي مثلا. والمناهج بالنسبة إليه «كلها 
صالحة. لكن كل في ما يمكن أن يصلح لهء أي أنها كلها صالحة؛. ولكن ليس 
بمفردهاء والتراث واسع»”*". 


إن هذه المزاوجة بين المعالجة البنيوية والتحليل التاريخي والطرح 
الأيديولوجي الواعي تكوّن ركيزة منهجية مهمة في الرؤية التي حاول أن 
يعتمدها عندما قرّر أن يعالج بعض المشاكل الفكرية كما التربوية التي تواجه 
الباحث المعاصر. 


نرى من الضروري أن نشير هناء ونحن في صدد تناول المنهج الذي اتبعه 
الجابري في مشروعه «نقد العقل العربي»» إلى أن أهم سمة ميّزت منهجه هي 
التركيز على النقد الإبستمولوجي. إن هذا المنهج هو الذي وجّه أبحاثه في 
دراسته لتكوين العقل العربي وبنيته المعرفية»؛ ومن ثم في دراسة العقل العملى 
في بُعديه السياسي والأخلاقي. 


(51) الجابري. التراث والحداثة: دراسات. . . ومناقشات. ص 77”7, 


505 


ثالثاً: النقد الإبستمولوجى 


«إن المنهج. مهما كانء. هو أداةء والأداة لا تبرز فعاليتها إلا عند 
استعمالهاء إلا بمقدار مطاوعتها وقدرتها على التكيّف مع المعطيات التي 
تعالجها)””*. إن الأداة الأكثر فاعلية في فهم التراث بشكل موضوعي تكمن 
في تطبيق النقد الإبستمولوجيء. هذا ما حاول أن يبيّنه الجابري عندما خاض 
معركة تفكيك العقل العربي. يرى أن طبيعة الموضوع هي التي تفرض المنهجح 
القدائسيء: لذلك: فاحقار» للقت الا سمو لوي لسن نه رَغيه بذاية أل تحميت 
لمنهج من دون آخرء إتماا عن اعفان ملت عليه لتيعة مر نم أي العقل 
العربى. 


إن تحليل البنى المعرفية لا يعني رد المركب إلى العناصر البسيطة التي 
يتكزن نكا كما يفيل عاد فى تحال الكيماء نقذ هناك درق ين تحليل 
موضيوعات المعرفة توضعها مركبات وبين تحليلها بوصفها بُنى. لذلك كان 
تحليل المركّب مغايراً لتحليل البنية. 

فالنمط الأول من التحليل ‏ أي تحليل المرئب ‏ يفترض عزل العناصر 
التي يتكوّن منها وفرزها في ما بعد. 

أما النمط الثاني أي تحليل البنية - فهو يتطلّب كشف الغطاء عن مختلف 
العلاقات القائمة بين عناصر هذه البنية باعتبارها «منظومة من العلاقات الثابتة فى 
إطار تحصن المح لات لذلك كان العم ذقنا يعطك الكثير اين المرضعية دكن 
الباحث من التحرّر من سلطة الموضوع عليه. أي من سلطة التراث. يشدّد 
الجابري على أن «تحليل البنية معناه القضاء عليها بتحويل ثوابتها إلى تحوّلات 
ليس غيرء وبالتالي التحوّر من سلطتها وفتح المجال لممارسة سلطتنا عليها». هذا 
النوع من التحليل هو ما يسمّيه ب «التفكيك» ويقصد به «تفكيك العلاقات الثابتة 
في بنية ما بهدف تحويلها إلى لا بنية» إلى مجرّد تحوّلات)”"". 

نلحظ أن النقد المتواصل للذات وللآخر كما يفهمه لا يعني البتة رفضاً 
ميكانيكيا للخطاب موضوع البحثء إنما هو «تفكيك» للسلطة التي تتحكم من 
لخَلون الخطابة بالمخاطت» 


.45 المصدر نفسهء ص‎ )١15( 
.17 المصدر نفسه.ء ص‎ )15( 


506 


المع ع لس لمم مارت ار راسد عر رويد لقو به 
ومطلقء ولا تاريخي إلى ما هو متغيّرء ونسبي. وتاريخي» وذلك بسبب 
الكعقف قن العسدرك المحجوية وراء أمور عديدة تطرح نفسها وكأنها حقل لا 
يقبل المعقولية» أو سر خفىَ ليس من السهل التواصل معه. لا يهدف التفكيك 
بهذا المعنى إلى نفي الموضوع وإلى إلى الاعتداء عليه إنما يُسهم في «التحرّر 
من سلطته الخطابية»؛ هذه السلطة التي ترتكز على الطابع البنيوي للغة القول 
المفعمة بالرموزء والمثقلة بالسحر والقداسة. 


إن عملية التفكيك النقدي يجب أن تبدأ بجعل ما هو مبني للمجهول «قيل» 
إلى مبني للمعلوم» وتحويل صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب. من الضروري 
أن يقوم الباحث بكشف المسمّيات التى حلت مكانها أسماؤهاء وبإعادة تسمية 
الأشياء التي تطرح نفسها كمسميات مجردة بأسمائها الحقيقية التي تُظهر جانب 
الانحياز فيها. هناك مثلا ما قام به الجابري في هذا الخصوص عندما توقف عند 
الأصول الخمسة للمعتزلة وبرهن كيف أنها تبدو للوهلة الأولى مبادئ دينية 
متعلّقة بالعقيدة لكنها تعبّر بالعمق عن مضمون اجتماعي أو سياسي'"". 

إن المقارسة النقدية ستففى عتما إلى ديد العقل العربى: لأنها سوك 
تطاول لا محالة البنية الذهنية العرية إن إضفاء المعقولية على التراث من أجل 
وضعه فى سياقه الزمانى ‏ المكانى داخل الحضارة العربية الإسلامية» وترتيبه 
معلتيان" هو مييق الجابرى القيام .رفن خلال النقد الى يمارسه» إنها يرق أن 
«الفكر العربى لا يمكن أن يتجذد إلا بالممارسة. فالكفر هو جملة ثوابت» هو 
طزيقة عم مرهح فى ذهو الاننان تق كلانه ذو خلال تمازسات »,النايك 
ينبغي أن نمارس في تراثنا هذا النوع من العقلانية حتى نكتسب عقلانية من 
خلال هذه الممارسة؛. هذه مسألة 1" 

لقد بات على يقين من أن الممارسة النقدية بهدف إضفاء المعقولية لا 
يمكن أن تنم من دون اللجوء إلى الإبستمولوجيا الغربية. والاستفادة من 
0 الإجرائية ؛ لذلك كان عليه أن 1 هذا م من أجل تجاوز 


امور ا ا ا ل اس ل 


(30) للمزيد من التفصيل» انظر اللبحث الذي أورده الجابري في: المصدر نفسهء ص 865 50. 
(5) المصدر نفسه. ص ل!7590, 


الما 


إنما «كمشروع يجب أن يتحقّق». إنه يرى أن الدراسات الإبستمولوجية هي في 
الأساس دراسات نقدية» إذ إن الفكر الإبستمولوجي هو فكر نقدي يرتكز في 
معظلنه على تقد العلع :فى سبيل الكطف :عن #سيقات» الفكر العلمن وعن 
الياته. «فالإابستمولوجيا هي مراقبة الفكر العلمي لنفسه باستمرارء وبذلك 
فالدرانناك الإيستمولوعية تمكن: الأسان :تحن خامنة» من الزوح النقدية» 
من هذا الذي ندعوه بالعقلانية0". 


يظهر هنا جلياً تأثر الجابري بالمنهج العلمي وإصراره على الاستفادة من 
الإبستمولوجيا في مجال يفتقر إلى الموضوعية والروح النقدية. إنه يشدذد على 
دراسة الفكر العلمي وتاريخه بشكل خاصء. والإبستمولوجيا بما تقدمه يمكن أن 
تكون أفضل وسيلة لتحقيق المشروع النقدي, لأن الجانب الأيديولوجي فيها غير 
فاعل بشكل قوي. من هنا إن غياب الأيديولوجياء ولو غياباً نسبياًء في 
الإبستمولوجياء يفسح المجال أمام مختلف الأوساط العربية للتعامل معهاء لذلك 
يصبح من الممكن تعميم الروح النقدية من خلالها أكثر من أي شيء آخر. 

نود أن نتوقف فى هذا السياق عند خلاصة أوردها الجابري حول طبيعة 
البحث الإبستمولوجي مشيراً إلى الصيغة الأيديولوجية التي يمكن أن يتضمّنها هذا 
النمط من البحث فيقول: (إن الإبستمولوجيا تدرس وتنقد وعي الإنسان بالعالم - 
بما فيه هو نفسه ‏ وعيه المؤسّس على أكبر قدر ممكن من الموضوعيةء ولكن 
الخاضعء في الوقت ذاته. لتاريخية الإنسان كفرد في مجتمع » الشيء الذي يجعل 
وعيه انعكاساً أيديولوجياً لواقعه العام. ومن هنا تلك الصيغة الأيديولوجية التي لا 
بِذَ أن يتضمّنهاء صراحة أو ضمناً. كل بحث إبستمولوجي»”' ". 


لقد اختار ممارسة النقد الإبستمولوجي لكي يتفخص أسس المعرفة العلمية 
التي تنتجها العلوم الرياضية والطبيعية من جهة. والتي تنتجها العلوم الأخرى 
التي لم تتوصّل بعد إلى دقة تلك العلوم من جهة أخرى. لقد استبعد عن منهجه 
البحث الأنثروبولوجى لكى يركز اهتمامه على الثقافة العالمة فقط. لأنه يريد أن 
يكشف عن الآليات والمفاهيم التي تعتمدها هذه الثقافة في عملية إنتاج المعرفة 
ونقدها. إنه بمعنى آخرء يريد أن يبرز مجموعة «قواعد اللعب» التي تستخدمها 


(59؟) المصدر نفسهء؛ ص 5948. 
(0) محمد عايد الجابري» مدخل إلى فللفة الملوم : العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي؛ طع 
(بيروت: مركز دراسات الوحدة العر بية + ) ص 8غ4. 


307/ 


الثقافة العالمة عندما تقوم بإنتاج المعرفة. لذلك نجده قد اهتمّ بالعقل العربي 
المحصور إنتاجه ضمن النصوص المدونة» وصتّفه إلى ثلاثة نظم معرفية: 
االفباس: انان والمواتلة العرفانة و القافق ال 


إنه يحاول» كما هو واضح. أن يُدخل النقد إلى الأوساط المثقّفة العربية 
من ذوؤن تشتج :وإحداث: ضجيج ‏ وذلك عن طريق: تبني الإيستمولوجيا كمتهج 
سلمي يفي مستخدمه شرّ الصراع الأيديولوجي الذي يرتدي غالبا وشاحا لا 
عقلانياً. من هنا أهمية الإبستمولوجيا التي تجتب الباحث «مهاجمة اللاعقلانية 
في عقر دارها» ناقلة الصراع إلى الساحة العقلية. يعتبر أن نقد الفكر اللاعقلاني 
في مسبقاته وفرضياته غالبا ما يؤدّي إلى التنبيه على رد الفعل. وإلى نشر 
الحوار ما بين العقل واللاعقل؛ عندها ستكون الغلبة للاعقل» لأنه هو الأقوى 
في أرضه. لهذا السبب أصرٌ الجابري على الإبستمولوجيا لأنها تنقل الحوار إلى 
الدائرة العقلانية: فيتم عند ذاك نشر العقلانية عن طريق نقدهاء ونقد أولئك 
الذين أنتجوا الفكر العقلاني» أو يعون إنتاجه. 


لذلك» إن الاستفادة من الإبستمولوجيا يمكن أن تكون كبيرة فى التعامل 
مع التراث ودراسته نقدياًء فهي تكسب الباحث الروح القدية المكوروة: 
وتعطيه الخبرة اللازمة بواسطة الممارسة النقدية للعلم ولتاريخه. كما إنها تسلحه 
بمفاهيم وأدوات بإمكانه توظيفها في حقل التراث. لكن سرعان ما يشير الجابري 
في هذا السياق إلى ضرورة احترام المجال الذي توظف فيه كل هذه الأدوات 
والمفاهيم وعدم تحميلها أكثر مما تستطيع؛ فالإبستمولوجيا نفسها لا تسمح 
بذلك. يجب أن يكون التوظيف واعياء والنقد موضوعيا لكي يتم التوصّل إلى 
نتائتجح ملموسة على صعيد المشروع النقدي ككل. 

يركز في هذا الصدد على ضرورة التمييز في مجال الإبستمولوجيا بين أمرين : 

- الأمر الأول: يجب أن يميّز الباحث بين الإبستمولوجيا الوضعية 
والإبستمولوجيا العقلانية. لقد عرفت الإبستمولوجيا المعاصرة اتجاهات وضعية 
عديدة تنكر بالأساس أهمية التاريخ والتراث وتحصر اهتمامها فقط بما هو 
تجريبي في الإطار العياني لا غير. لذلك يرى الجابري أن الإبستمولوجيا 


() سوف نفصّل الكلام على هذه البنى المعرفية في الفصل الخامسء الذي خصصناه لدراسة 
«مشروع نقد العقل العربي عند الجابري". 


الوضعية لا تنفع في مجال البحث في تجديد العمل العربي من خلال الممارسة 
النقدية. أما الإيستمولوجيا العقلانية التى ترتكز على الاتجاهات العقلانية فهى 
تفيد في هذا المجال حتى في منحاها المثالي البحت. 


الأمر الثانى: يجب أن يميّز الباحث بين سوسيولوجيا المعرفة 
والتصقط توجنا: نان الكل بعرهة عمو كن كرا عليه وه : انا نأف تكرة 
هذه المعرفة تقوم بدور إيجابي أو سلبي مؤثرة في المجتمع وفي حركة التاريخ. 
فهذا شيء مختلف تماماً. بريه الجايرى أن يتوق بين صر العاريخ وبين عط 
نقد المعرفة بالتاريخ. إن سوسيولوجيا المعرفة تقع في الناحية الأخرى من 
الإبستمولوجياء إنها تتمحور حول تفسير الإبستمولوجي بالمجتمعي» بينما 
ترتكز الإبستمولوجيا على تفسير الإبستمولوجي بالعلمي» أي بالعقل. لذلك فهو 
يصرّ على الفصل بين «تفسير التاريخ من أجل تغيير ما هو موجود أو من أجل 
المحافظة عليه. وبين النقد الإبستمولوجي للمعرفة. ففي النقد الإبستمولوجي 
تخ لشف لطن عن ورور انك اهن اذا لمعت أن القنا دف يم إلخ”"". ش 


تجدر الإشارة هنا إلى أن الجابري لم يهتم بالإبستمولوجيا كعلمء ولم 
يجعلها محوراً في أبحاثه؛ لكنه انشغل بمكتسباتها ومنجزاتها محاولاً أن يوظفها 
في مجال دراسة التراث. إن عملية التوظيف هذه لم تكن قسرية» ولم توجهها 
«موضة» ماء بحسب تعبيره» لكنها توظيف إجرائى يبغى الاستفادة إلى أقصى 
حذء آخذاً بالاعتبار طبيعة الموضوع. فهو حريص على تجتب الوقوع في 
إغراءات المفاهيم الجاهزة؛ من هنا وجد ضرورة التوقف عند مسألة «تبيئة 
المفاهيم» التي تعتر رض الباحث» و كيفية الانفتاح على مكتسبات علوم الإنسان» 
مع المحافظة على الموضوع الذي هو التراث عند الجابري. 


رابعاً : ا(نبيئة المفاهيم) 


إن المشتغل بالفلسفة العربية أو غيرها لا يمكنه أن يهمل مسألة المنهجء 
كذلك إن الذي اختار البحث في طبقات التراث لا يستطيع أن يغض الطرف عن 
مسألة مهمة تعترضه ألا وهي اختيار الأدوات التي سيستعين بها لكي يحقّق 
عمله. وينجزه على نحو تام. لكن يبقى السؤال في النهاية أي منهج نعتمد؟ 
وأي أدوات نستعمل؟ 


(؟) الجابري» «التجديد لا يمكن أن يتمّ. . إلا من داخل تراثنا (مقابلة فكرية):1 ص ١7‏ 


0 


بات من المستحيل اليوم الإجابة عن هذا السؤال مع التغاضي عن 
إنجازات علوم الإنسان في الغرب والفكر الفلسفي المعاصر بمناهجه 
وأطروحاته. إن في ذلك نفعاً كبيراً وآفاقاً شاسعة قد تُفتح أمام الباحث» لكن 
في الوقت عينه هناك تحد فكري واضح يواجه هذا الباحث. يكمن في ترجمة 
المصطلحات» وفي اختيار المنهج الملائم للموضوعء وفي كيفية تطبيق هذا 
المنهج من دون تشويهه أو تشويه الموضوع. كذلكء إن ترجمة المصطلح لا 
تكفيء إذ يجب أن يتمّ تفادي إسقاط المفاهيم بشكل عشوائي على التراث. 
هنا تكمن إشكالية كبرى طرحت نفسها بقوة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي 
منذ بداية حركة الترجمة والنقل» إنها علاقة الماضى بالحاضرهء أو الأصالة/ 
والمعاصرةء أو التراث/ والحداثة. ْ 


لقد عالج محمد أركون هذه الإشكالية عن طريق تبئّي مناهج علوم الإنسان 
والمجتمع باعتبارها أدوات صالحة لتعرية الماضي والكشف عن طبقاته المتراكمة 
وتبيان مكامن القوة فيه كما مواضع الضعف والقمع وطمس الحقائق. كذلك أراد 
محمد عابد الجابري أن يستفيد مما أنتجه الفكر الغربى ليوظفه فى ميدان 
أمحاي موعن جد بنكو عي :ينال اقينة المقاهيم ).ا فهو ورك ف كينا 
المجال «أننا لا نستطيع أن نقوم بالبحث» وأن تخترع في نفس الوقت أدوات 
البحث» وأعني المفاهيم. وإن أدوات البحث منها ما يُستعار من علوم أخرى 
ومنها ما ينشأ بالممارسة)”"". 


إن الباحث إذن مضطر إلى أن يستعير أدوات بحثه ليستخدمها في عمله. 
لكن المشكلة المطروحة تتمحور حول كيفية اختيار هذه الأدوات ومدى 
توظيفها. بما أن المنهج المستعار عنده والأكثر فعلاً في أبحاثه هو 
الإستمولوجياء وسوف نتوقف عند كيفية استخدام هذا المنهج. 

إننا نجد الجابري يميّز بين الدرس الابستمولوجي وبين التوظيف 
الإبستمولوجي. إن الإبستمولوجيا كعلم معاصر تهتم بالمعرفة العلمية. لكن 
بالنسبة إليه ليس من الضروري أن تنحصر المعرفة العلمية بالعلوم الطبيعية 
والرياضية فقطء إذ إن كل معرفة بإمكانها أن تتصّف بهذا الوصف ولو بدرجات 
منفاوتة» فالعلوم نفسها مرثبة أيضاء وفقاً لدرجات معينة من الوصف العلمي. 


[فرفرف الجابري» التراث والحداثة : درامات . 3 وناقشات» ص 86 


6 


إن كل معرفة؛ بإمكانها أن نحوز على الوصف العلمي». يجوز أن تسمّى علماً 
أو تعامل على أساس ذلك. كما يمكن أيضاً أن تؤول إلى حدّ ما إلى توظيف 
إبستمولوجي. بذا يجوز أن تصبح هذه المعرفة «ميدانا لإنتاج مفاهيمء» ورؤى 
جديدة قد لا تتوفر في العلوم الحقة التي هي موضوع الدرس الإبستمولوجي 
بالمعنى الضيّق للكلمة؛ وإذاً هناك فرق بين الدرس الإبستمولوجي وتوظيف 
الإبستمولوجيا. الدرس الإبستمولوجي هو أن ندرس الإبستمولوجيا وأن نحاول 
أن نقيم منها علماً كما يفعل مثلاً بياجي (513860) وكما يفعل آخرون”؟". أما 
توظيفها فهو أمر عملي تطبيقي محض. 

يحاول الجابري من خلال هذا التمييز بين الإبستمولوجياء كعلم قائم بذاته 
في الفكر العربي وبين توظيف هذا العلم في حقول معرفية غير العلوم الطبيعية 
والرياضية» الإشارة إلى أن الإبستمولوجيا ليست هي الهدف الأساس إنما 
الاستفادة من بعض المفاهيم التي استلّها من باشلار (61250ط820) أو بياجي 
(معدنط) في أبحاثه داخل الدائرة التراثية. الاهتمام بالتراث هو الأهم بالنسبة 
إليه. لذلك نجد أن الانشغال بالتراث هو الذي استحوذ على مسيرة الجابري 
الفكرية. أما الإبستمولوجيا بحدّ ذاتها فقد اكتفى بتوظيف مفاهيمها توظيفاً 
إجرائياً عندما درس العقل العربي في تكوينه وبنيته» كذلك عند بحثه في العقل 
السياسي والعقل الأخلاقي العربي. فهو يعتبر أن سائر نظريات علماء 
الإبستمولوجياء وإنجازات العلوم الأخرى ليس من الضروري استخدامها في كل 
بحث وكل قراءة بشكل عشوائي. إن الكلمات والمفاهيم والنظريات التي تنتمي 
إلى السيكولوجياء أو الإتنوغرافيا أو علم النفس» أو التحليل النفسي. . . إلخ» 
هذه كلها معطيات يجب أن نوظفها لا كعلوم. بل ينبغي أن نوظفها على شكل 
ما تبقّى في ذهننا من خلال معرفتنا لها. إذا امتلكنا هذا الذي تبقَى» وأصبح 
لدينا مهضوماء وصار ملكا لناء فإننا حينئل نستعمله بصورة عفوية وفى الغالب 
بكيفية مبدعة)”” ". 

يشدد مفكرنا على أهمية الإبداع في عملية توظيف المفاهيم المستلّة من 
الإبستمولوجيا أو من علوم الإنسان. لذلك من الضروري بالنسبة إليه عندما 
يضطر إلى أن يأخذ منهجاً ماء أو مفهوماً محدّداء إن يضفى عليه طابعاً خاصاً 


(4*) المصدر نفه. ص 584. 
(6؟) المصدر نفسهء ص 786, 


530١ 


ذائيا أى لون مختلفاء عنتى ولو تح ذلك نيينه: وبين انقشه افقطء يكين في هذا 
المجال خلال حواره مع بعض المفكرين قائلا: «وفي الحقيقة أنا لا انزعج 
لشيء أكثر من انزعاجي من اللحظة التي أجد نفسي فيها استعمل مفهوماً في 
ميدانى بنفس المعنى الذي استعمّله فيه صاحبه فى ميدان آخر. حينئذ إننى 
أشرب وآكل بملعقة ليست ليء. ليست هي الملعقة التي تلائم عادتي في الأكل 
ل 1 


نجد أن الجابري منشغل بهاجس الوفاء لموضوعه والإخلاص لطبيعة 
التراث. فهو يختار التقيّد بأبعاده» لا يريد أن يتعدّى حدود تراثه ولا أن يعتدي 
عليه» لذلك اهتمٌ ب «تبيئة المفاهيم» لكي لا تسيء إلى هذا التراث ولتؤدذي 
مهمّتها بنجاح. إن هذا الوفاء للتراث لم يمنع الجابري من الانفتاح على الحداثة 
ومكتسباتها في الغرب» وهو يصرَ على ضرورة الاستفادة من المناهج الغربية 
وما استعانئه بالإبستمولوجيا إلا خير دليل على ذلك. يرى في هذا الإطارء أن 
ما يدعم توظيفه للإبستمولوجيا في غير حقلها العلمي الرسميء تلك العلاقة 
التى أوجدها فوكو (20008101) بين الحفريات والإبستمولوجيا والاستفادة منها 
في أبحائه. قبل فوكو كان ألتوسير (©ووداط]|4) قد وظّف مفهوم «القطيعة 
الإبستمولوجية» مثلا عندما قام بدراسة فكر كارل ماركس. كذلك استفاد فوكو 
من باشلار وغيره في الحفريات التي أنجزها. يرى أن «الأركيولوجيا» عند فوكو 
هي أسلوب في البحث يتعلق بالمجال الإبستمولوجي» أي بكيفية التعاطي مع 
قطاع معرفي محذد. لا علاقة له بالرياضيات أو بالفيزياء مثلاء لا بل إنه يريد 
أن يتوقف عند كيفية التعامل مع قطاع معرفي قد لا يُّهمَ العلوم كثيراء لأنه لم 
يصل بعد إلى مستوى العلم المكتمل. لا يرى أي جدوى من عدم الاستفادة 
من مكتسبات العلوم الأخرى» كالإبستمولوجيا مثلاء في البحث ضمن هذا 
القطاع المعرفي الذي لم يرق بعد إلى مصاف العلم الرسمي. وهو يعتبر أن 
«التراث كله من هذا القبيل» ولكن بطبيعة الحال يبقى الحافر والمحفور 
وأدوات الحفر هي التي تعطي لوناً معيناً للنتائج» وتعطي لون خاصاً حتى 
لعملية الحفر 0 


من هنا يشدّد على خصوصيّة كل فكرء إذ لا أحد مثلاً يمكنه أن ينقل 


(85) المصدر نمسه. ص 586. 
(:*) المصدر نفسه» ص 5146 - ك3ا, 


51 


منهج فوكو وفكره كما هو إلى الثقافة العربية» إلا إذا أراد أن يخرج من إطار 
الثقافة العربية. كذلك بالنسبة إلى كانط (1638) الذي حثل العقل الفلسفىّ 
الأوروبي من خلال منهجه النقدي» والذي تطرّق إلى العقل كمفهوم عام. لذلك 
كان من الضروري التوقف عند الخاص ضمن إطار العام» والاهتمام به. إن 
مختلف الأبحاث غالبا ما تدّعي العموميّة لكن يجب عدم التغاضي عن 
الخصوصية التي تظهر أحياناً لكي تبلور الأساس المخفي. لذلك عندما أقدّم 
على الأخذ من باشلار أو فوكو أو غيرهما فهو كان يضع نصب عينيه العمل من 
أجل تحقيق خصوصية العقل العربي. 


يمكن أن نسأل في هذا السياق: ما مدى التزام الجابري بخصوصية 
الثقافة العربية عندما وظف النظريات الإبستمولوجية حين قام بدراستها؟ 
وبالتالى يمكن أن نبحث فى كيفية استخدامه للأدوات المنهجية الموظفة وفى 
مرجعيتهاء ونذكر بخاصة مفهوم ال «إبستمه» (68)وام8) أو النظام المعرفي 
الذي استوحاه الجابري من فوكو (11نا2عناه50)» من دون أن يحذو حذوه 
بالتفصيل لأنه يريد أن يلتمس لعمله مفاهيمه وتوجيهاته من طبيعة الثقافة 
العرية؛ موضوع 7 


إن كيفية تنظيم علاقة الماضي بالحاضر تُعتبر من أهم التحديات المنهجية 
التي تواجه الباحث في تاريخ م الفكر. حاول العديد من المفكرين التصذي لهذه 
المشكلة عبر أطروحات مختلفة تقدم تصورات عديدة تُسهم في بلورة منهج 
يحدّد علاقة الماضي بالحاضر وكيفية التعامل مع هذا الماضي. بالنسبة 2 
الجابري» المسألة فى غاية الأهمية. وقد حاول التعاطى معها انطلاقاً من أولوية 
الماضي - التراث على الحاضر. إنه عندما تُقَدَّمِ نظرية ما في أحد الميادين 
م ا ا ل الو التي تؤسس هاده 
بهذه البساطة. إن ما 0 لاه على صعيد المنهجء 7 مفاهيم 
الأول - أي في ميدانها هي - تتحوّل عندما يتم توظيفها في مجال آخر إلى 


(*) سوف نفصّل الكلام على هذه المسألة المنهجية في: القسم الثالث» الفصل الثامن» من هذا 
الكتاب. 


707 


«عوائق إبستمولوجية» تمنع عملية الوصول إلى جوهر الأمور في الميدان الثاني 
الذي نقلت إليه هذه المفاهيم. فالماضي في هذه الحالة يُدرس نقدياً من خلال 
آثاره المتبقية منه في الحاضرء وهو أي الماضي - لا يدرس بهدف الوقوف 
على جوهره وحقيقته » بمعزل عن الحاضرهء إنما يُدرس على نحو يجعل النتائج 
المستخلصة تعرّز التفسير الذي يريد الباحث أن يقدّمه للحاضر. ينتقد الجابري 
في هذا المجال التحليل «المادي» الذي قدمه كارل ماركس للتاريخ لأنه «ليس 
«علماً» لتطرّر المجتمعات عبر التاريخ» بل هو تنظير «متحيّزا يُمارّس على 
الماضى الاتتصادي الاجتماعى ‏ فى أوروبا خاصة ‏ الهدف منه لا الكشف عن 
«الحقيقة» كما هيء بل إبراز أو بناء «الحقائق» التي تزكي وتؤكّد النتائج 
المستخلصة من الدراسة المشخصة للنظام القائم في «الحاضر» ‏ حاضر ماركس. 
«وإذن فيجب أن لا ننتظر منها أن تنطبق على التاريخ العربي أو على أي تاريخ 
آخر انطباق التحليل العلمي على موضوعه"". 


5ن أجل أ ايساد الباحت «العرانق الابتعبو لوجي الغ معرقل 
التوضل إلى المعرفة العلمية» عليه أن يقوم ب «تبيئة المفاهيم» المحورية في أي 
منهج قد يستخدمه كأداة تُعينه على إنجاز بحثه. إن عملية التبيئة هذه ضرورية 
وملزمة لكي لا تصبح المعرفة العلمية الصحيحة مستحيلة المنال»؛ وهي ترتكز 
بشكل أساس على طبيعة الموضوع المدروس. وهوء لدى الجابري» التراث. 
نجده يشير عندما قام بتحليل بنية العقل العربي مؤكّداً أنه ٠لا‏ سبيل إلى 
التجديد» والتحديث إلا من داخل التراث نفسه وبوسائله الخاصة وإمكانياته 
الذاتية أولا: أما ومتائل عضرا المتيتحية والمعرقية فيسيه أن تتشعين. بها فل 
ولكن لا بفرضها على الموضوع وتطويع هذا الأخير في قوالبها بل بالعمل. 
على العكس من ذلك» على تطويع قوالبها بالصورة التي تجعلها قادرة على أن 
تمارس قدرتها الإجرائية» أعني وظيفتها كأدوات علمية)”' “. 


إن عملية تطويع المفاهيم بشكل يساعدها على العمل داخل الحقل الجديد 
المنقولة إليه. وذلك من أجل ممارسة إجرائية أفضل. هى ما يعنيه الجابري إذاً 


(59) محمد عابد الجابري» العقل السياسى العربى: محدداته وتحياته. نقد العقل العربى ؛ ؟. اط ؟ 
منقحة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 7 2)). ص 57-7575 


(40) محمد عابد الجابري» بنية العقل العربى : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية . 
نقد العقل العربى؛ ؟' ا طة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. ,)١941*‏ ص 18 6. 


55+ 


ب (اتبيئة المفاهيم». لكن يبقى السؤال مطروحاً حول مدى مشروعية هذه العملية 
التوليفية بين جهاز من المفاهيم الأوروبية المعاصرة ومفاهيم أخرى مشتقة من 
القرات الغرين الاسلامن: 


نجد الجابري يتصدّى لمسألة المشروعية في «تبيئة المفاهيم" الغربية معتبراً 
أنه في البحث العلمي الرصين يمكن الاستغناء عن الكلام على المشروعية» 
لأن كل محاولة يمكن اعتبارها مشروعة»ء وكل اجتهاد هو كذلك. إنه لا يعتبر 
أن المفهوم هو أكثر من قالب أو إطار يتم استخلاصه من تجربة معينة. 
فالمفاهيم الأوروبية المعاصرة اشتقّها واضعوها من الواقع الأوروبي ومن 
التجربة الأوروبية» لكنه عندما استعان بهاء اعتبرها «قوالب». حاول أن يملأها 
من جديد بمضامين أخرى. يرى أنه عندما يوذ القيام ببحث ميدانيىي صرف فإن 
يشير في هذا المجال إلى ما يلي: «ففي التعامل مع التراث أجد نفسي مضطراً 
إلى أن أواصل البحث في هذا التراث نفسه عن مفاهيم وقوالب يمذني بها. 
ولكن لكي أتجاوزها أضفي عليها معنى آخر مع حياة جديدة بربطها بالمفاهيم 
الجديدة (6300)00, 


يمكن أن نلحظ اهتمام الجابري الدائم بالإشارة إلى وفائه لتراثه على الرغم 
من اضطراره إلى الاستيراد من ثقافة أخرى . ومنهجيات مختلفة» فهو يصرّ على 
تمسّكه بالخصوصية والقومية العربية. لكنه في الوقت عينه يلح على انفتاحه على 
العالمية والإنسانية باعتبار أن أي مجتمع كان لا بد من أن يحمل قدراً محدداً 
من العام على الرغم من خصوصيته. فالمفاهيم التي يمكن استخلاصها من 
تجربة أوروبية معيّنة هي بالأساس جزء من تجربة إنسانية» وهي تحمل أيضاً 
«دلالة تاريخية» مرتبطة بهذا المجتمع الأوروبي أو ذاك. يرى أن ما يبرّر 
اضطراره إلى اتبيئة المفاهيم) أو إلى تعميم مفهوم أوروبي خاص» هو كونه 
محاصراً بين ثلاثة خيارات منهجية لا يود اتباعها. 

الخيار الأول المرفوض يمكن في التعامل مع واقعه بواسطة المفاهيم 
الغربية بأخذها كما هي وإسقاطها «كقوالب جاهزة». أما الخيار الثاني الذي يأبى 
تبتيه فهو التعامل مع واقعه انطلاقاً من مفاهيم تراثية والوقوع في التكرارء يبقى 


(41) الجابري. التراث والحداثة: دراسات . .. ومناقشات» ص 859. 


7576 


الخيار الثالث. الأكثر صعوبة وهو إبداع عالم جديد من المفاهيم التي تخصٌ 
الفكر العربي الإسلامي وواقعه الحاضر. 


لذلك جاءت الاستفادة من منجزات الفكر الغربي المعاصر هي الخيار 
الذي اعتمذه الجابري عن طريق تبيئة هذه المنجزات «وتكييفها والسيطرة عليها 
بدل الوقوع تحت سيطرتها». وهو يرى أن هذه هي الطريق التي تمكن الباحث 
من «اشتقاق مفاهيم جديدة (...). إنه نوع من التلاقح الضروري على طريق 
النضج الذي نحن مطالبون به)”"*. 


يبقى أن نشير إلى بعض المفاهيم التي اذت دوراً محورياً في أبحاث 
الجابري؛ والتي عمل على تبيئتها. نذكر على سبيل المثال لا الحصر المفاهيم 
الآتية التي سوف ترد باستمرار في سياق الفصول المتعلّقة بفكره: «الإبستمه» أو 
«النظام المعرفي1: «والقطيعة لمتشيو شي في ما يخص العقل النظري» 
و«المجال السياسي» و«المخيال الاجتماعي» و«اللاشعور السياسي» في ما يتعلق 
بالعقل العملي في بعده السياسي. 


كذلك نود أن نتوقف فى هذا السياق عند خطوة منهجية أثّرت إلى حد ما 
في كيفية تعاطيه مع التراث» قصدنا بها الحدس الذي «يجعل الذات القارئة 
تعانق الذات المقروءة فتعيش معها إشكاليتها ومشاغلها وتحاول أن تطل على 
استشرافاتها””*؟. إنه يقصد أن التراث لا يمكن اعتباره إنتاجاً من صنع التاريخ 
والمجتمع فقط لا غيرء فهو أيضاً «عطاء ذاتي» لا يقدّم نفسه مباشرة للقارئ. إن 
المفكرين عبر التاريخ قد خضعوا لرقابة المجتمع بشكلها المادي والمعنوي؛ ما 
حال دون بروز بعض الآراء الذاتية والأفكار التي تحمل في طيّاتها الكثير من 
التطلعات والاستشرافات الحرة والمتمرّدة. لذلك لم يتم الإفصاح عنها مباشرة» 
إنما من خلال الأساليب اللغوية والمنطقية. من هنا وجد ضرورة العمل على 
«اختراق حدود اللغة والمنطق» من خلال الدرس فى سبيل الكشف عما سكت 
عن فى النص + إوبخاضة أن العديد من الفلاستفة” قد عتروا بعن عرقهه. على تأليب 
كتاب ما يتضمن اراءهم الحقيقية. يذكر الجابري على سبيل المثال الغزالي الذي 
تحدّث عن كتاب المضنون به على غير أهله لكنه لم يصل إليناء كما إنه يشير 


(؟5)المصدر نفيه.» ص 5048 


(4) الجابري» نحن والتراث : قراءات معاصرة في نراثنا الفلسفي. ص .١6‏ 


اما 


إلى كتاب آخر لابن سينا بعنوان الفلسفة المشرقية حيث أودع فيه أهم آرائه 
الخاضة» على ححذ تعبيز ابن سينا زلكق هذا الكتاب يرقى أيضا امحفيا7*؟؟ . 

كذلك يلفت الجابري إلى أن ابن رشد كان قد تكلم على «الحكمة 
البرهانية» التي يجب أن تُطلب من وِبَل «من هم أهل لهاء وأن لا يُصرّح بشيء 
ميا الجمهور : فقيك هن الأخرى ين ص «المضيؤن. نه علنغين أهله)/15, 
من هنا نجده يشير إلى أهمية الحدس في قراءة النص. ولكن ليس الحدس 
بالمعنى الصوفى إنما بالمعنى المتداول فى الرياضيات» والذي هو بمثابة «رؤية 
مباشرة ريادية استكشافية». 


إن الحدس بهذا المعنى يُسهم في استكشاف الطريق واستباق النتائج من 
خلال «حوار جدلى بين الذات القارئة والذات المقروءة»). فيلتزم شروط القراءة 
الموضوعية. إن الحدس الاستشرافي يُسهم في مساعدة الباحث على الكشف 
عماسكت عنه صاحب النص» من خلال العلامات الحاضرة في النص 
والمخفية وراء سياق التفكير ومناورات التعبيرء من دون أن يلغي المنطق. «هنا 
ثقرأ المقدمات بنتائجها والماضي بمستقبلهء وما كان بما «كان سيكون». فيندمج 
الموضوعي مع الأيديولوجي. ويتحوّل «المستقبل - الماضي» الذي كانت الذات 
المقروءة تتطلّع إليه إلى «المستقبل - الآتي» الذي تجري الذات القارئة 
وراعة... فيصبح المقروء المعاصر لنفسه» معاصراً لقارئه)40), 
استنتاجات 

نود أن نسججل في ختام هذا الفصل الذي خصً خصضصناه للم للبحث في منهج 
محمد عابد الجابري أن الكلام على المنهج في دراسة اختارته موضوعا رئيسا 
لهاء لا يمكن حصره في فصل واحدء لذلك سوف نتوقف مراراً في الفصول 
النظري أم العملي» أم في المقارنة بين كل من منهج محمد أركون ومنهج 
محمد عابد الجابري. إن ما توخيناه من خلال هذا الفصل تقديم رسم للخطوط 


(44) نود أن نشير هنا إلى أن هذا الكتاب مخطوط جزئياً» لكنه بقي كذلك لسبب وفاة ابن سينا 
كما قيل. 

(4:) المصدر نفسه. ص 355. 

(85) المصدر نفسه.؛ ص 56, 


وكين 


العريضة والخطوات المفصلية التي تميز بها مشروع الجابري النقديء مع إبراز 
بعضص المفاهيم المحورية التى وجدناها مستخدمة يكثافة عنذه. 


هناك هاجس فى وعى الجابري يدفعه إلى المحافظة على «المعاصرة 
الكباذلة فى عماية السك اليو يشة ف على امرورة أن يعاصر الباحث موضوع 
بحثه وأن يجعل هذا الموضوع معاصراً له في أن معاً على مستوى الوعي 
المدرك لتاريخيته. إن هذا الإصرار على «المعاصرة المتبادلة» من شأنه أن يحقّق 
بحسب رأيه الاستمرارية المنشودة لتقدّم الوعي بواسطة البحث عن الحقيقة. 


إن «القراءة العصرية» للتراث ‏ أي الموضوعية ‏ التي يقترحها ويلتزم 
بتطبيقها تمرّ بمرحلتين: الأولى تكمن في جعل المقروء معاصراً لنفسه. والثانية 
فى جعله معاصراً لنا. الخطوة الأولى تفترض دراسة النص من خلال محيطه 
التاريتفى والاسعياع غير العرقت عن الاشكانية النظرية الفي بطرهها 
والفيكرى الدري واليفيوة الانتيونوشن الدى يكيلة» آنا :التسطرة النائنة 
فهي تطلج ورعةاعالنة من الفهم والمعقولية التي تجعل النص معاصراً لنا. «أما 
القوالب الجاهزة الجامدة» سواء أكانت قديمة أم حديثةء فهي لا تملك أن تقدّم 
غير شىء راحد. هو القزاءة الترائنة للتزائكة التى تتع إل القراءة التزائية اللعضير: 
را مص ا تشعن رت اننا ا ولهراك ااخر وان ا 

أخير ا نعي إلى «المتاهل الرفيطة الى انق .نيا أدواك سديسة لجدة 
يعتمد مرجعيات ومنهجيات فلسفية متعددة» مثل طروحات ديكارت وبعض 
مفاهيم فلسنة الأنوار بخاصة عندما قام بنقد العقل العربي» وركّز على العقلانية. 
كذلك هناك مفاهيم حاضرة استخدمها وهي لباشلار وفوكو وبياجي وألتوسير 
وغرامشي وغيرهم. 

كما يظهر أيضاً ميله إلى الاستفادة من المفاهيم الماركسية في منحاها 
النقدي من دون الالتزام بأيديولوجية الفلسفة المادية. ولا شك في أنه خرج 
بمعظم استنتاجاته عند قراءته التراث العربي الإسلاميء وهو يصرّ على إبراز 
ذلك عندما يشير فى معرض تعداده للمفكرين الذين شكلوا مرجعية له فى أبحاثه 
قائلاً: «لقد قرأت كانط وقرأت باشلار وقرأت فوكو وقرأت غيرهم من الفلاسفة 
والكتّاب الأوروبيين» كما قرأت ديكارت وسبينوزا وليبنتز ولوك وهيومن وقرأت 


(41) الجابري » التراث والحداثة : دراسات . 8 ومناقشات » ص 1 


17 


أفلاطون وأرسطوء وقرأت أيضاً وبدرجة أكبر ابن خلدون والغزالي وابن رشد 
والفارابي وابن سينا والجويني والباقلاني والرازي والطوسي. . . والقائمة 
طويلة ...(...) لا أشغر أني أنتمي إلى واحد منهم بالتخصيص» بل أشعر 
أنني تلميذ لهم جميعاً؛ قد تعلّمت منهم جميعاً. وأهم شيء تعلمته منهم هو ما 
نسيته من آرائهم وتقريراتهم وطرق عملهم. إن هذا الذي نسيته هو الذي 
استعيله وأوظفة قن ها اك 0 

بعد أن عرضنا لأهم الأدوات التي استخدمها الجابري في إنجاز مشروعه 
النقدي سوف ننتقل معه إلى حقل العمل لنواكب مسيرته الفكرية في نقد العقل 
العربي ببُعديه النظري والعملي» وذلك في الفصلين التاليين. 


(18) المصدر نفسه؛ ص ؟7157. 


15 


الفصل (لاس 
مشروع نقد العقل العربي 


عند محمد عايد الجايري 


إن البحث فى العقل العربى وفى آلية اشتغاله هو السمة الأساس التى 
طبعت مشروع الجابري الفكري» وما الأدوات المنهجية التي سبق أن تحدّثنا 
عنها إلا وسيلة من أجل بلوغ هذه الغابة. لكن يمكن أن نلحظ في الوقت عينه 
أن العقل بحد ذاته ليس موضوعا للبحث والتنظير من قبله»؛ فهو اهتم به من 
زاوية إبستمولوجية ولغايات محدّدة سوف نتبيّنها خلال هذا المبحث. لقد اختار 
النقد عنواناً لمشروعه وحصر حدوده ضمن الثقافة العالمة التي بدأت مع عصر 
التدوين فى الثقافة العربية» مستبعداً بذلك التراث الشفهى. كما إنه أطر مجال 
أبحاثه راقها إدخال العقل اللاهوتي والقيام بنقده.» من اكه إصراره المتكرّر 
على عنونة مشروعه ب «نقد العقل العربي» وليس الإسلامي. 

لا بد من البحث بداية فى الأسباب التى دفعته إلى خوض مغامرته النقدية» 
والظروف التى شجعته على ذلك. ناك إسنافن عديدة وأسئلة كثيرة وضعت 
الجابري أمام تحدّي النقدء حاولنا أن نجمعها في نقطتين: 

الأولى تساؤله المستمر عن أسباب الركود في الثقافة العربية» وامتناعها عن 
التطون كبا لكف ره الا زرويية ١‏ 

أما النقطة الثانية فتتلخص بعدم اقتناعه بأنماط الخطاب العربي المعاصر 
البعيدة عن النقد الحقيقي ١‏ ورفضه إياها. 


لذلك سوف نجده يصرٌ فى سياق أبحاثه على إيجاد الأسباب التى أدّت 


1 


إلى فشل الثقافة العربية في الانطلاق لتحقيق المشروع النهضوي كما حصل في 
أوروباء كما إنه يلح على انتقاد القراءات المعاصرة للتراث لأن شاغلها 
أبديولوجي ظرفي وهي ما برحت تهتم باكتشاف ما تريده والبرهنة عليه لا غير. 


لا شك في أن الجابري ليس أول من تساءل عن أسباب الركود في الفكر 
العربي. لكنه يبتغي من خلال سؤاله أن يرسم إطاراً آخر للبحث قصد به الإطار 
الإبستمولوجي الصرف. فهو يصوغ السؤال على الشكل التالي: «لماذا لم تتطوّر 
أدوات المعرفة (مفاهيم. مناهج. رؤية...) في الثقافة العربية خلال نهضتها في 
«القرون الوسطى» إلى ما يجعلها قادرة على إنجاز نهضة فكرية وعلمية مطردة 
التقدم على غرار ما حدث في أوروبا ابتداء من القرن الخامس عشر؟”"©. 

إن طرح مسألة التأخر على الصعيد الإبستمولوجي هو الإطار الصحيح 
للبحث بالنسية إليه» أي يجب الاتجاه مباشرةً إلى العقل العربي الذي بدأ 
يتماعس البتهى :إلى التخلى عن دوز من هنا سوف تال أبحاثة متحى تكوينياً 
في البداية؛ ومن ثم سيعمل على تفكيك بنية العقل العربي بحثاً عن أسباب 
تخلفه عن مواكبة التقذم. هذا ما سنتناوله بتوسّع في سياق هذا الفصل» لكن 
نود أن نشير هنا إلى أن بداية المشروع النقدي عند الجابري جاءت مساوقة 
قراءته للخطاب العربي المعاصر. 


أولاً: فى نقد الخطاب العري المعاصر 
من يقرأ مؤلفات محمد عابد الجابري بكاملها يلحظ نوعاً من عدم الموافقة 
على آلية الخطاب العربى المعاصر فى مختلف تجلياته» يظهر ذلك إما صراحة 
من خلال النقد المباشر»ء وإما عبر الاستدلال عليه من بين الأسطر. لقد اهتم 
بدراسة هذا الخطاب وتفكيكه فكرّس له أكثر من فصل في أكثر من كتاب» لكن 


الأبرز هو ما كتبه في بذاية مسيرته الفكريةء عنينا الخطاب العربي المعاصر: 
دزانة تخلطلية 0 


إن فشل المشروع النهضوي العربي في تحقيق مبتغاهء وتزايد الأزمات 


)١(‏ محمد عابد الجابري» تكوين العقل العربي. نقد العقل العربي؛ .١‏ ط © (بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية» .)١991١‏ ص 77”0, 


(؟) محمد عابد الجابري» الخطاب العربى المعاصر : دراسة تحليلية نقدية. ط 0 (بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية. .)١194‏ 


ل 


الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. قد دفعا الجابري إلى البحث فى 
الأسباب». والقيام بقراءة «تشخيصية» تهدف إلى إظهار عيوب الخطاب العربي 
المعاصر وليس إلى بناء مضمونه مرة أخرى. إنه يريد أن يكشف عن التناقضات 
التي يحملها هذا الخطاب لكي يجبره على تفكيك نفسه. فهو لا يهتم بمضمونه 
الأيديولوجي» ولا بمحتواه المعرفي» إنما يود أن يتوقف عندهء لأنه ٠ايحمل‏ 
علامات العقل الذي ينتجه». يرى الجابري أن ميداناً واحداً «لم تتجه إليه 
أصابع الاتهام بعد. وبشكل جدّي صارم» هو تلك القوة أو الملكة أو الأداة 
التي بها ايقرأ) العربي وايرى» و«ايحلم» و«يفكرا وايحاكم؟.. : إنه «العقل 
العربى» ذاته»”© 


لذلك نجده يهتم بتفكيك العقل العربي انطلاقاً من نقد الخطاب العربي 
الحديث والمعاصر الذي صتفه إلى أربعة أصناف: الخطاب النهضويء 
والخطاب السياسى» والخطاب القومى» والخطاب الفلسفى» معتمداً فى ذلك 
المعيان ا لاتسموار عي ل الأبديزلوسي الكند يسع انمد لقصل هر اده 
إجراء منهجي», إنه عبارة من أقواس موقتة تساعده على الفصل بين قضايا 
مترابطة بطبيعتها. يلحظ أن هناك ترابطا بنيويأ بين قضايا الخطاب السياسى 
والخطاب القومي بخاصة؛ مثلاً في مجال الكلام على الديمقراطية يه 
وعلى أهداق القومية من جهة أحخرىء كذلك: يستشف. تداخلا بين قضية «الدين 
والدولة» في الخطاب الع بق ؛ وقضية «الإسلام والعروبة»» أو بينهما وبين 
قضية «الدولة القومية» في الخطاب القومي. إن الأمر سيان في ما يتعلق 
بالخطاب الفلسفي والخطاب النهضوي. لقد برهن على أن الخطاب الفلسفى 
الحديث والمقافير ينخرط في الإشكالية العامة للخطاب النهضوي ألا ل 
«الأضالة واللمعاصرة)ء هالشطاب الفلسقى التي يعد »تاضيل) الفلسفة 
الإسلامية موضوعاً لهء أو الذي يبغي «تشييد" فلسفة عربية معاصرة» كلاهما 
مندرج تحت عنوان الأصالة والمعاصرة. 


كذلك» إن هذه الإشكالية قد طبعت الخطاب السياسى فى تناوله قضايا 
«الدين والدولة» و«الإسلام والعروبة» و«الشورى (الدممشراطيةة هناك دائماً 
طرفان: الأنموذج العربي الإسلامي» أي الأصالة من جهة» والأنموذج الأوروبي 
المعاصر»ء أي المعاصرة من جهة أخرى. كما إنه يبرهن كيف أن الخطاب القومي 


زفرق المصدر نفسه » ص 4 


رفي 


يقع في إطار هذه الإشكالية حتى ولو أنه بدا ظاهراً وكأنه خارج عنهاء إذ إن نقطة 
انطلاقته تكمن فى «الأصالة القومية». يعتبر «أن مقولة الوحدة» كما توظف فى 
الخطاب القومي لا تتخُذ كمرجع لها لا الحاضر ولا المستقبل» بل الماضي» 
وعلى التحديد «الماضي الثقافي» الذي تحمله اللغة العربية «حيا» خارج الزمان 
والمكان. إنها «اللغة ‏ التاريخ» التي 3ك الإطار المرجعي الأساسيء إن لم 
يكن الوحيد؛ للخطاب ا 0 . إن مفهوم «الوحدة» في الخطاب القومي يعني 
تحديداً «العودة إلى الأصل» من أجل تحقيق الأهداف القومية. 


من هنا يأتي تركيز الجابري في كتابه الخطاب العربي المعاصر على 
العاف الذى عفنت هذا الحطات في اعافد كانة "اذ درف أذ عيدالة 0 م 
ضرورياً بين القضية ونقيضها أو بديلها. إن النهضة مثلاً كمقولة تنتظم داخل 
الخطاب الي المعاصر ضمن علاقة تلازم مع مقولة نقيضة هي «السقوطا. 
أي سقوط الآخر. فالنهضة تُحدّد بالسلب دائماً. كذلك يظهر التناقض فى 
استخدام مقولة الأصالة التى تفرض نفسها في هذا الخطاب عن طريق الما 
لمقولة المعاصرة. والعكس صحيح كذلك. هكذا تُعرّف الأصالة أيضاً انطلاقاً 
من السلب» فهي تعني عدم «ابتلاع) العصر للإنسان العربي» والمعاصرة تفيد 
عدم الجمود في القديم. وقضية العلمانية مماثلة أيضاً للأصالة. عندما يتم 
البحث فيهاء لا يراد بذلك «فصل الدين عن الدولة» إنما إعادة ترتيب العلاقة 
بين الدين والدولة على نحو يضمن حقوق كل من الأقلية والأكثرية في آنه 

لقد فشل الخطاب العربي الحديث والمعاصر في إخفاء تناقضاته وفي 
إضفاء نوع من المعقولية على مضمونه. لم يتمكن من تبرير نفسه كخطاب يرى 
الح النهضري»2 أو 0 الوحدوي الإخراتي ص خلال 0 من 1 


للد يقي سسجين. القتضداي! البذائل أو النقائض التي ينها لكي بتري بذ لامر 
في آخر المطاف إما إلى رمي القضية على عاتق المستقبل» وإما إلى الإقرار 
الصريح بالوقوع في أزمة. يؤكد الجابري في هذا المجال «أن زمن الفكر العربي 
الحديت والمعاصسن زمن عيبت أو قابل. لأن عامل كرمن ميشه )0ل 
لماذا إذا هذا الإخفاق؟ وما هي أسبابه؟ 


(:) المصدر نفسه» ص 16 
(5) المصدر نفسهء ص 195. 


57 


إن العقل العربي قد فشل في صياغة خطاب متّسق حول القضايا التي 
طرحت عليه خلال قرن من الزمن» فلم يتمكن من بناء أيديولوجية نهضوية 
يرتكز عليها على مستوى الحلمء كما إنه لم يبلور نظرية ثورية تقوده على 
مستوى الفعل والتغيير. هناك مظاهر عديدة لهذا الفشل وأسباب كثيرة أدّت إليه. 
كذلك إن التداخل البنيوي بين قضايا الخطاب العربي الحديث والمعاصر يجعل 
من سبب الفشل في إحداها ينطبق على الأخرى. سوف نحاول أن نحصر مكامن 
هذا الفشل وأسبابه بسبع نقاط : 


١‏ - يرى الجابري أن الخطاب النهضوي لم يتمكن من تحميل مشروع 
النهضة مضموناً واضحاً طيلة قرن من الزمن. لقد استلّ تحديداته للنهضة العربية 
من «الوعي العربي بالمسافة الواسعة والهوة العميقة بين واقع السقوط أو 
الانحطاط في 0 العربية المعاصرة. وواقع التقدم وإطراده في 0 «الآخراء 
العالم الأوروبي»” لقد أمفل الخطاب النهضوى ي الواقع في حركته ومساره 
التغيري» واهتم فقط بالنظرة الماساوية القى تسلط الضوء على الفرق بين 
انحطاط الحياة العربية ونمو العالم الأوروبي. كذلك لم يتمكن هذا الخطاب من 
صياغة «مشروع نهضة ثقافية»: سواء على صعيد الحلم أم على صعيد التخطيط 
العلمي. لقد ضعف في مواجهة قضية «الأصالة والمعاصرة» التي تهدف إلى 
التوفيق بين مرجعيتين مختلفتين إلى حذ التنافس والصراع؛ إنهما سلطة 
الأنموذج العربي الإسلامي كما تبلور في القرون الوسطى» وسلطة الأنموذج 
الذي عرفه العالم الأوروبي المعاصر. إن سبب هذا الفشل بالنسبة إلى الجابري 
في عدم تمككن الخطاب العربي من بناء حلم نهضوي خاص بهء يعود إلى أمر 
مهم وهو أن هذا الخطاب «كان وما زال يملك نفسه»»ء فتارة نراه يتكلم باسم 
واحدة من السلطتين» وتارة أخرى يتبتّى مواقف السلطة الأخرى المنافسة. لذلك 
يمكن أن نفهم سبب التناقضات التي عرفها هذا الخطاب. 


؟- يعتبر الجابري أن الخطاب السياسي في الفكر العربي الحديث 
والمعاصر 5 هو الآخر في التناقض من خلال التأرجح بين الأنموذجين 
المذكورين أعلاه. إنه» على الرغم من تعدّد اللافتات المرفوعة واختلاف الأسماء 
المذكورة». فالمضمون يبقى واحدا. إن كل لافتة «تطرح معادلة من طرفين 
متناقضين أو متدافعين يراد إبجاد قيمة ثالثة تجمع بينهما: الدين والدولة» الإسلام 


)03( المصدر تقسيةء ص 1١955‏ 


ا 


والعروبة؛ الجامعة الإسلامية والوحدة العربية» حقوق الأقليات وحقوق الأغلبية» 
الديمقراطية والأهداف القومية»”"'. إن كل هذه القضايا بقيت مرجأة وأحيلت على 
المستقبل» إذ لم يتم تناولها بجدية علمية كما يجب. لقد بقي الخطاب السياسي 
مكانه» ولم يعرف التقدّم حتى خطوة واحدة. 

“" - كذلك هي حال الخطاب القومي. إنه فشل في صياغة نظرية قومية» وبناء 
حلم وحدوي مطابق لهذه النظرية. إن المفكرين القوميين المتحمّسين لم يتمكنوا 
من رفع مستوى الخطاب. إذ بقي أسيراً لمعادلة «الأصالة والمعاصرة» صاحبة 
الحل المستحيل. هناك نوع من «التلازم الضروري» افترضه الفكر العربي بين 
«أطراف ما زالت كلها في عالم الإمكان (الوحدة» الاشتراكية» تحرير فلسطين)" 
الأمر الذي يسمح بإعطاء هذا التلازم «قيماً متعدّدة ومتباينة بل متناقضة» ويجعل 
الخطاب يسقط في تناقضات لا حل لها بل يتحوّل إلى خطاب نقائض)!". 


لقد أولى الجابري الخطاب القومى اهتماماً خاصاًء ودرس تجلياته كاشفاً 
عن مكامن ضعفه. وهو يرى في عملية التلازم هذه مأزقاً كبيراً وقع فيه هذا 
الخطاب على الرغم من حماسة المفكرين وإخلاصهم» وعلى الرغم من احتلال 
هذا الخطاب الساحة الفكرية خلال سنوات عديدة. 


- إن مواضع المشل في الفكر العربق الحديث والمعاصر تظهر كذلك 
في الخطاب الفلسفي الذي انخرط أيضا في إشكالية النهضةء فبقي هو الآخر 
يناقض نفسه من دون أن يحقّى طموحاته. «لقد كان غياب العمل في أنواع 
الخطاب السابقة غياباً وظيفياً. أما فى الخطاب الفلسفى فغيابه ماهَّويّ أيضاً. إن 
ما هو غائب هنا ليس المعقولية وحدها بل العقل ذاتهء (...)6*0. من هنا 
يرى الجابري صعوبة تأصيل الفلسفة أو إنتاج فلسفة معاصرةء ما دام العقل 
مغيّب عن الساحة الفكرية. يشير هنا أيضاً إلى ضرورة الفصل فى مجال الخطاب 
الفلسفي بين المحتوى المعرفي والمضمون الأيديولوجي». فهو يرى أن الفلسفة 
العربية الإسلامية كان لها محتوى معرفيّ ينتمي بشكل أساس إلى الفكر اليوناني. 
أما المضمون الأيديولوجي فيتعلّق بالفكر العربي الإسلامي عن طريق السياسة 
والصراعات الاجتماعية السائدة. إن فعل التفلسف في الإسلام كان يتمحور حول 


372( المصدر نقسة ٠»‏ ص 195. 
(8) المصدر نفسهء ص .١99‏ 
(9) المصدر نفسه. ص لا9١.‏ 


1 


توظيف المحتوى المعرفي اليوناني من أجل تحقيق أهداف أيديولوجية في خدمة 
طرف ما من الأطراف المتصارعة في حينه. 


يؤكد الجابري أنه على الرغم من الفرق الذي يميّز الفكر النهضوي العربي 
الحديث والمعاصر عن الفلسفة الإسلامية إيّان القرون الوسطى» سواء على 
الصعيد المعرفي أم على الصعيد الأيديولوجي» على الرغم من هذا الفرق فإنهما 
يجتمعان في أمر جوهريء إذ إن كلا منهما ليس أكثر من قراءة» أو قراءات لفكر 
آخر. لقد أهمل الخطابان قراءة تاريخهما الخاصء. فانشغلت الفلسفة العربية 
الإسلامية بتقديم قراءات مستقلة للفكر اليوناني مع توظيف لمادتها المعرفية في 
أهداف أيديولوجية خاصة. كذلك انشغل الفكر النهضوي العربى الحديث 
والمعاصر بدوره بإنتاج قراءات لفكر آخر وهو إما التراث وإما الحداثة مع توظيف 
مضامين هذه القراءات الأيديولوجية فى خدمة هدف أيديولوجي أعم وهو 
«النهضة' أو «الثورة» مثلاً. يمكن أن نستنتج في هذا الإطار «أن الأيديولوجي في 
التراث العربي الإسلامي وفي الفكر الأوروبي الحديث والمعاصر يقوم بالنسبة إلى 
الأيديولوجيا العربية المعاصرة مقام المادة المعرفية مما جعلها ذات طابع 
أيديولوجي مضاعف: توظيف أيديولوجي للأيديولوجيا»””". 


يُحمّل الجابري القسم الأكبر من مسؤولية الفشل الذي عرفه الخطاب 
العربي الحديث والمعاصر. في مختلف فئاته» لما يسميه «بهيمنة النموذج 
السلف» على هذا الفكرء وعلى الية اشتغاله. إن «النموذج السلف») هو 
المسؤول عن أكثر الأمور التي تعيق تقدّم الخطاب العربي»؛ وهو الذي يمنم 
الفكر العربي من مواجهة الواقعء فجاء الخطاب المعبّر عن هذا الواقع مرتكزاً 
على الطيكات الذهية بدلا عن استنادة إلى المعطيات الرائعة: ذلك تسد أن 
النموذج - السلف» مسؤول عن وضع الذاكرة مكان العقل. فهي التي تنوب 
عنه وتقوم بعمله. هكذا فقد حلت العاطفة و«اللاعقل» مكان العقل» لأن العودة 
إلى السلف لا تتطلب جهداً عقلياء فالذاكرة هي التي تقوم باستحضار السلف 
لكي يتم البناء عليه. والتحرّك في إطاره. لقد أصبح الخطاب العربي الحديث 
والمعاصر لا يتحدث باسم ذات واعيةء لها استقلالهاء وشخصيتهاء إنما 
يتحدّث باسم «نموذج - سلف» هو بمثابة سلطة مرجعية تعتمد بالدرجة الأولى 
على توظتب الذاكرة. من هنا يمكن اعبار عدا خطاب الذاكزة ولييج الحقل : 


(١٠)المصدر‏ نفسه. ص .5١٠١‏ 


فض 


وهو أمر خطير على الصعيد الفكري. «ذلك أن المفاهيم في هذه الحالة ترتبطء 
لا بالواقع الذي يتحدث عنه الخطاب. بل بواقع آخر هو الذي يؤسّسء» في 
الوعي والوجدانء النموذج ‏ السلف صاحب السلطة المرجعية الموجهة)''". 


من الضروري أن نشير هنا إلى أن الجابري لا يعني ب «النموذج ‏ السلف» 
التراثالعريق الإسلامي فقط إنما أيضاً الفكر الأوروبي. لأن آلية «الاستنساخ» 
هي واحدة في الحالين. فالمفاهيم المستعارة من المرجعيتين لا تعبّر عن الواقع 
المعاش» لذلك كان الانقطاع بين الفكر وموضوعه. الأمر الذي يؤذي إلى جعل 
«الخطاب المعبّر عنه خطاب تضميني» وليس خطاب مضمون2"0". إن المفاهيم 
تُصاغ عادة «بعدياً» لكي تعبّر عن واقع قد تحمقّق أو في طور التحقيق» أو حتى 
توافرت شروط تحقيقه؛ أما فى ما يتعلق بالخطاب العربى الحديث والمعاصر 
فالوضع مختلف. إذ إن المفاهيم في معطى «قبلي"» (هه لامع همه ةرط) يتم نقلها 
جاهزة إلى المجال التداولي العربي» وتُستخدم من دون تحديدء فتُنتج عند ذاك 


5 هناك سبب آخر لفشل الخطاب العربى الحديث والمعاصر يكمن فى 
دا را بنة] التقطابه ادام تبي اندر فز ٠"‏ ححصي كك انيه امسق عن رف 
مسائين انور وسح ماسو 7 رع لذلك كان الطابع الأيديولوجي هو 
المسيطر على هذا الخطاب. يعتبر الجابري أنه عندما تتخذ الأيديولوجيا فى أي 
خطاب مهمّة إخفاء الثغرات وحجب النقص المعرفي» يصع من الصهب هذا 
الاعتراض على الأطروحات التي يحملها هذا الخطاب ويدافع عنها. إن كل 
معارضة أو نقد سيواجه بالمزيد من التعصّب الأيديولوجي والابتعاد عن الواقع. 
هكذا تتفاقم عملية التمويه الأيديولوجي. وتضعف من وهج النهضة. 


إن الصراع الأيديولوجي الذي ضبجت به الساحة الفكرية العربية المعاصرة 
يعكس النزاع الحاصل بين مرجعنين تتمتّع كل منهما بسلطة محذددةء وزمان 
ثقافي خاصء وأيديولوجيا مختلفة عن الأخرى. هناك من جهة السلفي الذي 
يفكر ضمن الحقل المعرفي - الأيديولوجي الذي عرفته القرون الوسطى في 
الحضارة العربية الإسلامية. وهناك من جهة أخرى الليبرالى العربى» والماركسى 
العربى اللذان يفكران انطلاقاً من الحقل المعرفي الأيديولوجي الذي أنتجته 


(١١)المصدر‏ نقسهء ص .١198‏ 
( المصدر نفسه. ص ,.١98‏ 


لما 


أوروبا. من هنا نجد ضرورة النظر إلى الصراع بين السلفية الليبرالية أو بينها 
وبين الماركسية كنتيجة لفقدان سلطة معرفية واحدة. هناك تعذد واختلاف بين 
السلطات المرجعية المعرفية التى تهيمن على هذا التيار الثقافى أو ذاك؛. ما 
يود إن لعفاف الوكنة المدرفة في أدنى درجاتها والتي عإفكاتينا أن ترفع 
الصراع إلى المستوى النظري فتجعله صراعاً أيديولوجياً عن جدارة. «فإننا هنا 
في العالم العربي نفتقد إلى الحذدّ الأدنى من المعرفة» العلمية الموضوعية. 
بالواقع. الحد الأدنى الذي يشكل «القاعدة) التي تقوم عليها كل أيديولوجيا 
مطابقة والذي يجعل الصراع صراعاً أيديولوجيا فعلاء وليس «كلاماً» في 
الأيديولوجيات التي تعرض نفسها على الساحة)”"". 

إن العلاقة بين الفكر والواقع في الأيديولوجيا التي ينتجها الخطاب العربي 
الحديث والمعاصر هى شبه غائبة. وقد أثْرْ هذا الأمر فى جعل سبب الخلافات 
التاوية نوالا يول سية الغتروةة كادف الدليلة ادبي المتكلة كم حم دن 
من أن يكون السبب في تعدّد القراءات التي تحاول تفسير الواقع. لذلك يمكن 
أن نلحظ ابتعاد هذا الخطاب عن الواقع الملموس نحو قضايا كان قد استعارها 
من «النموذج - السلف). 

يتوقّف الجابري أخيراً في سياق بحثه في أسباب فشل الخطاب العربي 
الجوية والمعا صر كد سال دهمت تك فق لبد امها ل لقف الغررى الكتريف 
والمعاصر. وهي آلية القياس الفقهي نفسه. يرى أنه عندما نضع السلطة المرجعية 
خارج الواقع ونعتبرها كأصل أو كنموذج - سلف. فالعقل يصبح مضطراً لقياس 
الفرع على الأصل. الفرع هنا يتجلى في القضايا المستجدة على صعيد الواقع. 
والأصل نجده في «النموذج ‏ السلف». إن هذه الآلية تُستخدم فقط في مجال تفسير 
العالم؛ بل إنها تفرض نفسها على الذهن العربي حتى في الحالات التي يتجّه فيها 
التفكير إلى ١تشييد»‏ أيديولوجيا «انقلابية» أيديولوجيا «تغيير العالم) الغول 7 

إن الاكتفاء بعملية القياس هذه من شأنه أن يؤدّي إلى إهمال تحليل الواقع 
على حساب التوجّه نحو النصوص المرجعية التي تتخَذ قيمة مطلقة وكل ما سواها 
يقع ضمن إطار النسبي. هناك إذا نوع من التلازم الضروري بين اعتماد «النموذج - 
السلف» كمرجعية وبين تطبيق القياس الفقهي كوسيلة للاستدلال. إن هذا الأمر قد 


,5١١ المصدر نقهف ص‎ )١( 
5 نفسه ص‎ ردصملا)١8(‎ 


الحم 


جعل وظيفة الفكر محصورة «في البحث عن قيمة ثالثة تجمع بين الأصل والفرع» 
وبكيفية عامة بين أي طرفين يمكن أن يقوم بينهما ترابط ما. ومن هنا يطغى الطابع 
التوفيقي المهيمن على كل فكر قياسي» حيث يتم التعامل مع الأضداد أو مع أي 
عحصرين بتع نيما تعار قن ما + على أسامة إيجاد «صيغة جديدة» تتحقّق 
بينهماء على صعيد الخطاب» نوعاً من المصالحة أو الهدنة)0". 


سوف يتبيّن لنا في سياق هذا الفصل رفض الجابري آلية الربط أو القياس 
الثفين انون فقطكها ليرس فزن الطاب العوييع انعد يقوارا لجف موي كن 
أيضاً في بنية العقل العربي ذاته؛ لأن في الحالين بعداً من التحليل والإبداع 
والمراجعة النقدية. إنه يعتبر كل تحليل محاولة لحصر اهتمام الفكر بالموضوعء 
وكل توفيق محاولة لحصر عمل الفكر في عناصر الخطاب وفي صورته. هكذا 
يتساوى الممكن بالواقع فيتمٌ التعاطي مع الممكنات الذهنية باعتبارها معطيات 
واقعية ولم بعد وارداً التمييز بينها. لذلك عالج الخطاب العربي الحديث 
والمعاصر قضاياه من خارج الواقع؛ واكتفى بتقديم خطاب يبحث عن قيمة ثالثة 
أو عن «صيغة جديدة» لكي يجمع بين الأصالة والمعاصرة مثلاً. أو الدين 
والدولة. أو الإسلام والعروبة؛ أو الشورى والديمقراطية. أو غيرها من 
المفاهيم التي شغلت هذا الخطاب. 


بعد أن توكقت التجابرئ: عدد الخطات العريئ الحديث والمعاصر مشخضا 
أعراض فشله ومفتداً خصائصه؛ وبعد أن مهد الطريق لإطلاق مشروعه التقدي. 
توجّه إلى البحث عن جذور خصائص هذا الخطاب في تاريخ الثقافة العربية 
الإسلامية. فهو يعتبر أنه كان من الضروري البدء بحالة العقل الدينامية» 
والتعزف إليه من خلال القضايا التى يعالجها لإبراز وتشخيص ما يُخفي من 
عيوت» الها الأ عر سيل العون إلن: نقد القن الدى: سد عه عن البعطات. 
فهو الذي تميّز ‏ كما رأينا ‏ بهيمنة «النموذج ‏ السلف» عليه؛ وبرسوخ آلية 
القياس الفقهي» وباعتبار الممكنات الذهنية وكأنها معطيات واقعية» كما تميّز 
يتوظيف الأيديولوجيا من أجل إخفاء النقص في الجانب المعرفي بالواقع 


إذأء بعد أن تمّ تشخيص العلل التي أدَت إلى تهافت عملية النهضة. لا بذ 
من البحث عن علاج يحذ من ظاهرة الفشل هذه. لكن قبل ذلك سوف نبدأ 
بتحديد العقل لَغْةٌ وفي القرآن» ونبورّر تمييزه بين الفكر كأداة والفكر كمحتوى» 


.5١” المصدر نفسه. ص‎ )١5( 





أو بين العقل المكوّن والعقل المكرّنء. لكي نشير لاحقاً إلى كيفية تحديد العقل 
في الثقافتين اليونانية والأوروبية. ومن ثم ندخل مع الجابري في خصوصية 
العقل العربي وفي خياره نقد العقل العربي وليس الإسلامي» وفي كيفية تحديده 
هو لهذا العقل لغةَ وفكراً. لكي نصل في ما بعد إلى آخر خطواته المنهجية التي 
كلل بها مساره النقدي في مجال العقل النظري» ونعني بها هناء الغوص في 
بنية العقل العربي وتفكيك نظمه. 


ثانا فى تحديد العقل 


١‏ العقل لغة وفي القرآن 

إن لمادة «ع. ق. ل.» في القاموس العربي دلالات عديدة لكنها مرتبطة 
كلها بالسلوك والأخلاق بشكل عامء والأمثلة كثيرة في لسان العرب. فالعاقل هو 
الذي يرد نفسه عن هواهاء وهو مأخوذ «١من‏ عقلتٌ البعير إذا جمعت قوائمه». 
والعقل هو الذي يمنع صاحبه من «التورّط في المهالك» أي 0 أما في 
القرآن فالمعنى القيمي وارد أيضاً في استخدام «عقل». وهو يعني التمييز بين 
الخير والشرء وبين الهداية والضلال. يشير الجابري ‏ كما لحظ محمد أركون 
في القسم السابق من هذه الدراسة ‏ أن لفظة «العقل» لم ترد البتة في صيغة 
الاسم إنما في صيغة الفعل. فقد ورد في سورة البقرة آية ١0١‏ ما يلي: #ومثلٌ 
الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الإدعاء ونداء؛ صم بكم عمئ فهم 
لا يعقلون». كما ورد في سورة الأعراف,» الآية 8 المعنى التالي: #لهم 
قلوب لا يفقهون بهاء ولهم أعين لا يبصرون بهاء ولهم آذان لا يسمعون بهاء 
أولئك كالأنعام بل هم أضل ». أولئك هم الغافلون». إن لفظة قلب وردت هنا 
بمعنى العقل. 

كذلك «يمكن أن نلمس من خلال الدلالات المختلفة لكلمة «عقل» 
والكلمات الأخرى التي في معناها ما يمكن ربطه بالنظام والتنظيم» ولكن حتى 
في هذه الحالة يظل الجانب القيمي حاضرا دوما. فالنظام والتنظيم في المجال 
التداولى للكلمات العربية المذكورة متّجه دوماً إلى السلوك البشري لا إلى 
الطبيعة وظواهرها»!9". 


(0) الجابري» تكوين العقل العربي . ص 1-1 


ديلا 


نود أن تشيرن .هنا إلى أن هذا التأويل الذي يقدذمه الجابري لمضامين 
مصطلح العقل لغ واستعمالا جاء أحادي الجانب» لأن المادة والمضمون هما 
أغزر بكثير مما ذكره في هذا السياق تحديداً. لقد حصر معنى هذا اللفظ بما تم 
تحديده إنَان عصر التدوين فقط. 


طاول مفهوم العقل في الفكر اليوناني من جهته المجال الأخلاقي» بخاصة 
عند الرواقيين الذين جعلوا الحكمة في العيش انسجاما مع الطبيعة» وهي تعني 
بالنسبة إليهم «اللوغوس» أو «العقل الكلى». إن «أخلاق العقل» عند الرواقيين 
تتخذ من «الواجب» ركيزة لهاء لكن مع الإشارة هنا إلى أن أساس العقل هو 
معرفي ومن ثم امتدّ إلى الأخلاق. وذلك على عكس الفكر العربي الذي ركز 
مفهوم العقل على قاعدة السلوك. 


لقد انجه الفكر اليونانى من المعرفة إلى الأخلاق» أي انه أسّس الأخلاق 
على المعرفة» أما الفكر العربي فقد سلك الطريق المعكوسة:ء أي أنه أسس 
المعرفة على الأخلاق. لذلك انحصرت مهمة العقل في الفكر العربي بالتمييز 
ضمن موضوعات المعرفة بين الخير والشرء أو بين الحسن والقبيح» ولم تعد 
المعرفة؛ كما عند اليونان». عملية اكتشاف العلاقات التى تربط بين ظواهر 
الطببعة كما ها لم عمد تهعم شح التجال أمام المقل: لك يكتشف نه من 
خلال الطبيعة. من هنا تحددت مهمّة العقل بحمل صاحبه على القيام بما هو 
حسن وتجتب ما هو قبيح على صعيد السلوك. إذ إنه من خلال ذلك يمكن 
الاستدلال على وجود عقل لديه. 


يرى الجابري أن تأسيس العقل على الأخلاق يجعله محكوماً بالنظرة 
المعيارية إلى الأشياء» فيهتم بالبحث عن مكان هذه الأشياء داخل منظومة القيم 
المعتمدة كمرجع للتفكير. والنظرية المعيارية تقابلها في مجال الفكر النظرة 
الموضوعية التي لا تبحث إلا في الأشياء عن مكوناتها وتكشف عن الجوهر 
الذي فيهاء فهي تركز عملها على الشيء ذاته» أي على الموضوع. من هنا 
كانت النظرة المعيارية «نظرة اختزالية» تختصر الشيء في قيمته» وبالتالي في 
المعنى الذي يضفيه عليه الشخص (والمجتمع والثقافة») صاحب تلك النظرة. أما 
النظرة المرضوعيّة فهي نظرة تحليلية تركيبية: تحثزل الشيء إلى عناصره 
الأساسية لتعيد بناءه بشكل يبرز ما هو جوهري فيه)237, لن نطيل الكلام على 


(10) المصدر نفسهء ص 57 


58 


النظرة المعيارية لأننا سوف نتوقف لاحقاً فى هذا الفصل عند خصوصية العقل 
العربي» وذلك مقارنة مع العقل اليوناني والعقل الأوروبي» لكئنا نود أن نشير 
هنا إلى ضرورة التمييز بين عقل وفكرء أو بين العقل المكوّن والعقل المكوّن. 


؟ ‏ العقل المكوّن والعقل المكوّن 


يبدأ الجابري البحث في تكوين العقل العربي بالإشارة إلى الفرق بين 
العقل. والتكر إنه ورك" أن لمطة دكن كديا ندر نا امصقة تح شتا ما عكر 
عربي مثلاًء فهي تعني مضمون هذا الفكر من دون سواهء أي أنها تعني 
مجموعة الآراء والأفكار التي يعبّر من خلالها هذا الشعب عمًا يهمّه ويشغله» 
وعن قيمه الأخلاقية ومعتقداته وطموحاته فى المجال السياسى والاجتماعى. إن 
الفكر هنا يقي الأبديولوجيا» :هذا مرح لا بود الوقوع ين الذلك تتجده لا يهقم 
بالأفكار بحد ذاتها إنما بالأداة التى تنتجهاء لأن هناك تداخلاً مهما بين الفكر 
كأداة تنتج الأفكار»ء والفكر كمجموع هذه الأفكار نفسهاء نجده مخفياً وراء 
المزج القائم بين الفكر والأيديولوجيا. إن التداخل القائم بين الفكر كأداة والفكر 
كمحتوى لا يمكن تجاهله. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الفكر هو نتيجة 
للتفاعل مع المحيط الاجتماعي والثقافي الذي يتعامل معه سواء كان أداة للتفكير 
أم الأفكار ذاتها. بمعنى آخرء يجب الأخذ بالاعتبار المحيط الاجتماعي الثقافي 
في عملية تكوين خصوصية الفكر. من هنا كان الفكر العربي على سبيل المثال 
عربياً اليس فقط لكونه تصوّرات أو آراء ونظريات تعكس الواقع العربي أو تعبّر 
عنه بشكل من أشكال التعبير» بل أيضاً لأنه نتيجة طريقة أو أسلوب في التفكير 
اهيف كن كناها جيل سداق مده الواقي العرين سد وك مطداهر 
الخصوصية فيه»!*'". لكن ما هي العلاقة تحديداً بين الفكر والثقافة؟ 

إن الثقافة تشمل في طيّاتها مجموع أنواع الإنتاج الروحي كما المادي» 
وتشمل كذلك مختلف السلوكات الاجتماعية والأخلاقية» كما إنها تعنى أيضا 
الإنتاج النظري البحت. هناك في داخل الثقافة خصوصية ما مرتبطة بشعب معيّن 
أو أمة محددة» وهي ترجع إلى الإطار الجغرافي والاجتماعي والثقافي الذي 
يتحرّك داخله هذا الشعب أو تلك الأمة. إن خصوصية ثقافة ما تكتسب أهمية 
كبرق إذا تم التعامل معها على أنها نتاج تاريخي يجسّد تصوّرات ومعتقدات 


(14) المصدر نفسهفء ص ؟1١.‏ 


58 


وطرق فى التفكير خاصة. لذلك كان الجزء الأكبر من خصوصية أي ثقافة يعود 
إلى التاريخ الخاض بهذه الثقافة: لذلك إن «التفكير بواسطة ثقافة ما معتاء 
التفكير من خلال منظومة مرجعية تشكل إحداثياتها الأساسية من محدّدات هذه 
الثقافة ومكوّناتهاء وفى مقدمتها الموروث التثقافى والمحيط الاجتماعى والنظرة 
إلى التسهيل يل النظرة :إلى الغالى إلى الكون» «الإتسانة كما تحددها 
مكوّنات تلك الثقافة)2"57, 


إن في هذا التركيز على خصوصية ثقافة ماء من شأنه أن يرسّخ ما يميّر 
الثقافة العربية عن سواهاء ويدعم مفهوم الفكر العربي وبالتالي العقل العربي 
الذي هو محور أبحاث الجابري. فكما إن الإنسان لا يسعه إلا أن يحمل 
تاريخه معهء فالفكر أيضاً لا يمكنه إلا أن يحتوي آثار مكوّناته ومعالم المحيط 
الحضاري الذي نشأ فيه؛ من هنا ضرورة البحث عن هذه المكوّنات. لكن ما 
علاقة هذه المعطيات بنظرية لالاند الذي يميّز بين العقل المكوّن والعقل 
المكوّن؟ 

إن التمييز بين الفكر كأداة والفكر كمحتوىء واعتبار العقل أنه الفكر 
بوصفه أداة جعل الجابري يستعين بالفصل الذي أقامه أ. لالاند (2506اهآ .ه) 
بين العقل المكوّن أو الفاعل وبين العقل المكوّن أو السائد. إن العقل بالمعنى 
الأول (216ةل]أ)ك25هه ه12155 2آ) يفيد الفكر عندما يقوم بنشاطه الذهني فينتج 
المفاهيم ويضع المبادئ خلال عملية البحث والتنظير. إن العقل المكوّن هو 
«الملكة التي يستطيع بها كل إنسان أن يستخرج من إدراك العلاقات بين الأشياء 
مبادئ كلية وضرورية. وهي واحدة عند جميع الناس». 

أما العقل بالمعنى الثانى (08511]066© 531508 1.8) فهو يفيد كل المبادئ 
والأسين المسيدة خلال عملية الاتتدلال: إن:هذةالميادئ ليست :واحدة فهى 
تختلف بين عنصر وآخرء أو حتى بين فرد وآخرء وذلك على الرغم من أنها تبدو 
وكأنها تميل إلى الوحدة. إن العقل المكوّن والذي يتبدّل بشكل محدود. «هو العقل 
كما يوجد فى حقبة زمئية معينة. فإذا تحذثنا عنه بالمفرد (- العقل) فإنه يجب أن 
نفهم منه العقل كما هو في خضصازتنا وفى زمتنا». فهو إذأ «منظومة القواعذ المقرّرة 
والمقبولة في فترة تاريخية ماء والتي تُعطى لها خلال تلك الفترة قيمة مطلقة»”'". 


(19) المصدر نفسه. ص .١7‏ 
)78١(‏ المصدر نفسه. ص .١156‏ 


520 


من هنا ضرورة الأخذ بالاعتبار تاريخية العقل والتعاطي معه كمجموع من المبادئ 
المرتبطة بزمن محذد وبثقافة معينة» كما إنه من الضروري عدم إغفال التفاعل 
القائم بين العقل المكوّن أو الفاعل والعقل المكوّن أو السائد على الرغم من 
التمييز الذي وضعه لالاند بينهما. فهو يؤكد أن مختلف الأسس والقواعد التي 
تسود خلال فترة من الزمن قد أنتجها العقل الفاعل من خلال نشاطه الذهني الذي 
يميّزه في النهاية عن الحيوان. إن مصدر العقل السائد ليس خارج العقل الفاعل بل 
داخله؛ كذلك إن العقل المكون أو الفاعل يشترط وجود عمقل مكوّن كما يرى 
ليفي ستراوس (ومدى 5 ج0016" 


لا يمكن العقل الفاعل أن يقوم بنشاطه انطلاقاً من العدم. فهو ينطلق من 
عقل سائد قد أنتح المبادئ ووضع القوانين في زمن محذد وداخل ثقافة معيّنة» 
ما يحد من كلية العقل أو كونيته». إن العقل كوني» ومبادئه كلية ضمن إطار 
ثقافة معيئة أو داخل أنماط ثقافية متقاربة فقط. ينتقد لالاند وضع العقل المكوّن 
بمنزلة «المطلق» من قبل الذين أنكروا تاريخية العقل» وتغاضوا عن الروح 
النقدية» لأنهم خضعوا للعقل السائد الذي «أنتجه عقل أجدادهم الفاعل» عقل 
ثقافتهم التي يعتبرونها الثقافة الوحيدة والممكنة» أو على الأقل العالم الثقافي 
الخاص بهم”"". 


من هنا نستنتج أن العمل العربي لا يمكن البحث فيه خارج إطار الثقافة 
العربية التي أنتجتهء حتى ولو تم التعاطي معه على أساس كونه عقلاً مكوناً أو 
فاعلاً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العقل اليونانى والعقل الأوروبى. 


ثالثاً: العقل اليوناني والعقل الأوروبي 


يعتبر الجابري أنه عندما يتحدّث عن عقل عربى أو عن ثقافة عربية فهو 
يفترض صراحة أو ضمناً وجود عقل آخرء وثقافة أخرى. أو حتى عقول وثقافات 
أخرى. تسهم في تحديد العقل الذي هو بصدد البحث فيه. إن التوقف عند العقل 
اليونانى والعقل الأوروبى أمرٌ لا مفرَ منه بالنسبة إليهء إذ إن «بضذها تتميّز 


)1١(‏ لمزيد من التفصيل. يحيلنا الجابري إلى المؤلّف التالى : مفعمءم ما ,وده ك- اغا عفنافكت 
3م ]١962[(,‏ ,صماط :لحتموط]) ععمليهدى 


كذلك يمكن مراجعة كتاب لالاند في ما يتعلّق بالعقل المكوّن والعقل المكوّن. انظر : ,506ة1ة1 0:6لهم 


1187-8 16-17 .م ,(1963 ,عالعطعماط تمتموط) غائية م 19[ عل عطء تعغطعع: 1ق ,عع مث دعأ اء هئأهخ! هرا 


>31 


الأشياء»؛ كما يقول المثل. والضدٌ هنا يعني الاختلاف وليس التعارض أو التنافر» 
لأنه بمجزرّد الكلام على عقل عربي فقد تمّ تمييزه عن العقل اليوناني والعقل 
الأوروبي. لكن لماذا حصرٌ المقارنة والتمييز باليونان وأوروبا والعرب فقط؟ 

لا يترذد الجابري في الإجابة عن هذا السؤال من زاوية الباحث العقلاني 
آخر. فهو يرى أن العرب واليونان والأوروبيين «وحدهم مارسوا التفكير النظري 
العقلاني بالشكل الذي سمح بقيام معرفة علمية أو فلسفية أو تشريعية منفصلة عن 
الأسطورة والخرافة ومتحرّرة إلى حد كبير عن الرؤية «الإحياتية» التي تتعامل مع 
أنوناء اتطيسة كأ عا كيية 3 راق لا يكيل أن التعضاراك السانية 
كالمصرية مثلاً والهندية والصينية والبابلية قد عرفت العلم إنتاجاً وتطبيقاً. فهو لا 
يشك في عظمتهاء لكنه يعتبر أن السحر كان الفاعل الأساس في هذه الحضارات. 
إنه يميّز بين الحضارات التي كان للعقل فيها دور فاعل وبين التي كان للاعقل 
فيها كلمة الفصل والقرار. هذا لا يعني أن اليونان والأوروبيين والعرب لم يعرفوا 
السحر وكانت تجربتهم عقلانية بحتة» إنما كان العقل يمارس لديهم نوعاً من 
السيادة لا تقلّ عن السحر ‏ أو ما فى معناه ‏ والذي كان فاعلاً فى الحضارات 
التي لم تنتج معرفة فلسفية أو علمية منظمة. وهو يجزم في القول (إن الحضارات 
الثلاث اليونانية والعربية والأوروبية الحديثة هى وحدها التى أنتجت ليس فقط 
العلم» بل أيضاً نظريات في العلم. إنهها وحدها ‏ في حدود ما نعلم ‏ التي 
مارست ليس فقط التفكير بالعقل بل أيضاً التفكير فى العقل»”*". 


يشدد الجابري على أن التفكير في العقل أسمى وأصعب من التفكير 
بالعقل» لأنه يتطلب درجة من المعقولية أكثر تقدّما. من هنا سوف يتوقف عند 
مفهوم العقل في كل من الثقافة اليونانية ومن ثم الأوروبية الحديثة. 
١‏ تحديد العققّل فى الثقافة اليونانية 

إن أساس الخطاب الفلسفى داخل الثقافة اليونانية يتبيّن بالنسبة إلى مفكرنا 
عند هيراقليطس وأنكساغوراسء» لأنهما حدّداء كل بحسب منطلقاته. العلاقة 
التي تربط بين الله والإنسان والعالم. إنه يعتبر أن تحديد كل منهما يعبر عن 


(57؟) المصدر نفسه. ص .١7‏ 
)١4(‏ المصدر نفسه. ص .١18‏ 


للفلا 





نظام الثقافة اليونانية كما تبلور في الفلسفة» وهو يستعيد بناء التصوّر 
الأسطوري الذي كان سابقا للفلسفة والذي كان مخفيا فيها بِنِسَبٍ متفاوتة بين 
فيلسوف وآخر. 

إن هيراقليطس أول من تحدّث عن «03عه.18» أو «العقل الكونى» عندما أراد 
أن سر النظام الذي يسود الكون» :من ذؤن الأستعائة بالاساطير, لقن ذه على 
وجود «قانون كلي» ينظم الظواهر ويدبّرها في صيرورتها الدائمة» وأشار إلى أن 
العقل البشري بإمكانه أن يتوصّل إلى معرفة الظواهر الطبيعية بشكل صحيح إذا 
شارك فى العقل الكلى. إنه حدّد دور العقل البشري بالاجتهاد فى البحث داخل 
نظام الطبيعة من أجل إدراك ما يميّز هذا النظام من اضترورة وهر لبة, 


لذلك كان الدين الحقيقي بالنسبة إلى هيراقليطس الانسجام والتطابق التام 
بين عقل الإنسان» أو العقل الفردي وبين القانون الكلي الذي ينظم الكون أو 
العقل الكلّي. هناك إذأ نوع من وحدة الوجود في فكر هيراقليطس لأن العقل 
الكلى عنده ملازم للطبيعة لا يفارقها. 

أما أنكساغوراس فيعتبر أن الأجسام تتألف من أجزاء شبيهة ببعضها بعضاً 
يمكن تقسيمها إلى ما لا نهاية مبدئياً شرط أنه يفترض وجود أجزاء صغيرة 
جداً لا تقبل القسمة لأنها تشبه البذور الأولى» يتم تصوّرها بالعقل وحدهء إذ 
إن الحواس لا تدركها. إن الكون في البداية خليطاً موضوعيا يضم هذه البذور 
التى هى في غاية الصغرء كان عبارة عن (8305©). أي نوعا من العماء المطلق 
الى :هود ايان الك السوجود: وعفين' الكسا فوراس ودوهدا ما تسو نه عق لاز 
الفلاسفة بشهادة أفلاطون وأرسطوء إن العقل هو الذي تدخل لكي ينظم 
الفوضى السائدة وهو علة الأشياء كلها. من هنا مفهوم ال (5ا8]0) كقوة محرّكةء 
إنه العقل أو الروح؛ هو الذي يجعل انتقال الخليط الأولي من العماء الكلي 
ممكنا. إنه القوة المحرّكة التي تفصل بين الأجزاء ومن ثم تصلها في ما بينها 
لكي تعيد تركيبها. تجدر الإشارة هنا إلى أن بداية الحركة عند أنكساغوراس 
المت اد دفع أو قوة محركة» إن أساس الحركة هو العقل الذي يعرف 
ويعقل الخليط الفوضوي. كما يعقل كل ما نتج منه من كائنات» وما صدر عنه 
من نظام. فالعقل عنده يحكم العالم» والصدفة معدومة» لأن كل شيء نظام 
وضرورة. إن العقل عند أنكساغوراس بمثابة نفس مستقلة تتولّد منها نفوس 
أخرى مستقلة هي أيضاًء وهو غير ملازم للطبيعة على عكس ما ورد عند 
هير اقليطس. 


لا54 


إن هذا الموجز الذي أوردناه لنظرية كل من هيراقليطس وأنكساغوراس 
يهدف إلى إبراز ميزة العقل اليوناني الذي أسس نظرة عقلانية للكونء والذي 
اعتبره الجابري ركيزة للخطاب الفلسفي العقلاني المنظم. إن أهمية هيراقليطس 
تكمن في بلورة فكرة «العمّل الكوني» التي سوف تؤسّس الفلسفة الرواقية مع 
مختلف الفلسفات التي تقرّ بوحدة الوجود. كذلك تكمن أهمية أنكساغوراس في 
بناء نظرية حول فكرة «العقل الكلي» وهي التي سوف تؤسّس للثورة السقراطية 
في ما بعد ولفلسفة أفلاطون وأرسطو لاحقاً. نجد في الحالين أنه على الرغم 
من اختلاف النظرة إلى العقل الكلي من حيث ملازمته للطبيعة أو استقلاله 
عنهاء فإن التصور اليوناني بشكل عام للعلاقة بين الطبيعة وهذا العقل» و 
وبين الإنسان بقي واحداً ولم يتبدل. 

هناك عناصر أو مرتكزات ثابتة في الثقافة اليونانية يحددها الجابري بما 
يلي : «الطبيعة أولا ' بوصفها معطى ابتدائياً غير منظم ولا متميّزء ثم نتدخل قوة 
أخرى تسمّى «العقل» تعمل على إشاعة النظام في الطبيعة» وبالتالي دفع عجلة 
التكوّن والتطوّر. أما الإنسان فهو في جوهره قبس من «العقل الكلي»؛ العقل - 
النظام» وهو يكتشف نفسه ككائن عاقل» في الطبيعة ومن خلالها. والفعل 
العقلي الجدير بهذا الاسم هو إدراك النظام والترتيب بين الأشياء»””". 

نجد إذا أن الطبيعة والعقل والإنسان في الفلسفة اليونانية ركائز ثابتة تربط 
والعكس صحيح. إن هذه الفلسفة وصلت إلى القمة مع أرسطو الذي اعتبر أن 
الطبيعة موضوع للمعرفة»ء يمكن العقل أن يسبر أغوارها على الرغم من الفوضى 
والغموض اللذين يعتريانها. فالعقل هو النظام. وهو أساس الطبيعة» إذ إن من 
ينظر إليها من زاويته لا يرى فيها سوى العقل. لذلك اكتسب العقل في الفلسفة 
اليونانية معنى يكمن في "إدراك الأسباب» وليس في التمييز بين الحسن والقبيح 
فحسب. كما رأينا سابقاً في الثقافة العربية. من هنا نجد مفكرنا يهتم بالفلسفة 
البونانية انطلاقاً من الدور الذي أدّاه العقل في هذه الفلسفة. وغياب سيطرة 
اللاعقل كما كان الوضع ف الثقافات الأخرى. إن تصور «العمّل الكونيّ» لم 
يكن محصوراً بالفلسفة اليونانية إنما كان له امتداد فى الفكر الأوروبى الحديث. 
كيف يقرأ الجابري مفهوم العقل في الفلسفة الحديثة؟ 


(56) المصدر نفسية 6 ص لت 


584 


"' - تحديد العقل فى الثقافة الأوروبية الحديثة 


يلحظ مفكرنا أن المفهوم اليوناني للعقل كإدراك للأسباب بقى مستمراً في 
الفلسفة الحديثة وذلك استناداً إلى أكثر من فيلسوف. يبدأ مع مالبرانش 
(عطعهةءطء8481) الذي يعتبر أن العمل الكلى هو دائم وضروريء يؤدي دورا 
أساسياً في هداية العقل البشري. إنه عقل ثابت لا يعرف التغييره وهو ضروري 
ودائم. لذلك لا يمكن أن نفصله عن الله. يشير الجابري إلى أن الفكر 
الأوروبي الحديث حافظ على فكرة «العقل الكوني»» وذلك على الرغم من 
الثورات العديدة التي عرفها على الفكر القديم» فهو بمثابة «القانون المطلق 
للعمّل البشري». هناك من نظر إليه ككائن قائم بذاته منفصل عن اللهء وهناك 
من اعتبره أنه هو والله واحد. ففي الحالين نجد أن «العلاقة بينه وبين نظام 
الطبيعة تبقى هي هي: إنها المطابقة» أو على الأقل المساوقة)” ". 


تبلور هذا التصوّر بشكل واضح في اللغة اللاتينية وما تفرّع منهاء إذ إن 
كلمة (22)00) أو (1821508) تعنى العقل وتعنى السبب أيضاًء أي إنها تدل إلى 


الملكة التي يتميّز بها الإنسان العاقل» كما إنها تشير إلى العلاقة التي تربط 
الأشياء ببعضها. 


كذلك نجد أن ديكارت (165684]65) الذي جعل العقل مستقلاً عن الطبيعة 
استقلالاً تامأً. لأن جوهر كل منهما يختلف عن الآخرء اضطر على المستوى 
المعرفي إلى أن يجمع بينهما. إنه يعود إلى «تقرير المطابقة التامة بين قوانين 
العقل وقوانين الطبيعة بشكل لا يختلف عمًا كان عليه الأمر عند فلاسفة اليونان 
إلا بإقحام الوساطة الإلهية إقحاماً يُراد به حل المشاكل المنطقية التي تطرحها 
ثنائية الفكر والامتداد)”"". 
أما سبينوزا (5818028) فقد حاول أن يتجاوز الثنائية الديكارتية التي رأى فيها 
خطأ منطقياً يكمن في الجمع بين جوهرين اثنين. ليس أمام الجوهر إلا خيار 
واحدء لا يمكنه أن يكون جوهرين اثنين» أي العقل والامتدادء لأن الجوهر 
في طبيعته هو واحد. لذلك كان الجوهر بالنسبة إلى سبيئوزا «هو» الطبيعة 
الطابعة» (أي الله بالتعبير الديني») من حيث هو مصدر الصفات والأحوالء وهو 


(5)المصدر نفسه » ص 1 
(50) المصدر نفه. ص .5١‏ 


21 


«الطبيعة المطبوعة» من حيث هو هذه الصفات والأسوال 0 


من هنا يستنتج الجابري أن العقل والطبيعة ليسا إلا مظهرين لحقيقة واحدة 
عند سبينوزاء والخطأ الذي يرتكبه الفكر البشري في أحكامه يعود إلى عدم 
إدراك الضرورة الكلية التي تنظم كل الأشياء والظواهر إدراكاً تاماً. هناك إذاً 
قانرن كلي ينفي كل صدفة ويضرب كل إمكان.ء إنه «العقل الكوني» الملازم 
للطبيعة» والمسؤول عن نظامها والمدبّر لصيرورتها. 


إن نظرية سبينوزا على الرغم من دعمها مبدأ الحتمية الذي يؤسس الفكر 
العمليء لا تسمح للعلم من التأكّد منهاء لذلك انتقدها المنهج العلمي 
التجريبي» بخاصة بعد أن طرح هيوم (56:ن81) مشكلة السببية وشكك بدور 
العقل. من هنا كان من الضروري أن يتم بناء العقلانية الحديئة من جديد. من 
أجل إثبات التطابق بين العقل والطبيعة بنظامها وقوانينها.ء ومن أجل التوفيق بين 
الحقيقة العلمية والحقيقة الفلسفية فى سبيل الحفاظ على وحدة الحقيقة ووحدة 
الققل هذا تحتودا ما أراك كاتس النيام به عندها شيع إلى ناسين العالاقة. بيد 
العقل ونظام الطبيعة من جديدء وذلك على ركائز رياضية وطبيعيه قدّمها العلم 
فى عصره. 

بدأ كانط بحثه؛ كما ديكارت» بالفصل بين العقل ونظام الطبيعة» لكنه ما 
لبث أن ربط بينهما من خلال الوحدة التي رآها بين الرياضيات والفيزياء. 
«فالمعرفة اليقينية» وبالتالي التطابق بين العقل ونظام الطبيعة» تتوّف على ما 
تعطيه التجربة للعقل وما يمد به العقل معطيات التجربة»'”؟". 


تربط بينهما. الأول مهمّته التشريع». والتجربة هي المختبر الذي يرسم إطار 
المعرفة الصحيحة. تجدر الإشارة هنا إلى أن التجربة مقيّدة بحدود الحواس وما 
يمكنها أن تقدّمه. لذلك لم يكن باستطاعتها تجاوز مستوى الظواهر. من هنا 
ارتبطت عند كانط المعرفة اليقينية بما يمكن أن يقدّمه عالم الظواهر فقط.ء وكل 
ما ينتمى إلى «الشىء في ذاته» ليس من الممكن أن يصل العقل إليه؛ ولا أن 


(58) المصدر نفسهء ص 1 
(159) المصدر نفسه. ص ؟5. 


"9 


إن هذه النظرية التي بلورها كانط قبلها العلم وانتقدتها الفلسفة بقلم هيغل 
(امع110): لأنها اعتبرت العالم من إنتاج الذات وحصرته في حدود هذه الذات. 
5 يقبل هيغل بالفصل الذي أقامه كانط بين «الظاهر» و«الشيء في ذاته»» أي 
بين الأشياء كما تبدو لنا من خلال الحواس وبين الأشياء في جوهرها. «ذلك 
لأن وجود الشيء معناه صدوره عن سبب فاعل وسبب غائي» وتعقّل الشيء 
معناه إدراك سببه الفاعل وسببه الغائي»””". 

يعتبر الجابري أنه مع هيغل بلغت العقلانية الغربية أوجهاء إذ إن كانط نظر 
إلى العلاقة بين العقل والطبيعة «نظرة جامدة»» بقى عند مستوى التجربة؛ حاصرا 
اهتمامه بالظاهرء أما هيغل فقد كانت نظرته أكثر دان لأنها نظرة تاريخية. 


لقد أحلّ هيغل «العقل محل التاريخ وأحل التاريخ محل العقل بأن «أعطى 
للتاريخ معنى وللعقل حركة'؛ فأصبح التطابق بين العقل ونظام الطبيعة لا مجرّد 
مسألة منطقية. كما كان الشأن من قبل. بل أصبح مسألة صيرورة ومصيرء 
مسألة «واقع» يتحفّق عبر التاريخ)”' ". 

بعد أن قام الجابري بجولة أفق سريعة في رحاب الفلسفة اليونانية والفلسفة 
الأوروبية الحديثة استنتج أن هناك ثابتين اثنين يحددان بنية العقل اليوناني - 
الأوروبى: الثابت الأول يكمن فى اعتبار العلاقة التى تربط بين العقل والطبيعة 
هي علاقة مباشرة. أما الثابت الثاني فهو الإيمان بأن العقل قادر على تفسير هذه 
العلاقة وتبيين الجانب الخفي منها. إن الأمر الأول يعالج المسألة على المستوى 
الأنطولوجي من خلال تأسيس نظرة في الوجودء والأمر الثاني يطاول المستوى 
الايستمولوعى من خلال: العقة الكاملة: بقدرة العقل: على تفسير الطبيعة. لكن 
هذين الأمرين يشكلان في الواقع «ثابتاً بنيوياً واحداً قوامه تمخور.العلاقات في 
بنية العقل الذي نتحدّث عنه حول محور واحد قطباه: العقل والطبيعة»”"". إن 
في الفلسفة اليونانية كما في الفلسفة الأوروبية الحديثة والعلم المعاصر تأكيداً 
على قدرة العقل في اكتشاف نفسه من خلال الطبيعة التي هي أيضاً «عقل». أي 
نظام أو قوانين. 

كذلك يستنتج مفكرنا أن تسارع التطوّر العلمي وتفجّر الثورة العلمية في 


)٠١(‏ المصدر نفسه. ص ؟5؟. 
(91) المصدر نسيةهء؛ ص ”77. 
مغرف المصدر فيه ص 7؟. 


504١ 


الغرب؛ حثما على الفلاسفة إعادة النظر في مفهوم العقل. إذ لم يعد يُعتبر 
بمثابة محتوى فقط إنما أصبح أداة» يُنظر إليها من خلال فاعليتها بالتحديد. لقد 
تند مفهوم العقل. من كونه مجموعة مبيادئ. إلى اعتباره قدرة تقوم بعمليات 
طبقاً لمبادئ محدّدة مصدرها الواقع. 


إن واقع الحياة الاجتماعية حيث يعيش الإنسان ويتفاعل مع محيطه هو 
المصدر الأول لبناء قواعد العقل. فالحياة الاجتماعية تحتاج إلى قواعد تنظم 
تعامل البشر طبقأ لأصول معيّنة تخصٌ كل مجتمع. لذلك كان تعدّد أنواع 
القواعد العقلية مرتبطاً باختلاف أنماط المجتمعات. وإن من يريد أن يتجاوز هذا 
الارتباط بين قواعد العقل والحياة الاجتماعية أصبح ملزما بالنظر إلى العقل 
باعتباره مجموعة قواعد ثم استنتاجها من موضوع محدد يتعامل معه الإنسان. 


هناك إذأ تعدّد بنيوي وغائي في أنواع «العقل» باعتبار أنه «جملة من القواعد 
أوروبي وغيرهما. فما هي بالتالي خصوصية العقل العربي بالنسبة إلى الجابري؟ 


رابعاً: خصوصية العقل العربي 


يرى الجابري أنه كلما توفر موضوعٌ ما يتمبتّع بخصوصية واضحة. يجوز 
القرل بوجود عقل أو منطق خاص به يوجّهه. وإذا نظرنا إلى الثقافة العربية 
انطلاقاً من الموضوع الذي عالجته بنشاط ذهني فاعل» نجد أن هذا الموضوع 
له خصائصه التي تميّزه من الموضوع الذي عالجه فلاسفة اليونان وأوروبا. لذلك 
كانت القواعد المستخلصة فى إطار الثقافة العربية الإسلامية تختلف عن القواعد 
التي أسّست جوهر العقل اليوناني والعقل الأوروبي. من هنا يؤكّد تاريخية 
العفقل. لأنه مرتبط بالثقافة التى يعمل داخلهاء فلا يجوز إضفاء أي صبغة 
أخلاقية عليه. إنه يشير في هذا المجال إلى أنه عندما يستخدم عبارة «العقل 
العربي» فهو ينطلق «من منظور علمي» يرتكز على «النظرة العلمية المعاصرة 
للعقل»”* "'. من دون أن يجعل منها الحقيقة المطلقة. 


إن العرض الذي قذمه حول العقل وآلية اشتغاله في الثقافة اليونانية 
(*"”) المصدر نفسه ) ص ١‏ 5. 


(4*) المصدر نفسه؛ ص 51. 


50 


والثقافة الأوروبية يهدف إلى المقارنة مع مفهوم العقل وكيفية التفكير فيه داخل 
الثقافة العربية.ء وذلك من أجل التوصّل إلى التعرّف إلى خصوصية العقل 
العربي. لكن المقارنة صعبة المنال في هذا المجال لأنها بين معلوم ومجهول». 
إذ لم يتمّ الكشف بعد عن الكيان الداخلي الثابت للعقل العربي. كما حصل 
بالنسبة إلى العقل اليوناني ‏ الأوروبي. لذلك نجد مفكرنا يتناول موضوع 
«العقل العربي» من حيث انتهى كلامه على العقل اليوناني ‏ الأوروبي» ليقدّم 
بعض الملاحظات. 


١‏ العقل العربي بين العقل اليوناني والعقل الأوروبي 

إن أول ما يميّز العقل العربى عند الجابري هو الأطراف الثلاثة التى 
تتححور وله آلياك التفكين إنها: الله والاشتان والطبعة .مع دجيل غاب 
نسبي للطبيعة كطرف مستقل. أما في العقل اليوناني ‏ الأوروبي فالعلاقات 
القائمة داخله قد تمحورت بين العقل والطبيعة». كما رأيناء مع غياب الإله 
كطرف ثالث مستقل بنفسه عن الطبيعة والإنسان. إنه يشير إلى التشابه بين 
الدور الذي قامت به فكرة الله في العقل اليونانى ‏ الأوروبى». والدور الذي 
أده الطبيعة في العقل العربي» إنه دور الوسيط. إن فكرة الله تقوم بدور 
«المُعين» الذي يساعد العقل على اكتشاف النظام في الطبيعة» وذلك بهدف 
تبرير مطابقة قوانين العقل لقوانين الطبيعة. وجعل المعرفة العقلية يقينية في 
الفكر اليوناني - الأوروبي. 

اعقو" الفكر عر بن الاساحفق تعفد 3 لين رورش امك الا ل اف 
التي تقوم بدوز «المعين» الذي يقوه العقل نحو اكتشاف الله والتوضل إلى 
حقيقته. «هنا في الثقافة العربية الإسلامية يُطلب من العقل أن يتأمل الطبيعة 
ليتوصّل إلى خالقها: الله. وهناك في الثقافة اليونانية ‏ الأوروبية يتخذ العقل من 
الله وسيلة لفهم الطبيعة أو على الأقل ضامناً لصحة فهمه له)”*". 

لم يهدف الجابري من خلال هذه المقارنة بين البنية الماورائية للعقل 
اليوناني ‏ الأوروبي والبنية الماورائية للعقل العربي إلى صياغة بعض النتائج 
ومن ثم تكريسها. إن ما يريده هو البحث في العقل العربي من خلال التعرّف 
إلى الثقافة التي أنتجته وأسهم هو في إنتاجها. كذلك نجده يشير إلى أن اهتمامه 


)6 المصدر نفسه ) ص 59. 


تلحنا 


الأساس ليس العقل كبنية ماورائية إنما «العقل كأداة للإنتاج النظري»؛ كمجموعة 
قواعد أفرزها النشاط الذهنى. من هنا يمكن أن نتبيّن ما الذي يقصده عند 
استخدامه عبارة «العقل ا فهو يعنى «جملة المبادئ والقواعد التى تقذمها 
الثقافة العربية الإسلامية للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة وتفرضها عليهم 
ك «نظام معرفي»» أي كجملة من المفاهيم والإجراءات التي تعطي للمعرفة في 
نوه تازوف نا ويا اللا 


إن مايهمّه إذاً هو الفكر الذي قام بعملية الإنتاج النظري وهو من صنع 
الثقافة العربية التي تحمل في طيّاتها تاريخ العرب الحضاري. إن للثقافة العربية 
أهمية كبرى في أبحاث مفكرناء لأنها هي التي تعكس واقع العرب وتعبّر عن 
طموحاتهم المستقبلية» كما إنها تحمل العوائق التي حالت دون تقدمهم وسبْبت 
لهم التخلف الذي يتخبّطون به منذ فترة. لذلك نجد اهتمام الجابري ينصبت على 
المنحى الإبستمولوجي وليس الأيديولوجي. لأن بحثه ينشغل بأدوات إنتاج 
الفكر وليس منتجاته. إنه يرفض إطلاق أحكام قيمة على العقل العربي فهو لا 
يراه شيئاً «خارقاً للعادة» أو «دون المستوى». إن وجهته «الوحيدة هى التحليل 
«العلمى» ل «عقل» تشكل من خلال إنتاجه لثقافة معينة. وبواسطة 57 الثقافة 
فيه النقانة لسري الاي 1 


تجدر الإشارة هنا إلى أن مفكرنا يعي تماماً أن البحث في مجال العقل 
العزني: لأ يشكته أن يكون علسا كسا هق الفيزياء أو الرياضيات» لأ موفيوع 
البحث جزء منهء وهو مندمج فيه. إذا عدنا إلى التمييز الذي أقامه لالاند بين 
العقل المكون والعقل المكوّن يمكن القول إن «العقل العربي» الذي يبحث فيه 
الجابري هو العمل المكوّن الذي يضم كل المبادئ والقواعد التي أنتجتها الثقافة 
العربية وقدمتها إلى المنتمين إليهاء لكي يستعينوا بها في عملية اكتساب 
المعرفة. والعقل المكوّن أو «القوة الناطقة» هو ما يميّز الإنسان عن باقى 
الكائنات الحية. من هنا يمكن اعتبار أن كل إنسان يشترك مع الآخرين في 
مختلف العصور من خلال عقله المكوّن» وهو في الان نفسه يختلف عنهم هو 
والجماعة الثقافية التي ينتمي إليها من خلال العقل المكوّن أو النظام المعرفي 


(5) محمد عابد الجابريء بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. 
نقد العمل العربى؛ كا طة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» )2 صن :0:0 
(/710”) الجابري » تكوين العقل العربي. ص .١4‏ 


5253 





(6536وزم8) الذي يؤسس ثقافته. لذلك إن الإنسان العربى هو «الفرد البشري 
المشخّص الذي تشكل عقله؛ تفبّح وترعرع ونما وتقولب» داخل الثقافة العربية 
التي تشكل بسبب ذلك إطاره المرجعي الرئيسي إن لم يكن الوحيد»””". 


يمكن أن نلحظ أن الاهتمام بجملة المفاهيم والإجراءات التي تكسب 
المعرفة بنيتها اللاشعوريةء خلال فترة تاريخية محدّدة. كما سبق أن أشار 
الجابري. من شأنه أن يؤدّي إلى تطابق بين العقل العربى والثقافة العربية لأن 
المبادئ والمفاهيم التي تتحدّد بها كل منهما هي واحدة» كما إن الفترة التاريخية 
التي ينتميان إليها هي واحدة. لقد طابق بين بنية العمل العربي وبنية الثقافة 
العربية الإسلامية. وهو يقصد هنا البنية اللاشعورية التي تكوّنت خلال فترة 
زمنية محدّدة. بدأت مع عصر التدوين. : 


يعتبر مفكرنا أن الوصف «عربى» لكلمة عقل لا يعنى أكثر من أنه يحيل 
الباحته إلى. الثقافة العربية + بالنسية إليه :ليئن. العقل لعزي اجوهرا ولا”ظعا أو 
طبيعة ولا «عقلية1: إنه فقط جملة المفاهيم والآليات الذهنية التي تم بها إنتاج 
المعرفة داخل هذه الثقافة:”*". كذلك يرى أن الثقافة العربية هي الإطار 
المرجعى للعقل العربى. تشكلت اتجاهاتها وتحدّدت خلال عصر التدوين» 
لذلك فحده يعود إلى هذا العطين باعثاره ردن مشكن كان كل فو القفالة العرية 
والعقل العربي. 


يلحظ الجابري فى هذا السياق أن زمن العقل العربى وزمن الثقافة العربية 
هما واحدء. والعلاقة بين العقل والثقافة هي لاشعورية. كما سيقت الإشارة. 
لذلك (إن بنية العقل. الذي ينتمي إلى ثقافة ماء تشكل لاشعورياً داخل هذه 
الثقافة ومن خلالها وتعمل بدورهاء وبكيفية لاشعورية كذلك» على إعادة إنتاج 
هذه الثقافة نفسها. فلنقل. إن العقل كجهاز معرفي (فاعل وسائد) يتشكل ويُنتج 


فى أن واحدء وبكيفية لاشعورية)”1). 


لقد اقتبس الجابري مفهوم «اللاشعور المعرفي؟ (نانصهمء غمءعءوهمءم1.1) 


(78) المصدر نفسةء ص ٠0ل.‏ 

(9؟) محمد عابد الجابري» التراث والحداثة: دراسات. . . ومناقشات (بيروت: مركز دراسات 
الوحدة العربية » )١5١0١‏ ص .١559‏ 

(40) الجابري: تكوين العقل العربيء ص 40. 


نحا 


عن بياجي (213860) ونقله من ميدان علم النفس التكويني إلى ميدان 
الإبستمولوجيا وعمل على تبيئته. عرّف اللاشعور المعرفي العرفي على أنه كل 
المفاهيم والتصوّرات والنشاطات الذهنية الت تقوم بتحديد نظرة الإنسان العربى 
إلى الكون والمجتمع والتاريخ. . . إلخ. وهو يرى أن الزمن الثقافي شبيه بزمن 
اللاشعورء إنه متداخل ومتموّجء ما يؤدّي إلى تعايش أكثر من مرحلة مختلفة 
فى فكر واحدء وفى بنية عقلية واحدة» مثلما توجد الرغبات المكبوتة المختلفة 
في اللاشعور النفسي الواحد. 


من هنا يطرح مفكرنا مسألة التأريخ في الثقافة العربية. ما هي الأسس 
المعتمدة في عملية التأريخ؟ أين هي البداية؟ وما هي بالتالي خصوصية الزمن 
الثقافى العربى وعلاقة البنى العقلية به؟ 


"١‏ مسألة التأريخ وخصوصية الزمن الثقافي العربي 

إن الزمن في الثقافة ليس مدة مرتبطة بالحركة فقط. إنما هو مرتبط 
بالسكون أيضاً. والحركة كما تبلورت في الثقافة العربية «كانت وما تزال حركة 
اعتماد لا حركة نمّلة وبالتالى فزمنها مدة يعذها «السكون» لا الحركة» وهذا 
على الرغم من جميع التحركات والاهتزازات والهرّات التي عرفها»''. 


اعتبر الجابري أن الزمن الثقافي العربي ساكن. وجعل الحركة فيه نوعين: 
«حركة الاعتماد» و١حركة‏ النقلة». استعار هذين المصطلحين من النظام» المتكلم 
المعتزلي؛ ليشير إلى السكون والانتقال. فحركة الاعتماد هي مراوحة الشيء 
مكانه خلال تحرّكه. وحركة النقلة تعني الانتقال من مكان إلى آخرء أو من 
مرحلة إلى أخرى. وانطلاقاً من مراجعته للتاريخ الثقافي العربي يقرّر أن الزمن 
فيه ساكن لا متحرّك؛ مستنداً في ذلك إلى مؤشرات عذة. نجده يعود مثلاً إلى 
علم النحو فليحظ أنه ولد كاملا مع سيبويهء كذلك تحدّد علم أصول الفقه مع 
الشافعي» وتأسست الكتابة التاريخية مع ابن اسحق والواقدي., أما علم الكلام 
فمد تمَرّرت أهم مسائله مع واصل بن عطاء ومن عاصره. كما إنه يرى أن 
الخليل بن أحمد قدّم المعجم العربي وعلم العروض بشكل كامل» وأتمٌ جعفر 
الصادق من جهة أخرى مقوّمات الفكر الشيعي في الفقه والكلام والسياسة. 


(11) المصدر نفسهء ص 47. 


50 


تدعم هذه الأمثلة رأيه بركود الزمن الثقافي العربي» كما إنها تبرّر عودته 
إلى عصر التدوين باعتباره المرجعية التي تحرّك في إطارها الفكر العربي. إذ إن 
جميع هؤلاء المفكرين الذين ذكرهم قد عاشوا خلال عصر التدوين. لن نتوقف 
طويلاً عند العودة إلى عصر التدوين» فهي ستكون محطتنا التالية. 


إن البحث في مسألة التأريخ للثقافة العربية جعل مفكرنا يعود مرّة أخرى 
إلى المقارنة مع الفكر اليوناني ‏ الأوروبي» ليستنتج أن مقياس التأريخ مختلف. 
لقد صُئَف الفكر الأوروبي الذي يمتد طيلة ثمانية وعشرين قرنا أو أكثر إلى 
الحديث. هناك «استمرارية تاريخية» هى بمثابة الإطار المرجعى الثابت» أدت 
دوراً مهما على مستوى الوعي. لقد نظمت التاريخ عندما فصلت بين «الماقبل!) 
و«المابعد» بشكل واضح وصارم يمنع الوعي الغارق في الحلم من العودة إلى 
الماضي كي يأخذ مكان الحاضر. يرى الجابري أن هذه الاستمرارية ‏ الحقيقية 
أو الموهومة. لا فرق - تمذ أصحابها بوعي تاريخي, بتعلهع يتجيون إلى 
المستقبل دون أن يتنكروا للماضى . وأنقناً دون أن يجعلوا هذا الماضى أمامهم 
فيقرأون فيه مستقبلهم. إن الماضى هنا يحتل مكانه «الطبيعى) من التاريخ. 
وأيضاً ‏ وهذا هو المهم ‏ من الوعي بهذا التاريخ»”"). 

أما في الثقافة العربية فالتأريخ مختلف. إذ إنه يتم انطلاقاً من السلاللات 
الحاكمة» هناك الشعر الأمري مثلاً والشعر 0 . إلخ. إن المرجعية التي 
يعتمدها المؤرّخ هي الأسرة الحاكمة. وإذا ت الع التقسيم الأوروبي 
كمرجعية نجده يصتف الثقافة العربية إلى زمنين: مرحله القرون الوسطى. 
ومرحلة العصر الحديث» مع غياب العصر القديم. إن هذا الغياب يُفقد المرون 
الوسطى وسطويتهاء فالطرف الأول لا وجود له. 

كذلك إن من يتبّع التقليد الأوروبي في التاريخ بالقرون» يبدأ باستخدام 
التقويم الهجري لتأريخ زمن الثقافة العربية الأول الذي يمتد لغاية القرن السابع 
أو الثامن الهجري. ومن ثم يقفز إلى التقويم الميلادي لتأريخ الزمن الثاني الذي 
يبدأ مع القرن التاسع عشر الميلادي. هناك إذا حلقة مفقودة بين الزمن الأول. 
زمن المقرون الوسطى. وبين الزمن الثاني» رمن عصر النهضة» ما يسيب تغرة 
عميقة داخل الوعي العربى. 


(؟:) المصدر نفسه. ص 47. 


51 


من هنا كان تاريخ الثقافة العربية ممرّقاًء وأثره سلبياً في الوعي التاريخي 
عند العرب. ما أدَى إلى المزج بين الماضي والحاضرء لا بل إلى منافسة 
الماضي للحاضر على ساحة الوعي العربي. (إن الأمر يتعلّق في الحقيقة بالتنقّل 
بين منظومتين مرجعيتين مختلفتين تماماًء لكل منهما زمنها الخاصء الشيء 
الذي يجعل وعينا بالزمن محكوما بوعينا بالمكان» فنتعامل هكذا مع الزمن كما 
نتعامل مع المكان. الزمن حاضر ساكن وإذا غاب عن وعينا جزء منه فغيابه 
يكتسى صورة الغياب المكانىي. الغياب الحسىء لا المعنوي, الغياب الذي 
10 0 0006 0 1 


إننا نجد الوضع مختلفاً في الفكر الأوروبي حيث التحقيب مثبّت وواضحء 
تربط بين عصوره استمرارية ماء» تنظم التاريخ وتجعل الوعي يتجه نحو المستقبل 
من دون أن يتنكر للماضي. صحيح أن هناك فصلا بين العصر الجاهلي والعصر 
الإسلامي وعصر النهضة؛. لكنه فصل مصطنع لم يدخل إلى الوعي العربي ولم 
يؤثر في تصوره. يرى الجابري أننا ننظر إلى المراحل الثلاث وكانها جزر 
منفصلة ومعزولة عن بعضها. إن الهوة التي تفصل بين العصر الجاهلي والعصر 
الإسلامي لا تقل عمقاً عن تلك التي تفصل بين هذا الأخير وعصر النهضة. إن 
ما ينتج من هذا المعبل غلي, صعيد الوعي العربي هو حضور ١الحرن‏ الثقافية» 
بشكل متزامن. بعبارة أخرى» إن من يود أن ينتقل من عصر إلى اخر لا يشعر 
أنه ينتقل من زمن إلى اخرء إنما يقفز من مكان إلى اخرهء فهو يقفز مثلا من 
الجزيرة العربية إلى بغداد إلى القاهرة إلى قرطبة إلى مصر الطهطاوي وجزائر 

لقد ولّد هذا الأمر نوعاً من «تداخل الأزمنة الثقافية» على الصعيد المعرفي 
والصعيد الأيديولوجى. لذا ظلّ المثقف العربى» معرفياً. يستهلك المعارف 
القديمة وكأنها جديدة. كما فى العصر الأموي. كذلك ظلء أيدي و لوجياًء يعيش 
في وعيه الصراع بين الماضي والحاضر كما في العصر الأموي. من هنا ضرورة 
إعادة كتابة التاريخ العربي للحد من ظاهرة تداخل الأزمنة الثقافية عن طريق 
تأسيس نظرة تاريخية للفكر العربي. إن إعادة كتابة التاريخ الثقافي العربي على 
سيق نقدية .» من شأنة أن يحد من اجترار التاريخ الثقافى نفسهء» وإنتاجه مجدّداً 
بصورة مطايقة للسلف. لقد بقي الفكر العربيى سجين المفاهيم والمناهجح التي 


(19) المصدر نفسه. ص 45. 


58 


اعتمدها الأجداد»ء ما أدّى إلى انخراط المفكرين المعاصرين بالمشاكل الماضية» 
فانشغل الحاضر بالماضي الذي وجّه بدوره المستقبل أيضاً. 

يصف الجابري التاريخ الثقافي العربي بتاريخ الفرق والطبقات» فهو "تاريخ 
الاختلاف في الرأي وليس تاريخ بناء الرأي)7؟ ؟؟. ا بدوة رما وكير 
من المعرفة تبدو وكأنها منفصلة عن بعضها. لكن في الحقيقة هناك تكامل خلف 
التعدّدء فالوحدة تكمن وراء التنوّع» نجد أن الفقيه مثلاً كان نحوياً والنحوي 
كان فقيهاًء كذلك يمكن أن نجد فقهاء فلاسفة مثل الغزالي وفلاسفة فقهاء مثل 
اين رشد. 

من صفات التاريخ الثقافي العربي زمنه الراكد. فالقديم يعاصر الجديد على 
الساحة الثقافية؛ ما يؤدّي إلى فقدان الحس التاريخي» فتبدو حلقات الماضى 
متزامنة وليست متعاقبة وتتداخل ارس عقاف وف . إن التاريخ الثقافي العريئ 
يتصّف أيضاً بتداخل الزمان والمكان, والارتباط الأقوى هو بالمكان أكثر منه 
بالزمان» إنه تاريخ المدن الكبرى ما يجعل الوعي التاريخي يقوم على «التراكم» 
وليس على «التعاقب»», أي أن الفوضى هي الأساس وليس النظام. 

بعد أن وصف مفكرنا التاريخ الثقافي العربي محدداً الثغرات والشوائب التي 
يتضمَّنها دعا إلى كتابة التاريخ من جديد» مركّزاً على اعتماد الأسس النقدية من 
أجل تحقيق نظرة تاريخية موضوعية. لكن كتابة التاريخ تتطلب الاتفاق على بداية 
ماء لذلك يجوز أن نسأل عن مكمن هذه البداية» وهل هناك إجماع حولها؟ 

يضع الجابري ثلاث بدايات للفكر العربي: البداية الأولى هي الأكثر 
تواضعاء ويؤرّخ لها بين خمسين ومئة سنة قبل الإسلام» إنها بمثابة نقطة ما 
داخل العصر الجاهلي. ومن ثم هناك بداية ثانية مع نشأة الإسلام وانطلاقه وهي 
الأهم لأنه معها بدأ التاريخ » وكل ما قبلها عبارة عن ما قبل التاريخ». يلي هذه 
الفترة «عصر الانحطاط» لتأتي من بعده البداية الثالئة مع عصر النهضة العربية 
الحديثة حيث يرى فيه البعض بداية لتاريخ جديد. 


إن هذه الصورة لتطور مسار الفكر العربي تبدو ظاهرياً وكأنها بسيطة 
وواضحةء لكن من أراد البحث فى العمق يرى أن هناك أموراً كثيرة بقيت 
غامضة. تجدر الإشارة أولآً إلى أن الجابري يعتبر كتابة التاريخ فعلاً مرتبطأً بقيام 


(45) المصدر نفسه. ص 5]. 


0 


الدولة» أي بانقسام المجتمع إلى طبقتين» واحدة تَحكم وأخرى تُحكم. لذلك 
فهو يقرّر أن الشعوب البدائية ليس لها تاريخ لأنها تفتقد وجود الدولة. من هنا 
يرى أن المجتمع العربي في العصر الجاهلي لم يكن له تاريخ مدوّن بسبب 
غياب الدولة فيه. وهو يجزم بأن «التاريخ عند العرب يبدأ مع الإسلام. أي مع 
قيام الدولة الإسلامية التي بدأ تشييدها بعد الهجرة النبوية إلى المدينة. أما ما 
قبل الإسلام فكان جاهلية؛ أي ما قبل التاريخ)””. كما إنه يشير في هذا 
المجال إلى أن التاريخ كمعرفة وليس فقط كأحداث يبدأ أيضا مع نشأة الدولة. 
فالتاريخ المدوّن هو بمثابة تعبير أيديولوجي عن الصراع القائم بين الحاكم 
والمحكومء إنه أيديولوجياء ولا يتحول إلى علم إلا عن طريق التحليل 
الموضوعي للأيديولوجيا التي يعبّر عنها. 

يمكن أن نلحظ هنا نوعاً من ربط العقلانية والتعمّل بقيام الدولة» لأن 
الجابري قد جعل التاريخ كمعرفة مرتبطأً بنشأة الدولة في المجتمع. إن هذا 
الحكم مغاير لما جاء في فكر محمد أركون الذي أولى الكثير من الاهتمام 
بمناطق الأطراف حيث لا دولة» وبالمجتمعات الشفهية التي سبقت الإسلام أو 
التي شهدت بداياته. إن تأثر أركون بالأنثروبولوجيا جعله يرفض حصر تجربة 
لعفن وربطها بالحكم المركزيء والتاريخ عنده لا يبدأ مع الدولة. إن 
للمجتمعات التي سبقت الإسلام عقلا خاصا بهاء يملك آلية اشتغال تميّزه عن 
سواه» وهو يستحق التوقف عنده. 

إذا عدنا إلى مخطط البدايات الذي رسمه الجابري نجد أنه ليس هناك 
تاريخ واحد للفكر العربي إنما ثلاثة تواريخ. يبدأ الأول مع العصر الجاهليء 
والثاني مع العصر الإسلامي» والثالث مع عصر النهضة. إنه من الصعب أن نجد 
استمرارية بين هذه البدايات. لكن فى الوقت نفسه لا يمكن التحدذث عن قطيعة 
معرفية في ما بينها. من هنا يرى مفكرنا أنه من الأفضل اعتبارها جزراً منفصلة 
الواحدة عن الأخرىء وعدم القول بوجود تطور داخل الفكر العربي. هناك تقدم 
فقط داخل العصر الجاهلىء أو داخل العصر الإسلامى. أو ضمن عصر النهضة 
بمفرده. إن من يقبل 0 التطور داخل الفكر العزرين الإسلامي ويقول ببداية 
متراضعة في العصر الجاهلي ومن ثم تقدم في العصر الإسلامي». حتى بلوغ 
القمة مع عصر النهضة. يفترض مسبقاً وجود الاستمرارية بين هذه العصور 


(465) الجابري » التراث والحداثة : دراسات . 55 ومناقشات» ص .١١8‏ 


.م 


الثلاثة» ويكتفى بالنظرة السطحية إلى الأمور. هذا ما رفضه الجابري. لم ينظر 
إلى مسألة التقدم بمعزل عن مفهوم القطيعة المعرفية. وهو يرى أن مشروع 
النهضة الحديئة ‏ كما سبق أن أشرنا فى بداية هذا الفصل ‏ يرتكز على ١بعث‏ 
ما مضى» وليس على إحداث قطيعة مع الماضي» من هنا قوله بالتداخل بين 
العصور الثقافية في الفكر العربي. واعتياره زمن هذا الفكر رمن سكون لا حركة 
فيه. فالقديم حاضر في الجديد لكي ينافسه ويحذ من طاقته وليس لكي يغنيه 


يريد الجابري أن ينظر إلى مشكلة التقدّم في الفكر العربي من زاوية 
خصوصية هذا الفكرء أي باعتباره أجزاء متفاوتة النمو عبر التاريخ» لذلك فهو 
يتحدث عن أزمنة ثقافية عديدة يمكن أن نجد داخل كل منها عصورا متباينة 
ومنفصلاً بعضها عن بعض. ومراحل نتجت عبر القطيعة المعرفية في مجالات 
فكرية محذدة. وهو عندما طرح مسألة التقدذم في الفكر العربي» كان ينار إليها 
من زاوية بداية التأريخ للثقافة العربية» فتحدّث عن ثلاث بدايات مختلفة في 
غياب التزامن الثقافي. لكنه توصل في نهاية المطاف إلى القول بثقافة واحدةء 
وزمن واحد. لقد قام بهذا الخيار المنهجي لكي يصل إلى الوحدة بشكل عامء 
فهو يريد «النظر إلى هذه الثقافة كوحدة. ككل واحدء. كزمن ثقافى واحده. 
تذوت فيه تلك البدايات :التق اتقدم نفتسها وكأنها توس عصرراً ثقافية فعلية. في 
حين أن الأمر إنما يتعلّق في الواقع بمجرّد تجليات مكانية لكليّة الفكر العربي 
والثقافة العربية (دمشق» بغدادء القاهرة» القيروانء فاسء قرطبة. ...)3570 4. 

إن خيار الجابري النظر إلى الثقافة العربية كوحدة؛ ككل. لم يحمه من 
مواجهة مشكلة البداية» حتى ولو أنه تجاوز البدايات الثلاث التي سبق ذكرها. لقد 
اخثاز أن يجعل بداية التأريخ للثقافة العربية عند عضر التدوين+ فما هي حيديات 
خياره؟ لماذا التوقف عند هذه الفترة في الكلام على خصوصيّة العقل العربي؟ 


 "“‏ عصر التدوين مهد العقل العربي 
عندما انخرط الجابري في مشروع نقد العقل العربي كان عليه أن يحدّد 
هذا العقل من خلال مرجعية معيّنة. لقد اختار أن ينطلق من الثقافة التى صنعتهء 
أي مما هو حيّء وفاعل» ومحفوظ في الكتب والمجلّدات. وهو يحمل الهوية 
() الجابري» تكوين العقل العربي. ص 67 


لم0 


الثقافية العربية. إنه يعتبر أن الثقافة العربية هي عنصر أساس في تحديد مفهوم 
«العرب» خلال الماضى والحاضر. من هنا كانت البداية الملائمة لتحديد العقل 
العربي. - كما أوزدناء سابقا تكمن :في الاهعماة بالثقافة العزبية: الى بقيك:فاعلة 
في النفوس لغاية الآن. 


هناك بعض المؤرخين يرون أن مسار الفكر العربي يبدأ في العصر الجاهلي 
حيث راحت تتشكل بنية العقل العربي. لكن الجابري يرفض وجهة النظر هذهء 
معتبراً أن الزمن الثقافي مختلف عن الزمن الاجتماعي الطبيعي الذي يخضع 
للقبلية والبعدية. إنه يرفض وضع نقطة الانطلاق في العصر الجاهلي؛ في لحظة 
مجهولة. ومن ثم تتبع مسار الفكر العربي وفقاً لخط صاعدء أبرز محطاته ظهور 
الإسلام وعصر التدوين والترجمة. إن الأمر بالنسبة إليه لا يتعلّق بحلقات متصلة 
تربط السابق باللاحق. فالحياة الفكرية خلال العصر الجاهلي لا يمكنها تفسير ما 
حدث بعد نشأة الإسلام وإبان عصر التدوين. هناك لوط لم مفقودة تمنع 
القول بتطوّر داخلي حقّق في فترة ما قفزة مهمة. بالإضافة إلى «أن التطوّر 
الداخلي للحياة الفكرية العربية في العصر الجاهلي أبعد ما يكون من أن يفرز 
بمفرده ذلك التنوّع والغنى في الآراء والرؤى والاستشراقات والمذاهب التي 
شهدها المجتمع العربي بعد قرن من ظهور الإسلام»”"*". 

يرى مفكرنا أن هناك صورتين يمكن تظهيرهما عن العصر الجاهلي من 
خلال كتب التراث والدراسات الحديثة . 


الصورة الأولى تقدّم هذا العصر في وضع لا يعمّه الجهل فقطء. بل 
النوضى وتقدان الدولة وغياب الدين. ' 


أما الصورة الثانية فهى تظهّر حياة فكرية ملؤها النشاط عبر أسواق الفكر 
والتقانة: .ركس النفاسن: والمساجة.والدليل علق هو الحناة الفكرية فى "العصير 
الجاهلي مخاطبة القرآن للعرب بأسلوب غني بالبيان والمعاني والحجج العقلية. 

اق قانيق لوقت لمان يوقي عد فس رض العفيا ‏ الحاهال جلك 
بذكن القيوك رييطا معأ 3ب إن الأولق فصو عاق الاعز امن و الثانية شور إلى خبياة 
الحضرء لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الوعي العربي لم يكوّن صورة عن العصر 


(40) المصدر نفسهء ص .١19١‏ 


الجاهلي انطلاقاً من المرتكزات التاريخية فقط. هناك الكثير من المتطلبات التي 
تخصٌ الحاضرء أسهمت في تبلور هذه الصورة». داخل الوعي العربي. 

إن بناء صورة الماضي العربي مرّت بمحطات عذة بدأت مع الخلفاء 
الراشدين والمسلمين الأواتل الذين حاربوا هذه الصورة ورفضوها بعنف. ما قبل 
الإسلام بالنسبة إليهم جاهليء» ينتمي إلى (ما قبل التاريخ»» لا تجوز العودة 
إليهء لذلك كان يوم هجرة النبي إلى المدينة بداية التاريخ لديهم. 

لكن متطلبات الدولة في أول عهدها فرضت نوعاً من المصالحة مع العصر 
الجاهلي. فاضطر العرب إلى تغيير مواقفهم. لقد استعانوا بالذاكرة من أجل ضبط 
الأنساب» وتنظيم عملية توزيع الغنائم» فاستجاب الماضي لحاجات الحاضر. 

كذلك مع نمو الحركة الشعوبية وتزايد المعارضة التي اتخذت طابعاً ثقافياً 
من أجل إخفاء الصراع السياسي والطبقي الذي كان متفجّراء وجد العرب 
أنفسهم مجبرين على تبتي موقف الدفاع عن الماضي الجاهلي. إن الحركة 
الشعوبية هاجمت هذا الماضي فكراً وثقافة وحضارة» وطعنت بما كان قد أنتج 
سابقاء فاكتسى بذلك دفاع العرب عن ماضيهم طابع الدفاع عن «الهوية 
القومية». وعن الوجود ككل. 

من هنا باتت عملية بناء الماضي من خلال ضبط العصر الجاهلي قضية 
مصيرية من الضروري إنجازهاء ما دفع بالخلفاء العباسيين إلى تحقيق البناء 
الثقافي الشامل. يشير الجابري في هذا المجال إلى أن عملية البناء هذه لم تكن 
فردية إنما قامت بها الدولة لأنها رأت فيها عملية سياسية من الضروري إنجازها. 
لذلك «لم تكن مجالس المناظرات والمسامرات سواء في قصور الخلفاء 
والأمراء أو في الدُور الخاصة والمساجدء مجالس من أجل الترفيه و«الامتاع» 
و«المؤانسة». إنها وأن كانت كذلك في الظاهرء فلقد كانت في واقع الأمر 
إعادة متواصلة ومتكرّرة ل «كتابة» التاريخ, وبكيفية خاصة «تاريخ» العصر 
الجاهلي وصدر الإسلام. إنه التاريخ القومي الذي كانت تُلتقط عناصره من ذاكرة 
الآباء وخيال الأرناء)87), 


بات من الواضح سبب اختيار الجابري لعصر التدوين» إذ إن فيه قد بدأت 
عملية بناء التاريخ الثقافيء وتم النظر إلى العصر الجاهلي من خلاله. لم يهتم 


(5) المصدر نفسه) ص 1 


مفكرنا بالصور التى حلفت غر هذا العصر ‏ الجاهلى - إنما أراد التركيز على 
عبلية الذاء تشنياء قي عدت #ارككن ليت لالسمكة الشيك فو كما إفولم 
يكترث إلى المواد المستخدمة في عملية البناء بقدر ما اهتمٌّ بفعل البناء تحديداً. 
مهما تكن الأسباب التي دفعت العباسيين إلى دعم مشروع التدوين» فالأساس 
يكمن في النهاية بتشييد «العقل العربي» وليس العصر الجاهلي. إنه مع عملية 
البناء هذه راحت تترسّخ في ذهن الإنسان العربي معايير القبول والرفض ومناهج 
العمل والإنتاج» كما تبلورت أيضاً أساليب الإقناع» فبدأ الخطاب العربي في 
التشكل ساكتاً عن أمورء وبارزاً أموراً أخرى بواسطة الكلام المنظم. 


يؤكّد الجابري فى هذا المجال أن بنية العقل العربى قد تشكلت «فى ترابط 
بع العطر الجاهاي 'نعلا» ولكن لأ العصر الجاعلى كنا قاض مرت ما قبل 
البعثة المحمديةء بل العصر الجاهلي كما عاشه في وعيهم عرب ما بعد هذه 
البعثة: العصر الجاهلي بوصفه زمنا ثقافيا تمت استعادته وتم ترتيبه وتنظيمه في 
عصر التدوين الذي يفرض نفسه تاريخياً كإطار مرجعي لما قبله ولما بعده)”"). 

يمكن أن نستنج الأهمية البالغة التي يعطيها لعصر التدوين» فهو بمثابة 
أساس للثقافة العربية» وذلك الإطار المرجعي الذي يجمع بخيوط ثابتة كل ما 
تتضمّنه هذه الثقافة من فروع. إنه صورة عن العصر الجاهلي؛ وصدر الإسلام» 
والقسم الأكبر من العصر الأموي. وهو أيضاً قد أسهم في إنتاج صورة ما بعد 
عصر التدوين. وما العقل العربي واقعاً إلا هذا النسيج الذي امتد إلى الماضي 
فرسم صورته في الوعي العربي؛ وامتد إلى ما بعد التدوين ليبلور الواقع 
الفكري للثقافة العربية. إن هدف هذه العملية كان غربلة كل الموروث الإسلامى 
الذى "تخ أتبائلة. واف رمدي لدان :قن ماكيطة إلى تضحيتة بد ديك وتشسر: وفقه 
ولغة وتاريخ. نجد مفكرنا يبدي ملاحظة متعلقة بعملية «تدوين العلم وتبويبه'» 
والعلم هنا يُراد به الحديث من تفسير وفقه وبخاصة اللغة التي تساعد على 
فهمه. إن هذه العملية لا يمكنها أن تُنجز من دون «الرأي». و«الرأي» يعنى 
الانتقاء. والحخدف والتصحيح» والتقديم. والتأخيرء .وهو يُستخدم في مقابل 
«العلم». هكذا يدخل التبويب إلى جانب التدوين. 


إذء لم تكن العملية محصورة في حماية الموروث الإسلامي من الضياع 


(49) المصدر نفسه؛ ص .5١‏ 


وحسبء كما إنها لم تهدف إلى تصنيف هذا الموروث وتسهيل تداوله من خلال 
تبويبه فقط. لكن كما يرى الجابري (إن العملية كانت فى الحقيقة عملية إعادة 
بئاء ذلك الموروث الثقافى بالشكل الذي تسل ونع اكراناة: أي إطاراً مرجعياً 
لنظرة العريي إلى الاضنات " إلى الكوث والإنسان" والمتيم والتار يه “اين هنا 
نجده يركّز على أهمية عصر التدوين بصفته الإطار حيث تشكلت أسس العقل 
العربي؛ وأولى تجلياته على مستوى الخلق والإبداع. كذلك لقد بدأت في هذا 
العصر عملية نقل نماذج من الثقافات الأجنبية تلبية لحاجات تلك الفترة. ‏ - 


بمكننا إذا أردنا في ختام بحثنا حول مرجعية عصر التدوين أن نستنتج 
بعض الملا حظات المنهجية المتعلقة بمشروع الجابري النقدي. 


إنه بعد أن قام بتحديد العقل العربي على النحو الذي تبلور فيه داخل الثقافة 
العربية وبواسطتها واعتبره «جملة من المبادئ والقواعد التى تقدمها الثقافة العربية 
للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة (. . .) كنظام ل تو قف غندن 
الثقافة العربية باعتبارها الإطار المرجعي للعقل العربي. أشار إلى ثوابت لم تتغير 
في هذه الثقافة منذ أمرئ القيس إلى الشافعي مروراً بالغزالي وصولا إلى ابن 
خلدون. ومن بعده الأفغاني ومحمد عبده وغيرهم كثر. لذلك اعتبر أن الزمن 
الثقافي العربي راكد وإبطاله يقفون على خشبة مسرح واحدء. يجذبون من ينظر 
إليهم لغاية الآن. من هنا كان عليه أن يواجه مسألة التأريخ للثقافة العربي. وأين 
يمكنه وضع لحظة البداية؟ لم يجد أنسب. وأقرب إلى الواقع من اختيار عصر 
التدوين كبداية لتأريخ «العلم» و«الرأي» في الفكر العربي. 

لقد ربط بين الدولة وبداية التاريخ معتبراً أن الشعوب التي لم تؤسّس كياناً 
سياسياً ليس لها تاريخ. وفي حال العربء. بدأ التاريخ مع قيام الدولة 
الإسلامية. لذلك لا يجوز اتخاذ العصر الجاهلى كنقطة انطلاق للثقافة العربية 
التي كانت مبعثرة في ذلك الحين. وهو يرى لأنه كما إن «العصر الجاهلي» لا 
يقسن ساسا ولأ اجحتمافيا عضين التدوين» افهر لآ يفشرة ثقانيا. أننا العكس 
فممكن. بل إنه هو ما حدث بالفعل. فعلاوة على أن العصر الجاهلى قد أعيد 
كاقلن عه اعدو 3 كان «الضياة التعرية تق المفايلية نما عه 
أصولها وفصولها في «الموروث القديم؛ الذي انبعث في صورته «العالمة» في 


(600)المصدر نفسةء ص 114 
)5١(‏ المصدر نفسهة. ص ”3 


م 


عصر التدوين»”"”2. يمكن أن نلحظ الأهمية الكبرى المعطاة لعصر التدوين على 
حساب ما تبله وما بعدهء لقد ركّز مفكرنا على هذا العصر لأنه وجد فيه الوثائق 
والنصوص المدوّنة» أي الثقافة العالمة المبنيّة على الرأي والنظر. إن النزعة 
العقلانية» وهاجس الموضوعية لديه. أجبراه على اختيار البداية ضمن مرجعية 
عصر التدوين وليس خارجها. كل ما هو قبلها يُفهم من خلالها.ء وكل ماهو 
بعدها مرتبط بها. كذلك إن تعدد النظم المعرفية في الثقافة العربية» واختلاف 
الحقول الأيديولوجية يجدان أصلهماء بالنسبة إلى الجابري. فى الصراعات 
والتناقضات التي تبلورت في عصر التدوين وأسّست هويته التاريخية. 


باختصار» يمكن القول إن عصر التدوين هو مهد التجرية العقلية في الفكر 
العربى» فالبداية كانت عنده» ومن العبث البحث عنها خارجاً. وما العقل العربى 
إلا «البنية الذهنية الثاوية في الثقافة العربية كما تشكلت في عصر التدوين»””". 


لقد رأى مفكرنا في عصر التدوين مرجعية العقل العربي؛ لكنه في الوقت 
نفسه اعتبر أن الزمن الثقافي العربي راكد. أي أنه لم يعرف ثورات معرفية تهزّه من 
الداخل منذ تلك الفترة. لذلك كانت الخطوة التالية بعد تحديد البداية تكمن في 
نقد العقل العربي من خلال البحث في أسباب الركود. نود أن نشير إلى أنه حصر 
غجله الشدى سدق إطار العقن المي ولد ريسا أنتيطاول العقل الإستلامن: يف 
مارس النقد إذا؟ ولماذا أقصى العقل الإسلامي من دائرة المفكر فيه لديه؟ 


خامساً: في نقد العقل العربي وليس الإسلامي 


لقد تعاطى الجابري مع العقل العربي انطلاقاً من التمبيز الذي أقامه لالاند 
بين العقل المكوّن والعقل المكوّن. من هنا فهو يريد أن ينتقد هذا العقل من 
زاوينين: الأولى تكمن في التعامل مع العقل العربي كعقل سائدء أي مجموع 
المبادئ والقواعد التى شكلت أساس المعرفة فى الثقافة العربية. والزاوية الثانية 
تكمن في النظر إلى العقل العربي باعتباره عقلاً فاعلاً يقوم بإنشاء وصياغة العقل 
السائد خلال فترة تاريخية محلدة. 


إن النقد في الحالة الأولى ‏ العقل المكوّن ‏ يتمحور حول إنجاز تحليل 


(67) المصدذر نفسهء ص ؟195١.‏ 
(59) المصدر نفسةء ص ١ل.‏ 


موضوعي علمي لمختلف المبادئ والقواعد التي كانت ركيزة المعرفة ونظامها 
في الثقافة العربية. أما النقد في الحالة الثانية ‏ العقل المكوّن ‏ فيهتم بإمكانية 
بناء وصياغة مبادئ وقواعد أخرى لكي تحل مكان القديمة» فيتحقق بالتالي بناء 
عقل سائد جديد. كذلك يمكن النقد هنا أن يعدّل أو يطوّر أو يجدد العقل 
المكوّن القديم من دون إلغاته أو استبداله بآخر. 

إن عملية النقد هذه لا يمكن أن تمارسء بالنسبة إلى مفكرناء إلا من 
داخل العقل العربى عن طريق "تعرية أسسه وتحريك فاعلياته وتطويرها وإغنائها 
بمفاهيم واستشرافات جديدة نستقيها من هذا الجانب أو ذاك من جوانب الفكر 
الإنساني المتقدّم. الفكر الفلسفي والفكر العلمي»”**؟. لذلك نجد أن المهمة 
النقدية عنده اتخذت منحى إيستمولوجياً من خلال انشغاله بتحليل الأسس 
المعرفية للثقافة العربية التي أنتجت العقل العربي. إن هدفه ينحصر في تحرير 
العقل العربي من سلطاته المرجعية» وتغيير البنية التي منعته من تحليل القضايا 
التي طرحت عليه؛ على نحو موضوعي. إن عملية التغيير هذه لا تتم بمجرّد 
التمئي أو الحلمء فهي تفترض ممارسة عقلانية في مجال الفكر والحياة معاء 
كما تتطلب أيضاً وبإلحاح ممارسة «العقلاتية النقدية» في حقل التراث الذي ما 


لن نكرّر هنا ما كنا قد أشرنا إليه في الفصل الرابع حول المنهج عند 
الجابري» بخاصة ما أوردناه في إطار الكلام على القراءة الموضوعية للتراث 
والنقد الإستمولوجي. إنما نريد ان نتوقف عند قراءة مفكرنا لأسباب الركود في 
الفكر العربي وغياب النقد كمرحلة أولى» ومن ثم سوف نبحث في عدم مطاولة 
مشروعه النقدي للعقل الإسلامي واكتفائه بالعقل العربي. 
١‏ - غياب النقد وهيمنة سلطة السلف 

إن بداية المشروع النقدي عند الجابري كانت عام ١987”‏ حين طاولت 
مطرقته «الخطاب العربي المعاصر» ‏ كما سبق أن أشرنا في بداية هذا الفصل - 
الذي لم يمارس النقدء نقد المجتمع؛ والمؤسسات؛ وبخاصة نقد العقل وأسسه 
كما حصل في الغرب الأوروبي. إنه يرى في المراجعة النقدية للفكر أساسا 
وضرورة لتحقيق شروط النجاح في كل نهضة. من هنا حاول أن يبحث في 


(64) المصدر نفسهة.ء ص ؟7١.‏ 


أسباب غياب النقد فى الفكر العربى المعاصر. لقد لحظ وجود عوامل عدة 
حالت دون تبلور خطاب نقدي فى هذا الفكرهء أبرزها هيمنة التراث على آلية 
التفكير » وحضور الغرب بكثافة فى الحياة الفكرية والسياسية العربية. 


إن التراث فاعل فى الخطاب العربى المعاصر وهو يؤدي دوراً رئيساً فى 
تجلياته. لقد تم تناقله عبر التاريخ من دون مراجعة نقدية ولا إعادة تأسيس. 
كذلك هناك الغرب الذي قمعء انطلاقاً من دوره الاستعماري, النمو الاجتماعي 
والاقتصادي والسياسي كما الفكري أيضاً. هذا الأمر قد أدّى إلى الرجوع نحو 
الماضي والتمسّك به دفاعاً عن الهوية المهدّدة. لقد أوقف القمع الذي مارسه 
الغرب عملية التقدّم من جهة. وأسهم في الرجوع إلى الوراء تعزيزاً للمقاومة 
من جهة أخرى ١‏ فنتح من ذلك غياب التفكير النقدي على حساب ااحضور 
5 5 1 5 (هه) 
التفكير التراثي الرجعي بشكل قوي" : 


إذا عدنا إلى المرحلة التكوينية للعقل العربي نجد أنه نشأ بالأساس من 
خلال التعاطي مع النص تفسيراً ولغة وكلاماً. لذلك كان من الضروري وضع 
الطريقة التي سلكها الأقدمون في فهم النص تحت مجهر النقد. لقد تعامل 
هؤلاء مع الألفاظ باعتبارها منجماً يمذهم بالمعاني» فراحوا يطلبون منها ما 
يريدون عن طريق الاستنباط. لقد بحث الأقدمون في الألفاظ عن معانٍ تتوافق 
مع آراء ونظريات مسبقة تنتمي لتيار سياسي أو مذهب فلسفي أو عقيدة معيّنة. 
إن الدراسة النقدية بالنسبة إلى الجابري يجب أن تتطرّق إلى آلية التفسير التي 
عرفها العمل العربي. لكي تكشف عن كيفية انتزاع اللفظة أو العبارة من سياقها 
فيتمٌ تحميلها معنى جاهزاً. يلحظ أن كل المجهود العقلي كان ينصبّ على 
تطويع اللفظ لكي يلائم آراء مذهب معيّن. وهو يرى ضرورة الكشف عن عملية 
التطويع هذه التي كانت تسمّى تأويلا. هنا تبرز سلطة السلف كموجّه صارم في 
عملية التأويل. لقد تمّت ترقية اللفظ إلى مرتبة الأصل مرتين» المرة الأولى 
باعتباره أصل المعنى الذي استُنبط منه بالتأويل» والمرة الثانية باعتباره أصل 
المذهب الأيديولوجي الذي تدعمه سلطة السلف. 


نظراً إلى الصراعات التى كانت سائدة والتنافس بين المذاهبء. كان اللفظ 
الواحد يُحمّل آراء مختلفة لمذاهب متناقضة. كل صاحب رأي يدّعى الصحة 
(55) الجابري» التراث والحداثة: دراسات. . . ومناقشات. ص .١118‏ 


اللا 


لنفسه. ما أدَى إلى جعل العلاقة التى تربط بين اللفظ والمعنى علاقة «جوازاء 
لبجةا عي الظري ولس يعلن البديون إن #الحقى المرادا عر مساوم بك #اقم اله 
متعدّد وفقاً لتعدّد الاتجاهات والأهداف لدى المؤولين. نتج من ذلك قيام مبدأ 
الاحتمال. فمن المحتمل أن يكون المعنى كذا أو كذا. فتكرّس بذلك مبدأ 
«التجويز' من قبل سلطة اللفظ. وأصبح هذا المبدأ أساس التأويل. فمن دونه 
يُغلق الباب أمام المؤول. 

إذاء إن سلطة اللفظ الفاعلة في العقل العربي لم تتعرّض للنقد والدراسة 
التفكيكية لبُكشف عن هيمنتها. كذلك يرى الجابري أن هناك سلطة أخرى لا 
تقل فاعلية تحكمت هي الأخرى بآلية اشتغال العقل العربي» وهو يعني بها 
القياس الذي يرتكز على الجوائلة أي اتقدير شيء على كال شا إن يمكال 
القياس ظهرت بشكل خاص في مجال علوم اللغة وعلوم الدين؛ أي في البيان» 
وهي تكمن في «التعليل». إن العلة التي تُعتمد من أجل تبرير حكم الأصل 
ليست في هذا الأصل» إنما يجب على القائس أن يبحث عنها من خلال الظن. 
من هنا أصبحت العلاقة بين الأصل والنتيجة التي هي في حال القياس حكم 
الفرع. أصبحت غير ضرورية لأنها مجرّد احتمال. لذلك كان العقل الذي يرتكز 
على القياس البياني يحصر عمله بالمقاربة. وهو بالتالي بعيد عن اللزوم 
المنطقى. فلا يعتمد على مبدأ السببية. بل على مبدأ آخر حل مكانه وهو مبدأ 
و كما كانت الحال أيضاً فى ما يتعلق باللفظ. إن العقل عندما يعتمد 
على السببية يفترض أن 00000 وليس المطلوب سوى النتيجة. أما إذا 
كانت النتيجة معطاة باعتبارها حم الأصل. والعلة هي المفقودة» عندها عمل 
العقل سيخضع لمبدأ التجويز القائم على الظن والاحتمال. 

يؤكد مفكرنا في هذا المجال «أن العقل العربي عقل يتعامل مع الألفاظ 
أكثر مما يتعامل مع المفاهيم. ولا يفكر إلا انطلاقاً من أصل أو انتهاء إليه أو 
بتوجيه منه»ء الأصل الذي يحمل معه سلطة السلف إما في لفظه أو في معناهء 
وإن آليتهء آلية هذا العقل. في تحصيل المعرفية ‏ ولا نقول في إنتاجها - هي 
المقازية ٠‏ وي )م السمائل 21 9 )رو إلادني: كن ذللك يعي احور له الموكفا ون 
عام يؤسّس منهجه في التفكير ورؤيته للعالم)»"”؟”2. 


(67) الجابريء بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. ص 054. 


ا 


يمكن أن نشير هنا إلى المنحى الإبستمولوجي الذي اتخذه النقد في 
دعوته إلى تأسيس التراث تأسيساً عقلانياء من خلال تنظيم التراث في الوعي 
العربي وإعادة ترتيبه انطلاقاً من سياقه التاريخي. يجب إدخال التراث في التاريخ 
لكي يدخل العرب أنفسهم بواسطته في التاريخ. بالمقارنة مع النهضة الأوروبية 
نجد أنه تم الرجوع إلى الفكر اليوناني القديم رجوعاً نقدياً وليس ترائيا. لقد 
استوعب هذا الفكر نقدياء لذلك كان تاريخ أوروبا الفكري مبنيا على الاستيعاب 
النقدي للتراث الروماني ‏ اليوناني. لكن الوضع مختلف في ما يتعلق بالفكر 
العربي حيث يتم التعامل مع التراث بوصفه (اصلدوق عجائب)» مئنه القوة 
والأصالةء وما على العقل إلا فهمّه والدفاع عنه. لذلك كان من الضروري 
إضفاء المعقولية على التاريخ الفكري العربي الذي بقي عبر تطوره غير خاضع 
للمنطق. يجب تقديم هذا التاريخ كتطور وصراع وليس «كأكوام» مكدسة من 
الأفكار والتيارات والمذاهب الفكرية. من هنا يشير مفكرنا إلى «أن تعاملنا مع 
التراث يجب أن يمرّ في آن واحد بلحظتين متلازمتين: لحظة الفصل ولحظة 
الوصل : أن نفصل عنا هذا التراث ونضعه فى مكانه التاريخي وننتقده ونرتّبه في 
نظام الحياة التي عاشهاء لكن أيضاً نعيده كشيء لنا2”””0. 


إن الكلام على الفصل والوصل من أهم الملاحظات النقدية التي تميّز بها 
منهج الجابري في التعاطي مع مسألة التراث. الفصل ضروري من أجل التحرّر من 
هيمنة السلف وسلطة القياس الفقهيء, كما إن الوصل أمر لازم من أجل رسم التطور 
الفكري والانتظام في مساره. إن الممارسة النقدية للتراث العربي تضفي المعقولية 
عليه» وترتبه فى سياقه الزمانى وسياقه المكانى الحضاريء كما إنها تنظمه منطقياء 
فيتحلق بذلك ترتيت البنية الذهنية العربية: إن تجنديد الفكر لآ يُنَجَز إلا من خلال 
الممارسة؛ لأن الفكر هو مجموعة مبادئ وأسلوب في العمل ينطبع عميقاً في ذهن 
الإنسان عبر ممارساته. من هنا «ينبغي أن نمارس في تراثنا هذا النوع من العقلانية 


. )مه 


حتى نكتسب عقلانية من خلال هذه الممارسة: هذه مسألة جدلية» 
إن النقد في مفهوم مفكرنا إذا ممارسة تهدف إلى تحقيق العقلانية لكنها 


م2 الجابري» التراث والحداثة : دراسات . .. ومناقشات» ص 067 7. 
(04) المصدر نقه. ص ل9ا50. 


5٠ 


انحصرت في الإطار المعرفي من دون أن تطاول المستوى اللاهوتي. لم يشأ 
التعرّض لقضايا الدين فحصر مهامه بالنقد الإبستمولوجي لآليات المعرفة 
وأششهنا: لماذا ابتعد عن نقد العقل الإسلامي واكتفى بنقد العقل العربي؟ 


 "‏ النقد الإبستمولوجي وليس اللاهوتي 


١لا‏ أرى أن العالم العربي في وضعيته الراهنة يتحمّل ما يمكن أن نعبّر عنه 
بالنقد اللاهوتى. يمكن أن نمارس النقد اللاهوتى من خلال القدماء. أعنى أن 
تستعيد: يككل أو باحر السوار: الذي دار في: تاريكتا الثقاقى ا بين "الجتكلميق 
بعضهم مع بعض وما بينهم وبين الفلاسفة ونوظف هذا الحوار في قضايا عصرنا 
لإزالة القتبات عنها وجغلها مغل حوان 2304 


إن هذا القول من شأنه أن يُدخلنا في صلب موضوع المنهجية النقدية لدى 
الجابري» فالعنوان الذي اختاره لمشروعه: «نقد العقل العربي'؛ عمد من خلاله 
أن يحصر مهامه النقدية بالعقل العربي وليس الإسلامي”'". 


إن قراءة الجابري لواقع العالم العربي جعلته على يقين من عدم التطرّق إلى 
القضايا الدينية والحفر فى طبقات العقل الإسلامى. لذلك أراد أن يفصل بين 
عبارتي ١عقل‏ عربي» و«عقل لإسلامي»» لقد فضّل أن يستخدم عبارة «العقل 
العربي' لسبب الدور الحاسم الذي أذته اللغة العربية في بناء أسس هذا العقل 
وتشكل آليات اشتغاله» ولأنه يعتبر نفسه غير مهتم ولا متخصّص في التحرّك 
ضمن إطار العقل الدينى. كذلك نجده يستعمل عبارة «العقل العربى» من أجل 
المقارنة مع «العقل اليوناني» و«العقل الأوروبي» وليس مع «العقل الوثني و«العقل 
المسيحى». إنه يرى أن اختياره ل «العقل العربى» وليس الإسلامي أتى من باب 
الاختيار الاستراتيجي المبدئي والمنهجي. فالنقد الإبستمولوجي الذي اعتمده 
فرض عليه العمل في حقل العقل العربي. أما النقد اللاهوتي فيجب أن يُمارس 
بالنسبة إليه في عمق كل إنسان. إنه عمل فردي شخصيء إذ إن كل إنسان عليه أن 
يتمرّس بالروح النقدي والنظر العلمي. وهو يعتبر أن النقد اللاهوتي ليس محصورا 
بالنقد الديني إنما أيضا هناك لاهوت في الفلسفة وحتى في العلم. 


(09) المصدر نفسهء ص .١175١‏ 


(20) لن نناقش هذا الخيار هنا إنما فى الفصل الثامن من هذا الكتاب حيث منقارن بين مشروعَئْ 
أركون والجابري التقديين. 


71١ 


يلمّح الجابري بإيجاز إلى أمر نجده في غاية الأهمية وهو اعتباره أن النقد 
الديني يعني «هتك الحرمات» التي يجب أن تُحترم. فهو يصرّح قائلاً: «أما أن 
نقرم هكذا بهتك حرماتناء فلا يمكن. لنا حرمات يجب أن نحترمها حتى تتطوّر 
الأمور ونتطوّر معهاء حتى لا نقفز على التاريخ»''2. لذلك يحصر مجال النقد 
اللاهوتي باستعادة الحوار الذي دار بين ا من المتكلمين عبر التاريخ 
الثقافي العربي» وبينهم وبين الفلاسفة» ومن ثم يُصار إلى توظيف هذا الحوار 
في القضايا المعاصرة لكي تصبح ملتقى للحوار. إنه يريد الابتعاد عن القيام بهذا 
الدور لأنه لا يحمل مشروعاً إصلاحياء بالمعنى الديني للكلمةء فهو يعتبر نفسه 
غير مؤهّل لهذه المهمة. إنه لا ينتمي إلى أهل الإصلاح الاين ولا ويعة بذك 
إذ.لبس لديه أي دافع داخلي أو علمي. يقول: «أنا لست مؤهلاً للقيام بهذا. 
لستُ من أهله وليس من اهتماماتي. لك دا امن نه إذن لن يكون لدي 
دافع داخلي ولا علمي!)”""". 


يشدد الجابري على أن اختياره البحث في العقل العربي وتجتب العقل 
الإسلامي ليس من باب التقية ولا الهروب من المواجهة. إنما هناك حوافز 
أخرى يلخصها بنقطتين: 


السبب الأول الذي يبرّر هذا الاختيار أن مفهوم العقل الإسلامي يتضمّن 
كل ما أنتجه المسلمون سواء في اللغة العربية أم الفارسية أم الأندوئيسية أم 
التركية مثلا» وهو لا يتقن سوى اللغة العربية. إذ كيف لمن يجهل اللغة 
الفارسية أن يقوم بنقد العقل الإسلامي. علماً بأن المفكرين الفرس يكتبون بهذه 
اللغة منذ القرن الخامس الهجري؟ فهو نجده يقول: «إن جهلى للغة الفارسية 
واللقافة القارسية الإسلامية وغير الإسلامية '(قيل الاستلاه) ايحرك وول ودون 
التفكير في نقد «العقل الإسلامي» هكذا بإطلاق2"00, 

- أما السبب الثاني الذي حال دون قيام مفكرنا بنقد العقل الإسلامي فهو 
متعلق بطموحاته. فهو لا يهدف إلى إنشاء علم كلام جديد أو حتى إلى إحياء 
هذا العلم ‏ كما دعا إليه حسن حنفي من خلال مشروعه الفكري ‏ لأن نقد 


,519١ الجابري . المصدر نفسها. ص‎ 6١ 

(11) محمد عابد الجابري» «التجديد لا يمكن أن يتمّ.. إلا من داخل تراثنا (مقابلة فكرية):" حاوره 
عبد الإله بلقزيز؛ المستقبل العربي؛ السنة 4 ؟» العدد 5048 (نيسان/ أبريل .»)5٠١*‏ ص 18. 

[فرقكفق الجابري» التراث والحداثة : دراسات . 7 وماقشات» ص الي 


571 


العقل الإسلامي يطاول المضمون الديني الذي لا يهتم بشأنه. فخياره 
الإبستمولوجي واضح. لقد أراد أن يحصر عمله في مجال «الثقافة العربية 
الإسلامية». أي تلك التى تأسست داخل اللغة العربية وبواسطتهاء كما إنها 
نشات داخل الإسلام 1 خلال معطياته. والنقد الذي يمارسه حدد إطار عمله 
بأدوات المعرفة وبنية العقلء, والنُظم المعرفية» وأقصى عن دائرته العقيدة 
والمذاهب الدينية» فهو يشير قائلاً: «وبما أن اللغة العربية مكؤن أساسى للثقافة 
العرية الاتلايعة ملند عكرت أن يكرت على لشعرنا إلن لذن كاده معراقة 
وحاملة تصور للعالم» وليص لل 


يمكن أن نلحظ بوضوح اهتمام الجابري باللغة العربية وبمظاهر حضورها 
والمسائل التى طرحتهاء لقد شكلت محوراً مهما ف مشروعه النقدي. لذلك فهو 
يعتقد أنه إذا تمّ تجريد مؤلفاته وكل الصفحات التي تناول فيها مسألة اللغة لن يبقى 
من مشروعه شيء يذكر. من هنا سوف نتوقف في ما يلي عند أهمية اللغة وعلاقتها 
بالفكر كما تبلورت في الثقافة العربية من خلال أبحاث مفكرناء فهو الذي يعتبر أن 
نظام المعرقة فى كل ثقاقة مرتيط يكل :وثبق "اللخ أما فى ما يتعلى #الثقافة 
العربية فإنه يشير إلى أن اللغة العربية أدَت دور المحدّد الرئيس للعقل العربى سواء 
على صعيد البنية. أم على صَعِيْد التشاط العام: لذلك. نجد لراما علينا إبراز هذه 
الخطوة المنهجية التي تمثلّت عند الجابري بإظهار أهمية اللغة وأثرها في قولبة 
العقل العربي» وبنقد لا تاريخيتها وطبيعتها الحسية. كما إنه يرى أن أول عمل قام 
به العقل العربي على نحوٍ علمي منظم كان جمع اللغة العربية وتقعيدهاء من هنا 
نجد أهمية في التوقف عند هذا العمل ونتائجه في الثقافة العربية. 


سادساً: العقل العربي لغةً وفكراً فى الثقافة العربية 
«(إذا كانت الفلسفة هي «معجزة) اليونان فإن علوم العربية هي «معجزة» 
يننا 
إن حب العربي للغته بلغ مرتبة التقديس. صحيح أن السلطة التي تمارسها 
اللغة عليه تعبّر عن قوتهاء لكنها في الوقت عينه تظهر مهارته في تطويعها. إذا 
كان العربي بارعا في التعاطي مع لغته فهو يقترب أكثر من تحقيق هويته 


(54) المصدر نفسهء ص للفدرة 
(16) الجابري» تكوين العقل العربي ١‏ ص ث4 


تدا 


كإنسان» لأن العقل وحده لا يحدد ماهيته» إنما هناك الفصاحة أو القدرة على 
التخيز الى :تؤذى دور مهسا فى تحديد خصوصيعة. لذلك يرق الجابري أن 
«العربي 002 فصيح؟. ا ليم تمجزد «العق 4 تتحده ماهيع” 27 
وهو يعطي الأولوية في أبحاثه للغة العربية لأن أهم ما أسهم به العرب في 
تأسيس الحضارة الإسلامية وتطويرها كان في «اللغة والدين». كما إن الدين 
الإسلامى مرتبط بالقران «الكتاب العربى المبين». فلا يمكن الاستغناء عن هذه 
النةاين أنبل. فهه الدعرةة]لالية الع مفتها تهها مديها. 

كذلك فإن أهمية التوقف عند اللغة العربية تفرضها الخلافات المنهجية 
المذهبية والكلامية والفقهية» التى تجد أصلها فى اللغة» وفى ما تتضمّنه من 
وفرة في الألفاظ. وفائض في المح للفظ الواعن هت ايه دوعق إن ميات 
الخلافات السياسيةء هي أيضاء لم تكن بعيدة عن اللغة. على الرغم من أن 
ظاهرها كان طائفياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً. لقد اتخذت من النص دعماً لها من 
خلال مطواعية اللغة العربية. 


يشير مفكرنا إلى أن عملية جمع اللغة العربية وتأسيس قواعدها كانت بداية 
العمل العلمي المنظم الذي قام به العقل العربي» من هنا كان المنهج الذي اتبعه 
اللغويون والنحاة بمثابة «الأصل» الذي سيُعتمد في ما بعد من قبل علماء الدين» 
أو على الأقل سوف يساعدهم في تأسيس منهجهم. علماأ أن العلوم اللغوية 
تأثرت لاحقأ بالعلوم الدينية أيضاً. لذلك كانت اللغة العربية محدداً رئيساً للعقل 
العربي في بنيته ونشاطه» وهي منذ تدوينها بدأت تعكس نظرة العربي في كثير 


١‏ الأعرابي والأصل الحسّي للغة 

يؤكد مفكرنا تعدّد الثقافات» وأن كل ثقافة تُطبع بخاتم اللغة التي تنتجها. 
كذلك يشير إلى أن نظام المعرفة العام في كل ثقافة يختلف عن نظام المعرفة 
داخل الثقافات الأخرى انطلاقا من لغة هذه الثقافة. من هنا سوف يتطرّق إلى 
خصوصيةة العلاقة بين اللغة والفكر في الثقافة العربية من خلال «الإبستمولوجيا 
الثقافية»» أي أنه سوف يرتكز على البحث في أسس المعرفة؛ مهملا بالتالي 
النالكة القلدمة ولتت النمات "التاق ليده العاوقة: ْ 


0 المصدر تفسةء ص ولا. 


571 


يعود الجابري إلى المفكر الألماني هردر (116:06) الذي كان من أول 
الذين حاولوا ضبط العلاقة بين اللغة والفكر خلال العصر الحديث. لقد ركز 
هردر على دور اللغة في نظرة الإنسان إلى الكون. وهو يربط بين خصائص 
اللغة وخصائص الأمة التي تنطق بهاء معتبراً أن كل أمة تعكس في كلامها كيفية 
تفكيرها. إنه يرى «أن اللغة ليست مجرّد أداة للفكرء بل هى أيضاً القالب الذي 
يتشكل فيه الفكر»”""2. فهي الأداة والمحتوى و«القالب» الذي يرسم حدود 
المعرفة. وهي التي تقدم تصور قوم ما للعالم. بمعنى آخرء ليس دور اللغة 
محصوراً بالقدرة على الكلام إنما يطاول أيضاً القدرة على التفكير. كذلك إن 
اللغة تعكس الظروف الطبيعية للقوم الذي يتكلم بهاء وهي تحمل هذا 
الانعكاس إلى أماكن وأزمنة أخرىء» فيتم من خلال ذلك تحديد نظرة هذا القوم 
إلى الأشياء وتأطيرها. 


إن كل ما عرضه الجابري؛ حول نظرية هردر في اللغة والفكرء. يعتبره 
صحيحاً ليس فقط بالنسبة إلى لغات العالم لكن أيضاً بالنسبة إلى اللغة العربية 
التي لها خصوصيتهاء من هنا فهو يعود مرة أخرى إلى عصر التدوين ليبحث في 
كيفية جمع المادة اللغوية والمراحل التي مرّ بها. 

يرى مفكرنا أنه لا يمكن أن نفهم العلاقة التي تربط بين اللغة والفكر 
خارج إطار الثقافة» لذلك فهو يعود إلى بداية الثقافة العربية ‏ كما كان قد 
أشار سابقاً - أي إلى عصر التدوين الذي لا يعتيره مجورّد عملية تسجيل 
وتقييدء إنما هو إعادة بناء الهيكل الثقافي بشكل عام. مع كل ما يعتريها من 
تأويل وزيادة وحذف. لقد دوّنت اللغة العربية في هذا العصرء وأسّست العلوم 
الإسلامية» وتُرجمت الفلسفة اليونانية» فأدّى كل ذلك إلى تداخل معيّن طبع 
العلاقة بين اللغة العربية والفكر العربي بخصوصية متميّزة ظهرت من خلال 
أمور عدّةء. أولهاء العودة إلى الأعرابي وإبراز أهمية «خشن الجلد» الذي لم 
يعرف البتة حياة المدينة. 


يؤكد الجابري أن الثمانين ألف مادة لغوية المدوّنة فى لسان العرب تتعلّق 
بحياة الأعرابي الذي نُصَبٍ بطل عصر التدوين» لأنه بقى خشن اليدين لم تفسده 
الحضارة. إن تفشّى اللخحن فى اللغة العربية بعد أن صار غير العرب أكثرية فى 


(0) المصدر نفهء. ص لالا. 


ا 


المدن الكبرى. أوجب ضبط هذه اللغة عن طريق أخذها من ينابيعها حيث 
الفطرة وسلامة النطق. كذلك إن جمع اللغة قد ساعد على فهم القرآن وتفسيره» 
كما قدّم للمجتمع الإسلامي لغة واحدة بإمكان الجميع أن يتعلموها وفق الطرق 
العلمية. لقد تجنّد عدد كبير من أجل إحصاء الكلمات». ووضع القواميس» 
واستخراج القواعد. فبات هذا العمل «صناعة» بحد ذاتهاء ما اقتضى وضع 
مقاييس» وطرق منظمة لضبط العمل. 


هكذا تم الانتقال من رواية اللغة إلى صناعتها باحتراف مع أفراد عدة. 
أبرزهم الخليل بن أحمد الفراهيدي. لقد بدأت عملية البحث عن الأعراب الأكثر 
توغلاً في الصحراء من أجل الحصول على ما هو غريب نادر. إن هذا الأمر قد 
جعل بعض الذين يملكون البضاعة المطلوبة يعمدون إلى الكذب والوضع من 
أجل ترويحج الألفاظ البدوية البعيدة عن الحضارة» وتحقيق الكسب المادي. 


يشير مفكرنا في هذا المجال إلى أن حصر عملية جمع اللغة بالأعراب 
وحدهم ند أدَى إلى تحديد عالم اللغة العربية بأطر البداوة فحسب. وبما أن 
حياة البدر كانت تتّصف بالحسية والبدائية» انعكس ذلك على لغتهم. فكانت 
هي أيضا حسية وبدائية. «ومن هنا لا تاريخية اللغة العربية وطبيعتها الحسية. إن 
تاليا" ادق افيه اتطات عو اله عستي لا اريت و عام السد و مق العرت 
الذين يعيشون زمناً ممتدأاً كامتداد الصحراءء زمن التكرار والرتابة» ومكاناً بل 
فضاء فارغاً هادثاأء كل شيء فيه اينطق) وايسمع". كل شيء فيه صورة 
حسيةء بصريةء أو سمعية. هذا العالم هو كلء. أو أهم. ما تنقله اللغة العربية 
المعجمية إلى أهلها»!*". 


يمكن أن نلحظ عدم موافقة الجابري على تحجيم اللغة العربية في إطار 
الحياة الصحراوية» حياة البداوة والمحدودية. إنه ينتقد اكتفاء واضعي القواميس 
بعالم الأعرابي» ورفضهم كل كلمة ليس لها أصل حسّي بدوي باعتبارها دخيلة. 
إنه مندهش لعدم ذكر القواميس لأسماء الأدوات وأنواع العلاقات التي تبلورت 
في مجتمع مكة والمدينة أيام النبي وخلال حكم الخلفاء الأربعة من بعده» كما 
تبلورت أيضا في المدن الكبرى كدمشق وبغداد والقاهرة. وهي كلها مجتمعات 
حضرية عرفت الكثير من الآلات والأدوات. إن المادة اللغوية البدوية أصبحت 


(58) الجابري» التراث والحداثة : دراسات . . . ومناقشات. ص .١44‏ 


لذن 


متراكمة تحوي الكثير من المترادفات» بلغ درجة عالية من الفائض في الألفاظ 
على حساب المعنى. تجدر الإشارة إلى أن هذه الألفاظ لا تمتّ إلى عالم 
الحضر بصلة. وبات «الأعرابي هو فعلاً صانع «العالم» الع 

إن الثمانين ألف مادة لغوية التى يحويها قاموس لسان العرب تنقل إلينا 
واف شياة الاعراني» وتهدل: ني لوقك عيده ذكر ابيكاءالأشباء الطبيجة 
والصناعية.» كما المفاهيم النظرية والمصطلحات التي عرفها عصر ابن منظور في 
القرنين السابع والثامن الهجريين. كذلك نجد تعدّد الأسماء على الرغم من أن 
المسمّى واحدء. بسبب اختلاف المصادر التى أخذت منهاء وليس لأن هناك 
اختلافات دقيقة في المعنى؛ فما علينا إلا أن نراجع مثلاً عدد المترادفات التي 
تعبّر عن معنى كلمة إبل أو أسد أو غيرهما من الأشياء التي كانت تهمّ الأعرابي 
«بطل عصر التدوين). 

لقد نتج من جمع هذه المادة اللغوية اغتراب الفصحى عن أبنائها. لقد 
ظلّت لغة المعاجم والشعر والأدب تنتمي إلى عالم بدوي بعيد عن الحياة التي 

يعيشها الحضرء وهم يتواصلون مع هذا العالم من خلال وجدانهم وأذهانهم. 

هناك إذأّ تناقض , بين العالم الذي يعيشون فيه بغناه وتعقيده وبين العالم الذي 
كان يعيش فيه الأعرالة وعبّر عنه بالكلمة والعبارة والخيال. «لقد جمدت اللغة 
العوي 'معدها علطن : .بج ولك الصزاة: الاجكاعية 11 سيك ولك متسطك لقن 
انتقمت لنفسها بفرض لهجات «عربية» عامية كانت وما تزال «أغنى» كثيراً من 
اللغة الفصحى)””". 


يشير الجابري في هذا المجال إلى معاناة الإنسان العربي حتى اليوم. فهو 
يعيش تمرّقاً مره إلى أن اللغة التي يكتب ويفكر من خلالها لا تمده بالكلمات 
الشرووية الكي يدر عرق أكنياة: عالمه المعاصن على الرغد "مق أن عدم اللقة 
ع بالية داخلية راقية. هناك وفرة في المفاهيم والمصطلحات التي استخدمها 
الأجدادء وفمّر متزايد في المادة اللغوية التي تخص المجال العلمي 
والتكنولوجي المعاصر. لكن هذا الأمر لا يلغي أهمية تدوين كل ما نقل اللغة 
العربية من مرتبة اللاعلم إلى مرتبة العلم. كيف ظهر ذلك من خلال علم 
النحو مثلظ؟ 


(59) المصدر نفسه. ص 146. 


لقا 


- القوالب النحوية وطبيعتها المنطقية 


إن الدور الذي قام به اللغويون والنحاة قد أسهم إلى حد بعيد في تأطير 
العقل العربي الذي ظهرت فاعليته في اللغة العربية ومن خلالها. فالسماع من 
الأعرابي رسم حدود العالم اللغوي؛ والصناعة التي مارسها علماء اللغة والنحو 
قولبت العقل العربي. يشير مفكرنا إلى أهمية «الإمكان الذهني» في عملية جمع 
اللغة ووضع المعاجم زالقواميسء ما فسح المجال أمام الصناعة اللغوية 
بالازدهار. فهو يعتبر أن الطريقة التي اعتمدها الخليل في عملية جمع اللغة 
ووضع معجم لها ترتكز على أساس منهجي متقدّم. لكنها في الوقت عينه 
اندجت بالانطلاق من «الإمكان الذهنى» وإهمال المعطى اللغوي. بات من 
ابسن الفسيق انين الككلام الدئ نطق به العرت فعلا وبين الكلدم الذي كم 
تركيبه من الحروف الهجائية وفقاً للأوزان اللغوية. ينتقد الجابري هذا المنحى 
السلبي الذي جعل لغة المعاجم لغة إمكان وليس لغة واقع. كما إن المبدأ الذي 
يحكمها هو القياس وليس السماع. إن صحة الكلمة باتت تقاس نسبة إلى 
إمكانيتها وليس إلى واقعيتهاء فهي ممكنة كلما كان هناك أصل ترد إليه» وهي 
غير واقعية لأن الفرع هنا معطى نظري يخرج عن إطار التجربة الاجتماعية. 


كذلك. الاعتماد على الاشتقاق بشكل أساس قد أدّى إلى تكريس 
الانطلاق من اللفظ إلى المعنى؛ وبما أن عملية الاشتقاق ترتكز على الفعل, 
أصبح المسار محذداً بالفعل الذي هو بمثابة الأصل. كنقطة انطلاق» 
وبالمشتقات» كنقطة وصول. إن الأسماء المشتقة ليست مرتبطة بالسماع إنما 
بالأوزان التي وضعت لها كقوالب منطقية مؤسّسة على «الإمكان الذهني». 


يعمد الجابري هنا إلى المقارنة بين القوالب النحوية المنطقية العربية 
ومقولات أرسطو ليشير إلى ملاحظات عدة. يبدأ بالتمييز بين اللغة اليوناتية 
واللغة العربية» ف الأولى تنطلق من الاسمء سن ال هناك 
إذا تقابل بين الجوهر وما يمكن تحميله عند أرسطوء وبين الفعل وما يمكن 
الأفوقاق عل عمل النيحاة العرت ”2 


(9/1) المقولات العشر عند أرسطو هي: الجوهر ‏ الكم الكيف الإضافة ‏ المكان_الزمان ‏ 
الوضع ‏ الملكية ‏ الفعل - الانفعال. أما مقولات النحاة فهي : الفعل ‏ اسم المرة وأمثلة المبالغة اسم الهيئة 
والصفة المشبهة وأفعل التفضيل اسم المكان اسم الزمان_ اسم الفاعل اسم المفعول_المصدر -اسم 
الآلة. لمزيد من التفاصيل انظر : الجابري. التراث والحداثة: دراسات . . . ومناقشات. ص .١47‏ 


78 


إن الاختلاف فى نقطة الانطلاق بين أرسطو والنحاة العرب سمحت لمفكرنا 
باستنتاج بعض الخلاصات أهمها يتعلّق بانعدام مقولات الإضافة والوضع 
والملكية عند النحاة ووجودها عند أرسطو. إن عملية الاشتقاق اعتمدت على 
الفعل الذي لا علاقة له بهذه المقولاات» والخلافات بين المتكلمين والفلاسفة فى 
الها ١‏ "الماوزاقة تحن صعلينا فى غنات هت المفوالات تكديذا عن حنتفات اللعا 
العربية. بينما نجد أن أرسطو الذي انطلق من الجوهرء كان من السهل عليه أن 
يحمّله الإضافة والوضع والملكية. أما المتكلمون فلم يقبلوا حمل هذه المقولاات 
على الإنسان لأن الله هو المالك هو الفاعل الأوحد وكل شيء يُنسب إليه. 


نجد في المقابل أن مقولات أرسطو خالية مما يعبر عن المصدر واسم 
الآلة» كما ورد في المشتقات العربية. إن اسم الآلة يدل على آلة الفعل؛. فهو 
غير متعلّق بالجوهره أما المصدر فهو مرتبط بالحدث أو بالفعل خارج إطار 
الزمان. فلا يمكن حمله أيضاً على الجوهر. يرى الجابري أنه إذا انتقلنا إلى 
مرتبة الفكر المجرّد نجد معنىئ خاصاً فى غياب المصدر عند أرسطو. إن العقلية 
العربية تقبل بحدوث فعل ما خارج الزمان» فهي تفصل بينه وبين الفعل» من 
هنا مثلاً القول بحدوث العالم. أما التصوّر اليوناني فلا يستسيغ حدوث أي شيء 
خارج الزمان لأنه هو والفعل متلازمان» لذلك كان العالم قديمأء وكذلك 
الزمان بالنسبة إلى أرسطو. 


تجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن الانطلاق من الجوهر وجعله يحمل 
سائر المقولات يؤدّي إلى جعل الجملة تنطق بحكمء بينما نجد في المقابل أن 
الانطلاق من الفعل واشتقاقاته يجعل الجملة تُظهر من الذي صدر الفعل عنه أو 
قام به. من الضروري هنا توضيح قول البصريين بأن أصل الاشتقاق هو المصدر 
وليس الفعل كما يؤكد الكوفيوث. إن المصدر هو فعل من دون زمان فهو 
يساوي الحدث. كذلك إن الجملة الاسمية في اللغة العربية ليست كما في منطق 
أرسطوء إنها عبارة عن مبتدأ وخبرء مهمّتها الإخبار عن اسم هو في الأصل 
فاعل قام بالفعل. أما الجملة في المنطق الأرسطي فهي عبارة عن موضوع 
ومحمولء» تصدر حكماً ما. يخلص الجابري إلى القول (إن الأمر يتعلّق في 
اللجملة العرسة شف كاله اوتفقلة + بإصدار ديات لا بإصيدان يحكم ا كما هر 
الحال في الجملة اليونانية وفي اللغات الآرية بكيفية عامة)»”"". 


.١118 المصذر نفسه» ص‎ 7١ 


310 


يظهر هنا بوضوح كيف أن اللغة من خلال علم النحو أثْرت إلى حدّ بعيد 
في الفكر العربي وقولبت العقلء انطلاقاً من عمل النحاة واللغويين. كذلك لم 
يترذد البلاغيون في تكريس نوع من المقاييس البدوية أسْست للنقد البلاغي» فما 
هي هذه المقاييس؟ 


- أساليب البيان وطبيعتها الاستدلالية 


يرى الجابري أن اللغويين والنحاة لم يكونوا وحدهم الذين وضعوا أطر 
اللغة العربية انطلاقاً من لغة الأعرابي» فالبلاغيون كرّسوا الأنموذج الجاهلي 
كمقياس للنقد البلاغي» فهو الذي يتحكم بالشعر والذوق الأدبي. إن الجاحظ 
يربط مثلاً بلوغ القمة في الشعر بكون الشاعر أعرابياًء لأن بلاده هي منبت 
الفصاحة التامة. من هنا خصر الإبداع بالمقدرة على «التوليد» و«حسن الاتباع». 
فصار بذلك الارتباط بالتقاليد اللغوية القديمة معياراً يعتمده البلاغيون لفهم شعر 
المحدثين» ما زاد في قدسية اللغة العربية. وقلل من إمكانية تطويرها. 
البيان العربي. كما إن والمراتت النحوية كانت ا ل فإن 
بؤكد الكاكي في هذا لياق أن من أتقن أصلا لاخدا من علو انان كأصل 
التشيدة أو الكناية أو الاستعارة ووقف على كيفية مساقه لتحصيل المطلوب 
أطلعه ذلك على كيفية نظم الدليل»””". 


من الواضح هنا المزج بين البيان أو الخطاب البلاغي وبين الاستدلال أو 
الخطاب المنطقي. هذا من خصوصية الخطاب العربي المختلف بدوره عن 
تصوّر أرسطو الذي يفصل بين المنطق والبلاغة. يرى الجابري أن قراءة السكاكي 
للبلاغة العربية» أو لأساليب البيان العربي» قراءة مبرّرة لأنه اكتشف الطابع 
المنطقي لهذه الأساليب من دون أن يحاول إقحام المنطق في غير محله. كما إنه 
بشير إلى أن نشأة علم البلاغة كان بدافع الحاجة الداخلية للثقافة العربية 
الإسلاميةء إذ إنه من الضروري الكشف عن منطق الخطاب البلاغى العربى» 
من أجل أن يصبح استثمار النص القرآني في الشريعة والقدية معنا 1 


(7) أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر الكاكيء مفتاح العلوم؛ ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه نعيم 
زرزور (بسروت : دار الكتب العلمية 185)). ص 185. 


لمرو 


المتكلمين هم أول من أسّس هذا العلم. بخاصة المعتزلة من أجل الدفاع عن 
إعجاز القرآن» فعملوا على الكشف عن «دلائل الإعجاز» في الكلام العربي 
وإظهار «أسرار البلاغة» فيه. 


يشير مفكرنا إلى أهمية التشبيه بالنسبة إلى علماء البلاغة» لأن مختلف 
أساليب البيان تعود إليهء ويحدد الجرجاني سرّ التشبيه البليغ في «أن تصيب بين 
المختلفين في الجنس وفي ظاهر الأمر شبها صحيحا معقولا وتجد للملاءمة 
والتأليف السوي بينهما مذهباً وإليهما سبيلاً”*"'. يكمن سر البلاغة إذأ في 
الجمع بين شيئين اختلفا في الجنس» وهذا ما ظهر فعلاً في القصائد العربية 
خلال العصر الجاهلي وفي «ديوان العرب». فالقصيدة مثل سلسلة ذات حلقات 
منفصلة. كل واحدة منها تقدّم صورة بيانية تجمع بين مختلفين في الجنس 
محاولة أن تؤلّف بينهما بشكل سويء وذلك إما بواسطة التشبيهء أو الاستعارة» 
أو الكناية» وهما يعودان إلى أصل واحد هو التشبيه. من هنا تصبح الصورة التي 
نجدها في القصيدة العربية عن العالم الطبيعي والعالم الوجداني. مجموعة من 
المشاهد المنفصلة حيث يلغي فيها المشهد اللاحق المشهد الذي سبقه» كما إن 
هذه قيرغالا ها كود حي 


ينتقد الجابري عملية الاستدلال البيانى» أو الإعجاز البلاغى فى الخطاب 
العربي لأنها ترتكز «على نوع من «الفمع» الإبستمولوجي قوامه التأليف بين 
المخلنات تواستطة 'معافداحية تاطلقة تنح الاختلاف 'وتظير الاتتلافوتترك 
للمخاطب مهمة اممقلاض المع بكفسة بعد أن توح له به إبحات وتوجهة إليه 
توتحيها حما بسر ف عر المنافة ولا را 


يمكن أن نلحظ الهم المعرفي عند مفكرناء فهو يبحث دائما عن حالات 
«القمع» في أساليب التفكير داخل الثقافة لكي يبرزها وينتقدهاء منبّها إلى 
خطورة تراكم هذا «القمع» عبر الزمن. وفي كلامه على «القمع» الإبستمولوجي 
الذي يمارسه الاستدلال البيانى العربي»؛ فهو يرده إلى طبيعة اللغة حيث إن 
التوازن غير قائم بين الألفاظ والمعنى. قد نجد في العبارة أن الألفاظ أقل من 
المعنى, فيُفسح المجال في إتمام هذا المعنى» وقد نجد أن المعنى معبّر عنه 


(4؟) أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانى» أسرار البلاغة. تحقيق السيّد محمد رشيد رضا 
(القاهرة: مكتبة القاهرة» [د. ت.]).) ص ,١7١‏ 
6 الجابري» التراث والحداثة : دراسات . 2 ومناقشات. ص 1١06+‏ 


ين 


من خلال فائض من الألفاظ تعويضاً عن غيابه. إن القارئ أو السامع يجد نفسه 
في كل من الحالتين يتلقى خطاباً يُشغله بالعلاقة بين الألفاظ والمعنى بدلاً من 
الاهتمام بالبحث في علاقة المعاني مع بعضها بعضاً. إن التركيز يتمّ إذا على 
البيان اللغويء والاستدلال البياني» فيكتسي الخطاب العربي بذلك منحى لغوياً 
يانا معدا عن المندى الفكرئ: المتظفى: 

في ختام هذا البحث المتعلّق باللغة والفكر في الثقافة العربية الإسلامية نود 
أن نتوقف عند النقاط التى استنتجناها من أهم ما أورد الجابري عن تأثير اللغة 
العربية في الفكر العربي. 


١‏ -إن النحو هو أول علم وضعه العرب. به سوف تستعين العلوم 
الأخرى التي واكبت علوم اللغة أو جاءت من بعدها. فالقياس النحوي مثلا هو 
أساس القياس الفقهي. إذ إن الشافعي لم يخترع القياس إنما أخذه عن النحاةء 
باعتباره طريقة خاصة تسهم في إنتاج الأحكام وتعميمها. لقد أراد الشافعي أن 
بُنجز فى مجال الفقه ما حمقّقه سيبويه فى النحو. فكان مجبرا على الاستعانة 
اللجهاز المعرفى:والطريقة اللذين استخدمهما النضاة إن ربتالة ‏ الشاففى سهد 
على ذلك مَنك الفضل_ الأول #كيف: البيان6:. فهى بحت فى الطريقة. المؤدية :إلى 
نهم النص الديني والاستفادة منه في الفقه. - ْ 


"إن النحو قد مارس دوراً مهماً في مجال علم الكلام الذي كان في 
أرل مراحله علماً لغوياً. إنه كلام في النصوص. كذلك إن القياس النحوي كما 
الكلامي» أي الاستدلال بالشاهد على الغائب. يرى مفكرنا أن منهج المتكلمين 
في عملية القياس أقرب إلى منهج النحاة منه إلى منهج الفقهاء؛ بخاصة في 
مجال العودة إلى الحس فى البحث عن العلّة. كذلك اعتمد المتكلمون على 
اللغة باعتبارها مرجعاً يحتكمون إليه في عملية تحديد المفاهيم الماورائية التي 


“ - إن تأثير النحو في الفقه وعلم الكلام لم يكن أحادي الجانب» لأن 
المتأخرين من النحاة قد تأثرواء بدورهمء. بعلم أصول الفقه واستعانوا بالكثير 
من مفاهيم علم الكلام مثل: الحركة والعرض . . . إلخ. إن هذا الأمر لم يحد 
من أهمية اللغة وتأثيرها في العلوم الأخرى التي اتخذت النص موضوعا لهاء 
علماً أن البحث المنهجي في اللغة شكل الأساس لأي منهجية لاحقة. فعلوم 


71 


التفسير والحديث والفقه والكلام تتمحور حول النص كما علم النحو والصرف 
والبلاغة. من هنا كانت العلوم اللغوية تشكل السلطة المرجعية اللاشعورية للعقل 
العربي التي قامت بقمع هذا العقل فمنعته عن التفكير المبدع. 


- إن القوالب الصورية التى وضعها الخليل وزملاؤه قد أعطت اللغة 
الوبَية وبنامية :داخلية عي طريق الاتعفاق + لكنيا ني الوقتا ينه قد أبعدنت 
عنها إمكانية التطوير التي يفرضها التاريخ. بقيت اللغة العربية كما كانت أيام 
الخليل لم يطرأ عليها أي تغيير يُذكر في مجال النحو والصرف. ولا في مجال 
معاني الألفاظ وكيفية توالدهاء فباتت لغة تعلو على التاريخ. كذلك إن الاعتماد 
على الإعراب وحدهم في عملية جمع اللغة قد حذ من عالم اللغة العربية 
وفصّله على قياس عالم الإعراب. من هنا طابعها الحسي. لذلك يدعو مفكرنا 
إلى النظر النقدي في لا تاريخية اللغة العربية وفي طابعها الحسيء. وعدم 
الاكتفاء بالرضى والمدح. 


ه ‏ إن ارتكاز جامعي اللغة على الأعراب وحدهم قد أفقد هذه اللغة 
العديد من الألفاظ والمفاهيم الجديدة التي وردت في كل من القرآن والحديث 
والتي كانت متداولة في المجتمع الحضري داخل مكة والمدينة. لذلك جاءت 
لغة المعاجم والنحو أضيق وأكثر تصلباً من لغة القرآن. فهي إذاً أقلّ تحضراً 
منها. فالقرآن واسع وخصب. من هنا كانت اللغة التي أسَّسها عصر التدوين 
عاجزة عن استيعابه كما يجب. إن الفقر الذي عانته اللغة العربية فى 
المصطلحات الحضارية قابله غنى في المترادفات ذات الأصل البدويء. وبما أن 
الجمع طال قبائل عديدة؛ جاءت الأسماء كثيرة للشيء الواحد. كذلك إن 
الطريقة التي اعتمدها الخليل من أجل الاشتقاق كرّست منهجا ينطلق من اللفظ 
إلى المعنى. وبما أن الألفاظ التي تنطلق منها عملية الاشتقاق هي في صيغة 
الفعل أو المصدرء فقد تم إذاً تكريس الانطلاق من الفعل إلى المشتقّات» 
وامتنعت العبارة عن إصدار الحكم من خلال الاكتفاء بالإخبار. 

5 إن أساليب البيان قد أدّت في الخطاب العربي الدور نفسه الذي قام به 
الاستدلال في الخطاب المنطقي. هذا ما كان يعيه البلاغيون وعلى رأسهم 
السكاكي. لقد أجمع علماء البلاغة على أن التشبيه يشكل ركن أساليب البيان في 
اللسان العربي» وما في الجمع بين مختلفين والتأليف بينهما إلا سر البلاغة 
العربية» وهو ما نجده بوضوح في آلية اشتغال البيان والبرهان. من هنا يأتي 


لخدن 


انتقاد الجابري للإعجاز البلاغي» أو الاستدلال البياني» فنعته ب «القمع 
الإبستمولوجي» المبني على التأليف بين المختلفات عن طريق مشاهد حسية 
ناطقة تُبرز الشبه وتُخفى الاختلاف. موجّهة المخاطب نحو استخلاص المعنىء 
ما يؤدّي إلى الابتعاد عن المناقشة أو الاعتراض. هكذا يجد المخاطب نفسه 
مقصيا عن عملية ملاحقة العلاقة بين المعاني» وعن التفكير المنطقي. لكي 
ينشغل تحديداً بالعلاقة بين الألفاظ والمعنى. لذلك يرى مفكرنا أن طبيعة 
الخطاب العربي لغوية بيانية وليس فكرية منطقية. 

إن هذه الملاحظات من شأنها أن تبرز وحدة المنهج في مختلف العلوم 
العربية الإسلامية» وارتباط هذه العلوم بشكل عميق بالبحث اللغوي وبمنهجه 
يرى الجابري «أن الاكتفاء بالتعامل مع سطح اللغة وتجتب التأويل والقول 
ب اللا كيف) واعتماد المقولاات اللغوية والصور البيانية الحسية الطابعء 6.0 
واعتماد القياس الفقهى فى الاستدلال. وقبل ذلك وبعده الانطلاق من «الفعل») 
عناصر أساسية ومترابطة في النظام المعرفي البياني العربي الذي يعتمده» دون 
غيره النصيون والسلفيون والمتمكون ب «الأصالة» على العموم»"'". لذلك إنه 
ينتقد تمسّك الذهن العربي المعاصر بالعالم الحسيٍ اللاتاريخي الذي أنجز 
بناؤه في عصر التدوين. إنه عالم البدو الرخل الذي اتخذ كأصل ففرض على 
العقل العربي طريقة في تقييم الأشياء مفادها: «الحكم على الجديد بما يراه 
الي 1 


لقد أعطى مفكرنا أهمية كبرى للغة العربية في تكوين العقل العربي وتوجيه 
آلياته؛ لكنه فى الوقت عينه لا يرى أنها العنصر الوحيد فى عملية التأسيس. لقد 
تعاطى مع هذا العقل باعتباره نتاجاً للثقافة العربية الإسلامية الح بعيك؟ على 
ثلاثة نظم معرفية: البيان والعرفان والبرهان. إن النظام الأول لغوي. وأصله 
عربي» أما النظام الثاني فهو غنوصيء, وأصله فارسي هرمسيء ثم إن النظام 
الثالث عقلاني» وأصله يوناني. ما هي القراءة التي قدّمها الجابري لهذه النظم 
المعرفية الثلاثة؟ 


(9/5) المصدر نقسهء» ص ١08‏ 
(/ا/ا) الجابري » تكوين العقل العربي. ص 357 


رون 


سابعاً: فى تفكيك بنية العقل العربي وفق ثلاثة أنظمة 

إن البحث في جذور الثقافة العربية قد كشف أن هناك ثلاثة أنظمة قد 
تحولت إلى ايه ودخلت في تكوين العقل العربي؛. وهي في حال صراع 
في ما بينهاء ١‏ ضمن البنية الخاصة بهذا العقل. لذلك نجد مفكرنا يعود إلى كل 
نظام على جدى لكي يحذّل بنيته لأنها جزء من بنية العقل العربي. إن الكلام 
على اللغة وعلاقتها بالفكر داخل الثقافة العربية الإسلامية قد كشف عن أهمية 
البيان فى أساليبه الاستدلالية» وأبرز الدور الذي قامت به القوالب النحوية فى 
تأطير 0 العربى. كما إنه أظهر أسبقية القياس النحوي واستفادة لا 
النقويا عله كل ذلك اسازق يميه لذا:التحرك: فى ستل النطاة: الجاني عن دون 
أن نكرّر ما سبق أن أوردناه وتوقفنا عنده. 

صنف الجابري النظم المعرفية التي كوّنت العقل العربي إلى ثلاثة : النظام 
البياني؛ والنظام العرفاني» والنظام البرهاني» وحاول أن يرصد علاقة هذه النظم 
ببعضها بعضاًء معتبراً أن في ذلك خطرة منهجية مهمة من أجل تحقيق مشروع 
نقد العقل العربي. فما هي إذاً خصوصية ة النظام المعرفي الأول؟ 


خصوصية نظام المنهج البياني 

إن من يطلع على كتاب الجابري بنية العقل العربي يلفت انتباهه التفاوت 
الكبير بين عدد الصفحات المخصّصة للتكلّم على النظام المعرفي البياني (وقد 
بلغ عددها 70" صفحة). وبين الصفحات التي تناولت النظام المعرفي العرفاني 
0 صفحة) والتي بحثت في النظام المعرفي البرهاني (49 صفحة). إن هذا 
الفرق يجعلنا نعي منذ البداية المساحة الكبرى التي شغلها البيان على مدى 
الزمن الثقافي العربي. وإذا كان الموضوع بنية العقل العربي؛ فمن الواضح جداً 
أهمية الدور الذي قام به النظام البياني وبالتالي اللغة العربية في بناء هذا العقل. 

لن نعرض بالتفصيل كل ما أورده مفكرنا في هذا الصددء إنما سنكتفي 
بالتوقف عند الخطوات المنهجية التي اتبعها في قراءته لبنية العقل العربي. 
ولأهم الاستنتاجات التي خَلْصٌ إليها في نهاية بحثه. 

يبدأ الجابري الكلام على النظام البياني بتحديد هوية علماء البيان» 
وبالتوقف عند المعنى اللغوي لكلمة «بيان». فهو يعتبر أنه يمكن إطلاق تسمية 
«البيانيَين» على جميع العلماء الذين بنوا تفكيرهم على أساس النحو والفقه 


رون 


والكلام والبلاغة» وهي كلها علوم عربية إسلامية ذات منهج استدلالي. كما 
يمكن إطلاق هذه التسمية على وجه أخص على من أسهموا في «تقنين» الحقل 
المعرفي البياني عن طريق تحديده» وتقسيم فروعه وضبط طريقة التفكير داخله. 
والكشف عن النظرة التي يحملها هذا الحقل في الكون والعالم. الإنهم بكلمة 
واحدة «علماء البيان» من لغويين ونحاة وبلاغيين وعلماء أصول الفقه وعلماء 
الكلام» سواء كانوا معتزلة أو أشاعرة أو حنابلة أو من «الظاهرية» أو من 
«السلفيين»» قدماء ومحدثين. إن هؤلاء جميعا ينتمون إلى حقل معرفى واحد 
يؤسّسه نظام معرفي واحد هو النظام المعرفي البياني (...)800", ' 

إن البيان كان يتضمّن مختلف الوسائل التي من شأنها أن نُسهم في بناء 
البلاغة وتحقيق التبليغ » إذ إن المهم تبليغ السامع مراد المتكلّم. من أجل تحقيق 
الفهم على أفضل وجه والبلوغ إلى «تبيّن» الرسالة. أهمية الأبحاث البيانية» 
بالنسبة إلى مفكرناء تعود إلى كونها أول ما حقّق الانتقال من الثقافة الشفهية 
العامية إلى الثقافة المكتوبة العالمة مع بداية عصر التدوين» داخل الثقافة العربية 
الإسلامية. إن عملية التدشين قد بدأت مع النحو والفقه والكلام» وهي كلها 
علوم تمحورت حول نص رئيس هو القرآن الذي يذكر بدوره مادة ب. ي. ن. 
أكثر من 590١‏ مرة. يعتقد الجابري أن كلمة بيان عرفت تطوراً عبر الزمن من حالة 
اللاوعي إلى حالة الوعيء. فهي كانت قبل عصر التدوين تعبّر عن حالة لغوية 
عفوية» فأصبحت في ما بعد تعني التفكير المنظم الذي يخضع لقوانين ويلتزم 
بحدود ثابتة. وإنه من خلال هذا التطور الذي هو انتقال مضمون كلمة بيان من 
الكمون إلى الظهورء سوف يقرأ ما يقدّمه لسان العرب حول مادة ب. ي. ن. 

هناك خمسة مستويات من الدلالة لمادة ب. ي. ن. في لسان العرب» أوَلها 
الوصل» وثانيها الفصل» يليها الظهور والوضوحء ومن ثم الفصاحة والقدرة 
على التبلبغ والإقناع. أما الدلالة الخامسة فهي تعني القدرة على البيان». أي 
الكلام الفصيح المقنع وهو يخصٌ الإنسان من دون سواه. 

يرى مفكرنا أن أهم ما ورد في هذه المستويات أن العودة إلى الأصل 
اللغوي لكلمة بيان» تكشف عن معنى الفصل والانفصال من جهةء. ومعنى 
الظهور والإظهار من جهة ثانية. وهو يريد ترتيب هذه المعاني انطلاقاً من 
التمييز بين المنهج والرؤية في النظام البياني. لذلك يعتبر أن «البيان كمنهج 


(78) الجابري. بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. ص 17. 


اميل 


يفيد الفصل والإظهارء والبيان كرؤية يفيد الانفصال والظهور»”". 


هذا ما يتعلق بالمعنى اللغوي لكلمة «بيان»» أما المعنى الاصطلاحي فقد 
اعطق «الأححاف البانة تح نه الأول يوت د :تقرائلق تنشين الات وموضية 
هو الإمام الشافعي» أما الثاني فينشغل ب «شروط إنتاج الخطاب» ومؤسّسه هو 
الجاحظ الذي عاصر الشافعي. 


إن البحث في قوانين تفسير الخطاب عند الشافعي» وفي شروط إنتاج 
الخطاب عند الجاحظ, وفي كيفية اكتساب المعرفة وتصنيفها انطلاقا من اليقين 
عند ابن وهبء أدّى بمفكرنا إلى الاستنتاج التالي: «إن الرؤية التي تكرّسها هذه 
النظرية البيانية للمعرفة رؤية تقوم على الانفصال وليس على الاتصال. ذلك لأن 
البيان والتبيين» أو الفهم والإفهام. أو الظهور والإظهارء وكلها بمعنى واحدء 
إنما هي أمور تتحقّق. في المنظور البياني» من خلال الفصل بين الأشياء وليس 
عبر الوصل بينها. فالشيء يكون بيّنأً. ظاهراًء مفهوماًء إذا تميّز عن غيره. لا 
بل إذا انفصل عن محيطه وأصبح يقدّم نفسه كياناً قائماً بذاته)””. 


إذأً إن المعنى اللغوي لكلمة بيان والذي يفيد الفصل قد طغى على المعنى 
اللغوي الثاني الذي يفيد الوصل» وقد لمس الجابري ذلك عندما كشف عن 
ثلاثة أنواع من الأزواج داخل النظرية البيانية في المعرفة وهي: اللفظ/ المعنى» 
والأصل/ الفرع. والجوهر/ العرض. 


يشير الجابري إلى أنه يمكن التعاطي مع النص ليس فقط باعتباره ألفاظاً 
وعبارات ونظام خطاب. إنما يمكن النظر إليه في ضوء جملة معان ومقاصد. 
ومجموعة آراء وأحكام. لكن علماء البيان منذ الشافعي إلى أبي الحسن 
البصري» ومنذ الجاحظ لغاية الجرجاني والسكاكى قد اعتمدوا النظر إلى النص 
انطلاقاً من المفهوم الأول فاهتمّوا باللفظ على حساب المعنىء ما أذى إلى 
نتائج عديدة على صعيد العقل البياني. 

١‏ إن الاعتناء باللفظ في علم النحو أدّى إلى تجاوز هذا العلم نحو 
المنطق من خلال طرح مسائل من مجال المنطق وليس النحو. فتمٌ المزج 
بينهماء وصار النحاة يرون في النحو منطقا يهتمّ بالمعاني كما بالألفاظ. لقد 


(8/) المصدر نفسه» ص 0 
)8١(‏ المصدر نفسه» ص 8”. 


وردنا 


ربطوا بشكل عضوي بين ما هو ممكن لغوياً وما هو ممكن منطقياًء وبين ما لا 
يجوز لنوياً ولا يجوز منطقياً. هكذا أصبحت القواعد النحوية قواعد فكريةء 
فغدت اللغة وعاءً مؤطراً داخل قوالب ومقولات لغوية. بدلا من أن تكون 
وسيلة للفكرء إن خير دليل على ذلك تحليلات سيبويه ومرافعة السيرافي ضد 
متّى. هكذا حرموا اللغة من تجاوز أبعادها البيانية نحو تلك العقلية. ١‏ 


؟ ‏ إن اعتبار اللفظ أولاً والمعنى ثانياً كان له الأثر الكبير في الفقه أيضاً. 
راح الفقهاء يهتمّون بالتشريع على أساس دلالة اللفظ على المعنى» فانطلقوا من 
«المواضعة"» اللغوية مهمّشين مقاصد الشريعةء لأن الأولوية أعطيت ل «مقاصد 
اللغة». ما أذى إلى تقوقع التشريع» وإغلاق باب الاجتهاد. إن الانطلاق». في 
استثمار النص. من اللفظ وطرق دلالته على المعنى انتهى إلى استنفاد كل 
الإمكانات التي تقدّمها اللغة» وهي محدودة. لكن لو تمّ تأسيس التشريع. كما 
فعل الشاطبى» على أساس مقاصد الشريعة المرتكزة على المصلحة العامة 
والمثل العلياء لما سُمح بإغلاق باب الاجتهادء وهو أمر غير واردء لأنه يعني 
تجميد مناصد الشريعة. بذا قصروا اللغة على التمثيل الذاتي وأوقفوها عن جدلية 
التعاطي مع بواطن هذه الشريعة. 


” إن الانغماس في إشكالية اللفظ والمعنى في علم الكلام أدَى إلى 
تحجيم درر العقل الذي هو أصل من أصول هذا العلم. فقضية خلق القرآن التي 
عالجها المتكلمون من خلال مناقشاتهم أذت إلى التوصّل إلى نوع من «حل 
وسط». مفاده أن القرآن قديم بمعانيه؛ مخلوق بألفاظه وحروفه» فتكرّس بذلك 
الفصل بين اللفظ والمعنى. إن هذا الحل كان يتضمّن نسفاً لعلم الكلام بالنسبة 
إلى مفكرنا. لأن القول بقدم معاني القرآن قد أدّى حتما إلى ربط المعاني القرآنية 
بالمواضعة اللغوية التى كانت منتشرة حين نزوله. هكذا فقد رُبط التأويل 
بالعرافكة اللعوية كمااسر بن في ون معين فلم أن العاريل ,يحطية المظور 
العقلى فى التتقل المعرفي التخامن: بالببات. إن النقيجة حاتت تكريسن: اللغة 'كتلطة 
مرجعية» مهمتها تحديد الفكرء إذ إن ما يقرّره «أهل اللغة؛ بشأن لفظة ما هو 
القرار الفصل في المشكلة الفكرية التي شكلت موضوع النقاش. تجدر الإشارة هنا 
إلى أن طبيعة المشاكل الكلامية ماوارئية» لذلك فاللغة التي ستفصل في هذه 
المشاكل سوف ترفع إلى مرتبة ماورائية» فيكتسب اللفظ بحذ ذاته قيمة ماورائية» 
ما يؤمّن سيادة اللغة على الفكرء ويضمن سيطرة اللفظ على المعنى» ويؤدي إلى 
تحكم نظام الخطاب بنظام العقل. من هنا قيل ربما (إن البيان لسحر). 


لكين 


4 - كان الانخراط في إشكالية اللفظ والمعنى أكثر عمقاً في علم البلاغة» ما 
أدى إلى نتيجة مضاعفة. هناك من جهة التزام بمشاكل المتكلمين» ومن جهة 
أخرى تورط بمشاكل الفقهاء. هكذا فقد تم تقييد الرأي في المسائل البلاغية بما 
يقرّره علم الكلام وعلم الفقه.ء فخضعت البلاغة لهماء والتزم البلاغيون 
بالمواضعة اللغوية كما عرفها السلف. واعتبروها سلطة مرجعية تعلو على أي 
سلطة. لقد بات المعيار البلاغي واضحاً وثابتاً. إنه التقيّد بطريقة القدماء شكلاً 
ومضمونا. لكن عندما أصبح المضمون مستنفداً انحصرت السلطة بالشكل»ء أي 
باللفظ وحده. وهذا ما يُبرز لنا فضل الفلسفة فى قولبة العقل الإسلامى وتكوين 
مقولاتة المنطقية: والتي رنضها الأصوليون امثال ابن تيفية عدد تفده المناطقة: 


كذلك يشير الجابري إلى أن البيانيين لم يعتبروا العقل جوهراًء وهو ليس 
جزءاً من النفس أو قوة من قواها. إنه غريزة تنمو انطلاقاً مما يكتسبه الإنسان من 
خلال التجربة» والخبرة؛ والأخبار المنقولة إليه. وما ينجزه في مجال النظر 
والاعسار» إله إذاانة الععاطان سم بهذا المفهوم عقا من توجهة نظر معاضرة يمكن 
أن نعتبره تصوّرأً قريباً إلى التصوّر العلمي أكثر من التصور القديم للعقل. على 
الرغم من ذلك. فإن المنحى «اللاميتافيزيقي» في تصور علماء البيان للعقل» ينبغي 
ألا ينسينا أن هذا التصور يرتكز على أمر مهم ألا وهو الحد من قوة العقل وسلطته. 

يرى مفكرنا على صعيد آخرء إن القياس والاستدلال والنظر والاعتبار كلها 
أسماء لعملية ذهنية واحدة قوامها تقدير شىء على مثال شىء آخر بسبب وجود 
ما يجمع بينهما. كما إنه يعتبر أن هذه المصطلحات لا تحمل دلالة علمية فقط» 
إنما كثيراً ما تحوي مضامين أيديولوجية. إن تمسّك علماء الفقه والنحو بلفظ 
القياس كان يهدف إلى التأكيد على أنهم يقيسون الفروع على الأصول. أي أنهم 
يعيدون الفرع إلى أصله. ما يفصح عن نوع من التبرير الأيديولوجي. كذلك إن 
تمسّك علماء الكلام بالاستدلال بدلا من القياس. أو بعبارة «الاستدلال بالشاهد 
على الغائب» لا يعود إلى أسباب دينية وإيستمولوجية فحسب, إنما من أجل 
التأكيد على أنهم ضمن المسار الديني المطلوب وهو الاستدلال بالمخلوقات 
التي هي «الشاهد» على الخالق الذي هو «الغائب». وهنا أيضاً تبرير 2-000 
لخيار الاستدلال». بالإضافة إلى التبرير الديني الذي يعتبر أن استخدام كلمة 
قياس ٠.‏ والتى تعني التشبيه» غير واردء لأنه سوف يؤدي إلى تشبيه الله بالإنسان 
أو بالطيفة. آنا ابي الاتتسترلوكى الدى دم المتكلدين إلن معني كلم 
قياس واستخدام الاستدلال فهو يعود إلى أن منهجهم ليس قياساً فقط لأنهم 


ان 


يعتبر الجابري أن الاستدلال كمنهج اتبعته العلوم البيانية» وقع تحت وطأة 
إشكالية واحدة تكمن في تبرير الأحكام (وهو حكم نقدي - لجيّ بمنطق أرسطو 
الاستد لالي). فكما إنه على صعيد الموضوع هناك إشكالية واحدة هي إشكالية 
اللفظ/ المعنى» كذلك على صعيد المنهج هناك إشكالية واحدة أنها إشكالية 
التعليل. فالعلة ليست فقط ركناً من أركان القياس الأربعةء أي: الأصل والفرع 
والعلّة والحكم. إنما هي محور التفكير القياسي» وهي بالتالي إشكاليته الرئيسة. 
إن ما يهم القائس يتمحور حول العلة التي من أجلها كان الحكمء أكثر من الحكم 
ومن الأصل بحدّ ذاته. وإن ما يهمّه في الفرع هو البحث عن العلة إن كانت فيه أم 
لا. كما إن القياس بذاته هو «تحصيل حكم الأصل في الفرع» عن طريق إبراز 
اشتراكهما في العلّة. من هنا كان «التفكير القياسي البياني» من بدايته إلى نهايته 
يدور حول «العلّةى كما إن الممارسة القياسية البيانية إئما يؤسسها ويبرّرها اعتقاد 
القائس برجود نفس «العلّة» في الأصل والفرعء في الشاهد والغائب)!7. 


يرى الجابري أن نظرية الجوهر الفرد التي ترتكز عليها الرؤية البيانية 
العالمة للعالم» تقوم على ثلاثة مبادئ قوامها: أن الوجود مؤلف من جواهر 
وأعراض فقطء وأن الجواهر لا يمكن أن تنفك عن الأعراضء» وأن هذه 
الأخيرة لا يمكنها أن تدوم زمانين. من هنا على الباحث في التصوّر البياني 
للعقل والوجود أن يسأل إذا كان العقل جوهراً أم عرضاًء وإن كان بالتالي 
الوجود نفسه جوهرأ أم عرضاً أم الاثنين معاً؟ فكل بحث أو إجابة يجب أن 
ندخل ضمن نظرية الجوهر الفرد محترمةً الأطر التي حدّدتها المبادئ الثلاثة. 

إن اللغة العربية كانت المرجع الإبستمولوجي الأساس لمختلف المفكرين 
البيانيين» وفي ما يتعلّق بكلمة عقل كما ورد سابقاً نجد أن معناها الحسي 
يعود إلى الربط. لكن هذا المعنى انتقل بالتدرج من «المحسوس المشخص إلن 
المعقول المجرّدا'ء أي من ربط البعير إلى الفهم والحفظ والضبط. فالعقل هو 
يكاية ند للسعاتي» بريكده ويعبطوا: عر السيزول عن شفط المعاني 
والمعارف التي تم تلقيها. إنه إذأ «فعل أو نشاط وليس ذاتاء وبعبارة المتكلمين 
هو عرض وليس جوهراً"". 


(61) المصدر نفسه.؛ ص .١188‏ 
(85) المصدر نفسه؛ ص ,7١9‏ 


وف 


كذلك إن فعل الربط الذي يقوم به العقل» كما الضبط والحفظ. يتحقق 
في القلب. أي أن العقل وظيفة يقوم بها القلب بالنسبة إلى علماء البيان. إن ما 
ورد في لسان العرب من أن المعقول هو ما تعقله بقلبيك)» يعني أن القلب أداة 
وظيفتها العقل. يمكن أن نجد المعنى نفسه في القرآن الذي يقول: #أفلم 
يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بهاه7". 

يشدّد الجابري في سياق دراسته للزوج جوهر/ عرض على أن الرؤية البيانية 
العالمة التى صئّفت الموجودات إلى ذوات» وصفاتء» وأفعال» وانشغلت بضبط 
العلاقة في ما بينهاء قد اخضعت التفكير لهذا الروج تجدنناا: لقد بنى 
المتكلمون على هذا الزوج تصوّرات عديدة» منظمين العلاقة بين الذوات 
والصفات والأفعال. ما أذّى إلى مواجهتهم إشكالات كثيرة أجبرتهم على القول 
«بشيئية المعدوم»' وبوصف الحال على أنها ١لا‏ موجودة ولا معدومة). 

لقد ظلّت هاتان المسألتان موضع نقاش بين المعتزلة والأشاعرة حتى بعد أن 
اكتملت المقالات الفلسفية وانتشرت» وتمّت ترجمة المنطق وشاعت مفاهيمه. 
بخاصة: الكلي. والماهية» والوجود في الأذهان. . . إلخ. لقد رفض المتكلمون 
المفاهيم المنطقية والفلسفية متمسّكين بالجهاز المفاهيمي البياني. هكذا فقد حافظ 
المتقدذمون من علماء الكلام مثل القاضي عبد الجبّار والباقلاني والجويني على 
الإشكالية الكلامية القديمة نفسهاء وحرصوا على التفكير فيها من الداخل. 


خلاصة القول. إن النظام المعرفي البياني محكوم من قبل مبدأ الانفصال 
ومبدأ التجويزء وهما متكاملان ضمن نظرية الجوهر الفردء التي تؤكد أن 
العلاقة بين الجواهر الفردة ترتكز على «التجاور» وليس الاحتكاك. إن كل 
الأجسام والأفعال والإحساسات مؤلفة من جواهر فردة»؛ لا تحتك ببعضهاء ولا 
تتداخل. لذلك كانت العلاقة التى تربط بينهما هى مجرد اقتران وليست علاقة 
تأنوع ها كر جين لكان كانونة الس ش 


كان دافع البيانيين الأول للقول بفكرة «الجوهر الفرد؛ إصرارهم على إثبات 
قدرة الله المطلقة وعلمه اللامحدود. لقد طوّروا هذه الفكرة حتى أصبحت 


(85) انظر : [#أفلم يسيروا ف في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا 
تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي ذ في الصدور». وظولقد ذرأنا لجهدم كثيراً من الجن والإنس لهم 
قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا بيصرون بها ولهم آذان لا بمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك 
هم الغافلون4]؛ القرآن الكريم : «سررة الحج»» و«سورة الأعراف» ؟ الآبتان 11 و17/4 على التوالي. 


رض 


طريقاً تفيد في الاستدلال على حدوث العالم. وبالتالي على وجود الله. لكن 
هذه الطريق قد همّشت جانباً مهمأ من النظرة القرآنية للكون» حيث نجد النظام 
والانسجامء هنا ندل إلى الاستقرار والاستمرار في الصنع الإلهي. يتوقف 
في العقيدة الإسلامية وإهمالهم جانب النظام فيها. وهو يرى أن تفضيل جانب 
الحدوث قد جعل علماء البيان يكرّسون مبدأ الانفصال من خلال نظرية الجوهر 
الفرد» من هنا ضرورة الكشف عن الأصول الدفينة للرؤية البيانية. 


يعتبر مفكرنا أن أصول النظرة المؤسّسة للنظام البياني تكمن في اللغة 
العربية باعتبارها السلطة المرجعية الأساس التي حكمت التفكير البياني. إنه لا 
بقصد باللغة هنا مجرد أداة للتواصل إنما يرى فيها حاملا للثقافة العربية. فاللغة 
التي ججمعت من الأعرابي خلال مرحلة التدوين تفرض العودة إلى عالم الجزيرة 
العربية فى عصر الجاهلية. لذلك إن مبدأي الانفصال والتجويز اللذين يحكمان 
الرؤية السائنة للعالمء لا بد أن يكون أصلهما في عالم الأعرابي. من السهل أن 
يلاحظ الباحث في بيئة الأعرابي الجغرافية والاجتماعية والفكرية مدى تأثير 
الاتتضال تيهنا" إن الطتيفة رمية مؤلفة من سيات منفسلة: والأجساء فى 
الصحراء عبارة عن وحدات مستقلة. لذلك كانت العلاقات فى ما بينها قائمة 
على المتجاوزة ولبسن على #التداخل. كذللته الإنسان في هذه الببعة: نه فرد ضائع 
فى أرض واسعة ذات كثافة ضعيفة. حتى القبيلة فهى «مجموعة من أجزاء لا 
حورا تروط يميا لوقه قر :وات التبنيك اتصالا انا > متهن من وام 
الوبالجملة فالعلاقات في مجتمع رعوي هي علاقات انفصال. أما الاتصال فهو 
من خصائص مجتمع المدينة ومن مميزات البيئة البحرية» إن الاتصال هو من 
خصائص أمواج البحر وليس من خصائص قطرات الغيث في الصحراء»”؟. 


كذلك يرى مفكرنا أن المبدأ الثاني الذي يحكم الرؤية البيانية للعالم يجد 
أصله في طبيعة البيئة الصحراوية التي تعكسها اللغة العربية. فالتجويز أمر وارد 
فى اكه تجو فيا ارقا باس د درق قيالك قرا شا مادق تر العاف من اميد 
فحقية كالرياح والأمطار غير المتوقعة. إن وعي السكان قد تأسّس على 
الجوازء لأن كل شيء واردء على الرغم من الاطراد القائم. لقد بات التغيير 


(84) الجابري. بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. 
ص .185-54١‏ 


تدرفنا 


المفاجئ الذي يخرق العادة أمرا جائزاً كل لحظة. لذلك كان التجويز نتيجة 
للانفصال في هذه البيئة التي فهم سكانها العلاقة بين المؤثر والمتأئر عن طريق 
ربطهما بواسطة من دون التنبّه إلى وجود سبب فاعل ومؤثر. لذلك كان السبب 
بالنسبة إليهم عبارة عن واسطة تربط طرفاً بطرف» وتسهم في ممارسة الفاعل 
لفعلهء كدور الحبل مثلاً في استخراج المياه من البئر. كذلك يمكن أن نجد 
أصل الاستدلال البياني في الممارسة الفكرية لعرب الجاهلية». لأن الاستدلال 
مكوّن من طرفين وواسطة. إن بنية هذا الفعل العقلى تجد أصلها لدى الأعرابى 
الذي كان يتعامل مع الأشياء من خلال التشبيه. إن بنية التشبيه وآليته هي بنية 
القياس نفسها وآليته. فالائنان يتألفان من طرفين وجامع. هناك أصل وفرع 
وعلّةء أو شاهد وغائب ودليلء. وهناك مشبّه ومشبّه به ووجه الشبه. كذلك هناك 
تقارب على مستوى الوظيفة المعرفية المبنية على المقاربة» فالتشبيه والاستدلال 
البيانى يرتكزان على مقاربة طرفين أحدهما بالآخرء لأن الرؤية التى تؤسّسهما 
تقوم على الاتففيال لذلِك كانت وظيفة الاسكدلاك: البيان تكمن فى تقريت 
الأشياء بعضها إلى بعض من أجل بلوغ البيان والإظهار. 

هكذا يمكن القول في ختام الحديث عن النظام البياني إن الانفصال 
والتجويز والمقاربة مبادئ ثلاثة أخذها البيانيون من اللغة كما تبلورت داخل 
الثقافة العربية إبان العصر الجاهلى. لقد أخذ علماء البيان هذه المبادئ من دون 
أن يعوا ذلك» فظهرت من خلال ممارساتهم النظرية قبل عصر التدوين» وبنوا 
على أساسها الرؤية البيانية العالمة. لقد استندوا فى ذلك إلى القرآن الذي يعتبر 
أن ظواهر الطبيعة علامات تدل إلى الصانع. لكن مفكرنا يشير هنا إلى أن النص 
القرآني لم يكرّس - كما فعل البيانيون ‏ مبدأ الانفصال ومبدأ التجويزء ولم 
يجعل الاستدلال قائماً على مجرّد المقاربة. 

تلك كانت أهم الاستنتاجات التي خلّص إليها الجابري بعد أن قام بتفكيك 
بنية النظام المعرفي البياني» فما الذي سيكشفه عمله النقدي ضمن إطار النظام 
المعرفي العرفاني؟ 
؟" ‏ خصوصية نظام المنهج العرفاني 

إن البحث في العرفان عند مفكرنا يبدأ كما في البيان ‏ بتحديد 


المصطلح لغوياً. فالعرفان كلمة مشتقة في اللغة العربية من مصدر عرفء وهو 
والمعرفة بمعنى واحد. كذلك إن العرفان فى اللغات الأجنبية يسمّى (056مع)»2 


افونا 


ويعود أصل الكلمة إلى اليونانية وهي تعني المعرفة. كما إنها استعملت بمعنى 
العلم والحكمة. إن الصوفيين الإسلاميين قد استخدموا كلمة عرفان للدلالة على 
نوع سام من الجعرفة ايتم في القلب عن طريق الكشف: والإلهام. إنهم أرادوا 
التمييز بين ار التي تكتسب بواسطة الحواس أو العقل أو بهما معاء وبين 
المعرفة التي تُكتسب بواسطة الكشف والعيان. 


إن النظام العرفاني قد ساد طيلة العصر الهلنستي» إنه منهج في تحصيل 
المعرفة» يبلور رؤية خاصة للعالم وموقفاً منه. لقد انتقل إلى الثقافة العربية 
الإسلامية عبر الثقافات التي سادت قبل الإسلام في منطقة الشرق الأدنى. إن 
العرفان هو معرفة بالأمور الدينية على نحو أرقى من معرفة المؤمنين . البسطاء 
ومن معرفة اللاهوتيين الذين يعتمدون النظر العقلي. يشير مفكرنا في هذا السياق 
إلى أهمية التمييز بين العرفان (02056) والعوفاية أو الغنوصية 0 
الكلمة الأولى تعني معرفة بالأسرار الإلهية تتفرّد بها نخبة معيّنة من الناس» أما 
الثانية فهي تشير إلى مختلف المذاهب الدينية التي عرفها القرن الثاني الميلادي 
والتي 0 المتعد نه الرافلي الى 'فقط نا امون النيقية إنما ايها كل ها عو 
خفي كالسحر والتنجيم مثلا. 


من المعروف اليوم أن العرفان والعرفانية ظاهرة عرفتها الأديان السماوية 
الثلاثة» كما الديانات الوثنية» إنها تقوم على «تجنيد الإرادة»» وتجعل منها 
بديلاً من أجل التوصل إلى معرفة عميقة بالله وبأمور الدين. يرى الجابري أن ما 
من فكرة أتى بها العرفانيون الإسلاميون إلا وتجد أصلها فى الأدبيات الهرمسية» 
اذلف فيو كرمت: وتنا عد جحذم الرقه الورفسية لكر لديد الك من 
بنية العرفان في الإسلام ويكشف عن أصوله التار 00 كن 


إن اعتماد النفس كطريق إلى معرفة الله» وتهميش دور العقل. وربطه 
بالإدراك المادي. قال به جميع العرفانيين. لكن ما كان يميّز الهرمسية تشديدها 


(85) لن نغوص هنا في سبر أغوار الهرمسية لكننا نكتفي بالإشارة إلى أن الهرمسية تنسب إلى 
هرمس «المثلث بالحكمة» كما هو معروف في المؤلفات العربية. كما إن هرمن هواب بن الإله الأكبر زوس 
عند اليونان الذين تسبوا إليه اختراع الكتابة والموسيقى والتنجيم والأوزات والمقادير وغيرهاء عرف عند 
المصريين بالإله طوط مخترع الكتابة وكل الفنون والعلوم التي تتطلب الكتابة وتمارس في المعابد مثل 
السحر والطب والتنجيم والعرافة. أما في ما يتعلق بالأدبيات العربية الهرمسية فقد عرف هرمس في ثوب 
النبي إدريس الذي ورد ذكره في القرآن» إنه أول من قام بتعليم الكتابة والصنعة والطب والتنجيم 
والسحر. . . إلخ. لمزيد من التفاصيل. انظر: الجابري» تكوين العقل العربي؛ ص .١76‏ 


ترون 


على الأصل السماوي - الإلهى للنفس. من هنا نجد أن مفكرنا يطلق على الفكر 
العرفاني صفة «العقل المستقيل' أو «اللامعقول الديني». وهو يرى أن اادمج 
العلم في الدين والدين في العلم علامة من العلامات البارزة التي يكشف فيها 
«العقل المستقيل' عن نفسه وهويته. إنه يطلب أن «يعقل عن الله» حتى تلك 
الأمور التي تركها الله للإنسان كي يعقلها مباشرة عن الطبيعة فيسخرها لمصلحته 
أو يتكذ منها دلبلا ؤهادياً إلى قات وجو" الله نفسه 0 0077 


يلحظ الجابري في هذا الصدد أن الطابع الأساس الذي يميّز الأدبيات 
الهرمسية هو الانتقائية والتلفيقية. أي الأخذ من ديانات ومذاهب فلسفية عدة. إن 
العرفانيين يستثمرون ما تلقّوه من هنا وهناك بصور متباينة تناسب تفكيرهم في 
لحظة من اللحظات. لكن من الممكن تصنيف الاتجاهات العرفانية في الإسلام 
إلى ثلاثة: هناك أولاً اتجاه أصحاب الأحوال و«الشطح» الذي يغلب عليه طابع 
المعاناة. وهناك ثانياً اتجاه التصوّف العقلي الذي يتميّز بسيطرة الطابع الفلسفي 
كما تبلور عند الفارابي وابن سينا بخاصة. وهناك أيضاً الاتجاه الثالث الذي نجده 
لدى الفلاسفة الإسماعيليين والمتصوفة الباطنيين والذي تميّز بالسرد الأسطوري. 


يشير مفكرنا إلى أنه عندما يستخدم كلمة عرفان في الإسلام فهو يقصد فقط 
هذه الاتجاهات الثلاثة. إنه يريد من خلال أبحاثه أن يبرز الطابع الإسلامي الديني 
والسياسي الذي أضفاه العرفانيون الإسلاميون على عرفانيتهم. يود أن يكشف عن 
كيفية توظيفهم النصوص الإسلامية خدمةً لاتجاهاتهم المذهبية» وتوظيفهم 
نصوص الموروث العرفاني القديم خدمةً لميولهم السياسية والمذهبية أيضاً. 


إن البحث في بنية العقل العربيى كشف للجابري عن ثلاثة أنظمة معرفية» 
أوّلها بياني» وثانيها عرفاني. وثالثها برهاني. والتفكيك الذي مارسه للنظام 
البيانى أظهر له ثلاثة أزواج من المفاهيم الرئيسة التي أسست المنهج والرؤية 
البيانية للعالم» إنها: اللفظ/ المعنى» والأصل/ الفرعء والجوهر/ العرض. أما في 
ما يتعلق بالنظام العرفاني فقد وجد أن هناك زوجين رئيسين من المفاهيم 
استقطبا النشاط الفكري العرفاني» إنهما الزوج الظاهر/ الباطن » والزوج النبوة/ 
الولاية. إنه يرى أن الزوج الأول يحتل في الحقل المعرفي العرفاني موقعاً 
مماثلاً للزوج اللفظ/ المعنى في الحقل المعرفي البياني داخل الثقافة العربية 


(8) المصدر نفيهء ص 187. 


0 


الإسلامية. كما إن الزوج الثاني يوازن في الحقل العرفاني وضع الزوج الأصل/ 


يرى مفكرنا في سياق تقويمه البحث الذي قدّمه حول العرفان أنه ركز في 
القسم الأول المتعلّق بالظاهر والباطن على المنهج العرفاني بشكل أساس» 
ونوقف في القسم الثاني المتعلق بالنبوة والولاية عند المنهج. لقد حرص في 
القسمين على أن يبحث في العرفان كموقف وكنظرية في أن معاء وتوصل إلى 
القول بأن «العرفان/ الموقف هو عرفان المتصوفة عامة وأصحاب الأحوال خاصة». 
وأن العرفان/ النظرية هو عرفان الشيعة عامة والإسماعيليين والفلاسفة الباطنيين 
خاصة»”"”. لكنه يشير في الوقت عينه إلى أن هذا التمييز ليس مطلقاًء إنما هو 
مفيد من الناحية المنهجية» وضروري لعرض الموضوع بشكل منضبط وواضح. 

لقد تطرّق الجابري خلال تفكيكه بنية الحقل العرفاني الإسلامي إلى ثلاث 
نقاط رئيسة تمحورت حول العلاقة بين العرفان في الإسلام وبين الموروث 
القديم. بخاصة الهرمسية» ومن ثم خصوصية المنهج العرفاني من خلال الزوج 
الظاهر/ الباطن. فالرؤية العرفانية عبر التوقف عند الزوج النبوة/ الولاية. من هنا 
سوف يستنتج ثلاث خلاصات تتعلق بكل نقطةٍ على جدى. 


١‏ تشكل العرفانية الهرمسية البنية الأساس للفكر العرفانى الإسلامى على 
تعدّد اتجاهاته. والدليل على ذلك أنه إذا أُخِذْ العرفان الشيعي مجرداً من 
المضمون السياسي. والعرفان الصوفي مجرّداً من الشكل البياني» سوف يظهر 
بوضوح الموروث العرفاني القديم» وبخاصة الهرمسي. إن هذا الأمر يعني أن 
التاويل الذي قام به أهل العرفان للقران ليس سوى تضمين» وهو بعيد عن 
الاستنباط أو الإلهام أو الكشف. لقد ضمَّنوا ألفاظ القرآن معاني مقتبسة من هذا 
الموروث القديم. ويشير مفكرنا مؤكداً أنه «ما من فكرة عرفانية يدّعي العرفانيون 
الإسلاميون أنهم حصلوا عليها عن طريق «الكشف». سواء بواسطة المجاهدات 
والرياضات أو بواسطة قراءة القرآن. إلا ونجد لها أصلاً مباشراً أو غير مباشر 
في الموروث العرفاني السابق على الإسلام)”08. 


كمانإن المعاتى العرفانية تعفن إلى البرمسية بشكن حاصن: كذلك فإن 


(80) الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. ص .50١‏ 
(88) المصدر نفسةء ص ”90/7”. 


الحرضنا 


الألفاظ التي استخدمها أهل العرفان والتي ادّعوا أنها ذات أصل قراني تجد 
جورف فى الموووك الورسيى لقال خارر ا أن سيوف الو القران لكن يز كديرا 
أصلها الإسلامي. هنال حير كان على ذلك فكرة «المقام» التي كرف عليه 
فكرة «المعراج» الهرمسي. يرى الجابري أن ما يدّعيه العرفانيون الإسلاميون من 
استنباط معارفهم من القرآن» غير صحيح. لقد أخذوها من الموروث العرفاني 
القديم وأضفوا عليها طابعا إسلاميا بهدف توظيفها خدمة لغاياتهم. لذلك كان 
مضمون المصطلح العرفاني غير إسلامي» وأصله غير عربي لأنه نُقل إلى 
الإسلام والعربية كما النظرية العرفانية؛ صوفية كانت أم شيعية. إن ما نتج من 
كل ذلك تكريس نوع من «اللاعقلانية الصميمة» داخل المجال المعرفي العربي 
الإسلامي؛ على مستوى المنهج ومستوى الرؤية أيضاً. 


” - إن الكشف هو المنهج الذي يتبعه أهل العرفان في تحصيل معارفهم»ء 
فالحس والعقل مهمشان. فالمعرفة تتم مباشرة من دون وسيط ولا استدلال لأنها 
تُلقى في القلب حين يرفع الحجاب بواسطة الرياضات والمجاهدات. لكن 
مفكرنا الذي يؤمن بقدرة العقل على تفسير الظواهر لا يقبل بمنهج الكشف 
هذاء إذ إنه ليس هناك من قوة فوق العقل يمتلكها الإنسان. وينتقد العرفاني 
الذي يتعامل مع أسراره المزعومة «كأمور يعلمها وحده علما نهائياً مطلقاء 
وبالتالي فهو يعتبرها «أسرارا» لا بالنسبة إليه هوء بل بالنسبة إلى غيره ممن 
ليسوا من (الصفوة المختارة» مثله» ومن هنا أنانية العرفاني وأرستقراطيته)!8. 


إن الأسرار التي يتعامل معها العقل في المقابل» هي غير محدودة. إذ إن 
كل سر يتم اكتشافه يقود إلى سر آخر؛ وهي بالتالي كأشياء مجهولة في الحاضر 
كل ترق سن من هنا رفض الجابري التعاطي مع الكشف كشيء يفوق 
العمل. ؛ لأنه يرى فيه أدنى درجات المعقولية. كما إنه لا يعتبره شيئاً خارقاً 
للعادة ولا هبة من قوة عليا. فالكشف عبارة عن «فعل العادة الذهنية غير 
المراقبة»» إنه نتيجة الخيال يغذّيه حلم عاجز عن مواجهة الواقع والتكيّف معه 
أو السعي إلى السيطرة عليه. إن هذا الخيال يستقي عناصره من الدين والأساطير 
وغيرها من المعارف التي تنسم بالسرية. 


*" - يتوقف الجابري في ختام بحثه في الحقل العرفاني عند الطابع 
(49) المصدر نفيه. ص 396, 


يضدنا 


الأسطوري الذي يتميّز به هذا الحقل. إنه ينتقد التعاطي مع الأسطورة كحقيقة. 
من دون أن ينتقد الأسطورة بحد ذاتها باعتبارها نمطأ تعبيرياً له منطق يخضّه. 
لقد وظف العرفانيون الأسطورة فى المجال الدينى ووضعوها فى مصاف الحقيقة 
الى ضما الشريعة أئ. انها «الباطن» الذي يفيه «الظاه»: من هنا انك 
الحميقة والسين الببي اسنتة فى «الرَوَية الشتحرية العام الع أفر رقا 
الأسطورة؛ وهي غريبة بالتالي عن الحقيقة الفلسفية أو الدينية أو العلمية. 

إن العرفان كموقف وكنظرية مبني على «الرؤية السحرية» للعالم: فالموقف 
عند أهل العرفان يلغي العالم ويضع «أنا» العارف في مقام الحقيقة الوحيدة. 
العالم مليء بالشر وال (أنا» هي حضور الخير الإلهي الوحيد في هذا العالم. 
هكذا ينتقل العارف بخفة الساحر إلى ادّعاء الاتحاد بالله أو حلول الله فيهء 
انطلاقاً من نزعة «الأنا الوحيدة» التي سيطرت عليه. 

كذلك إن النظرية عند أهل العرفان ليست سوى «رؤية سحرية» للعالم. 
فالموقف الذي أذَى بالعارف إلى تأليه نفسه. يمنحه بالتالي قدرة إلهية تتيح له 
التحرّر من فيود الزمان والمكان وتخطي قوانين الطبيعةء فيأتي بالخوارق» 
ويخلق كل ما يريده من لاا شيء. 

هكذا نجد أن النظام العرفاني كما قرأه الجابري مبني على السحرهء ركنه 
الأساس تخطي الحواس والعقل من أجل التوصل إلى الحقيقة الباطنة. عن طريق 
الكشف. فالعقل مهمّش» وقد استقال من مهامّه عند أهل العرفان» إنه حجاب 
يعيق الرؤية. لذلك يجب القيام بالمجاهدات اللازمة لاسقاطه وتحقيق الاتحاد 
بالحقيقة. لقد اعتبر أن العقل مهدّد في النظام العرفاني» وهو يتبئى موقف الدفاع 
عنه؛ ليس دناعاً أيديولوجياً إنما نقدياً» من خلال تحليله النظم المعرفية في 
الثقافة العربية» والتي لم يبق منها إلا نظام واحد. 


“ - خصوصية نظام المنهج البرهاني 

إن تاريخ البرهان باعتباره نظاماً معرفياً يعود إلى بداية الفلسفة والتفكير 
العلمى عند اليونان» وذلك قبل أرسطو بثلاثة قرون. يشير الجابري إلى أن 
إنجاز أرسطوافي هذا المجال.كان تتويجاً لمسيرة طويلة قام بها الفلاسفة 
الطبيعيون فى القرن السادس قبل الميلاد لغاية أفلاطون. والبرهان يعنى لغة 
(الحجة الفاصلة البئنة» فى المغاجم العزبية» كما إله يعن في اللغاث الأوووبية 
(صمتلهماكممدة0)ء أي «الإشارة والوصف والبيان والإظهار». كما يعني البرهان 


رونا 


في الاصطلاح المنطقي «العمليات الذهنية التي تقرّر صدق قضية ما بواسطة 
اللاستنتاج»» والمعنى العام لكلمة برهان يفيد «كل عملية ذهنية تقرّر صدق 
قضية ما)00 36 

عندما يستخدم مفكرنا كلمة برهان فهو لا يقصد معناها المنطقي ولا 
معناها العامء إنما يريد الإشارة إلى نظام معرفي تفرّد بمنهج خاصء وبلور 
نمطأً في التفكيرء ورؤية محذدة للعالم يرتكزان بشكل أساس على فكر 
أرسطو. من هنا كان اهتمامه برصد التحوير أو التعديل اللذين تعرض لهما 
البرهان الأرسطي مع دخوله حقل الثقافة العربية. فهو يقوم أولاً بعرض مفصّل 
لأسس المنهج الأرسطي الذي أطلق عليه الإسكندر الأفروديسي اسم 
«المنطق»». ليتوقف في ما بعد عند المناطقة العرب أو عند أبرز ما أنتج في 
المجال البرهاني العربي. 


لكن من البديهي أن نسأل أولاً: لماذا ترك الجابري النظام البرهاني إلى 
القسم الأخير ليختتم به بنية العقل العربي؟ نجد الجواب في كتاب تكوين العقل 
العربي حيث يشير إلى أن أرسطو دخل إلى الفكر العربي الإسلامي في مرحلة 
متاخر:. إن ارك ما تمرك إليه هذا التكر كان الافلاطونية الصحدة» والفياغووة 
الجديدة» والهرمسية بشكل خاصء. ما أدَى إلى غياب المنطق الأرسطي عن 
الثقافة العربية الإسلامية في بداياتها. لقد جاءت فلسفة أرسطو متآحّرة قرناً من 
الزمن على الأقل بالمقارنة مع الموروث القديم ككل سواء في مجال الفلسفة 
أم العلوم ‏ والذي دخل الثقافة العربية الإسلامية بعد عملية النقل والترجمة التي 
كان للمأمون دور بارز فيها"""". 


تشير المصادر التاريخية إلى أن حضور أرسطو الحقيقي بدأ من خلال 
ترجمة حنين , بن أسحق وابنه» أي في عصر المأمون الذي كان له الآثر الكبير 
في الثقافة العربية»؛ من حيث تدشين حركة «تنوير» تعتمد على العودة إلى فلسفة 
أرسطو ومنطقه وعلومه. أما قبل ذلك فقد اقتصر حضور الموروث القديم على 
ما قدمه العصر الهلنستي من أفلاطونية محدثة وهرمسية. هكذا فقد تمّ اللقاء 
التاريخي في عصر المأمون بين «المعقول الديني العربي والمعقول العقلي 


(40) المصدر نفسهء ص 7807 


(41) لمزيد من التفصيل حول دخول المنطق الأرسطي إلى الثقافة العربية الإسلامية» وما يروى عن 
حلم المأمون وغير ذلك؛» انظر : الجابري» تكوين العقل العربي؛ الفصل العاشر. 


رحد 


اليوناني ‏ الأرسطيء. بين النظام المعرفي البياني العربي والنظام المعرفي 
ال ها إلاناد +(5ة) 1 1 1 ١‏ 
لبرهاني البوناني» 2 . 


إذا كان البيان يرتكز على مثلّث النص والإجماع والاجتهاد في بناء تصور 
للعالم يخدم العقيدة الإسلامية» وإذا كان العرفان. يعتمد على الكشف كطريق 
تؤدي إلى 'المعرفة وبالتالى إلى الاتحاد بالله» فإن البزهان لا يعتمد إلا.على 
قوى الإنسان من حس وعقل في عملية اكتساب المعرفة. وبناء رؤية للعالم 
متماسكة في سبيل إضفاء النظام على فوضى الظواهر الطبيعية. إن هدف البرهان 
طلب اليقين عن طريق التجربة الحسية والمحاكمة العقلية» وهذا أهم ما يميّز 
هذا النظام عن الاثنين السابقين بالنسية إلى مفكرنا. وهو يرى في هذا الإطار 
«أن «البرهان» كنظام معرفي بقي متميّزأء منهجاً ورؤية» عن البيان والعرفان 
بكونه يعتمد منهج أرسطو ويوظف جهازه المفاهيمي والهيكل العام للرؤية التي 
شيّدها عن العالمء عن الكون والإنسان والله. مما جعل منه عالما معرفيا خاصا 
يختلف عن عالم البيان وعالم العرفان ويدخل معهماء وبكيفية خاصة مع 
البيان. في علاقة احتكاك وصدام)””". 


إن النظام البرهانى قد سجل لحظة جديدة فى مسيرة الثقافة العربية 
الإسلامية» لحظة حضور فكر أرسطو لأول مرة»ء ما أدَى إلى صدام مع النظام 
البياني والنظام العرفاني. لقد خاضت مدرسة بغداد الحرب ضد الإسماعيلية 
وبنائها العرفاني الهرمسي. ونتج من ذلك أن تبلورت في بغداد بعد زمن 
المأمون مدرسة منطقية مشّائية تعتمد الخطاب المنطقى وتسعى إلى تعميمه. إن 
هذا الاصطدام بين النظامين العرفاني والبرهاني يعود في الأصل إلى الصراع 
الذي كان دائراً بين البرهان والبيان.ء وخير دليل على ذلك المناظرة الشهيرة التى 
يغداد وأبي سعيد السيرافي اللغوي والفقيه والمتكلم المعروف. لقد نشر أبو 
حيان التوحيدي نص هذه المناظرة في كتابه الإمتاع والمؤانسة» حيث نجد أبا 
بشر متّى ينفي التوصّل إلى معرفة الحق من الباطل خارجاً عن إطار المنطق 
الأرسطى. بنما يصرٌ السيرافى على استغناء اللغة العربية عن منطق أرسطو لأنها 
تمتلك منطقها الخاص وهو علم النحو. 


(0) المصذر نقسهء ص 7575, 
(*9) الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. ص 5814. 


5 





إن مسألة تأسيس البرهان داخل الثقافة العربية الإسلامية طرحت نفسها بقوة 
أكثر من البيان؛ لأن الأمر يتمحور حول تأسيس عالم من المعرفة مكتمل بذاته 
داخل عالم آخر من المعرفة متكامل هو أيضاً. إن تأسيس البيان كان عبارة عن 
عملية تأصيل للأصول وضبط السلطات المرجعية وترتيبها وفق قوتها وشرعيتها - 
سبقت الإشارة إلى ذلك فى هذا الفصل - أما عملية تأسيس العرفان فقد أخذت 
مجن يناه يزافين بده لمان وينازعه في شأن الأصول من خلال طرح 
تأويل آخر يختلف عن التأويل البيانى. يرى مفكرنا أن البيان والعرفان قد تأسّسا 
اعتماداً على القرآن والحديث قبل أي شيء آخرء وقد تم ذلك في الوقت عينه 
تقريباً. إن عملية التأسيس هذه خضعت لشروط الفعل ورد الفعلء ما أدَّى إلى 
اعتبارهما خصمين يتنافسان لانتزاع المشروعية نفسها. 

أما وضع البرهان في مرحلة التأسيس فكان مختلفاً عن البيان والعرفانء 
سواء من ناحية المنهج أم من ناحية الرؤية اللذين تم بناؤهما سابقا على اللغة 
والدين. كما إن البرهان يتعلق بعالم من المعرفة له شيء من الاكتفاء الذاتي» 
يرتكز على العقل وما يضعه من أصول. من هنا كان على أهل البرهان فى 
الثقانة الفوبية الأسادية أن ما ميقا الشرى دكات عن الدرة نيلها البواليرن 
والعز تاتيوك. ويمنا أن النظام المدرني"الأساسن الى املف الشيظة دعل هذه 
الثقافة هو البيان. لذلك كان على البرهان أن يتوجّه إليه لأنه يملك الشرعية 
والمشروعية. أما العرفان فكان منازعاً يناضل من أجل الشرعية» باعتباره امتداداً 
للعقل المستقيل أو للعرفان السابق على الإسلام. وبخاصة الهرمسية. من هنا 
بات تأسيس البرهان عملية ترتيب للعلاقة بينه وبين البيان فقط. داخل الثقافة 
العربية الإسلامية. هذا ما حاول أن يقوم به الكندي أول فيلسوف في الإسلامء 
ومن المشرق العربي تحديداً. 

اهتمّ الجابري في سياق بحثه داخل الحقل البرهاني بإظهار التعديل الذي 
قد تعرّض له الفكر الأرسطي والذي أثّْر في اتجاهه العام. إنه يتوقف عند كيفية 
«تبيئة» النظام المعرفي البرهاني داخل الثقافة العربية التي كانت قد بنت نظامها 
الخاص. كما يبرز كيفية ترتيب العلاقة بين البيان والعرفان سواء على صعيد 
المنهج أم على صعيد الرؤية. 

من هنا سوف نتتبع معه مسار البرهان ومناهجه داخل الثقافة العربية 
الإسلامية؛ وذلك على مرحلتين: الأولى تتعلق بالمسار داخل المشرق العربي 
متوقفين عند نماذج كل من الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي» لكي ننتقل 


57 


في ما بعد إلى المرحلة الثانية؛ أي إلى مسار البرهان في المغرب العربي 
حيث حصرنا عملنا بفيلسوفين وفقيهين: ابن رشد وابن خلدون ومن ثم ابن 


النظام البرهاني في المشرق العربي 
)غ0( مناحي البرهان عند الكندي 


إن المحاولة الأولى فى عملية تأسيس البرهان داخل الثقافة العربية جاءت 
على يد كدي لم دكن ايو اسيلك: فى أدانه اعدو نس الفكر الآ سطى إلى 
العربية» لذلك باتت محاولته جزئية في قولبة اليات الفكر العربي. يشير 
الجابري إلى أن الكندي كان قد انخرط في الصراع الأيديولوجي بين دولة 
المأمون والمعتصم والوائق من جهة وبين المانوية والشيعة أخصام هذه الدولة 
من جهة أخرى. ناضل إلى جانب «دولة العقل» فى مواجهة «العقل المستقيل»» 
ناشراً خلاصات ما طالعه في العلوم الفلسفية. لقد وضع الكندي بين يدي 
القارئ العربيء للمرة الأولى» رؤية علمية عقلانية موضوعها الكون والإنسان 
لي ضيفة لا وض اللمعقرك الذيي الإتلاني. #إنعملية شضيب «النقل 
الكوني» التي دشّنها الكندي في الثقافة العربية الإسلامية شملت في نفس الوقت 
استعادة نظرية أرسطو في العقل مع الابتعاد بها عن التأويلات الأفلاطونية 
المحدثة التي جعلت انين «العقل الفعال» الذي قال به أرسطو عقلا مفارقا من 
حجلة العقوال: الما 7 


وبقيت المسألة أصلاً إشكالية فى فكر أرسطو. إن «العقل الفعال» عند 
الكقرى امن توق #اقناف الأشياء بن انه صل فى النسين 1 وذ شفع 
فقا أمسيحت النفين عقلا سعتاوا: لذلك لا تور المطائفة بين" «المفل «الدق 
بالفعل) عند الكندي وبين «العمّل الفعال» كما تبلور عند كل من الفارابى 
وابن سيناء باعتباره العقل العاشر في سلّم العقول السماوية. كذلك امتنع 


(44) يمكننا أن نختار عنواناً آخر لهذه المحطة من كتابنا ألا وهو «أثر أرسطو في الفكر العربي 
الإسلامي. بدءاً بالكندي وانتهاءً بابن خلدون والشاطبي». ار 0 
بالمغرب العربيء إنما فضلنا أن نعتمد التصنيف الذي يفصل بين الفلسفة والفقهء ٠‏ لذلك موف تبدأ مع ابن 
رشد وابن خلدون في الفلسفة؛ لكي ننتقل في مرحلة لاحقة إلى ان جرم والضا طن دن الفقه» لك ارد 
منهج الجابري في فراءة فكرهم وتحليل نصوصهم من أجل تسليط الضوء على البرهان. 


7 


الكندي عن البحث في الفيض ورفض أن يسمّي الله عقلاً لكي لا يتكثّر بتنوّع 
معقولاته فدعاه بالحق الأول. لقد نفى التراتب الهرمى الذي وضعته الهرمسية 
والأدلاطولنة لمعنه درس ارش مكلت لاتشافات: الفلزقا ده الكي ارط ينه 
المعقوقة ا المي المح قن اقكد ب شمر عدم | لاعدوة ترد تلات انار لكي لق 
الكندي تصوره للعلاقة بين الله والعالم على أسس إسلامية محضة. مقترباً 
بذلك من المعتزلة» ومقدما تصوّره هذا فى إطار خطاب ذي مضمون فلسفى 
ونزعة أرسطية واضحة المعالم. 1 ْ 


بالإضافة إلى دفاعه عن «المعقول الديني العربي» في مواجهة العرفان 
الشيعي والتأويل الباطني والمانوية؛ دافع الكندي أيضاً عن الفلسفة وعلومها في 
مواجهة الفقهاء والمتكلمين الذين حاربوا علوم الأوائل. إن هذا الطابع السجالي 
قد سيطر على خطابه العقلاني. ما أدَى إلى جعله خطاباً جدلياً يهتمٌ ب «السبيل 
الخبري»» ويهمل الجانب البرهانى» وبخاصة أنه كان «ضعيف البضاعة» فى 
مجال المنطق بسبب عدم اكتمال ترجمة مؤلفات أرسطو. لقد كتب في موضوع 
«الفلسفة الأولى؟ مبيّناً أهمية الفلسفة ومرتبتها بين سائر العلوم. ومحاولا التوفيق 
بينها وبين الدين. كما إنه حاول أن يُظهر قصور خصوم الفلسفة عن عملية إدارك 
الحقيقة وبالتالي معرفة الحق. 

دافع الكندي عن الفلسفة إذأًء بأسلوب سجاليء أراد من خلاله أن يبرز 
أهميتها ووجوب تعلّمهاء لكن دفاعه كان جزئياً. إن فلسفة أرسطو على وجه 
خاص هي كل لا يتجزأء إنها منهج ورؤية» لا يجوز الاكتفاء بأجزاء من الرؤية 

إن محاولة الكندي التأسيسية جاءت جزئية لذلك كان من الضروري العمل 
على تدعيم البناء البرهانى» بخاصة مع اتساع دائرة المعارضين»؛ عندما دخل 
النحاة على خط المواجهة؛, ورأوا في المنطق «نحوا» آخر ينافس نحو اللغة 
العربية. لقد اشتد الصراع بعد الكندي لذلك كان لا بد «من بناء تصوّر شامل 
للعلاقة بين البيان منهجاً ورؤية» وبين البرهان منهجاً ورؤية» تصوّر شامل يتم 
فى إطاره وبالاستناد إليه ترتيب العلاقة بين المنهجين والرؤيتين: بين النحو 
وا لمنطو من جهة وبين اله لفلسفة والملة من حنهة أر 23 


(47) الجابري. بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية: ص .41١86‏ 


رخين 


إن هذه المهمة التأسيسية سوف ثُلقى على عاتق ابي نصر الفارابي الذي 
اهتم من خلال كتابه الحروف بترتيب العلاقة بع البيان والبرهان. 


(9؟) العلاقة بين البيان والبرهان عند الفارابي 


إن الظروف السياسية والاجتماعية التى أحاطت بالفارابى كانت مختلفة 
عن تلك الثى عاشها الكندي. قدولة المآمون والمعتضم التى. ناصرها الكددي 
لأنها كانت تمثل «دولة العقل» قد تفككت إلى دويلات متنافسة كثرت فيها 
المذاهب» ما أثّر فى وحدة السلطة وفى وحدة الفكرء وأدّى إلى تمزرّق فكري 
ومعاسى اويا عن ,اللذللف فاك المنصى اندض الستلة الما زان كان محكلفا عن 
اتجاه الكندي» فعمل على إعادة الوحدة إلى الفكر والمجتمع. إن القضية التي 
جلك القارات مكدو فى النغرة إل سهان الخطاته السهالى معاد 
الخطاب البرهاني» خطاب «العقل الكوني»؛ من أجل التوضل إلى وحدة 
الفكر. كما إنه انشغل أيضاً بالدعوة إلى بناء العلاقات داخل المجتمع على 
أساس نظام جديد شبيه بالذي يسود الكون. من أجل إعادة الوحدة إلى 
المجتمع. لذلك اهتمّ الفارابي بالمنطق من أجل تحقيق الهدف الأول» 
ولحاي الصاح ف سين ساد الود قدا تنا عير نه فرفيت ل بن كه بيدا 
في النظام البرهاني عند كيفية استفادة الفارابي من البرهان الأرسطي وتوظيفه 
في إطار الثقافة العربية الإسلامية. 


يعتبر الجابري أن الثقافة العربية الإسلامية مدينة للفارابي في مجال 
المنطق أكثر مما هي مدينة لغيره ممن جاءوا قبله وبعده (...) لقد استرجع 
الفارابي صناعة المنطق كاملة (...) واستحق لقب «المعلم الثاني» الذي جعلهء 
في منظور الثقافة العربية الإسلامية. يحتل المرتبة الثانية بعد أرسطو ‏ «المعلم 
الأول» - في صناعة المنطق خاصة»”""2. 

لقد برع الفارابي في مجال المنطق حتى غدا لأرسطو العرب» لأنه لم 
يستوعب فقط هذا المنطق إنما لأنه وجد فيه السبيل المؤدي إلى وضع حد 
للفوضى والتفكك اللذين عاناهما الفكر في عصره. انصرف إلى توضيح وظيفة 
المنطق على صعيد التعاطي الفكري مع المجتمعء مركزا على دوره البناء في 
«السلوك الفكري» الفردي والمجتمعىء, إذ إن من شأنه أن يزيل الاختلاف 


(97) الجابري» تكوين المقل العربي » صن 0 


537 


ويحقّق وحدة الفكر داخل المجتمع. إنه يعتقد أن الفوضى التي تضرب الحياة 
الفكرية داخل المجتمع يسببها الجهل بالمنطقء» والانسياق وراء الجدل 
والمغالطة السفسطائية. يبرز الفارابي أهمية البرهان مؤّداً أنه الموضوع الأساس 
في المنطق» ما دفع مفكرنا إلى القول «إن إلحاح الفارابي على أن «المقصود 
الأعظم من صناعة المنطق هو الوقوف على البراهين» يسجل موقفا جديداً في 
تاريخ المنطق منذ أرسطو إلى عهده» موقفا يستعيد بقوة وإلحاح ما كان مهملا 
أو محرماً في المنطق خلال العصر الهيلنستي: أعني كتاب البرهان)”*". 


لم يتردّد الفارابي في العمل على تجاوز الخطاب السجالي والخطاب 
العرفاني في آن معاً لأنهما سبّبا تمرّق الفكر وتشرذم المجتمع. وذلك من أجل 
التوصّل إلى خطاب العقل الكوني الذي يفيد العلم اليقين. إنه يشدد على قدرة 
العقل البشري في تكوين عملية المعرفة» إذ إنه بإمكانه أن يكفي نفسه بنفسه. يرى 
الجابري أن العقل في مفهوم الفارابي ليس بحاجة إلى أصل معطى من خارج لكي 
يقيس عليه الأمور المستجذة؛ كما إنه لا يحتاج إلى الإلهام أو المعلم الذي ينقل 
إليه المعرفة. إنه يستغني عن ذلك بسبب «المقدمات الأوائل" التي «حصلت له 
بالطبع». إن هذه المبادئ العقلية هي نقطة الانطلاق في المنطق من خلال 
الاستدلال وتركيب القياس البرهاني الذي يؤدّي إلى علم بالوجود وأسبابه على 
نحو يقينى. «ومن هنا كانت المعرفة اليقينية هى المعرفة بالأسباب. وهى فضلاً عن 
ذلك أشرف المعارف إطلاقاً لأنها تقودنا إلى 000 «السبب الأول» وكقفة عامة 
إلى «أفضل علم لأفضل الموجودات»» وتلك هي الحكمة»37". 


تقوم الحكمة في مفهوم الفارابي على الربط بين المنطق والأنطولوجياء وبين 
الطبيعة وما بعد الطبيعة» ذلك من أجل التوصل إلى البرهنة على وحدة الكون 
وترابط أجزائه» ما يؤدّي حتماً إلى وحدة الفكر وبالتالي إلى وحدة المجتمع. 

إن الفلاسفة يمكنهم أن يتوصلوا إلى الحكمة مباشرة» ويدركوا الحقائق 
كما هي» أما المؤمنون فتنطبع مثالاتها في نفوسهمء من هنا عدم التناقض بين 
الفلسفة والدين عند الفارابى لأنهما يعبّران فى النهاية عن حقيقة واحلة. 
والفلسفة بالنسبة إليه لا تناقض الدين بل تعمل على تفسيره عقلياً. 


(48) المصدر تفسله ) ص 4" 
(89) المصدر نفسه. ص 16 


>56 


لم ينشغل الفارابي فقط بالتوفيق بين الفلسفة والدين إنما اهتمّ أيضاً ببناء 
تصوّر شامل يرتّب العلاقة بين البيان والبرهان أو بين النحو والمنطق. لقد حاول 
فى مؤلّفه كتاب الحروف أن يؤسّس الفلسفة فى الثقافة العربية الإسلامية معتمداً 
على تقر اماه لمحو ست ل قفن اللقة على يجيد العيردة «التعرت و تلقل 
والتركيب عند شعب معين. كما إنها تدرس مراحل تطور المعارف وكيفية ترتيبها 
في إطار العلوم والفنون والمناهج المتبعة فيها. كذلك تهتم هذه النظرة الشاملة 
بنشأة الملّة وعلومها وبأنماط العلاقة بينها وبين الفلسفة ومن ثم تطرح كيفية 
ترتيب العلاقة بينهما. 


بحث الفارابي في الإشكالية البيانية التي تمحورت حول اللفظ والمعنى في 
زمن الصدام بين علماء النحو وعلماء المنطق. وحاول ترتيب العلاقة بينهما على 
أساس برهاني يعتمد على الواقع وتطوره باعتبارهما سلطة مرجعية عليا. لقد أكد 
أن المعنى سابق على اللفظ» مرتكزاً فى ذلك على حدوث الحروف والألفاظ 
والكلام لد الامم: إته يتخالف هنا أهل. البيان الذين: يقولون بأشيقية اللفظ :على 
المعنى. محتكما إلى الواقع وليس إلى النصوص. إن المعطى الحسّي بالنسبة 
إليه يسبق زمنياً صورته الذهنية» كما إن الصورة الذهنية» أي المعنى» تسبق 
الإشارة التي تعبّر عن المعنى, أي اللفظ. إنه يعتبر «أن نظام الألفاظء نظام 
اللغة. إن هو إلا محاكاة لنظام المعاني في الذهنء. ونظام المعاني إن هو إلا 
محاكاة لنظام الأشياء في الطبيعة. وهكذا فإذا كانت الألفاظ (...) تختلف من 
أمة إلى أخرى (. ..) فإن المعاني والمعقولات واحدة عند جميع الناس وجميع 
الأمم لأن مصدرها ليس الألفاظ بل الأشياء الحسيّة والأفعال وردود الأفعال 
وهذه كلها موضوع إدراك وانفعال جميع الناس)”0"©. 

كذلك إن ما يميّز الفارابي عن أهل البيان» بالإضافة إلى قوله بأسبقية 
النسى عل اللفظة أنه يفضي إن الناسفة سقف الملة فى الرمق ران هذه 
الأحيرة تابعا للفشيفة: كما إن الطريق المزةية إلى: وكيم حد ايدام .بين 
الفلسفة والملة يكمن في اجتهاد الفلاسفة في أن يوضحوا للمؤمنين أن الحقائق 
التي في الملّة هي «مثالات لما في الفلسفة»» تعبّر عنها الملّة بواسطة الخطابة 
والشعر والجدل لكي تطاول الجمهور. أما الفلسفة فإنها تعبّر عن الحقائق نفسها 


)3٠١(‏ الجابري» بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية» 
ص 41١‏ -477. 


7” 


بواسطة البرهان لكي تطاول الخاصة. لن نغوص هنا في كيفية توفيق الفارابي بين 
الفلسفة والدين» ولكننا سوف نتوقف عند قراءة الجابري لكيفية ترتيبه العلاقة 
بين المنطق والنحو أو بين البرهان والبيان. التي هي موضوع بحثنا"' ' ". 


إن الخطوة الأهم في تأسيس المنطق داخل ثقافة اتخذت النحو كمنطق 
خاص بها تكمن في ترتيب العلاقة بين المعقولات والألفاظ أو بين المنطق 
والنحوء من دون تكريس الفصل بين قوانين الألفاظ وقوانين المعقولات. لقد 
عمل الفارابي على تأسيس المنطق من جهة استقلال موضوعه عن موضوع 
النحوء ورتّب العلاقة بينهما مستندا إلى علاقة كل منهما باللفظ والمعنى. كما 
إنه اشتغل على «تبيئة الدرس المنطقي». 


إن المؤلفات المنطقية العربية؛ كما يشير الجابري» قد عرفت اهتماماً كبيراً 
ب «الألفاظ» إلى حد تجاوز ما قد تقدّم به أرسطو من خلال كتابيه المقولات 
والعبارة» «كما تجاوز ما أورده فرفوريوس في كتابه إيساغوجي. إن هذا الاهتمام 
لا يقتصر فقط على المتأخرين إنما يعود في الأصل إلى الفارابي الذي اهتمّ 
بموضوع «الكليات»» بخاصة في كتابه الألفاظ المستعلمة في المنطق. إن إدخال 
أحد المفاهيم إلى ثقافة ما كانت قد تأسّست وتطورت إلى أن بلغت مرحلة 
نضجها من دون هذا المفهوم. إن هذا العمل يتطلب مجهوداً كبيراً» وبخاصة 
أن الثقافة المعنية هناء هى الثقافة العربية البيانية. لقد توقف الفارابى مطوّلا عند 
شرح معنى «الكلي» وعند طريقة تصنيف المعاني انطلاقاً من الكلي العام إلى 
الجزئي الخاص متميّزاء عن فرفوريوسء لأنه لم يبحث في الموضوع من جهة 
المنطق وحسب إنما من جهة البيان أيضاً. لقد توجّه إلى البيانين بأسلوب يثير 
اهتمامهم بما قد أغفلوا عنه. 


يرى مفكرنا أن كتاب الألفاظ المستعملة في المنطق الذي وضعه الفارابي 
يشكل مدخلا إلى المنطق وإلى دراسة المعقولات تحديداً. كما يعتبره كتاباً عربياً 
أصيلا لأنه يحوي تصنيفات «أهل العلم بالنحو من أهل اللسان اليوناني» مقدمة 
على أحسن وجه لكى تكون مدخلا إلى المنطق في الثقافة العربية حيث اللغة 
والنحو هما السلطة المرجعية الأولى. «إن الأمر يتعلق لا بمجرّد تصنيف لحروف 
)٠١١(‏ للمزيد من التفاصيل حول معالجة الفارابي لمسألة التوفيق بين الفلسفة والدين» انظر: 
محمد عابد الجابريء» نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي. ط ١‏ (بيروت؟ الدار البيضاء: 
المركز الثقافي العربي. 2)1497 ص 598 ؟لا. 


ان 


وألفاظ توجد فى اللغة العربية كما توجد فى غيرها من اللغات. بل يتعلّق الأمر 
في التحقيقة بنع تواقد عريضة على عالها اكره غير عالم البيان.» عالم تصتئف 
فيد الألفاظ حب ولانضها التلنظنية توليق ‏ حنبين تأنيرنها اللو 01 

إن تصنيف الألفاظ وفقاً لدلالتها المنطقية يقتضي وضع المعنى أولاً واللفظ 
في المرتبة الثانية لأنه تابع للمعنى. أما تصنيف الألفاظ انطلاقاً من تأثيرها 
النحوي فيضع اللفظ أولا ويجعل المعنى تابعا له. عندما اعتمد الفارابي على 
التصنيف الأول أسهم في مجال ترتيب العلاقة بين النحو والمنطق مقذما للنحاة 
العرب عالماً جديداً مختلفاً عن الذي عرفوه منذ سيبويه. لقد أدذى عمله هذا إلى 
تفاعل النحاة مع المنطق. فاستعانوا بتصنيفاته» وبدا ذلك واضحاً ‏ كما يشير 
الجابري - في كتاب العالم النحوي الكبير ابن السراج الأصول في النحو. لم 
يشأ الفارابى أن يطاول النحاة فقط فى عملية ترتيب العلاقة بين البيان والبرهان» 
0 أراف أيضا أن تيتوعة إلق .علغاء"الكاذم الذي بترا وؤيقي للغاله على اسان 

لجواهر الفردة» ما ادّى إلى وقوعهم في أزمة على صعيد المنهج. إن تصنيف 
علماء الكلام أشياء العالم إلى جواهر فردة وأعراض قد : سجنهم داخل (نزعة 
ذرية مفرطة» سواه عل ضعيد تظريتهم “في الواجود أم على صعيد نظريتهم في 
المعرفة. إن هذه النزعة الذرية تغفل تماماً عن مفهوم «الكلي» ومفاهيم أخرى 
كالجنس دافم وغيرهما. لقد انتبه الفارابى إلى ضخامة المجهود الذي يجب أن 
يبذله من أجل أن يتمككن من إدخال المفاهيم البرهانية إلى الحقل المعرفي العربي 
الذي كان خاضعاً لقوانين النظرة البيانية «التجزيئية» على مختلف الصعد. 


لذلك كان عليه أن يقدّم شرحاً وافياً لمفهوم «الكلي» و«الكليات الخمس» - 
الجنسء النوع؛ الفصلء الخاصة.ء العرض العام التي فصّل أرسطو الكلام 
عليهاء متوقفأ عند علاقة بعضها ببعضء وذلك بأسلوب المعلّم المأخوذ بهاجسه 
التربوي» لكي يطمئِنْ إلى استيعاب مخاطبه المواضيع المطروحة. تجدر الإشارة 
هنا إلى أن مهمّته ليست محصورة بشرح المفاهيم الجديدة فقط إنما بنقلها إلى بنية 
فكرية تجهلها وتعمل من دونها منذ فترة. يرى مفكرنا أن الفارابي «كان يعرف أن 
الأمر يسسلق بعا تر عته البوم فى اتجديد العمل العريى»: وكان ندرك أكدر مها 
ندرك نحن اليوم» أن تجديد عقل ما يحتاج إلى مخاطبة هذا العقل بالأسلوب 
الذي اعتاد الإنصات إليه. وكلما أمكن: بالوسائل التي يستعملها هو نفسه. إن 


.117١ الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية؛ ص‎ )٠١7( 


371 


ذلك هو المميل الوحيد الذى سكل العقل الخزاد تحدينه سعيف و 0 

هكذا أسهم الفارابي في ورشة تأسيس المنطق والمنهج البرهاني داخل الثقافة 
العربية الإسلامية» مرتكزا في ذلك على المعلّم الأول بشكل أساس. وهادفاً إلى 
تحقيق نوع من التجديد على مستوى المنهجح والرؤية التابعين لهذه الثقافة تحديداً. 
هل سيتابع ابن سينا من بعده هذا العمل؟ وما الذي سيحققه في هذا المجال؟ 


(*) تأسيس العرفان على البرهان عند ابن سينا 


إن من يقرأ ابن سينا في صفحات الجابري يُفاجأ بملامح الصورة التي يعثر 
عليها عبر الأسطر الممتدّة على مساحة أكثر من كتاب. إننا لن نعرض هنا كل ما 
أتى به مفكرنا حول ابن سيناء إنما سوف نتتبّع مصير أرسطو والبرهان بعد 
الفارابي. متوقفين عند أهم الانتقادات التي وجّهها إلى فلسفة ابن سينا "©. 


(إن انع سينا يريك أن يوضيل (العرفانة علئ"«البرهان هناما عمل 
الجابري على برهنته في أبحاثه حول الفكر السينوي. لم يكن البرهان هدفاً بحد 
ذاته لدى ابن سينا ولا التقيّد بمذهب أرسطو أيضاًء وهو يعلن عن ذلك فى 
كتابه الشفاء الذي ضمّنه ما صمح عنده من «العلوم الفلسفية المنسوبة إلى 
الأقدمين». يعترف ابن سينا صراحة بفضل الفارابي عليه في ما يتعلق بتكوينه 
الفكري» بخاصة في فهمه لكتاب أرسطو ما بعد الطبيعة. 


إن هذا الاعتراف الذي صرح به ابن سينا لتلميذه الجوزجاني جعل الجابري 
يجزم بأنه كان قد «قرأ أرسطو بوساطة الفارابي ومن خلاله)” ''“. من هنا بدا أثر 
الفارابي واضحاً في ابن سينا إلى حدّ دفع الباحثين المعاصرين كما القدامى إلى 
الإقرار يعدم اختلاف آراته الفلسفية عن آراء الفارابي باستثناء بعض التفاصيل””” "2. 


يرى مفكرنا أن هذا صحيح من الوجهة المعرفية فقط. ولكنه حكم خاطئ 


.177” المصدر نفسه. ص‎ )٠١*( 

: للمزيد من التوسّع في قراءة الجابري لفلسفة ابن سيناء انظر: الجابري» نحن والتراث‎ )٠١4( 
.155 4817 قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي. ص‎ 

209١ 5(‏ الجابري» تكوين العقل العربي. ص 555. 

4١ الجابري» نحن والتراث : قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي. ص‎ )١٠١5( 

)0١7(‏ نحن نعلم أن المناحي المشرقية التي اتخذها مذهب ابن سينا الفكري» أكان في المنطق أم 
في الفلسفة جعلته يضع أسساً تجريبية ‏ استقرائية للبراهين والقضايا والأقيسة؛ ويطوّر تلك المناحي 
النفسية فى معرفة الذات والأنا. 


دكن 


من الوجهة الأيديولوجية. إذا نظرنا إلى كل من ابن سينا والفارابي من الناحية 
المعرفية المحضة؛ أي من خلال سائر المعارف العلمية والفلسفية التى وظفاها 
عمال تسا المطرمة لماوز اند ديات قد شار عبرا فى وكديانج 
النطرى آنا إزااتظيفا إلى بأرانهننا مر القائعة الأندي لوعي جد دنا كيرا كفك 
لأن ابن سينا عندما قرّر تبتي آراء الفارابي على الصعيد الماورائي»؛ كان قد تبتّى 
المضمون المعرفي لهذه الآراء وليس حلم الفارابي الأيديولوجي الذي تبيّن لنا 
من خلال سعيه إلى إرساء الوحدة على صعيد الفكر وعلى صعيد المجتمع 
المفكك فى حينه. إن الفترة الزمنية التى فصلت بينهما شهدت تحولا خطيرأ على 
مستوى التاريخ الإسلامي في المقدرق: لعزب فالتفكك الذي بدأ بإصابة أطراف 
الامبراطورية الإسلامية كان قد وصل إلى المركزء وبات الأمل فى تحقيق الإنقاذ 
أمرأ مستحيلاً. لقد عاش ابن سينا هذا الواقع المتردّي إِنَانَ استلامه مهام الوزارة 
لدى أحد الأمراء البويهيين. شهد عصره تمزقاً اجتماعياً وسياسياً وأيديولوجياً. 
وبدأت الحضارة العربية الإسلامية تسير نحو الانحطاط بخاصة في المشرق - 
بالنسبة إلى الجابري ‏ على الرغم من الازدهار الفكري والثقافي في كل 
المجالات. هناك مفارقة بين الواقع السياسي والاجتماعي المتدهورء وبين الواقع 
الفكري والثقافي المزدهرء أشار إليها مفكرنا ليعلن أن ابن سينا يأتي في ختام 
المسار التطوري للمعارف العلمية والفلسفية في المشرق. لكي يتوج إنجازات 
الكندي والفارابي في الفلسفة وأبحاث الرازي في الطب. 


إن ابن سينا خير ممثل للازدهار الذي عرفته الثقافة العربية الإسلامية على 
الصعيد الكمّي» نظراً إلى مؤلفاته الضخمة» وتفكيره الواضح» وأسلوبه السليم. 
وادّعاءاته الكثيرة. كما إنه خير ممئّل للوجه الآخر لهذه الثقافة» لأنه كان أول من 
دشن مرحلة التراجع والانحطاط» على الرغم من كل ما تحلى به من «أبّهة وجلال». 
وبدعو الجابري في هذا السياق إلى التخلي عن الاعتقاد القائل بتطور تاريخ الفكر 
الفلسفي في الإسلام تبعأ لخط متصّل وصاعد يُتوّجه ابن سيناء ويضربه الغزالي لكي 
يقضي عليه. «إن ابن سينا يبدو (. . .) لا ذلك الفيلسوف الذي بلغت معه العقلانية 
الإسلامية أوجها كما يعتقد. بل ذلك الرجل الذي كرّس وعمل على تكريس لا 
عقلانية صحيحة فى الفكر العربى الإسلامى تحت غطاء «عقلانية» موهومة)7*''. 
كن ها الذي جهعل مد اايطلن هذا الدكم ربج ابن سينا وإلين ماسعيت: فى 'ذللق؟ 


.٠١١ المصدر نفسه. ص‎ )٠١8( 


8 


اعتمد الجابري في قراءته النقدية للفكر السينوي على المقارنة مع فلسفة 
الفارابى بشكل أساس. لقد قرأ ابن سينا من خلال الفارابى معتبراً أن فلسفة 
الأول هي امتداد لفلسفة الثاني وخروج عنها في الوقت عينه. إنها كذلك إذ قد 
تبت هيكلها العام» كما إنها خروج عنها لأنها اتجهت بهذا الهيكل إلى مكان 
آخر فركزت على بعض الأمور وذهبت بها إلى حذّها الأقصى». وأهملت أمورا 
أخرى لا تقل أهمية عن الأولى. 


يرى مفكرنا أنه على الرغم من اعتراف ابن سينا بفضل الفارابي عليه 
وإشادته به» فهو قد خرج عن الحدود التي كان قد وضعها الفارابي ل «منظومته 
الفلسفية» فأعطاها توجيهاً ومضموناً مغايرين. لم يُضف الشيخ الرئيس أي عناصر 
جديدة إلى هذه المنظومة» ولم يحذف منها أي شيء. وبالتالي لم يقم بإجراء 
أي تغيير في هيكلها العام. كل ما فعله يكمن في أنه أبرز عناصر معينة محمّلا 
إياها بالفعل ما كانت تتضمّنه بالقوة. في حين أهمل عناصر أخرىء ناقلا إلى 
مداق إلقرة !ما كاتف نحفيله بالتمل العام التي ع دك الوذ العدانة ‏ طلية 
الإبراز خاصة. هى التى أذّت إلى تغيير فى اتجاه المنظومة؛ء وبالتالى إلى 
تأسيس ما دعاه الشيخ الرئيس ال 1 ْ 


يعرض مفكرنا بالتفصيل أهم نصوص الفارابي ليقارنها في ما بعد بأبرز 
نصوص ابن سينا التى تتناول المواضيع عينها. ويقدم بالتالى استنتاجاته 
الحاضة”” ١‏ شرف تتوقف في ماايلئ عتد أبرز ها :يمي ابن سينا عن الفازابي : 


أو عند التغيير الذي طرأ على «المنظومة الفلسفية» الفارابية. 


لقد اهتمّ الفارابي بقضية العقل اهتماماً بالغاً فهي أساس منظومتهء إن 
العقل هو بالنسبة إليه مبدأ النظام والوحدة مركزا على الانسجام بين عناصر 
منظومته. أما ابن سينا فقد اهتم بالنفس أكثر من العقل مبرزا الثنائية وليس 
الوحدة فى الكون. انصرف إلى الكشف عن الثنائية فى الكون وفى أجزائه 
أيضأًء عندما شدّد على الفرق النوعي بين العالم العلوي والعائم السفلي ‏ أي 
الطبيعة ‏ من جهة؛ والنفس الإنسانية والبدن من جهة أخرى. 


1١١5 المصدر ئقسهء ص‎ )١9( 


)١١(‏ راجع هذه النصوص التي توقف عندها الجابري في: الجابري» بنية العقل العربي: دراسة 
تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. ص 449 -415. 


>” 


إن الاختلاف. ببق الموحودات بالشنة: إلى القاران هو الختلاف فى الدرجة 
وليس في النوع. إنه لا ينكر وجود الأنواع يقالن أرسطو 57 ونا 
الاختلاف في النوع إلا نتيجة للاختلاف في الدرجة. من هنا كانت الموجودات 
عنده متسلسلة من أعلى المراتب إلى أدناها مثل الجسم البشري حيث يحتل 
«القلب» المرتبة الأولى. أو مثل المدينة الفاضلة حيث يأتي الرئيس أولا 
والذين يخدمون ولا يخدمون أخيراً. أما ابن سينا فيهتمٌ. على العكس من 
ذلك. بإبراز الفرق النوعغي بين كل من العالم العلوي والعالم السفلي. وبين 
موجوداتهما أيضاء مكرّسا هذا الفرق ومؤكدا مغايرة النفس للبدن» واستقلالها 
عنه. تنتمي النفس بالنسبة إليه إلى العالم العلوي؛ أما الجسد فهو جزء من 
العالم السفلي. 


إن السعادة عند الفارابي تكمن في إدراك النظام والوحدة في الكون إدراكاً 
عقلياًء أما السعادة عند ابن سينا فهي تكمن في تحرّر النفس من سجنها المادي 
وانطلاقها نحو نفوس الأجرام السماوية حيث تشاهد الحق الأول في «المحل 
الأرفع». يشير مفكرنا في هذا المجال إلى أن ابن سينا قد تبتى الجانب المعرفي 
الخاص بنظرية السعادة عند الفارابى» إنما حمّله مضموناً آخر. فالطريق المؤدية 
إلى السعادة عندهما واحدة.ء إنه 0 الوجود بما هو عليه. بنظامه وعلله. 
لكن جوهر السعادة مختلف عندهما كما رأينا. والسعادة عند ابن سينا هي نفسية 
وشخصية مرتبطة بالتحرّر من البدن» واستعجال الموت. بينما نجد أن «الحياة 
الأخيرة» حيث السعادة بالنسبة إلى الفارابي غير مرتبطة بمفارقة النفس للبدن» 
أن الموظه الجااس دلق الماك العقن لطر بعردة بسقانة الم جودانك: 
عا . شك القوال :إن قالمة 1 الفا رات مشاه داق راق عند بطح عون ادف 
ابن احا الروحانة »علق الرقم من. أنهننا رطفا المادةالمدرفية ندا 


يرى الجابري أن فلسفة ابن سينا «المشرقية» هى منظومة خاصة؛ء إنما 
هيكلها العلمي والماورائي هو هيكل المنظومة الفارابية حيث تحتل نظرية الفيض 
منزلة السمرة الفقرى. إن انا يميد نه ابن سينا عن الفازاى هر المحترين الذي 
أنطاء للسيعةى إن مسو «ولسفى د ديقي للخصن: تطارية الى سينا في النفسن 
التي لم تقتصر على البرهنة على وجود النفس وروحانيتها وخلودهاء لكي تشمل 
وجود النفس بعد الموت واتصال نفوس الأحياء بنفوس الذين قد ماتوا. 


إن حاجة ابن سينا إلى أرسطو في فلسفته هذه كانت تميل إلى التخلّص منه 


تدكا 


أكثر من الاستفادة منه عن طريق توظيفه عقلانياً» كما فعل الفارابى» لذلك اعتبره 
مفكرنا «المدشن الفعلي لمرحلة أخرى في تطور الفكر الفلسفي في الإسلامء 
مرحلة التراجع والاتخطال)!"“..لقد أعطى ابن سينا 'متكى: روحاتياً ل امادية) 
أرسطوء فعاد بها إلى أفلاطون. لم يتمكن من تجاوز أرسطوء. ولم يكن حتى في 
مستوى «أرسطوطاليسية» الفارابى. إنما ابتعد عنهما فى حكمته المشرقية. كما إن 
الاتعاه الروحان و الالاعفلاتي افلسلة انو يها لم بعد عق أرسطر والقارابي 
فحسبء إنما ابتعد أيضا عن «الواقعية الدينية» التي تبلورت في القرآن» ودعمها 
المتكلّمون من خلال مجادلاتهم فأصبحت أكثر عقاانة من ل 


يحاول الجابري أن يفسّر هذا المنحى الروحاني عند ابن سيناء ورغبته في 
الابتعاد عن أرسطو والتخلّص منه؛ من خلال تحديد المضمون الأيديولوجي 
للملانة المغرية: زقد ارام ابن سيك أن يتهارد شترض كنب | رسطو لخو تاننيس 
فلسفة مشرقية لها خصوصيتها القومية الفارسية» بخاصة لأن المنافسة كانت على 
أشذها فى أيامه بين مدرسة بغداد المشائية ومدرسة خراسان المشرقية القائمة 
على دمح الدين والفلسفة بعضهما ببعض. 


يشير مفكرنا إلى نشأة ابن سينا فني وسط إسماعيلي. وتلقيه العلم والفلسفة 
من رسائل إخوان الصفا. لقد أخذ هذه المادة المعرفية عينهاء وحاول بناء 
مشروعه». مكرّساً بذلك اتجاهاً روحاتناً عرفانياً أدَى دوراً كبيراً فى ارتداد الفكر 
العربي الإسلامي عن العقلانية التي سبق أن نادى بها المعتزلة ووصلت إلى 
القمة مع الفارابي. إنه يذكر في هذا المجال أن الحركة الإسماعيلية التي نمت 
خلال القرن الثالث الهجري. وظفت المادة المعرفية للأفلاطونية الجديدة من 
أجل بناء أيديولوجيا ثورية هدفت في ذلك الحين إلى قلب نظام الخلافة 
العباسية» كتعبير عن الشعوب التي اضطهدت قوميا وطبقيا. إن هذا الهدف لم 
يتحمّق فتحوّل إلى «حلم جميل». لذلك كانت الفلسفة المشرقية السينوية «امتدادا 
على صعيد الفكر المجرّد لأيديولوجيا ثورية فشلت في تحقيق نفسها فتحوّلت 
مع الشيخ الرئيس» الذي أعاد إنتاجها في وقت حقّق فيه العلم والمنطق تقدما 
كبيراً» إلى فلسفة قتلت العقل والمنطق في الوعي العربي لقرون طويلة)”"١".‏ 


يرى الجابري في تقويمه الرؤية السيئنوية أنها عبارة عن عملية تلفيق تجمع 


(١١١)الجابري»‏ نحن والتراث : قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي» ص .١18‏ 
(؟1١١)المصدر‏ نفسه» ص .١168‏ 


عن 


بين إلهيات الفارابي وأخرويات الإسماعيلية» كما إنها تحمل مشاغل الفكر 
العزين الإساو فى فى ضصد سن عخاضة ماع ,امك ممق زالصر تفرع افسافك 
للسنعه من تلك الفلسقات التلفيقية الت تدم أخوبة» صربحة أو ضمنية للقضايا 
التي تشغل جميع الاتجاهات والسازاك ومن هنا ارتباط «الجميع" داخل الثقافة 
العربية الإسلامية بالسيئوية نوعا من الارتباطء فأصبحت السينوية تمئّل». من 
دون منازع الصيغة «البرهانية» للفلسفة والكلام والتصوّف في الإسلامء وبالتالي 
الممثّل «الرسمي» للبرهان في الثقافة العربية الاسلامية)3370, 


يبدو واضحاً فى هذا النص الموقف النقدي الذي اتخذه مفكرنا فى 
مواجهة الرؤية الف لابن سينا. لقد أراد أن ينتزع منه صفة الممثل 55 
للبرهان» لأنه ابتعد عنه بسبب روحانياته» لكى يعطى هذه الصفة فى ما بعد إلى 
من يستحتقها في نظرهء أي ابن رشد. هذا هو لاسي «الوجه الآخرا لفلسفة 
ابن سيناء والذي حاول أن يبرزه الجابري من خلال أبحاثه. إنه الوجه الذي 
يمل حقيفتها كما وصلت إليناء والذي دفعه إلى اعتبار ابن سينا «أكبر مكررس 
للفكر الغيبي الظلامي الخرافي في الإسلام»» لأنه «جعل من التنجيم 
والسحر (...) وغير ذلك من مظاهر اللامعقول «علوما» تجد مكانتها (الطبيعية» 
في منظومته «العلمية» الفلسفية التي طلاها بطلاء أرسطوطاليسي كاذب»!*'". 


لم يكن ابن سينا ١نتاج‏ نفسه» إنما هو نتاج الثقافة العربية الإسلامية منذ 
عصر التدوين. إن مجمل تناقضاته ليست إلا إشارة واضحة تنذر بقدوم لحظة 
انفجار التناقضات داخل العقل العربى الذي بات عاجزأً من إنجاز قطيعة نهائية 
مع النظام المعرفي الذي شيّدته ارسي إنه نظام «العقل المستقيل»). سوف 
يأتي الغزالي في ما بعد لكي «يقيم الدليل على ذلك ليس فقط بتقلباته وتناقضاته 
وأزمته الفكرية بل أيضا بتكريسه للهرمسية فى دائرة «البيان» ذاتها مؤسّسا بذلك 
أزمة العقل العربي» أزمته «العاريض 20150 


بخاصة؟ ما هو سبب تهجّمه على الفلاسفة وإعلانه تهافتهم؟ 


)١١*(‏ الجابريء بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. 
ص 458 -445. 

.١904 الجابري» نحن والتراث: قراءات معاصرة في ترائنا الفلسفي. ص‎ )١١4( 

.578 الجابري» تكوين العقل العربي.ء ص‎ )١١5( 


ا 


(4) تأسيس الفقه على المنطق عند الغزالي 


يرى الجابري أنه لا يمكن لأحد أن ينكر فضل الغزالي في توظيف المنطق 
داخل الحقل المعرفى البيانى» بعد الفارابى. نقد عكر ملك الفقيه الأصولى 
والمتكلّم العالم ل الدعوة إلى العقناد المنطق في مجال العلوم 01 
وبخاصة في علم الكلام. إنه على الرغم من تهجمه على الفلاسفة وتشكيكه في 
جدوى علومهم؛ نجده قد استثنى المنطق ودافع عنه. لم يبشر الغزالي بالمنطق 
فقط إنما ألف فيه بلغة سهلة المنال» وصاغ مضمون بعض الآيات القرآنية في 
صورة قياس لكي يبيّن استخدام القرآن للقياس المنطقي في عملياته الاستدلالية. 
إنه يعتبر في كتابه القسطاس المستقيم أن الطرق الاستدلالية في القرآن هي ثلاثة 
تعود كلها إلى القياس الأرسطي. 


لكن أشهر ما أنجزه الغزالي في مجال تبيئة المنطق داخل الحقل المعرفي 
البياني هي مقدمة كتابه المستصفى من علم أصول الفقه. إنه يرى أن المنطق هو 
مقدمة العلوم كلها ومن لا يتمرّس به ويتسلّح بأدواته تفقد علومه الثقة بها. لقد 
«أراد الغزالي أن يجعل المنطق هو الذي يؤسّس أصول الفقه وليس علم 
الكلام» فوضع هذه المقدمة على صدر كتابه ليتمكن من لا يعرف المنطق من 
الاطلاع على الكيفية التي يجب أن تسبر بها الأدلة وتُختبر»'"1". 


على الرغم مما أورده الغزالي في المستصفى. وعمله على تأسيس الفقه 
على المنطق. يرى مفكرنا أن أهم كتبه المنطقية هو معيار العلم حيث يعرض 
فيه أبحاثه المنطقية بشكل مبسّط؛ ما جعله قريبا من البيانيين. كذلك اجتهد في 
مجال تبيئة المنطق داخل علم الكلام من خلال كتابه الاقتصاد في الاعتقاد. 
حيث قام بأوسع تطبيق للقياس المنطقي في مجال علم الكلام. لكن دوره لم 
يقتصر فقط على تبرير المنطق وإظهار أهميته عبر إصدار الفتاوى الدينية 
لصالحه. كما إنه لم يكتف بالتأليف في المنطق بأسلوب واضحء» ولغة بسيطة 
مستخدماً الأمثلة الفقهية لتسهيل تطبيقه في علم الكلام» إنما تجاوز كل ذلك 
لكي يصل إلى تبيان عدم صلاحية منهج الاستدلال بالشاهد على الغائب في 
علم الكلام. لأنه غير مجدٍ في طلب اليقين. إن صلاحية هذا المنهج تقتصر 
فقط على الفقه حيث يتم الاكتفاء بالظن ولا يُطلب اليقين. 


.478 الجابريء بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية: ص‎ )١١7( 


مهم 


كانت هناك أسباب عدة من بينها محاربة الباطنية» قد دفعت الغزالى لكى 
عي بالقتايي الأ لطي اهما قن اكفرميىق افقاء لجعي يه نيران لعن 
البشري» وسبيلا وحيذا من أجل كنات المعرفة. ويرى الجابري هنا أن «آلية 
القياس الأرسطي قد تمكنت من ذهن الغزالي إلى درجة أصبح معها يرى أن 
المعرفة لا تحصل. ولا يمكن أن تحصل في أي ميدان كان., إلا بترتيب 
مقدمتين أو أصلين على وجه مخصوص. وهكذا نجده يطبّق هذه الآلية على 
«الكشف» الصوفى نفسه. فيجعله يتوقف هو الآخر على «أصلين» يزدوجان» 
كما و ا ةا ل 1 


لم يوفر الغزالي إذأ آلية القياس حتى في التصوّف حيث وجد لها وظيفة 
مهمة. لقد ربط الكشف الصوفى بأصلين.ء الأول هو فى منزلة المقدمة الكبرى» 
إنه مرآة اللوح المحفوظ» والثاني هو في مرتبة المقدمة الصغرىء إنه مرآة القلب. 
لا يحصل الكشف إلا إذا رفع الحجاب بين المراتين عن طريق المجاهدات 
والرياضات. لم يتضح لمفكرنا إذا كان الغزالي هنا يحاول إضفاء الطابع البرهاني 
على الكشف الصوفيء أم أنه يقوم بإحدى المماثلات التي عرفها العرفان وارتكز 
عليها فقط. لكنه يخلص إلى القول بأن المنهج الذي وضعه أرسطو من أجل 
تحصيل العلم والذي هو «المنطق»., قام الغزالي بتحويله إلى «مجرد الية ذهنية 
شكلية». هادفاً من خلال ذلك إلى أن يستبدل به آلية ذهنية أخرى» سبق أن 
برهنت على عقمها وتسبّبها بتناقضات كثيرة» إنها آلية قياس الغائب على الشاهد. 
إن في ذلك تحؤلاً مهمّاً طرأ على منهج المتأخرين من علماء الكلام. 


لكن السؤال المطروح في هذا السياق والذي يفرض نفسه يثير مسألة قبول 
الغزالى للمنطق وحماسته الظاهرة له من جهةء ورفضه.ء لا بل محاربته للفلاسفة 
ود عية أقرق ةورذ اهما لم الصاررى يمك أذ يا لز نادهو المضكون 
الأيديولوجي» للهجوم على الفلاسفة وإعلان تهافتهم؟ وهل كان بالتالي البرهان 
هدفاً في حد ذاته بالنسبة إلى الغزالي؟ 


يرى الجابري أن موقف الغزالي محكوم بأيديولوجية الدولة التي نشأ في 
مدارسهاء وعمل في كنفهاء واستلم التدريس في أهم معاهدها بتكليف منهاء 
هذه الأيديولوجية التي تؤسّسها فكرة الجمع بين الفقه الشافعي والمذهب 


.44:* المصدر نفسه 6 ص‎ )١١0( 


الأشعري والتصوّف. كذلك سوف يتلقى في ما بعد الأمر بشكل واضح من 
الخليفة المستظهري لكى يرد على الباطنية. من هنا حاجة الغزالى الملّحة إلى 
اللتقطوع: :إلى الفجاتن الأديفطن عرزن بونج الس من أل الننات قات 
الأمدرية .والرة علي «العلية ا 


إن هذا الأمر سيُملي على الغزالي ضرورة فصل المنطق عن الفلسفة» 
واعتباره مجرّد آلة لا دخل لها بالدين. فهى تحصر مهامها فى طرق الاستدلال 
والقيائن. لقد زلقتمحاولة العرالى تريئة المنطق: إلى درشة: اعتيارة”«السطاض 
المستقيم» داخل الفكر السني. إنه الميزان الذي عرض به القرآن فحوى العقيدة 
واستخدمه للرد على الكفار. كما يؤكّد أن المنطق يوناني بالاسم فقطء. أما 
مضمونه فهو مجموع قواعد التفكير التي يشترك البشر فيها أجمعين من أجل 
التمييز بين صحيح الكلام وفاسده. كذلك إن المنطق ضروري من أجل الرد 
على الفلاسفة والباطنية لأنه آلة يُتبيّن من خلالها طريق المجادلة وبخاصة طريق 
«المحاجة بالبرهان الحقيقي1. 


من هنا يرى مفكرنا أن ما يبتغيه الغزالي من خلال استخدام المنطق هو 
الجدل وليس البرهان. إنه يريد استثمار المنطق فى دفاعه عن المذهب الشافعى 
فق الفقهو .وعن "امامت الاجقرق نف علم: الكادم ها بريه ترط يت الملطن 
في الهجوم على الفلاسفة وهدم معارفهم» وذلك من دون أن يعمل على إنتاج 
المعرفة في مجال المنطق. ويتوقف عند توظيف الغزالي للمنطق في هجومه على 
الفلاسفة ليشير إلى أنه جادل الفارابى وابن سينا فى المسائل التى خالفا فيها 
المذهب الأشعري جديا تع العا وق أن الفلاسفة في عصر الغزالي لم 
يكونوا في صدد تشكيل خطر على الدين وأصوله مثلما ادّعى عليهم» كما أنهم 
لم يشكلوا خطرا على الدولة التي كان ينطق باسمهاء وأكثر من ذلك لم يكن 
لهم من وجود يُذكر في حينه. إن ابن سينا كان قد توفي قبل ستين عاما من 
تأليف كتاب تهافت الفلاسفة. ولم يكن هناك من فيلسوف سواه في تلك 
الحقبة. من المعلوم أن فلسفة ابن سينا كانت على صلة وطيدة بالفلسفة 
الإسماعيلية» لذلك من المرجّح أن الغزالي قد وضع الفلاسفة مع الباطنية في 
موقع واحدء إنه موقع العدو. لذلك كان تهافت الفلاسفة وفضائح الباطنية 
مظهرَيْن لرد فعل واحد. رد فعل سياسي ضد الحركة الإسماعيلية)!*"2. 


186 الجابري» تكوين العقل العربي » ص‎ )١١18( 


/ا0 7 


تجدر الإشارة هنا إلى أن الغزالي الذي توصّل إلى العلم اليقني عن طريق 
التصوّف. كان قد تبتى بشكل واضح كل أطروحات الفلسفة الدينية الهرمسية. 
وهو إن لم يكن قد اطلع عليها بشكل مباشر. فإنه استقى هذه الأطروحات من 
ابن سينا والباطنية وفلاسفتها بعامة» ومن المتصوفة كالبسطامي والجنيد والحلاج 
بخاصة. يؤئد الجابري استناداً إلى نصوص الغزالى على أنه تبنى فى كتبه التى 
ألّفها بعد تهافت الفلاسفة وفضائح الباطنية الأطروحات عينها التي كفّر بسببها 
الفلاسفة. من هذه الكتب هناك مثلاً مشكاة الأنوار والمقصد الأسم"1"“. 


لقد أقرْ بقدم العالم» وقال بأن الله لا يعلم الجزئيات» كما إنه أنكر حشر 
الأجسادء وذلك من دون أن يعتمد على الطرق الاستدلالية إنما على الطرق 
العرفانية» مُضفياً عليها طابعاً بيانياً قرآنيً. لكي يقوم بنشرها في ما بعد في كتبه 
التى وضعها من أجل «الخاصة». لكن هناك مسألة واحدة عارض فيها الفلاسفة 
وامضة قن مواحيتيه تتأنهاء إنها مسال النديية. أي صيالة 'القفل فى د ذانه: 
أنكر الغزالي السببية وأصرّ على ذلك. ما أفرغ البرهان من مضمونه وأبقى على 
الشكل فقطء أي القياس والجدل. لقد وظف هذا الشكل فى حراسة مضمون 
لبان كها بلوره الأماعرة 1 


إن ضرب البرهان على هذا النحو أدَى - من منظور الجابري - ليس فقط 
إلى إلغاء السببية إنما العلوم العقلية أيضاً من رياضيات وطبيعيات. وهذا 
الإلغاء لم يكن فقط على الصعيد الإبستمولوجي إنما طاول كذلك الصعيد 
الاجتماعي والتاريخي. من هنا يمكن تسجيل انتصار «العقل المستقيل» عند 
الغزالي على كل محاولاته لفرض البرهان سواء في الفقه أم في علم الكلام. 
«لقد انتصرت فيه الهرمسية «الهاربة» من الدنيا على الفقيه المتكلم المناضل 
مق الل السنااو 0 


إذأء يمكن أن ننظر إلى الغزالى باعتباره مرآة تعكس ثقافة عصرهاء وساحة 
تلقى عندها سائر التيارات الفكرية والأيديولوجية التى شهدها الفكر العربى 
الإسلامى حتى أيامه. لقد استكملت هذه الثقافة نموّها وعبّرت من خلال الغزالى 


)١١9(‏ يتوقف الجابري عند بعض النصوص التي تظهر بالفعل تأثر الغزالي بالهرمسية. وبخاصة 
بالفلاسفة الهرمسيين عندما تحدّث عن «المطاع» الذي يعني «الاله الصانع» وهو غير «الإله المتعالي» الذي 
عبّر عنه الغزالي ب «الأول الأعلى"». هذا يعني أنه أقرَّ بنوع من الثنائية في الألوهة. لمزيد من التفاصيل» 
انظر: المصدر ثنسه» ص 5188-1586. 

(١١١)المصدر‏ نقسهء ص 186. 


عن تنوّعهاء والصراعات التي عرفتهاء والأزمة التي بلغتهاء وبالتالي عن 
التناقضات التي ميّزتها. 


إن من يتعمّق في فكر الغزالي يتبيّن بوضوح التناقضات التي وقع فيها. فهر 
وبخاصة أن المستهدف هنا هو ابن سينا والفلاسفة الإسماعيليين الذين بنوا 
فكرهم على النظام العرفاني الهرمسي. كذلك نجذده يهاجم الفلاسفة ويدعو في 
آن معاً إلى تبي المنطق الأرسطي الذي لا يمكن فصله عن فلسفته الإلهية. لكن 
التناقض الأكبر الذي عرفه فكر الغزالي يكمن في الجمع بين التصوّف والمنطق 
وفى الدعوة إليهما معاً. لقد جعل من جهة. المكاشفة غاية له وهدفاً يسعى 
إليه» ودعا من جهة أخرى إلى اتباع المنطق كطريق تؤدّي إلى المعرفة» لا بل 
طريق وحيدة توصل إلى المعرفة الصحيحة. 


تبقى الإشارة في نهاية المطاف إلى أن الغزالي بقي حاضراً في الثقافة 
العربية الإسلامية» وهو لن يكف «عن الحضور فيها قريبا» كما يرى الجابري. 
إن ذلك ليس دليلاً على أن الغزالي علم بارز في هذه الثقافة وحسبء إنما هو 
برهان على أنه كان ولا يزال أحد مكوناتهاء وإحدى سلطاتها المرجعية التي لم 
تقدم استقالتها بعد. 


لقد أسدل مفكرنا الستار على خشبة النظام البرهاني في المشرق العربي 
معلناً ضعف هذا النظام بالمقارنة مع البيان والعرفان الذي انتصر أخيراً مع ابن 
سينا والغزالي. لقد اعتبر أن أقصى درجات طموح العقل العربي كانت آنذاك أن 
يستقيل من مهامه. مسلماً زمام أموره إلى العرفان». وسالكاً طريقه حتى النهاية. 
لكن هل كان وضع البرهان ممائلا في المغرب العربي؟ 


ب النظام البرهاني في المغرب العربي 


لقد رأينا كيف أن النظام البرهاني في المشرق العربي لم يهتم بالبحث عن 
النتيجة كما هو الحال فى القياس الأرسطى» إنما ركز اهتمامه على إيجاد الحد 
الأوسط لأن النتيجة معطاة سلفاً وهي ممثلة بالحكم الشرعي الذي ورد أما في 
القرآن أو في السنة أو في اللغة. اعتمد الفكر النظري في المشرق على نوع من 
الاستدلال يرتكز على قياس ما هو ماورائي بما هو طبيعي؛ مجتهداً في البحث 
عن قيمة ثالئة تسهم في عملية التوفيق بين عالم الغيب وعالم الشهادة» أو بين 


ا 


الوحي والعقل. إن هذا الأمر قد أضفى على الفكر النظري الطابع التوفيقي. 
تجدر الإشارة هنا إلى أن الفلسفة في المشرق قد نشأت في ظل علم الكلام 
الذي انشغل بإشكالية التوفيق بين النقل والعقل وبوظيفة الدفاع عن العقيدة 
بالحجج العقلية. بات الوضع مختلفاً في المغرب العربي حيث نشأت الفلسفة 
عتلى: أساسن العلم وبخاصة الرياضيات والمنطق». لذلك سوف تصبح فلسفة 
علمية «علمانية»» لأنها تأسّست خارج إشكالية التوفيق بين الدين والفلسفة. 


يؤكد الواقع التاريخي «أن المدرسة الفلسفية التي ينتمي إليها ابن باجة وابن 
طفيل وابن رشد قد ظهرت وكأنها تتويج لمرحلتين من التطور في الفكر العلمي 
ف الاندلس» 3 ) مرعفكلة الرياعنيات ١‏ ومتخلة المطق 1133 هذانا 
بشعه انفكر نا فق سباق ابخله حول #الطريق إلى قلسقة علمية روهانية): لقد أثبث 
أذ تتاف النكع حن تعال امليف معد را 10 كرف الندائط انين كانت 
مفروضة على الفلسفة من قبل كما إنه تحرّز من القيود الثقافية التي أنهكت 
الفلسفة في المشرق. إنه يعني بالقيود الثقافية هنا تلك التي أورثها إياها علم 
الكلام والعرفان. 


كانت المدرسة الفلسفية في المشرقء. أي مدرسة الفارابي وابن سينا 
بخاصة. تستقي الكثير من آرائها من المدارس السريانية القديمة التي تأثّرت إلى 
حد بعيد بالأفلاطونية المحدثة. أما المدرسة الفلسفية فى المغرب» أي مدرسة 
ابن رشد بخاصةء فقد تأثرت ب «الثورة الثقافية» التى كانت بقيادة ابن تومرت - 
مؤسّس دولة الموحدين - والتي كانت تعمل من أجل «ترك التقليد والعودة إلى 
الأصول». لذلك اهتمّت المدرسة الفلسفية في المغرب بالبحث عن الأصالة عبر 
قراءة جديدة لالأصول ولفلسفة أرسطو. 


أما على صعيد الفقه فهناك أيضاً «ثورة ثقافية» كان رائدها ابن حزم وتابع 
من بعده الشاطبي. أردنا أن نتوقف عند كل منهما في القسم الذي خصّصناه 
للنظام البرهاني على الرغم من انتمائهما إلى دائرة البيان. لأن كلا منهما عمل 
على ترتيب العلاقة بين البيان والبرهان على نحو يعطي الأهمية الكبرى للبرهان 
ولدور العقل. فابن حزم مثلاً أراد أن يؤسّس البيان على المنطق معتمداً قواعد 
العقل الكوني» ما أعطى مشروعه الفكري بعداً فلسفياً. لا يخلو من الروح 


.1714 الجابري؛ نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي.» ص‎ )١١1( 


8 


النقدية. أما الشاطبي فقد اعتمد في منهجه على الاستنتاج والاستقراء ومقاصد 
الشرع. فوصل في ذلك إلى قمة العقل العربي في مجال الأصول. في رأي 
الجابري؛ عن طريق تأسيس البيان على البرهان انطلاقاً من علم الشريعة. 


البرهاني في المغرب العربي. عنينا بهما ابن رشد وابن خلدون؛» كما سنتناول 
بالبحث كيفية تأسيس البيان على البرهان عند كل من ابن حزم والشاطبي. 


)١(‏ ابن رشد والقطيعة المعرفية 


«كان هناك «روحان» و«نظامان فكريان» في تراثنا الثقافي: الروح السينوية 
والروح الرشدية» وبكيفية أعمّ: الفكر النظري في المشرق والفكر النظري في 
المغرب» وأنه داخل الاتصال الظاهري بينهما كان هناك انفصال نرفعه إلى درجة 
«القطيعة الإبستمولوجية' بين الاثنين» قطيعة تمس في أن واحد: المنهج 
والمفاهيم والإشكالية)””"". 


دق وافيخا هذا عي العمي لق يقيمة تفشكنا بن الفلسفة فى المشرق 
وبينها في المغرب» إلى درجة تأكيده وجود قطيعة إبستمولوجية بينهماء وذلك 
دن كاذل المفارة تين ابل سيا نز ان إرقلن دز ذا كاك العكل قد امسفان دن مهاه 
مع فلسفة ابن سينا المتأثرة إلى حدّ بعيد بالإسماعيلية والهرمسية» فإنه سوف 
يستعيد هييته ويعاود مزاولة عمله مع ابن رشد. إن قراءة الجابري لابن رشد 
مرّت حتما بابن سيناء لذلك فقد لحظنا العديد من المقارنات بينهما فى سياق 
محلو امف ناب ولكه تون دنا أنه الشحهييا على نل ف لشيشن انها د نينا 
للجابري فقد أظهرت نا المنزلة الرفيعة التي يحتلها ابن رشد لدى مفكرنا إلى 
درجة تعصّبه له والانحياز إليه. فالنزعة الرشدية واضحة المعالم عنده» إذ يرى 
أننا اليوم بأمسٌ الحاجة إلى ابن رشدء (إلى روحه العلمية النقدية الاجتهادية» 
واتساع أفقه المعرفي» وانفتاحه على الحقيقة أينما تبت له» وربطه بين العلم 
والفشيلة عل شق م لفك ومتفرى اللو ل و ا 


كما إنه يصِرّ على أهمية ابن رشد لكونه «المدخل الضروري لكل تجديد 


0 باالمصدر نفسه» ص 011 
)١١(‏ محمد عابد الجابري» ابن رشد: سيرة وفكرء دراسة ونصوص (بيروت: مركز دراسات 
الوحدة العربية » )2 ص 006 


لس 


في الثقافة العربية الإسلامية في داخلهاء ولأنه أنموذج «للمثقف العربي 
المطلوب اليوم وغداً؛ء المثقّف الذي يجمع بين استيعاب التراث وتمثل الفكر 
المعاصر والتشبّع بالروح النقدية» وبالفضيلة العلمية والخلقية)2"97., 


أردنا أن نظهر تلك المنزلة الخاصة لابن رشد عند مفكرنا قبل أن نتوقف 
عند أهم محطاته الفكرية داخل النظام البرهاني» وذلك بهدف أن نبرز جانباً 
مهماً من انحياز الجابري لابن رشد. ونقده لابن سينا. نعني بهذا الجانب الواقع 
المعاصر الذي دفع مفكرنا إلى طلب النجدة من داخل التراث» فهو بالتأكيد لن 
يوفر له عرفان ابن سينا ولا دمجه بين الدين والفلسفة الملاذ المطلوب. ولن 
يؤدي الخدمة الموكلة إليه. بينما ابن رشد سوف يقدم له الحل في ظل التطرّف 
الديني الذي تشهده الساحة العربية الإسلامية اليوم. إن خصائص هذا الحل 
نتبيّنها تباعاً خلال توقفنا عند أهم ما يميّز «الروح الرشدية». 


على عكس المشروع السينوي؛ يرتكز مشروع ابن رشد الفلسفي على 
الفصل المبدئي بين الفلسفة والدين لكي تتم المحافظة على هويّة كل منهماء 
من أجل ترسيم الحدود بينهما والبرهنة على أن هدفهما واحد. لذلك كان هجوم 
ل يا و اللو ل الل لقد 
انتفد ابن سينا والغزالي والمتكلمين في المشرق لأنهم لم يستعملوا الطرق 
البرهانية فى منهجهم الذي «يشوّش» يلل الفلسفة والدين. إن «الاستدلال 
بالشاهد على الغائب «ايجمع بين عالمين مختلفين كل الاختلاف» عالم الطبيعة 
وعالم ما بعد الطبيعة؛ أو عالم الغيب وعالم الشهادة”*"'؟. والاستدلال يكون 
صالحا عندما تستوي طبيعة الشاهد وطبيعة الغائب. من هنا كان رفض ابن رشد 
المفاهيم الرئيسة التي وظفها ابن سينا والمتكلمون في محاولاتهم للتوفيق بين 
الدين والفلسفة» أو بين النقل والعقل. أي إنه رفض تلك القيمة الثالثة التي 
تصل بين الشاهد والغائب؛. وذلك الجسر الذي يصل بين ما يقرّره الحس 


والعقل من ناحية» وما يقرّره الدين والوحي من ناحية ا 
لذلك برى الجابري أن ابن رشد قد بنى استراتيجية خطابه من خلال 
التحرّك ضمن أربع نقاط: شرح أرينتطق أولاًء والكشف من ثم عن 


(5؟١١)المصدر‏ نفسهء ص .١١‏ 
(0؟١)‏ تجدر الإشارة هنا إلى أن ابن رشد كان قد استعمل «الاستدلال بالشاهد على الغائب» في 
مطلع كتابه فصل المقال حين ذكر أن الاستدلال على الصانع يكون من خلال المصنوعات. 


حجنا 


«انحرافات» ابن سيناء لكي يرد في ما بعد على الغزالي» وينهي بالتنظير 
لمنهجية «الأخذ بالظاهر). ْ | ْ 1 

لقد شرح أرسطو ملخصاً كتبه بهدف توضيح عباراته لكي يفهمها الناس» 
كما إنه كشف عن الثغرات عند ابن سينا الذي دمج قضايا الدين بقضايا الفلسفة 
وقرأها بواسطة هذه الأخيرة؛ من دون أن يحترم أصول الفلسفة والطريقة 
البرهانية. كذلك انتقد الغزالي لأنه لم يدرس الفلسفة في أصولها إنما من خلال 
ما كتبه ابن سيناء ولأنه أوقع مع الأشاعرة الناس في التباغض والتفرقة ممزقين 
الشرع؛ ومعتمدين على طريق سفسطائية في إثبات تأويلاتهم. اقترح ابن رشد 
طريفة فق التعائل امع الخطات الديني» باعتباره هيكلا مستقلاء ترتكز على ثلاثة 
مبادئ: يرى 15 مسي ميس لمن وراك لاني بع لبعد[ إما بظاهره 
وإما بتأويله الذي يتم وفق شروط معيّنة. ويعتبر ثانياً أن القرآن بإمكانه أن يفسّر 
بعضه بعضاًء فآياته التي يخالف ظاهرها ا البرهان تفسّرها آيات أخرى 
ظاهرها يشهد على المعنى الموافق للعقل. ويقرّر ثالثاً ضرورة الفصل بين ما 
يقبل التأويل وما لا يقبل التأويل. فهناك ثلاثة أصول يقوم عليها الدين لا يجوز 
فيها التأويل وهي: وجود الله والنبوة واليوم الأخير. وكل ما عدا ذلك يمكن 
تأويله تبعاً لثلاثة شروط: احترام الأسلوب العربي في التعبير وكل ما يميّزه من 
خصائص. واحترام القول الديني بوحدته الداخلية» إذ لا يجوز إدخال تصوّرات 
غريبة ‏ كالهرمسية مثلا ونظريات الفلاسفة فى المجال الدينى ‏ لا تدخل فى 
مجاله التداولي الأصلي زمن النبي محمد. كذلك يجب احترام المستوى المعرفي 
للذين يوجه إليهم التأويل؛. إذ من الضروري مراعاة مستواهم الثقافي. 

يرى ابن رشد أن تصنيف القول الديني إلى «ظاهر؛ و«باطن» يعني فقط 
التمييز بين الحقيقة والمجاز. كما إن تصنيف الناس إلى «خاصة» و«عامة» يعني 
فقط التمييز بين الذين بلغوا المستوى النظري البرهاني والذين لا تصل معارفهم 
إلى هذا المستوى فيكتفون بضرب الأمثال. أي إن الفرق بين معرفة الخاصة 
ومعرفة العامة يطاول الدرجة وليس النوع لأنه ليس هناك حقيقتان إنما حقيقة 
واحدة. هناك مسائل يجب أن يسلّم بظاهرها الخاصة كما العامة مثل أوقات 
الصيام والصلاة وغيرها من المسائل التي لا يمكن تبريرها عقلياً. لذلك لا يجوز 
جعل الباطن للخاصة والظاهر للعامة. 


إن خصوصية المنهج الظاهري عند ابن رشد ترتكز إذأ على احترام الوحدة 
الداخلية للنص الدينى وقراءة أجزائه بعضها بواسطة بعض من دون تضمينه 


ردصن 


تصوّرات غريبة عن مجاله التداولى الأصلىء واعتباره بناء مستقلاً له مبادئه 
الخامة وك عسي فيه جندية ماه من النؤقر الذي لد واحلالكلن:«بهذا 
المنهج «الظاهري» الأكسيوميء إذنء شرح فيلسوف قرطبة أرسطوء بواسطة 
أرسطو نفسهء أي بالرجوع إلى آرائه وفحصها وردّها إلى أصولهاء أي إلى 
المبادئ» والمسلمات التي تؤسّسهاء والتماس الحجج لها داخل المنظومة 
الأرسطية نفسهاء مما مكنه من تخليص فلسفة المعلّم الأول من الشوائب التي 
تعرّضت لها في العصر الهلينستي وفي العصر الإسلامي إلى عهده''""". 


يرى الجابري أنه في هذا النوع من الشرح الذي يرتكز على «الاجتهاد» 
تبرز أصالة ابن رشد بشكل واضح. لقد ابتعد عن هاجس التوفيق بين الفلسفة 
والدين فلم يطلب من أرسطو أن يقول ما لم يقله» ولم يطلب من النص الديني 
مالم يتضمنه. إن ما في الدين ليس «مثالات لما في الفلسفة». كل منهما له 
كيانه الخاص من دون أن يناقض أحدهما الآخر. وما الأذى الذي ألحقه أحدهما 
باسم الآخر إلا نتيجة للمنتسبين إليهما. 


قام ابن رشد بإعادة ترتيب العلاقة بين البيان والبرهان وأسّسها على نظرة 
واقعية وعقلانية إلى الأمورء تعالج كلاً من الواقع الديني والواقع الفلسفي بروح 
نقدي. يرى مفكرنا في ذلك بداية جديدة للفكر العربي تجد جذورها عند ابن 
حزم وابن باجهء ليأتي ابن رشد فيعيد بناء هذه البداية بوعي أعمق ويجعلها 
قادرة على فتح افاق رحية. 

إن ما ميّز منهج ابن رشد أيضاً في منظور الجابريء. قراءته المحترفة 
لأرسطوء لقد عاد إلى آرائه وفحصها ورذها إلى أصولها مقارنأ في ما بينهماء 
وملتمساً لها الحجج ضمن المنظومة الأرسطية عينها أو ضمن منظومة الفكر 
اليوناني: إن هذا الأمر قد مكن ابن رشد من تصحيح التشويه الذي لحق بفلسفة 
أرسطو في عصر الأفلاطونية المحدثة وأثره في الإسلام. 

لين الت قو الس | فلو الت أ سف ام كان الج ب 
الصديق والعدو في أن معا. فهو صديقه لأنه فيلسوف عظيم يبحث عن الحقيقة 
مجتهداً في فهم الكون. وهو خصمه لأن مبادئه في البحث عن الحقيقة لم تكن 
في مجملها على انسجام مع المبادئ» التي يعتمدها الدين الإسلامي. لذلك يرى 


.577 الجابري» تكوين العقل العربي؛ ص‎ )١17( 


ون 


مفكرنا أن ابن رشد وأرسطو قد سلكا طريق العقل لبلوغ الحقيقة» لكن لكل 

إن هذا الموقف المزدوج لابن رشد انعكس على قراءته لأرسطو. لقد 
رغب في المحافظة على المنظومة الأرسطية فاضطر إلى تأويل بعض آراء أرسطو 
بشكل خفيف لكي لا يشوّهها من ناحية» ولكي لا تتناقض صراحة مع العقيدة 
الإسلامية من ناحية أخرى. لذلك كان حريصا على التخفيف». قدر المستطاع. 
من التباين بين فلسفة أرسطو والدين الإسلامي. حين يبدو له أن عملية التوفيق 
هذه صعبة يطلب العذر من أرسطو لأن مقدماته لزمت عنها نتائج بعيدة عن 
المفهوم الإسلامي. يرى أن هذه النتائج ليست صحيحة بشكل مطلق., إنما 
صادقة ضمن المنظومة الأرسطية صدقا منطقيا مرتبطأاً بالمقدمات التى أنتجتها. 

لقد عمل ابن رشد على إعادة تأسيس البيان في مجال العقيدة بخاصة» 
فظهر الجانب النقدي في فكره بشكل أوضح. إن كتابه الكشف عن مناهج الأدلة 
هو كتاب في تهافت المذهب الأشعري وضعه في مواجهة تهافت الفلاسفة 
للغزالي. لقد دعا إلى التمسّك بظاهر النص - كما ابن حزم والتعاطي معه على 
أساس برهاني. كذلك يشير الجابري إلى أن ابن رشد قد اعتمد الطريقة البرهانية 
الى تمد مين الاسثقرار أساساء هن :دون أن يكتفى بطلت: معدى لفظ أو آية 
قرآنية ما من اللفظ نفسه أو الآية عينها. لا بد له من العودة إلى السياق الذي 
ورد فيه اللفظ واستحضار كل السياقات التي ورد فيهاء حتى لو لزم الأمر 
مراجعة القرآن بكامله. يلحظ مفكرنا فى هذا المجال أن ابن تيمية قد وافق ابن 
رشد في كل الآراء التي عبّر عنها في كتابه الكشف عن مناهج الأدلّة باستثناء 
بعض المسائل الهامشية. 

لقد تميّزت الرشدية بالنزعة البرهانية في زمن غاب فيه المنهج البرهاني 
العلمي إما جزئياً كما في فلسفة ابن سينا والإشراقيين» وإما كليأ كما في علم 
بالشاهد على الغائب. كما إنه ساد القياس فى الفقه وهو يعنى الظن» أما فى 
التصوّف فقد غاب العقل مع المنهج العرفاني. إن غياب البرهان يفيد إلغاء مبدأ 
السببية أو عدم التقيّد به كما يجب. «لقد كانت السيادة ل «الجوار» و«الإمكان» 
فى العقليات» ول «الظن» فى الفقهيات. وستأتى النزعة البرهانية الرشدية لتعمل 
من خلال فيلسوف قرطبة ومن خلال من انخرطوا معه فيها للتبشير بمشروع 
فكري جديد يهدف إلى تطبيق الطريقة البرهانية في العقليات كما فى الفقهيات 


م5 


فينقل تلك من «الرأي' إلى اليقين» ويرتفع بهذه من الظن إلى «القطع»)”"""2. 


إن هذا المشروع الفكري الجديد الذي حملته الرشدية دفع مفكرنا للقول 
بالقطيعة الإبستمولوجية بين النظام البرهاني في المشرق وبين النظام البرهاني في 
المغرب. وما التزام ابن رشد بالطريقة البرهانية ودفاعه عن السببية نسبيا إلا تجسيد 
لنضاله في سبيل تغيير الأوضاع المعرفية في الثقافة العربية» والعبور بها من حالة 
«اللاعلم» إلى حالة «العلم». لقد عمل على تنصيب العقل إماما على العلوم العقلية 
والشرعية في آن» وأراد أن يعيد بناء المعقولية في كل من الفلسفة والدين على 
أسس برهانية. من هنا كان اجتهاد الجابري في عزل ابن سينا والغزالي؛ وزعزعة 
الاعتقاد السائد بآن الفلسفة في المقري كاك تال للفلسفة في ار 


لم يوظف ابن رشد الفلسفة في قضايا سياسيّة كما فعل الغزالي الذي 
تعامل منذ اللحظة مع الفلسفة تعاملا سياسياً. لقد كتب تهافت الفلاسفة لكي 
يظهر صحة العقيدة الأشعرية ويكشف من فضائح الباطنية. أما ابن سينا فيعترف 
بأن الفلسفة الأرسطية ليست هى الحقيقة إنما «الحكمة المشرقية». أي حكمة 
النزس:والفكيفة الإفيراقية: إنه قا يعوظيت الفلشفة ىخوت الأبديولوجيا 
الإسماعيلية. بينما نجد «أن العلاقة بين ابن رشد ونصوص أرسطو أشبه شىء 
بالعلاقة بين غاليليو والطبيعة. العلاقة بين أرسطو والطبيعة كان فيها جانب 
أيديولوجي لأنها تخدم فلسفته. أما غاليليو فلم تكن لديه فلسفة يفهم بها الكون 
كما كان الشأن عند أرسطوء. بل كان رجل علم يلاحظ ويجرّب. وإذا كان 
غاليليو قد قطع مع أرسطو فبنفس المفهوم». وبنفس المعنى نقول إن ابن رشد 
قطع مع ان 575 


يشدد الجابريئ ككيرا على ١‏ المتحئ العملى عند ابن رشد معتبراً أن ما 
بَمَِرْه عن القارابي وان سينا والعزالي أنه كان ييجمع :بين المعرقة العلمنية 
والفلسفية والمعرفة بالشريعة والفقه. إنه الوحيد الذي تمرّس فى معرفة التراث 
العرني الامبلامق رفي محرقة الغراث. العلمى “الفاستي اليوثاني» ونا تظهر 
توته» وتميزه "عن /الباقين: 


كذلك يرى مفكرنا أن ابن رشد قد تفرد أيضاً بنظرته إلى الدين. فابن سينا 


.5١*” الجابري» التراث والحداثة : دراسات. . . ومناقشات. ص‎ )١707( 
.١95 الجابري» «التجديد لا يمكن أن يتمّ.. إلا من داخل تراثنا (مقابلة فكرية)»» ص‎ )١74( 


دنا 


والفارابي يعتبران أن مصدر الدين يكمن في الإلهام والإشراق والفيض» 
والغزالي يُرجع أصل الدين إلى المعرفة الصوفية. أما ابن رشد فقد تحاشى أن 
يفسر الدين انطلاقا من مذهب ماء «بل من ينظر إلى الدين في وظيفته 
الاجتماعية أي من خلال الغاية والمقاصد. فالدين عنده ضرورة الستياعية 7< لا 
يمكن تنظيم المجتمم بدون شرعء بدون قانون يحترمه الجميع) اح ٠‏ قذم 
ول تصوّراً جديداً للعلاقة بين الدين والفلسفة مبنياً على المعقولية. 0 
في الفلسفة مؤسسة على النظام والترتيب اللذين يشاهدان في العالم. أي على 
مبدأ السببية. والمعقولية في الدين مؤسّسة على «قصد الشارع» الذي يريد أن 
يحت الناس على الفضيلة. ويشير مفكرنا إلى «أن فكرة» قصد الشارع» في مجال 
النقليات توازن فكرة «الأسباب الطبيعية» في مجال: العقليات)277©, 

حاولنا أن نحصر ‏ قدر المستطاع ‏ أهم ما ورد عند الجابري حول 
خصوصية النزعة البرهانية عند ابن رشدء والركائز التي بُنيت عليها. لحظنا مدى 
اقحات؟ مشكرنا بادن و20 وتقديره لها" تضسرره والديه ريخاصة لخم 'انقائة 
امتلاك الحقيقة. لأنه كان يعي نسبيتها في المجالين: «فالحقيقة في العلوم 
الشرعية كما في العلوم العقلية هي دوماً «تأويل». تأويل «ظواهر النصوص'» 
وتأوبل «ظواهر الطبيعة". والتأويل فعل عقل بشري قاصر بطبعه معرّض للخطأ. 
ولكنه قوي بقدرته على مراجعة إحكامه وتصحيحها"' "". 

إن النزعة البرهانية عند ابن رشد سوف تلاقي صدى لدى ابن خلدون في 
عملية بنائه للمعقولية وقوانينها في علم التاريخ. 

(؟) تأسيس التاريخ على البرهان عند ابن خلدون 

انشغل ابن خلدون في عملية تأسيس التاريخ على البرهان وجعله علماً. 
أراد أن يرفع التاريخ إلى مستوى العلمء بالمعنى البرهاني لكلمة علمء من 
خلال نقله من مجرد سرد الأخبار عن الأيام والدول إلى الممارسة العلمية التي 
ترتكز على النظر والتعليل. 

لن نتوقف هنا عند كل ما أورده مفكرنا حول ابن خلدون في دراساته. 


(0 0 المصدر نفسهء ص .١١6‏ 
)١1١(‏ الجابريء التراث والحداثة : دراسات . . . ومناقشات » ص .1١9‏ 
(0)2 الجابري» ابن رشد: سيرة وفكرء دراسة ونصوص » ص 1١‏ 


#خدنا 


إنما سنكتفي بإبراز الجانب البرهاني في المشروع الخلدوني كما تبيّنه الجابري. 

إن «تأسيس التأريخ على البرهان كان يتطلب من ابن خلدون خطوتين 
اثنتين» كان عليه أن يخترع الطريقة البرهانية الصالحة للتطبيق في ميدان 
التاريخ» أي «منطقاً» جديداً خاصاً بالتاريخ. وكان عليه أن يوظف هذا المنطق 
الجديد توظيفاً ينقل التاريخ فعلاً من ميدان اللاعلم إلى مستوى العلم""' '"". 
يرى مفكرنا أن الخطوة الأولى أنجزت من قبل ابن خلدونء أما الثانية فقد 
أخفق في تحقيقها. لقد تمكن من تأسيس علم جديد له شروطه الخاصة. لكنه 
لم يوفق في تطبيق هذه الشروط عندما ألف في التاريخ. 

إن مشروع ابن خلدون لم يكن مختلفاً في العمق عن مشروع ابن رشدء 
لقد كان يطمح إلى تأسيس البيان على البرهان» والبيان هنا هو البيان 
الأخباريء أي بيان التاريخ وليس الفقه أو علم الكلام. كان دور المؤرخ قبل 
ابن خلدون ينحصر بجمع الأحاديث» وضبط السند. والتأكد من صدق الراوي 
عن طريق التعديل والتجريح. كان المؤرّخ زمن الطبري غير مسؤول عما ينقله 
من أخبار» قد لا يقبل العقل بها. لذلك كان البيان «التاريخي» يستند بشكل 
أساس إلى النقل». سواء على صعيد جمع المادة» أم عا سبحي التحمّق في 
صدق الراوي. لم تكن الممارسة العقلية ذات شأن كما كان الوضع في النحو 
والفقه والبلاغة. لم يكن البيان «التاريخي» ينتمي إلى العلوم البيانية الاستدلالية» 
وبالتالي لم يكن له منهج خاص به. لذلك لم يهتم به الجابري عندما عمل على 
تفكيك بنية العقل العربي وتوقف عند النظام البياني. إنه يرى في هذا السياق أن 
الرؤية التى أطرت فكر البيانيين» أي الرؤية البيانية «العالمة» للعالم» مثلما 
أسّْسها المتكلمون. والتي ورد ذكرها في هذا الفصل سابقا. 

لقد اختلف الوضع مع ابن خلدون الذي أراد أن يحقّق نقلة إيستمولوجية 
في مجال علم التاريخ عبر الانتقال به من السرد إلى النظر والتعليل'"'''. لذلك 
كان لا بذ فى ميدان الكتابة التاريخية من «تمحيص الأخبار» من خلال عرضها 
على «طبائع العمران» لكي يُصار إلى قبول ما يرافقها ورفض ما يناقضها. هذه 
هي الخطوة الأهم بالنسبة إلى ابن خلدون والتي عمل على تثبيتها في مجال 
علم التاريخ. 


(؟17) الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحلبلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. ص 44 9. 
(175) علماً أن ابن خلدون لم يستطع تطبيق هذا المنحى عندما قام بكتابة التاريخ نفسه. 


وان 


كان على ابن خلدون أن يجعل من التاريخ علماً. على الرغم من أن 
موضوعه حوادث جزئية فريدة لها ظروفها وأسبابها الخاصة. لذلك فقد عمل 
على اناك لعجيو لجر اق الو كلم اا فيصبح بإمكانه أن يكشف ليس فقط 
عن زمان الأحداث ومكانها إنما أيضاً عن أسبابهاء وهذا هو الأمر الأهم بالنسبة 
إلى ابن خلدون. فالتاريخ عند ذاك يستطيع أن يقدم صورة عن الأحداث يقبل 
بها العلم لأنها تحمل معها معقوليتها. إن هذا الأمر من شأنه أن يضع التاريخ 
في منزلة العلم. فالعلم بالنسبة إلى أرسطو هو «معرفة الشيء بسببه». 


كان من الضروري أن يجد المؤرخ معياراً صحيحاً لكي يزن به كل الأخبار 
التي تُنقل إليه مميّزاً بين ما يطابق الواقع. وما ينافيه. إن هذا المعيار هو بالنسبة 
إلى ابن خلدون «العلم بطبائع العمران». لذلك كان بناء المعقولية في التاريخ 
مرتبطأ بمعرفة طبائع العمران» والمعقولية هنا تعني الإمكان الواقعي كما ينقله 
الخبر. «إن «طبائع العمران» إذن هي «الكليات» الاجتماعية» وبما أنها تحدث 
فى العمران و طبعه. بمعنى أن حدوثها ضروري» فهى خاضعة لمبدأ 
الصيفة ديا كز االتدراوي الا ا 1 
بشير مفكرنا هنا إلى أثر البرهان في المشروع الخلدوني من خلال إبرازه 
مفهوم «الكليات الاجتماعية» ولمبدأ السببية. ويتوقف من ثم عند بعض الأمور 
التي تخصٌ العمران» والتي يتدخل فيها الشرع على نحو ماء لكي يلحظ موقف 
ابن خلدون بشأنها. لقد فسّر الأحكام الشرعية في ميدان العمران» من مُلك 
ودول وغيرهاء على أنها صادرة عن «قصد الشارع». أي أن معقوليتها تعود إلى 
اعتبار المصلحة. هنا أيضاً يظهر أثر ابن رشدء. بخاصة عندما فسّر اشتراط 
الشارع حصر الإمامة بقبيلة قريش» فهو اشترط ذلك لأن العصبية الأقوى زمن 
اللوى كافك عن افر 
كذلك يرى الجابري أن ابن خلدون تناول فى المقدمة المعرفة وأنواعها 
الوم #وأمدافهاء. ما مدل إلى "وجوه «الشعم و لوجي كاملةة. تحص آخر إن 
المقدمة تحوي نظرية في العلوم هي بمثابة دراسة نقدية طاولت مبادئ العلوم 
ونتائجهاء وأظهرت أسسها المنطقية. إن أهمية المقدمة تكمن أيضاً في ما 
تضمّنته من محاولة لتأسيس علم جديد يتحقّق من خلاله رفع التاريخ إلى منزلة 


.7١7 الجابريء, التراث والحداثة: دراسات . . . ومناقشات:» ص‎ )١84( 


778 


الفن والعلم. لقد اهتمّ ابن خلدون بإنجاز دراسة تستقصي الأحداث التاريخية 
البارزة وكل ما رافقها أو نتج منها من عمران اجتماعي وسياسي واقتصادي 
وثقافي. كان الجهاز المعرفي عند ابن خلدون مركبا من بُعدين: العقل 
والنفس» إذ إن كل ما لا يمكن تفسيره بالبعد العقلي يفسّره البعد النفسي. لقد 
وظف ثنائية العقل والنفس في عملية بناء تصوره للكون. مضفيا على كل 
ظواهره المادية والعمرانية والسياسية والنفسية والاقتصادية» طابع المعقولية. 
لقد وظف هذه الثنائية «لنقد مختلف معارف وعلوم عصره. الشيء الذي 
ينطوي (...) على إيستمولوجيا خلدونية عربية إسلامية متكاملة الأسس 
واضحة البنيان واالا 03 


يذكر مفكرنا أيضاً أن ابن خلدون قد درس العلوم النقلية والعلوم العقلية 
والعلوم الآلية تأريخأ وتحليلا. إنه ضمّ إلى العلوم العقلية كلا من المنطق 
والحساب» وإلى العلوم الآلية كلا من اللغة والنحو والآداب. اعتبر هذه الأخيرة 
آلة للعلوم النقلية. لقد أَرّخ لهذه العلوم بدقةء وخصٌ بعضها بالنقد 
الإبستمولوجيء أي أنه درس مبادئها ونتائجها الموضوعية» متوقفا عند إمكانية 
اعتبارها علوماً يقينية أو انتفاء هذه الصفة عنها. من جملة العلوم التي تناولها 
بالنقد الإبستمولوجي هناك علم الكلام والفلسفة والتنجيم والكيمياء والسحر. 
يهمّنا أن نتوقف هنا عند نقد ابن خلدون للفلسفة. يشير الجابري إلى أن هناك 
موقفين معاديين للفلسفة عرفهما الفكر الإسلامي. لقد رفضها الفقهاء رفضاً كلياً 
من الخارج؛ كما رفضها المتكلمون كالغزالي والشهرستاني من الداخل؛ عندما 
عملا على إبطال أطروحاتها بواسطة سلاحها أي المنطق. أما موقف ابن خلدون 
فيجده أصيلاً وجديداً لأنه يقوم على مناقشة الأسس الإبستمولوجية التي ارتكزت 
عليها إلهيات الفلاسفة بشكل منطقىء» فنزعته الوضعية واضحة. «إن ابن خلدون 
ل مرق :لووقا لديا من منا ولا اندها بالشاة م سي فلتي ال 
كلاني - قاد فى قدا العاف ين يفنا ول اقفن لاعدنيا:الأسمع لوس جملة! 
وذلك بإظهار بطلان القضايا الأولية الأساسية للتفكير الفلسفي)"""". 


إن القضايا الرئيسة التي عمل ابن خلدون على إبطالها تكمن في اعتقاد 
الفلاسفة أنه بإمكانهم إدراك الوجود الحسي والماروائي عن طريق النظر الفكري 


)١196(‏ الجابري» نحن والتراث : قراءات معاصرة في ترائنا الفلسفى .» ص /1؟, 
)١75(‏ المصدر نفسهء حيقة 
8 ص 


ونا 


والقياس العقلى. كذلك عمد إلى إبطال قول الفلاسفة بإمكانية الاتصال بالعقل 
الفاعل كنتيجة لأدرك الوجودء ثم إن هذا الاتصال هو السعادة بذاتها. انتقد 
أيضا قول الفلاسفة بوجود قانون يمكن العقل من التمييز بين الحق والباطل». 
يسهم في إدراكهم للوجود. واتصالهم بالعقل الفاعل» وبلوغهم السعادة. ناقش 
ابن خلدون هذه القضاياء وبرهن على بطلانهاء وابتعادها عن اليقين» لكى 
بيعل الفلسفة قل "النهاية القد اعتير أن المقل موود بالحسن والتجربةء مين هنا 
لا يجوز أن يُعتمد كوسيلة للمعرفة خارج إطار المحسوسات وكل ما يتعلق بها. 


في الختام نود أن نتوقف عند تقويم الجابري للمشروع الخلدوني ككل. 
فهو يرى أنه بينما كان الهدف المباشر عند ابن رشد يتمحور حول إعادة بناء 
الفلسفة الأرسطية على أساس هوّيتها الأصيلة» كانت غاية ابن خلدون المباشرة 
إعادة بناء العلم بعامة والتاريخ بيخاصة. اعتمد ابن رشد كوسيلة لإنجاز مشروعه 
على نقد فلسفة ابن سينا التوفيقية من خلال الوّد على الغزالى» أما ابن خلدون 
فقد اعتمد كوسيلة مباشرة إلى علم التاريخ على نقد المسعودي الذي دمج 
المعقول باللامعقول في معارفه التاريخية. لذلك كان الاتجاه النقدي لدى ابن 
رشد يأخذ منحى العقلانية الماورائية» أما الاتجاه النقدي لدى ابن خلدون فقد 
انشغل بالناحية الإبستمولوجية التاريخية. إنه على الرغم من الموقف المتناقض 
الذي اتخذه كل منهما إزاء الفلسفة. ليس هناك خلاف جوهري بينهماء لأن 
الفلسفة التي دافع عنها ابن رشد تختلف عن تلك التي انتقدها ابن خلدون. 
ويؤكد مفكرنا أن الفلسفة التي انتقدها ابن رشد هي عينها التي أبطلها ابن 
خلدونء إنها فلسفة الفارابى وابن سينا وإخوان الصفا التى جعلت الحكمة 
وصية على الشريعة» واعتبرت أن ما في الدين مجرّد مثالات لما في الفلسفة. 
ووضعت المعرفة الفلسفية على مرتبة أعلى من المعرفة الدينية. لقد انتقد الاثنان 
عملية دمج الدين في الفلسفة التي كانت من خصائص المدرسة المشرقية. 


على صعيد آخرء يرى مفكرنا أن ابن خلدون قد أراد أن يجعل من علم 
العمران منطقاً تعتمده الكتابة التاريخية» لكنه يشير إلى أن علم العمران كما 
عرضه ابن خلدون فى المقدمة لا يتضِمّن قواعد منهجية إنما هو مجرد تفسير 
لحوادث التاريخء ل وجود معرفة دقيقة بهذه الحوادث. لذلك كان 
علم العمران يرتكز على التاريخ وليس العكسء إذ إنه يجب أن تكون الأخبار 
صحيحة لكي يتم التعرزف من خلالها إلى أسس الحياة الاجتماعية. فالمعرفة 
التاريخية الحقة يجب أن تسبق أي تفكير في فصول التاريخ. «تلك هي نقطة 


7 


الضعف الأساسية في مشروع ابن خلدون. لقد أخطأ صاحب المقدمة في فهم 
العلاقة بين علم العمران وبين التاريخ فانعكس ذلك على الاثنين معأ”""". 
من هنا لم يتمكن من تطبيق المنهج التاريخي الذي نادى به في المقدمة. فكان 
التاريخ الذي كتبه منفصلا عنها. كذلك إن علم العمران بات قاصرا عن احتواء 
الصيرورة التاريخية» ما حال دون جعله مشروعاً لفلسفة تاريخية تعي التطوّر 
وتغتني يه. 


كذلك يشير مفكرنا إلى أن «الإمكان الواقعى» عند ابن خلدون بقى سجين 
القوالب الأرسطية ‏ الأصولية التي كرّستها «طريقة المتأخرين» كما أسَّسها 
الجويني والغزالي. لقد أراد «أن ينشئ علماً جديداً بمفاهيم قديمة؛ علما يضع 
نفسه خارج المنظومة الأرسطية. وفي ذات الوقت يستقي من نفس المنظومة 


مفاهيمه المنطقية وأرضيته الإبستمولوجية»”*"'. هذا ما آل إليه البرهان عند ابن 
خلدون. الذي حاول بالفعل أن يطابق بين «طبائع العمران» والمرويات التاريخية 
عن طريق اعتماد المعقولية كأساس. وذلك انطلاقاً من الكليات والإقرار بالسببية 
وبمقاصد الشارع. لكن كيف تبلورت النزعة البرهانية في مجال علم الفقه عند 
كل من ابن حزم والشاطبي؟ وما هو الجديد الذي أضافاه إلى هذا العلم؟ 


(*) النزعة البرهانية في ظاهرية ابن حزم 


ارتفع صوت في بداية القرن الخامس الهجري في الأندلس لينتقد بشذة ما آل 
إليه «التدوين» في المشرق العربي. إنه ابن حزم الظاهري الذي اعترض على 
المذاهب والآراء والنتائج التي توصّل إليها المشارقة» مبيّناً التناقضات والمُحالات 
فيها. يعتبر الجابري أن ظاهرية ابن حزم هي بمثابة مشروع فكري له أبعاد فلسفية؛ 
يهدف بشكل أساس إلى "إعادة تأسيس البيان وإعادة ترتيب العلاقات بينه وبين 
البرهان مع إقصاء العرفان إقصاءً تاما"" '"'2. إنه يريد أن يدرس مشروع ابن حزم 
انطلاقا من الزاوية الإبستمولوجية المحضة. لذلك فهو يهتمٌ بتحليل الخطاب 
الحزمي النقدي الذي طاول مجالي أصول الفقه وأصول الدين» أي علم الكلام. 


حاول ابن حزم أن يتجاوز الشافعي في مجال الفقه عندما عمل على إعادة 


(109) المصدر نفسه. ص 837. 
(18) المصدر نفسه. ص 819. 
)١1١9(‏ الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية؛ ص 014. 


مض 


تأسيس البيان بكليّته في الشريعة والعقيدة واللغة. كان في البداية شافعياً ثم تخلى 
الالتزام بالنص في عملية إصدار الأحكام الشرعية فقطء إنما الظاهر الذي اعتمده 
الصوفي. كما انتقد القياس الفقهي أيضاً. كذلك إنه «لا يرى في النحو منطقا للغة 
العربية وإنما ينظر إليه كقواعد تؤخذ بالسماع مهمّتها ضبط «المخاطبة» وضبط 
«القراءة» لا غير. أما «ضبط» التفكير فتلك مهمة المنطق)”1"“, 


أما في ما يتعلّق بنقد القياس كمنهج قام عليه الفكر البياني» فإننا نجد أن 
ابن حزم يعتبره منهجاً فاسداً. إنه يرى أن القياس ليس صحيحاً ولا جائزا إلا 
ضمن أفراد النوع الواحد» أي ضمن مجموعة يشترك عناصرها في طبيعة 
واحدةء لكة: عندما تكون هناك عداضر من مجموعات: مستلفةء فالقياس غير 
جائز. عندما يقيس الفقهاء أشياء على أشياء مختلفة بالنوع بسبب وجود شبه 
بينهاء لا يعون أن الشبه بين الأشياء لا يعنى تساويها على صعيد الأحكام. ولو 
كانة :ذلك محا اميم لكل الاشياء سكم واعيد إذ إندها من شي إلا 
ويمكن أن نجد بينه وبين غيره شبهاً ما. «أما ترجيح شبه على آخر واعتباره علة 
من طرف الفقيه فهو مجرّد ظن والشرع لا يجوز بناؤه على الظن» بل لا بد من 
القطع» والقطع لا يكون إلا بنص"'*'"“. كذلك ينتقد ابن حزم القياس في 
مجال علم الكلام؛ أي الاستدلال بالشاهد على الغائب لأنه فاسد أيضا. فطبيعة 
الشاهد. أي عالم الإنسان مثلاً مختلفة جداً عن طبيعة الغائب أي عالم الإله. 
إنهما على طرفي نقيضء فلا يجوز الاستدلال بعالم النقص والفساد على عالم 
الكمال والدوام. 


لقد اجتهد ابن حزم في تأسيس البيان ليس على قياس جزء على جزء إنما 
على أساس منطقي يرتكز على قواعد العقل الكوني كالانتقال مثلا من مقدمتين 
إلى نتيجة لازمة عنهما بالضرورة. أو الانتقال من كلي إلى جزئي. كذلك إنه 
يرى أن من لا يعرف المنطق ليس مؤهلاً لكي يُفتي بين اثنين؛ لأنه يجهل 
حدود الكلام وكيفية بنائه والتمييز بين الصدق والكذب في المقدمات. إنه يعتبر 
في هذا المجال أن علم المنطق مظلوم في الثقافة العربية «ونصر المظلوم فرض 


(40١)الجابري»‏ تكوين العقل العربي. ص ."١05‏ 
(0 الجابري. التراث والحداثة : دراسات. . . ومناقشات. ص ,.15١‏ 


رفون 


وأجر». إن الفقهاء والمتكلّمين الذين هاجموا هذا العلم قد ظلموه» لكن الظالم 
الأكبر كان أولئك الذين ألَفُوا فيه من دون أن يعملوا على تبيئة مفاهيمه داخل 
الثقافة العربية» إنما اكتفوا بالترجمة فقطء ما أدَّى إلى شيء من الغرابة المنفرة. 
لقد أراد ابن حزم إذن أن يقوم بتعريب المنطق وبدمجه باللغة العربية مع احترام 
قواعد التعبير فيها. لم يكتف بذلك إنما هاجم بحذة عملية التقليد التي كانت 
سائدة فى المذاهب الفقهية. لقد اعتبر أنه لا يجوز لأحد أن يقلد الآخرين». 
يجب على كل واحد أن يجتهد وفق قدرته من دون اللجوء إلى تقليد الأحياء أو 
الأموات. «فالواجب على الإنسان» إذا لم يكن من العلماء» أن تساك هؤلاء عن 
رأي الشرع, وعلى هؤلاء أن يشرحوا له «دليل») حتى يكون على بيّنة من الأمر 
فيقرّر بنفسه في ما سأل عنه وبذلك يكون قد تحمّل مسؤوليته ومارس الاجتهاد 

َ طات)2350, 

يذكرنا الجابري أن علم أصول الفقه الذي كان قد أسّسه الشافعي بلغ 
الأحكام باعتباره من أمهات الكتب فى هذا المجال» وذلك ليس لأنه يقرّر 
الأصول نفسها والمسائل عينها التي قرّرتها الكتب الأخرى إنما لأنه «يقع 
خارجها يشجب التقليد» تقليد الأيّمة حتى ولو كانوا من الصحابة» ويقترح 
طريقة خديدة هاما فى 'إعاذة تاسيسن 'الأصوك وت صنو7 


انطلق ابن حزم في مشروعه من (إثبات حجج العقول» عندما عمل على 
إبطال القول بالإلهام والاعتراف بالإمام؛ وضرورة اعتماد التقليد في المذاهب 
الفقهية. والارتكاز على دور الخبر. لقد صدر عن رؤية للعالم مختلفة عن 
الرؤية البيانية. إنه لم ير الأشياء كجواهر فردة ولا كأجسام مركبّة من هذه 
الجواهر. إنما نظر إليها كأجناس وكأنواع. وذلك أنه يفسّر العلاقة بينها انطلاقا 
من مبدأ السببية كما عرّفه الفلاسفة. كما إنه تعاطى مع الأحكام الشرعية 
باعتبارها تصدر عن فاعل مختارء والأفعال الإنسانية كذلك فهي صادرة عن 
بواعث من نفس الفاعل الذي هو حر في القيام بالفعل أو لا. من هنا نجده يميّز 
بين العلّة والسبب» فيشير إلى أن العلة هي علاقة ضرورية تربط بين شيئين» 
وهي بالتالي علاقة طبيعية تربط بين أشياء الطبيعة. أما في ما يتعلق بالسبب فهو 


(45١)المصدر‏ نفسه. ص .١9٠0‏ 
)١4(‏ الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية» ص .50١9‏ 


0 


يعتبره بمثابه الباعث» والعلاقة التى تربط بينه وبين المسبب ليست ضرورة كما 
رآها الأشاعرة. لذلك كان السبب عنده يخصٌ الكائنات التي تتمتّع بالحرية 
والإرادة من دون سواها. لقد انتقد بشدة الأشاعرة في هذا المجال لأنهم أنكروا 
الطبائع والسببية. إنه يرى أن «من الصفات المحمولة في الموصوف ما هو ذاتي 
به لا يتوهم زواله إلا لفساد حامله وسقوط الاسم عنه كصفات الخمر التي أن 
زالت عنها صارت خلاً وبطل اسم الخمر عنها... وكل شيء له صفة ذاتية 
: -(144) 1 

فهى هى الطبيعة» : 


يؤكد الجابري هنا أن ابن حزم قد صدر عن رؤية للعالم رفضت مجمل 
العناصر الأساسية فى الرؤية البيانية العالمة التى بناها المتكلمون. إنه تخلى عن 
«التيز + الكلاية ا لكل تعن طيعتاتك ارسطر بسناهيها رتطربانها ««البرهانية: 
من دون أن يقع في العلقي. القد عدت إلى تاندين الجا نفلا اومان را 
على مستوى المنهج أم على مستوى المفاهيم والرؤية. كما إنه طرح جانباًء 
مختلف ما أتاه الفقهاء والمتكلمون فى ما يتعلق بمشكل الدلالة وحدود 
التأويل» تحور يذلك متها النذانة من إشكالية -اللفظ :والمع الى )سيطربت عل 
العقن انان الع يكنا أن تحامل م الالفاظ تعزماا بنانيا: عم طررع ظلب المبعنن 
من اللفظ بمفرده. رجوعاً إلى أصله اللغوي وإمعان النظر فيه باعتباره جوهراً 
فرداً. أراد ابن حزم أن يتعاطى مع ألفاظ النص الديني باعتبارها تستمدٌ المعنى 
والدلالة من الكل الذي تنتمى إليه. إنه يرى أن اللفظة تستقى معناها بالدرجة 
الأولن مق التمواضفة »فى :حال لد تكن معتاها أ اكتساه رلم يخالف ابديية 
الحس والعقل». أما إذا كانت اللفظة تثير اشتباهاً ماء فمن الضروري البحث عن 
المعنى الذي يعطيه لها السياق حيث وردت. أما إذا بقي الاشتباه فيصبح من 
الواجب مراجعة النص الديني ككل من أجل استقراء المواضع حيث وردت هذه 
اللفظة. عند ذاك سوف ينجلى المعنى الذي لا يمكنه أن يخالف «بديهة الحس 
والعقل» لأنهما من صنع الله 

إن ظاهرية ابن حزم لم يكن لها مضمون بياني برهاني وحسب, إنما كان 
لها مضمون أيديولوجي سياسي أيضاء موجه بشكل مباشر لمحاربة الباطنية من 
شيعة ومتصوفة. لقد أراد الجابري الإشارة إلى هذا المنحى الأيديولوجي 


» أبو محمد علي بن أحمد بن حزمء الفصل في الملل والأهواء والنحل (بيروت: مكتبة خيّاط‎ )١55( 
.15-1١6 لد. ت.]) ج م ص‎ 


وم 


لمشروع ابن حزم. إنه يعتبر هذه الظاهرية بمثابة موقف سياسي يتجسّد ب «إعلان 
نضالي للمشروع الأيديولوجي الذي كان يختمر في الأندلس ليكون السلاح 
النظري الذي تواجه به الدولة الأموية هناك حَصمَيْها التاريخيين: الفاطميين فى 
مصر والناسيينة في 0 - 

اهتمّ مفكرنا بدراسة المنحى الإبستمولوجي لمشروع ابن حزم الثقافي» 
لكنه لم يهمل أيضاً المنحى السياسيء لأن الدولة الأموية قد تبتت هذا 
المشروع ء ما أضفى طابعاً خاصاً على الفكر العربي في بلاد الأندلس. لم يكن 
مشروعه فلسفياً ومعرفياً فقط إنما طاول الناحية السياسية كذلك» فابن حزم كان 
ينطق باسم الخلافة الأموية حاملا مشروعها الثقافي الأيديولوجي. ومدافعاً عنها 
ضد كل من الفاطميين والعباسيين. 

سفن اشير إلى أن ساني منكرنا هيا العرزكيل على" التاحية 
الإبستمولوجية. لأنه في صدد البحث في بنية النظام البرهاني في المغرب 
العربي. لذلك فهو يرى أن مشروع ابن حزم الفكري له أبعاد فلسفية يطمح إلى 
إعادة بناء البيان وترتيب العلاقات في ما بينه وبين البرهان». بالإضافة إلى العمل 
على إقصاء العرفان بشكل تام. ويرى الجابري في هذا المجال أن ما يميّز هذا 
المشروع هو طابعه النقدي وابتعاده عن هاجس التوفيق بين النقل والعقل. لقد 
أدرك عميقاً الطابع الخاص الذي يميّز الخطاب الديني فلم يشأ إخضاعه 
لمقولات وآليات خطاب مختلف آخر. كما إنه أصرّ على احترام مبادئ العقل 
وتعميم المنطق داخل الثقافة العربية. اشتغل على جعل العقل بمثابة «السلطة 
المرجعية الوحيدة» في سائر المجالات المعرفية. إن المضمون النقدي لظاهرية 
ابن حزم يفصح عن ضرورة تخطي علم الكلام وعدم التوقف عند إشكالياته 
السفسطائية. إنه دعوة إلى الانتقال إلى مجال اخر من التفكيرء إلى الفلسفة 
باعتبارها خطاب العقل الكوني. وهي أيضاً تهدف إلى ما تريده الشريعة» أي 
إلى «الفضيلة وحسن البنياسةة. (إنه المشروع الرشدي هو الذي كانت «ظاهرية» 
ابن حزم حبلى به ومثقلة بكل مضامينه العقلانية والنقدية)!؟". 


إن النقد الشامل الذي مارسه ابن حزم لم يكن في رأي مفكرنا من أجل 
النقد إنما بهدف تجاوز الأزمات التي أعاقت نمو الثقافة العربية وتقديم طريق 
)١55(‏ الجابري. تكوين العقل العربي. ص .5١0١‏ 


0 0)المصدر نفسه ٠١‏ ص ل الم 


كا 


جديدة لإعادة تأسيس البيان على البرهان والتخلى عن العرفان. دعا إلى اعتماد 
القنا الجامع والانعفراء كتهم فى شجاك العقيدة» كبا في ,محال الشريطة: إنه 
قد ركز على طبيعيات أرسطو ودعا إلى اتخاذها أساسا لبناء رؤية بيانية عالمة 
جديدة تحترم مبادئ الدين. دشن مرحلة جديدة من النقد داخل الثقافة العربية 
الإسلامية. طاول العرفان الشيعي والصوفيء, كما طاول علم الكلام والفقه 
والنحو. إن ظاهرية ابن حزم ليست «نصيّة متشددة تضيّق من مجال العقل. كما 
يُعتقد». إنها «نزعة نقدية عقلانية تتمسّك بالنصء» وبالنص وحدهء في ما ورد 
فيه نص وهو قليل ومحصور كما يقول ابن حزم نفسه. أما الباقي وهو غير 
صو فمتروك للعقل»”"1'"'. 

إن هذه النزعة النقدية العقلانية سوف يتردّد صداها لاحقاً بخاصة عند 
الشاطبي في مجال الفقه. وعند ابن رشد في مجال الفلسفة كما سبق أن أشرنا. 


(14) تحديد المنهج الأصولي عند الشاطبي 


«إذا كان ابن رشد يمثّل قمة ما وصل إليه العقل العربى فى ميدان 
الفلسفة:.وإذا كان اين خلدؤة تقل أوج الفكثر التاريعي والاجتماعى 
والسياسي في الثقافة العربية الإسلامية. فإن الشاطبي (. 0.٠‏ يمثل قمة ما وصل 
إليه العقل العربي في ميدان الأصول"”**''2. يشدّد الجابري على إبراز أهمية 
الشاطبي في مسار الفكر العربي لأنه لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه. إنه يرى 
من زاوية الباحث الإبستمولوجي أن منزلة الشاطبي لا تقل عن كل من ابن رشد 
وابن خلدون من حيث النضج العقلاني والعمل على التجديد والإبداعء بخاصة 
في مجال المنهج. 

لقد طوّر الشاطبي ثلاث خطوات منهجية مهمة كان ابن حزم وابن رشد 
قد عرفا الخطوتين الأوليين وهما الاستنتاج والاستقراء. ومن ثم جاء التركيز 
على مقاصد الشارع وأخذها بالاعتبار. لقد تمكن من تدشين مقال جديد في 
المنهج الأصولي يقوم على بناء كل دليل شرعي على مقدمتين: واحدة نظرية 
يتم اثباتها لا كن روز الحس أو من ضرورة العقل أو من النظر 
والاستدلال. وأخرى نقلية يتم اثباتها انطلاقاً من النقل عن الشارع بشكل 


.078 الجابريء بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. ص‎ )١40( 
.078 المصدر نفسه. ص‎ )١414( 


وذغذالنا 


صحيح. كذلك تمكن الشاطبي من توظيف التطبيق الرشدي للاستقراء الحزمي 
مرتكزاً بشكل جيّد على بناء أصول الفقه على كليات الشريعة» وعلى «مقاصد 
الشرع». إن كليات الشريعة هي بمثابة الكليات العقلية في العلوم النظرية» 
ومقاصد الشرع تمل السبب الغائي الذي ينظم المعقولية. يمكن التوصل إلى 
هذه الكليات بواسطة الاستقراء تماما كما فى التوصّل إلى الكليات العلمية. 
يجب العمل على استقراء جزئيات الشرع واستضاد ين الكليات منها. إن هذه 
الكليات بالنسبة إلى الشاطبي هي «عددية» لأنها استقرائية» وهي أيضاً تفيد 
القطع. أي الجزم كما في العلوم الأخرىء كالتحو بعلة. إن" اكليات الشريغة 
تفيد القطع لأنها الاستقراء فيها مبني على نفس الأسس التي يبنى عليها 
الاستقراء في العلوم البرهانية)130". 


ويرى الجابري أن الشاطبى قد حذّد فى كتابه الموافقات فى أصول الشريعة 
الأسس بثلاثة وهي ضرورية لبناء العلم البرهاني: هناك أولاً «العموم 
والاطراد؛؛ ومن ثم «الثبوت من غير زوال»»: ف «كون العلم حاكما لا محكوما 
عليه». يعتبر أن أحكام الشريعة تتميّز بالعموم والاطراد لأنها تشمل كل المكلف 
ولا تنحصر بزمان ومكان محذددين. كذلك إن أحكام الشريعة ثابتة لا تعرف 
التغييرء ولا مجال للنسخ أو لرفع الأحكام بعد أن اكتملت. كما إن العلم لا 
يمكنه أن يكون محكوماء فالشريعة مؤلفة من أوامر ونواهو» وتتوافر فيها شروط 
العلم البرهاني وهي كالعقليات تفيد القطع. 

أما الخطوة المنهجية الثالثة فتتعلق بمقاصد الشرع التي هي بمثابة قانون 
السببية. لقد أخذ الشاطبي ضرورة اعتبار مقاصد الشرع عن ابن رشد الذي 
استخدمها في مجال الكلام على العقيدة. 


لقد دعا الشاطبي إلى بقاء الأصول على مقاصد الشرع بدلاً من بنائها على 
عملية استثمار ألفاظ النصوص الدينية كما فعل علماء الأصول وعلى رأسهم 
الشافعى. من هنا يرى الجابري أن الشاطبى «قد دشن قطيعة إبستمولوجية حقيقية 
مع طريقة الشافعي وكل الأصوليين الذين جاءوا بعده. ولقد كان الشاطبي واعياً 
بهذا تمام الوعي وبذلك لم يترد في التصريح بأنه بصدد «تأصيل أصول» علم 
الشريعة»”” *'2. أراد من خلال ذلك أن يعيد بناء علم الأصول على أساس علمي 


.1١٠١ الجابري» التراث والحداثة: دراسات . . . ومناقشات. ص‎ )١49( 
.04 الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية؛ ص‎ )١6١( 


للا 


برهاني يرتكز على القطع وليس على الظن. من هنا نجده قد حدد مقاصد 
الشريعة في أربع نقاط رئيسة هي: 

١-إن‏ هدف الشريعة الأساس يكمن في حفظ مصالح العباد التي صنّفها 
إلى ضروريات وحاجيات وتحسينات أو كماليات. 


١‏ - وضعت الشريعة لكي يفهمها الناس بلغة عربية تناسب محيطهم 
والحياة. وجديد الشاطبى هنا يكمن فى التشديد على وجوب الأخذ فى الاعتبار 
أن العرب الذين خاطبهم القرآن كانوا أميين» وهو توجّه إليهم بوصفهم كذلك. 

“إن مقصد الشريعة الثالث ينحصر في كونها قد وضعت من أجل 
التكليف بمقتضاها. فالقاعدة تفرض مراعاة قدرة المكلّف وما يمكنه القيام به 
إذ لا يجوز تكليف نفس أكثر من طاقتها. حتى وإن جاز هذا التكليف عقلا. 

أما المقصد الأخير فيشير إلى ضرورة دخول المكلّف إلى دائرة أحكام 


الشريعة والخضوع لهاء إذ يجب إخراج المكلّف من «داعية هواه»' لكي يصبح 
عبداً لله بالاختيار وليس على سبيل الاضطرار فقط. 


إن هذه المقاصد الأربعة يجب أن تؤخذ في الاعتبار في كل حكم شرعي. 
يربط الجابري فى هذا المجال بينها وبين الأسباب أو العلل الأربعة عند أرسطو 
من أجل إبراز المعقولية في ميدان الفقه. ويطرح السؤال حول إمكانية التطابق 
بين العلة المادية وقدرة المكلّف. وبين العلة الصورية ومعهود العرب. وبين 
العلة الفاعلة والعمل على إخراج المكلّف من «داعية هواه»» وبين العلة الغائية 
ومصالح العباد. ويستنتج مشيراً إلى ١أن‏ نموذج المعقولية في الطريقة البرهانية 
خلال القرون الوسطى كان النموذج الأرسطيء, ولذلك فليس غريباً أن نجد 
ملامح هذا النموذج في كل محاولة لإضفاء المعقولية على البناءات الفكرية. 
سواء منها ما له طابع فكري محض كالعقليات (ابن رشد)ء أو ما يؤطره العقل 
كأصول الفقه (الشاطبي) والتفسير التاريخي (ابن خلدون)2"”7. 


أراد الجابري أن يتوقف عند المنهج الذي ميّز مشروع الشاطبي مشيرأ إلى 
أن الفكر الأصولى كان منذ الشافعى ولغاية الغزالى يسعى إلى طلب المعانى من 


.5١١ الجابري. التراث والحداثة : دراسات . . . ومناقشات» ص‎ )١6١( 


لض 


الألفاظ متجاهلاً مقاصد الشرع. كذلك غاب مفهوم الكلي بشكل تام عن العقل 
المغرفي البياني. ما أدى إلى مشكلة الأحوال في علم الكلام» وأوقع النظام 
البياني في أزمة كبيرة. كما إن مفهوم الكلي لم يتبلور في مجال الفقه لأن هذا 
العلم كان مؤسّساً على القياس الذي يكمن في حمل جزء على جزء وفق ما 
يسمح به السبر والتقسيم. 


لكن الطريقة التركيبية هي بالنسبة إلى مفكرنا الطريقة العلمية الحقّة» لأنها 
قوع على الاستتراف لفن تعارز الفكر الملم ولك شرعلة البوانة ينا تفي 
من أنواع وبخاصة القياس الفقهي. انتبه الشاطبي إلى مواطن الضعف في الطريقة 
الاستقرائية التركيبية فأصرٌ على أهمية مراعاة العلاقة الجدلية بين الكلى 
رجزياته. يجب اعبار الكلى عند السعى إلى السك بطل التجزتيات الى تكله 
كما يجب اعتبار الجزئيات عند العمل على الأخذ بالكلي الذي ينتظمها. 


لا يخفي الجابري إعجابه بهذا المفكر الذي دشّن «نقلة إيستمولوجية هائلة 
في الفكر الأصولي البياني العربي. نقلة جديرة حقاً بأن تحقّق المشروع الحزمي 
الرشدي: تأسيس البيان على البرهان؛ وذلك انطلاقاً من مركز الدائرة البيانية 
نفسها: علم الشريعة»2"*"0. 


٠يرى‏ أن الشاطبي قد قدم نظرة جديدة إلى الأصول سمحت لظاهرية ابن 
حزم بأن تنحرّر من إطار النص اللغوي وترتبط بعالم المقاصد. والمصلحة. لقد 
قام بتوسيع المجال أمام العقل والاجتهاد. عندما طلب علة الحكم في ما 
يتضمّنه الشرع ككل من مصلحة أو مضرة. وذلك بدلا من أن يطلب علة الحكم 
في الألفاظ ودلالتها أو في أوصاف الشيء الذي هو موضوع الحكم. فالعلة في 
هذه الحال سكونية جامدة لأن الأمر يتعلق بدلالة اللفظ وأوصاف الشىء وهى 
أمور محدودة. أما العلّة بالنسبة إلى الشاطبي فهي تتمتّع بقدرة 1 لأن 
المصالح منجدّدة ومتغيّرة طبقاً للأحول والظروف. 

يشير الجابري إلى أن باب الاجتهاد قد أغلق في الفقه الإسلامى بسبب 
إكمال السدنبالمقاضة رالناتاض» علا 3 دان الشريعة > ا العادون.- 
بحسب التعبير المعاصر ‏ هو ميدان المصلحة أي العلة الغائية التى تفوق كل 
العلل أهمية. لذلت يقق المشروع الذئ حمله الشاطي »يكل ما يتنه من تقلة 


.5 147 الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. ص‎ )١91( 


لكا 


جديدة» من دود مستقبل » كمشروع ابن رشد في مجال الحكمة» ومشروع ابن 
خلدون في ميدان التاريخ. 


استنتاجات 


لا بد من أن نتوقف في نهاية هذا الفصل الذي أردناه شاملا لأهم ما أورده 
الجابري في أبحاثه حول موضوع العقل العربي وكيفية نقده. عند بعضص 
الاستنتاجات المهمة التى من شأنها أن تسلّط الضوء أكثر على نظرة مفكرنا إلى 
الفقافة العررية ولق العفن النائ” نيجه #بمى دون أن وى اذللت آنا 'شيناها كلا 
لقن زكر فى 'ابحاقة على خصو الملاقة بي الأخدير لوحن والفشر فى 211 
النقافة الع سوس عل ان يده كت نهد لاف امد دا مسف مدن عمل 
التدوين الذي أنتج البناء الثقافي العام. على ثلاثة أنظمة معرفية: أوّلها النظام 
المعرفي البياني الذي يؤسّس الموروث العربي الإسلامي الخالص - أي اللغة 
والدين كنصوص - وثانيها النظام المعرفي العرفاني الذي يؤسّس اللامعقول أو 
«العقل المستقيل». وثالثها النظام المعرفي البرهاني الذي يؤسّس الفلسفة 
والعلوم العقلية. إن هذا النظام الأخير قد اقتحم الثقافة العربية الإسلامية في فترة 
لاحقة بعد أن ترسّخت فيها مفاهيم النظامين السابقين» لكي يسجّل لحظة 
جديدة تتميّز بحضور «العقل الكوني» فيها لأول مرة. 

تجدر الإشارة هنا إلى أن عملية تنصيب «العقل الكونى» فى الثقافة العربية 
الإسلامية - بحسب مفكرنا ‏ لم تتم سجهر ل إذ كايث هذه النقا نو تيون راض 
بين نظامين معرفيين متباينين يرتبط كل منهما بتيار أيديولوجي مختلف عن 
الآخرء إنهما: النظام البياني والأيديولوجية السنية من جهة» والنظام العرفاني 
والأيديولوجية الشيعية من جهة مقابلة. لذلك كان النظام البرهاني محكوما 
بالصراع بين البيان والعرفان. وما حركة الترجمة التي نشّطها المأمون وجنّد 
إمكانات دولته من أجلهاء والتى اهتمت بالفكر الأرسطي تحديداًء إلا وسيلة 
لمعا 5 السترمى نكا تردى:والعر فاق السفي ‏ اللدين يقبا نمدا نه العضيون ترك 
أمنفنت العركات المعازضة اللعاضي: المسرفة 'منها ريزى السجابري أن حادم 
المأمون لم يكن من أجل أرسطوء إنما من أجل صدٌ الغنورص المانوي». 
والعرفان الشيعى» وبخاصة الباطنية. هذه كانت استراتيجية المأمون فى سبيل 
تنضبب #العقل الكؤني4 شكا 'فن التزاضات الدينية والصراعات: الأيديولوجية: 


إن تصادم هذه النظم الثلاثة في ما بينها قد أَدَى إلى «أزمة الأسس» كما 


578١ 


أراد مفكرنا تسميتها. فالبيان قد تصارع مع البرهان من جهة. والبرهان مع 
العرفان من جهة ثانية. ثم البيان مع العرفان من جهة ثالثة. إن تصادم البنيات 
الفكرية هذا لم يكن صراع أضدادء لذلك فقد تطوّر إلى تداخل وتصادم لا 
يطاول المثنى منهما بل البنيات الثلاث كلها. هذا ما عبر عنه الغزالي بوضوح 
فى كتابه المنقذ من الضلال حيث تحدث عن «بحر عميق» من التيارات 
والمذاهب الفكريةء وعن «أصناف الطالبين» الذين أرادوا التوصّل إلى الحقيقة. 
لكن الانتصار فى النهاية كان للعرفان. أو ل «العقل المستقيل»؛ فتحوّل البيان 
إلى «عقل ‏ عادة» كما تحول البرهان إلى «عادة ‏ عقلية». وهذا ما يشير إليه 
الجابري في النص التالى : 


«لقد انتصر «العقل المستقيل»» إذن»ء فى المشرق والمغرب وأصبحت 
«الكلمةا» البتوفة ا الأباع ,وتلؤملة بعري والسهروردى: وتضر كينا الأشراقى 
الموغل في أعماق الهرمسية بينما أصبحت «الكلمة ‏ السلطة» لمشايخ الطرق 
الصوفية التي كانت تشكل في كل بقعة من العالم العربي والإسلامي دولة داخل 
دولة: دولة «العقل المستقيل») داخل دولة؛ بل دول عصر الانحطاط. عصر 
القرون الوسطى الإسلامية. أما «الكلمة ‏ العلم»» كلمة «البيان» و«البرهان». فقد 
جمدت في أفواه المقلّدين من الفقهاء والنحويين من جهة. وفي شكلانية 
المتأخرين من المؤلفين في علم الكلام والمنطق من جهة أخرى)””*". 


إن هذا الانتصار الذي يتطرّق إليه النص قد أطاح بكل الجهود التي بُذلت 
فى السابيق من أجل تنصيب العقل الكونى حكماً فى الثقافة العربية الإسلامية. 
يلفط اكوا بوضوح أن سبع الركوة فى هله الثقافة يعود إلى انتصار العرفان 
وسيطرته على كل من البيان والبرهان» وإلى النجاح الذي حققه سواء على 
صعيد المعرفة أم على صعيد السلطة أم على صعيد العلم. لم يكتفب الجابري 
في نهاية المطاف بتفكيك بنية العقل العربي». وتقديم وصف مفصّل لوضعه 
الإستمولوجي. إنما نجده قد حاول في أكثر من موضع العمل على اقتراح 
الحلول من أجل الخروج من الأزمة أو المأزق الذي وقع فيه هذا العقل. 
صحيح أنه تحدذث عن «العقل المستقيل» بنظرة سوداوية» ترى آثار الفكر 
الهرمسي في أكثر من موضع. ما يحذ من إمكانية التجديد وإحداث قطيعة مع 
ما سبق» لكن في الوقت عينه نجده يقدّم بعض المقترحات النقدية منثورة في 


انا 


أكثر من كتابء وهي تطاول المنهج. أو كيفية التعاطي مع العقل العربي 
والثقافة التي أنتجها. سوف نحاول أن نحصر هذه المقترحات» مكتفين بلملمتها 
وعرضهاء ومحتفظين بمناقشتها في القسم الأخير. 

يمكن إذن أن نلخص ملاحظات الجابري واقتراحاته من أجل النهورض 
بالثقافة العربية الإسلامية وتجديد العقل فيها بما يلي: 

١‏ إن تاريخ الثقافة العربية هو "تاريخ الاختلاف في الرأي وليس تاريخ 
بناء الرأي)23540, وهو ما زال يُنتج لغاية الآن. من هنا ضرورة إعادة كتابة هذا 
التاريخ من خلال قراءة جديدة تتعاطى مع الأجزاء من خلال الكل» وترتكز 
على إظهار الوحدة عبر التعدد. كما إنها ترتكز في مجال التصنيف على البنية 
الك كلك ولج »علق :مظان اليا جيه ققطاء رن هده فلو(" المتيحكة نوها 
الجابري عندما درس مكوّنات العقل العربى» فحاول أن يبرز مكامن الاتصال 
والارشباظ يتن عجالات" غالبا ما "تعر مسعيلة“لذلك تجذه عد امك بالجاتب 
الإبستمولوجيء. أي بالبحث فى أسس المعرفة داخل الثقافة العربية» ما يؤدي 
إلى تبقطى الاتكثلافات الكارعية والكدف عن الاحتاذفات الداحلية البنيوية. 
علما أؤروشاته الارقباطات :يلك تيقق من تمك ولا تقثر عن مضافيو هله 
المكوّنات كافة. 

؟ ‏ إن الاهتمام بالجانب الإبستمولوجي يجعل الباحث يستبعد التصنيف 
الرائج للعلوم إلى نقلية وعقلية» أو إلى علوم دين وعلوم عقل» أو إلى “علئم 
العرب وعلوم العجم. هذا التصنيف الذي يعتمد على الظاهرء ليرصد بدلا من 
ذلك أسس إنتاج المعرفة داخل الثقافة العربية. لذلك انشغل مفكرنا بتصنيف 
اخر يرتكز على اليات البنية الداخلية للمعرفة ومفاهيمها الرئيسة. فانحصر 
تصنيفه لمختلف العلوم بثلاث مجموعات شاءها معبّرة عن بُنى العقل العربي» 
وعلى طريقته : 

أ علوم البيان: وهي تتضمّن النحو والفقه والكلام والبلاغة» لها منهج 
خاص بها يعتمد على قياس الغائب على الشاهد.؛ ضمن إطار المجال التداولى 
الأصلي للغة العرنية. ١‏ 


(65١)المصدر‏ نفسه.ء ص 775, 


كلا 


الإسماعيلية والتفسير الباطني للقرآن والفلسفة الإشراقية والكيمياء والسحر 
والتنجيم؛ لها منهح خاص بها يعتمد على الكشف والوصال والتجاذب 
والتدافع» أي على «اللامعقول الديني»» وهو مستمد من الهرمسيّة. 


جَ علوم البرهان: وهي تضم المنطق والرياضيات والطبيعيات والإلهيات 
والميتافيزياء. لها منهج خاص بها يعتمد على الملاحظة والتجربة والاستنتاج 
العقلي. أي على «المعقول العقلي" المستمد من المنطق الأرسطي. 

“ - بلحظ الجابري أن المرجعية الدينية في الثقافة العربية لم تكن بحاجة 
إلى منطق أرسطو كما المرجعية المسيحية في أوروباء لأنه كان لها عقلها البياني 
الخاصن :هينما مله مرلناك ارسطر إن العرية ل كن لذانيا: امنا لكي بح 
توظيفها فى محاربة العرفان. يشدّد فى هذا المجال على أن الثقافة العربية 
ادك ««المعظلر هد الأرسطية» بشكل 15 ومتحرّر من «العقل المستقيل» مع 
ابن رشد. من هنا أهميته وضرورة العودة إليه. لذلك نجد مفكرنا يشير فى أكثر 
من مناسبة إلى المنهج العقلاني النقدي الذي اتبعه الفكر التجديدي في الأندلض 
والذي يتمحور حول «تأسيس البيان على البرهان». إنه يتحدّث عن لحظة جديدة 
في تاريخ الفكر تميّزت بنقد الأساس الإبستمولوجي الذي انبنى عليه الحقل 
المعرفي البياني منذ عصر التدوين». كما تميّزت باقتراح أساس جديد لتوظيف 
مفاهيم البرهان على نحو يرتفع من الممارسة النظرية في المجال البياني إلى 
الممارسة العلمية البرهانية. 


يؤكد الجابري في هذا السياق ضرورة القيام بخطوة منهجية مهمة في سبيل 
تحديث العفل العربي وتجديد الفكر الإسلامي تكمن في العودة إلى الوراء من 
أجل «استعادة نقدية ابن حزم وعقلانية ابن رشد وأصولية الشاطبي وتاريخية ابن 
خلدون. هذه النزوعات العقلية التى لا بد منها إذا أردنا أن نعيد ترتيب علاقتنا 
بتراثنا بصورة تمكننا من الانتظام فيه انتظاماً يفتح المجال للإبداع (...)0**1. 
إن الأمر يبدو واضحاً بالنسبة إليه والحل في متناول الأيدي. إنه الانتظام الواعي 
فى التراث من أجل التوصّل إلى تجديده» فالتحديث لا يبدأ من الصفره إنما 
بالتوقف عتد المحطات التالية: 


أ نجده يصرّ في مجال التراث الفقهي على ضرورة العودة إلى فكر ابن 
)١65(‏ الجابري» بئية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. ص 5075. 


320 


اللفظ وسلطة السلف وسلطة القياس. إن زعزعة هذه السلطات يجب أن تتم 
داخل الميدان الذي نشأت فيه أي الشريعة. 


- أما في مجال الفلسفة فإنه يصرّ على ضرورة العودة إلى فكر ابن 
شيك الذي ينطلق من النظام في العالم باعتباره تجلّياً للحكمة والعناية الإلهيتين. 
هكذا ينتفي التعارض في نظره بين العقيدة الدينية والقول بالسببية وإرادة 
الأقيتاف :لان عرية | راوة لان كينا بميوة الموكر داك قطاه لله سودت 
يتم منح العقل أساس وجوده وسلطته. أي «إدراك الموجودات بأسبابها» على 
حد تعبير ابن رشد. 
ج - أما في مجال علم التاريخ وعلم العمران فيجد مفكرنا أن مفهوم «طبائع 
العمران» الذي يفيد وجود قوانين تنظم الحياة الاجتماعية وتحكم الأحداث 
التاريخية» بإمكانه أن يفتح أمام العمل العربي الطريق لكي يمارس سلطته. 


هكذا يخضع التاريخ لمبدأ السببية ليصبح نتيجة لفاعلية البشر ضمن إطار 
العلاقة الجدلية التي تربطها مع المعطيات الموضوعية المتعلّقة بالمجتمع 
والاقتصاد والأيديولوجيا وغيرها». ومن هنا سينفتح المجال لذلك الحوار 
الأبدي بين العقل والتاريخ» بين تاريخ يتحوّل إلى عقل وعقل يتحول إلى تاريخ 
وهكذا دواليك. الحوار الذي بقي غائباً ومعنا في الثقافة العربية الإسلامية منذ 
بداية تشكلها كثقافة عالمة مع اعت الر 0 


- يمكن أن نتوقف فى سياق عرضنا لمقترحات الجابري من أجل 
النهوض بالثقافة العربية فيد الحقل: فرها حك اعت الممارسة العلمية التجريبية 
التي كانت متقدمة في زمن الخوارزمي وابن ن الهيثم والبيروني وغيرهم. إنه يشيد 
بابن الهيثم الذي طبّق الاستقراء العلمي و«الاعتبار» التجريبي» كما إنه أنتج 
نظريات خاصة به فى البصريات أخذت على محمل الجد فى أوروبا. لكن 
للأسف بقي العلم العربي خارج حلبة الصراع في الثقافة العربية لأنه لم يدخل 
كطرف مع أي من الدين أو الفلسفة» وذلك على خلاف الوضع في الثقافة 
اليونانية حيث تمحور الصراع بين «الميتوس» و«اللوغوس». أو الوضع في 
التجربة الأوروبية الحديثة حيث تمحور الصراع بين العلم والكئيسة. إن العلم 


(6) المصدر نفه. ص .6١‏ 


كا 


بقي بعيدأ عن الصراع في الفكر العربي الذي كان منشغلاً بصراع من نوع آخر 
بين النظام البياني الذي يؤسس الأيديولوجيا السئية وبين النظام العرفاني الذي 
يؤسّس الأيديولوجيا الشيعية. عندما دخل النظام البرهاني كطرف ثالث تمّ 
إخضاعه لذلك الصراع فحُكم به. 


من هنا يشير الجابري إلى «غربة» آراء ابن الهيثم ومنهجه العلمي في 
الثقافة العربية» إن الفرق واضح بين الصدى الوا سع الذي حظي به شك الغزالي 
الماورائي «الهدمي» وبين انعدام صدى شك ابن الهيثم العلمي المنهجي ال «ينّاء). 
«كان ابن الهيثئم غريباً في الثقافة العربية فلم يؤثر فيها أي تأثيرء أما الغزالي» 
أما أساتذته وتلامذته فقد كانوا حاضرين فيها وبقوة وإصرار وعلى مدى 
تاريخها (...)270. أراد مفكرنا أن يشير إلى أن هذا الغياب للعلم. لافت 
إلى الدور المهم الذي قام به في كل من الثقافة اليونانية وأوروبا الحديثة من 
خلال التركيز على إعادة النظر فى المبادئ والمقدمات» واعتماد الاستقراء 
والامكفاء وطالب انلق رسحتن. لمكب وعير ها دن داك لعل 
الضرورية لتأسيس الثقافة والعقل العلمي. 

4 نود أن نتوقف في ختام هذا القسم المخصّص لنقد العقل العربي لدى 
محمد عايد الجابري عند ملاحظة وجدناها ضرورية في ما يتعلق بالاقتراحات 
النقدية التي نحن بصدد بحثها. إنه يرى أن الذات العرية اقفر إل أمر مهم ألا 
وهو استقلالهاء فهي تستمد فاعليتها من مرجعيتين متنافستين منفصلتين عنها 
اليوم. المرجعية الأولى تنتمي إلى الماضي العربي الإسلامي» والثانية تنتمي إلى 
أوروبا الحديثة والمعاصرة». فالمهمة الأولى والأساسية المطروحة على الساحة 
العربية الراهنة هي تحقيق «الاستقال التاريخي التام» للذات العربيةء فيهء وبه 
وحدهء. تتحرّر من الانسياق وراء أي 0 وبه. وبه وحذدهء. تتحرّر من آلية 
القياس التي تشدها دوماً إلى نموذج - سلف. إلى «أصل»”*"'2. يجب البحث 
عن السبب الذي افقد الذات العربية استقلالهاء إنه اللجوء الدائم إلى أنموذج - 
سلف أما عربي إسلامي وإما أوروبي» من هنا كان التحرّر من الأنموذجين معاً 
أمراً ليخ وفي غاية الأهمية. 


.50١ الجابري» تكوين العقل العربي:ء ص‎ )١61( 
محمد عايد الجابري» الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية» طه (بيروت: مركز‎ )١6م(‎ 
50 دراسات الواحدة العربية» +521 ) ص‎ 


كنا 


وجماع القول إن هذه المعطيات المنهجية التي بحثنا في نظمها البرهانية 
هي بمثابة خطة عمل وضعها الجابري» وهي خلاصة أبحاثه في التوصل إلى 
الودقدك اداه «المكوو و هنا دعم إكد ا لعفل كو يعن برضوع أن قير 
بئية العقل وتأسيس أخرى لا يتم إلا بالممارسة؛ ممارسة العقلانية في شؤون 
الفكر والحياة وفى مقدمة ذلك كله ممارسة العقلانية النقدية على التراث الذي 
ياحفظ رشك السلطات على شكل بلي الا 00 

ينقى أن سأل؟ إلى أئ مدى" جد أن :الذات. العربية المعاضرة متهمة أفعلا 
بالممارسة العقلانية النقدية» وإلى أي حد بإمكانها الترقع عن الصراعات 
السياسية التي هي في أساس أي صراع معرفي؟ هذا ما حاول مفكرنا أن يبرّره 
في أكثر من مرضعم مشيراً إلى أن الصتراع: بين ينبات العقل الدلاك:"البيان 
والعرفان والبرهان كان يستر خلفه صراعاً سياسياً ومواقف أيديولوجية ونزاعاً 
من أجل السلطة. إن التوظيف السياسي للدين كان يحكم العقل العربي ماضياً 
وما زال حاضرا. لذلك فإن دور السياسة في توجيه الفكر العربيى وتحديد 
مدازه قو نا سيعتاوله فى التضل السادين المتعلق بإشكالية العقل السياسي 
العربي لدى الجابري. 


.0 18 الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية » ص‎ )١69( 


ونا 


(لفصل (الساوس 


في نقد العقل السياسي العربي 
عند الجابري 


أدّت السياسة في التجربة الثقافية العربية دوراً بارزاأ يساوي الدور الذي قام 
به العلم في التجربة اليونانية والتجربة الأوروبية الحديثة. إن ما قام به العلم في 
هاتين التجربتين من مخاصمة ومساءلة وتفكيك مقدمات الفكر الفلسفي والفكر 
الدييق قامت به السسانيية وغل الثقادة العربية الإشاوية» إذ أذت كور حاسهاً 
في مسار الفكر العربي وتطوره. 


لذلك رأى الجابري أنه من الضروري التوقف عند هذا الدور فى سياق 
زوع التقدي» 'تخصصن "له السو النالش من نقة الفقل العربى إنه. يعتسس أي 
كليل اللفعر العريى الإملاي نافضا ماالوساحك :ف الاعتبار .اث السياسة ١ف‏ 
هذا الفكر من ناحية تحديد مساره. فهو يشير إلى أن «الإسلام» الإسلام 
التاريخي والواقعى» كان في أن واحدء ديئاً ودولة. وبما أن «الفكر» الذي كان 
جات اشن الصراع الأيديو لوجي العام كان فكراً دينياً. أو على الأقل في علاقة 
مباشرة مع الدينء» فإنه كان أيضاً ولهذا السبب في علاقة مباشرة مع 
السياسة»"'2. ويلحظ في هذا المجال أن سياسة الحاضر لم تكن وحدها تؤثّر في 
تحديد العلاقة بين الفكر والسياسة في الدولة الإسلامية - كما يحدث عادة في 


)١(‏ محمد عابد الجابري» تكوين العقل العربى» نقد العمل العربى؛ ١ك‏ ط ه (بيروت: مركزر 
دراسات الوحدة العربية» .)١991١‏ صص 65". 


50 


المجتمعات المعاصرة ‏ بل إن سياسة الماضى كان لها الفعل المؤثّر أيضاً. 
فسياسة الحاضر ليست سوى استمرار لسياسة الماضي سواء بالنسبة إلى الحكم 
أم المعارضة. إن سياسة الماضي كانت بمثابة «مادة معرفية ثقافية» ينقلها السلف 
إلى الخلف لكي يتمّ توظيفها في الحاضر. إن الدولة كما المعارضة تعملان على 
احتواء الماضى وتسخيره لمصلحتيهماء لذلك نجد أن عملية التنافس على 
الماضي كيك انفد مظاهر الصراع على الحاضر والمستقبل. 


يرى مفكرنا أنه بعد حادثة «التحكيم» مباشرةء أي بعد انتهاء الحرب بين 
علي ومعاوية بدأت عملية الكلام في السياسة بتوسّط الدين. بمعنى آخرء 
بدأت المواقف السياسية تبحث عن سند يبرّرها مستمد من النص الديني. إن 
هذه العملية شكلت الخطوة التنظيرية الأولى نحو إنشاء أسس علم الكلام. 
لذلك لم يكن علم الكلام محصوراً في العقيدة والدفاع عنهاء إنما كان نوعاً 
من ممارسة السياسة في الدين. من هنا يمكن التحذث عن عقل سياسي عربي 
له محذداته الخاصة. وتطوره التاريخى . وإنتاجه المرتبط بالواقع الاجتماعى 
وتجلياتها على تجو يخص الحضارة العربية الإسلامية ويميّزها من سواها. 
لذلك سوف نتناول في هذا الفصل مفهوم العقل السياسي العربي كما بلوره 
الجابري في أبحاثه. متوقفين عند المنهج الذي اتبعه» وعند أهم المحدّدات 
الى اعتيرما تنحكه بادا العقل السباسي العربي.' لكن لدأ أولاً بتحديده 
لمفهوم العقل السياسي العربي. 


أولاً: نحو تحديد العقل السياسى العربي 
إن السياسة بعامة هي فعل اجتماعي له محددات وتجليات تخصّهء وهو 
يعبر عن «علاقة قوى بين طرفين يمارس أحدهما على الآخر نوعاً من السلطة 
خاصأء هي سلطة الحكم» ". نك درن أن العامة جك ان 
محددات متعددة تشكل مجتمعة نا سكن :نل «العقل السياسي»» أ العقل الذي 
لا ينشغل بإنتاج المعرفة إنما بكيفية ممارسة سلطة الحكم في مجتمع معيّن. 


(70) محمد عابد الجابري» العقل السياسى العربى : محدداته وتحلياته. نفد العقل العربى ؛ 1 
منقحة (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية» )2 ص /7. 


لكل 


وهو في هذه الحال المجتمع العربي الإسلامي. هذا لا يعني أن هناك انفصالاً 
تامأ بين المعرفي والسياسي لأن العقل السياسي يرتبط بالنظم المعرفية التي تنتج 
عملية التفكير في أي حضارة. بمعنى آخرء إن العقل السياسي كعقل هو مرتبط 
بالضرورة بالنظام المعرفي» وكسياسي فهو يحاول أن يُخضع هذا النظام لما 
يبغي تقريره» أي أنه يمارس السياسة فيه. من هنا يشير الجابري في مجال 
التحدّث عن العقل السياسي في واقع الحضارة العربية إلى أن هذا العقل «ليس 
بيانيا فقط ولا عرفانيا فقط ولا برهانيا وحسبء. إنه يوظف مقولات واليات 
مختلف النظم المعرفية حسب الحاجة)”". 


يمكن أن نلحظ في هذا الإطار انهمام مفكرنا بعملية ربط الفكر بالواقع 
الاجتماعى التاريخى من خلال التوقف عند العقل السياسى العربى. إذ بعد أن 
نكك البنية المتعرفية للعقل العرتي: إلى فلاقةنظم اتجده قدااتوجة إلى أرضن 
الواقع لكي يربط بين التحليل الإبستمولوجي من جهة؛» وممارسة السلطة 
السياسية وكيفية التشريع السياسي من جهة أخرى. مع الأخذ في الاعتبار أولئك 
الذين تمارس عليهم السلطة. إنه يرى أن العقل السياسي العربي قد تبلور في 
مجتمع لم تتطور أوضاعه الاقتصادية إلى مرحلة الرأسمالية» من هنا بانت 
خصوصية هذا العقل. 

تجدر الملاحظة في هذا المجال إلى أن العلاقات الاجتماعية في المجتمع 
العربي؛ ماضيا وحاضراء والتي ترتدي طابعا عشائريا وطائفياء ما زالت تتحكم 
في الحياة السياسية. أما العلاقات الاقتصادية المرتبطة بالإنتاج فأثرها محجّم إلى 
حذ ما. من هنا ستتمحور جهود مفكرنا حول «إبراز ما هو سياسي في السلوك 
الديني والسلوك العشائري داخل المجتمع العربي القديم منه والمعاصر»” ''. لأن 
هذين السلوكين هما الأساس وليس السلوك السياسى كما هى الحال فى 
المجتمعات الأوروبية المعاصرة. ْ : ْ 


إن بداية ممارسة السياسة فى المجتمع ا كانت باسم الدين والقبيلة» 
وهى لا تزال على هذا النحو لغاية اليوم كما يصرح مفكرنا. لذلك نجذه يهتم 
بمفهوم «اللاشعور السياسي» الذي استعاره من ريجيس ديبري ((126562 وزع 8) 


(*) المصدر نفسهء؛ ص 8. 
(4:) المصدر نفسهء ص ,١7"‏ 


59١ 


لع رع رطا راي الددر المطزاسي اموي ٠‏ عن طريق تبيئة هذا المفهوم 
فيصبح محم ع موصو ا . كما إن سس إلى أن اه 
0026 000 إنما 000 كِ أن الطائفية والقعت 
العشائري هما اللذان يؤسسان «اللاشعور السياسي»» وبالتالي الفعل السياسي 
بحذ ذاته. هذا ما يميّز العقل السياسي العربي على الصعيد النظري وعلى 
الصعيد العملىء أي من ناحية الفكر والممارسة معاً. 


إن «اللاشعور السياسي» يحكم الظاهرة السياسية من داخلهاء لكن هناك 
مرجعية مهمة تؤطره في موطن محذد في النفس الجماعية» إنها ما يعبّر عنه 
مفكرنا ب 'المخيال الاجتماعي)؛ هذا المفهوم الذي استعاره من علم الاجتماع 
المعاصر لكي يقوم بتبيئته وتوظيفه في موضوع بحثه. لقد استفاد من كتاب بيار 
أنشاة (25311ك عواط) فى هذا تمن 03 كن يبنى تحديده الخاص بهذا 
المفهو “قائلا 9ن مخبالنا الاجتناعي: الغربي :هو الضرح الخبالي العلي» يراس 
مالنا من المآثر والبطولات وأنواع المعاناة» الصرح الذي يسكنه عدد كبير من 
رموز الماضى (. ..) إضافة إلى رموز الحاضر و'«المارد العربى والغد 
اموه له إلى اتيت هنذا اميسال العربي: الأطلاني المتدرك تقيم 
مخابيل متفرعة عنه كالمخيال الشيعي الذي يشكل الحسين بن علي الرمز 
المركزيف4 1 والمتغبال: السنى الذي يسكت «السلفب التالع) خاضة» :والشخيال 
العشائري والطائفي والحزبي. .. إلخ»”". 


يبرز هذا النص بوضوح الدور الذي يقوم به المخيال الاجتماعي كمرجعية 
للعقل السياسي العربي إن على مستوى الأيديولوجيا أو على مستوى الممارسة» 
كما يهمش دور النظام المعرفي الذي يؤسّس الفعل المعرفي. إن المخيال 
الاجتماعي باعتباره منظومة من القيم والرموز والمعايير لا يمكنه أن يكون 
مجالا لتحصيل المعرفة. إنما هو مجال لاكتساب القناعات يحكمه الإيمان 


(6) لمزيد من التفاصيل حول مفهوم «اللاشعور السياسي» عند ديبري (ا196558) كما ورد في نص 
الجابري » انظر: المصدر نفسهء ص .١11-5١٠١‏ 
(5) ععوعءط :ولمو) أناط'ل1تاوزند'ل أتعهامك50 ,عتمسلمم اه كلنا«مء ,كمنعما/1066 بأعودمم عررعزط 
.(1977 ,عمسصوعط عل وع نل ]اودع 1لا 
(9) الجابري؛ المصدر نفسه. ص .١1١‏ لمزيد من التفصيل حول المخيال الاجتماعيء انظر ما 
أورده الجابري في هذا الخصوص في : المصدر المذكورء ص ١4‏ - 


دكن 


والاعتقاد. إنه مجموعة من التصورات والدلالات والقيم التي تقوم تمدن 
البنية اللاشعورية للأيديولوجيا السياسيةء خلال فترة محددة. وداخل مجتمع 
منظم. إن هذا الأمر لا يعني الفصل التام بين العقل السياسي والنظام المعرفي 
بالنسبة إلى الجابري» لأن هذا العقل يرتبط حكما بنظام معرفي ماء لكنه في 
الوقت عينه لا يتقيّد به وحده. إن العقل السياسي العربي قد مارس السياسة في 
المحال: المم ف علها الشاعافة وكوف القسفه نه رما لبان مسقي ددن 
الاستعارة والقفة والقياس. كما وظف العرفان مستفيداً من المماثلة» من دون 
أن يهمل توظيف البرهان مستفيدا من الاستقراء والاستنتاج. كذلك اهتم العقل 
السياسي العربي بإقناع الغير عَمَّلاً بمبدأ «لكل مقام مقال» بهدف أن يزداد 
افتناعا بقضيته هو. 


من هنا يرى مفكرنا أن آلية اشتغال العقل السياسي العربي تكمن في 
االأعيفاذة الاق يك بالمتكة لذلك ”تجن أذ الاطقة حاصرة يفره :وه تلذزم 
الخطاب السياسي. وما التوجّه إلى الرأي العام والجماهير عن طريق استخدام 
الرمز وتجنيد الخيال إلا خير دليل على ذلك. إنه يؤكّد أن اللاشعور السياسى 
كما المشان: الاحتماعي تقهوتان ]راان يريط كل .نوما العدلالسياصي 
بمحدداته ويعملان ع تغذية تجلّياته. يشكلان معاً الظاهرة السياسية 0 
الناحيتين النفسية والاجتماعية أو الذاتية والجماعية. إن هذين المفهومين يفيدان 
الباحث في عملية تفكيك العقل السياسي العربي» وتسليط الضوء على 
محذداته. ما هى الخطوات المنهجية التى اتبعها الجابري فى نقد العقل 
امراب الخوين ؟ ْ : 


انياً: في مقومات ال منهج النقدي السياسي 


إن البحث فى السياسة مختلف عن البحث فى المعرفة؛ لأن طبيعة 
الموضوع ليبتت:واحلةء لذلك سوف نجد أن الجابرى قد استخدم هنا منهجاً 
نقدياً مختلفاً عن الذي اعتمده فى سياق تفكيك البنى المعرفية للعقل العربي. 
أراد أن يحافظ على طريقة التسع كملاقي السابوه أي اطق لأس اء 
والاستنتاج والمقارنة. كما حافظ على المبادئ التي التزم بها كالأخذ بالسببية 
وتوخي الموضوعية. لكن الأمر الذي سيتبدّل في هذا المجال هو استخدام 
المفاهيم التي تُحوّل موضوع البحث من مواد خالية من المعنى. لا معقولية 


ردنا 


لها. إلى معان وعلاقات لها معقولية تخصّها. من هنا فإن الجهار المفاهيمي 
الذي استخدمه في البحث بالمعرفة» أو العقل النظري. مختلف عن الجهاز 
الذي سيعتمده فى البحث بالسياسة» أو العقل العملى. 


يدق أن :اين في صدد تحديده مفهوم العقل السياسي العربي أنه استعار 
من علم السياسة وعلم الاجتماع مفهوم «اللاشعور السياسي» ومفهوم «المخيال 
الاجتماعبي'. على سبيل المثال. لكنه لن يهمل في هذا السياق المفاهيم 
الخاصة بالتراث العربي الإسلامي. إنه سيحاول أن يزاوج بين نوعين من 
المفاهيم. النوع الأول ينتمي إلى الفكر العلمي الاجتماعي والسياسي المعاصرء 
والثاني مستمد من التراث العربي الإسلامي. سوف يحرصء كما يشيرء على 
تبيئة النوع الأول من دون تشويهه لكي ينسجم مع خصوصية موضوع بحثهء 
ويعمل على بعث حياة جديدة في النوع الثاني المأخوذ من التراث لكي يربطه 
بالواقع المعاصر. 


استعان الجابري بأطروحات الأنثروبولوجيا لكي يعمّق بحثه في مفهوم 
«القرابة» ودورها فى مجتمعات ما قبل الرأسمالية» ويسلط الضوء على وحدة 
البنية الاجتماعية؛ والتداخل بين الديني والسياسي والاقتصادي في هذه البنية 
عينها. إن أهمية الأنثروبولوجيا تكمن في مصالحة المفكر العربي مع واقعه. ما 
يؤدي إلى رفع الحصار» في وعيه عن بعض المفاهيم والتصورات التي كان 
«العلم» الاجتماعي الخاص بأوروبا يقمعها فيه. لقد جعل المفكر العربي «العلم» 
الاجتماعي كما تبلور في الغرب علماً مطلقاً يجب أن ينطبق على كل شيء في 
المجتمع العربي. من هنا دعوة مفكرنا من أجل التحرّر من سلطة المقولات التي 
تخصٌ الأيديولوجيات والعلوم الاجتماعية الغربية والتي تنتمي إلى مجتمعات 
الرأسمالية المتطوّرة. يجب أن نعتبر هذه المقولات نسبية تفيد فى حالات 
محدّدة ولكي نتمكن من التعاطي مع واقعنا الماضي انوا كن كاهو أ 
يعطي مثالا على بعض المقولات التي تعبّر عن واقع المجتمع الأوروبي 
الرأسمالي والبرجوازي والتي نشرتها الأيديولوجيات الغربية المعاصرة؛. هناك 
مثلاً: البنية التحتية» والبنية الفوقية. والوعي الطبقي وغيرها. إنه يشير إلى 
ضرورة استخدامها في التحليل العلمي للمجتمعات الأوروبية المعاصرة» لكنها 
تصبح «عوائق معرفية» إذا استخدمناها في قراءة واقع آخر مختلف كالمجتمع 
العربي الإسلامي. 


520 


يعترف مفكرنا بدور الأنثروبولوجيا التى اهتمّت بالمجتمعات البدائية البعيدة 
عن النظاء الر سمالي الأنها اشح الأزدزرلوجيات: القرية المي صر ميرلة 
«العوائق المعرفية» التى خلفتهاء عندما حصرت اهتماماتها بالمجتمعات 
الرأسمالية البرجوازية. فهو يعتبر مثلاً «أن الماركسية علم غربي للمجتمع الغربي 
وأن الأنثروبولوجيا علم غربي لمجتمعات أخرىء وبالتالي فما تؤكده 
الماركسية» «الرسمية» منها والمتفتحة» وما تؤكّده الأنثروبولوجياء البنيوية منها 
وغير البنيوية» يجب أن ننظر إليه لا كحقائق عامة ونهائية بل كحقائق تعبّرء 
بهذه الدرجة أو تلك من الدقة والصواب» عن معطيات واقع يمتلك خصوصية 
تختلف» قليلاً أو كثيراً. عن خصوصية واقعنا العربي»”". كما نجده يشير إلى 
اذا ابحاف الماركنيين: كما اناف علماة: الادرؤيولوحاء على الرقم مل تعددها 
لم تتطرّق إلى التجربة العربية الإسلامية متوقفة عند تشكيلتها الاقتصادية 
والاجتماعية بعمق لكي تبرز خصوصيتهاء كما حدث مع مجتمعات الشرق 
القديم مثلاً أو المجتمعات الإفريقية؛ أو غيرها. 

لقد استنتج الجابري بعض النقاط التى استفاد منها في عملية نقده العقل 
السياسي العربي» بعد أن اطلع على الاجتهادات الغربية المعاصرة بخصوص 
العلاقة بين البنية التحتية والبنية الفوقية» وبين الفكر والواقع في المجتمعات 
التي لم تعرف الرأسمالية. 

١‏ إنه يشير فى البداية إلى ضرورة القول بوحلة البنيتين التحتية والفوقية 
في المجتمعات التي ما قبل الرأسمالية» إنهما مجموع معقّد تدخل عناصره في 
علاقات تأثير وتبادل مواقع. 

١‏ - يؤكّد أيضاً ضرورة أخذ دور «القرابة» فى الاعتبار عندما يتعلّق البحث 
بهذه المجتمعات. إنها تؤدي دوراً رئيساً في تنظيم المجتمع والسياسة وتأطير 
علاقات الإنتاج. 

“ - إنه يشدذد على أهمية الدين كعقيدة وكعامل ينظم المجتمع والسياسة» 
إذ إنه يحمل مضمونا سياسيا إما واضحا وإما مستورا. 


إنه يبرز أيضاً دور العامل الاقتصادي بالإضافة إلى القرابة والدين فى 


(8) المصدر نفسه» ص 20-54. 


العمل الاجتماعي والسياسي. إنه أمر بديهي في الفكر الغربي لأن العامل 
الاقتصادي يحدّد أحوال المجتمع بالنسبة إلى الماركسيين كما إلى سواهم. لكن 
الخلاف يكمن في أولوية هذا الدور أم في جعله يأتي بعد الأيديولوجيا. 


يأخذ مفكرنا بهذه الاستنتاجات لأنها تجعله أقرب من التراث العربى 
الإسلامى وتعيذه إلى فكر ابن خلدون لكى يكتشف حضور المحددات التى 
حللها عينها في الواقع الاجتماعي السياسي المعاصر. إنه غير مُنهمَ بتبيين أهمية 
آراء ابن خلدون قياساً على النظريات الغربية الحديثة التى توافقهاء بقدر ما هو 
منشغل بالبرهنة على عدم تبدل الواقع الاجتماعي والسياسي العربي المعاصر. إنه 
يشدّد فى هذا المجال على «أن العودة إلى ابن خلدون يبرّرهاء أولا وقبل كل 
أخرى» والذي يجعل من الحديث اليوم عن العشائرية والطائفية والأصولية 
الدينية المتشددة حديثاً مباحاً بل مطلوبأء حديثاً غير ارجعي) ولا مستنكر . كما 
كان الشأن قبل عقدين من السنين فقط)0". 

يركز الجابري فى هذا المجال على الدور الذي أولاه ابن خلدون للعامل 
الاتتصادي بالإضافة إلى العصبية والدعوة الدينية» لقد تكلّم على أهمية الاقتصاد 
قبل الرأسنالية » وأشار إلى دورة» حت :إن لو: يكن حاسما في العمران 
البشري. من هنا نجده يلتزم في بحثه بثلاثة مفاتيح أو محددات استقاها من عند 
ابن خلدون لكي يتمكن من حل ألغاز الحاضر العربي الراهنء انها : 

أ الاقتصاد الريعى. 

ج - التطرّف الديني. 

إنه باعتماده هذه المفاتيح الثلاثة يستبعد الرؤية الأحادية الجانب ليفتح 
مجال بحثه على أكثر من قراءة وتفسير. يعتبر هنا أن تعامل الباحثين العرب مع 
ماضيهم كان شبيهاً بالنهج «البوليسي» أو بالنهج «اللصوصي». لقد تعرّض التراث 
أما لعملية استنطاق بالقوة تحت ضغط القوالب الجاهزة فى سبيل التوصّل إلى 
ما كانت قد قرّرته النظرية سلفاًء وإما لعملية اقتطاف عجلة من شأنها أن تروي 


ان 





العطش وتخمده لفترة وجيزة. لكي تُعاد الكرّة مرّة تلو المرة. من هنا أهمية 
القبول بتعدد المفاتيح أو.المحدّدات في قراءة التراث. 

يؤكد مفكرنا أن كتابة تاريخ العقل السياسي. في الحضارة العربية 
الإسلامية؛ أمرٌ يفترض عقلاً قد قام بكتابة تاريخه أولآاء أو عقلاً يعي ضرورة 
نقد السلاح قبل استخدامه. هذا ما حاول أن يقوم به حينما توقف عند ثلاثة 
مفاهيم أو محددات أطرت العقل السياسي الغربي. وهي: القبيلة والغنيمة 
والعقيدة.» وهو فى صدد العمل على إعادة بناء المراحل الثلاث الأولى من 

نود أن نشير في هذا المجال إلى أن الجابري استعمل المفاتيح الثلاثة : القبيلة 
والغنيمة والعقيدة باعتبارها مفاهيم أو قوالب سبقت الفعل السياسي » وعملت على 
تأسيسه. وهي شبيهة بالدوافع اللاشعورية التي تؤسّس السلوك بالنسبة إلى علماء 
التحليل النفسيء, لكن مكانها ليس في العقل أو الفهم أو اللاشعور إنما في 
«المخيال الاجتماعى). إنها بمثابة دلا شعور سياسى ») يقوم بتحريك هذا المخيال 
الذي هو بدوره يؤثر بالفعل السياسى لدى الجماعات والأفراد. 


قبل أن ندخل في تفصيل محذدات العقل السياسي العربي. ونتوقف بالتالي 
عند مراحل تكوّن تاريخ هذا العقل. تبقى لنا ملاحظتان تخصّان المنهج النقدي 

١‏ - عندما بحث في تكوين العقل العربى» العقل النظري المجرّد. اتخذ 
من عصر التدوين. أي العصر العباسي الأول كما سبق أن رأينا ‏ بداية له. إنه 
يرى أن عملية تبويب العلم وتدوينه ومن ثم انتاجه بدأت مع عصر التدوين. 
لكن فى ما يتعلق بتحديد بداية العقل السياسى فى الحضارة العربية الإسلامية» 
فإننا نجده يضع البداية في انطلاقة الدعوة المحمدية في شبه الجزيرة العربية. إن 
هذه البداية تفرض نفسها لأن الممارسة السياسية فى الحضارة العربية الإسلامية 
أبصرت النور مع ظهور الإسلام؛ ومع كيفية تلقي هذا الدين كمشروع سياسي 
قد هدّد مصالح خصوم الدعوة المحمدية. 
الذي يحمل العنوان التالى : انقك العقل العربى). من هنا سوف نجده يعمل 
على كشف أصول الاستبداد وتعرية مرتكزاته لكي يفي بغرض النقدء ويتوصّل 
في ما بعد إلى بلوغ هدفه وهو الوعي بضرورة الديمقراطية التي يعلن انحيازه 


يدانا 


لها قاتلا : :اكل كتابة :فى السياسة هق كثابة"سياسية فتهيرة. وتخن متحترون 
الذية ور اظة او التبدد الديمة زا طفن الدر ساك الحوانية سكن أنه رتك ٠‏ حدف 
سبيلين: إما إبراز «الوجوه المشرقة» والتنويه بها والعمل على تلميعها بمختلف 
الوسائل... وإما تعرية الاستبداد بالكشف عن مرتكزاته الأيديولوجية 
(الاجتماعية واللاهوتية والفلسفية). وقد اخترنا هذه السبيل الأخيرة لأنها أكثر 


00000 


يبدو واضحاً هنا اهتمام مفكرنا بالكتابة في السياسة والتركيز على 
الديمقراطبة كقيمة وممارسةء له فى هذا المجال أكثر من مؤلف. إنه ينشغل 
بالتراث السياسي لكي يشير إلى ما يمكن أن يستفيد منه في قراءة الواقع العربي 
المعاصر وتفكيك أسباب القمع والتخلف والركود فيه؛ وتوجيه الرسائل إلى 
الفاوعة ل 30 


إن الكلام على المنهج الذي اتبعه مفكرنا عندما انتقد العمل السياسي 
العربي قد أبرز لنا ثلاثة محددات اقترحها على الباحث من أجل قراءة التاريخ 
السياسي العربي بواسطتهاء ما هي هذه المحددات» وما الذي يممز واحدها 
عن الآخر؟ 


ثالثاً: فى تفكيك العقل السياسى العربي وفق ثلاثة محددات 


يعتبر الجابري أن هناك ثلاثة مفاتيح يجب الإمساك بها لكي يتمكن الباحث 
من قراءة تاريخ العقل السياسي العربي والاطلاع على كيفية تكونه. إنه يرى أن 


(١٠)المصدر‏ نفسه. ص 5"56. 

)إن الديمقراطية من المسائل التي توقّف عندها الجابري». بالإضافة إلى علاقتها بمشروع 
القومية العريبة ودورها في تحقيق النهضة العربية المرجوة. نذكر هنا المؤلّفات التي عالج فيها هذه 
المسألة: محمد عابد الجابري: إشكاليات الفكر العربى المعاصر (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية. 
8 الفصل الخامس؛ وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر (بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية» »)١91947‏ الفصلان الثالث والرابع ؛ الديمقراطية وحقوق الإنسان. سللة الثقافة 
القومية؛ 17. نضايا الفكر العربى؛ ؟ (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 995١)؛‏ مسألة الهوية: 
العروبة والإسلام. . والغرب. سلسلة الثقافة القومية؛ 77. قضايا الفكر العربي؟ “ (بيروت: مركز دراسات 
الوحدة العربية: »)١940‏ القسم الأول؛ الدين والدولة وتطبيق الشريعة؛. سلسة الثقافة القومية؛ 9؟. قضايا 
الفكر العربي ؛ 4 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية: »2١1497‏ القسم الأول؛ المشروع النهضوي 
العربي: مراجعة نقدية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» »)١4147‏ الفصل الرابع» وقضايا في الفكر 
المعاصر : العولمة ‏ صراع الحضارات ‏ العودة إلى الأخلاق ‏ التسامح ‏ الديمقراطية ونظام القيم ‏ الفلسفة 
والمدينة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» .»)١441/‏ الفصلان الأول والرابع. 


014 


هذه المفاتيح تؤدي دوراً مهمأ في تحديد أطر اشتغال العقل السياسيء كلها 
مهمّة» وينبغي عدم إهمالهاء انها: القبيلة والغنيمة والعقيدة. يمكن أن نلحظ 
بوضوح أثر علم الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع السياسي وفكر ابن خلدون في 
إبراز هذه المحددات الثلاثة. إن التركيز على دور القبيلة يلتقي مع الدور الذي 
أولاه علماء الأنثروبولوجيا للقرابة فى المجتمعات البدائية. كما إن التشديد على 
دو الكفية لدي إلا إنواذا امم اعنام الأقطادى بن سباي المجيهات 
البدائية. هذا العامل الذي أشار إليه علم الاجتماع توضوع! أما في ما يتعلق 
بالعقيدة» فسوف نجد أن مفكرنا لن يهتمّ بها من الناحية اللاهوتية» فهو قد 
أشار مراراً إلى أنه لا يبغي القيام بنقد العقل الديني الإسلامي. لأن ذلك من 
شأن علماء اللاهوت. إننا نرى أنه يدخل إلى العقيدة من باب السياسة لكى 
بلاط السر ةدعاق #النطهر ماسرلا للدعوة المي : 

نود أن نشير فى هذا السياق إلى أن دراسة الجابري لهذه المحدّدات 
القلونة: قن كته من .حلؤل الحولت عند نادف سراح تاريضة انك دور زيما 
فشكل تاريخ العقل السياسي العربي» إنها فترة الدعوة ومن ثم الرّدة فالفتنة. 
إنه يقصد هنا بالدعوة. المرحلة التي انطلق فيها النبي محمد مبشرا بقيم 
الإسلام. أما الرّدة فهي المرحلة التاريخية التي بدأت مع مرض النبي وموته في 
ما بعد لقد تميّزت بمعالجة مسألة الخلافة وسط قيام أشخاص عديدين يدّعون 
النبوة. أما الفتنة فهى المرحلة الثالثة والأخيرة التى جعلها مفكرنا إطارا للبحث 
في المفاتيح الثلاثة : القبيلة والغنيمة والعقيدة. تبدأ هذه المرحلة مع قيام الثورة 
على الخليفة عثمان بن عفان التي أدّت إلى مقتله. وتنتهي بالحرب بين علي 
ومعاوية. 


إن هذه المراحل التاريخية الثلاث» أي الدعوة والرّدة والفتنة» هى المهد 
الذي تكوّن فيه العقل السياسي العربيى. عبر تفاعل المحددات الثلاثة : القبيلة 
والغنيمة والعقيدة. 
١‏ دور القبيلة فى تأسيس الدولة الإسلامية 

إن الكلام على القبيلة يعني القرابة في مصطلح علماء الأنثروبولوجياء كما 
إنه يعني العصبية عند ابن خلدون» وهو يعني اليوم ما يسمّى بالعشائرية» أي 
طريقة معيّنة في الحكم والسلوك الاجتماعي والسياسي ترتكز على «ذوي 
القربى». الأباعد منهم كما الأقارب. يرى مفكرنا أن هذا النهج في السلوك 


كن 


يستبعد أصحاب الخبرة والمقدرة انطلاقاً من مفهوم خاص بالأنا/ الآخر. فالأنا 
لا تعنى فقط القرابة الدموية» إنما كل أشكال العصبية كالانتماء مثلاً إلى مدينة 
واحدة أو طائفة أو حزب. إن القبيلة فى هذا المعنى يمكن أن يُقَال إنها حاضرة 
حتى فى المجتمعات الصناعية لكن فى إطار «اللاشعور السياسى». أما عن 
حضورها في المجتمعات الزراعية والرعوية فهي بمثابة المركز الأساس الذي 
ينظم المجتمع والسياسة. 

كيو السسابرض :الى |3" القتيلة نه أذت دور ا جاتنا ونيا كن" الكفاريتة 
السياسية منذ بداية ار المحمدية : إلى برضا تأسيس الدولة الإسلامية. كان 
5 ادل ومن اله نسح القكات لقي يمينا مد اعد 4 ل 
النعرة والتناحر في تلك الحقبة كان النَسَب والولاء والحلف والجوارء وهو أمر 
فطري طبيعي » قد أ ى إلى حماية أي فرد من القبائل من الأذى. لذلك كان من 
د الدعوة المحمدية أن يتمكنوا من الإساءة إلى أبناء القبائل 

يرى مفكرنا أن العلاقات القبّلية المعقّدة لم تكن تتيح لقريش بتصفية أبناء 
الدعوة المحمدية لأن أي اعتداء كان كفيلاً بتفجير الوضع في مكة على نحو 
رت أهلية واسعة النطاق. إن حماية لعرة الأقارب ونظام الجوار قد أمنا الحياة 
والاستمرارية للدعوة المحمدية» لكنهما منعا إلى حذ ما تلك الدعوة من 
الانتشارء لأن نجاحها بالنسبة إلى المخيال القبلي كان بمثابة إعلان ارتفاع بني 
هاشم إلى مركز لخدا على المع د إن النبي كان واحداً منهم. ما أثار 
رفض أبناء عمه الأقارس» بنى أمية) والاباعد. بني مخزوم. 


إن استمرار هذا الوضع قد أجبر النبي على كسر الطوق القبّلي المفروض 
على الدعوة التي يحملها لكي تتمكن من أن تشق بنفسها طريق الانتشار 
والانتصار. إن تحقيق هذا الهدف لم يكن ممكنا إلا عن طريق تجهيز قوة 
مسلحة تهاجم البنية القبلية المكية من الخارج» وتتعرّض بالضرب للأساس 
المادي الذي قامت عليه. لذلك بدأ النبى بالتوجّه إلى القبائل العربية خلال فترة 
الحج مخاطباً إياها في سبيل تقديم الدعم العسكري. فتعاملت القبائل معه على 
أساس قيام «مشروع سياسي» وفاوضته وفقا لحساباتها السياسية. 


عمل النبي على تنظيم شؤون جماعة الدعوة من أنصار ومهاجرين انطلاقاً 


ع 


من مبدأ التضامن والتكافل بين الجميعء فسنّ من أجل ذلك نظام «المؤاخاة» 
المبني على الحق والمساواة حتى في مجال الإرث. إذ أصبح بإمكان الرجل أن 
يرث صاحبه الذي تاخى معه حتى ولو لم تربط بينهما القرابة الدموية. لقد 
حلت الأخوّة في الدين محل الأخرّة في النسبء. وقامت بالتالي الأمة والملّة 
مكان القبيلة والعشيرة. لكن تجاوز القبيلة بشكل كامل ونهائي لم يكن وارداً 
آنذاك. يذكر الجابري أن القبيلة أدت دورين مختلفين في مرحلة الدعوة» لقد 
مكنت من جهة خصوم هذه الدعوة من محاصرتها بنجاح. وهم الملأ من 
قريش. فالذين أسلموا كانوا أقلية بالنسبة إلى الذين رفضوا الدعوة. أما من 
جهة ثانية فقد أمّنت هذه القبيلة عينها الحماية للرسول ولأصحاب العشائر 
المسلمة::مااوفر الاسكمراوية للدتغوة ومكنيا من العمل على كس الطوق 
القبلي المضروب عليها. 

لم تؤد القبيلة دوراً رئيساً في مرحلة الدعوة وحسب إنما استمرّ دورها بعد 
ذاك على الرغم من تأسيس الأمة التي بات الانتماء إليها يتم على مستوى القبيلة 
وليس فقط على مستوى الفرد كما كانت الحال فى بداية الدعوة. إن القبيلة ككل 
كانت تعلن إمتلاتها وبالثالي خضوعها السباسيح وانتماءها إلى الذين الجدديل 


يرى الجابري أن مسألة تعيين خليفة النبي إثر وفاته المفاجئة لم يتم 
التعاطي معها بمعزل عن القبيلة وتجاذباتها. من المعلوم أن النبي لم يعيّن من 
يخلفه بعد رحيله. ما أدَى إلى نقل المهمّة إلى الصحابة. فنشأت بذلك أول 
مشكلة سياسية داخلية كان عليهم مواجهتها. 


يعود مفكرنا إلى روايات عذة تتناول الظروف التي جعلت الاختيار يقع 
على أبي بكر في خلافة النبي ليستنتج أن مجمل هذه الروايات التي تتحدّث عن 
كيفية مبايعة أبي بكر تضع القبيلة في مستوى المحدد الأساس لكل المواقف. 
لقد عالج الصحابة مسألة الخلافة معالجة سياسية وفقأ لمنطق القبيلة» فاعتبروا 
أن القضية تتطلب الاجتهاد وتعاطوا معها على أنها كذلك. إننا نجدهم قد 
حرصوا على مراعاة ميزان القوى والمقدرة والكفاءة ومصلحة الدولة -خاضعين 
في ذلك لمنطق القبيلة وليس لاعتبارات تطاول العقيدة أو الغنيمة. 


يرى مفكرنا أن منطق القبيلة الذي طبّقه الصحابة فى حل مسألة الخلافة 
١كان‏ أقرب ما يكون إلى «اختيار الأمة»". إلى العمل برأي «الأغلبية»» الأغلبية 
لا تالمعينئ الكمئ اذى يعغمتن عدد الأفراد: أو الأضصوات بل المعتى 


5١ 


«الكيفي» (. ..) كما إن مقام أبي بكر في الدعوة المحمدية لم يكن يعلوه مقام 
آخر غير مقام النبي نفسه”"'“. إن التأسيس الحق لدولة الدعوة المحمدية قد 
تحقّق بعد فتح مكة. وبما أن القوة المادية» من عدد وعذة. لقريش في مكة 
قبل الإسلام كانت بخاصة لبني أميّة. فإن هذه الدولة ستتحوّل بعد فتح مكة 
إلى #دولة قريشن المسلمة» يترغمهايشكل غير امعلن ينو أمبة الذين تولوا 
السلطة الإدارية والمالية فيها. وعندما أصبحت هذه الدولة تضم الجزيرة العربية 
تقريبا قبل وناة النبي صار بالإمكان تشبيهها بالدولة الاتحادية. إذ (إن بنية 
«الفنيلة» هى .زاتما بين إدوالة. اتاد فر +6050 
إلى عملية إدخال «العرب» في الإسلام بقوة أهل قريش وعلى رأسهم بنو أمية» 
الأمر الذي أثر في المخيال العربي» ما سيُذكي حروب الورّدة. لقد أنتج الفتح 
زمن الخليفة عمر وضعية قبلية جديدة ترتكز على تجميع القبائل في معسكرات 
باعتبارها وحدات مستقلّة تتصل ببعضهاء وتحتك في ما بينها ما أضرم 
العصبيات الخاصة داخل العصبيات العامة. 


. تجدر الإشارة فى هذا السياق 


يلحظ الجابري أن هناك ثنائية أدّت فى زمن الفتنئة دوراً بارزاً فى المخيال 
الاجتماعي والسياسيء إنها ثنائية قريش/ العرب. وما الثورة على الخليفة عثمان 
بن عفان إلا خير دليل على ذلك. إن عوامل عدّة على مستوى الغنيمة والعقيدة 
قد سبيت هذه الثورةء لكن يجب التنبّه أيضاً إلى الدور الذي أذّته القبيلة كمحدّد 
أساس للثورة على عثمان» وكإطار يحتضنها ويؤطرها. لقد ارتدت هذه الثورة 
طابع ثورة العرب على قريش في زمن الفتنة. 

نود أن نذكر هنا في ختام الكلام على القبيلة كمحدد رئيس للعقل السياسي 
العربي» إبَان مراحل تكوّنه أي خلال مرحلة الدعوة ومن ثم الرّدة فالفتنة» أن 
القبيلة ليست إلا الإطار الاجتماعي الذي يسهم في إنجاز عملية كسب الغنيمة 
والدفاع عنها. ويؤكد الجابري في هذا المجال «أن القبيلة معزولة عن الغنيمة» 
مقولة مجرّدة وقالب فارغ)”*". 

إن الغنيمة هي التي تقوم بإضفاء طابع المعقولية والتاريخية على الصراعات 
القبلية» من هنا ضرورة القيام بقراءة الأحداث من منظار الغنيمة. 


.١17 الجابري» العقل اللسياسي العربي : محدداته وتجلياته.» ص‎ )١١( 
.١15١ المصدر نفسهء ص‎ 0 
.8 المصدر نفسهء ص‎ )١4( 


"' - قراءة التاريخ السياسي من زاوية الغنيمة 

إن الكلام على الغنيمة بالنسبة إلى الجابري يعني الدور الذي يوم به 
العامل الاقتصادي داخل المجتمعات التي يرتكز فيها الاقتصاد على «الخراج» 
و«الريع» وليس على العلاقات الإنتاجية كعلاقة الرأسمالي بالعامل مثلا. إن 
«الخراج» هنا يعني كل ما كانت الدولة تأخذه من المسلمين ومن سواهم 
كجبايةء إنه المقدار الذي يفرضه الغالب على المغلوب. عندما استخدم مفكرنا 
مصطلح الغنيمة أراد به ثلاثة أشياء متلازمة: «نوعاً خاصاً من الدخل (خراج أو 
ربع). وطريقة في صرف هذا الدخل (العطاء بأنواعه) وعقلية ملازمة لهما"”*". 
إن اهتمامه بالاقتصاد في المجتمع العربي يأتي من باب الغوص في العقل 
السياسى على صعيد الفكر وعلى صعيد الممارسة. لذلك انشغل بالاقتصاد 
كأحد دوافع الفعل السياسي وأحد محذداته. إن الغنيمة تعني هنا الاقتصاد 
انطلاقاً من دوره الفعلي أو المتخيّل كمنفعة موقتة. 

يشير مفكرنا إلى أنه في زمن الدعوة المحمدية كانت للأصنام التي تمتلكها 
قريش قيمة مادية عالية» وأنها كانت بمثابة مصدر للثروة وأساس للاقتصاد. إن 
مكة كانت مركز عبادة اجتمعت فيه آلهة القبائل العربية» فهي مركز حج تحيط 
به الأسواق وعمليات البيع والشراء. كما إن موقع مكة الجغرافي قد جعلها 
محطة في طريق التجارة والقوافل التي كانت تسلك هذه الطريق. لذلك إن 
الهجوم على الأصنام له بُعد اقتصادي من شأنه أن يؤثّر بشكل مباشر في 
عائدات الحج وعلى المكاسب التجارية. 

من هنا يمكن أن نفهم سبب مقاومة الدعوة المحمدية» فالغنيمة كانت في 
خطرء إذ إن فقدانها يعني الكثير لأهل مكة. لذلك نجدهم قد تحالفوا ضدّ هذه 
الدعوة» فقاوموها مضيّقين الحصار عليها. لم تدّع قبيلة قريش أن دينها هو 
الحق إنما كانت تخشى فقدان امتيازاتها في حال اتبعت الرسول. 

لذلك كانت الهجرة إلى المدينة لمتابعة الدعوة بوسائل مغايرة. لقد عمل 
النبي على اعتراض قوافل قريش التجارية» فحاصر مكة اقتصادياً لكي يتمكن من 
إخضاعها سياسياً عن طريق الاستسلام. 


يشير مفكرنا إلى أن الكثير من الشهادات التاريخية تشير إلى أن قبيلة 


6 المصدر تقفسهةء» ص‎ )١6( 





قريش» كما سكان الجزيرة العربية بعامة. لم يهتموا بالدين في حياتهم اهتماماً 
كبيراً. ومن اللافت أن مكة التي كانت مركزا دينيا كبيرا لم يكن فيها رجال دين. 
إن هدايا العرب إلى آلهتهم هي التي كانت محط اهتمام. كانت هناك حخصص 
ثابتة تشبه الزكاة» وهدايا أخرى من الذهب والفضة. إن من كان يستفيد بالدرجة 
الأولى من هذه التقادم هم القيمون على مراكز الأصنام وبخاصة الكعبة. من هنا 
ارتدى الدفاع عن الأصنام من قبل أهل مكة طابع الدفاع عن مورد الرزق ولقمة 
العيش ١‏ كذلك فعل أهل الطائف. كما إن الحج لم يكن فقط بمثابة شعيرة دينية 
لدى عرب الجاهلية» إنما كان موسماً تجارياً له أهمية كبرى. 


لذلك نجد أن النبي قد عمل على إقناع أهل قريش بخطورة فقدان 
العائدات الاقتصادية إذا ما استمرّوا برفض الدعوة» وهذا ما حصل فعلاً عندما 
تتالت الهجرمات على القوافل التجارية من قبل المسلمين بعد الهجرة إلى 
المدينة. لقد خاطبهم النبي بلغتهم. فضرب مصالحهم الاقتصادية التي كانت هي 
الأساس في مجتمع مكةء. ومن ثم بدأ القتال لكي يقودهم إلى الإسلام تحت 
ضغط ضرورة إنقاذ الاقتصاد. 


يرى الجابري هنا أن عملية اعتراض النبي قوافل قريش لم يكن بهدف 
الحصول على غنائم» لكن من أجل إرضاخ القبيلة وإدخالها في الإسلام. لأنه 
رفض ما غرض عليه من إغراءات مادية عديدة. إنه يرى أن الرسول كان 
الضغوط والإغراءات والمضي قدماً بالدعوة إلى الأمام. غير أن طبيعة الحياة 
البشرية تقتضي أنه لا بد للنجاح من وسائل. وأولى الوسائل التي يتطلبها تجهيز 
السرايا والجيوش هى المال. لقد كان لا بد إذن من أن تدخل «الغنيمة» كجزء 
أساسى فى الكيان المادي للدولة الناشئة» ومن ثمة فى عقلها الاقتصادي”''". 


لقد كان للغنيمة حضور مهم في غزوات النبي من خلال توظيفها في 
تجهيز الجيش من جهة وفي حت النفوس على الجهاد من جهة أخرى. لأن 
العمل على اعتراض القوافل يتطلّب مجهوداً متواصلاً. لكن الغزوات كان لها 
مفعول سلبي على الجماعة المسلمة» بالإضافة إلى دخول الناس في الإسلام 
جملة» إذ إنه لم يعد من مجالٍ للارتفاع من مستوى الإسلام السياسي الحربي 


(60) المصدر نفسه. ص ,.1١7-١١5‏ 


إلى مستوى إسلام العقيدة والإيمان. كانت هناك صعوبة في أن يتحول الذين 
أسلموا تحت ضغط السيف أو الخوف إلى مؤمنين صادقين» وفي تحقيق 
الانسجام الاجتماعى بين أعضاء مشروع الآمة. 

بعد أن بحث الجابري في دور الغنيمة كمحدد أساس للعقل السياسي 
العربى فى مرحلة الدعوة المحمدية ينتقل إلى مرحلة الردة ليسلّط الضوء على 
أهمية الجند والمال فى بناء الدولة. يشير إلى أن الدعوة المحمّدية نجحت فى 
تأسيس الدولة عندما تمكئّت من تجنيد الرجال والحصول على المال. إن الزكاة 
المفروضة على المؤمنين كانت «الإتاوة» نفسها التي كانت معروفة قبل الإسلام. 
و«الإتاوة» هي مبلغ من المال تفرضه القبيلة المنتصرة على القبيلة المنهزمة. 
وهي ترمز إلى الخضوع والمهانة في المجتمع القبلي. 

أما الغنيمة فكان لها شأن كبيرء من هنا ضرورة التنبّه إلى دورها الأساس 
فى تطوّر الأحداث السياسية التى عرفها عصر الخلفاء الراشدين. الذي هو 
بمثابة عصر «المدينة الفاضلة» بالنسبة إلى ممخيال المسلمين الدينى والتاريخى. 
إن هذا العصر هو بمثابة المرجعية الأولى للعقل السياسي العربي» والتوقف عند 
دور الغنيمة فيه أمر ضروري بالنسبة إلى مفكرنا. 

إن زمن أبي بكر لم يتميّز بوفرة الغنائم» لذلك يمكن أن تكون قد وزعت 
بالتساوي على أهل المدينة؛ ما لم يعمّق الفارق بين الأغنياء والمستضعفين. 
لذلك كانت الأحوال الاجتماعية من حيث الغنى والفقر مستقرّة لم تشهد تغييراً 
يذكر. 

لكن هذه الأحوال سوف تتبدذل زمن عمر بن الخطاب بشكل مفاجى» ما 
أحدث تغييرات مهمة فى بنية الدولة وفى المخيال الاقتصادي للناس. لقد وردت 
إلى المدينة أموال كثيرة فاقت حد «المعاش». إن توزيع هذا المال انذاك كان 
محكوماً بالمحددات الثلاثة: القبيلة والغنيمة والعقيدة. وبما أن الأمر يتعلق 
بالغنيمة فإنها سوف تتحدد بالقبيلة والعقيدة من أجل تحقيق العدل الذي كان 
يعني «إنزال الناس منازلهم». لذلك فاضل الخليفة عمر بين الناس في العطاء 
انطلاقاً من قرابتهم من الرسول ومن الأسبقية في الإسلام. أي انطلاقاً من 
القبيلة والعقيدة معا. 

يشير مفكرنا إلى أن للغنيمة دورأ أساس في تنظيم القبيلة وفي إعادة بنائها 
خلال زمن عمر حتى زمن معاوية. كذلك كان للعقيدة دور في ترتيب الناس 


66 


افق درك القرزارة أو التنى 7 فالسب الهاكنمن كان أمرا ثاثا سلما يعصحجة: 
ومو كد اميم جرءا ين العقبية الا يعون العشكيك انه إن اليش التي كان 
ينتج منه زعزعة «ديوان العطاء» الذي أنشأه عمر لتنظيم توزيع المال. أي زعزعة 
أحد أركان الدولة الذي بُنيت عليه تشريعات فقهية عدّة. يشدّد الجابري فى هذا 
المجال على أن «فقه العطاء والخراج في الإسلام؛ أو العقل الاقتصادي العربي 
الإسلامى. بجد مرجعيته الأولى فى اجتهادات عمر. والحق أنه إذا كان أبو بكر 
حار من خلال حروب الوقة اين دولة الدعوة المحمدية. فإن عمر بن 
الخطاب قد أرسى» من خلال "ديوان العطاء» ونظام الخراجء النظام الإداري 
والاقتصادي الذي قامت عليه هذه الدولة!"". 


لقد جعل عمر اقتصاد الغنيمة يقوم على أساسين: الأول هو الخراج 
والثاني هو العطاء؛ ما أضفى الطابع الريعي على الاقتصاد في دولة الإسلام. إن 
جوهر الاقتصاد الريعي في الإسلام يقوم على أساس أن جميع الناس عيال على 
الخراج وأهله ولكن ليس على حدّ سواء. إن تصنيف الناس في العطاء وفق 
القرابة من الرسول والأسبقية في اعتناق الإسلام أذى إلى تجميع الثروة لدى 
مجموعة محددة» ما أنتج فوارق كبيرة بين المسلمين. بعد اغتيال عمر بن 
بسرعة بخاصة بعد تزايد حجم المال المتدقق على المركز نتيجة الخراج. 


كان عثمان غنياً قبل مجيء الإسلامء فشارك إلى حد كبير في دعم الجهاد 
في سبيل الله أيام الدعوة»؛ هذا ما ميّزه عن علي بن أبي طالب الذي كان زاهدا 
في المال يوزعه على الفقراء؛ فتجمّع حوله المستضعفون وكل من كان يرى 
تناقضاً بين العقيدة الإسلامية والغنى الفاحش والرفاهية التي أخذت بالانتشار أيام 
عمر. كان عثمان إذأً غنياً وكريماً يحب الإنفاق قبل تولّيه الخلافة ولم يتبدّل 
بعدها. اتبع طريقة عمر بن الخطاب في توزيع المال وتجاوزها عندما صار ينفق 
من بيت المال موزعاً العطاء على أقاربه» وكأن المال خاصته. 


لقد أدّت سياسة عثمان الاقتصادية إلى حصر ثروات طائلة في أيدي 


الخاصة من الصحابة ورجال قبيلة قريش». فاتسعت بذلك الهوة بين الأغنياء 
والفقراء. إن هذا الوضع فد هدد بالانفجار الذي بات قريباً بسبب٠ربط‏ الغثيمة 


.1١ا/7/ المصدر نفسهء ص‎ )١0( 


بالقبيلة. إن سلوك عثمان أدّى إلى انفجار حقيقي نتيجة تعبئة المخيال القبلي 
باتجاه الثورة. فكثر المعارضون في المركز بينما بدأت شرارة الثورة في 
الأطراف. فقدم الثوار من الكوفة والبصرة ومصر إلى المدينة محاصرين عثمان 
طيلة أربعين يومأ حتى مقتله. 

يرى الجابري أن الغنيمة كانت المحرّك الأساس فى زمن الفتنة» فالعامل 
الاقتصادي أسهم في إشعال الثورة من خلال التفاوت بين وضع الفقراء ووضع 
الأغنياء. ولكن خصوم عثمان في الداخل كما في الخارج كانوا له في المرصاد 
بسبب الظروف التى أدّت إلى توليه الخلافة. إن الطريقة التى اعتمدها عمر بن 
الخطاب فى :اخبار مزل هلق وفيقت حول عثمان المي دائمين هم ١أهل‏ 
الشورى» فبرز بعضهم كرموز تحرّك المعارضة في المركز ضدّ عثمان وبني أمية. 
أما في الأطراف فكان للمعارضة ضد عثمان مناصرون كثر في الكوفة والبصرة 
ومصرء فأدّت الدور الحاسم في القضاء على عثمان عندما اتخذت القبيلة كإطار 
اجتماعي تنظيمي طبيعي يجعل العرب في مواجهة قريش. فالثورة لم تكن باسم 
الفقراء ضد الأغنياء» أي أن الغنيمة لم تكن هي وحدها المحدد الفاعل فيهاء 
إنما عامل القبيلة والمنافسة من الداخل والخارج. 


بعد مقتل عثمان وتولى على بن أبى طالب الخلافة بعده. كان من الطبيعى 
أن يقوم كذ العاف الأ كان سدوونا جيه للتقرات قا على قينا : اك 
المستضعفون. ويورّع عليهم ما كان يأخذه من العطاء. لقد قام أغنياء قريش 
بتمويل حرب الجمل ضد علي الذي انتصر فيهاء لكنه لم يتمكن في ما بعد من 
تنظيم صفوف الفقراء. 

بلحظ مفكرنا أن شخصية علي كانت ترمز إلى العدل» ولكن العدل وفق 
معنى خاص ألا وهو «الزيادة في العطاء». فأراد هو أن يكون وفياً لمفهوم 
العدل الحق. لم يتمكن من النجاح في ذلك الحين؛ لأن «التوافق الضروري» 
الذي كان يجب تحقيقه بين الغنيمة والقبيلة والعقيدة لم يسم إليه.؛ فأهمله. 
بينما نجح معاوية في إنجازه. 

انشغل علي بن أبي طالب بالعقيدة وأعطاها الأولوية» فهي العامل الرئيس 
في تكوين الجماعة الإسلامية. كيف يقرأ الجابري المحدد الثالث للعقل السياسي 
العربيء خلال فترة الدعوة ومن ثم الرّدة ومن بعدها الفتنة؟ وهل لها أن تكون 
في الأولوية كما جعلها الخليفة علي؟ 


يه 


٠“‏ ارتباط العقيدة بالفعل الاجتماعي السياسي 


يوضح مفكرنا منذ البداية أنه عندما يتناول العقيدة لا يهدف إلى الغرص 
في المضمون اللاهوتيء» لقد ذكر مراراً أنه لا يريد أن يقوم بنقد العقل 
الإسلامى. لذلك إن مضمون العقيدة كدين أوجئ به أو كصورة أيديولوجية قد 
زسيها العقل لا بهت دهن فى ال البحت فى" محذذات"العقل السياقن 
العربي. إن ما يهمه هو كيفية التمذهب في العقيدة» ومدى قوتها وقدرتها على 
تحريك الأفراد وتوجيه الجماعات وحصرهم في إطار شبيه ب «القبيلة الروحية». 


إنه يذكر أن العقل السياسي عند أرسطو يرتكز على الاعتقاد وليس على 
البرهان. فهر عقل جماعة يحرّكها وفق منطق خاص يقوم على رموز مخيالية 
وليس على مقاييس معرفية. لذلك نجد أنه فى مجال الحياة الاجتماعية 
والسياسية تبفى البراهين والحقائق والمنا قير نيد الت إلى ما يمكن أن 
تقوم به العقيدة من تحريك الأفراد والجماعات ضمن فرق كلامية مثلاء أو طرق 
صوفية» أو طوائف دينية. هناك ارتباط عضوي بين العقيدة فى هذا المعنى 
والفعل الاجشاعي: السياسين. ْ 

من هنا يمكن أن نفهم انشغال الجابري في أمر العقيدة» لقد توقف عند 
المظهر السياسى فى الدعوة المحمدية التى أدّت دوراً فى تشكيل المشيال 
الاجتماعى الساسين لد الجماعة الأولى. أنه يعتبر ده الدعوة قد أثارت 
أيضاً وقود فال اعدة لدى الخصم ارتدت الطابع السياسي. لذلك عمل على 
إبراز ما هو سياسي في ما هو ديني عند طرفي النزاع» أي الدعوة المحمدية 
والمقاومة التي واجهتها على مستوى العقيدة. 

عرفت الدعوة المحمدية مرحلتين حددتا مسارها التطوّري من الدعوة إلى 
تأسيس الدولة. إنهما: مرحلة مكة ومرحلة المدينة. كان الخطاب الموجّه فى 
مكتدريزا ند انا أبهاالثاس وي أ حستكان مكد لبنح ساكل :انما كادزاه.مطلرت 
منهم أن يؤمنوا بمحمد وبالتعليم الذي ل عليه. أما الخطاب في المدينة فيبدأ 
ب «يا أيها الذين آمنوا». أي الجماعة الإسلامية التى كوّنت الأمة أساس الدولة 
الأناكية كانت سروحلة اليدية عمد تدانلسو وله الجر يسن بالدهزة 
المحمدية. إن دور العقيدة فى تكوين العقل السياسى العربى إيَان مرحلة مكة 
يكمن فى هذا الرايظ بين أقراد الجماعة الروعية الأولى».أى. فى الإيمان باللة 
ورسوله وبالتعليم الموحى إليه. 


تميّزت المرحلة المكية بأهمية العقيدة التى كانت الرابط الأساس بين أفراد 
الحواعة لاوط أن درس المي | سل 2" نآمة الدولة فور وان . السشكدة 
دور أقل أهمية فيها. إن طرفي النزاع في مكةء تسلّح كل منهما بما يناسبه: 
أصحاب الدعوة اجتمعوا باسم العقيدة» بينما الذين قاوموا هذه الدعوة من 
قريش اجتمعوا باسم القبيلة والغنيمة. لذلك يرى مفكرنا أن «الصراع السياسي 
بين الطرفين كان في جملته عبارة عن صراع العقيدة مع «القبيلة») و«الغنيمة»). 
ولكن دون أن يعني ذلك غياباً مطلقاً لهاتين في صف العقيدة»”*". 


كان من الضروري إذاً التوقف عند تشكل وعي الجماعة الأولى وكيفية 
تشييد المخيال الاجتماعى السياسى من خلال التمرّس بالعقيدة. 


إن الآيات القرانية الأولى كانت تتوجّه إلى محمد حاملة إليه الرسالة وما 
يجب أن يقوم به مؤكدة له نبوّته وسلامة عقلهء رادّة في ذلك على قريش في ما 
كانت تطعن به عليه. ومن ثم أخذت الآيات تعرض أسس العقيدة الجديدة 
كوحدانية الله واليوم الأخيرء وذلك بأسلوب بليغ وجده أهل قريش أرقى من 
قصائد الشعراء وسحر البيان. لقد تحذثت الايات في المرحلة المكية بإلحاح عن 
الحياة الأخرى مركزة على مشاهد القيامة من حساب وجنة ونارء ما شد وعي 


المسلمين الأوائل ومخيالهم إلى هذا الموضوع بالتحديد. 


كانت الموضوعات الرئيسة التى طرحها القرآن فى مرحلة الدعوة السرية 
خلول تلؤاتك سات فى فكة تربل 'الديتى بالدتيوق ارناطا عضوي الآن المضير 
الذي ينتظر الإنسان في الآخرة يتقرّر في الدنيا انطلاقاً من موقفه في شأن 
وحدانية الله ونبوّة محمد واليوم الأخيرء ومن موقفه المتعلق بالفقراء والمساكين 
وتصورّفه إزاءهم. يشير الجابري في هذا الصدد إلى أن المخيال الديني 
الاجتماعيى السياسى الذي تكوّن بفعل تأثير مشاهد الجنة والنئار سوف يزامن 
أيضاً 0 عرق مافيا وما سيحدث مستقبلاً. لذلك أصبح الجزاء في الآخرة 
ينسحب على الدنياء إذ إنه لا يوجد فاصل بينهما في المشهد. لقد ركر 
المضمون السياسى للدعوة المحمدية فى المرتجلة الأولى على أن الآخر الذي 
بعتق المشركية والكافرين وف بتالرق العقاتةفن الدها كما كن اشر لأنهم 
كفروا واستأثروا بالمال من غير أن يُحسنوا إلى الفقراء. 


١ المصدر نفسة ء ص‎ )١6( 


10 


إن المرحلة الثانية» أي مرحلة الجهر بالدعوة فى مكة شهدت نزول 
العدد الأكبر من الاباك الم امةلك كان حوره الدعوة إل نيه الترك 
وعبادة الأصنام ودحض القريشيين في ما كانوا يدّعون من اتباع ما كان عليه 
آباؤهم. لذلك كان على الأبناء أن يقطعوا مع عبادة الأصنام التي كان يمارسها 
الآباء. هناك دلالة سياسية لهذا الموقفف تكمن فى أن الدعوة المحمدية 
ترشيك إلى الأبناه أ :إلى السيات «باعتبارهي رجا المتصيل 4 والدطرة عادة 
تتجه إلى المستقبل. 


يشير الجابري إلى أن العقيدة شهدت تراجعاً بعد وفاة النبي في مرحلة 
الرّدة» بخاصة عندما قام أشخاص عديدون يدّعون النبوة. وتطزع السؤال في 
هذا السياق حول ظهور عدد لا بأس به من الذين أدّعوا النبوة فى مختلف 
أنحاء الجزيرة العربية عندما سمعوا بمرض النبي ومن ثم وفاتهء ركان كانوا 
متفقين على موعد محذد. لقد بحث فى الرؤية التى أسّست هذا التهافت على 
إدعاء النبوة على نحو يجعل من النبوة ظاهرة 0 يستطيع أي أحد أن 
ينخرط فيها. 

أراد مفكرنا أن يعود إلى الحقل الثقافي العام الذي كان مهيمناً على 
الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية فوجده منشغلاً بمسألة المعرفة بحسب 
المعنى الغنرصي العرفاني للكلمة. إن معنى المعرفة يرتقي إلى مستوى المعرفة 
كإلهام وكشف ومعرفة بالغيب» ثم يتراجع إلى مستوى العرافة والكهانة وغيرهاء 
بالنسبة إلى الفكر الغنوصى العرفانى. تجدر الإشارة هنا إلى أن بيوت العبادة 
والهياكل والأصنام المنتشرة في الجزيرة العربية كانت بمثابة صيغة «عامية'» 
للفلسفة الدينية الهرمسية التي وصفها العلماء المسلمون ومؤرّخو الفرق باخر ما 
تتن مو فين اتراهيم بع العريت الدق أضان: حدق ترات المرسية انها 
ترى في النبوة أمراً في متناول الجميع. 

يرى الجابري فى هذا المجال أن النبى فى أيامه كان يعى ما يحيط به من 
أجواء فاهتمٌ بظاهرة احا النبوة منذ أن بدأ اوجن بالنزول 5 لذلك انشغل 
بمراكز الوثنية والرهبنة الهرمسية التي كانت منتشرة في الحجاز والجنوب 
والشرق» وهي في حال ازدهار. إن 5 يلفت هنا هو أن الذين ادّعوا النبوة 
اجتهدوا في تقليد محمد من أجل الثورة عليه لكنهم حافظوا على انخراطهم في 
عقيدة الدعوة المحمدية» انحرفوا عنها ولم يخرجوا عليها. 


٠ 


إن ما يهم مفكرنا هنا ليس مدى النجاح الذي حققه الذين ادعوا النبوةء 
ولا الجديد الذي أتوا به سواء على صعيد العقيدة أم الشريعة. إن ما يهمّه هو 
مستقبل ظاهرة ادعاء النبوة» وما تبقى منهاء أي أثرها في مستقبل التاريخ 
الإسلامي. 

إن البحث في زمن الفتنة وفي أسباب حصولها أيام عثمان يجب أن 
يتطرّق إلى الدور الرئيس الذي قامت به القبائل اليمينية» ليس على مستوى 
القبيلة والغنيمة فقطء إنما على مستوى العقيدة أيضاً. إن الكثير من المصادر 
التاريخية تشير إلى أن الفتنة التى حصلت زمن الخليفة عثمان كانت من تدبير 
عبن لله ون سا الموراق نمق أصا بيني كنا شير إلى أن قورز مدي 
للغلو في حق علي بن أبي طالب» ما جعله المرجعية الأولى للفكر الشيعي. 
ونفكر مشكرن ل عيذ المجاق أن شخصية ابن سبأ قد حيّرت الاعف ا 
حلت لعشي ا معتبرينه شخصية أسطورية» أما البعض الآخر فرأوا فيه 
شخصية حقيقية مسندين إليه الدور الذي أسنده إليه بعض القدماء. أما هو فلا 
يستطيع أن يجزم كما البعض أن شخصية ابن سبأ من صنع الخرافة على الرغم 
من حضور عنصر الأسطورة فى العديد من الروايات التى تتناوله» فتجعل منه 
ذلك البطل الممجّد كما في الأساطير. 1 


إن ابن سبأ بالنسبة إلى الجابري شخصية قامت بدور فاعل زمن الفتنة التى 
انتهت بمقتل عثمان بشكل بشع انطوى على مشاهد لا يستطيع الضمير 
الإسلامي أن يقبل بهاء كما إنه لا يمكنه أن يحمّل مسؤوليتها لأي من 
الصحابة» حتى الذين كانوا من المناضلين إبان الفتنة. 


بعد أن بحث مفكرنا فى العديد من النصوص التى تناولت ابن سبأ 
وتعدلك عن اشتخصيعه وأغماله يندم أن هذا ال مر بالفعل شخصية 
حقيقية» إنه يهودي يمني أعلن إسلامه أيام عثمان أو قبله» وعمل على نشر 
فكرة الرجعة والوصية والمهدي. لقد تقرّب من علي بن أبي طالب بعد توليه 
الخلافة. عندما بدأ يغالي في حقّهء نفاه علي إلى المدائن لكنه بعد اغتيال علي 
قام بنشر فكرة الرجعة (أي رجعة المهدي ليحقق ما لم يستطع تحقيقه من قبل) 
والوصية (أي أن النبى قد أوحى له بالإمامة من بعده) ما يجعله الأصل الأول 
لظاموة االقرراق محل فلي" ولحفلة اراد توعمانك فى مامه وسيل انام 
ارتدت بمجملها طابعاً أسطوريا. 


من هنا يمكن القول إن السبئية كانت حاضرة بقوة على مستوى العقيدة 
حضوراً حاسماً عمل على توجيه العديد من الأحداث الخطيرة التى مرّت بها 
الدولة الأمرية القريسية عند إننانهاا وس نفوظياء لذلكم كان للسية نادت 
دوراً تأسيسياً في مرحلة تكوين العقل السياسي العربي. 

إن المحددات الثلاثة التي توقّقف الجابري عند دورها في رسم إطار 
العقل السياسي العربي» وتأثيرها في آلية اشتغاله.» لم تكن فاعلة فقط في 
المراحل التاريخية الثلاث من تكوين هذا العقل بتعبير آخرء إن دور القبيلة 
والغنيمة والعقيدة لم يكن فاعلاً في مرحلة الدعوة المحمدية وفي زمن الرّدة 
ومن بعده الفتنة وحسبء إن أهمية هذه المفاتيح الثلاثة تمتد أيضا إلى 
مرحلة تأسيس دولة الملك السياسي مع معاوية. لكن هل فعل هذه المحدّدات 
سيبقى كما هو مع انتقال الحكم من حال الخلافة القائمة على الشورى إلى 
حال الملك المرتكز على القوة والغلبة؟ وهل تم توظيف هذه المحددات 
الثلاثة في العصر الأموي على النحو عينه الذي تمّ فيه توظيفها خلال العصر 
العباسي؟ هل مفهوم الدولة بقي في العصرين الأموي والعباسي كما كان في 
زمن الخلفاء الراشدين؟ ما الذي طرأ على كيفية الممارسة السياسية فى دولة 
الإسلام؟ ١‏ 


هذا ما سنحاول أن نتطرّق إليه في ما يلي عبر التوقف عند تحليل الجابري 
لمفهوم الدولة بوصفها ظاهرة سياسية في المجتمع الإسلامي. من خلال 
الغورص في مجال فقه السياسة»ء أي العقل الذي كان ينظر لها إبان الحكم 
الأموي والحكم العباسي. 


رابعاً: دراسة الدولة كظاهرة سياسية 


نالع ريه السسية في مرسلة: كرنن :لذن المتانى العريي محلب متنا 
فكيواء لذلك :فإ الدون الذي قامس به المحدذات العلاثة لج فى عيلن خالة؛ 
سوف يخضع لظروف مغايرة أنتجت سلوكاً سياسياً مغايراً. لن تختفي القبيلة 
والغنيمة والعقيدة من المجال السياسى لكنها سوف ترتدي طابعا اخر. كذلك إن 
مقهوم الدولة بوممارة السك تسدهد1 ذلا كانا لكن ين تيهنا عن 
المرحلة السابقة» أي زمن النبي محمد والخلفاء الراشدين من بعده. إن الحكم 
السباسي في العصر الأموي له خصوصيته سواء على صعيد التنظير - أي فقه 
العياماتت العلى :منيد المقازية على ارين الوافى كلد لل يناه اكع 


إحلدة 


السياسي في العصر العباسي مختلفأ سواء على مستوى الأيديولوجيا أم على 


يشير الجابري إلى أن عصر الخلفاء الراشدين كان عصر انتقال على أكثر 
من صعيدء هناك بداية الانتقال من عبادة الأوثان إلى عبادة الإله الواحدء ومن 
ثم كان الانتقال من تنزيل النص إلى تأويله. أما على صعيد السياسة فهناك 
انتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة دولة الفتح. إنه يرى أن «كل شيء كان 
امقتوخا»: لم تكن. هناك مذهبية ولا أرتودكسية» إذ كان أكثر “#تضرفات 
الصحابة مبنية على مضمون الحديث النبوي: «أنتم أدرى بشؤون دنياكم» مع 
استلهام المصلحة العامة وروح الدعوة المحمدية وفي هذا وذاك كان الاجتهاد 
وَكان التأويل)0*, 


إن هذا الانفتاح لن يستمرّ طويلاً لا على الصعيد النظري ولا على الصعيد 
العلمي لأن ظروف الحكم سوف تتبدّل مع قيام الدولة الأموية وعلى رأسها 
معاوية «الملك العضوض». فكان ذلك نوعاً من الانحراف عن الخلافة كما 
مورست أيام الخلفاء الراشدين. كيف يقرأ الجابري تبرير معاوية شرعية حكمه؟ 
وما هي بالتالي أسس الدولة كما تبلورت زمن الحكم الأموي؟ 
١‏ في نقد الحكم الأموي: توظيف الدين في خدمة السياسة 

يرى السُنّة أن مُلك معاوية جاء لكى يُنهى الفتنة التى كانت تشكل تهديداً 
للأمة وللدين في آن معاء والتي بدأت في الفترة الأخيرة من عهد عثمان لكي 
تتطوّر إلى حرب أهلية. لذلك كان ملك معاوية بمثابة انقاذ مكن الأمة من 
الانقراض. 

من هنا يشذد الجابري على أن كل من ينظر بموضوعية إلى الأحداث 
يجد في مُلك معاوية عملية تأسيس جديد للدولة في الإسلام وإعادة بناء لهاء 
بيئما كان التأسيس الأول في المدينة أيام النبي: والتأسيس الثاني حدث مع 
أبي بكر عندما قرّر محاربة أهل الردّة من دون أن يتنازل عن أي أمر يمسّ 
الإسلام ديناً ودولة. تمكن معاوية من أن يجمع شمل المسلمين ويبني دولة 


)26 المصدر نفسة ) ص 7528. 


اداح 


قوية. يشير مفكرنا في هذا السياق إلى أن العقل السياسي السئّي عندما يقوم 
بمدح معاوية فذلك قياسا على بعض الذين حكموا من بعده وليس قياسا على 
أبي بكر أو عمر. لكنه يحذد أيضاً أنه يريد أن يبحث في الدولة باعتبارها 
ظاهرة سياسية قبل أي شيءء لهذا فهو يشدد على أن «ملك معاوية كان فعلا 
«دولة سياسية» في الإسلامء الدولة التي ستكون النموذج الذي بقي سائدا إلى 
اليوم»”” "2. 


لفذ أوحت: مغاوية فعلا مز حنت تتلوكه الشياسن الميفتك "ما شه علماء 
الاتتماع 'والفياسة المحامتريق بالمسال السباتي» إله حدل على تبسن :دولة لا 
تتحذد فيها الممارسة السياسية بالقبيلة والغنيمة والعقيدة بشكل مباشرء كما في 
السابق» إنما تتحدّد بممارسة السياسة داخل هذه المحدّدات. هذا لا يعنى أن 
القيلة الم بيعل 'لها آي :أتره القند يعدت كإطار محيددء وكذلكة العديسة كان لها 
دورها الحاسم» والعقيدة كانت بمثابة السقف الأيديولوجي. إن التبدّل الذي طرأ 
على هذه المحدّدات الثلاثة يكمن في أن فعلها الذي كان مباشراً أصبح مع مُلك 
معاوية يتم بتوسّط السياسة. 


هناك إذأ عملية انتقال من دولة تفتقر إلى مجال سياسي إلى دولة انبثق 


ليها :مجال تمت فيه محازسة السياسة كسياسة من دون الخروح من :إطار 
المحددات الثلاثة. 


يلفت مفكرنا إلى أنه في زمن الخلفاء الراشدين لم يكن ممكناً أن تمارس 
السياسة كسياسية بمعزل عن الدين الذي كان يؤسّسها ويحكمها. كانت السياسة 
في خدمة الدين» وهي تطبيق لأحكامه. شهد هذا الزمن نوعاً من الاندماج بين 
الأمراء والعلماء؛ أي بين السياسة والدين على صعيد قمة الهرم الاجتماعي, 
كما على صعيد القاعدة بين الرعية والجند. إن الدين والسياسة كانا يمارسان 
معأ داخل القبيلة وبواسطتها وفى سبيلها. إن الكلمة الفصل فى القمة كانت 
ليوك أن فى القاعدة مكادف القولة اها ب ويكون التجابرى اهنا اللى 0د وله 
الخلفاء كنك عه دون مجال سياسي «لأن الخلاف لم يكن قد حدث بعدء لا 
على مستوى العقيدة (الفرق) ولا على مستوى الشريعة (المذاهب الفقهية). 
كانت دولة الخلفاء امتداداً مباشراً لدولة الدعوة» دولة «التنزيل»» وعندما 


(١6٠)المصدر‏ نفسه ) ص 73737 


14 


انتقلت م «الغزوانت) المحلودة | نا حقشريقفة. ب الردّة أولا * 
من و وده إلى حروب عفيهة) حجر وب ولا نم 


حروب الفتوحات الكبرى اا حصل التنوع والتعدد فى المجتمع وبدأ 
الخلاف» وبدأ «التأويل)»'' ". 


إن الوضع قد تغيّر أيام الدولة الأموية» إذ إن معاوية مارس الحكم باسم 
القبيلة وليس العقيدة» ففصل بذلك الأمير عن العالم» وانسحب هذا الفصل 
على أجهزة الدولة» فأصبح هناك فريق الأمراء وفريق العلماء في ما يتعلّق 
بالقمة. أما في ما يخصٌ القاعدة التي كانت تحذدها القبيلة فقد كان هناك انقسام 
إلى معسكرين أحدهما لقريش وثانيهما للعرب» وفى ما بينهما كان الأفراد 
والجماعات التي قررت اعتزال الفتنة. ش 


يدشن خطاب معاوية السياسي نمطا جديداً على صعيد الفصل بين الأمراء 
والعلماء.» ويحدث بذلك نوعاً من «القطيعة» مع الخطاب الذي كان 2 قبله. 
لقد كان شعار العمل السياسي يرتكز على تطبيق ما ورد في القرآن وفي سنّة 
النبي وسئّة أبي بكر وعمرء أما مع معاوية فالوضع مختلف. إنه لم يقل بتهميش 
كتاب الله وسنّة النبي؛ لكنه أعلن بصراحة عن عدم التزامه بسئة أبي بكر ولا 
عمر ولا حتى عثمان» ليس فقط من باب الطعن بهذه السئن إنما لأنه يريد أن 
يلتزم بما يمكنه القيام به وحسب. 


يشير الجابري إلى أن معاوية قدّم عقداً سياسياً جديداً يرتكز بشكل أساس 
على المنفعة وعلى المشاركة ليس فى السلطة إنما فى الغنيمة. كذلك يجد أن 
عقد معاوية السياسي يفوم على تمارينة الخائطة موون رظار «الليبرالية» أو 
احترام حرية التعبيرء لأنه يسمح بأن يتكلم المعارضون والحاقدون لكي يخففوا 
عنهم. من دون أن يردَ عليهم طالما أنهم لم يستخدموا السلاح. فاستقبل 
خصومه واس ستمع إلى نقدهم وأجزل عليهم العطاء . من هنا عبارة «شعرة معاوية» 
الشهيرة التى صارت مضرب مثل. لذلك يرى في العقد السياسى الذي اقترحه 
معاوية على , عقوف بايد أن "اتعطير .غليهم :بلقو (تواا تمق ١«اللبير‏ اليه بخاضة 
في ما يتعلّق بحرية التعبير. إن هذا العقد قد أذى إلى فتح مجال سياسي 
يمارس فيه المعارضون الحرب ضذ الأمير بواسطة الكلام المرتكز على السجال 
الأيديولوجي. 


)51١(‏ المصدر نفسة ٠)‏ ص رف 


56 


يرى مفكرنا في هذا السياق أن هذا النهج السياسي لم يهمّش دور القبيلة» 
إذ لا معارية ولا الذين خلفوه قد استغنوا عنها على مستوى ممارسة الحكم في 
القمة؛ أما على صعيد القاعدة فلقد اختلف الوضع. كان علي بن أبي طالب 
يرمز للمعارضة التى قامت ضد الأمويين وضدّ قريشء لذلك كان الارتباط به 
والععتة الف يعك” كزان بضطى يلراه فيدى علي القراية زر ويه الى 
تتجاوز النسب. 


يتوقف الجابري عند الخوارج الذين أطلقوا شعارهم ١لا‏ حكم إلا لله؛, 
فكان ذلك بمثابة تحدٌ لمفهوم القبيلة ولدورها السائد منذ بداية الدعوة المحمدية 
في مكة. لقد فتح باب المناقشة في أساس الحكم الذي لم يعد مسكوتاً عنه إنما 
انتقل إلى مجال النقاش السياسي/ الديني» فظهر من خلال ذلك الخوارج 
كتحالف غير مرتكز على القبيلة ضد قبيلة قريش. لقد نادى الخوارج باعتبار 
الخلافة من حق أي عربي حرّء ومن ثم قالوا بأن الخلافة حىّ لكل مسلم 
عادل. وذلك بعد أن التحقت في صفوفهم جماعات من أصل غير عربي 
كالكوالن ا 


يستنتج التشايري أن هياك أقتر من سنت أذ دور إبجانيا في قيام مجال 
ابناني متهي ريه الحا يده فى العزر شه [ذ: إن ديق عار درا 
لاوس تفلو 3:1 للك شود مسد سق هاده تعر إلى رأن شك ابن عار ب بالا فاق 
إلى دور الخوارج. وما قام به الذين اعتزلوا الفتنة من قرّاء وعباد وزهاد 
وغيرهمء قد أدى إلى طرح قضايا أيديولوجية أوسع من إطار القبيلة. إن هذه 
القوئ الاجتماغية: الجديذة نمت خارج الإطار القبلي. وطرخت"نفسها كتقيض 
له؛ ذاتيا وموضوعيا. إنها طبقة الموالى التى زاد عددها بعد فترة الفتوحات 
فصارت تشكّل الأكثرية في صفوف الرعية. نتج من ذلك نوع من السلوك 
الأرستقراطي مبني على النظر باستعلاء إلى الموالي الذين أنقذهم الإسلام من 
الظلمات. 


لقد أدرك الموالي أن الطريق الوحيدة المفتوحة أمامهم من أجل أن 


(70) إن اسم الموالي كان يطلق في زمن الأمويين على جميع الذين أسلموا وهم من أصل غير 
عربي. كانت منزلة الموالي من الناحية الشرعية منزلة أفراد أحرار» أما من الناحية الواقعية فلم يُعتبروا في 
مستوى واحد مع العرب. 


417 


فاهتمٌ كثير منهم بجمع أخبار النبي وأحاديثه» وبالتمرس في الدين. 

يرى مفكرنا أن دور الموالي في الحياة العامة أصبح فاعلاء فراحوا 
يخترقون القبيلة إما بواسطة الحلف أو الموالاة» وإما بواسطة ممارسة التجارة 
والصيرفة والأعمال الحرّة بوصفهم خبراء في هذا المجال. كذلك كان لهم دور 
بارز على صعيد الفكر والدين والسياسة» فالتحق العديد منهم في بلاط الخليفة 
وحاشية الأمراء وسلك الموظفين» ما سيؤثّر في سياسة الدولة. لقد شكل قسم 
من الموالي «أنتليجنسيا» العصر الأموي ‏ على حد تعبير الجابري - فجعلوا «من 
«الكلام» في القضايا الدينية وسيلة لممارسة السياسة بواسطة «العقيدة» ضداً على 
«القبيلة» وأيديولوجيتهاء فقادوا بذلك حركة تنويرية عكست بوضوح ذلك 
الصراع الذي خاضته القوى الاجتماعية الصاعدة المضطهدة»”"". 


لكن من الضروري أن نذكر هنا أنه على الرغم من هذه المحاولة للخروج 
من إطار القبيلة لقد بقيت القبيلة في النهاية هي مرجع القرارء والدولة كانت في 
يدها خلال الحكم الأموي. إن المجال السياسي الذي وفره الموالي وغيرهم من 
الذين عارضوا معاوية واعتزلوا الفتنة أيام عثمان لم يكن سوى مجال لممارسة 
الضغط وليس لصنع القرار لأنه بقي في إطار القبيلة التي عظّم شأنها مع إحياء 
الآداب العربية والاهتمام بسلاسل النسّب للقبائل. إن حضور القبيلة في المخيال 
الاجتماعي حكم الرؤية لدى الأرستقراطية القبلية. لكن القبيلة منفردة ليس 
بإمكانها أن تقوم بتحديد العقل السياسي والممارسة السياسية. إنها تمارس دورها 
بحضور العقيدة وبتحريك من الغنيمة. لذلك كان من الضروري التوقف عند 
كيفية ممارسة معاوية والخلفاء من بعده السياسة في القبيلة. 

يرى مفكرنا أن هناك ثوابت ثلاثة أسّست الممارسة السياسية لدى معاوية. 
وهي التي سيتبعها الخلفاء من بعدهء أنهاء المجالدة» والمواكلة» والشرعية 
الفر قي والمجالنة هنا يد فرعية الأقرق» والتواكلة تمس التشاركة ف 
الغنيمة» أما الشرعية القرشية فهى التى تؤكّد أن الخلافة يجب أن تبقى فى 
تريش > ولكنها اتسديدا ابلق اميد ١‏ ْ : 

يتوقف الجابري عند الدور الذي قامت به المواكلة بعد أن برز دور 
المجالدة في تأجيج الصراع بين القبائل ودور الشرعية القرشية في تثبيت منطق 


(39) المصدر نفسه ) ص 117. 


القبيلة : «الأقرب فالأقرب»). إنه يربط بين المواكلة والغنيمة. فالعطاء السياسي 
م أبرز الثوابت التي ميّزرت سياسة 017 لقد استخدم المال لكي يحرّض 
أهل العراق مثلاً على على» كما فعل ذلك ابنه يزيد أيضاً لحمل أهل العراق 
على سحب وعدي ليق + كان العطاء؟ السادئ فا تيم كن 
القبيلة من أجل إخضاع الخصوم وإسكات صوت معارضتهمء لكنه في الوقت 
عينه كان يستنفد الدخل بمجمله. إن سياسة توزيع المال من أجل إرضاء 
المعارضين أو من أجل إسكاتهم أو حتى تأجيل معارضتهم كلفت الدولة 
الكثير. إنها في الدرجة الأولى لم تتمكن من أن تضمن الاستقرار بشكل 
نهائي؛ فأجَجت الغضب لدى العامة؛ وأشعلت صراع القبائل في ما بينهماء 
فأصبح بذلك قيام الثورة أمراً وارداً في أي وقت. إن هذا الواقع قد أجبر 
الدولة إما على زيادة العطاء لإخماد الثورة» وإما على خوض حرب أهلية» 
وفي الحالين كانت مضطرة لفرض زيادة على الخراج. من هنا يمكن أن نرى 
كيف أن العطاء السياسى كان أحد الثوابت التى حكمت الممارسة السياسية 
خلال العصر الأموي. 

واضح مما تقدّم أهمية الدور الذي قامت به كل من القبيلة والغنيمة في 
تحديد السلوك السياسىء ويبقى أن نتوقف عند أثر العقيدة فى هذا السلوك» 
ويخاضة أن الأمور في القبيله كاتى حمر عاق ولق التسليم باحر لدلكا 
يشدّد مفكرنا على أن أيديولوجيا القبيلة تقوم بطبيعتها على الجبرء لأن الأفراد 
فيها لا يعبّرون عن إرادتهم إنما عن إرادتهاء فهم قد ذابوا فيها. إن الفرد في 
القبيلة لا بتحمّل مسؤولية ما يقوم بهء بل القبيلة كجماعة هي التي تتحمّل 
المسؤولية نيابة عنه. «إن الفرد فى «القبيلة» لا يتصوّر أنه مسؤول كفرد عما 
يقعل لسبت بسيط اهو أنه يصدر في أفعاله عن مال #القييلة+ فهو عندما يخرو 
أو يقوم بأحنذ الثأر لا يفعل ذلك لنفسه فقط بل ل «القبيلة»”* "©. 


إن مجمل الأعمال التي يقوم بها الفرد وتصدر إذأ عن جبرية قبلية لا 
تسمح له بأن يعي أنه كان بالإمكان أن يتصرف على نحو مغاير. وإذا كان مصير 
ما فعله هو الفشلء» فإنه لا يستطيع أن ينسبه إلى نفسه ولا إلى قبيلته» لذلك 
ارك أن ينسب فشله إلى القضاء والقدرء لأن التعالي بالفشل 
من التخلّص من الشعور به. إن هذا التصرّف لا ينطبق فقط على الشعور 


(24 المصدر نقفسه» ص السك 


بالفشل إنما ينسحب أيضاً على الشعور بالنجاح لأنه أيضاً نتيجة إرادة عليا 
سمحت له بذلك. 

إن هذه الأيديولوجيا المترسّخة فى القبيلة قد تبنّاها اللأمويون وكرّسوهاء 
لذلك لا يجؤز أن يُنظر إليها - بالنسبة إلى. الجابزي - باعتبارها نوعاً من 
النفاق أو الكذب. إنما باعتبارها استلاباً حقيقياء إنها أحد تجليات الوعى 
المستلب في مخيال القبيلة. بمعنى آخرء عندما اعتمدوا أيديولوجيا الجبر لم 
يكونوا في وارد الكذب على أنفسهم ولا على الآخرين. حتى ولو أنهم أرادوا 
الكذب في البداية فإنهم قد توصّلوا في النهاية إلى تصديق كذبهم لكي يصبح 
مظهراً من مظاهر الوعى المستلب. أي وعى الجبر القبلى. لقد قاموا بعملية 
توظيف الدين في خدمة السياسة. وبخاصة توظيف الكثير من الأحاديث النبوية 
التي ادّعى معاوية أنه رواها نقلاً عن النبي» لكي يبرّر سلطته. إن عملية 
التوظيف هذه لم تكن لتستقيم في عقول أصحابها لولا أنه لم يكن وعيهم 
مستعدّاً من قبل لتبّنيها. لذلك يشير مفكرنا إلى «أن الكذب على النفس وعلى 
الناس له حدودء ولكن الزيف الذي يلحق الوعي هو الذي يكون أحياناً من 


: 3( 
دون حدود)(* : 


لقد عمد معاوية بالفعل إلى تبرير خروجه لمقاتلة علي عن طريق نسب 
ذلك إلى قضاء من الله وقدره. كما إنه كرّس أيديولوجية الجبر والاستسلام 
عندما روّج لفكرة مضمونها أن الماضي أفضل من الحاضرء وهذا الأخير أفضل 
من المستقبل. إنه أول من دشن القول بالجبر لدى الأمويين» وسيحافظ خلفاؤه 
على تكريس هذا القول. كذلك إن الألقاب التي خلعها الأمويون كخطباء 
وشعراء وقصّاص على ملوكهم أسهمت في ترويج أيديولوجيا الجبر وتكريسها. 
ويذكر الجابري بعضاً منها على سبيل المثل: «خليفة الله في الأرض»» و«أمين 
اللهاء» و«الإمام المصطفى». 

لقد توصّل معاوية إلى التمكن من الملك حين استطاع أن يحمقّق التوافق 
بين القبيلة والغنيمة والعقيدة عندما اعتمد في ممارسة الحكم على المجالدة 
والشرعية القرشية من ناحية؛. وعلى مبداً المواكلة والعطاء السياسي من ناحية 
أخرى». وعلى ترويج أيديولوجيا الجبر القبلي» من ناحية ثالثة. 


() المصدر نفسه ٠»‏ ص 16١‏ 


ا 


تجدر الإشارة هنا في سياق التحدّث عن دور العقيدة إلى أن أيديولوجيا 
الجبر التي كرّسها معاوية وخلفاؤه من بعده سوف تلقى معارضة قوية» ونقداً 
قاسياً من قبل المتكلمين الأوائل الذين كانوا يؤسّسون لحركة تنويرية في مواجهة 
الجبرية. لقد أدّت القدرية والجهمية والمعتزلة دور فاعلا فى تطوير الفكر 
معاد ودين ازا الحكر الامو إن كلماء اكات مول كانوا يشكلون 
طبقة من المثقفين لا يُستهان بهاء إذ إنهم قاوموا أيديولوجيا الجبر التي روّجها 
الأمويون. كما واجهوا أيديولوجيا التكفير التي نادى بها الخوارج» وانتقدوا 
اميتولوجيا الإمامة» التى بلورها الفكر الشيعى» وتصدوا للتيارات الغنوصية 
والمانوية التي كانت جاه رقي الس زرة ند نما فيل الاباك شدي 
الجابري ب «رجال تنوير حقيقيين» لأنهم اشتغلوا على خرق القبيلة عندما عملوا 
على استقطاب الناس من خلال الفرق والآراء التى تدحض أطروحات الجبر 
والتكفير. حاولوا إرساء قواعد أيديولوجيا عالاة توه على العقلانية وتبشر 
بالشورى والمساواة وتصرٌ على أهمية الحرية عبر التومّف عند الاختيار 
والمسؤولية وبالتالي الجزاء. 

لذلك نعتهم مفكرنا بالمتنورين الذين مهّدوا بشكل أساس لقيام الثورة 
العباسية. وهو يقول في هذا المجال: «إذا كان لكل ثورة كبرى أنتليجنسيا 
خاصة بهاء أي مفكرون متنورون يحملون مشروعها ويبشرون به» فإنه يمكن 
القول من دون تردّد أن رجال حركة التنوير هذه هم الممهّدون الحقيقيرن 
للنورة العا 

لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن القيادة السياسية في الثورة العباسية لم 
تكن في يدهمء إنهم أسهمرا إلى حذ بعيد في قيادة الثورة الفكرية ضد 
الأمويين» شأنهم في ذلك شأن معظم المفكرين عبر تاريخ الثورات. كذلك 
يجب التنبّه إلى أن الدور الذي قام به المعتزلة إبان الحكم العباسي لم يكن 
نتيجة الصدفة. إنما هو استمرار لما قاموا به خلال الإعداد للثورة» وتثبيت 
لحضورهم الفاعل خلالها. ما الذي سوف يميّز إذاً الممارسة السياسية في 
الحكم العباسي؟ وما هي ثوابت العقل السياسي والمبادئ التي انطلق منها 
خلال هذا الحكم؟ 


(53) المصدر نفسهء ص 578. 


ارم 


' - في نقد الحكم العباسي : مفهوم «الكتلة التاريخية» 


نبدأ بالإشارة إلى ما يلفت إليه مفكرنا وهو أن العصر العباسي لا يمكن 
وصفه بتوظيف المحذدات الثلاثة : القبيلة والغنيمة والعقيدة كما كانت الحال فى 
مراحل الدعوة والردة والفتئنة» ولا حتى في العصر الأموي. هناك معطيات 
تاريخية جديدة أسهمت فى المبادرة إلى التمييز بين دولة المركز ودولة الأطراف. 
إن هذه الملاحظة لا تخصّ فقط العصر العباسى إنما تنسحب أيضاً على العصور 
التي تلته. هناك أيضاً ملاحظة أخرى يشير إليها الجابري في معرض حديئه عن 
الثورة العباسية والدولة التي أسّستهاء وهي أنه في زمن الأمويين تكتّلت قوى 
اجتماعية معارضة من العرب والعجمء تشمل الفقراء. كما الأغنياء. تحالفت 
كلها من أجل قضية واحدة: دعم الثورة العباسية على الحكم الأموي. 
التاريخية» التى أصبحت هي "القبيلة» المناهضة للدولة الأموية. إن هذا المفهوم 
قادر على التعبير عن مجموع القوى التي حقّقت الانقلاب التاريخي الذي انتهى 
بسقوط الحكم الأموي وقيام الحكم العباسي. و«الكتلة التاريخية» لا تعني مجرّد 
تكتل أو تجمّع قوى اجتماعية مختلفة» ولا مجرّد تحالفهاء بل تعني كذلك 
التحام القوى الفكرية المختلفة (الأيديولوجيات. . .) مع هذه القوى الاجتماعية 
وتحالفها من أجل قضية واحدة. إن الفكر يصبح هنا جزءاً من بنية كلية وليس 

31 6 50/0) 
مجرد انعكاس أو تعبير عن ينية ما . 

إن التوافق الذي حصل قد جمع بين المحددات الثلاثة» لذلك كان الوضع 
خلال العصر العباسي مختلفاً عن السابق. ومن هنا ضرورة استخدام مفاهيم 
خاصة به. كمفهوم «الكتلة التاريخية» الذي يعبر عن تجمع العديد من القوى 
السياسية والاجتماعية والدينية» بالإضافة إلى أنه يعبّر عن التوافق الضروري بين 
القبيلة والغنيمة والعقيدة. كذلك إن الوضع قد اختلف على الصعيد السياسي» إذ 
برر أنموذج جديد للدولة الإسلامية يكمن فى التمييز بين دولة المركز ودولة 
الأطراف. وهو أنموذج مغاير لدولة الخلفاء الراشدين وللدولة الأموية على حد 
سواء. إن الأنموذج العباسي قد أسّس ونظّم الهيئة الاجتماعية وفق بنيتين: 
الأولى سطحية والثانية عميقة تحكمها المحدّدات الثلاثة. 


7795١ المصدر نفسةء ص‎ )١10( 


١ 


إن البنية السطحية تفرض إدخال مفهومين من أجل التمكن من وصفها: 
مفهوم الخاصة ومفهوم العامة. من الضروري أن يوظف هذان المفهومان للتعبير 
عن مجمل التطورات التى أسهمت فى إعادة بناء بنية العقل السياسى العربى» 
مواء ع أعة تنوه ام من باحية جيف تريعسانة ومحايله: يلين الجابري: ان 
أنه مع انتصار الثورة العباسية كان الناس مقسّمين إلى ثلاث منازل: منزلة 
الخليفة؛ ومن ثم منزلة الأمراء والوزراء والعلماء ورؤساء القبائل وكبار التجَارء 
وهم يؤلّفون جميعاً طبقة الخاصة. وتأتي أخيراً منزلة بقية الناس الذين يشكلون 
العامة. أما في ما يتعلّق بالجند فرؤساؤهم كانوا ينتمون إلى منزلة الخاصة. 
وباقي العسكر هم من العامة. إن هذه المنازل الثلاث هي صورة عن المراتب 
الاجتماعية السياسية التي تتدرّج على هذا النحو: في القمة هناك الخليفة.» وفي 
الوسط هناك الخاصة الذين يشكلون منزلة بين المنزلتين» ثم تأتي العامة في 
قاعدة الهرم. إن هذه المنازل الثلاث تتواصل عبر شبكة من العلاقات الثابتة على 
الرغم من بعض التحولات» فشكل بذلك البنية السطحية للهرم الاجتماعي؛. أي 
أنها المعطى المباشر الذي يستر وراءه البنية العميقة وهي معطى غير مباشر. إن 
البنية العميقة كما يصفها مفكرنا تتضمّن اللاشعور الانتي وتتأسّس العلاقات 
يعن الميعددات: الفلالة أي الثيلة 'والخليمة والعقيدةة. ” 

إن التوقف عن البنية السطحية والبنية العميقة من جهة. وعند الخاصة 
والعامة من جهة أخرى يفسح المجال للبحث في العقل السياسي العربي: ما 
يحدده وما يؤسّسه. لذلك سوف يقوم الجابري باستثمار هذه المفاهيم عند قراءته 
تجليات العقل السياسي العربي في زمن الحكم العباسي. ويبدأ في وضع 
الخليفة أو منزلته. 

كان الخليفة مجرّد فرد من الخاصة أيام الخلفاء الراشدين» أي أنه كان 
يقوم مقامها. إنه واحد من الصحابة قد تمٌّ اختياره ومبايعته بعد المشاورة. كذلك 
في عهد الأمويين. وعلى الرغم من الألقاب الفخمة التي أطلقت على الخلفاء 
لم يجعل هؤلاء من الألقاب جزءا من وضعهم القانوني لا على صعيد القبيلة 
ولا على صعيد العقيدة. لم يختلف الخليفة في جوهره عن أي شيخ قبيلة» له 
المكانة نفسهاء ويحظى باحترام الناس من دون أن يكون له أي من مظاهر 
التقديس. أما منزلة الخليفة عند العباسيين فقد كان لها ما يميّزها عما سبق. 


يشير مفكرنا في سياق بحته في وضع الخليفة العباسي إلى الدور الذي 
قامت به «ميتولوجيا الإمامة»؛ - على حذ تعبيره - في تحديد هذا الوضع. لقد 


27 


كرّس الفكرالشيعي أيديولوجيا خاصة تبرز الإمام بصفات أسطورية مركزة على 
كونه الوصي الذي يرث العلم السرّي. والوصية هي ضد الاختيار وتعتمد على 
التَسَب الروحيء أي أن النبي أوصى بالخلافة لعلى وهو أوصى بها من بعده 
إلى ذرّيته. حتى إن التَسَب الطبيعي لم يعد مهماًء إذ إن العلم السرّي ممكن أن 
يورثه الإمام إلى من يخدمه مثلاء فيصبح هو أهلاً للإمامة» والوصية تعني أيضاً 
العيس >وههنا المهدة والراحمة توتسا "دوماع اموا 


يلحظ مفكرنا أن الجماعات التي لم يتمكن من خوض الحرب بقوّة 
السلاح وتحقيق النصرء خاضت الحرب بقوة الرمز من خلال ما أنتجته من 
«ميتولوجيا الإمامة». ذات الجذور اليهودية والهرمسية أيضاً. 


وشدد أن «ميتولوجيا الإمامة» هي نوع من اللاعقلانية التي يستخدمها 
الضعفاء والمساكين المنهزمون في مواجهة عقلانية الأقوياء الذين هم في منزلة 
الحكام المنتصرين الماسكين بزمام الأمورء وهذا يحدث في أي 0 


أدَت «ميتولوجيا الإمامة») لدى الشيعة إذاً دوراً مهما فى تظهير صورة 
الخليفة العباسي. تجدر الإشارة هنا إلى أن الجماعة الشيعية كانت من ضمن 
«الكتلة التاريخية» التي أسهمت في مجيء العباسيين إلى الحكم. إن صورة 
الإمام كما قذمتها «ميثلوحيا الإمامة؛ احتفظ بها العباسيون» فعذلوا في ظهرها 
خارج إطار الخاصة لأنها تعلو عليها وفق تراث الثورة العباسية. 


كان المنافس الحقيقي لبني العباس على الحكم أبناء عمّهم العلويين الذين 
كانوا ينتمون إلى منزلة الخاصة؛ ما اضطر الخليفة العباسي لأن يبرهن تفوّق 


(58) إن فكرة ة المهدي تعود إلى أصل يهودي وهي تتضمّن أيديولوجيا المساكين الذين لا يستطيعون 
أن يتخلّصوا من الظلم الذي يعانونه بشدّة؛ لذلك فهم ينتظرون شخصاً يرسله الله لكي يخلصهمء فيخرجوا 
بذلك من يأسهم. أما الرجعة فهي تعني عودة المهدي مرة أخرى من أجل أن يحقّق ما لم يتمكن من تحقيقه 
عندما كان مسؤولاً عن الجماعة المؤمنة والمعذية. لذلك كان سقوطه نوعاً من الغياب وليس موتاً نهائياً لا 
رجعة بعدهء ما قد زاد الأمل في بلوغ الحرية والتخلّص من الظلم بواسطة منقذ» مهدي سيأتي يوماً. 

(14) لمزيد من التفاصيل حول «ميثولوجيا الإمامة» لدى الشيعة» انظر ما أورده الجابري في: 
الجابري» العقل السياسي العربي : محدداته وتجلياته. الفصل الثامن. وهذا الفصل اعتمدناه كمصدر أساس 
في دراسة محذدات العقل السياسي العربي وتجلياته عبر حقبة تاريخية تبدأ بالدعوة المحمدية» مروراً بالعصر 
الأمري. وصولاً إلى العصر العباسي. 


رةه 


منزلته على منزلة العلويين» وأن يلتمس الشرعية لسلطته ولاستحقاقه الخلافة. 
لذلك كان من الضروري إنتاج خطاب جديد يثبت أن خلافة العباسيين شرعية 
من جهةء وأن منزلة الخليفة أرقى من منزلة الخاصة من جهة أخرى. 

بدأت مع خلفاء بني العباس عملية بناء جديدة لمسألة الشرعية تتخذ القرابة 
من النبي ركيزة لها من دون أن تدخل مفهوم الوصية أو العلم السري أو أي أمر 
آخر سبق أن استندت إليه «ميثولوجيا الإمامة» عند شيعة على. إن دور الوساطة 
هذا لد اكاك له الؤزادة الاليي الله عو الل آراة القدوة فى تصن محمد 
كجا آل ننه ارت عه الباص ”يعد رفاة المي كان العم لا بر الوتحياة وقاطقة 
ابنة النبي لا يمكنها أن تحجب حصة العم. إنها تكتفي بما قرّر لها من نصيب 
مفروض عليها. كما إن إرادة الله درت أن يفشل على وأبناؤه فى استعادة حق 
آهل الببع». وستمخ: لبى العناس بالخصرل علي الخخلافة فساعدهم يزاليظة كتيعة 
أهل خراسان ورد لهم حقّهم في وصولهم إلى الحكم. 


يمير مفكرنا في هذا المجال بين أيديولوجيا الجبر كما بلورها الأمويون 
وبين مفهوم الإرادة الإلهية عند العباسيين» وهو يرى أن نظرية الأمويين مبنية 
على القول بأن القّدَّر الذي دبّر لهم الإمامة. كما إنه هو الذي وفر لهم الانتصار 
في معركة صفين ضد علي. إنهم قاموا بتوظيف فكرة الجبر لكي يبرّروا 
سيطرتهم على السلطة ولكي يرفعوا عنهم المسؤولية» فأسندوا كل أعمالهم إلى 


الله متفادين بذلك العقاب. 


كان الخليقة العباسي يرمز إلى السلطان والقوة المنفذة عن الله. لذلك من 
أراد شيئاً من الخليفة عليه أن يدعو الله. «منزلة الخليفة إذن تنتمى إلى منزلة الله 
دلسوالن سولة الشاط دفي (أقيان سشكودا من عفاد سيوف هذا المفكرين 
الذين ينتمون إلى الخاصة بالتنظير لمنزلة الخليفة. هناك من سيوظف الأدبيات 
السياسية التي نقلت عن الفرس. وهناك من سيتابع تسييس المتعالي من أجل 
خدمة منطق الدولة وذلك كما فعل المتنوّرون في العصر الأموي تمهيدا للثورة. 
وهناك من المفكرين من سيقوم بالتشريع للسياسة كأمر يفرضه الواقع ويكرّسه 
الخليفة» فتصبح السياسية مجموعة «نوازل» تحتاج فتوى الفقهاء. لقد ظهر بذلك 
ثلاثة مستويات من الخطاب السياسي. المستوى الأول هو ما عُرف بالأيديولوجيا 


(70) المصدر نفسهء ص 79؟. 


2 


السلطانية» والمستوى الثاني ما سمّي ب «جليل الكلام» في مضمونه السياسي» 
أما المستوى الثالث فهو ما يُطلق عليه «فقه السياسة»» سوف نتناول كل مستوى 
على جدى من أجل تسليط الضوء على طبيعة الخطاب السياسي الذي أنتجح في 
العصر العباسي. 


أ تحليل خطاب «الأيديولوجيا السلطانية» 


إن القسم الأكبر من «الأيديولوجيا السلطانية» في الثقافة العربية تم نقله من 
الثقافة الفارسية وتحديداً الأدبيات السلطانية. أول من قام بعملية النقل هذه كان 
انق المقفع الذي شكل جزءا من ظاهرة جديدة هي بروز طبقة الخاصة في 
المجتمع العربي الإسلامي. نشأت هذه الطبقة في منزلة بين الأمير والعامة. 
لذلك اهتم ابن المقفع بالتشريع لطبقة الخاصة وبتحديد منزلتها وإبراز دورها في 
المجتمع والدولة. 

يود الجابري أن يلفت هنا إلى الدور الذي قامت به الأيديولوجيا السلطانية 
في المجتمع العربي» فهي قد عكست بالدرجة الأولى بعض مظاهر التطوّر الذي 
حدث بعد قيام الدولة العباسية وبخاصة ظهور البنية السطحية في الهرم 
الاجتماعى المؤلّف من الخليفة والخاصة والعامة. لكن الأيديولوجيا السلطانية 
قد أسهمت في تكريس هذه البنية وقامت بالتنظير لها على نحو يخدم الخاصةء 
أي الفئة التي انتجت هذه الأيديولوجيا وروّجت لها. لذلك»؛ وسعياً لفائدة 
العاف اكاك الأيديولوجيا السلطانية من أجل الأمير وفيى خدمته في بلاد 
فارس كما في بلاد الإسلام. 

يرى مفكرنا أن الآداب السلطانية «قوامها ثلاثة أنماط من السلوك يؤسّسها 
جميعاً مبدأ «إنزال الناس منازلهم»: الترفّع على «العامة» والنفور منهاء 
الانينساط مع «الخاصة» وبناء المعاملة معها على المجاملة والتوادد. الانصياع 
التام ل «السلطان» والسير على طاعته وتقدير الأمور على هواه. .. إلخ)"". 

يظهر هذا النص أهمية الوظيفة التي أوكلتها طبقة الخاصة لنفسهاء عليها 
أذأجقرها العامة "إلى ,طاعة الاميو عن ريق استغدام>الكدية والأدسوليهيا 
كسلاح يجبر القاعدة على الخضوع. إنها تؤدي دورا مثيلا لدور الجند 


الضوة المصدر نفسه )» صر 4" 


الذي يقهر الأجسام بقوة السلاح. وهي تُخضع النفوس بقوة الكلمة. 


كان ابن المقفع قد أسهم في نقل الآداب السلطانية وترويجهاء فدخل 
بذلك نوع من الممارسة السياسية مغاير لما سبق. كان كيان الدولة الأموية 
يعتمد على ممارسة السياسة في القبيلة وعلى الاستفادة من الصراع الذي كان 
دائراً بين القبائل. لذلك شدّد مفكرنا على أن البئية التحتية للدولة الأموية كانت 
بنية قبلية. أما مع العباسيين» ومع بداية نشر الأيدويولوجيا السلطانية ذات 
الأصل الفارسي» فقد أصبح الأمر مختلفاً للغاية. قدّم ابن المقفع في كتابه 
الأدب الصغير اقتراحاً جديداً يذكره الجابري بحرفيته ويستنسخ فيه الأنموذج 
الامبراطوري كما عرفته بلاد فارس» فيضع في أيدي المجتمع العربي الإسلامي 
تدبيرا «يرمى لا إلى ممارسة السياسة فى «القبيلة» بل بالعكس إلى عزل القبيلة 
عن السماسةء: أي تسويلها إلى عكر تطامن لبن لق" المدائضة: زلا 
المشاركة. > :وتنا عله آنا بطم رلشكان ذلك يجتب أن الا يولبيع الليقة 
شيئأ من الولايات والأعمال خصوصاً الخراج» «فإن ولاية الخراج مفسدة 
للمقاتلة»؛ (...))”"", 


هناك مشروع واضح يهدف إلى عزل القبيلة والتقليل من شأنهاء كما إنه 
بعمل أيضا على تغيير وضع الغنيمة من خلال نقد ما يجري في مجال الجباية. 
من هنا نجد ابن المقفع يقدّم النصيحة من أجل إصدار قانون ضريبي موخدء 
بجب تطبيقه على الجميع. إن إصلاح عملية الجباية بشكل جذري أمر يشير 
بوضوح إلى ضرورة تحويل اقتصاد الدولة من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على 
غنائم الفنوحات والجزية والخراجء إلى الاقتصاد الخراجي الذي يعتمد على 
الضريبة الموحدة. إن الاقتصاد الخراجى يفرض ضريبة واحدة يساوي فيها بين 
الجميع. إذ لا يميّز بين العرب والعجم. تضبط عملية الجباية عن طريق 
الإشراف عليها وتنظيم تطبيقها ومراقبته من قبل المركز مباشرة. 

إن هذه التغييرات الجذرية لم تتوقف فقط عند مستوى القبيلة ومستوى 
الغنيمة إنما حاولت الدخول أيضاً إلى العقيدة» لكن ليس من باب الخلافات 
النظرية حول الإمامة» أو قضية الجبر والاختيار» أو مسألة الكفر والإيمان إنما 
من الباب العملي التطبيقي. لقد اهتمّ ابن المقفع بأمر طاعة الخليفة. 


(0*) المصدر نفسه» ص 17-545 5, 


إن الخليفة يجب أن يطاع في كل شيء باستثناء إذا ما أمر بارتكاب 
المعصية» إذ إن الأمور الاجتماعية في العقيدة هي من اختصاصه؛ له وحده حق 
اتخاذ القرار في الأحكام القضائية. إن الأمر لم يكن كذلك في السابق» خلال 
الحكم الأموي كان العلماء فريقاً والأمراء فريقاً آخرء وفي عهد الخلفاء 
الراشدين كان العلماء والأمراء فريقاً واحداً. أما في عصر العباسيين فأصبح 
الأمراء والعلماء متتحدين في شخص واحد هو الخليفة. 


إن «الأيديولوجيا السلطانية» التي تعرّفنا إليها من خلال أحد مروّجيها ابن 
الموخدة. وجعلت العقيدة بمنحاها الاجتماعي تتحذد بطاعة الخليفة. هكذا تم 
اقتراح مشروع يرب العلاقة بين بنية الهرم الاجتماعي السطحية والبنية العميقة» 
أي بين الأمير والخاصة والعامة من ناحية» وبين القبيلة والغنيمة والعقيدة من 
ناحية أخرى. هذا كان أبرز ما يميّز المستوى الأول من الخطاب السياسى زمن 
العباسيين. خطاب «الأيديولوجيا السلطانية»» لكن ما الذي تفرّد به المستوى 
الثاني خطاب أهل السنّة من معتزلة وأشاعرة؟ 


ب - تحليل خطاب «جليل الكلام) 

يتوقف الجابري هنا عند البحث فى كيفية قبول فكرة المماثلة بين الله 
والخليفةء ليس فقط لدى الذين تأثّروا ب «ميثولوجيا الإمامة» واستعادوها 
كالإسماعيلية إنما أيضاً لدى أهل السّنَةَ من معتزلة وأشاعرة. إنه يعتبر هذا الأمر 
في غاية الغرابة في دين يقوم على أساس التوحيد ونفي الشريك عن الله وتنزيهه 
عن أي ممائلة. 

أكدّ النبي أنه إنسان كسائر البشرء واعتبر الخلفاء الراشدون أنفسهم مجرّد 
خلفاء له فطبّقوا ما في القرآن والستة. أمّا الخلفاء الأمويون» فعلى الرغم من 
الألقاب التي أطلقت عليهم ك ١خليفة‏ الله» مثلاء» اعتبروا أن حكمهم الدنيوي 
قد جعله الله لهم قضاء وقدرا. من هنا كان التوجّه إلى المماثلة بين الله 
والخليفة الذي ساد على المخيال الديني والسياسي في حكم العباسيين أمراً 
غريباً يجب التوقف عند أسبابه. 

يرى مفكرنا أنه من الخطأ أن نعتبر أن هذه المماثلة جذورها فارسية وهى 
نقلت نقلاً من الأنموذج الفارسي» لذلك يمكن أن نجدها حاضرة بقوة في 


اع 


العصر العباسي. إن هذا التفسير غير كاف لأن الاعتراف بالتأثيرات الخارجية لم 
يكن مقبولاً في الإسلام» وبخاصة لدى أهل السئّة من معتزلة وأشاعرة» ما لم 
يجد لهذه التأثيرات ما تستند إليه في المرجعية الإسلامية عينها. لم يكن واردا 
أن يقبل علماء الكلام وسواهم من المشتغلين في أمور الدين بأي من العناصر 
والتأثيرات الخارجية إلا التي لا يجدون فيها تناقضاً مع مبدأ الفوعية الدئ 
يفرض نفي الشريك عن اللهء وبالتالي تنزيهه عن كل ممائلة. 


من هنا يؤكّد مفكرنا أن المماثلة بين الله والخليفة التي عرفها الأنموذج 
الفارسى دخلت الخطاب السياسى العربى الإسلامى من باب التوحيد تحديداً. 
زهو يوضع ذلك 'قاثالاء الوذ كان التمرجم الفارس الذى حيس عل المماتاة 
بين الله والملك (كسرى) ‏ إن لم يكن على الدمج بينهما ‏ قد وجد مكانا في 
المخيال الديني والسياسي السئّي في العصر العباسي فلأنه دخل من باب 
«التوحيد) بالذات)2777, 

يشير الجابري في هذا السياق إلى أمر يدعو إلى الاستغراب وهو توظيف 
أطروحات خركة التثوير أيام الأمويين» المثبتة لقدرة الإنسان على الفعل الخر 
المبنيَّ على الاختيار. في خدمة الحكام أيام العباسيين. لقد وُظفت الأطروحات 
المضادة لأبديولوجيا الجبر في سبيل تمجيد استبداد الحكام في العصر العباسي» 
وإضفاء طابع الشرعية الدينية على هذا الاستبداد. 


يتوقف الجابري عند الأطروحة التي تقدّمت بها حركة التنوير الكلامية وتم 
ترظيفها في خدمة الخليفة العباسي. إن الأمر يتعلّق بمبدأ التوحيد الذي يفرض 
تنزبه الله عن كل مشابية يتكلوتاته. «زاقر'مفكرنا تمائع عدة مائل بين الله 
والخليفة» ويورد أكثر من نص لكي يشير إلى توظيف أطروحات علماء الكلام 
فى خدمة السياسة العباسية. إنه يتوقف عند كل من الجاحظ وأبى الحسن 
الماؤودق :والطرطوقي:والفازاى » السرهن كيك أن السنائلة ين الله والكليية 
طرحت ببساطة في المخيال الديني والسياسي فدخلت من باب علم الكلام 
ومبدأ التوحيد. كما إن الله يقع خارج الكون.ء إنه المدبّر المتعالي» كذلك إن 
الخليفة يقع خارج إطار المجتمع بطبقتِيهِ الخاصة والعامة. إنه مدبّر شؤون هذا 
المجتمع. ولكي يتم تدبير البشر على وجه كامل يجب أن يقترب الخليفة قدر ما 


(") المصدر نفسهء ص 70 





يمكن من الله إن على مستوى الصفات أو على مستوى الأفعال. 

يشير الجابري إلى أن أهم صفات الله التوحيد والعدل. وأن الصفات 
الأخرى يمكن ردّها إليهماء كما أفاد المعتزلة وغيرهم من المتنورين خلال 
العصر الأموي. من هنا كان «إسقاط هاتين الصفتين على الخليفة من أجل أن 
يبلغ كماله» كما يبلغ الله كماله بهماء يقضي بأن لا يكون له أي للخليفة - 
شريك في الحكم وألا يتصف بالصفات التي يتصف بها مطلق الناس بل يجب 
أن يكون «فوق التصوّر) في هذا ال 0 

يريد مفكرنا أن يبرهن على أن بنية المماثلة بين الإله والأمير تسكن العقل 
السياسى العربى. والأمير بإمكانه أن يكون إما ملكا وإما خليفة وإما سلطاناً. . . 
الغد نوهدم البكة اميتدت في فامطن الاتشروم الأمدل فى السك وال 
اللاشعور السياسي» إنه أنموذج «المستبد العادل»: وهو حاضر عند السنّة كما 
الشيعة. لدى المعتزلة كما الأشاعرة» وهو الذي شغل العقل السياسى العربى 
ماضياً وحاضراً. إن بنية المماثلة هي التي تميّز بها خطاب «جليل الكلام» في 
العصر العباسي. فما هي بالتالي خصوصية خطاب «فقه السياسية»؟ ش 


جَ تحليل خطاب «فقه السياسة» 


عندما أراد الجابري تحليل خطاب «فقه السياسة» توقّف عند دراسة 
نصوص كل من الماوردي وأبي يُعلى الفراء وابن عربي. لقد أشار بداية إلى أن 
«فقه السياسة» اهتمّ أولا بالحديث النبوي لأنه كان المرجعية الوحيدة التي كان 
يمكن الاستناد إليها لالتماس الشرعية الدينية في أمور السياسة. لم يتردّد الحكام 
ولا زعماء الفرق من رواية ما يدعمهم في الحديث من أجل إضفاء الشرعية 
على مواقفهم السياسية. لقد روج رجال السياسة والدعاة والوعاظ للحديث من 
دون أن يميّزوا بين السند الصحيح وغير الصحيح. كل ما كان يهمّهم هو 
توظيف الحديث في خدمة أهدافهم السياسية. لذلك لم يكن الحديث الموضوع 
أقل تأثيراً من الحديث الصحيح» إنما يمكن أن يتفوّق عليهء لأن الذي صاغه. 
أراده على نحو يخدم قضيته بشكل مباشر. أما الحديث الذي صم سنده فيمكن 
أن يتم توظيفه خارج إطار دلالته عن طريق التأويل والممائلة والتعميم مثلا. 


(94") المصدر نفسه ) ص 707 لمزيد من التفاصيل حولا 5 ص التى أوردها الجابري في هذا 
المجال» انظر: المصدر نفسه» ص 80# 3006 


86 


يلحظ مفكرنا أن معظم الأحاديث النبوية التي تعالج المسألة السياسية 
بشكل عام تركز على موضوعين محوريين : ضرورة وجود الإمام ولزوم الطاعة 
له. إنه على الرغم من الأحاديث العديدة التي رُويت في هذين الموضوعين» 
هناك ما بجمعها وهو نزوع «الضمير الإسلامي» إلى قبول «الأمير» كيفما كان 
من أجل الحفاظ على الدولة» إذ إنه من دونها لا يستقيم الدين. من هنا كان 
«فقه السياسة» محكوماً بثلاثة ثوابت: )١(«‏ ضرورة الإمام (- الدولة). (5) لزوم 
طاعة الإمام (ما لم يأمر بمعصية). (”) نظام الحكم بعد الخلفاء الراشدين ملك 
دنيوي. وواضح أن هذه الثوابت تسد الباب نهائياً أمام أية نظرية إسلامية في 
الحكمء )000 

صحبح أن الإسلام دين ودولة. لكنهء كما يشير مفكرناء لم يشرّع لول 
كما فعل للدين» إنما ترك ذلك لاجتهادات المسلمين. من هنا كانت مسألة 
النهاية إلى فريقين رئيسين: السئّة والشيعة. والأمر الذي زاد الخلاف غياب نص 
قرآني محكم يبتٌ أمر الإمامة بعد النبي» وغياب الحديث المتواتر الذي لا نزاع 
فيه. لذلك بقي المرجع الوحيد ‏ بالنسبة إلى مفكرنا ‏ يكمن في الاحتكام إلى 
تاريخ الفا الراشدين. تجدر الإشارة هنا إلى أن الصحابة كانوا يقبلون ما كان 
يمَرّره أي من الخلفاء الراشدين» ما جعل اهل الستة يعتبرون ذلك إجماعا من 
الصحابة» فأصبح بذلك هذا الإجماع بمثابة مصدر شرعي. 

إن أهم شغل «فقه السياسة» كان إثبات شرعية خلافة أبي بكر وعمر 
وعثمان من ناحية. وإضفاء الشرعية على من تولى الخلافة بعدهم من ملوك 
كتبه المتكلّمون ولا في ما أنتجه الفقهاء. لأن الشرط الضروري الذي يؤسَّس 
نظرية إسلامية في الحكم مفقود. بمعنى اخرء ليس هناك من نص قراني 
صريح .ء أو نص من السئة» يطرح بوضوح شكل الدولة الإسلامية ويشرع لها. 
هناك نظريات متفرّقة تفتقد الإجماع لكي تصبح نظرية إسلامية» الجميع معنيون 
بها فإجماع الأمة يعتبر مصدراً تشريعياً في الدين الإسلامي. 


إن غباب الإجماع قد أضعف إذاً «فقه السياسة»» أي التأليف في المسألة 


(05") المصدر نفسة 6 ص 561٠١‏ 


حو 


السياسية» أي في وضع الدولة ورئيسهاء وكيفية الحكم ومذته» وفي طريقة 
الوصول إلى هذا الحكم. لذلك إن ما بقي في الفكر السياسي السئّي كثابت 
مستمر هو «الأيديولوجيا السلطانية» لأن مختلف السجالات التي حصلت بين 
المتعلمين» والاجتهادات“النن 52 من قبل الفقهاءء انتهت كلها (إلى 
الاعتراف بشرعية الأمر الواة قع: «من اشتدذت وطأته وجبت طاعتهة)». وهل تمَرّر 
«الأيديولوجيا السلطانية نتيجة 2 غير هذه؟))7 "2 

هناك إجماع حول وجوب طاعة الإمام يلخص أهم ما توصّل إليه «فقه 
السياسة». ويجعله يلتقي بالعمق مع مضمون «الأيديولوجيا السلطانية» الذي 
انتشر خلال الحكم العباسي. لذلك يقرّ الجابري بأن الفكر الإسلامي لم يعرف 
فى مجال السياسة والتأليف فيها سوى ١ميثولوجيا‏ الإمامة» لدى الشيعة»ء 
و«الأيديولوجيا السلطانية» لدى السئة. لقد حاول أهل السنّة أن يتصذوا 
ل «ميتولوجيا الإمامة» فحاربوها بشذة». لكن بقيت «الأيديولوجيا السلطانية» من 
دون نقد. من هنا ضرورة أن يبدأ نقد العقل السياسى العربى مهمّته بنقد 
ميتولوجيا الإمامة» و«الأيديولوجيا السلطانية» على حدّ ات واف أن هذه 
الأخيرة ما زالت حاضرة بقوة اليوم مع تكريس مبدأ «الأمر الواقع». 


لكن بعد خمس سنوات على صدور «العقل السياسى العربى») نجد أن 
الح ا لي ا 1 د ١‏ مر 


0 ع ذلك في كتابه المثقفون في الحضارة العربية بي , تمك 0 د 
فى خطابه السياسى على البرهان؛ فتميّز خطابه عمًا كتبه الآخرون. لذلك 
بعرقت. غير عن قروا الجابري اتنا كع ادن ره فى اوها ل" سد بد في 
خلال التعمّق في أسباب النكبة التي حلّت بهء وفي تأليفه كتاب الضروري في 
السيافقة ”7 


(3) المصدر نفسه. ص 5"57. 

(70) محمد عابد الجابري» المثقفون في الحضارة العربية : محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد (بيروت: 
مركز دراسات الوحدة العربية.؛ ,6١448‏ 

(7) أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد الأندلسي المالكي بن الرشدء الضروري في السياسة : 
مختصر كتاب السياسة لأفلاطون؛ نقله من العبرية إلى العربية أحمد شحلان؛ مع مدخل ومقدمة تحليلية 
وشروح للمشرف على المشروع محمد عابد الجابري» سلسة التراث الفلسفي العربي. مؤلفات ابن رشد؛ 4 
(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» .)١98‏ 


١ 


لفد وجد في ما كتبه ابن رشد نوعاً من القطيعة مع أنماط التأليف الأخرى 
وبخاصة مع ما كتبه الفارابي في مجال السياسة. 


خامساً: نحو إعادة تأسيس الكتابة المنهجية في السياسة : 


نبدأ مع عرض الظروف التي دفعت ابن رشد إلى الاهتمام ب «العلم 
السياسي» والكتابة فيه. يرى الجابري أن ابن رشد قد كتب في السياسة 
استجابة لطلب أتاه من والي قرطبة الأمير أبي يحي» شقيق الخليفة المنصور 
الموحديئ. لكن هباك لغطأ حول انيع الكتاب. الذي :شاع أضله وفقك السمهء 
نجد أن مفكرنا عندما اطلع على النسخة الإنكليزية المنقولة عن العربية أورد 
اسمه كالتالي: جوامع سياسة أفلاطون. حيث تناول بالبحث نكبة ابن رشد 
متوقفاً عند أسبابها فى كتابه المثقفون فى الحضارة العربية. لقد وجد أن ما حل 
به من اضطهاد لم يكن سببه ما نشره المستشرقون الإسبان؛ وتبعهم فيه بعض 
الكتّاب العرب. إنه يستبعد أن يكون الخليفة المنصور قد نفى ابن رشد وأمر 
بإحراق كتبه الفلسفية من أجل كسب تأييد الفقهاء والعامة ودعمهم في ما كان 
ينتظره من غزوات في الأندلس. يرى أن هذه الفرضية غير صحيحة. لأن 
التكليفة كان" يد اكه ابن ريه وطاقه ذا آنا ملق اقصارء :قن بعركة«الأرلت 
لذلك لم يكن يحتاج إلى أي دعم أو استرضاء. إن تزامن تأليف كتاب جوامع 
سياسة أفلاطون مع النكبة التي حلت بابن رشد يجعل مبرّرا ‏ بالنسبة إلى 
مفكرنا ‏ «أن يكون لبعض ما ورد فى هذا الكتاب علاقة بتلك النكبة». وأن 
الأوراق التي تقول المصادر أن خصوم ابن رشد قدّموها للخليفة» للإيقاع به 
سكن أن تكون مما ورد فى هذا الكباي 7 

تدك الجامزي: إذ! إنا.عنوان الكتات» الذى »سيت النكبة لابق رقند هو 
جوامع سياسة أفلاطون. لكن بعد ثلاث سنوات» وبمناسبة إعادة نشر 
المؤلفات الأصيلة لابن رشد نلحظ أن العنوان قد تبدل لكي يصبح الضروري 
في السياسة: مختصر كتاب السياسة لأفلاطون. إن هذا الكتاب قد تم نقله من 
العبرية مباشرة على يد الدكتور أحمد شحلان» وقد صدر بتقديم للجابري مع 
مدخل تبعته مقدّمة تحليلية بقلم مفكرنا الذي أشرف على مشروع إعادة النشر. 


290 الجابري ١‏ المصدر نفسه. ص 6 


7 


إنه يشير فى المدخل إلى هذا الفرق بين العنوانين اللذين أطلقا على كتاب 
والحدا.فائلا: «لم نكن انذاك قد أوليتا امغماها كببرا لاننم الكتات: لأن 
موضوعنا كان انكبة ابن رشد) وليس الكتاب نقفسه. ولذلك سميناه بالاسم 
الذي سمّته به بعض مراجعنا القديمة: «الجوامع». واليوم إذ نؤكد النتائج التي 
خرجنا بها فى الدراسة المذكورة. نرى أن الكتاب من صنف المختصر - 
: 1 )2 

الضروري»ء (...)» 3 


بززرة مكنا "هذ التعذيل اللذى ظر ا غفلن عثر ان الكتات 6 -موفنها الاسييات 
التي جعلته يختار الضروري في السياسة» وهو يرى بوضوح أن هذا الكتاب 
ينتمي إلى مجموعة من المختصرات اهتمٌ فيها ابن رشد ب «الضروري») فقط 
#الضرورق فى الشحر ةفعلا أر«الضرورق فى المنطق». لقيك كتنب هله 
لمكتسي اك مخلول #ققة به امد نل نواد كا نت امتطية جا لكب مات و تعر ان ما 
اضطره إلى الاقتصار فقط على ما هو نفيس وضروري من أجل انقاذه. 

نلحظ منذ البداية أن الجابري متحمّس لهذا الكتاب وهو يرى فيه تحذياً 
لشجاعة المثقفين المعاصرين وقدرتهم على نقد أساليب الحكم الاستبدادي الذي 
يجسّد الطغيان» ويعبّر عنه ابن رشد ب ١وحدانية‏ التسلّط). إنه يؤكّد بثقة تامة «أن 
هذا الكتاب الذي ضاع أصله وضاع معه اسمه الحقيقي» والذي نعيده إلى لغته 
الأصلية» لغة الضادء حاملاً اسمه الأصلى الذي استخرجناه من متنه وربطناه 
اعفن الذي نمس انق تولقاك وناك نكاد وتضهونا .هو القع 
كتاب الضروري في السياسة؛ أمس واليوم وغدأو7؟. 

وكأآن مفكرنا في هذا النص يبدو في حالة يأس من وضع المثقفين 
المعاصرين الذين كُمَت أفواههم فلم يتمكنوا من الإدلاء برأيهم. ولا بإملاء 
نقدهم؛ لذا فهو يلجأ إلى الماضيء إلى التراث ليغرف منه ما هو بحاجة إليهء 
استجابة للهموم السياسية المعاصرة. من هنا يمكن القول إن اهتمام الجابري 
بابن رشد له خلفية أيديولوجية؛ يصرّح بها أحياناً. ويضمرها أحياناً أخرى. 
ونود أن نلفت هنا إلى أن يأس مفكرنا لا يطاول الماضى والحاضر فقط إنما 
ينسحب أيضاً على المستقبل؛ وهو في ذلك إما يريد أن يعبّر عن سوداوية 
مفرظة + وإها تفي أن يزب من أهمية ابن رتك وروعر العميع إلى قراءة انفده 


(40) ابن الرشد» المصدر نفسه» ص 37 
(١8)المصدر‏ نفسه» ص لك 


رض 


للوضع السياسى الذي توقف عنده فى كتابه الضروري فى السياسة. فما الذي 
قل ممز هذا الكتاب على الصعيد النقدي وهو مختصر لكتاب الحمهورية 
لأفلاطون؟ 


يشير مفكرنا إلى أن ابن رشد لم يكن في نيته أن يختصر كتاب السياسة 
لأنلاطون ‏ أي الجمهورية ‏ لكنه قام بذلك لأنه لم يتمكن من العثور على 
كتاب السياسة الذي وضعه أرسطو. إن مشروع ابن رشد الفلسفي كان قد تبلور 
فى مجال الفكر الأرسطى وحده. لقد انحاز ابن رشد إلى فكر أرسطو لأنه يعتبر 
أن ها قله كان تعباره عن « ميل فا قبل العلدة: لأن الفلسفة والعلم لم يعتمدا 
على البرهان واليقين إنما على الجدل في أكثر الأحيان. 

كان فبلسوف قرطبة على عجلة من أمره لأن الأمير أبا يحيى قد ألم عليه 
ليكتب في السياسة؛. لذلك اضطر إلى أن يستبدل كتاب أرسطو المفقود بكتاب 
فاطو لد هذا الواقع قد أجبر ابن رشد على تحويل نص كتبه كمحاورة 
ترتكز على الجدل إلى نص برهانى». فكان عليه أن يترك جانبا الحكايات 
الأسطورية التي لا تدخل في حقل العلم» لكي يعتمد التحليل والتركيب ضمن 
البنية السياسية ومقوّماتها. يرى الجابري أن الإصلاح الذي أنجزه ابن رشد في 
هذا المجال يكمن في الارتفاع بالفكر السياسي من الجدل إلى العلم. هذا ما 
كان أرسطو قد أنجزه سابقاً. ويذكر الجابري هنا أن ابن رشد كان قد اضطلع 
على كتاب الأخلاق إلى نيقوماخوس الذي وضعه أرسطو كجزء أول من العلم 
المدني؛ ما أسهم في مساعدته من أجل بناء الجزء الثاني في السياسة على 
أساس الجزء الأول. 


إن ما بريد أن يلفت إليه مفكرنا هو تميّز ابن رشد عن أفلاطون على 
الرغم من أنه اعتمد على كتابه. فهو أراد من ناحية أن يرتقي بالفكر السياسي 
إلى مستوى العلم؛ وشاء من ناحية أخرى أن يُخرج الذي وصل إليه أفلاطون 
في اتجاه تحقيق الإصلاح» فعمل على نقل مجال العمل السياسي من اليأس 
إلى مجال الممكن الواقعى الذي يعمل على تعرية الاستبداد. تجدر الإشارة هنا 
إلى أن تجربة أفلاطون السياسية قد انعكست على كتابه فطغى عليه التشاؤم. 
لذلك لم يكن مقتنعاً بإمكانية تحقيق الإصلاح على أرض الواقع, أما ابن رشد 
فقد عمل على تعرية الاستبداد لاقتناعه بإمكانية الوصلاح. رفض «”استقالة العقل 
السياسي» لأن اليأس في هذا المجال يتناقض مع طموح الأمير أبي يحيى 


0 


لاستلام الحكم بعد أخيهء ومع رغبة ابن رشد في الإصلاح. «لقد قطع مع 
أفلاطون رافضاً استقالة العقل» مؤكّداً ما سبق أن أكّده في وسط الكتاب من 
إمكانية قيام مدينة فاضلة. دولة الحكم العادل. منفصلا بذلك عن تشاؤم 
أفلاظطون: ويأسة :انفضالا تاماه )2100 


يرى الجابري أن ابن رشد في كتابه الضروري في السياسة لم يقطع فقط 
مع أفلاطون بفصله السياسة عن الموضوعات الفلسفية الماورائية» وبابتعاده عن 
الحوار والمناقشات الجدلية» وبعمله على تحقيق الإصلاح لأنه ممكن» إنما 
قطع أيضا مع الفارابي. إن آراء الفارابي السياسية تشكل جزءا من نظامه 
الماورائي العام» لذلك لا يمكن فهمها من خارجه. شيّد مدينته على أساس نظام 
الكون ونظرية الفيض. لم ينشغل بالمدينة باعتبارها مجتمعا ودولة». فيها ما هو 
اقتصادي وثقافى وتربوي واجتماعى. إن ما كان يهمه بالتحديد «الاراء». لذلك 
جاء يران كتانه آراء أهل المدينة الفاضلة. إن «الآراء؛ هى خلاصة نظريته «فى 
راحت: الرضرة وكيد اسلوق الاكاء اها رفي لوزي الدرعجرداك دزني القن 
والعقل... إلخ. حتى نصل إلى الاجتماع الإنساني الذي يكون بدوره فاضلاً 
عندما يعتنق أهله فلسفة الفارابي». ويكون نظامه على غرار نظام الكون كما 
رسمه الفارابي. ويكون غير فاضل عندما يعتنق أهله آراء مخالفة لفلسفة الفارابي 
الف ال 


لذا يشير مفكرنا إلى أن الفلسفة العربية لم تعرف القول السياسي التحليلي 
المباشر. إنه على الرغم من اهتمام الفارابي بكتب أفلاطون السياسية. فهو لم 
يتوقف عندها إلا من الزاوية الماورائية. تجدر الإشارة هنا إلى أن العلاقة بين ما 
هو سياسي وما هو ماورائي في الفكر اليوناني وطيدة». لكن هذا الفكر قد قام 
ببناء المدينة الإلهية على غرار المدينة السياسية» أما الفارابى فقد فعل العكس إذ 
ب السلايدة القافة ه أي مشيفه التسيابية + لي غران الفنديلة الالهينة كنا 
أسّستها الفلسفة الهرمسية على فكرة الفيض. كذلك ربط الفارابي ما بين الصلاح 
في السياسة والمعتقدات الدينية الفلسفية. 


يلتقي خطاب الفارابي السياسي مع خطاب الأيديولوجيا السلطانية في ما 


(؟5) المصدر نفسه.ء ص 60. 
(8) الجابريء المصدر نفسهء ص ,159-1١78‏ 


م 


يتعلّق بالمماثلة بين الإله أو السبب الأول وبين الخليفة أو رئيس المدينة. إن 
هذه الممائلة نقلت من الموروث الفارسي وقد سادت المخيال الديني والسياسي 
إيان حكم العباسيين. ثم إن الهدف الأساس لدى الفارابي كان تحقيق الوفاق بين 
الدين والفليفة من خلال الدمج بينهما. م ما قام به ابن رشد في اختصاره 
ويرى الجابري أنه من الضروري التوقف عند الفارابي للتمكن من تقدير ابن 
رشد وتقييم ما توصّل إليه» إذ إن «فيلسوف قرطبة قد قطع مع نوع من «الكلام' 
الذي تكلّمه الفارابى فى السياسية والمدينة الفاضلةء ليدشن خطاباً جديداً فى 
العلم المدني» يواجه السياسة بموقف سياسي صريح وشجاع)”*“. 


إن النقد الصُريح والجريء الذي وجهه ابن رشد إلى الحكم في عصره 
كان السبب الحقيقى فى نكبته. لقد فضل أن يترك الأمثلة التى قدمها أفلاطون 
ف متففة امات الحو يعن أفكل واي رافح أراك أن نراجه سياسة الحكم 
بشكل صريح مرتكزا على العلم والفلسفة» لكي ينتقد التسلط والاستبداد سعيا 
وراء الإصلاح في السياسة» كما كان يسعى إليه في مجال العقيدة ومجال العلم 
والفلسفة. إن الضروري في السياسة خير دليل على انخراط صاحبه في صف 
المعارضة للحكم انطلاقاً من العلم والفلسفة» إنه مرتبط ليس بالموروث 
الفارسى كالأيديولوجيا السلطانية إنما بالموروث اليونانى» إنه عبارة عن خطاب 
ابرهاني» نقدي في السياسيةء من هنا الجدة العى يحملها إلى تجليّات العقل 
السياسي العربي. 


يشير مفكرنا إلى أن الأيديولوجيا السلطانية لا تكترث بالسياسة كعلم. إن 
ما يهمّها ينحصر في تقديم النصح للأمير في سبيل استمرار حكمه واستقراره. 
إن وجود الأمير يسبق أي تفكير سياسي؛ لذلك كان وجوده ضرورياً لتأسيس 
القول السياسى. أما فى الفكر اليونانى ا الظاهرة السياسية هى الأساس» من 
هنا قح الى الح في مسألة الحكم وأتؤاعهوتقدهاه قبا كد لمانا 
بالعدل والحكم الأمثل» وكيفية اختيار وإعداد الرئيس. إن السياسة تعني "تدبير 
المدينة». والمدينة ليست أرضاً ومجموعة منازل فى الفكر اليونانى» إنما هى 
أهلها تحديدا باعتبارهم ,الفوساً تبغي التحصول على كمالأتهاء لا باعتبارهم متجرد 


(44) ابن الرشدء المصدر نفسه؛ ص 51. 


له 





أجسام. وكما إن علم الأخلاق في الفكر اليوناني يعني تدبير نفس الفردء فإن 
علم السياسة يعني تدبير نفوس الجماعة. لذلك كان اعتماد ابن رشد على فكر 
أفلاطون وفكر أرسطو في كتابه الضرورى فى السياسة قد جعل خطابه متميّزاً 
عن باقى الخطابات. ْ 0" 

كما إنه لم يكتفب فقط بالأخذ منهماء إنما عمل على الاستفادة من واقعه 
وحال الحكم في الأندلس فقام بنوع من «تبيثة» لعلم السياسة اليوناني. ويشير 
الجابري هنا إلى «أن ابن رشد لم يسجن نفسه في الإطار الذي تحرّك فيه 
أفلاطون. بل لقد تصرّف فيلسوف قرطبة كشريك في إنتاج النص. وإذا نحن 
جمعنا ما كتبه ابن رشد من عنده خارج الأفق الأفلاطوني فسنجده يناهز ثلث 
الكنات !2450 


إن قراءة مفكرنا لكتاب الضروري في السياسة أبرزت مواضع عدة يخالف 
فيها المؤلّفٌ أفلاطون ويبتعد عنه. إما ليتّجه صوب أرسطوء وإما ليعود إلى 
أرض الواقع في الأندلس. عندما يطرح ابن رشد كيفية إعداد الرئيس والبرنامج 
الذي يجب اتباعه» ينفصل عن أفلاطون لكي يركز على الغاية من تعليم رؤساء 
المدينة الفاضلة لأنها أهم من المنهاج الذي يجب اتباعه. لقد أكد متأثرا بأرسطو 
أن الغاية في المدينة الفاضلة تنحصر في مساعدة أهلها على «بلوغ كمالاتهم 
الإنسانية». إن العمل على بلوغ الكمالات الإنسانية طرحه أرسطو في كتابه 
الأخلاق إلى نيقوماخوس. 

كذلك يختلف ابن رشد مع أفلاطون في ما يخص العلم الذي يجب 
اعتماده في بداية دراسة الفلسفة» فهو لا يرى أن علم التعاليم أو الحساب 
والهندسة والفلك والموسيقى» يجب أن يكون هو الأساس. إنما يجب البداية 
بعلم المنطق لأنه يساعد على عصمة العقل من الخطأ. إن الفيلسوف. رئيس 
المدينة بحاجة إلى ما يعصم عقله عن الخطأ لكي يؤسّس العمل الفاضل أكثر 
مما هو بحاجة إلى «تأمل الحقائق المجرّدة». 

يؤكّد ابن رشد أيضاً أن المدينة الفاضلة يمكن أن تؤسّس على نحو 
مَشَايْر الما تققدّم به أفلاظون إنه. يضر عل [مكائية غرسن"المدينة .الفاضلة في 
الواقع الممكن. فاتجه إلى معطيات عصره وما يميّز مجتمعه في ذلك الحين» 


(16) المصدر نفسهء ص 605. 


ضة 


مشيراً إلى أن إمكانية التحوّل إلى مدينة فاضلة مرتبطة بالأعمال الصالحة أكثر 
منها بالآراء الحسنةء إن ذلك أمر ملموس في الواقع. لقد تابع ابن رشد 
أفلاطون في تفكيره وهو على يقين أن الفيلسوف اليوناني كان يفكر داخل 
التجربة اليونانية» لكنه لم يصرف اهتمامه عن تجربة الحكم في الحضارة 
العربية الإسلامية. 

كذلك لقد اختلف مع أفلاطون في ما يتعلّق بالنساء ومشاركتهن الرجال في 
حفظ المدينةء فهو يرى أنه من الناحية المبذثية الأمر ممكن» ومن الناحية 
العلمية أبضاًء أما من الناحية الشرعية» فهناك بعض الشرائع لم تسمح للنساء 

لقد عمل ابن رشد على جعل سياسة أفلاطون قريبة من ذهن القارئ العربي 
المسلم عن طريق تبيئة هذه السياسة داخل الثقافة العربية من زاوية فلسفية.» وهو 
يأخذ بالاعتبار «نسبية الثقافات». إن خطابه كان خالياً من الطموحات السياسية 
الخاصة» أدان الدولة بمجملها وما وصلت إليه من فساد واستبداد. إنه قام بتشهير 
الانحراف عن المقاصد التى كانت قد أعلنت عنها الدولة. 

يشْدّد الجابري على أهمية إعادة تأسيس الكتابة فى السياسة انطلاقاً من 
انموذج ابن رشد نظراً إلى أهمية وجرأة ما قام به سواء على الصعيد العلمي أم 
على الصعيد الفلسفي أم على الصعيد السياسي. إنه يعتبر أن كتاب الضروري في 
الفلسفي» يستحق أن يبعث حياً ليس فقط بكلماته ومعانيه بل أيضاً بمناسبته. فابن 
رشد لم يحاكم ولم تصادر كتبه ولم تحرق بسيب «الدين». الذي اتخذه خصومه 
غطاءء (...). وإنما حوكم بسبب هذا الكتاب الذي أدان فيه الاستبداد من دون 
هوادة)7 2 واضح مما تقدم إعجاب مفكرنا وحماسته للمشروع الرشدي بكل 
أبعاده. والعودة إلى هذا التراث الغني ملحة نظراً إلى أن الواقع المعاصر ليس 
العربي عند أهم الاستنتاجات التي من شأنها أن تلخص أبرز ما يميّز قراءة 


() المصدر نفسه.ء ص 59. 


ل 


استنتاحات 


إن مسار تاريخ العقل السياسي العربي في ظهوره وتشكله كما يراه مفكرنا 
هو مسار واحدء يبدأ من الدعوة إلى دولة النبّوة والخلافة» ومنها إلى دولة 
الأمويين» فإلى دولة العباسيين. إن مرحلة الوعى الذاتى لهذا العقل كانت خلال 
الدعوة المحمدية» ثم جاءت مرحلة الوعي الموضوعى مع نشأة المجتمع 
السياسي الإسلامي وبداية الصراعات في زمن الرذة والفتئة. ثم دخل العقل 
السياسى العربى مرحلة الوعى المطلق حيث كانت محاولة تأسيس السياسة على 
الذين والفلفقة من خلال هذ النمادس + «معرلرجيا الاانةة :ودايديرلوجيا الجبر 
الأموية» و«الأيديولوجيا السلطانية» و'فقه السياسة». إن هذا المسار الواحد بقى 
كار النبيه كما يلح الجا بر علن العم مين يلين التفيلانات العرب 
التي لسن" لها شأن كتير وذلك لأن المحردات الى :معت الغقل: السياشى 
العربي ما زالت حاضرة وهي: القبيلة والغنيمة والعقيدة. إن الكلام في السياسة 
دعبا للدولة أو معارفية لها عبر عن متضمزتة من خلال تجلبات أنديولوجية 
اعتمدت على التعالي بالسياسة وعلى تسييس المتعالي؛ وانتهى الأمر بالمماثلة 
بين الله والخليفة» أي بين رئيس «المدينة الكونية» وين المدينة البشرية. 


كذلك يمكن القول إن الإسلام لم يشرّع لنظام محدّد في الحكمء ما أدّى 
إلى ظهور نماذج عذة منذ وفاة النبي. حتى إنه مع معاوية تم استخدام القوة 
والسيف لفرض نظام معيّن. لقد لجأ معاوية إلى ادّعاء «رضى الله» لاكتساب 
الشرعية؛ فقال بالقضاء والقدر الذي ساق إليه الحكم. أما العباسيون فقد نقلوا 
مفهوم الشرعية الإلهية في مجال القضاء والقدر إلى مجال الإرادة الإلهية. لقد 
مارس الخليفة آنذاك الحكم انطلاقاً من مشيئة الله» فأصبحت بذلك إرادته من 
إرادته تعالى» ما أفسح المجال لتكريس أطروحات «الأيديولوجيا السلطانية» التي 
كانت بمثابة الجانب «العقلى» فى الفكر السياسى الإسلامى. أما الجانب النقلى 
فقد تمثل من خلال «فقه لباب الذي اهتمٌ 00 الأمر الواقع المفروض 7 
قبل الحاكم بالقوة. إن «فقه السياسة» انتهى بإلغاء المسألة السياسية عندما توصّل 
إلى وضع «مبدأ كلي» مفاده أن الذي اشتدّت وطأته وعظمت قوتهء كان من 
الواجب تقديم الطاعة إليه. 


أمام هذا الوضعء ما هي الخطوات المنهجية والحلول التي يقترحها مفكرنا 
من أجل إعادة بناء الفكر السياسي في الإسلام؟ 


اوه 


تجدر الإشارة هنا إلى أن محدّدات العقل السياسي الثلاثة ما زالت تحكم 
هذا العقل في الحاضر بشكل أو بآخر. صحيح أن هذه المحددات» أي القبيلة 
والغنيمة والعقيدة قد دخلت عليها تعديلاتٌ إثر الاحتكاك بالحضارة المعاصرة. 
فتعرّضت لبعض القمع لكي تصبح من المكبوت الاجتماعي والسياسي. لقد 
عمل الخطاب النهضوي والخطاب المعاصر من سلفي وعلماني وليبرالي وقومي 
واشتراكى»ء بالإضافة إلى عقائد الأحزاب. على تجاوز المحددات الثلاثة 
المنقولة 7 المجتمع القديم» من أجل إقرار محدّدات عصرية. لكن هذا الهدف 
لم يتم بلوغه؛ وما كانت النكسات المتتالية إلا حافزاً لعودة المحدّدات الثلاثة 
المكبوتة. فعاد التطرّف الديني والعشائرية للسيطرة على الواقع العربي المعاصرء 
ما يجعل الحاضر شبيهاً بالماضي. أمام هذا الوضع المتدهورء يقترح الجابري 
بعض الخطوات المؤدية إلى التجديد بدلا من العودة إلى الماضي» نجمعها في 
خمس نقاط: ْ 1 


١‏ يرى مفكرنا أن إعادة بناء الفكر السياسي في الإسلام حاجة ملحّة اليوم» 
وهي يجب أن تبدأ في عملية «تأصيل الأصول» التي أسّست أنموذج الحكم خلال 
مرحلة الدعوة المحمدية. هذه الأصول هي ضوابط توجّه سلوك الحاكم وتحول 
دون الوقوع في التسلّط والاستبداد. وبما أن العودة يجب أن تكون إلى مرحلة 
الدعوة» فإن هذه الأصول مستلّة من القرآن ومن الحديثء» يذكرها الجابري وفق 
التسلسل التالي : #وأمرهم شورى بينهم* و«إشاورهم في الأمر». «أنتم أدرى 
بشؤون دنياكم ‏ «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته21"”4. 

من الواضح في هذه الأصول التركيز على أهمية الشورى» وعلى دور 
الحكام الذين هم أدرى بشؤون الدولة» وعلى ضرورة توزيع المسؤولية في 
المجتمع. إن إعادة تأصيل هذه الأصول يفرض إقرار المبادئ والدستورية التي 
من شأنها أن ترعى السلوك السياسي. وتجتب المجتمع من الوقوع في الأزمات 
السياسية» كما إن إعادة التأهيل هذه من شأنها أن تؤسّس للعمل الديمقراطى 
الس علي الكتورى اق عالق العر تافو ليلاي المعاضر ١‏ 

يرى الجابري أيضاً أنه مع تطور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بشكل 
لافت اليوم؛ أصبح من الضروري التنبّه إلى الفرق بين حياة الماضي وحياة 


(10) الجابري» العقل السياسى العربى : ممحدداته وتحلياته , ص مضت 


اك 


الحاضرء لذلك «فإن تطبيق الشريعة يتطلب اليوم إعادة تأصيل الأصول على 
أساس اعتبار المصلحة الكلية كما كان يفعل الصحابة. وبعبارة أخررء إن تطبيق 
الشريعة. التطبيق الذي يناسب العصر وأحواله وتطوراته» يتطلب إعادة يناء 
مرجعية للتطبيق. والمرجعية الوحيدة التي يجب أن تعلو على جميع المرجعيات 
الأخرى هي عمل الصحابة)45), 

نلحظ هنا مدى اهتمام مفكرنا بالعودة إلى التراث بخاصة ذاك الذي سبق 
الخلافات والانقسامات المذهبية. إن وضعه عمل الصحابة كمرجعية وحيدة قد 
جعله يصلح لكل زمان وأي مكان. يبرّر هذه العودة إلى الصحابة لأنهم أخذوا 
بالمصالح الكلية واعتبروها الأصل الوحيد في تطبيق الأحكام الشرعية بتعبير 
اخرء يجب توخى المصلحة العامة. فهى هدف الاجتهاد فى الدين الإسلامى. 
إن متلق الأحكام: الشرفية نيازيد المفتلحة العامة» ما فى سيل خلب 
المصلحة التي هي مقصد الشرع»ء وإما في سبيل دفع المضرّة. وهذا منحى 
براغماتي لتكييف الشريعة مع واقعها الاجتماعي. 

" - يشير الجابري إلى أن العقل السياسي يخضع لنظام الحكم الذي يجب 
تأصيله بالعودة إلى الأنموذج الذي تبلور إبّان الدعوة المحمدية» كما إنه يخضع 
لمحددات اجتماعية واقتصادية وثقافية. وبما أن محدّدات العقل السياسي العربي 
ما زالت حاضرة حتى اليرم» فمن الضروري العمل على تجديدها والارتفاع بها 
إلى المستوى الذي يلبّى حاجات النهضة والتقدم. لذلك بات من الضروري نقد 
الماضي ونقد الحاضر معاًء لأنهما غير منفصلين لا في الوعي ولا في الواقع 
الراهن. من هنا أن «تجديد المحدّدات» لا يمكن أن يتم إلا بالعمل من أجل 
تحقيق النفي التاريخي لهاء وذلك بإحلال البدائل التاريخية المعاصرة)”**". إن 
القبيلة والغنيمة والعقيدة تؤسّس شعوريا ولا شعوريا العقل السياسي العربي 
ماضياً وحاضراًء لذلك بات نقدها ضرورياء وتجاوزها ملحاً. ْ 

؟ - يدعو مفكرنا إلى القيام بتحويل القبيلة في المجتمع العربي المعاصر 
إلى «لا قبيلة». أي إلى تنظيم مدني سياسي اجتماعي» كالأحزاب مثلاً أو 
النقابات أو غيرها. يجب العمل على بناء مجتمع يفصل بوضوح بين ما هو 
سياسي وما هو مدني» أي يجب التمييز بين الدولة وأجهزتها وبين التنظيمات 


(58) الجابري» الدين والدولة وتطبيق الشريعة. ص ه25 075, 
)29 الجابري» العقل السياسي العربي : محدداته وتحلياته . ص ؟الال 


١ 


الاجتماعية المستقلّة عنها. إن هذا الفصل من شأنه أن يؤدي إلى تأسيس مجال 
سياسي حق» حيث تتم الممارسة السياسية كما يجب. لكي ب يصل المجتمع 
العربي إلى هذه الغاية من الضروري تحقيق تطور عام يشمل المجال الاقتصادي 
والسياسي والاجتماعي والثقافي؛. من دون إهمال دور العقل والممارسة فى كل 
ذلك ويبتى أنه يتنا إلى طبيعة مل هذه السطيماك كيفية إقامتها في خيوء 


؛ -يرى مفكرنا أنه بات ضرورياً العمل على تحويل الغنيمة إلى اقتصاد 
ضريبة» أي جعل الاقتصاد الريعي اقتصاداً انتاجياًء ما يسهم في التغلب على 
الأزمات الاقتصادية التى يعانيها الوطن العربى. إنه يدعو إلى إقامة سوق عربية 
مشتركة تحقّق وحدة انتقنافة بين الأقطار الع وتؤدي بالتالي إلى 'تأمكيين 
التنمية العربية المستقلة؛ لكنه لا يُفصح عن نظام مثل هذه السوق. 


60 يتوقفف الجابري عند العقيدة لكي ب؛ تشكدرد الوح ضرورة تحويلها إلى 
(مجرّد رأي). من الضروري استبدال التفكير الا و الطائفى المبنى على 
التعصّب بالتفكير الحر. يجب التخلّي عن الادّعاء بامتلاك الحقيقة 0 الباب 
أمام الاختلااف » والتحوّر من سلطة الجماعة المغلقة. «إن تحويل «العقريدة» إلى 
رأي معناه: التحرّر من سلطة عقل الطائفة والعقل الدوغمائى. ع كان أو 
علمانياً» وبالتالى التعامل بعقل اجتهادي نقدي70". 

يمكن أن نضيف إلى هذه الخطوات المنهجية والدعوات التغييرية» ما كنا 
قد أشرنا إليه قبل هذه الخاتمة الاستنتاجية وهي دعوة مفكرنا إلى الاهتمام بما 
كتبه ابن رشد في كتابه الضروري في السياسة من أجل إرساء أسس تجديد 
العقل السياسى العربى. 

وقبل أن نختم نود أن ن* نشير إلى ملاحظة مهمة وهي أننا أهملنا في سياق 
بحثنا فى قراءة الجابري للعقل السياسى العربى بتجليّاته ومحذداته. العقل 
السياسي كما تبلور عند الجماعة التي تشيّعت للإمام علي» واعترفت له بحق 
الإمامة» ولإبنيه من بعده. لقد قمنا بذلك بعد أن اطلعنا بالتفصيْل على مضمون ما 
أورده مفكرنا في هذا المجال» فرأينا أنه يصتف الخطاب السياسي لدى الشيعة 
ب «ميثولوجيا الإمامة»» ويركز على الدور الذي قام به الفكر اليهودي والفلسفة 


(60)المصدر نفسه. ص 7 


7 


الحرّانية الهرمسية في تأسيس هذا الخطاب وتجليه. لقد اعتبره ينتمى إلى ما كان 
قد سمّاه في كتابيه تكوين العقل العربي وبنية العقل العربي ب «العقل المستقيل». 
إن الميئولوجيا لا تنتمي من منظور الجابري إلى مجال العقل ببعديه النظري 
والعملى. إنما هى من صنف اللامعقول» لذلك فضلنا عد م التوقف بالتفصيل 
عند الروايات والنصوص التي أوردها مفكرنا حول هذا الموفء و60 

بعد أن توقفنا عند أبرز ما ميّز مشروع الجابري النقدي» وذلك كمرحلة 
ثانية تلت بحثنا في خصوصيّة منهج أركون النقدي. أصبح بإمكاننا أن ندخل في 
باب المقارنة بين مشروعين اتخذا النقد منهجاأً والحداثة هدفاً. والتراث حقل 
ثلاثة فصول: واحد يهتمٌ بمقارنة المنهج. وآخر ينشغل بمقارنة نقد العقل 
العربي والإسلامي» وأخير يتوقف عند قراءة الديني والسياسي في المشروعين» 
وأفردنا من ثم فصلا رابعاً يبحث في كيفية تلقّي ما قدّمه كل من أركون 
والصايرق برد عن ابباك بيه أو الفعل اللديق حكن أن يواجها أي 


)01١(‏ لقد اكتفينا بذكر ما يمبّر «ميثولوجيا الإمامة" من تركيز على فكرة الوصي وفكرة المهدي 
وفكرة الرجعةء وذلك في سياق الكلام على التحضير للثورة التي قادها العباسيون مع العديد من 
الجماعات التي شكلت «الكتلة التاريخية»» وذلك في مواجهة أيديولوجيا الجبر الأمويةء والحكم الأموي 


وه 


(لقسم الثالت 


التراث والمنهج النقدي بين أركون والجابري 
دراسه مقار نه 


أردنا أن نلتزم جانب المحايدة وعدم إبداء الرأي» قدر المستطاع. في سياق 
الأقسام الثلاثة السابقة» رغبة منا في تقديم مشروعَيْ أركون والجابري النقديّين كما 
أنتجهما صاحباهماء باستئناء بعض الملاحظات والتعليقات التي كان لا بد من أن 
نوردها في المتن أو على الهامش. لقد شئننا أن نجمع في دراسة واحدة منهبجّين 
نقديّين انشغلا فى دراسة التراث وتفكيك طبقاته. كل بحسب الأدوات التى 


اعتمدها. 


لكننا نود أن نسلّط الضوء في النهاية على قيمة كل مشروع» وعلى إمكانية 
تحقيق الأهداف المعلنة. وعلى كيفية تلقّي هذين المشروعين لتجاوزهما في ما 
بعد. كذلك سوف نحاول أن نبرز الجَان الأيديولوجي الذي ممه كل 
مشروع على جدىء سواء بشكل مصرّح بهء أم مسكوت عنه. 


نحن مضطرون هنا إلى أن نلفت إلى أن مؤلفَينا ما زالا في أوج عطائهماء 
وهما يشغلان اليوم حيّزاً كبيراً من اهتمام المفكرين؛ فالكتب لا تزال تصدر 
تباعأ. كما المقالات والدراسات التى تتناول فكرهماء ناهيك بما ينتجه 
باستمرار كل منهماء بالإضافة إلى الحؤازات والمقابلات والندوات التى 
يعقدانها. ١‏ 

لا يمكننا إذن أن نحيط ونتابع كل ما قيل ويقال حول أركون والجابري. 
إننا مضطرون إلى التوقف عند حذّ حاضر معيّن» من أجل التمكن من إنجاز 
بحثناء ومن أجل أن نحتفظ بمساحة نقدية ولو محدودة من دون أن نتأئر بما قد 
نُشِر سابقاً. علماً بأن الكثير من الملاحظات التي كان قد أوردها قسم من النقاد 
كنّا قد أشرنا إليه فى سياق قراءاتنا رلحظة بداية صياغة نصناء لكئنا نجد أنفسنا 
مزغمين. على أن "تست هده 'التلااحظات إلى من :ستقدا وتشرها سواء:في؛ الكتيب 
أم في الجرائد والمجلات» دقعاً منا للتهمة بالنقل التي قد تُوجَه إليناء ويا 
للجهد الذي بذله كل من درس فكر أركون أو الجابري. 


/ا :5 


صحبح أننا جزّءنا أقسام دراستنا إلى فصول. يتناول كل منها موضوعاً 
خاصاً يهتمٌ أما بالمنهج أو بالعقل أو بالسياسة» لكن ما يجمع هذه التقسيمات 
هو المنهج. لذلك عملنا على إبرازه في عنوان الدراسة. إن اهتمامنا هنا إذن 
ينحصر بكيفية قراءة أركون والجابري للتراث». وبكيفية تفكيكهما للعقل النظري 
والعقل العملي؛ وبالأدوات التي استعملاهاء وبالمواقع التي انطلقا منها. لذلك 
إن الفصول الثلاثة الأولى في هذا فعسم فيح فطيوك فيب المدييخ النقدي أكثر مما 
وباب ا ا يا 


إنما سوف نحصر جهدنا بإبراز ما هو مشترك سواء على صعيد الهم المعرني أم 
الهم الأيديولوجي وما هو مختلف بينهماء أين نجح كل منهما وأين أخفق؟ كما 
إننا سوف نتوقف عند ما يميّز منهج أحدهما عن الآخر: سواء على مستوى 
الأدوات» أم التقنيات. أم المرجعيات المعتمدة. 


من هنا نجد من الضروري أن نأخذ كل فصل من القسم الأول لكي نقارنه 


بالفصل الموازي له في القسم الثاني» ونتوقف في ما بعد عند كيفية تلقّي 
المشروعين النقديين» محتفظين باستنتاجاتنا الخاصة للخاتمة العامة. 


(لفصل (لسابع 


في المنهج النقدي: 
قرادة الدرات بين 'اركون والطائرق 


إن الكلام على المنهج يعني التوقّف عند آلية ماء أو طريقة خاصة تكشف 
نمطا من التفكير يحمل في طيّاته مشروعاً أو عقيدة ما. إن المنهج مقاربة خاصة 
تفتح أفقاً جديداًء أو تبرز خفايا دفينة تمّ طمسها إرادياء أو بفعل مرور الزمن. 
إنه ورشة عمل تتطلب مهندسا بارعا يتقن إدارة عمّاله. ويبرع في استخدام 
الأدرات المتوفرة لديه» لكي يستثمر كل شبر متاح لهء من أجل تشييد بناء مميّز 
بجدته وبثباته. قد يبدو البناء ضخماً من الخارج؛ منمّقاًء مزيّناً بأحدث 
التقنياتء. لكنه عند أول خضة أو هرّة يسقط. ويكون سقوطه عظيما. وقد يبدو 
غير مألوف لدى العامة من المستثمرين فيسيئون تقديره وينعتونه بالمعقّد 
والغريك عن البيقة والقراك» إته دحي يعمل علئ تهديد الهوية+ لذللك يجحت 
تهميشه لا بل طرده من الدائرة المغلقة والتخلص منه. وقد يأتى البناء أيضاً 
جامعاً لمختلف الطرق الغربية والشرقية في فن العمارة» مزيجاً ملفّقاً لا هوية 
لهود مدن إرضناء السمدي واللعصرك عدن متاركة المسطفر يدها بطوان: عطي 
التسويق ويحقق الربح الأكيد. 

إن الكلام على المنهج كما يمكن أن نلحظ مجازأ يقتضي التوقف عند 
مهندس ماء يحمل مشروعاء يتوجّه فيه إلى جماعة من المستثمرين. هناك إذا 
ثلائة عناصر فاعلة لا يجوز أن نهمل أحدها على حساب الآخرء إنها: 
المهندس أو المفكر الباحث» والمشروع بأدواته وتقنياته أو الأطروحات التي 


20 


يعمل على تقديمهاء والمستثمرون أو أولعك الذي يتلقّون هذه الطروحات. 
لذلك سوف نعمد فى هذا الفصل على الأخذ بالاعتبار كلا من العناصر الثلاثة 
لكي لتسكن بن دراسة مفاوتة لمشتروعين اتقديين يرقغان لنزاة التقد 
وينخرطان في صفوفه. 


نود أن نبدأ هنا بالتساؤل حول العلاقة التى يمكن أن تربط بين المفكر 
ولتم الى كار خل :هناك من سين قاض يهل امقكرا ما رجه قغو 
منهج محذد ويستبعد سواه؟ والمقصود بالسبب الخاص هناء نشأته الفكرية» 
والظروف المحيطة بهء وتكوينه الشخصي. هل اختيار المنهج فيه تعبير عن هوية 
المفكر الذي سيستخدمه في أبحاثه؟ هل لهذا المنهجح علاقة بخلفيات أيديولوجية 
معيّنة ترسم الطريق قبليا وتعيّن الهدف؟ وهل هناك بالتالي كتابة غير متحيّزة» 
ومنهج بريء من «دنس» الأيديولوجيا؟ 

إن هذه السبحة من الأسئلة هى التى توجّه بحثنا فى سياق هذا الفصلء 
وهي التي تعبّر عن قلقنا في ما يتعلق بإمكانية التوضل إلى الإجابة عنها بشكل 
واف كنا فك -فالقموضن واللشى هما :بالياية يدة لكل نا يفك أن يقفية إلى 
قولٍ فلسفي أو بحث منهجي في خفايا التراث» فنسبة المسكوت عنه هي دوماً 
أكبر بكثير من المعلن والمصرّح به» وعندما نطلق العنان للتقدير والتخمين 
والظن يمكننا أن نجد لكل سؤالٍ أكثر من جواب مناقض. لن ندّعي هنا أننا 
سووو انيرم العو الات اللو روعي التكدبين لديل معكليها لجا كر من 
أركون والجابري ذرّة ذرّة» ونكشف بدقة العالم المتمكن عن كل ما سكت عنه 
في هذين المشروعين» إنما سوف نعمل جاهدين على بلورة صورة توضح أبرز 
المعالم التي من شأنها أن تميّز كل مشروع من الآخرء مستفيدين بالطبع من 
اللقاءات الخاصة التى تمكنا من إجرائها معهماء ومن الكتابات العديدة التى 
اطُلعنا عليها والتي قد تناولت بالبحث فكر كل منهما. 

إن المطلع على بعض تفاصيل حياة محمد أركون الشخصية؛ من خلال 
القليل الذي نُشر حوله”''». يمكنه أن يرى كيف أن الظروف التي أحاطت 


)١(‏ لم نعثر في قراءاتنا على الكثير من الإشارات إلى سيرة محمد أركون باستثناء ما ذكره هو في 
حراره مع حسان العرفاوي الذي نشرته مجلة العالم العربي في البحث العلمي ه] وموك عطعجه ء0درمان) 
(916 171 ةمث نامع عع وما أورده فى هذا الصدد كل من هاشم صالح وشربل داغر فى كتاب يجمع أكثر من 


لن 


بنشأته كان لها الأثر الأوفر في توجيه مساره الفكري» وبالتالي اختيار المنهج. 
لا بل شبكة المناهج التي استخدمها في تحقيق مشروعه النقدي. 


لقد اصطدم منذ صغر سنّه بمرارة واقع فرض عليه أن ينتمي إلى أقليّة 
بربرية وسط أكثرية من الناطقين بالعربية أو الفرنسية. ترعرع مُحاطا بثقافة شفوية 
بعيداً عن اللغة العربية فى قرية تاوريرت ‏ ميمون فى منطقة القبائل الكبرى 
الجزائرية. وعندما كان قله اسن ريم لازو الابتداتية» غادر قريته 
إلى منطقة وهران حيث خاض تجربته المؤلمة. لقد اختبر العزلة بين أتراب 
مفتوق لسري أن الف دة ف ها انط را لو ادن سحو عم مين لكات 
اللغتين في أن معاء بينما لم يكن أحد مضطراً إلى تعلّم لغته في المقابل. عانى 
بشدة لأنه كان ينتمي إلى أقلية مُبعدة يحتقرها العرب كما الفرنسيون»ء 
ويهمشونها بقسوة. 


إن ذكريات أيام الطفولة» بما فيها من فقر وتهميش» تركت بليغ الأثر في 
وعي أركونء ما أدى على الأرجح إلى توجّهه في ما بعد نحو علوم الإنسان 
وبخاصة الأنثروبولوجياء لكي يكشف عن عمليات الاستبعاد التي يمارسها 
الغالٌ صاحب السلطة على من ينتمون إلى أقلية مغلوبة ومنبوذة. 


إن عملية التهميش الاجتماعي والثقافي التي اختبر تفاصيلها أثّرت إلى حدّ 
بعيد في مساره الفكري. وهي من شأنها أن «تقولب النظرة وتحذد زاوية 
التحليل في حقل العلوم الاجتماعية»؛ كما يشير أركون» ويضيف قائلاً: ١هذه‏ 
الهامشية المستبطنة (6,1021566)ط1 221116أع:03) كبعد أساسى فى كل جدل 
اجتماعي تاريخي» والمتبناة ثقافيأ كقيمة» هي نظرة ثاقبة تسح غبر الكتابة 
العلميةء بتعويض الذل والتسلط والإبعاد التعسّفي الذي تعيشه كل أنواع 
الأقليات. ويفرضه عليها أولئك الذين يحتكرون العنف المُسْرْعَن دونما شرعية» 


لأن الأقليات ذاتها مبعدة عن المشاركة في تعريف الشرعية»”". 


مؤلف نشره مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة بمناسبة زيارة أركون للبحرين. انظر: هاشم صالحء 
«محمد أركون والبدايات الأولى»» ص .1١- 1١1١‏ وشربل داغرء "#سيرة الأستاذ»» ص 705 057.'فى: 
الخروج على الحس المشترك : قراءات في مشروع أركون (البحرين: مركز الشيخ ابراهيم محمد آل خليفة 
للثقافة والبحوث» .23٠١0”‏ والحوار الذي أجراه حسان العرفاوي مع محمد أركونء في: .4.5.5 .14 
.7-25 .مم ,(1995 رعلاأطدعممرمانده) د .مم .(كعمدط) (عناواتامعكد عطعرعطعع هآ عمهل عطوعة علصملل8) 

(6)انظر الحوار الذي أجراه حسان العرنفاوي مع محمد أركون» في : -01826]نا3) 20.5 , .4.1.5 .14 

.8م ,(995] ععااط 


60١ 


من هنا يعتبر هاشم صالح أن التجربة الأولى التي عاشها محمد أركون 
حسّمّت مصيره كمفكرء ويلحظ «أن فكره على مدار تاريخه الطويل يتمثل في 
نفكيك أنظمة الهيمنة والاستعلاء والنبذ سواء أكانت ذات طبيعة قومية ‏ لغوية» 
أم دينية - طائفية. إنه فكر مهووس بمسألة الحق والعدل: أي الانتصاف لقضية 
المظلوم المحتقر بسبب شيء لا حيلة له فيه» أي بسبب أصله وفصله ومكان 


ولادته» أو لغته ودينه ومذهبه. اا 


إن سكوت أركون في كتاباته عن معاناة أيام الطفولة والمراهقة» يتحوّل إلى 
كلام مباح إذا عمقنا النظر في حبكة هذه الكتابات وفى في المنهج الذي تحمله 
والمشروع الذي تقدمه. لذلك يمكن أن نعتبر أن مؤلفاته هي بمثابة سيرته الذاتية» 
أو هي مرآة تعكس محطات مر بها أركون فطبعت خياراته المنهجية. ومواقفه 
التفلية بعلّق شربل داغر على مسألة إمكانية احتواء مؤلفات المفكر سيرته 
الذاتية؛ فى سياق توقفه عند أركون. مستعيئاً بدريدا (262102). فيرى أن هذا 
الأفغيي :قد ا« سكل اللعدن ١‏ بوكر اط استلةة «ما ياف رارز كوه رويك بعلن عن 
ويتحاشاه. النص بوصفه مسودة شخصية؛ بالإضافة إلى كونه مدؤّنة وعى. إذ إن 
الفلسوف ليحعيل الكلام 'مقاضده فحسي بل يلعب به أيقاء يتسايل عليه 
يقترب منه عبر التشبيه من دون أن يبلغه بالضرورة» ويوهم الاستعارة بتعبينه)”*). 


إن نص أركون هو خير مُخبر عنه» فيه نجد بصمات وعيهء وخطوط 
ذاكرتهء وعمق تجربته الإنسانية على الرغم من امتناعه عن البوح بها في كتبه أو 
مقالاته. أما في ما يتعلّق بالجابري فيمكن القول أيضاً إن مقاربته للتراث العربي 
الإنثلامي تقسفت"الكين عن سيرتة الذانية وسولة السياسية الكنة» وعلى الرغير 
من التزامه بالعقل والعقلانية واعتماده الأسلوب النقدي الصارم . نجده يفلت 07 
ذاته المفكرة ضمن شروط الإبستمولوجيا لكي يقدم لنا نوعاً من الكتابة» مليئا 
بالحنين والألم والحلم في كتابه الذي شذْ فيه عن قواعد النقد الإبستمولوجي 
«حفريات في الذاكرة»””*". أراد أن يحقّق مشروع الحفر في خفايا الذاكرة من 
خلال ثلاثة أجواءء لم يصدر منها لغاية الآن سوى الجزء الأول الذي يركز فيه 
على مرحلتي الطفولة والمراهقة وبداية عمر الشباب. 


(؟) صالح. «محمد أركون والبدايات الأولى؛:» ص 18. 

(4) داغر» #سيرة الأستاذ.» ص 75. 

(5) محمد عابد الجابري» حفريات فى الذاكرة من بعيد (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية؛ 
.)١961/‏ 


للك 


لم تكن طفولة الجابري موسومة بالمعاناة والألمء لقد أحاطه أهله من أبيه 
وأهله من أمه بالكثير من العناية والعاطفةء فقدّموا له الدفء الذي يحتاجه 
الأطفال تعويضاً عن انفصال والدَيُهم. لم يعش مرارة الفقراء أو ذل التهميش 
والاستبعاد لأنه لم يكن ينتمي إلى أقلية مثل أركون. لد نشأ بين محيط آل جابر 
الموصوفين ب «الجبابرة» الذين يصعب انقيادهم» وبين أسرة «الحاج محمداء 
أهله من أمه المعروفين ب «أهل العلم». تأثر بالبيئة الصحراوية التي حاطت به 
في مسقط رأسه «فجيج». وظهر ذلك. على حد تعبيره» عندما تحدّث عن حياة 
العرب في الجاهلية وأثر الصحراء في نظرة الأعرابي إلى العالم. كذلك إن نمط 
الحياة في «فجيج» وعلاقة الأسَر ببعضها قد أسهم أيضاً في تحديده لصورة مكة 
عند ظهور الإسلام وانتشار القبائل فيهاء بحسب ما أشار في كتابه العقل 
السياسي العربي. 


يعتقد الجابري» «أنه لا بد لكل كاتب من أن تنعكس في كتاباته بعض 
جوانب حياته.ء خصوصاً إذا كان مسكوناً بهاجس تربوي يدفعه إلى توضيح 
الأفكار بضرب الأمثلة واختيار الشواهد». وفى الغالب ما يكون ذلك من المحيط 
الفا وق الذي ميتو الها الاك ]37 :انكس دوي ان قيناء : قاف والبقة القي 
نشأ فيها لا تنعكسان فقط في الأمثلة والشواهد التي يوردها إنما أيضاً في الرؤية 
التي يكونها والمنهج الذي يختاره» وبالتالي في المشروع الذي يقدمه. 


إن ولع الصبي في بداية عمره بحل مسائل الجبر والهندسة قد ظهر في ما 
بعد فى الأسلوب الأكسومىي الذي اتبعه عند مباشرة نقده للعقل العربى» كما إن 
ملء أوقات الفراغ المملة . يكن بالاستماع إلى «المرويات والقيل والقال» إنما 
بالاجتهاد فى الدراسة من أجل التغلب على الاستعمار. يمكن أن نلحظ أنه منذ 
أيام المراهقة لم يكن الجابري يفصل بين الثقافي والسياسي. فالأمران مرتبطان 
عندهء الشيء الذي يظهر بوضوح في مختلف كتاباته لاحقا. ليس هناك تقاطع 
بالنسبة إليه بين الفكر والسياسة؛ إنما اندماج» فهو يقول: «ليس هناك هوة بين 
السياسة والثقافة» على الأقل بالنسبة لتجربتي (...) أما أين ينتهي السياسي 
وأين يبتدئ الثقافي في ما أكتب فذلك ما لا أستطيع تحديده»!". 


لن نطيل المزيد هاهنا لأننا سوف نتناول لاحقاً الكتابة السياسية عند 


.558 المصدر نفسه.ء ص‎ )١( 
المصدر نفسهء ص 7؟3.‎ )0( 


؟*“مء 


الجابري ؛ لكننا أردنا فقط الإشارة إلى أن همّ التعلّم وبذل الجهد في المدرسة 
كان مقروناً عنده بالواجب الوطني» من أجل تحقيق التحريرء وأن أيام الطفولة 
والمراهقة كانت قد رسمت بعضاً من الخطوط العريضة في توجّهه الفكري 
والصسايي لاعفا إنه يذكر غدنا دسل القنم التكملي لكي ايم دواسعه جد 
نجاحه في الشهادة الابتدائية» كيف كان وضع المدرسة غير مُنتظم بسب عدم 
توفر عددٍ كافٍ من الأساتذة لمختلف المواد» فاضطر إلى أن يتابع دروساً في 
المواد التراثية من فقه ولغة وأدب. لقد كان لهذه السنة الدراسية  ١9844(‏ 
أثر تأسيسي في حياته الثقافية» إذ «إنه إلى تلك السنة ترجع اللبنات 
الأولى في صرحه الثقافي» وبالتحديد على مستوى التعامل مع النصوص التراثية 
ربناء علاقة الإلفة والمعاشرة معها من جهة. وعلى مستوى الكتابة واكتساب 
«الدربة» عليها وتحصيل ملكيتها من جهة ثانية)”". 


لا بد من أن نشير هنا إلى وفرة النصوص التراثية التي توققف عندها 
الجابري: وإلى كثرة المراجع القديمة التي عاد إليها في مشروعه نقد العقل 
العربي بأجزائه الأربعة: تكوين العقل العربي. بنية العقل العربي. العقل 
السياسي العربي» العقل الأخلاقي العربي. إنه اعتاد على معاشرة النص التراثي» 
رتمرّس في عملية استنطاقه منذ بداية تكوينه المعرفي» فألِفَ موضوع بحئهء 
الأمر الذي أسهم إلى حد بعيد في بلورة مساره الفكري» وسهّل عليه عملية 
التنقيب فى طبقات التراث. 


بعد أن حاولنا إبراز العلاقة بين هوية أركون والجابري الشخصية» وبين 
المنهج الذي اختاره كل على جدىء. نود أن نغوص في ما يميّز مشروعَيُهِما 
النقديَيٌن متوقفين عند المفارقات المفصلية. 

بداية يمكن أن نلحظ بوضوح أن الحقل الذي اشتغل فيه أركون والجابري 
فيه العديد من المواقع المشتركةء ونقصد هنا بالحقل : التراث العربي الإسلامي. 
لقد أراد كل منهما العمل في حفر طبقات التراث المتراكمة وتفكيكهاء لكنهما لم 
يستخدما أدوات الحفر عينها. هناك فوارق مهمة تميّز أدوات الواحد عن الآخر. 

يكن امنتحه أوحيعة ليرد جنع أركون مسسدردة عن براي البنية 


(6) المصدر نفسه » ص 1 


والتوحيدي» وبعد أن بدأ بصياغة أطروحته. على تغيير مسار أبحاثه والالتفات 
إلى آخر ما توصلت إليه إنجازات علوم الإنسان والمجتمع في السبعينيات. لقد 
اجتهد في تحرير البحث العلمي عن طريق نقد المنهج الكلاسيكي في دراسة 
التراث الذي بلوره العديد من المستشرقين». مستخدماً في ذلك مناهج علوم 
الإنسان والمجتمع. رفض أن يعزل المفكر عن مجتمعهء فأولى الأهمية 
للمجتمع أولاء ومن ثم للفرد. بحث في الشروط الاجتماعية التي تسهم في 
إبراز كاتب ما أو فى إخفائه وتهميشه»؛ من دون أن يُهمل حياة الكاتب وأعماله. 
لقد اهتمْ منذ أيام إعداده أطروحة الدكتوراه بتبديل الصورة الخاطئة التي رسمها 
الاستشراق للفلسفة ولإمكانية التفلسف في الإسلام» وبإبراز النزعة الإنسية فيهء 
ما أثار حفيظة أساتذته فى ذلك الحين. إنه يشير فى مقدمة الطبعة الأولى 
لأطروحته إلى أنه عمل على فتح «علم الإسلاميات على الإشكاليات الجديدة 
والتساؤلات التي تطرحها الآن علوم الإنسان والمجتمع». كما إنه أراد أن ينزل 
«من علياء التبخر الارستقراطى البارد الذي يتميّز به الاستشراق التقليدي إلى 
أرضية الواقع الحي والمعرفة المنخرطة كلياً في هموم المجتمع»”"". لقد حصر 
انشغاله منذ البداية بالمعرفة المنفتحة على القلق المعاصر للإنسان». وقد ساعده 
في ذلك إقامته في العاصمة الفرنسية التي كانت تضج بأصداء أعمال فوكو 
وستروس وبروديل ولوسيان لوفيفر ورينيه جيرارء وغيرهم من الذين نهل أركون 

كانت جدران جامعة السوربون الفاصلة بين قسم الاستشراق والأقسام 
الأخرى سميكة للغاية» إذ كان ممنوعاً إدخال المنهجيات أو الإشكاليات 
الجديدة إلى الأقسام المحافظة والتقليدية. إن هذا الأمر قد جعله يبحث بنفسه 
خارج الجامعة عن ستروس وفوكو وبارت الذين سيطروا على الشارع في ذلك 
الحين وعلى الأجواء الباريسية عن طريق أطروحاتهم الجديدة والحرية الفكرية 
التي مارسوها. 

بدأ أركون إذأ متمرّداء رافضاً القرقعة داخل «الخط الوحيد والصحيح» 
الذي كان يمثّله قسم الاستشراق الخاص بالدراسات العربية والإسلامية. أراد 
الانفتاح والبحث في أماكن أبعد من دون أن يهمل نهائياً ما كان قد اكتسبه من 


(9) محمد أركونء نزعة الأننة في الفكر العربي: جيل مكويه والتوحيدي» ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الساقي» .)١191/‏ ص 17. 


زه له 0 


منهجية الاستشراق الكلاسيكية المنهمكة بالوصف التجريدي لعالم الأفكار. لقد 
قام بعملية انقلاب على منهجيته السابقة فبدّل العنوان الأصلي لأطروحته بالعنوان 
الثانوي لكي يبرهن على وجود حركة إنسية لدى شريحة واسعة من العرب 
المسلمين خلال القرن الرابع الهجري» بعد أن نُقِلت الفلسفة اليونانية إلى 
العربية؛ فأصبح العنوان كالتالي : «النزعة الإنسانية العربية في القرن الرابع 
الهجري: مسكويه مؤرخاً وفيلسوفاً». لقد ترجمت أطروحته إلى العربية تحت 
عنوان: نزعة الأنسنة في الفكر العربي ‏ جيل مسكويه والتوحيدي. 

كذلك إن اختياره مسكويه والتوحيدي يعني أنه التفت منذ البداية إلى 
مفكرين مصنتفَيْن «ثانويين»» فلم تبهره الأسماء الكبيرة» ولم يشأ السير في موجة 
التهميش المتّبعة. لقد ربط بين نزعة الأنسنة لدى مسكويه والتوحيدي وبين 
ازدهار النزعة العقلانية في القرن الرابع الهجري. إنه يرى أن الموقف الإنساني 
منسيّ في الساحة الإسلامية» لقد تمّت تصفيته عن طريق إهماله وعدم البحث 

أما الجابري فنقطة انطلاقته كانت مغايرة» كما الأجواء المحيطة به أيضاً. 
رغب بدايةً التخصّص في الرياضيات أو العلوم لكنه عاد عن هذا القرار يعد 
حين. يمكن أن نلحظ بوضوح اهتمامه بالعلوم التي تأخذ المعرفة موضوعاً لها 
وليس الإنسان. وهو يشير إلى «أن الرياضيات قد ظلت على الدوام ‏ وما 
زالت ‏ النموذج الأعلى للمعقولية»؛ لذلك كان من الضروري تتبّع «تطور 
التفكير العقلاني؛. من أفلاطون وأرسطو إلى العصر الحاضرء وذلك من خلال 
تطوّر الفكر الرياضي موضوعاً ومنهاجاً. عبر عملية تطورية متسلسلة» عامة 
ومتواصلة)”'"“. 

لقد عبر الجابري عن اهتمامه بالعلوم من خلال كتابه مدخل إلى فلسفة 
العلوم الذي صدر في طبعته الأولى عام 1975, مشدداً على أهمية المنهاج 
الأكسيومى باعتباره أداة للتجريد والتحليل مهمة جداء لا يجوز الاستغناء عنها. 
أراد أن بوجّه طلابه إلى العلوم الرياضية لكي يدرّبهم على العقلانية» فهاجسه 
تربوي منذ البداية. إنه يرى «أن النظرية المصاغة صياغة أكسيومية تصبح حينئذ 
بمثابة دالة نظرية» أو عبارة عن قالب للنظريات المشخصة. إن الأكسيوماتيك من 


* محمد عابد الجابري؛ مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي. ط‎ )0٠١( 
.679 ص‎ ١48+ (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.‎ 


+05 


هذ الناحية أداة ثمينة تمكننا من الاقتصاد في المجهود الفكري. وذلك بجمع عدة 
نظرياتك فى نظرية والعدة وبالتالق التفكير فى الستعدد اق خلال ازا 


كان الجابري يميل منذ البداية إلى الابستمولوجيا فاختارها كمنهج يسهم 
في تفكيك بنية العقل وفهم آلية اشتغاله. لكن هذا الهمّ المعرفي لم يكن مجرّداً 
من الهم الأيديولوجي الذي ظهر في ما بعد بقوة أكثر في كتاباته. لم يخف ما 
لديه من «هموم النهضة القومية» على الرغم من انشغاله بالناحية العلمية 
والموضوعية وحرصه على القيام بنقد «جدّي وصارم' للأداة التي يقرأ بواسطتها 
العربي ويفكر ويحلمء أي العمل العربي. لذلك نجده بعد أن قدّم «قراءات 
معاصرة في تراثنا الفلسفي» في كتابه نحن والتراث». توجه بالنقد إلى «الخطاب 
العربي المعاصر» الذي لم يدرك أن #سلاح النقدة يجب أن يسبقه ويرافقه «نقد 
السلاح”'' "0 أي نقد العقل» فيتمّ بذلك «تدشين عصر تدوين جديد» ويتحقق 


بالتالي «المشروع النهضوي العربي». 


إن ما يميّز أيضاً قراءة أركون للتراث عن قراءة الجابري يكمن في أن 
الأول دخل إلى حقل عمله من باب واسع متعدّد غير محصور بنسق أو نهج 
واحدء بينما سعى الجابري من خلال الاعتماد على الإبستمولوجيا بشكل أساس 
إلى الحفر متسلحا في مفهوم «القطيعة الإبستمولوجية'» الذي وجه عمله النقدي. 
لقد استخدم أركون شبكة من المناهج متعددة الأدرات وهي بمعظمها ثمرة 
جهود معاصرة ما زال الغرب يعمل قدما في إنتاجها. إنه يرفض تقديم قراءة 
أحاديّة الجانب بل يدخل إلى النص من زوايا متعددة اعترافا منه بغناه وباتساع 
دائرة «المسكوت عنه؟ فيه أي النص - لذلك كان من الضروري التمرّس في 
الحفر ولق استسلاق: النمان ت بخاصة النضن الدوين ف لاأن' ما قفي أكبل مما ييه 
ظاهرياً. كما إن تعاطي أركون مع التاريخ الإسلامي لم' يعم اتطلاقاً من:زاوية 
واحدة محصورة بسرد وتأريخ الأحداث» إنما جاء تعاطيا متعدد القراءات 
يستعين بعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا والسيميائيات. إنه يعمل 
على أساس أن الحقيقة التى يبحث فيها هى متعددة بحد ذاتهاء لذلك يمكن 
مقاربتها من مستويات داه : 


(١١)المصدر‏ نفنه؛ ص 4١‏ 
)١١(‏ محمد عابد الجابري» الخطاب العربى المعاصر: دراسة تحليلية نقدية» طّ © (بيروت: مركر 
دراسات الوحدة العربية» )١4‏ ص ١ة.‏ 


/ا5 


لقد تحدث الجابري عن ثلاث خطوات منهجية تأتى بعد عملية فصل 
الذاه خح:الموضووة ذخ احل تعقيق القراءة اللعوديةة للح : جفاك أررا 
المعالجة البنيوية» ومن ثم التحليل التاريخي فالكشف عن الوظيفة الأيديولوجية 
ضمن الإطار الاجتماعي والسياسي. لكن يمكن أن نشير إلى أن المنهج الذي 
طغى على قراءة الجابري يكمن في تفكيك البنى المعرفية المستمد من 
الإبستمولوجيا. إن العقل العربي ببعده النظري مركب من ثلاث بنى: البيان 
والعرفان والبرهان؛. وببعده 2 المتعلّق بالسياسة مؤطر بثلاثة محدّدات: 
القجلة “و لقني عقيل ش 


إن مفهوم التحليل في المنهج الذي مارسه الجابري «ينطلق من النظر إلى 
موضوعاته لاا بوصفها مجرّد مركبات بل بوصفها بنى (. . .) إن تحليل البنية معناه 
القضاء عليها بتحويل ثوابتها إلى تحؤّلات ليس غيرء وبالتالي التحرّر من سلطتها 
وفتح المجال لممارسة سلطتنا عليها»”"'". هذا النمط من التحليل هو «التفكيك» 
فى مفهوبه الخاص الذي يهدف إلى تفكيك العلاقات الثابتة داخل البنية الواحدة. 
أعطى مثالين على ذلك عندما قام بتفكيك أحد الأحاديث النبوية القائل بأن «كل 
محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار؛ء» وعندما حلل أيضاً نصيب 
البنت من الإرث في الإسلام كما ورد في السلؤرة النساء» الآبة 2'4290/5. كذلك 
قام بتطبيق هذا النمط من التفكيك ليس فقط في مجال الشريعة إنما أيضأ حينما 
درس الأصول الخمسة عند المعتزلة» وهي أصول تتعلق بالعقيدة» لكنها تعبّر عن 
مضمون اجتماعي أو سياسي» حاول الكشف عنه!*". 


نجد أركون من ناحية أخرى يقَدْم إلينا خمسة مبادئ تحكمت في قراءته 
لسورة الفاتحة ووجهت مسار بحثه». ما قد ميّز هذه القراءة من القراءة التفسيرية 
الكلاسيكية. نوجزها على الشكل التالي: على الباحث أن ينتبه أولا إلى أن 
الإنشات :هو يمتابة امتكلة "محفوسةة«الفتة إلى" الاشستان: عليه أن يغ ثانيا 
أن معرفة الواقع بدقة هي من مسؤوليته وحده. ويقصد بالواقع هنا العالم» 
والمعنى» والكائن الحي. . . إلخ. كما عليه أن ينتبه ثالثاً إلى أن معرفة الواقع 


)١(‏ محمد عابد الجابريء التراث والحداثة: دراسات . . . ومناقشات (بيروت: مركز دراسات 
الوحدة العربية. ١‏ 1)). ص 247. 

,.6851-09٠ لمزيد من التفاصيل» انظر : المصمدر ثفنهءع ص‎ )١4( 

.1١ 8601١ لمزيد من التفاصيل» انظر : المصدر نفسه» ص‎ )١5( 


04 


تتنطلب جهداً متواصلا , يمكنه من تخطى «الإكراهات البيولوجية - الفيزيائية» 
والاقتصادية والنياسية واللغوية» :العى من شاتها أن تحد من أشرط الباتعك 
الوجودي بصفته «كاثناً حياً (وإذن قابلاً للموت) .وتكلما) اميا 
وتاريضياء واقتصادياً (وإذن عاملا أو مشتغلة))”'؟. كذلك عليه أن يعى رابعاً أن 
معرفة الواقع هي ١مجازفة‏ مستمرة) لأنها عملية «خروج متكرّر» بعيدا عد حدود 
السياج المغلق الذي يفرضه كل تراث ثقافي بعد أن يختبر تجربة مكثفة. إن 
الباحث مطالب خامساً بعدم التوقف عند حلّ محدّد مهما كانت النتائج التي 
تحققت كبيرة لأن مساره كالصوفى الذي لا يعرف الاستقرار فى مراحل سلوكه 
نحو الله وكالفالم الذي يمازس. البحث العلمي المتواصل برافضاً التوقف عند 
نتيجة معينة لأنها تقريبية وموقتة. لذلك فهو يعمل على تجاوزها لاحقا. 

يمكن أن نلحظ هنا كيف أن أركون يحاول أن يفصل بين التحليل المبني 
على 'الألستنات: والسيعانيات الحدفة: وبين "التجليل والتاويل الالاموتيين. إله 
منخرط إلى حذ بعيد في مناهج علوم الإنسان والمجتمع, الأمر الذي مكنه من 
أن يقدّم إلينا تحليلاً للخطاب الديني مبنياً على تساؤلات تطرحها الأنثروبولوجيا 
الدينية والثقافية والاجتماعية: لذلك نجده يحارب محاولة التمسّك بقراءة 
واحدة. وقبول الانغلاق ضمن تصورات تراث واحدهء والركون بطمأنينة إلى 
حل واحد ونتيجة محذدة. إنه يشبّه عمل الباحث عن حقيقة الواقع بالمجازفة 
المحفوفة بالمخاطر التي لا تعرف التوقف عند محطة نهائية. عمل على تقليص 
دائرة «المستحيل التفكير فيه» التى كانت قد تضخمت عندما همّش كل تراث 
وأخفى أثمن وأهم ما علّمه التراث الآخر. 

لقد ركز على أن الإنسان هو «مشكلة محسوسة» بالنسبة إلى الإنسان لكى 
يشير إلى أن المعرفة البدهية بعيدة عن الواقع. إن جعل الشيء مكلا يعدي تزع 
البداهة عنه والوهم بمعرفته كما هو؛ من أجل تقديم صورة جديدة عنه. لذلك نرى 
أن عمل أركون يبدأ بزحزحة المفاهيم عن مواقعها التقليدية الراسخة لكي يفككها 
فى ما بعدء ويتوصّل بالتالى إلى تجاوز معناها التقليدي. إذا هناك الزرحزحة 
فالتفكيك ومن ثم التجاوزء ثلاث خطوات منهجية ثابتة يعتمدها أركون في أبحائه. 


إن من يتتبع مسار أركون في التعاطي مع النص الديني يجد المنهجية 


(17) محمد أركونء القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني» ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الطليعة. كيل ص .١77‏ 


60ذظ 


الألسنية حاضرة بقوة كلما يذكر بمشروطية النص اللغوية. لقد تعاطى مع نص 
الوحي باعتباره مكتوبا بلغة بشرية» يخضع لقواعدها النحوية والصرفية والبلاغية 
واللفظية. كذلك يمكن أن نلحظ استفادته من منهجية علوم الإنسان والمجتمع 
عندما يتوقف عند تأثّر النص الديني بالبيئة التي ظهر فيها وبشروطها الاجتماعية. 


يعلّق علي حرب على تفكيك أركون النص القرآني والعقل اللاهوتي فيرى 
«أنه يوظف ترسانة معرفية ومنهجية هائلة ضد تراث طويل من التفسير يقوم على 
التعامل مع القرآن بوعي ديني يتجاوز التاريخ ويعلو عليه. ومعنى ذلك أن أركون 
يوظف تفكيكاته ضد المنطق اللاهوتي القرآني» ولا أقول ضد القرآن بالتحديد 
الاش إن المعو ىنعي ونين العيدان مقع ةو البظاه لوط رسيا ياف 
والطبقات»”"'“. كذلك يميّز علي 5 بين منهجية أركون الحفرية ومنهجية 
الجابري الإبستمولوجية. فيشير إلى أن هذه الأخيرة تهتمٌ بتقسيم النتاج المعرفي 
على أساس الفصل الحاسم بين الخطأ والصوابء أو بين المعقول واللامعقول. 
إن المنهجية الحفرية تعمل 5 تجاوز هذا اموق من أجل البحث «عن 
آليات الخطاب في تشكيل المعنى أو عن الاعيبه في إنتاج الحقيقة"». من هنا 
اعتبر أركون أن السبّة كما الشيعة يخضعون لنظام معرفي واحدء وعقلية عقيدية 
تبلور مفهوماً أحادياً للحقيقة؛ كما أنهم يتبعون استراتيجية الرفض عينها كل 
واحد ضد الآخر. إن ميزة المنهجية الحفرية بالنسبة إلى علي حرب تكمن في 
العمل على «تجاوز منطوق الخطاب للبحث عن مضمراته ركعي عر النات 
اشتغاله. ولهذا فإن هذه المنهجية ته تفتح آفاقاً جديدة أمام التفكير وتقدم أدوات 
مفهومية تتيح قراءة ما لم تثُقرأ يو 


يرى جورج طرابيشي في هذا السياق أن عمل أركون انصبٌ على تشكيل 
لاهوت جديد في الإسلام من أجل تجاوز ما قد توصّل إليه العقل إبّان القرون 
الوسطى. اهتمٌ بالردّ على محاولات السلفية التي ما زالت تجتهد من أجل 
اتتريث التاريخ» وذلك بالعمل على «تتريخ التراث» كل التراث»ء بما في ذلك 
«الحدث القرآني»: ترسيخاً لقيم الحداثة»!؟'2. 


,2)١998 علي حربء. الممنوع والممتنع : نقد الذات المفكرة (بيروت: المركز الثقافي العربي.‎ )1١0( 
.١57١ ص‎ 
.1١25060-١؟5 المصدر نفسهء ص‎ )14( 


160 ) جورج طرابيشي» من النهضة إلى الردة: تمزقات الثقافة العربية ة في عصر العولمة (بيروت : دار 
الساقي . ٠‏ ٠0٠0)ء‏ ص 145. 


2 


يشير كمال عبد اللطيف من جهته معلّقاً على الجهود البحثية التي يقوم بها 
محمد أركون فيجدها تتميّز باستراتيجية نقدية جذرية» «وهي تتوخى الإحاطة 
بالظاهرة الإسلامية كظاهرة حيّة في التاريخ» بل كظاهرة صانعة للتاريخ)”' ". إن 
هذه الجهود تهدف إلى «تشريح ونقد الحمولة المعرفية» الموروثة عن القرون 
الوسطى من خلال استخدام أدوات منهجية حديثة. إنه يرى «في قراءة أركون 
للتراث؛ اعتراف بكونية المعرفة. وفي هذا الاعتراف تصالح عميق مع 
الذات (. ..) والتصالح المقصود هناء هو الاعتراف بإمكانية إدراك المسافة 
التاريخية الفاصلة بين تشكل الوعي في الذاكرة والتاريخ» ومقتضيات الحاضر 
سحلت متطلباته)”7 "2 


إن ما يلفت قارئ النصوص الأركونية وفرة المصطلحات الحديئة 
والمراجع التي يحيل إليها. إن في ذلك لدليلاً واضحاً على اكتساب أركون 
أهم منجزات الحداثة وبراعته في توظيفها والاستفادة منها في بلورة مشروعه 
النقدي المتعذد الأبعاد. نود أن نشير أيضاً إلى مواكبته أبرز ما يصدر في 
الغرب حول الإسلام أو علوم الإنسان والمجتمع. وهو حريص جداً على أن 
يذكر أسماء الذين استفاد منهم متوقفا في هوامشه عند تعداد لائحة بعناوين 
الكتب التى اطلع عليهاء حتى ولو أن هذه الكتب كانت قد صدرت حديفاً 
نجده قد نهل منها وذكرها فى مراجعه. هناك مثلاً فى كتابه الفكر الأصولى 
واستحالة التأصيل الذي صدر عام ١148‏ وأنجز مقدمته في آب/ أغسطس 
لائحة بأهم الكتب التي قرأها وعلق عليها تتضمّن ستة كتب صدرت 
في العام نفسه أي للخ إن هذا الاهتمام الكبير بما يُنتج حديثاً فيه 
إشارة واضحه إللن حماسة اركون وشغفه بموضوع بحثه» وبرهان على عدم 
تمسّكه بفكرة واحدة. والتزامه بنسق واحد ونتيجة نهائية. إنه يعيد النظر 
باستمرار في ما توصل إليه هو. 

يرى كمال عبد اللطيف في سياق بحثه في «الاسترايجية النقدية» لدى 
أركون أنه عندما يستعير المفاهيم والمناهج التي ينتهجها الغرب لا يقوم بذلك 


(29) كمال عبد اللطيف» العرب والحداثة السياسية (بيروت: دار الطليعة» /1 )2 ص 7 

(١؟)المصدر‏ نفسه. ص 452. 

)١6(‏ لمزيد من التفاصيل» انظر: محمد أركون» الفكر الأصولي واستحالة التأصيل : نحو تاريخ 
آخر للفكر الإسلامي؛ ترجمة وتعلين هاشم صالح (بيروت: دار الساقي؛ ».)١9149‏ الفصل الثاني» ص 94١‏ 
648 


اكع 


بدافع الافتتان والانجذابء. إنما «يغامر باستدعاء هذه المفاهيم. أو هذه 
السلطات المعرفية المرجعية من زاوية رغبته في تدشين عهد جديد في التعامل 
مع الإسلام. إنه يستثئمرها ليوسعها ويغنيها ويغني بواسطتها في الوقت نفسه 
حقل دراسة الإسلام والقول الإسلامي»!"". 

إن ما يهم أركون تحقيق النقد التاريخي للنصوص التأسيسية في الفكر 
الإسلامي كما حدث في المسيحية مثلا. إنه يرفض أن يبقى الإسلام مستبعّداً عن 
حقل البحث والحفر والاستنطاق. لا يتم التعاطي معه إلا من زاوية المنهج 
الفلولوجي أو العلوم الإسلامية الكلاسيكية. لذلك حاول أن يبلور مشروعاً آخر 
أطلق عليه تسمية «الإسلاميات التطبيقية» رغبة منه في إدخال الإسلام ضمن 
اهتمامات العلوم والمناهج الحديثة من جهة. وفي تغيير النظرة الأحادية الضيّقة 
التي تفقر التراث أكثر مما تغنيه من جهة أخرى. من الضروري الإشارة هنا إلى 
أنه لا يهدف البتة إلى تدمير الدين إنما إلى استيعاب تعاليمه بشكل أفضل عن 
طريق نقد التراث الدينى وتفكيكه. لا يقبل أن يكتفى بالنظرة السطحية والقوالب 
الجامدة لأنه يريد الغوص إلى الباطن ليكتشف ما يخفيه في العمق مستخدماً 
الأدوانك اهدر السدينة .عله يضي فى النهارة تلن اقتشال الحراك الاملاتى فى 
التراث العاتسى: محارياً فى ذلك كل المحاولآت التهميشية: هناك مسافة تفضل 
بين الإناام والظاهرة الابلافة مق جية تو التجوك المعرقن الذي غرقه الفكر 
المعاصر من جهة أخرى. إن أركون يعمل على تأسيس مصالحة معرفية تجمع 
بين الإسلام ومنجزات الفلسفة وعلوم الإنسان لكي يؤسّس خطابا جديدا بعيدا 
عن التكرار والتبجيل. 

يرى كمال عبد اللطيف في هذا السياق «أن تنويع أساليب المقاربة» 
وتنويع الأدوات والمفاهيم التي تتيح إعادة إنتاج المعاني هي جوانب من مظاهر 
الاستراتيجية النقدية التي يمارسها أركون. وهي تبعد خطابه عن الحسم وتطبعه 
بكل إيجابيات الموقف الريُبي (...) حيث يتم الاعتراف بأن مجال البحث 
يتعلق بأمر يهمَّ الإنسان في الزمان» ونقصد بذلك فهم حدود ومحدودية 
الظاهرة الدينية)7*". 


(75) كمال عبد اللطيف» قراءات فى الفلفة العربية المعاصرة (بيروت: دار الطليعة. 2)١994‏ 
ص .1١١‏ 
( )المصدر نفسهء ص 1 


57 


أما الجابري فنجده في المقابل يقوم بخيارات منهجية مختلفة» إذ يستبعد 
الأنثروبولوجيا والنقد التاريخى لمصلحة النقد الإبستمولوجى. إنه يرى أن 
التجديد - لا يات إلا من «اغخل :العراف الحربي الاسلاني ومن القران: والنيلة ومن 
هنا ضرورة التمرّس باللغة العربية. يشدّد على «أن النصوص الدينية الإسلامية 
هي نصوص عربية» لذلك فأن المركز الثقافي الديني «سيبقى عربياً»» وطالما أن 
التتجديد طاول الأطراف'فقظ أي البلدان الاسلامية غير العربية ت فإن 
انعكاساته وامتداداته ليست فاعلة في «المركز». أي في العالم العربي. لذلك 
يجب العمل على تجديد المركز لكي تستفيد الأطراف. يرى الجابري «أن 
اختلاف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي هو من 
العمق والاتساع بحيث تبدو معه الأوضاع الاجتماعية والثقافية في العالم العربي 
أكثر انسجاماً. وبالتالي فالعالم العربي هو المؤهل أكثر من غيره ليكون مركز 
إشعاع في مجال التجديد الديني)””". 


يركز إذا على ضرورة تعلّم اللغة العربية والبحث في داخل التراث عن 
الدينية الإسلامية كما حدث للنصوص الدينية اليهودية والمسيحية التي لم يكتبها 
مؤلف واحد. فى زمن واحدء لجمهور محدد. لذلك جاء النقد الحديث لكى 
يظهر ضرورة اختلاف التفسيرء وأهمية تنوّعه» ويضّر على عدم التقيّد بأي سلطة 
سوى سلطة العقل واتباع المنهج العلمي. أما في ما يتعلّق بالقرآن فإن الوضع 
مغايرء إذ إنه بالنسبة إلى الجابري ١لا‏ نستطيع الشك في صحة النص الذي بين 
أيدينا اليوم. إنه نفس النص (المصحف) الذي جُمع ورتب وأقرّ كنص رسمي 
زمن الخليفة الثالث عثمان بن عمان) "“. 

لذلاف له رعتير :أ التقن الثاني سوق ركفت شين سيدا مغايرا لماغن 
اختلافات تطاول الجوهر بين النص الذي جُمع أيام عثمان. وبين القرآن كما تم 
تلقيه رمن النبى» والدليل على ذلك مجمل النزاعات والحروب التى قامت بين 
المسلمين من دون أن يُتهم أحد بالمس بالنص القرآني. أما في ما يتعلق بفهم 

(55؟) محمد عابد الجابري» «في فضايا الدين والفكر (حوار)»2 فكر ونقد. السنة .١‏ العدد 4 
(أيار/ مايو .)١99/‏ ص .١5‏ 


2255 المصدر نقسهء ض الكل 


و 


هذا النصء أي بتأويله وتفسيره.ء فإن المجال مفتوح أمام كل من تمكن من 
اللغة العربية واطلع على تاريخ نزول القرآن. كذلك إن علاقة القرآن بالجماعة 
الإسلامية وبحياتها اليومية موضوع يقبل الدرس منذ فترة الوحي» مثل التمييز 
بين الآيات المكية والمدنية» وبين الناسخ والمنسوخ وربط ذلك بأسباب النزول 
وبالسيرة النبوية وبأساليب العرب في التغيير. إن هذه الأمور يمكن الاجتهاد 
فيهاء وليس هناك ما يحول دوك 'تظبيق (الأساليب الحديثة). 


من هنا يعتبر الجابري أن نقد التراث يجب أن يطاول أنواع الفهم التي 
كان المسلمون قد أنتجوها وهي تتمحور حول دينهم وتاريخهم وثقافتهم. إنه 
يضيف قائلاً: «أما بناء فهم جديد للنصوص الدينية» فهذا ليس من مهمتيء 
فلست مصلحا دينيا ولا صاحب دعوة؛ ولا لدي رغبة في إنشاء «علم كلام» 
جديد. إن اتجاهي ومجال تحركي هو «نقد العقل» نقدا إبستمولوجيا. وبطبيعة 
الحال فهذا لا يقوم مقام أنواع النقد الأخرى ولا يلغيهاء وإنما لكل مجاله 
واتجاه اهتمامه»"“. 


يحصر الجابري اهتمامه بالتراث العربي الإسلامي ويحدد منهجه بالالتزام 
بالنقد الإستمولوجي من أجل نقد العقل العربي» رافضا التعاطي مع النص 
الديني من وجهة نقدية لأنه يأبى تأدية دور المصلح الديني» كما إنه يرى نفسه 
يعيدا عن محال تأسهين «علم كلام" ري عوا ممم الحياة المعاصرة. إن هذه 
الخيارات المنهجية» ٠‏ كما هو واضح تجعله يتخذ توجهاً مختلفاً عن توججه أركون 
وهدفاً مغايراً لهدفه. فالتجديد بالنسبة إلى أركون يجب أن ينطلق من إخضاع 
الفكر الديني للنقد التاريخي وللتحليل المبني على ركائز ومكتسبات علوم 
الإنسان والمجتمع والألسنيات الحديثة. 


يعلق يحيى محمد على المسار المنهجي الذي اتبعه الجابري فيرى أن أهم 
اسار يتوه المكدي هر الطرج المتيضي لدرانية داري خ الفكر العربي 
الإسلامي. لكن استراتيجية البحث الذي اعتمده: اتصفت بأنها تترصّد هذا الفكر 
ك «موضوع في ذاته' بغض النظر عن اعتبارات مهمة تتعلق بكون هذا الفكر 
لبس منفصلاً عن فهمه للخطاب أو الشريعة)7*"©. 


(100) المصدر نفه» ص 4. 


6 


لم يشأ الجابري إذأ التطرّق إلى مسألة فهم الخطاب الديني وتأويله على 
الرغم من أثر هذا الفكر الفاعل في عملية إنتاج التراث العربي الإسلامي الذي 
انشغل به إلى حد كبيرء وبحث فيه عن سند كلي يعثر على ما يمكن أن يقوده 
نحو النهوض والتجديد. يرى يحيى محمد أن الجابري بحث فى التراث وحاول 
الانطلاق من اللحظة المغربية التى أهملت» إذ ون كنبا مل ف باق فى اتجاه 
المعقولية والعقلانية» اكير والتجديد لا يأتى عنده بأكثر من ا هذا 


التراث المهمل والانتظام به مثلما حصل في الع 


إن نظرة الجابري إلى التراث لم تكن محايدة مجرّدة من أي هاجس 
أيديولوجي. حتى عندما قزر الالتزام بالتحليل الإبستمولوجي لم يرم جانباً ما 
كان يحرّكه في الداخل من هموم أيديولوجية. إنه يؤكّد في سياق ردّه على بعض 
محاوريه «أنه لا نستطيع أن ننظر إلى موضوعنا «التراث»» نظرة «محايدة» لا 
مبالية» فالهاجس الأيديولوجي حاضر فينا دوماً عندما نكون إزاء موضوع من 

إننا لا نمارس نقدأ حيادياً بل نمارس نوعاً من النقد الذاتي بمعنى إننا 
ندرس التراث من أجل أن نوظفه فى إعادة بناء ذاتنا الوطنية القومية وليس فقط 
من أجل أن نفهم موضوعاً من الموضوعات»”'". 


يبدو واضحاً في هذا التصريح أن الهم الأيديولوجي أذَّى دوراً برزاً في 
بلورة مشروع الجابري النقدي» وفي تحديد أهدافه. من هنا يمكن أن نفهم هذا 
الإعجاب الفائق بعقلانية ابن رشدء وهذه العودة المتكرّرة إلى ما كان قد أنتجه 
في مجال الفلسفة أو العقيدة أو السياسة. جعل الجابري ابن رشد أصلا أنموذجاً 
يقيس عليه ويعود إليه باستمرارء إن هذا الخيارء كما نراه. ليس معرفيا محضا 
إنما تشوبه الكثير من الهواجس الأيديولوجية التى دفعته فى بعض الأحيان إلى 
تفكدد حوره رن وليه رالحدالقة فى الككاره ا سريها اسع ل كن 
مجال. قد يكون ذلك لأنه وجد فى ما كتبه هذا الفيلسوف تجربة متقدمة فى 
تطارطية الفقلا ني يع لواحن ادرفم وقد كو توميب أمذلة المفى وانتمانه 
إلى مدرسة الأندلس» والأرجح أن يكون الاثنان معاً. 


(59) المصدر نفسهء ص 1. 
كرف الجابري» التراث والحداثة : دراسات. . . ومناقشات.» ص 5875 547, 


6 


إن الهاجس الأيديولوجي كما ظهر عند الجابري سواء في أبحاثه أم في 
تفتريضاتة: اندو جلا إلى هنا" الحد أت مولفات محمد أكون هذا لا يس 
انتفاء و-جوذه. 


إن أركون يعمل علناً أو ضمناً على نقد العقل الإسلامي من أجل أن يُسهم 
في إنتاج عقل يفهم الدين داخل التاريخ اب ا الدينية 
لكي يميّز بين ما ينتمي إلى المخيال الديني والاجتماعي وما ينتمي إلى العقل. 
نجده يعتمد التكرار في أكثر من موضعء ردان اله امه عونا عاد 
المرتون لكي يوصلوا الأفكار صحيحة إلى طلابهم» ويقنعوهم بهاء ويشجّعوهم 
بالتالي على القيام بفعل التفكر والنقد. عندما انتقد العقل الإسلامي لم يظهر 
فقط مكامن الضعف فيه أو لم يكتفب بإبراز الناحية السلبية» إنما سلّط الضوء 
على ما أنتجه هذا العقل فى المرحلة الكلاسيكية التى وصفها بالذهبية» كما 
لفت إلى حضور العقلانية والإنسية في القرن الرابع الهجريء وأشار إلى بعض 
الممارسات التي تكشف شيئاً من وجه العلمنة في تاريخ الممارسة السياسية في 
الإسلام. كذلك عندما انتقد عقل الأنوار الذي أنتج الحداثة لم يكن بدافع الهدم 
والنفي إنما حاول أن يبرز أهمية العقلانية ودورها في تحرير الفكر من دون أن 
يغفل عن التذكير بعدم التقوقع داخل سجن العقل الموضوعي. وبضرورة 
الالتفات إلى الثقافة الشفهية وإلى كل ما له علاقة ببنية الخيال والقصص والرمز 
ومختلف العلامات التي يعبّر الإنسان من خلالها عن مكنوناته» هذا بالإضافة 
إلى تركيزه على ضرورة أخذ العامل الديني بالاعتبار» ودرس أثره في المجتمع 
وأثر المجتمع فيه. 

من هنا يمكن القول إن أركون لا يمارس النقد من أجل الاستبعاد أو الهدم 
أو إبراز ما هو سلبي فقطء. وكأن هناك نظرة شمولية تسيّر أعماله فتمنعه من إطلاق 
التصنيفات بشكل عشوائي» وتهميش ما هو إيجابي في موضوع بحثه. وكأنا به 
يترك مجالا للتواصل بينه وبين الذين يرفعون شعار الأصولية والدفاع بحماسة عن 
الدين الحق من جهةء وبين الذين أنتجوا خطاب الحداثة وتوصّلوا في ما بعد إلى 
عق ودين عووة اخرىى كم العم ضارنه مقارزة مانا لأهداف أركز :4 نهو 
لا يمل من التحدث بمرارة عما أسماه «التواصل المستحيل). 

إن الغرب لم يفهمه على حقيقته. فانُهم بالأصولية» وبالداعية المبشّرء ولا 
العلماء المسلمون غاصوا في عمق أبحائه. فاعتبروه خارجاً عنهم» يعمل على 
الهدم وليس البناء» وأطلقوا الاتهامات في حقه جزافاً. 


كع 


استنتاجات 

نود أن نشير في ختام هذه المقارنة بين خصوصية منهج أركون النقدي 
ومنهج الجابري إلى أننا بعد أن بحثنا في ما أنتجه هذين المفكرين». وحاولنا 
التعمّق في خياراتهما المنهجية» فبدا لنا أن أركون عندما دخل حقل عمله لم 
يكن بين يديه مشروع محدذد مسبقاء له تفاصيل واضحة المعالم. إن الكتابة عنده 
هي فعل غير منجزهء لأن البحث هو الذي يوجّه الكتابة. لقد وجدناه يدرس 
المعرفة كما هي من دون أن يضع لها شروطأ تقيّدها أو تجعلها تظهر ما لا 
تتضمّنه. لذلك يمكن أن نصف دراساته بالمقاربات التي تفتح المجال دائما 
لإعادة النظر والنقدء فهي غير مغلقة» إنها بحث عن مشروع يتبلور تباعا. 

أما الجابري فقّد بدا لنا وكأنه يحمل مشروعاً نسقياً محدداً يهدف إلى قراءة 
العقل العربي. إنه يريد أن يصئف المعرفة القديمة وفقاً لمنهج اعتبره أنه 
الأنسب. إننا نعتقد أن الجابري قام بإنجاز مشروعه النقدي لأنه أدرك منذ البداية 
أهمية ابن رشد والعقلانية التى بلورهاء فجاء مشروعه لكى يشير إلى ما كان قد 
اكدقة نهو سنايقا: :آراة انتيسيلط الغنوء على قطب اناس .فى العراك العرين 
الإسلامي وجد فيه الحل للمعضلات المعاصرة التي يتخبّط فيها الفكر العربي 
اليوم. بمعنى آخر أنه شخص المرض ووصف العلاج قبل المباشرة بالمعاينة 
الدقيقة أو البدء بالحوار مع المريض» هذا الحوار الذي كان بإمكانه أن يقوده 
ربما إلى حل آخر. 

إن تقويم هذين المشروعين اللذين اتخذا النقد عنونا عريضاً سوف نتوقف 
عنده في الفصل التالي» مشيرين إلى أهم الردود والتبريرات التي نتجت منهما. 


لاع 


الفصل الثامن 
مشروع نقد العقل العربي الإسلامي 
لدى أركون والجابري 


يودي بنا الكلام على المنهج إلى التوققف حكماً عند نقد العقل العربي 
الإسلامي لدى أركون والجابري. إن المفكرَيْن عَمَّدا الاشتغال في تفكيك العقل 
والغوص في تجلياته كل من موقع خاص به. هنا برزت أهم الخطوات التي 
ميّزت المشروع الأركوني عن مشروع الجابري» كذلك هنا ظهرت الأهداف 
مغايرة والنتائج أيضا. 


نبدأ أولاً من نقطة الانطلاق التى عرفت الكثير من الانتقادات والردود وهى 
تحديد هوية العقل. أو ترسيم إطار العمل. لقد حصر الجابري اهتمامه بالعقل 
العربي معتبراً أن النقطة المركزية للعقل الإسلامي تكمن في ما أنتج باللغة 
العربية» وأن النقد والتجديد يجب أن يطاولا المركز ومن ثم الأطراف. كما إنه 
لم يرَ نفسه ذاك اللاهوتي الذي يحمل مشروعا إصلاحيا رافعا لواء تجديد علم 
الكلام. إنه يفضّل الاشتغال بنصوص التراث التي لا علاقة مباشرة لها بالشريعة 
والعقيدة وبخاصة الوحي. تسلّح بأدوات التحليل الإبستمولوجي وحذد إطار 
عمله بالمعرفة التي أنتجها العقل العربي. إنه لا يرى أن العالم العربي بإمكانه أن 
يتحمّل النقد اللاهوتي, لأن هناك حرمات يجب ألا تُنتهك» ومن الضروري 
احترامها لكي تتطور الأمور فيتطوّر معها الناس» ولا يتم القفز فوق التاريخ. 
وإذا كان لا بد من ممارسة النقد اللاهوتي فيجب القيام بذلك «من خلال 
القدماء يعني أن نستعيد (.. .) الحوار الذي دار في تاريخنا الثقافي ما بين 
المتكلمين بعضهم مع بعض. وما بينهم وبين الفلاسفة» ونوظف هذا الحوار في 


216 


قضايا عصرنا لإزالة بعض الضباب عن بعض القضايا وجعلها محل حوار)”') 


إن في هذا النص اعترافاً صريحاً بعدم الرغبة في خوض معارك النقد 
اللاهوتي مجاناً» وإذا كان لا بد منه فعليئا القيام به انطلاقاً من السلف أو من 
أنموذج سابق في التراث نقيس عليه. 0 واضحة إلى الماضي 
باعتباره سلطة تضمن حق النقد والتفكر. يعتبر الجابري أيضاً أنه إذا كانت 
ممارسة النقد اللاهوتى أمراً ملحا فإن بإنعاد كر تم لوللا أعناقة 
متشلحا بالنظرة العلمية والروع التقدية الذلك لب تمن راجن كمسل قن 
الحقل المعرفي أن يخوض معترك النقد اللاهوتي. 

ل لي ا او إنه لا يرى 
إمكانية الدخول في الحداثة ما لم ت: نتم ممارسة النقد اللاهوتي. أو نقد العقل 
الديني الذي حكم بمفاهيمه ومبادثه بره مكليو ره العقلي في التراث 
العربى الإسلامى. إن هذا العقل يشتغل ضمن إطار المعرفة الجاهزة». ويعمل 
على استنباط الحقيقة مرتكزاً على النص الديني» لذلك فهو عقل تابع. إنه لا 
يكترث بمشكلة أصل الوحيء كما إنه لا يهتمّ بمشروعية الانتقال من الوحي 
إلى المعرفة الصحيحة التامة. 


يشير أركون إلى «صعوبة مصطلحية» تواجه الذين يهتمون بالمجال العربي 
الإسلامي فبحاول تسهيل الأمر عندما يحدد أن «صفة عربي» تنطبق على تلك 
الوئنية التي كانت متمركزة في شبه الجزيرة العربية حتى ظهور الإسلام وانبثاق 
الظاهرة القرآئية (...). ثم حصلت الفتوحات (...) وساهمت في التشار 
العرب خارج الجزيرة العربية. ولكنها ساهمت أيضاً وبشكل خاص في الرفع من 
شأن العربية لغة القرآن. لكي تصبح لغة حضارة كاملة)”. 


أما صفة إسلامي فهي تشير إلى «الإسلام كعقيدة» ومجموعة من 
المعتقداتء» واللامعقتدات» والتعاليم» 0 المعيارية الأخلاقية - التشريعية 
التي تثبّت آفاق فكر ما وتنظم سلوك المؤمنين 0 


)١(‏ محمد عايد الجابري» التراث والحداثة: درامات . . . ومناقشات (بيروت: مركر دراسات 
الوحدة العربية؛ .)١9891١‏ ص .55١‏ 

(1) محمد أركون؛ معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية» ترجمة هاشم صالح (بيروت: 
دار الساقى» )ل ص اه 

(*) المصدر نفسه.؛ ص 07. 


282 


يرى الزواوي بغورة في تعليقه على مفهوم العقل الإسلامي عند أركون أنه 
مفهوم أوسع من العقل العربي». وبما أن هدفه يكمن في «الإمساك بالظاهرة 
الدينية» فإن أركون اختار العقل الإسلامي لأنه يفيده أكثر من العقل العربي في 
مهمته هذه. وعندما يستخدم «العقل الإسلامي») فهو يقصد «العمّل 52 التاريخ 
الإسلامي» أو تمظهرات العقل في التاريخ الإسلامي والأشكال المختلفة 
للعقلانية التي عرفتها هذه المجتمعات عبر تاريخها)”*". 


يتوقف علي حرب في سياق قراءته للمشروع الأركوني لكي ينتقد عملية 
تصنيف العقول. إنه يعتبر أن أركون كان قد انتقد العقل الإسلامي مستنداً إلى ما 
حققته «الكشوقات الأركيولوجية» فى حقل الخطاب. كما إنه فضّل استخدام 
العقل الإسلامي بدلا من العقل العربي لأنه كان يهدف إلى نقد الطريقة اللاهوتية 
العى اشعفل من نفلاتها هذا العف انظلافا من معطات الوهى.. لكن أركون 
بالكية إلعه الا رنسى من النطي:الاذموكى في العماله مظع العمل 
الإسلامي. إن هذا المصطلح ليس بداهة» بل هو تسمية تنطوي على تأليه 
للمسمّى بقدر ما تتحدّث عن وجود عقل إسلامي أحادي ثابت يتعالى على 
العلوم والأعلام وعلى اللغات والعصور (...). 

(..2 لا يوجد في النهاية عقل إسلامي أو شرقي أو غربي. هناك نصوص 
وخطابات أو قوى ومؤسسات أو أبنية وتشكيلات. بكلام آخر إن العقول هي 
افتراضات مجزردة لا توجد إلا فى الأذهان. أما فى الأعيان فلا يوجد سوى 
خطاناتك ل تقلت تقر الب وك 1 ١‏ 


كذلك يشير علي حرب إلى أن الجابري افترض في مشروعه نقد العقل 
العربي وجود بنية عقلية ماورائية تخصٌ العقل العربي» وهي مسؤولة عن عملية 
اكتساب المعارف. وعن الإنتاج الثقافي في سائر المجالات. إنه يشدّد في نقده 
لعملية تصنيف العقول على أهمية النص فهو الحاضر بين يدي الباحث وليس 
العقل. 

إن هذا الموقف النقدي الذي يبلوره علي حرب يُظهر أهمية المعرفة 


(:)الزواوي بغورة. ميشيل فؤكو في الفكر العربي المعاصر : محمد عابد الجابري. محمد أركون؛ 
فتحي التريكي . مطاع صفدي (بيروت: دار الطليعة» 6 5 ص ال 

(5) على حرب» الممنوع والممتنع : نقد الذات المفكرة (بيروت: المركز الثقافي العربي» م6١1)‏ 
ص 159. 


الا 


ويفضّلها على الهاجس الأيديولوجي الذي يمكن أن تخفيه عملية تصنيف 
العنؤل»< لكنه 0 يه قن تسيو حلدوة عمل النااحة ولا قن بخص امتعاماته. 
إن ممارسة نقد العقل من أجل النقد والتنظير أمر مستبعد عند أركون والجابري» 
الاثنان وضعا أهدافاً عملية وغايات واضحة لمشروعيهماء فالتفكير في العقل لم 
يكن هاجساً لديهماء لذا لم يولياه الأهمية التي يستحقها. 


إننا لا نوافق على حرب في اعتباره أن أركون والجابري قد اهتمًا بالعقل 
كمفهوم ماورائي فقطء وأهملا الاشتغال على النص وتفكيك الخطابات» 
والدليل على ذلك كل ما أنتجاه من تحليل للنصوص التراثية» على تنوّعهاء 
وهما لا يزالان يعملان» كل من ناحيته في هذا الإطار. 


نجد في هذا المجال تعليقاً حول مفهوم العقل الإسلامي عند محمد أركون 
قدمه شربل داغر مشيراً إلى أن «أركون. بخلاف الكثرة الكائرة من مؤرّخي 
ودارسي الفكر الإسلامي: لم يجعل «العقل الإسلامي» صيفاً فكرية» منها ما هو 
عقلانى وغير عقلانى. بل جعله أساساً ملكة نقدية «عقلاً عاقلاً» لكل ما أوتى 
من ثمار العفل: لا يقدّم تفسيره للتراث. ولا يختار حيّزه فيهء بل يخضعه لنقد 
العفل فى شرطيّه» التاريخي والمعرفى» أي إننا لا نجد «مفكرأ» بل ذاتأ مفكرة» 
تشخمي فلي عن ال 

يمكن أن نلحظ هنا اختلاف المقاربات الثى تناولت بالبحث النص 
الأركوتى »رهلا خيز وليل على ناه وتعددا الآفاق التي ,شرع إلبياء إن فى “تليق 
شربل داغر إشارة إلى الجابري من دون أن يسمّيه الذي ميّز بين ما هو عقلاني» 
وغير عقلاني؛ وتوضيحاً لمسار أركون النقدي وكيفية تعاطيه مع موضوع 
دراسته : العفقل الإسلامي. 

تجدر الإشارة هنا إلى التداخل العميقء بين ما هو عربي وما هو إسلامي 
في بنية العقل الذي هو موضوع نقد أركون والجابري. عندما اختار هذا الأخير 
الفصل بين عربي وإسلامي؛ مهتماً بالأؤل على حساب الثاني لم يحدّد تماماً 
ما يفصل بين البنية اللغوية والبنية المعيارية للعقل العربي الإسلامي. يرى 
بحين محمد أن الجابري فد امف مين خلال #رايمه تإثنات «الطبيعة العربية 


(7) شربل داغرء #سيرة الأستاذ»» في : الخروج على الحس المشترك ‏ قراءات في مشروع أركون 
([البحرين1: مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة. ؟١٠٠).‏ ص 57. 


ع 


للعقل الذي تشكل ولا زال يمارس دوره من خلال بنيته اللغوية»””) 


ويشدّد من ناحية أخرى على انجاز مهم توصّل إليه الجابري من خلال 
مشروعه النقدي يكمن في جعله البيان» كفرع من فروع اللغة والأدب». «أساسا 
متيكجيا اعد لال21 "له تتحضر يانه فى إطار اللعة وخدهاء: إثما تيعد إلن 
مختلف العلوم العربية والإسلامية كالفقه مثلاً والكلام. من هنا يمكن أن نفهم 
واحداً من الأسباب التي دفعت الجابري إلى الاهتمام بالعقل العربي» بالإضافة 
إلى أسباب أخرى كان قد ذكرهاء أبرزها دور اللغة العربية في بناء أسس 
المعوقة بوالياته] . وكوك اهدح يفال ركه العقا الديك «رأنه عن تمك 
بن اللعاهد لفى مسح ميا التسفون 0 زنياه فلن أنه دكن 
البعد عن تأدية دور اللاهوتي المنشغل بإحياء علم الكلام. 


يشير الجابري مبرّرأ اختياره نقد العقل العربي وليس الإسلامي بأن من حقه 
أن يحذد الزاوية التي من خلالها سوف يبحث في الثقافة العربية الاببلامية: إنه يقوم 
شار انع ابس ولبين تكيكو: كنا مد يدي اليج البفضء اننيد مها ةلقد 
الإيستمولوجى عن أدوات 00 وآلياتها وليس النقد اللاهوتى؛ لذلك كان من 
الخيوورى: أخد اللقة العرجة بالاعفار الأنها مكرن فافل ارش الكفاية العويية 
الإسلامية. إنه تعاطى مع اللغة العربية كأداة معرفة تحمل تصوراً للعالم خاصاً بهاء 
مستبعداً بذلك التصوّر الذي تحمله للعقيدة. ويؤكّد في هذا المجال أنه إذا شطب 
من مشروعه النقدي كل ما يتعلّق باللغة العربية ومسائلها وعالمها وأشكال حضورها 
لن يبقى لديه شيء يذكر. أما بالنسبة إلى مشروع محمد أركون النقدي فإن الوضع 
مختلف من منظور الجابري» إذ إنه يعتقد بإمكان الاستغناء عن اللغة العربية 
وعالمها في أبحاث أركون من دون أن يُمسّ مشروعه لأنه سيبقى قائماً وسليما : 
الأمر الذي يدل إلى اختلاف الخيارين الاستراتيجيين لديهما. يشير الجابري في هذا 
السياق إلى أن أركون #يمارس هو الآخر نوعاً من النقد الإبستيولوجي» ولكنه 
أوسع نطاقاً. وفوق ذلك مؤطر تأطيراً «لاهوتياً» إذا جاز التعبير» بمعنى أن هاجس 
«النقد اللاهوتي» حاضر عنده وبوعي. ولذلك فالزميل أركون محق تماما في اختيار 
عبارة انقد العقل الإسلامي». كعنوان لأبحاثه ودراساته»0, 1 


(7) يحبى محمدء نقد العقل العربي ني الميزان: دراسة معرفية نعنى بنقد مطارحات مشروع نقد العقل 
العربي للمفكر المغربي محمد عابد الجايري (بيروت: مؤسسة الانتشار العربي» 2)١991‏ ص 44. 

(8) محمد عابد الجابريء. التراث والحداثة : دراسات . . . ومناقشات (بيروت : مركز دراسات 
الوحدة العربية.؛ .)١99١‏ ص .”5١‏ 


لاع 


يضيف الجابري مميّزاً بين خياره الاستراتيجي وخيار أركون فيشير إلى 
أهمية الموقع الذي تحتله في ماسواواقة مفاهيم مثل اللفظ والمعنىء والأصل 
والفرع. أما المفاهيم المهمّة عند أركون فهي مثلا الأرثوذكسية والرمز والخيال» 
ما يدل إلى اختلاف الموقع حيث ينطلق كل واحد منها لمقاربة موضوع محدد 
ألا وهو الثقافة العربية الإسلامية. إن الجابري يعى تماماً أن ما هو حاضر عند 
أركون غائب عنده ويمكن أن يكون العكن مما كدللته ما يغني موضوع 
الدراسة في حقل التراث. 

يعتبر يحيى محمد من جانبه» وفي صدد تحليله مشروع الجابري النقدي 
أن الدواعي التي أدّت إلى «إضفاء وسام العروبة» على مشروعه والتي ذكرهاء 
ليست هي المهمة؛ إنما الأهم هو ما أخفاه وسكت عنه» ويقصد به هنا «الدافع 
الأيديولوجي؛. إذ بات من الواضح أن الهدف الأساس لمشروع الجابري ينحصر 
في تحقيق النهضة التي تريد أن تجد لها أصلا في أنموذج يصلح للانطلاقء 
وهو ليس بغريب على تاريخ التجربة العربية. وبما أن الجابري كان قد لحظ أن 
البيان كنظام لا يصلح لهذا الغرضء. إنما البرهان الذي يرتكز على العقلانية 
الأرسطية هو الأجدر بهذه المهمة «لذا فمن غير المعقول أن يكون المشروع 
يهدف إلى نهضة عربية من خلال عقل غير عربيء. في الوقت الذي يطرد 
النموذج البياني العربي الأصيل. وعليه كان من الضروري أن يجعل من النموذج 
اليوناني عربياً حتى يتّسق مع برنامج النهضة ذاتها في الوقت الذي يحقق من 
خلاله إيصال تاريخنا بالتاريخ الثقافي العالمي»”). 

يريد يحيى محمد أن يلفت إلى أن النهضة كما تصوّرها الجابري في إعادة 
بناء الذات العربية» وتدشين عصر تدوين جديد يعيد الاعتبار إلى النظام 
البرهاني» لا يمكن أن تتحقق في الأمة العربية إذا ما تم إثبات أن النظام 
البرهاني الذي يجب اعتماده كأنموذج سليم وصالح هو بالفعل أنموذج عربي 
يدخل في بنبة العقل العربي موضوع النقد والتجديد. ويختم تعليقه على عملية 
إضفاء خاصية العروبة على العقل في مشروع الجابري النقدي مشيرا إلى عدم 
نجاح هذه العملية لسببين : 


الأول: إن جعل العقل العربي يضم ثلاثة نماذج متناقضة متصارعة في ما 
(4) محمذء المصدر ثفيهء ص 15, 


ع 


بينها وهي البيان والعرفان والبرهان» أمر يؤدّي إلى أن يفنى هذا العقل ذاته. 
أضف إلى ذلك أن أنموذجين منهما أجنبيان لا يتمتعان بطابع قومي» فالعرفان 
جذوره ممتدة في الفكر الهرمسي والفارسي» والبرهان يوناني الأصل. 


أما السبب الثاني فإن القرائن المستمدّة من البيئة الصحراوية والتي أوردها 
الجابري من أجل إضفاء الخصوصية على العقل العربي ليست كافية من أجل 
قبول نظرية تكوين وبناء هذا العقل كما سبق أن بلورها. إن القرائن التي استمدّها 
من بيئة الأعرابى وأضفاها على العقل العربى هى: الانفصال والتجويز والمقاربة» 
لجن وسوانا م حك فى أعتافالفكن: الباطص اندىئ عرت: الجاهانة لكدها: جا : 
فى الوقت عينه فن آي بيقة أخرئ مهما كانت متماسكة.'ثم إن الجابري قد أغفل 
أنه إلى جانب الانفصال الذي تولده رمال الصحراء والنبانات المتفرقة والنجوم 
المتناثرة هناك تلاحم وتماسك عميقان» أثرهما أقوى من الانفصال البيئي في 
المجتمع البدوي المبني على العصبية القبلية. من هنا يخلص يحيى محمد إلى 
التشديدء بعد أن جال مطؤّلاً في مشروع الجابري» على أن «تاريخنا وتراثنا 
الفكري لا يصمح قراءتهما بالطريقة التي يهيمن عليها العامل البراني»”'". 


إن اطلاعنا على العديد من الدراسات والمقالات التي نُشرت حول مشروع 
نقد العقل العربي الإسلامي عند أركون ونقد العقل العربي عند الجابري سمح 
لنا أن نلحظ آراء نقدية مختلفة طاولت الصفتين العربي والإسلامي. لكن في 
نهاية المطاف إن كلا من مفكرَيْنا قام بتبرير خياره» وترسيم حدود عمله» وإبراز 
الأدوات التي اشتغل بهاء وليس من الضروري أن يقنع هذا التبرير جميع 
الباحثين» نظراً إلى سعة مواضيع الأبحاث في هذا المضمار. كما إن التخليى عن 
هاتين الصفتين من أجل التفرّغ لنقد العقل المحض أمرٌ لم يشأ أي منهما القيام 
به. يبقى أن نشير هنا إلى أن مسألة العربي فقط أو العربي الإسلامي هي موضع 
انفصال واتصال بين أركون والجابري. صحيح أن هذا الأخير رفض البحث في 
العقيدة وتطبيق النقد اللاهوتي» لكنه لم يكن بعيدا في مشروعه عن الدور الذي 
قامت به العقيدة فى بلورة العقل السياسى العربى» والعقل الأخلاقى العربى. 
كذلك نجده يتطرّق في كتابه التراث والحداثة إلى تفكيك النص القرآني الذي 
ال السو لفن ارك لكك 1 


.47 المصدر نفسهء ص‎ )٠١( 
.01-614 لمزيد من التفاصيلء انظر : الجابري» المصدر نفسهء ص‎ )١١( 


7ق 


لم ينهم الجابري بالظاهرة الدينية» ولا بتجليات الوحي» ولا بالدور الذي 
قام به الرمز والخيال والعجيب المدهش في النص الديني كما فعل أركون» لكنه 
في المقابل كان يشتغل على نصوص تراثية تدخل في صلب ما أنتجه العقل 
الإعادمي الذي أضنى 'علنها يايفا عاضا 6ذالف نيحد أن أركون قد اهتمٌ بالعقل 
الديني الإسلامي وتطرق في بحثه إلى النص القراني مباشرة» متبّعا المنهج 
الألسني والسيميائي وموظفا مكتسبات علوم الإنسان والمجتمع» فميّز بين 
الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية لكى يشير إلى الفرق بين ظهور الوحى 
وده تحييادة ل السحفيع كه لأللوفية لكك الى اليناءة توفقب: فيج قارياله 
النقدية عت التصرص ' الى أننضينا التراث العريى الانلذمن اككر من تلق الكن 
أعجها القزات الت من أن الا وال أل الادوتسيى عو ذون أن نوفيا + [ذ. فيا 
عقي" الاعتماة مدني آخر . إؤااما أنقعه العقل الخريى كان جا ضدر ا بفزة ملي 
أبحاث أركون» لكنه لم يشأ أن يحصر اهتمامه في هذا العقل وحدف لأنه لا 
يمئل بمفرده التجربة الدينية الإسلامية» فكانت له التفاتات قليلة تتناول الإسلام 
فى تركيا وإيران وأندونيسيا. كذلك أعطى أهمية للجماعات المهمّشة للتراث 
الشفهي الذي لم يكن عربياً محضاء وأبرز الدور الذي قام به في إنتاج نمط آخر 
من التصوّرء يصفه البعض باللاعقل. 


نود أن نشير في هذا السياق إلى أن أركون لم يشأ التمييز في دراسته 
كتابات العهد الكلاسيكي التراثي بين الأصول الإتنية لكتّابها ولغاتهم غير 
العربية. بينما نجد أن الجابري قد عمل على الفصل بين الفارسي والعربي» كما 
بين المشرقي العربي والمغربي العربي. إنه يرى في هذه التقسيمات الإتنولوجية 
أسساً لتمايزات فكرية وعقيدية. لقد جعل العرب أفضل من الفرس الذين هم 
أصل معظم «التلوّث» أو «التشويه» اللذين أصابا الفكر العربي. وما علينا إلا 
مراجعة النقد الذي وجّجهه ل «الأيديولوجيا السلطانية» التي سوّقها ابن المقفع في 
مجال العقل السياسى العربىء. أو لمبدأ «أخلاق الطاعة» الذي كان له دور فى 
لأسن تام القت فن العمل الاسلوقن العريى لد عمل من المشارقة 
عرفانيين» ومن المغاربة برهانيين» الأمر الذي يوحي لنا وكأن فكره يرتكز على 
أساس قومي - إتني» نواته الصافية المغرب. وحلقته الوسطى المنطقة العربية» 
وحلقته الأوسع العالم: الفارسي. 


يمكن القول إذاً إن الفصل التام أو الوصل التام بين مشروع نقد العقل 
بصفتيه العربي والإسلامي أمر بعيد عن واقع مشروع أركون كما عن مشروع 


كلا 


الجابري. هناك ما يقرّبٍ بينهما وما يميّز بينهما أيضاء وهذا ما نحاول أن نبرزه 
في سياق هذا الفصل الذي خصّصنه للمقارنة بينهماء حتى ولو أن صاحبي 
هذين المشروعين يقرّان بتحقيق نوع من الفصل بينهما. 


إن أبرز ما يفصل مشروع أركون عن مشروع الجابري هو التصنيف 
الثلاثي للعقل العربي الذي توقف عنده هذا الأخير. إن الحفر الأركيولوجي 
الذي مارسه الجابري أظهر ثلاثة نماذج يتميّز الواحد عن الآخر انطلاقاً من 
الآليات المتبّعة في اكتساب المعرفة. إن تعاطيه مع موضوع بحثه من زاوية 
الإبستمولوجيا حنّم عليه أن يتحدّث عن النظام البياني الذي يستند إلى الدلالة 
اللغوية والقياس غير البرهاني» وعن النظام العرفاني الذي هو تعبير عن كشف 
الحقيقة انطلاقاً من روابط لاعقلانية» والنظام البرهاني القائم على القياس 
الأرسطى الذي يفيد اليقين. 


يرى يحيى محمد أن هذا التصنيف لما عرفه التراث من علوم يُعتبر 
جديداء لذلك فهو يُعتبر بمثابة «ثورة منهجية كبيرة» جديرة بالتقدير. لقد أعاد 
الجابري ترتيب العلاقات بين العلوم على نحو مغاير يخترق الاختلافات 
الخارجية نحو البنية الداخلية التنى تكشف آليات المعرفة ومفاهيمها والوسائل 
التي تعتمدها. فالعلوم كانت تصتف بين نقلية وعقلية» أو دينية ولغوية. أو 
علوم عربية أصيلة وعلوم دخيلة. «أقام الجابري تصنيفه اعتمادا على البنية 
الجوانية فانتهى إلى وجود ثلاثة نظم معرفية متكاملة)2370, لكن يحيى محمد 
يلحظ فى ما بعد أن هناك خللاً فى هذا التصنيف يعود إلى التضاد الذي 
«افتعله»الجابري بين الأنظمة» إذ إنه برهن عن صراع بين البيان والبرهان» 
وبين البيان والعرفان» وبين البرهان والعرفان. وهو بعيد عن أرض واقع 
الفكر العربي. 

اعتبر الجابري في أبحاثه أن كل أنموذج معرفي قد شكل نظاماً معرفياً 
يتفرّد بمنهجه وجهازه المفاهيمي والرؤية التي يبلورها حول الإنسان والعالمء 
لكن هذا الفصل بين الأنظمة عرّض وحدة العقل العربي للخلل. ويشير جورج 
طرابيشي منتقداً هذا التفسيم والضرب لوحدة العقل العربي إلى أن «طريقة الحفر 
الإبستمولوجية ما وجدت أصلاً إلا لكي تلغي التراتبيات (...) في مضمار 


(؟١١)‏ محمدء المصدر نفسه» ص 0 


/الاع 


نظرية المعرفة»ء كما إنه يرى أن هذه النماذج الثلاثة «ليست أنظمة معرفية قائمة 
بنفسهاء بل هيء بالنسبة إلى العقل العربي الإسلامي على الاقلة آناء من نظام 
إبستمي واحدء آناء متعاضدة في الغالب أكثر منها متعارضة»”"'2. كذلك ينتقد 
طرابيشي التصور التراتبى للأنظمة الثلاثة لدى الجابري الذي يرى في عملية 
الأمقال من البياك إلى «العر قات «موظا انعمو لو ساف اننا الانفال من البنانة إل 
البرهان فهو بمثابة «ارتقاء إيستمولوجىا. 


يتناول طه عبد الرحمن مسألة التقسيم الثلاثي الذي اعتمده الجابري في 
تحليله بنية العقل العربي لكي يشير إلى «فساد» ذلك بسبب ازدواجية المعايير. 
كما إنه يعارزض النظرة التجريئية في التعاطي مع :العرات التي تبلورت لدى 
منكرناء وينتقد أيضاً مبدأ المفاضلة بين أجزاء التراث» ليؤكّد فى المقابل 
أهمية النظرة التكاملية التي ترتكز على الجمع بين أجزاء هذا التراث وليس 
الم 


لو إوافق يله عبد الرحيين الجابري إذاً في التقسيم الذي اعتمده وهو 
يفترح تقسيمات ثلاثة أخرىء إما انطلاقاً من المضمونء وإما من الصيغة 
اللفظية» وإما فى الصورة الدلالية قائلاً: «لو أن الجابري اعتمد معياراً موخداء 
لكان:له الخبار في تقسيمات متعددة» كل تقسيم منها يقوم به معباز معين» 
كالتقسيم بحسب المضمون «العقل والعلم والعرفان مثلاً). أو التقسيم بحسب 
الصيغة اللفظية (القول والعبارة والإشارة مثلا). أو التقسيم بحسب الصورة 
الاستدلالية (البرهان والحجاج والتحاج)؛ وهو أقرب التقسيمات إلى العمل 
بمعيار العقلانية المجرّدة التى ظل الجابري يناضل من أجلهاء فيكون «البرهان» 
هو نظام الآلية الاستنباطية و«الحجاج» هو نظام الآلية القياسية و«التحاج» هو 
نظام الآلية التناقضية)2"0, 


لم نجد في المقابل عند أركون تقسيماً لأنظمة العقل أو تفضيلاً في ما 


)١1(‏ جورج طرابيشي» نقد نقد العقل العربي. 4 ج (بيروت: دار الساقي. .)١5١١4-١19495‏ ج ؟: 
وحدة العقل العربي الإسلامي (؟ ٠‏ ٠٠")ء‏ ص 4 6 

»)١99414 طه عبد الرحمن» تجديد المنهج في تقويم التراث (بيروت : المركز الثقافي العربي»‎ )١5( 
ص وده ودار رين قدا الوافت الي سيد لوحم كان بر روي كنا بهذا دنه ررم الصايرية‎ 
في نقد العقل العربي منتقداً الكثير من محطاته. وهو عندما يقترح استخدام «التحاج» بدلا من «العرفان» فهو‎ 
يعني به «كل استد لال تخرج أوصافه عن الأوصاف البرهانية والحجاجية التقليدية» كالقول باجتماع‎ 
النقيضين» والوجود في المكانين» (. . .)2. انظر : المصدر المذكورء ص 65 وما يليها.‎ 


2 


بينها. لم يهتمٌ بناحية على حساب أخرىء. لكنه حاول أن يخضع العقل 
الإسلامى بمجمله لمشروعه النقدي من دون أن يهدف إلى إضعاف هذا العقل 
إلمإنإلى إخراجه من التساخ الل اتعلق دابعله»ببالإضلافة إلى أن أركوك لم يط 
الأولوية للهاجس الإبستولوجي في عمله. إن اعتماده على شبكة من المناهج 
أسهم في تنوّع المقاربات التي قام بهاء فلم يحصر اهتمامه بالمعرفة وبآلية 
اكتسابها فقط على حساب ما هُمْشُ واعتُبر غير ذي شأن. بصياغة أخرى» لم 
بنشغل أركون بالمفكر فيه وحسب. إنما حاول البحث في ما لم يتم التفكير 
فيه؛ أو كان مستحيلاً على التفكير في حقبة محلدة. 


إن تقسيم الجابري نُظم العقل العربي من أجل الكشف عن بنيته يبرز الهم 
الإستمولوجي لديه وتأثره بمفهوم ال (1506806م8) الذي بلوره ميشيل فوكو. كان 
الجابري قد حدد هذا المفهوم على أنه «النظام المعرفي في ثقافة ما».» وهو 
الذي يعطي المعرفة في فترة تاريخية ما «بنيتها اللاشعورية»”*''2. ثم أشار في 
سياق تحليله لبنية العقل العربي إلى أنه تعامل مع كل من النظم المعرفية الثلاثة 
«بوصفه نظاماً يؤسس حقلا معرفيأ مستقلاً بنفسه داخل الثقافة العربية 
الإسلامية»» من دون أن يتوقف عند «تبادل التأثيرء فعلاً وانفعالا» سلباً أو 
إيجاباً»”' ''. يبرز هنا الفرق بين توظيف الجابري للإبستمه وبين مفهوم فوكو له. 
يلحظ الزواوي بغورة في سياق مقارنته بين فوكو والجابري «أن الفرق كبير بين 
مفهوم فوكو للإبستمه وتوظيف الجابري له كنظام للفكر أو بنية لاشعورية 
معزولة. إن الإبستمه عند فوكو تدرس العلاقات على مستوى التزامن أو ضمن 
حقبة تاريخية)”"22. لقد اكتفى بدراسة العلاقات داخل البنية الواحدة» كما سبق 
أن أشار إلى ذلك. 


هناك أيضاً ما يميّز الإبستمه لدى المفكرّين وهو أن فوكو ربط بين هذا 
المفهوم ودراسة كل ما تتضمّنه مجموع الخطابات المتراكمة عبر التاريخ من دون 
أن يستبعد اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه. أما الجابري فقد اهتمّ بالنصوص 


)١6(‏ محمد عابد الجابري» تكوين العقل العربي؛ نقد العقل العربي؛ 25 ط ه (بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية» )1 ص 337 

)١5(‏ محمد عابد الجابري» بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية. 
نقد العقل العربي ؛ ”.ا طة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» )2 ص 4286. 

)١0(‏ بغورة» ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر : محمد عابد الجابري » محمد أركون. فتحي 
التريكي » مطاع صفدي» ص 6 


12 


التي أنتجتها الثقافة العالمة» «وفي بعض صورها فقط»., إذ إنه لم يتوقف عند 
اللامفكر نيه أو المستحيل التفكير فيه «على الرغم من أن هدفه هو الكشف عن 
النظم والمبادئ التي تتحكم في الثقافة العربية وهذا أمر فيه بعض التناقض» إذ 
كيف يمكن دراسة العقل العربى وإقصاء بعض منتجاته» (...) وكيف يمكن أن 
يقوم العقل بدور النقدء وهو عقل اصطفائي انتقائي تصنيفي)/*"2. 


يشير الجابري مبرّراً عزله كل نظام على جدىء إلى أن في ذلك خطوة 
منهجية تسهل عمله في إبراز خصوصية كل نظام والتوقف «عند اللحظة التي 
استكمل فيها نموّه الذاتي»» لذلك لم يعمل على كشف الاتصال أو الاحتكاك 
بين النظم الثلاثة» لقد أراد أن يتعرّف إلى كل نظام بمفرده من الداخل. 

كذلك يؤكّد الجابري أن خياره واضح منذ البداية» إنه يريد أن يهتمّ 
بالتراث الفكري المكتوب لأنه ليس عالم أنثروبولوجياء فالثقافة الشعبية تقع 
خارج نطاق عملهء إن ما يهمّه هو الجانب المدوّن في الحضارة العربية 
الإسلامية لكي يدرسه بنظرة علمية وموضوعية. كما إن التراث الشفهي بالنسبة 
إليه لا ينتمي إلى عالم المعقول لأنه ليست هناك كتابة ولا وثائق مثبتة تعبر 
عنه. لذلك نجده يستبعد هذه الناحية عن الدائرة النقدية التى رسمها إطارا 
لعمله. صحيح أن الجابري كا فوقو تائركية لكيه اعد دمن نما ياست الموضوع 
الذي يبحث فيه» والموقع الذي انطلق منه لمباشرة مشروعه النقدي. 


أما لدى أركون فنجد أن العقل الإسلامي غير مؤطر في مجال محدّد 
ونهائي» لأنه يشمل المخيال الاجتماعي والتاريخي» وتجليات الخيال الرمزي» 
ما يوسع دائرة العقل الإسلامي لكي تشمل مختلف مظاهر الفكر. إن للتعبير 
الشفوي في الإسلام أهمية بالنسبة إليهء وكذلك المُعاش غير المكتوبء 
والفنون؛. والطقوسء وبنى القرابة وغيرها. يشدذد أركون على الخلط بين 
الأسطوري والتاريخي في الإبستمه الإسلامي» لذلك لم يعمد إلى تقسيم العقل 
إلى أنظمة وبنى مستقلّة. فهو يعتبر أن العقل واللاعقل «وجهان مترابطان» وفي 
نوثر تربوي في كل فعل معرفي يقوده الفكر»”*'. إنه يرى أن المخيال عبارة 
عن ملكة معرفية» وهو عندما يستخدم هذا المصطلح لا يهدف إلى تفريغ 


(18١)المصدر‏ نفسنه ) ص 65 
(19) محمد أركونء نافذة على الإسلام» ترجمة صيّاح الجهيّم (بيروت: دار عطية. 2)١1497‏ 
ص 117. 


4 


أنموذج العقلانية الذي ينتجه التراث الديني من مضمونه العقلاني» بل يبغي أن 
يُدخل مقولة أنثروبولوجية تسهم في تفسير عملية تصوّر الوقائع. ويشير إلى أن 
هذه العملية قد ثُقلت من مجال التحليل العقلانى إلى الإطار الخيالى 
للتصوّرات العقلية والتعلّق العاطفي. «إن المخيال يساهم في هذه الفعالية بصفته 
وعاء من الصور وقوة اجتماعية ضخمة تكمن مهمتها فى إعادة تنشيط هذه 
الصور نضفتها: عتقائق رزائحة» وقيما لآ تفاقش + تكون: التتماعة ‏ مستعدة قدي 
التضحية العظمى من أجلها»”' ". 

لقد فصل الجابري بين العقلانية واللاعقلانية معلناً انحيازه إلى العقلانية» 
بينما لم يتبع أركون هذا المنهج. إذ رأى فيهما تجليّين للفكر» ولا جور 
بالتالى نقد العقل انطلاقاً من مكتسبات الحداثة من دون التطرّق إليهما معاً. إن 
قارط الطابرى التفدرة كول إلى "افق العمل من خلدلن كاري عم 
الأنوارء حيث كانت السيطرة للنظرة العقلانية والموضوعية التى همّشت الخيال 
والرمز والأسطورة والثقافة الشعبية والتراث المديرة* إلخ. نجد أنه 
مدرساني لا ينشغل إلا بفكر الخاصة» أما أركون فهو يتوقف بدوره عند فكر 
القافة: لكنه يدعو أيضاً إلى ضرورة درس الاعتقادات لدى العامة من دون 
أن يقوم بذلك. 


يدعو أركون إلى البحث في الثقافة الشعبية» ولكن لهذا الأمر نتائج قد 
تكون سلبية كالخروج» مثلاء من الفكر والفلسفة إلى نظام الاعتقادات الذي 
يشمل فكر الفيلسوف المختص» مثل معتقدات رجل من العوام. 

كذلك في ما يتعلق بتقسيم العقل العربي إلى ثلاثة أنظمة عند الجابري» 
وبتعاطيه مع كل نظام على جدىء نجد أن أركون يتحدّث عن «العقول 
المتنافسة» في الفكر الإسلامي. لكنه لم يلجأ إلى تقسيم بُنى العقل. إنه يرى 
أن هناك عقل الصوفية» وعقل المعتزلة» وعقل الإسماعيلية... إلخ. كلها 
عقول تنافست في ما بينهاء لكنها خضعت في الوقت عينه لإبستمه واحد. من 
هنا يتحدّث عن عقل إسلامي تشكل من عقول مختلفة ضمن إطار نظام معرفي 
واحدء يدخل في الخيال والذاكرة. إن هذا العقل يخضع لمعطى الوحي ويحترم 
السيادة العليا الإلهية مقذما لها الطاعة» ومبلورا تصورا خاصا بالعالم. إذا على 


)٠١(‏ محمد أركون» القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الدينيء ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الطليعة. ,)5٠١١‏ ص 59. 


ا 


الرغم من تعدّد العقول المتصارعة. واختلاف المسلّمات التي تنطلق منهاء إنها 
تتضمّن عناصر مشتركة مهمة تسمح بالتكلّم على عقل إسلامي يخترقها كلها 
ويشملها في أن فعا 

يشير الزواوي بغورة فى هذا السياق إلى أن التحديدات المعرفية التى 
أعطاها أركون للعقل الإسلامي انطلاقاً من الفضاء العقلي الذي ساد في القرون 
الوسطى «تجعل من العقل معطى تاريخياًء أو تمكن من الدراسة التاريخى 
للعقل. وهو ما يربطه بشكل مباشر بفوكوء وبخاصة عندما يتحدّث عن أشكال 
العقلانية أو أنماط العقلانية» ويعتبر نفسه مؤرحاً قبل أن يكون فيلسوفاً". 

أما الجابري الذي ميّز بين ما هو عقلانى من أجل المحافظة عليه وما هو 
لاعقلاني من أجل التخلّي عند فلقد اختلف عن ميشيل فوكو الذي لم يتساءل 
اغن معن العقل + :وإنسا درس مهدلكت: أشكال- العقلانيةة”؟'"» زافضاً التمبيز 
الوضعي بين العقلاني واللاعقلاني» وممتنعاً عن محاكمة العقل. 


نود أن نشير هنا إلى أمر مهم يظهر اختلاف نظرة الجابري عن نظرة 
أركون للتراث وهو موقف كل منهما من الفكر الصوفيء ما دمنا نحذل ثنائية 
العقل واللاعقل. إن العقلانية اليونانية كما بلورها أرسطو هى محط تقدير 
الحس والعقلء وينتقد كل من يدعي عجز العقل البشري عن تحصيل أي 
معرفة عن الله من خلال تدبر الكونء الأمر الذي يؤدّي إلى الإقرار بأن معرفة 
الإنسان بالكون يجب أن تؤسّس على اتصال هذا الإنسان المباشر بالحقيقة 
الإلهية. هذا المنهج المعرفي يرفضه الجابري بقوة ويطلق عليه تسمية «العقل 
المستقيل» لأنه يهمّش دور العقل ويرتكز على الاتصال المباشر بالحقيقة العليا 
أو «المعرفة اللدنية». 


يضع الجابري «المعقول الديني العربي» في مواجهة «اللامعقول العقلي»» 
ويرى أن الأول يتحدد بوجوب معرفة الله عبر تأمل الكون ونظامه» والاعتراف 
بوحدانية الله والقول بالنبوة. أما «اللامعقول العقلى») فهو يعنى على صعيد 


)7١(‏ بغورة» ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر : محمد عابد الجابري»: محمد أركون؛» فتحي 
التريكي . مطاع صفدي » ص ؟”/ا. 


(7)المصدر نفسه» ص 1 


0 


الخطاب القرآنى الشرك بالله وإنكار النبوة. ويلحظ فى هذا المجال أن «العقل 
المسعفيل» الذى يزرنيعوة فى النطام العوهاتن متواء ف مجال العتضوت: أو 
الفلسفة الإشراقية أو الأيديولوجيا الإسماعيلية لا يمكن اعتباره بمثابة رد الفعل 
ضد التزمت الذي أبداه الفقهاء في رفضهم التأويل الباطني؛. ولا ضد الجفاف 
الذي مير الاتجاه العقلي لدى علماء الكلام. إن ظهور «العقل المستقيل» كان قد 
حدث قبل أن يتطوّر التشربع الفقهي والتنظير الكلامي إلى حذدّ يستوجب رد فعل 
صوفي عرفاني. ويشير إلى أن حضور الهرمسية يعود إلى بداية عصر التدوين» 
أو حتى إلى قبله؛ ما «جعل من «العقل المستقيل» أول ما اتصل به العرب من 
عناصر الموروث القديم (...) بمقدار ما كان الفكر العربي يتقدم في مجال 
التدوين ‏ الترجمة والتأليف ‏ أي بمقدار ما كانت الثقافة العربية تبنى لنفسها 
دور واتجادا تاويف: كان ذتكف «العول اسمن جد وبسفي موافكده 
ويوسّع من دائرة نفوذه)”"". 

من هنا يمكن القول إن العقلانية العربية الإسلامية الممثلة بالنظام البياني 
آنذاك. كانت في بعض انتاجاتها تقدم ردأ مناهضا للغنوص المانوي والعرفان 
الشيعي. هذا ما توصّل إليه الجابري في دراسته لتاريخ التوتر القائم بين النظامين 
البياني والعرفاني. إنه ينتقد بشدة محاولة دمج العلم في الدين والدين في العلم 
كما تبلورت لدى "«العقل المستقيل»»: وبخاصة ذلك الترابط العضوي بين 
الكيمياء والتصوّف. من هنا نجده يتصدّى لمحاولات جابر بن حيان والرازي» 
متتبعا آثار الهرمسية أيضاً في ما أنتجه إخوان الصفا حيث وجد في الرسائل 
(مدوّنة هرمسية كاملة)”14"©. 

يعتبر الجابري أن التصوّف الإسلامى قد غرق فى بحر الهرمسية» بيخاصة 
عدا اذعى: المتضؤفة أن مشاهداتهم هي ..بحثانة :البحقيقة 'في مقابل الشريعة» أو 
الباطن الذي يقابل الظاهر. إن مجمل آرائهم ليس مستمداً من التأمل في النص 
القرانى والتوقف عند معانيه إنما من الأدبيات الهرمسية. من هنا يأتى انتقاده 
الفلاسفة الإسماعيليين عندما اتبعوا طريق التأويل الباطني لأنهم اقلا مر الفهم 


(8؟) نود أن نشير إلى أن النقد الذي وجهه الجابري إلى جابر بن حيان والرازي وإخوان الصفا قد 
لقي ردًا نقديا آخر من جورج طرابيشي الذي برهن على عقلانية هؤلاء» مدافعا عنهم في مواجهة اتهامهم 
بالانتماء إلى «العقل المستقيل». لمزيد من التفاصيل » انظر : جورج طرابيشى» مذبحة التراث فى الثقافة 
العربية المعاصرة (لندن: دار الساقى؛. .)١997‏ ص 8-45 .1١‏ 


رده 


البياني العربي الذي اعتمده السلف إلى الفهم الفلسفي الهرمسي للخطاب 
القراني. أما أركون فله نظرة مغايرة يقرأ من خلالها التجربة الصوفية والخطاب 
الذي نتج منها. إنه يعتبر أن التصوف تيار فكري له معجم لغوي وتقني يخضهء 
كما له خطاب يميّزه ونظريات يتفرّد بها. إن لهذا التيار أسلوب حياة دينية من 
خلال ممارسة الشعائر والاحتفالات الفردية والجماعية بغية جعل الجسد والروح 
يتواكبان فيُسهمان في تجسيد الحقائق الروحية. 

كذلك يشير أركون إلى أن التصوّف يمثّل في مقصده النهائي التجربة 
المتعاسه لكي على اللقاء العميق إنين الكوس والاله التيتسيى لوقه فد فلن 
«مدى غنى وأصالة الحركة الصوفية في القرنين الثاني والثالث الهجري/ الثامن 
والتاسع الميلادي. وكان في وقت وفي مجتمع تتلاقح فيه وتتقاطع عدّة تراثات 
ثقافية وعدة تيارات فكرية تنشطها الجماعات العرقية ‏ الثقافية ذات اللأصول 
المتنوعة (الموالى))0”". 

يلحظ في هذا المجال أن الصوفية مثل الدين بعامته ترتبط بالنظام الثقافي 
والسياسي الذي تتبلور في إطاره؛ لذلك ليست الصوفية ببعيدة عن الأدلجة التي 
كن أن تصيسة اند كاله ريرق انه كان فل فلك 'النية ركاف «المسلسرف 
أن حصي لفح ذ الصونة من تحر لك 4 كمااله كان ببإنكان الستصرت. أن 
ينفتح على الفلسفةء والفقيه أو المتكلّم أن يهتمًا بالتصوّف والفلسفة. إن هنا 
إشارة واضحة إلى عدم الفصل بين أنظمة العقل الثلاثة لأنها في حال تفاعل 
مستمر وانفتاح بعضها على بعض. 


يتونف أركون لكي يشير إلى ظاهرة يشهدها الغرب نتيجة الملل من 
المجتمع المادي البارد العقلانوي الذي يفتقر إلى مثل أعلى» ألا وهي اعتناق 
الكثير من الأفراد الإسلام بواسطة الصوفية. إنه يدعو إلى دراسة هذه الظاهرة في 
العم والبحث في مسألة البعد الروحي وأهميته بالنسبة إلى البشر. كذلك يشير 
إلى أن المجتمعات الإسلامية المعاصرة تفتقر إلى إنتاج صوفي يساوي ما كان 
الإسلام الكلاسيكي قد أنتجهء لذلك يتمّ اليوم اللجوء إلى المؤلفات القديمة 
التي تعبّر عن طموح نحو التعالي من خلال التجارب والشهادات التي تتضمّنها. 
لكن هذا الطموح الذي بإمكانه أن يخترق مختلف المجالات الاجتماعية 


)١55(‏ محمد أركون» الفكر الإسلامى : نقد واجتهاد. ثر جمة وتعليق هاشم صالح (بيروت؟؛ لندن: دار 
الساقى» :)١949٠‏ ص 188. 


1 


والثقافية لا يجوز الاكتفاء به والامتناع عن الإنتاج الجديد. «إن علاقتنا بالألوهة 
لم يعد ممكناً أن تستند اليوم إلى الرأسمال الرمزي القديم» ومعنى العجيب 
المدهش» والمناخ الأسطوري السابق» والمقدرة على الافتتان والسحر»"'". 


أما فى ما يتعلّق بلغة الخطاب الصوفى المشحونة بالرمز والمجاز والكناية 
والكن نين تمقاية أتطاء قاين مدل اللساضي :و الاقاك» رقي السمان 0 الع 
وهي تؤدي دوراً مؤسْساً للمعنى. لذلك فإن بإمكان الخطاب الصوفي أن اليوسّع 
من الجزء الرمزي والأسطوري للخطاب الديني التاسيسئى 1 أي القران بالنسبة 
إلى المتصوّفة ‏ لكي يقوم بعد ذاك بتطويره واستثماره. إن الخطاب الصوفي 
«يفعل ذلك من أجل بناء معرفة قائمة على المسارّة» وتشكيل غنوصيته تدعَم 
المسار الصوفي وتغتني في خط الرجعة بواسطة معطيات كل تجربة سِيرَ بها 
حتى نهايتها (...). وهكذا نجد بحوزتنا مؤلفات صوفية غنية جداً ومهمة لمن 
يريد أن يدرس كيفية الانبئاق المعنوي والرمزي داخل اللغة» وذلك تحت ضغط 
التجربة الروحية المستحدثة بكثافة والمستبطنة داخلياً بشكل كلي)”"". 


يلفت أركون إلى غنى المؤلفات الصوفية الذي أعطاها القدرة على إعادة 
تجسيد خطاب كان قد تشكل من خلال تجارب صوفية متعدّدة عرفت عبر 
التاريخ. واضح إذاً الفرق بين مقاربة الجابري للنظام العرفاني حيث اللاعقل هو 
الفاعل الأقوى وبين مقاربة أركون للتجربة الصوفية والخطاب الذي نتج منها. إن 
الجابري المنحاز منذ البداية إلى العقلانية كان لا بد من أن ينتقد العرفان» لأن 
هدفه في النهاية تأسيس النهضة على البرهان المبني بشكل أساس على العقل. 
لا 5 أن واقع التطرّف الديني حاضر في ذهنه» كذلك انتشار الحركات 
الأصولية في أنحاء عديدة اليوم. من هنا يمكن أن نفسّر هذا الرفض للنظام 
العرفاني الذي تجاوز العقل منطلقاً نحو طرق أخرى في سبيل كسب المعرفة. 

أما أركون فيعالج الموضوع من زاوية أخرى» إنه على الرغم من انتقاده 
لظاهرة الحركات الأصولية فى المجتمعات الإسلامية» يشير إلى غنى التجربة 
الصوفية المبنية على رحلة نحو اكتشاف المعنى» وبالتالي الوجودهء يغذّيها هذا 
التوق الدائم نحو المطلق» ويُعبّر عنها بلغة سيميائية مميّزة لها مفرداتها وأساليبها 


,.1١5١ المصدر نفسه. ص‎ )5١( 
,١ 757 المصدر نفسه. ص‎ )70( 


2 


الخاصة. لم يرفض التصوّف إنما دعا إلى تطوير الخطاب الصوفي اليوم؛ وعدم 
الاكتفاء بالعودة إلى التجربة القديمة التي عبّرت عن نفسها بوساطة خطاب 
عشبا ب رضاح المحاة لإنذم الح وإيذاة النالف الإنعاقة فى مقف 
تبدّل الحاجيات الوجودية المعاصرة. 


نود أن نتوقف في سياق المقارنة بين مشروعي نقد العقل العربي الإسلامي 
عند مفهوم المكلية الم كه والمفاضلة التي أقافها الجابري سن لضان 
والمشرق» ورفض أركون لها. نشير هنا إلى أن كيفية تطبيق الجابري هذا 
المفهوم وتفضيله التجربة الفكرية المغربية على المشرقية قد لقي ردود فعل عذة 
وانتقادات جمة وصلت إلى حد التجريح والسخرية. لن نتوقف عندها بالطبع. 
إنما سوف نحاول أن نعرض لأهم ما ورد حول هذا الموضوع مبيّنين الفرق بين 
استخدام أركون مفهوم القطيعة المعرفية واستخدام الجابري له. 

إن القراءة التي قام بها الجابري للتراث العربي الإسلامي تتميّز بتوقفه عند 
نقطة مفصلية تكمن في ضرورة إبراز الاختلاف بين التجربة الفكرية التي عرفها 
المشرق العربى والتى آلت فى النهاية إلى ما أسماه «العقل المستقيل»» وبين 
الشجرية القكرية كما تتجلك :فى المعرنيالسرين :رأث إلن اتأسيين النظام 
البرهاني وجعله ركيزة فكرية لا بذ منها. 


لقد جعل الجابري من ابن سينا ممثل الانحطاط الفكري والتخلف عن 
قواعد العقلانية مقابل ابن رشد الأرسطي النزعة والعقلاني الهوى. لذلك فكل 
محاولة للقيام والنهوض في الحضارة العربية الإسلامية المعاصرة يجب أن ترتكز 
على أنموذج مستمد من التراث» ليس بغريب عنها ينحصر في ابن رشد في ما 
يتعلق بالفلسفة. وفي ابن حزم والشاطبي في ما يخص علم أصول الفقه 
والتشربع الإسلامي. إن الفلسفة في الأندلس في نظره ليست استمراراً للفلسفة 
في المشرق» هناك قطيعة على صعيد الإشكالية والمنهج على صعيد المفاهيم 
الاتصال. كذلك يرى أن السياسة التي اتبعتها الدولة الأموية في الأندلس أدذت 
إلى جعل محور التفكير يقوم على أساس البرهان وحله. لقد جمع جميع 
المفكربن في المغرب تحت راية المنطق الأرسطي في مواجهة البيان والعرفان 
المشرنيين» وذلك لأنهم انتقدوا مبادئ القياس والتجويز والعادة والعرقان 
وإمكان الكرامات. وشيّدوا في المقابل مفاهيم عمدت إلى تحرير العقل من 


كم 


سلطات اللفظ والأصول والتجويز. إن جوهر النظام البرهاني في المغرب يقوم 
على منطق أرسطو الذي يرتكز بشكل أساس على مفهوم السببية الحتمية الناقض 


يرى يحيى محمد أن نظرية الجابري هذه قد سيطر عليها هاجس بناء 
الوحدة وتحقيق الاستمرارية التاريخية للحظة المغربية في مواجهة اللحظة 
المشرقية. لقد اضطر إلى «أن يخلط بين مفكري هذه اللحظة ويضمّهم جميعاً 
تحت سقف النظام البرهاني الأرسطي مع كل من الفيلسوفين الأندلسيين: ابن 
باجة وابن رشدء. رغم أن بعضهم ينتمي صراحة إلى «النظام البياني» أو 
المعياري؛ وبعض آخر ينتمي إلى النظام العرفاني)!*". فإن ابن حزم مثلاً 
والشاطبي وابن خلدون يمكن نسبتهم بوضوح إلى النظام البياني لأنهم لم 
يرتكزوا على مفهوم السببية الأرسطية إنما على سلطة التجويز البياني. كما إن 
ابن طفيل بعيد عن النظام البرهاني» فميله إلى العرفان صريح. 


يتوقف يحيى محمد لكي يشير إلى مواقع اختلاف كل من ابن حزم 
والشاطبي وابن خلدون عن الطريقة الفلسفية بشكل جوهري. إن ابن حزم قد 
وظف المنطق لأغراضه المعيارية التي تتعلّق بعملية تأسيس النظر القبلي وفهم 
الخطاب الشرعي. صحيح أنه يثبت الطبائع والعلاقات» لكن ذلك غير ناتج من 
الضرورة والحتمية كما بالنسبة إلى الفلاسفة» إنما ناتج من «أمر الله» الذي هو 
قانون ثابت لا يقبل التبديل إلا بأمر منه تعالى. 


أما الشاطبى فهو بعيد أيضاً من أسس التفكير الفلسفى. لقد انتقد طريقة 
الفاةية باعدارها ١مذمومة‏ شرعاً». حتى إنه عندما استخدم الاستقراء في سبيل 
التوصّل إلى فهم كلي للخطابء. لم يخرج بذلك عن النظام المعياري» لأن 
الآداة التي استعان بها هي صورية. لم يوظف الاستقراء والمنطق كمعرفة قبلية 
تخضع للتوليد والإنتاج؛ إنما كالية صورية فقط. كذلك ينتقد يحيى محمد 
الجابري لأنه اعتبر أن من موارد نزعة الشاطبى البرهانية قوله بمقاصد الشريعة» 
فحاول أن يجد لهذه النزعة ما يربطها 5 رشد الذي اعتمدها في دراسة 
العقيدة. لقد ظنَ الجابري أن الشاطبي قد أخذ طريقة مقاصد 52 ابن 


(8؟) محمد نقد العقل العربي في الميزان: دراسة معرفية تعنى بنقد مطارحات مشروع نقد العقل 
العربي للمفكر المغربي محمد عابد الجابري» ص 159. 


لا 


رشد لكي يطبقها في ما بعدء وكأنه يريد القول بأن قبل هذا الأخير لم يكن لها 
قيمة تذكر. إنه بهذا الرأي «يجهل أو يتجاهل أن هذه المقاصد سبق أن أثارها 
إمام الحرمين الجويني» ثم جاء الغزالي (المشرقي) الذي ينتمي في نظره إلى فئة 
«اللامعقول» أو «العقل المستقيل» فأثارها بقوة فى مجال الشريعة وليس فى 
مجال العقيدة كما لد ابن )0 . ْ 


كذلك فإن ابن خلدون ليس بقريب من النظام البرهاني الأرسطي» فتأييده 
لعلم الكلام واضحء كما اعترافه بانتمائه إلى المذهب الأشعري» وانحيازه إلى 
الخسلك الضوقى. إنه يتنكر للفلسفة لأنها تفدق :فى المفارسات العقلية: 
وتشدها مجارلة ابطالينا نا انه يرى خطأ علماء الكلام عندما اعتبروا أن 
بإمكانهم الوصول إلى التوحيد المطلق بواسطة العقل» لأن هذا الأخير نطاقه 
محصور في العالم الظاهر. فالنفس هي القادرة على معرفة التوحيد من خلال 
العرفان. يتوقف يحيى محمد عند بعض النصوص الخلدونية لكي يبرهن على 
الفرق بين ما يحمله مضمون النصوص وفلسفة ابن رشد. 

كذلك يتساءل حول كيفية جمع الجابري بين كل من ابن رشد وابن 
خلدون تحت سقف واحدء وادّعائه بأن هذا الأخير قصد من خلال نقده 
الفلسفة ما تقدّم به ابن سينا فقط من دون سواه. «فلو كان هذا صحيحاً؛ لماذا 
رجح التصوف على غيره من المسالك» بل اعتبره من العلوم النقلية» وهي 
العلوم التي تحظى بالاحترام والتقديس باعتبار أن مصدرها الشرع؟ وكذا اعترافه 
بعلوم السحر التي م إلى «المعقول») بصلة)” ". 

أما باطنية ابن طفيل فليست مخفية على أحدء. ومن الخطأ ضمّه إلى 
لائحة المنتسبين إلى النظام البرهاني. تجدر الإشارة هنا إلى أن ابن طفيل كان 
يحتلّ منصباً سياسياً مهماً في الدولة الأموية التي حاربت النظامين البياني 
الغ قاتر ,شق معن اععيار” لجار ف للك يرق يحون ميت همادا إلى 
منطق الجابري الأيديولوجي «المؤسّس على فكرة إبراز النزعة الوحدوية للتاريخ 
المعرفي لكل من المغرب والأندلس؛ اضطر إلى أن لا يعترف بباطنية ابن 
طفيل وعرفانيته (...) كي لا يتصدذع نسق التفسير السياسي الذي بناه من 
منطلق كون الدولة الأموية في الأندلس» (...)» قد عملت على محاربة 


(9) المصدر نفسه )6 ص نضرة 
(0) المصدر نفسهة.ء ص ه". 


84 


النزعتين النافة والكرناتة اللتين تحكمتا في التفكير الأيديولوجي لخصومهما 
من العباسيين والفاطميين 2300 


«التوظيف» في التعبير عن علاقة كل من اين حزم والشاطبي بالنظام البرهاني» 
فإنه استخدم مفهوم «التأسيس». والواقع أنهما وظفا بعض القواعد الصورية 
للمنطق الأرسطي على نحو يناقض النظام البياني إنما يخدمه» أكثر من أنهما 
أسَسا البيان على البرهان». محافظين على سلطة اللفظ. كذلك لم يرَ ابن خلدون 
ضرورة لأن يستقل العقل عن الوحيء فبقي بذلك بعيداً عن الفلاسفة. أما ابن 
طفيل فمن الغريب أن يدرجه الجابري على لائحة ابن باجة وابن رشد 
الفيلسوفين الأرسطيين؛ على الرغم من أنه صرّح في مقدمة كتابه حي بن يقظان 
عن تبنْيه الفلسفة المشرقية لأنها الحق الذي يجب اتباعه'"". 


إن مفهوم القطيعة المعرفية بين المشرق والمغرب استحوذ على اهتمام 
العديد من المفكرين الذين قرأوا نص الجابري. ونود أن نشير هنا إلى أننا اطلعنا 
على انتقادات عديدة تناولت مشروع الجابري النقدي», لكننا لم نجد أن ناقداً قد 
توفّف عند أدق تفاصيل هذا المشروع وتبعه حتى النهاية» محاسبا إياه في 
مقدماته ونتائجه ومساره الدقيق مثل ما فعل الناقد جورج طرابيشي في أكثر من 
كتاب. لقد لمسنا لديه اهتماما يبلغ درجة الهوس بكل ما صدر عن الجابري من 
أحكامء دكن وااتركان لعن عن المتعا سابع لقدة تمه اي متجلت تضتوت 
مشروعه ورد عليه بسلاحه مستخدما نصوصا من التراث محاولا أن يدحض ما 
كان قد تقدم به ناقد العقل العربي»؛ من دون أن يخلو أسلوبه في كثير من 
الأحيان من السخرية والتهكم؛ ما دفعنا إلى التساؤل عن خلفية هذا النقد. 
لكنناء وعلى الرغم من ذلك لا يمكننا أن نتغاضى عن أهم ما ورد في كتابات 
طرابيشي حرصاً منا على الموضوعية وتقديراً منا لهذا الجهد الفكري الذي بذله 
في الرّد على طروحات الجابري. 


من هنا سوف نتوقف بإيجاز عند أبرز ما فلت انتباهنا وهو يتوافق مع 


(1) المصدر نفسه ) ص إغرة 


(؟”) يورد يحيى محمد في هذا السياق بعض نصوص لابن طفيل مستلّة من كتابه حي بن يقظان 
ويعلّق عليها مشيراً إلى تأئْره بالحكمة المشرقية والنزعة الصوفية. لمزيد من التفاصيل» انظر: المصدر نفسه» 
ص .119-1١144‏ 


اق 


سياق موضوعناء أي انتقاده كيفية توظيف الجابري مفهوم القطيعة الإبستمولوجية 
وفصله التام ما بين فلسفة المشرق الرجعية وعلى رأسها ابن سينا وفلسفة 
المغرب التقذمية الى بلغت الذروة مع ابن 7 


إننا نجد في مقاربات طرابيشي للتراث دفاعاً مميّزاً عن الفكر السينوي في 
الذواعلن الاتقاداك الى .ركيت الندامن فين الشابرى» كما إتدااتاسظ هذا 
حكما اللشفي الإسمولرعن» الذي لمبه الشاطبي على بد تاقد الحقن 
العربي. كذلك نجد أنه في كتابه وحدة العقل العربي الإسلامي قد اهتمّ بالبرهنة 
عل الروافد السينوية لفكر ابن طفيلء» أحد أقطاب المدرسة المغربية ‏ 
الأندلسية؛ كما إنه تعمّد الإشارة إلى تحوّل الممارسة الفلسفية عند ابن رشد 
إلى ممارسة فقهية. 


لقد جعل الجابري ركيزة القطيعة المعرفية بين المشرق والمغرب تقوم على 
المواجهة بين فكر ابن سينا الذي كرّس «الرؤية السحرية)» وفكر ابن رشد الذي 
أسّس العفلانية» وبخاصة أن هذا الأخير كان قد انتقد بعض الطروحات السينوية 
ني كتابه تهافت التهافت . هذا في مجال الفلسفة. أما في مجال الفقه فلقد 
تحدث الجابري أيضاً عن قطيعة ,ب بين المشرق والمغرب أسّس لها ابن حزم 
وسنورت يفره مع الشاطبي. من هنا نري طرايياتي نتصدى لهاتين القطيعتين 
د 20 د 00 0 العنوان الذي اختاره لكتابه 

لقد اجتهد طرابيشي في إعادة بناء الملف العقلاني لفلسفة ابن سينا 
المشرقية في سبيل دفع انتقادات الجابري والردّ عليهاء كما إنه حاول أن يبرهن 
على «أن الفلسفة المشرقية أسطورة. خرافة., أو فى أدنى الأحوال صرعة 
ابتشراقينة"؟ '".:ويشين إلى أن المستشرقين: حاولا أن:يرسمؤا ملاح كتات: ابن 
سينا المفقود الحكمة المشرقية انطلاقا مما توفر بين أيديهم من مؤلفات هذا 
الفيلسوف. أما الجابري فقد عمد إلى تأويل الفلسفة السينوية بمجملها انطلاقاً 


(*7) نود أن نتوقف هنا عند ذكر المؤلفات التي خضّها طرابيشي بمجملها أو جزءاً منها للرّد على 
الطروحات التي أوردها الجابري في مشروعه «نقد العقل العربي» وهي : طرابيشي : مذبحة التراث في 
الثقافة العرببة المعاصرة» ونقد نقد العقل العربي. ج :١‏ نظرية العقل »)١1447(‏ ج ؟: إشكاليات العقل 
العربي (1994): ج 7: وحدة العقل العربي الإسلامي )2٠01(‏ وج 4 : العقل المستقيل في الإسلام 


(8 590 
(75) طرابيشيء نقد نقد العقل العربي. ج 7: وحدة العقل العربي الإسلامي. ص .١5‏ 


1 


من جزتها الضائع . أي كتاب الحكمة المشرقية. «وهكذا فإنه يذلا من أن يستدل 
بالشاهد على الغائب» فقد استدل بالغائب على الشاهد. وليس هذا فحسب» بل 
إن هذه المفارقة تأخذ بعدها الحقيقى متى أدركنا أن الشاهد المستدل عليه هنا 
هو الكل» في حين أن الغائب المستدل به هو الجزء. وهذا ما يتنافى مع أبسط 
قواعد المنطق الاستدلالى)0", 


حرفت رمحي وده يحضي العا بن أب عدا لكر قير الي اجديا كاعد 
الأخير وتعمقه في متابعة الخط الأرسطي لسن الخروج عليه. وقد غغرف 
بمشائيته بعد الفارابي. أراد ابن سينا «أن يتقدم بالمشائية؛ من دون أن يسعى إلى 
تجاوزها لأنه لم يكن بإمكانه ذلك» فهو ينتمي إلى الأفق العقلي لعصره الذي 
طغت عليه المشائية. لقد احتبست المشائية العقل الفلسفى فى الحضارة العربية 
الإسلامية داخل إشكالية لا تقبل التجاوز في حينه لأنها كانت هي الأخرى 
سجيئة المزاوجة بين فكر أرسطو والأفلاطونية المحدثة نتيجة كتاب أثولوجيا 
المنحولء ولم يكن الوعي قادراً آنذاك على تطبيق النقد الضروري لكشف هذه 
المزاوجة. لذلك كان من الصعب على ابن سينا أن يتجاوز الخط الأرسطي. 


كما يصرّ طرابيشي من خلال نصوص بز أسا قي الناصنة االغرية لا 
تق تليقة أخرى عفار( (لنالسفة المقائلة الت كاك افده فى القزؤقالرسظى 
بما يعتريها من التباس مع الأفلاطوئية المحدثة» إن هذه الصفة تفيد عند ابن 
سينا مستوى محذدا من التحرّك والاجتهاد الشخصى ضمن إطار المنظومة 
التلجفة المقاية ريعي إلى اذاامينة «الدعرية» الت تليق الاسواف من النى 
ا ل ل ل ل ا لل ل ل 
الأخرّاق كرا ابره اب مها للفلسلة المسرقية ".وى طاشن هذا 
«السفير الكبير لدولة العقل في الإسلام» الذي أوصل المشائية العروبية إلى 
ذروتها التى ما عاد من الممكن بعدها ألا السعى إلى تجاوزهاء يُطرد من قبل 
ناقد العقل العربي طرداً بالغ العنف إلى غياهب «غابة اللاعقل»!". 


(5) المصدر نفسه. ص 37. 

(5*) نود أن نشير في هذا السياق إلى أن طرابيشي لم يتوصل إلى أي استنتاج إلا مقروناً بشواهد 
مستلّة إما من نصوص ابن سيناء أو من نصوص الذين تناولوا فكره في أبحائهم. إننا هنا لسنا في صدد 
عرض استراتيجية طرابيشي في الدفاع عن ابن سينا بعخاصة» والمدرسة المشرقية بعامة. ولمزيد من 
التفاصيل» انظر : المصدر نفسه. ص .155-1١١‏ 


(07*) طرابيشيء مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة» ص .١١5‏ 


١ 





يبحث طرابيشي في دفاعه عن ابن سينا عما يمكن أن يبرّر حكم الجابري 
فى حقه فلا يجد إلا سببا واحدا ينحصر فى كونه اتثيا من المشرق بل من 
عرق البقم ل هديا لؤأقنانة لن اله أتكما و أطلى علي اجن كمه مدان الحكفة 
المشرقية نسبة إلى الإقليم الذي أتى منه ويقع في ناحية المشرق. ويلحظ في 
هذا المجال أن ما انتقده الجابري فى فلسفة ابن سينا معتبراً إياها بعيدة عن 
العقلانية الأرسطية إلى افيد عقيل للاعقل. والإشراق داخل الفلسفة 
العربية الإسلامية» نجده يتغاضى عنهء لا بل يمدحه فى الناحية المغربية لدى 
كل من ابن باجة في تدبير المتوحد وابن طفيل في حي بن يقظان. إن هذا الأمر 
يشير إلى استمرارية معرفية بين المشرق والمغرب وليس إلى قطيعة بالمعنى 
العلمي لمفهوم القطيعة. 


أما في ما يتعلق بالقطيعة التي حدثت على مستوى الفقه ويسعى طرابيشي 
إلى نفيها من خلال التوقف مطولاً عند فكر الشاطبيء» فإنه يعتبر أن هذا الأخير 
لم يؤسّس قطيعة مع الشافعي» وإلا فقَّدَ مشروعه القائم على إعادة تأصيل 
الأصول معناه. كذلك أنه يرى أن المدرسة الفقهية فى المغرب والأندلس ليست 
واعدة :دن خلال الإشارة إلى القد الذي وخهه القاطين إلى :ابن خرد» كما إنه 
أراد أن يبرهن على أن المدرسة الفلسفية أيضاً ليست واحدة. عبر التوقف عند 
الطابع العرفاني الإشراقي لدى ابن طفيل؛ ومن ثم النقد الذي وجّهه ابن رشد 
لكل من ابن باجة وابن طفيل» والنقد القاسي الذي أورده هذا الأخير متهما ابن 
باجة بأنه لم يكن سيئوياً كما يجب. 


يفيد طرابيشي أنه من الخطأ أن نرى استمرارية برهانية حزمية في مشروع 
الشافعى كما فعل الجابري. كذلك يجب أن يكون ابن رشد «واسطة العقد» بين 
ابن حزم والشاطبي» مثلما صرّح الجابري أيضاً لكي يثبت «وحدة التفكير» بين 
الأقطاب الثلاثة للمشروع الثقافي الأندلسي. لقد استحضر الشاطبي ابن حزم 
لكي يميّز نفسه عنه ويضعها في الوسط بين أهل الظاهر وأهل الباطن. ثم إن 
بين الشاطبي وابن رشد «محض لا علاقة» لأنهما ينتميان إلى مجالين مختلفين 
من دون أن يربط بينهما أمر أساس مشترك. «ولئن يكن ابن حزم يحتل في 
المنظومة الفكرية الشاطبية موقع المنقودء فإن ابن رشد لا يحتل إلا موقع 
المرفرزهنء المرفوفن تتليفا : شخصيا :ومذهيا متهي 


(78) طرابيشي» نقد نقد العقل العربي. ج ”: وحدة العقل العربي الإسلامي.» ص ”77. 


4 


كذلك إنه بخلاف ما وصف الجابري مشرفع الشاطبي بأنه «فلسفي - 
أصولي - تاريخي مشترك» يهدف إلى إعادة تأشن البيان على البرهانء» يرى 
طراسشق أنه ليس من أحد عمل على تأصيل وبناء عملية تبعية العقل للنقل 
كالشاطبي» ٠‏ وتوظيف برهان العقل خدمة لبيان النقل» أي تأسيس البرهان على 
البيان وليس العكس. او ا ل ا لهرت 
محجّماً إنتاجه الفكري» لكنه يود أن يشدّد على أن التجديد الذي أتى بهء كما 
الاجتهاد لا يمكن فهمهما بعيداً عن إطار «التراكم المعرفي لعصره المتأخر). 
بالإضافة إلى أن جهد الشاطبي الفكري كان محدوداً بالسقف الذي فرضته البنية 
المعرفية في عصره الذي تميّز بأنه «عصر العقل المكوّن في طور انغلاقه 
الدوغمائي». أراد طرابيشي من خلال بحثه أن يبرهن على أن استخدام مفهوم 
القطيعة في ما يتعلّق بالفقه وتأسيس البيان على البرهان ليس بمكانه» مُظهراً أن 
الشاطبي لم يقطع مع أحد كما فعل ابن حزم وابن رشد. ولم يصل مع أحد 
كما فعل مع الشافعي وعلماء الأصول من بعده كالجويني والغزالي» على حد 
5 ليف 
تعبيره هو 00 . 


خلاصة القول. لقد أراد طرابيشى تأكيد أن المدرسة الفلسفية في المغرب 
كما المدرسة في المشرق لم تكن تنمت بوحدة التفكير إنما باختلاف التفكير. 
ثم إن ما يربط المدرسة المغربية بالمشرقية قد يكون أعمق وأقوى مما يربط 
أعضاء الأولى في ما بينهم. من هنا إشارته إلى أن القطيعة يجب أن ترتكز على 
تحقيق «انقلاب من طبيعة كربرنيكية»» وليس على الاكتفاء بإضافة شيء جديد. 
«فالقطيعة لا تكون معرفية فعلاً ما لم يعقبها نوع من انشأة مستأئفة؛ وفق قانون 
النفي ونفي النفي والتجاوز الجدلي)””. ثم إن القانون المعرفي الذي ساد 
التجربة التاريخية للعقل العربي الإسلامي هو قانون «التراكم الكمّي"' الذي لا 
يمكنه أن ينتج تحؤّلاً كيفيًّ. أي قطبعة إبستمولوجية. 

إن المبدأ الذي نظم مختلف إحداثيات العقل العربي الإسلامي هو الارتباط 
وليس القطع. وبما أنه عقل تراكمي فهو يجتهد في إطار معطياته التي بقيت 
خارج النقد والنقض. وأن كان هناك من ضرورة للتحدّث عن قطيعة شهدها 


9 لمزيد من التفاصيل حول قراءة طرابيشي لمشروع الشاطبي». انظر: المصدر نفسه) ص 516 
85 
)8٠0(‏ المصدر نفسهء ص .1١7/‏ 


الع 


تاريخ العقل العربي الإسلامي فيرى طرابيشي أن هذه القطيعة الحقيقية قد 
حدثت في القرن التاسع الهجري بين هذا العقل وبين نفسه «بالمعنى 
الانعدامي»» وليس في اتجاه «التجدد الجدلي». إذ لم يعد هذا العقل إسلاميا في 
المغرب بعد أن سقطت غرناطة في أيدي الإسبان عام 597١م‏ كذلك لم يعد 
عربياً في المشرق بعد سقوط القسطنطينية في أيدي العثمانيين عام 4607١مء‏ 
وسقوط إيران تحت سيطرة الصفويين عام 7١6١م.‏ حدث ذلك في حين كان 
العقل اللاتيني المسيحي يحقق قطيعة إيستمولوجية مع نفسه منذ بداية النهضة 
الأوروبية تمهيداً للحداثة الغربية. 


حتى إن طرابيشي في نقده لمفهوم القطيعة الإبستمولوجية عند الجابري لم 
يوفر ابن رشد تحديدا الذي بلغت معه القطيعة ذروتها في مواجهة ابن سينا 
مكرّس الانحطاط. يشير طرابيشى مراراً إلى أن تكوين ابن رشد الفقهى قد جعله 
يع د الفتضسلة نا سه با د تحني اباس امه دن ات و ا لفان ةل 
ذلك المقارسة الملسفية إلى :عجاري نويف مذ هنا جا تفده ارك نوا لأنه 
حاول أن يفهم الإبداع الفلسفي باعتباره انعتاقاً ولو جزئياً من سيطرة أرسطوء 
فأباح لنفسه ألا يكون «مجرّد شارح للمعلّم الأول والأخير». إن الفلسفة. 
بالنسبة إلى ابن رشدء :قد بلغت ذروتها مع أرسطوء فكل ما بعده أو غيره لا 
يمكنه إلا أن يُحصر في دائرة الانحطاط والتحريف والخروج عن البرهان. هناك 
نوع من التعبّد لأرسطوء والتقيّد بأدق تفاصيل فلسفته لدى ابن رشد» لذلك 
وجه نقده إلى ابن سيناء بحسب ما يرى طرابيشى. من هنا كانت القطيعة التى 
أخدثها ابن:.رشد عي بمثابة «التفاضة» أرسطية يمكن وصفها '١ابأتها‏ إحبائية» أو 
تطهيرية؛ أو تصحيحية. ولكنها لا تمثّل بحال من الأحوال»؛ (...)»: قطيعة 
معرفية»”؟2. إن مناخ عصره لم يكن يسمح له بالخروج عن أرسطوء فكان عليه 
أن يعود إليه لا محالة. 


تجدر الإشارة هنا إلى أن الجابري كان قد حدّد فى كتابه مدخل إلى فلسفة 
العلوم معنى القطيعة الإبستمولوجية انطلاقاً من تاريخ العلوم كما يلي: "ليس 
المقصود ب «القطيعة الإبستمولوجية» ظهور مفاهيم ونظريات وإشكاليات جديدة 
وحسبء بل إنها تعني» أكثر من ذلكء إنه لا يمكن أن نجد أي ترابط أو 
اتصال بين القديم والجديد. إن ما قبل وما بعدء يشكلان عالمين من الأفكارء 


(١ع)‏ المصدر نفسنه 6 ص ١78‏ 


ا 


كل منهما غريب عن الآخره””6©. من الواضح ان هذا التحديدء بعد أن اطلعنا 


والمشرق» أو بين ابن رشد/ وابن سيناء كما وظفه الجابري في قراءته للعقل 
العربي. فالانقطاع التام وعدم الترابط لم يحصلا فعلاً بين المغرب والمشرق 

نود أن نلفت فى هذا السياق إلى أن يحيى محمد كان بدوره قد توقف 
مطوّلاً لكي يبرهن على عدم صحة قول الجابري بأن ابن رشد قد أحدث قطيعة 
معرفية مع المشرق بعامة واين سينا بخاصة. مستعيئاً في ذلك بالنصوص 
الرشدية. لقد اعتبر أن هذه القطيعة «مزعومة».؛ مبرّراً أسباب افتراضها بما هو 
أيديولوجي لا معرفي. كما إنه لم يكتف بإظهار ذلك» إنما توقف مؤلف «نقد 
العقل العربي في الميزان» عند «تصحيح النظر حول موقف ابن رشد من 
التصوّف». لقد استنتج أن هذا الأخير قد وافق الصوفية في مسائل عدة أبرزها 
مسألة الاتحادء وكانت رؤيته العامة للوجود قريبة من رؤيتهه'”. 

إن مفهوم القطيعة المعرفية واحد من المفاهيم التي وظفها صاحبا المشروع 
الجابري من خلاله إلى تطبيق هذا المفهوم في قراءاته للعمقل العربي». كما توقفنا 
عند أبرز الردود النقدية التي تناولت هذا التوظيف. يبقى أن نشير إلى ما يميّز 
استخدام أركون لهذا المفهوم عبر التوّف عند بعض الأمثلة التي تُظهر خصوصية 
استفادته من المصطلحات الغربية في سياق بحثه في تاريخ العقل الإسلامي. 


إن انشغال أركون بالتاريخ والثقافة العربيين من زاوية المؤرخ كخطوة 
أولى» ومن زاوية الفيلسوف كخطوة تالية جعله يهتمٌ بالقطيعة التاريخية أي 
تلك التي تجسّدت في التاريخ» من خلال توقفه عند مسألة التحقيب. إنه مثلا 
يرى من الضروري إعادة تقويم الموروث الإسلامي تقويما نقديا شاملاء مندذ 


(؟4) محمد عابد الجابري؛ مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي. ط 7 
(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. .)١9914‏ ص ”4 -47. 

(47) لقد أورد يحيى محمد نصوصاً عديدة لابن رشد يظهر فيها ميله الفقهى من جهةء والصوفي من 
جهة أخرىء لكي يضع «الأمور في نصابها». لمزيد من التفاصيل» انظر: محمدء نقد العقل العربي في 
الميزان: دراسة معرفية تعنى بنقد مطارحات مشروع نقد العقل العربي للمفكر المغربي محمد عابد الجابري ؛ 
ص .199-1١65‏ 


6 


ظهور القرآن حتى اليوم» عن طريق تقسيم هذا الموروث إلى خمس مراحل» 
يهتمّ هو بالثلاث الأول لأنه فيها تأسّس العقل الإسلامي وتبلور لكي يترسشخ 
في ما بعد. هناك إذأ ربط عميق بين ما هو معرفي وما هو تاريخي عبر 
التحدّث عن القطيعة عند أركون. 


تأتى فى البداية المرحلة الأولى. مرحلة القرآنء» زمن تشكل الفكر 
الأسلامن فن. البداية + ومن ثم بجاتى "المرتدلة القايةة مرحلة العصير الكلاسيكن» 
عصر العقلانية حين ازدهر العلم والحضارة. أما المرحلة الثالثة» فهي مرحلة 
العصر السكولائى. وهو ما يعبّر عنه عادة بعصر الانحطاط» لكن أركون يفضّل 
عدم استخدام 57 الصفة والاكتفاء بنعت هذا العصر بالتكراري والاجتراري. 
ويتبع هذا العصر مرحلة النهضة التي بدأت في القرن التاسع عشر واستمرّت 
حتى منتصف القرن العشرين. ويضيف في النهاية المرحلة الخامسة وهي مرحلة 
«الثورة القرمية» و«الثورة الإسلامية». - ْ 

يحاول أركون من خلال هذا التحقيب أن يؤرّخ للعقل الإسلامي انطلاقاً 
من القطيعة التي كان يعرفها في كل مرة. كان العقل في المرحلة الأولى عملا 
عملياً تجريبياً. مفعماً بالحياة» بعيداً عن التأمل والاستدلال البرهاني. تكمن 
مهمّته في الربط بين الأرض مثلاً والنعم التي يسكبها اللهء وليس في التحليل 
المنطقى للظواهر. أما فى المرحلة الكلاسيكية فقد دخل هذا العقل فى مواجهة 
بائرة مع العفل التليفي والغليتى البوناتي + فشاك ,ذا" العقلانية .وازذهركة 
لقد حدث ذلك في ظل تطوّر طاول الاقتصاد والعلم والمجتمع والفلسفة. لكن 
مع تفكك السلطة المركزية. انتقل العقل الإسلامي من مرحلة فتح باب الاجتهاد 
إلى مرحلة إغلاقه والدخول في دائرة التكرارء والتقليد. 


هكذا فقد نشأ عقل يقطع مع سابقه لأنه ضيّق. يحذف الفكر الفلسفي 
بمجمله. لكي يرتبط في النهاية بتعاليم مذهب محدد منكفئ على نفسه. تسيطر 
عليه العزلة والمنافسة. حدث في هذه المرحلة أن تكرّست قطيعة كبيرة بين 
الإسلام السني من جهة؛ء والإسلام الشيعي من جهة أخرى» حتى بدا وكأنهما 
بنتميان إلى تراثين مختلفين. ويشير أركون إلى أنه لا يمكن أن نتحدذث هنا عن 
قطيعة معرفية بالعمق» لأن آلية اشتغال العقل هى واحدة سواء فى الجهة السنية 
أم في السهة الشيعية: قلا يجو التوقنه عند ما يدق فن ظاهن الخطات» إتما 
يجب الغوص في مبادئ العقل ومسلّماته وفي المنهج الذي يتبعه. 


ك6 


يرى أركون أن المرحلة الثالئة شهدت ضمور العقل وانغلاقه بعد أن شهد 
ازدهاراً فى المرحلة الثانية تميز بالمناقشات المفتوحة بين المذاهب. ما زال عقل 
التكرار هذا مسيطراً اليوم على الساحة الفكرية. «فالإسلام الذي يهيمن علينا 
اليوم ليس هو إسلام العصر الكلاسيكي المبدع والمنتج والمليء بالمناقشات 
العقائدية والمنفتح على الجهد والااجتهاد» وإنما هو إسلام عصور التكرار 
والتقليد والاجترار. من هنا صعوبة موقفنا الحالى وعدم قدرتنا على مواجهة 
الوضع كما ينبغي. فنحن نعاني قطيعتين مرعبتين لا قطيعة واحدة. قطيعة مع 
الفترة الأكثر إنتاجاً وإبداعاً من تراثنا الكلاسيكي» وقطيعة مع أفضل ما أنتجته 
الحداثة الأوروبية منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم)”44). 


هناك إذاً معركتان يجب أن يخوضهما العقل الإسلامى المعاصرهء الأولى 
في مواجهة القطيعة السلبية التي حدئت مع التراث الفلسفي والعقلاني الذي طبع 
المرحلة الكلاسيكية بنتاجه؛ من أجل التعرّف إليه. المعركة الثانية تتطلب جهدا 
مضاعفاً يكمن في استدراك التأخّر الذي أصاب العقل الإسلامي بالمقارنة مع 
العقل الأوروبي. هناك حجاب أسدله عصر التكرار والمدرسانية يمنع رؤية ما 
جرى فعلاً إِبَان القرون الهجرية الستة الأولى» كما إنه يحول دون التواصل مع 
الحداثة الأوروبية. 


إن نتائج هاتين القيطعتين «المؤلمتين" ما زالت مهمّشة في دائرة اللامفكر 
فيهء لأن ما قام به المنظرون الأيديولوجيون كان يهدف إلى إحياء الشخصية 
القومية العربية الإسلامية أكثر من الانخراط فى دراسة تاريخية نقدية تعتمد 
الكقارنة ليه امنلفاك العضارات الى عريها: حومن النيدن الا فى الجتزيط "إن 
لدى أركون اقتناعاً ظهر في كيفية تحقيبه لتاريخ العقل الإسلامي مفادها أن 
«للعقل تاريخاً وصيرورة تاريخية»؛ بمعنى أنه يتحوّل ويتغيّر عبر العصور وبحسب 
إمكانيات كل عصر وأدواته العلمية أو التقنية»”**“. من هنا يمكن التحدّث عن 
قطيعة في تاريخ العقل عندما يحقق تغيّراً وتحوّلاً أساساً في مساره. لذلك لا 
يمكن التحدّث اليوم عن قطيعة مع «عصر الانحطاط» لأن فكره هو الذي يهيمن 
اليوم. وليس له علاقة بفترة الإنتاج والإبداع التي عرفها العصر الكلاسيكي. 


(::) محمد أركونء قضابا في نقد العقل الديني : كيف نفهم الإسلام اليوم. ترجمة وتعليق هاشم 
صالح. سلسلة نقد الفكر الديني (بيروت : دار الطليعة » 4 )2 ص 188. 
(16) المصدر نفسه. ص 586, 


لاع 


لذلك نجد أركون يدعو في أكثر من مناسبة من أجل العودة إلى الفترة التكرارية 
انكر سطع معلة انين( التعفنار 0 لكالاسشيكي: لكي تدز من كلك لمكيو 
التاريخية البطيئة التي أدّت إلى انحلال القيم الثقافية العربية ‏ الإسلامية وتحؤّل 
المفكرين إلى مجرّد حراس للأرثوذكسية الضيقة المنقطعة عن الينابيع الفكرية 
الكلاسيكية من جهةء وعن الأدوات العقلية والعلمية التى ولدتها الحداثة 
الأوروبية منذ القرن الثامن عشر من جهة أخرى)"7. ْ 

نلحظ أن أركون عندما يتحدّث عن التحقيب التاريخي للعقل الإسلامي 
انطلاقاً من الأدوات المعرفية التى يستخدمها وآلية اشتغاله» ينتهى به القول 
تاراوز ل الاضازة إلى تطعقن “تظيزان الاتساوق الذى تاضل الب هذا القن 
في الجقبة المعاصرة. وهو في سياق كلامه على التحقيب يتوقف عند أهمية 
عد الاتمفطاظ مسفيدلة هذا المصطلح بآخر هو الاجترار أو التكرار؛ مصراً 
على التحدذث عن «التفاوت التاريخي» كعبارة تصئّف الواقع يدقة .وإنحات 
المفكرين على 00 ا الآليات التاريخيةء والأنظمة المعرفية والسياسية 
والاقتصادية ما بين ضفتى البحر الأبيض المتوسط. إنه يعتمد التحقيب 
الإبستمولوجي في دراسة ا العقل الإسلامي » وليس التحقيب الزمني» لأنه 
قد تتعاقب أنظمة سياسية عدة أو سلالات حاكمة» لكن يمكن أن يبقى نظام 
الفكر ثابتاء لا يعرف أي تحوّل. 


إن «المعيار المعرفي العميق» هو المعيار الأكثر جذرية في مجال التحقيب 
الزمني لتاريخ الفكر. إنه. يمكن تظبيقه على مختلف: المجتمعات» تلك الي 
تسيطر عليها ظاهرة الكتابة» أو التي عرفت الخضوع للظاهرة الشفهية» 
وبخاصة أن عملية التحقيب أقصت عن اهتمامها الثقافة الشفهية لكى تنشغل 
نعط والعقافة المككوية ب تيدف أركوة بسي شاو ذلك إلى زمه د حوبيب رفني 
يشجل قطامات المجعمم كلها ولياس فقطا مما بيسميه ك«القطاع الرسمي 
المدجّن' الذي يُعبّر شرعياً. هناك قطاعات ما زالت مهمّشة وهي تتّسع على 
الصعيد الاجتماعى. وتضغط على مصير المجتمعات الإسلامية أو العربية. إنه 
يشير هنا إلى نوع من «القطيعة السوسيولوجية» تصيب كتب التاريخ التي ترضخ 
للأيديولوجيات الرسمية. 


(53) محمد أركون. الإسلام» أوروباء الغرب: رهانات المعنى وإرادات الهيمنة؛ ترجمة وإسهام 
هاشم صالح (بيروت: دار الساقي» 66 ) ص 16ه. 


للحم 


كذلك يشير إلى قطيعة تتعلّق بمفهوم الشخص البشري وتوقه إلى الحريات» 
متوقفاً عند مكانة المرأة فى العديد من البلدان الإسلامية حيث نجد أنها لا تزال 
بعبدة عن الد الأدنى اللي نفرضه القانون الحديت للشخص الشريء #والواقع 
أنه لا يوجد فقط خلاف بين بعض مبادئ الشريعة والإعلان العالمى لحقوق 
الإنسان» وإنما نوجد قطيعة إيستمولوجية جذرية على مستوى الفكر المتعلق 
بالشخضن الشرق وطموحة نفو الحريات: كل البدونات ا 


لذلك نجده يحتّ المسلمين على النهوض من أجل تحقيق «الثورات 
العقلية والمفهومية» كما حصل في الغرب. وذلك عن طريق تفكيك القانون 
القديم بداية» وليس عن طريق إضافة قانون حديث إلى القديم. 

يشير الزواوي بغورة في سياق تقويمه استخدام أركون مصطلح القطيعة في 
مجالات متعددة إلى أنه قام بوصف «القطائع المختلفة التي عرفها الفكر العربي» 
من قطائع سياسية ولغوية ونفسية وعلمية» أو ما يسمّيه بالانقطاع بين الإسلام 
السئي العربي والإسلام الشيعي الفارسي؛ والانقطاع السياسي بسقوط الخلافة 
سنة 598١م؛‏ والانقطاع الاقتصادي بتوقف العلم العربي وظهور العلم 
الأوروبي؛ والانقطاع اللغوي بعد عملية التتريك وظهور اللغات الشعبية؛ 
والانقطاع النظري الحاصل نتيجة تحوّل من العقلانية إلى اللاعقلانية» ومن نزعة 
نقدية إلى نزعة تبريرية»”7. 

لم يوظف أركون إذا مفهوم القطيعة في مجال دراسة العقل النظري فقطء 
إنما وسّع من دائرة استخدام هذا المصطلح لمزيد من الاستفادة» وتسليط الضوء 
على الطبقات التاريخية المتراكمة. بينما نجد أن الجابري حصر اهتمامه في 
العقل النظري لكي يتحدّث عن قطيعة بين المغرب والمشرق» أو بين ابن رشد 
وابن سيناء أو بين البرهان من جهة والبيان والعرفان من جهة أخرى. كذلك لم 
يرَ أركون من قطيعة حقيقية بين الفكر السئي والفكر الشيعي على الصعيد 
المعرفي أو على صعيد آلية اشتغال العقل. لقد اهتمٌّ بالتحقيب في ضوء النظام 
المعرفى لإبراز مختلف المراحل التى مرّ بها العقل الإسلامى. كما إنه اعتبر أن 
نظاء الفكر الذي اتتلووعقي الساقا الابتلاميي من بداية الإسلاف ولعاية التسيغاز 


(40) المصدر نفسهء ص .١70‏ 


(5) بغورة» ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر : محمد عابد الجابري» محمد أركون» فتحي 
التريكي » مطاع صفدي. ص ١/ء‏ 


5, 


العصر الكلاسيكي المبدع. أي النظام البرهاني في مصطلح الجابريء إن هذا 
النظام بقي في مجمله داخل الإطار المعرفي للقرون الوسطى والعصور اليونانية 
القديمة. بصياغة أخرىء. إن الفكر العربى الإسلامى الذي تشكل في تلك 
الحقبة وعلى الرغم من الإبداع الذي بلغه» «بقي كله في مرحلة ما قبل 
الحداثة', أي أنه بقي متأثراً بالفكر اليوناني ولم يقطع معه. 


إن هذا الأمر ليس فيه انتقاص من عظمته؛ «ولكن يموضعه ضمن 
تار وه نوريو" الحوالة مو ممدافة ‏ الشف الومحية موي77 هذا بداز 
أيضاً اختلاف مهم بين أركون والجابري الذي يرى في النظام البرهاني الذي 
تأستين في المدرسة المغربية ‏ الأندلسية» وبلغ ذروته مع ابن رشدء الأنموذج 
الذي يجب أن يحتذى اليوم» مشرقاً ومغرباء من أجل التأسيس لنهضة عربية 
معاصرة. أما أركون فيصئّف ابن رشد» على الرغم من أهميته ضمن العقل 
الكلاسيكي المبني على التجربة اليونانية» وعلى العقلانية الأرسطية بشكل 
حاص أي أنه يمن إلى ما قبل الحداثة» وهو يدعو في أكثر من موضع إلى 
اللحاق بركب الحداثة. والتقليص من «التفاوت التاريخى». والاستفادة من 
مكتسبات نقد الحداثة أيضاً. ْ 


هناك أمر يجب أن نشير إليه فى هذا السياق» عندما يتحدّث أركون عن 
إنداع العضر الكلاسيكي الا :يعني فقط ابن رش إلما ابن نينا والغزالى: وكل من 
اجتهد وأنتج في تلك الحقبة. ليس هناك من مشرق ومغربء ولا من أفضلية 
للبرهان على البيان أو العرفان. المهم بالنسبة إليه كيف استوعب العقل العربي 
الإسلامى الفكر اليونانى» وتفاعل معه. من خلال المناظرات والمناقشات 
الحضية» والأساج المكرئ القت الذي وصل إلبهة المي هو المناع العتلى 
المنفتح على ما هو جديد؛ على الحوار وعلى النقاش» بالمقارنة مع الانغلاق 
والقطيعة الى ستحدتك فى الخقبة الثالية:: مبرحلة الاجتران والعكزار التى :ما 
زانت تشيؤة لغانة»البوع الخظات الأصولي بعد أن سيطرت على الخطات 
الإصلاحي أو السلفي إبَان القرن التاسع عشر. يشير أركون إلى «استمرارية» 
وليس قطيعة «إبستولوجية بين أول تبلور لصيغة الإسلام في القرون الهجرية 
الأولى/ وبين الصيغة التي يتخذها الخطاب الإسلاموي الأصولي السائد حالياً في 
أواخر القرن العشرين (...) إن أنماط الإدراك والتصوّر. وأنماط المحاجة 


(19) أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم» ص .١460‏ 


هوم 


والتأويل ورؤية العالم لا تزال هي هي. بهذا المعنى يمكننا التحدث عن 
الإيستمه» أصولى مدهش فى استمراريته وطول أمده وقدرته على الانبعاث 
والتجييش حتى في أواخر هذا القرن العشرين””“. 


إن هذا الواقع المرتبط بعصر الانحطاط والفهم الضيّق للخطاب الديني» 
والانغلاق داخل نظام محدد من الأفكار دفع الجابري إلى العودة نحو الماضي 
ليغرف من التراث مثالا للتجدّد والنهوض يتمئّل بابن رشدء ودفع أركون في 
الوقت عينه إلى الإمساك جيداً بأدوات الحفر والتفكيك الحديثة والتوجّه إلى 
الماضي نفسهء وبخاصة إلى العقل الديني الذي سيطر على مختلف الإنتاج 
الفكري العربي الإسلامي لكي يفككه وينتقده». على الرغم من المخاطر التي 
يمكن أن يتعرّض لها كل من يمس اليوم العقل الديني. إن الواقع المترّدي 
المعاصر جعل الجابري يبرز بقوة خصوبة وإبداع التجربة المغربية الأندلسية 
المتمثلّة بابن رشد في الفلسفة. وابن حزم والشاطبي في الفقه. 


إن هذا الواقع عينه لم يحمل أركون على الإعلاء من شأن العقل على 
حساب اللاعقل والخيال؛ انقاذاً للوضع الحاليء إنما توجّه إلى ظاهرة الوحي 
لكي يدرسها بعمق ويشير إلى غنى خطابهاء وتعدد الصور والمجاز والرمز فيها. 
لم يعمل كما المفكرين الماركسيين على تحقير الظاهرة الدينية» ورميها مع كل ما 
نتج منها من محاولات وتجارب في دائرة اللامفكر فيه. لم يحقّر «رطوبة الخيال» 
وجموحه المبدع والخلاق. إن ذلك لم يمنعه من التركيز على أهمية العقل. 
والالتزام بصرامة قوانينه من أجل تحقيق فهم أوسع للفكر والتراث والحضارة 
الإسلامية. من هنا لم يكن وارداً بالنسبة إليه التقسيم الثلاثي لنظم العقل العربي 
كما فعل الجابري» هذا التقسيم المبني على مفهوم القطيعة الإبستمولوجية بين 
المغرب والمشرق. صحيح أنه وظف كما الجابري مصطلح «القطيعة» لكن ليس 
بهدف الفصل بين أنظمة العقل إنما من أجل تسليط الضوء على جهلنا اليوم 
لمختلف الجقّب المؤسّسة للعقل الإسلامي» والإشارة إلى استمرار حقبة الاجترار 
المتجسّدة في الخطاب الأصولي المتطرّف الذي انتشر وتوسّع في المجتمعات 
الإسلامية المعاصرة» ولفتٍ الانتباه إلى أن الغنى الذي عرفته الحقبة الكلاسيكية 
ليس كافياً من أجل الانطلاق بالفكر الإسلامى والانخراط فى الحداثة» والحضور 
الفاعل في نظام العولمة» والمشاركة في إنتاج خطابها. ‏ - 


(650) المصدر نفسيه؛ ص .1١ 84-3١”‏ 


لا بد من التوقف هنا عند أمر وجدناه لافتاً. وهو التمييز بين كيفية تعاطي 
كل من أركون والجابري مع التراث العربي الإسلامي. لقد لحظنا أن 
للأنثروبولوجيا أثرأ مهمأ في توجّه أركون النقدي؛ وذلك خلافاً لتوجه الجابري 
الذي سيطر عليه البحث عن العقلانية في التراث لإبراز معالمهاء إن اهتمام 
أركون بمن يدعوهم «المفكرين التواني» الذين لم يشغلوا المفكرين على مر 
السنين ولم يثيروا فضولهم. يكاد لا يخلو كتاب من ذكر أبي حيان التوحيدي 
ومسكويهء مع تشديد من قبل أركون على النزعة الإنسية والعقلانية عندهماء 
والتي جعلت من الإنسان ركيزة في فعل التفكرء من دون أن تهمل البعد 
الروحي. يشير أركون إلى المنحى الثوري والنقدي اللاذع في كتابات التوحيدي 
الذي أراد «أن يحرّر الدين من الطقوس والشعائر الشكلانية لكى يجعل منه 
قاد لوي الدوجية كنا أر ادقن الوفحكذاقة أن يريط التجارسة السدافية 
بالاخلاق المسقيوية الإسان فى السك زاراد أرقا إغناء لات |رسطر 
عن طريق جماليات اللغة العربية بمعانيها ونحوها"'”. 


هناك رغبة في تحقيق ثورة فكرية خلال القرن الرابع الهجري. ظهرت في 
العمل على فتح آفاق الروح بواسطة الإبداع. والبحث الدؤوب عن قيم الخير 
والحق والجمال» والتفاعل مع التراث الثقافي الحي في مختلف المدن الكبرى 
كبغدادء وأصفهان وغيرهما. كذلك لا يهمل أركون التحدّث عن مسكويه الذي 
حاور وناقش التوحيديء, متميّزاً ب «المنهجية التربوية الصبورة» والرؤيا المعتدلة 
للحكيم الفبلسوف الذي تشرّب الثقافة الإيرانية القديمة جداً)”""“. انفتح مسكويه 
على التاريخ «الكوني») لثقافات وشعوب عديدة ضمن إطار الطريقة التي تبلورت 
في عصره. إنه كان معجباً بأرسطو وبخاصة بعلم المنطق وعلم الفيزياء 
والماورائيات والأخلاق الأرسطية. 


هناك نوع من تسليط الضوءء عن قصدء من قبل أركون». على من سمّوا 
بالمفكرين المهمّشين» من أجل الكشف عن مواقع «الحداثة» في ذلك الحين» 
داخل التراث العربى الإسلامى. بصياغة أخرىء. لقد عمد أركون إلى الاتجاه 
نحو من لم يعتبرهم المفكرون الآخرون ذوي شأن مهم. لكي يؤكد وجود 
يذور الأنسنة والعقلانية عند هؤلاءء. هذه البذور التى سنجدها قد نمت 


.55 أركونء معارك من أجل الأنسنة فى السياقات الإسلامية» ص‎ )6١( 
.558 النصدر نفسه.؛ ص‎ 0 


وأثمرت فى الغرب الأوروبى» واندثرت وتبددت فى الناحية الشرقية للبحر 
الأبيض المتوسط. 


يمكن أن نجد في المقابل» أن الهمّ الفكري عينه واضح عند الجابري»ء 
أي العمل على إظهار مكامن الحداثة التى عرفها التراث العربي الإسلامي. لكن 
بدلا من أن معية عن يدور العداثة لدى السكرية المممنية ترجه إلى أنه 
رشد بوصفه أحد أهم أقطاب العقلانية الأرسطية في تاريخ الفكر العربي. لافتا 
إلى عظمة وأهمية إنتاجه الفكري. لذلك أشرنا إلى أثر الأنثروبولوجيا فى مسار 
أركون النقدي. هذا العلم الذي ينشغل بالمهمّشين والمنبوذين من قبل السلطة 
الحاكمة؛ سواء فكرياً أم سياسياًء لكي يبرز خصوصية وغنى ما كانوا قد 
أنتجوه» من دون أن يتنكر لما قام به العظماء والماسكين بزمام الأمور. 


كذلك هناك ما يميّز بين أركون والجابري» إنه موقف كل منهما من ابن 
سيناء والمعتزلة. لقد سبق أن أوردنا موقف الجابري الرافض لفلسفة ابن سينا 
وما غرقت فيه من انتقادات لاعقلانية وسحر فى سياق هذا الفصل» وأوردنا 
بالتالي رد جورج طرابيشي على انتقادات الجابري. كما إننا قد فصّلنا القول 
على قراءة هذا الأخير لفلسفة ابن سينا المشرقية في الفصل الخامس الذي يدور 
حول إشكالية العقل. إن ما نود أن نشير إليه 8 هذا السياق هو هذا الفرق 
الكبير في التعاطي مع نصوص ابن سينا وتقويم إنتاجه الفكري. في حين يرى 
الجابري أن ابن سينا ليس «ذلك الفيلسوف الذي بلغت معه العقلانية الإسلامية 
أوجها كما يعتقدء بل ذلك الرجل الذي كرّس وعمل على تكريس لا عقلانية 
صميمة فى الفكر العربى الإسلامى تحت غطاء «عقلانية» موهومة0770) 
أن مسح فكرة كانه سات ع طويلاً مفادها أن تاريخ الفكر الفلسفي في 
الإسلام بلغ أوجه مع ابن سيناء وبدأ بالتدهور مع الضربة التي شددها الغزالي 
عند إعلانه عن «تهافت الفلاسفة» وتكفيرهم. إن فشل المدرسة الفلسفية في 
المشرق كان قد وصل إلى أبعد حد مع ابن سينا الذي عمل كما سابقاه على 
دمج الدين بالفلسفة. 


. إنه يريد 


أما أركون فقد أخذ موتقفاً مغايراً تمامأء إذ اعتبر أن ابن سينا كان قد حصّل 


(072) محمد عابد الجابري» نحن والتراث : قراءات معاصرة فى ترائنا الفلسفى . ط "ا (بيروت؟ الدار 
البيضاء : المركز الثقافي العربي » ١901‏ هن 13م 


5ه 


واستجمع كل المعارف والتيارات الفكرية التي سادت قبله» كما إنه أغناها عندما 
وظفها في «تأليف أعماله الرائعة التي لا تضاهى». ويشدّد على أن ابن سينا كان 
منفتحا على مختلف تيارات الروح الكبرى» إذ كان يجمع في شخصه - كما يشير 
هاشم صالح موضحا ‏ بين ثلاثة تراثات مهمّةء هناك التراث الإيراني القديمء 
بالإضافة إلى التراث الإسلامى الذي امتدّ على أربعة قرون» والتراث الفلسفى 
الذي كان قد دخل الساحة العو الإسلامية على أثر حركة الترجمة والقر ا نه 
هنا يرى أركون مؤكّداً أن ابن سينا كان قد «تفوّق على سابقيه من حيث مقدرته 
على الجمع بين صرامة العقل وثبات الخيال الخلاق)7*©. 


من الواضح هنا الفرق بين القراءتين لفكر ابن سيناء ومن البديهي أن نسأل 
إذاً عن سبب هذا الفرق. لن نكرّر في هذا السياق ما كان قد استنتجه جورج 
طرابيشي أو يحيى محمد أو غيرهماء لكن نود أن نبرز مرّة أخرى أثر علوم 
الإنسان فى مقاربة أركون. وبخاصة علمّى السيميائيات والأنثروبولوجيا اللذين 
لاد ان عمل الهبال» ولا تعزانه رسكن حطرا عل العفل ف ويهاده بالعالى 
المسيرة العقلانية» فيعملان على ضربه ورميه في دائرة السحر والخرافة. 


لقد قرأ الجابري فكر ابن سينا من زاوية الفيلسوف الذي يبحث عن سند 
عقلاني متين في عمق التراث لكي يبني عليه صرح النهضة؛ فلم يجد فيه ما 
يحفق مبتغاه. بينما قرأ أركون هذا الفكر عينه من زاوية الباحث بأدوات حديثة 
في تاريخ العقل الإسلامي الذي ينقسم بحسب رأيه إلى ثلاث مراحل رئيسة: 
مرحلة ظهور الإسلام التي قطعت مع ما قبلها من جاهلية» ومرحلة الفكر 
الكلاسيكي التي ينتمي إليها ابن سيناء ثم مرحلة ما يسمّى بعصر الانحطاط أو 
ما يقصد به التكرار والاجترار. كان ابن سينا منغمسا فى إشكاليات عصره. 
تخرطا + تالنسة إلى أركو3+ بالتألتف فبهاء. وهر من الذين أشهمرا في إغلدء 
ضرع الحضازة' الغربية الإسلامية. / 

كذلك نود أن نذكر مرة أخرى» إنه ربما كان الجابري قد قرأ ابن سينا 
من منظور ابن رشدء أي أن الذي أتى أولا هو ابن رشدء ومنه تمّ التوجّه نحو 
ابن سينا لإظهار تفوّق ابن رشد عليه. كذلك نجد أن ابن سينا كان بمثابة 
الواجهة. بالنسبة إلى الجابري» التي تخفي وراءها كل شطحات الهرمسية 


(65) أركرن» المصدر نفسه. ص 57. 


والحرّانية والمانوية وغيرهاء فتصدى لها كلها من خلاله؛ لكي يوقف زحفها 
نحو التراث العربي الإسلامي الصرف. بينما أركون لم يكن لديه أي اهتمام 
بالبحث عمًا هو عربي خالصء أو إسلامي خالص. إنه تعاطى مع نصوص 
التراث بوصفها نتاجاً فكرياً جديراً بالاهتمام» من أجل التعرّف إلى السيرورة 
التاريخية للعقل العربى الإسلامى. وتسليط الضوء على ما ساد العصر 
العلسيكي »نيج اقعائ: تيده المستعاك الاسلاي والحريية المعاصرة 
وبخاصة هذا الانفتاح الذي عَبّر عنه من خلال طرح مسائل جريئة؛ كمسألة 
خلق القرآن مع المعتزلة. 

يعتبر أركون أن المرحلة الوحيدة التي انتصر فها العقلانيون في تاريخ 
الإسلام.ء وشكلوا أيديولوجيا النظام؛ كانت حين تبتى الخليفة المأمون عقيدة 
المعتزلة على نحو رسمي. لقد عمل على محاربة الحنابلة خصوم المعتزلة» 
فدخل في الصراع من موقع رسمي مسؤول مقرَباً إليه أهل العدل والتوحيدء 
وعدا عنه أهل التقليد والنقل. لكن لم تدم هذه الفترة طويلاء إذ إنه مع مجيء 
الخليفة القادر عاد النظام السئي ليقف بحزم في وجه الأخطار التي سبّبها 
المعتزلة والإسماعيلية. وحتى الأشعرية التى تعرّضت بدورها لنقد كثير من قبل 
الحنابلة: لقد اسفرت سياسة القادر هذه عن نتائج حاسمة على صعيد إغلاق 
الفكر وتجميد النقاش العقيدي في الدين الإسلامي» بشكل تعسّفي. 


إن أبرز مسألة كانت قد ميّزت المناقشات فى تلك المرحلة؛. هى «خلق 
القرآن» التي طرحها المعتزلة» والتي باتت مع الخليفة القادر وبعده مرفوضة 
بعنف وبقوة السلاح. يشير أركون في هذا السياق إلى أن فتح النقاش حول 
مسألة خطيرة كهذه أمر فى غاية الأهمية على الصعيد النظري من أجل تحديث 
الفكر الإسلامي. إنه 6 المثقفين لكي يكتشفوا غنى وعمق أحد أبرز نماذج 
المناقشات اللاهوتية واللغوية والأنشروبولوجية التي عرفها تاريخ الفكر 
الإسلامي». وذلك بالمقارنة مع مستوى المناقشات التي تدور اليوم. 


يرى المعتزلة أن القرآن ليس مثل الله أزلياً. فهو مخلوق في لحظة محددة 
من قبله تعالى» وبإرادة منه. إن الله وحده الكائن الأزلى والسرمديء والقرآن 
مخلوق افق اليحطة: نان «القا ري آم بالنيفة الى الموقف؟ الست" الأننوة كي »+ انإ 
القرآن. لبس .مخلوقاًء إثما وجد متذ الأزل مكل الله. .ولا يجوز بالتالى الفضل 
بين الله وكلامه لأنهما متزامنان. ْ 


إن القرآن مكتوب بلغة بشرية هى اللغة العربية بالنسبة إلى المعتزلة والخلق 
ده كدان علق هري الحتعرى الأول هو الستتوي الالين التمالي» "آنا 
المستوى الثانى فهو التاريخي البشري. «فالمعتزلة يقولون بأن القرآن متجسّد فى 
ننه يكترية سروت عوية د وبالمالى كتفي أن سيقهدم كل مصادوقنه اللعة 
العربية وإدراك أسرارها البيانية من أجل فهمه وتفسيره والتوصّل إلى المقاصد 
الإلهية المعبّر عنها في نص قيل بلغة بشرية»”””2. من هنا يشير أركون إلى أهمية 
نظرية خلق القرآن التي من شأنها أن تؤثّر في تفسيره أو تأويله. 


وضع الحنابلة» فى المقابل» القرآن خارج إطار ما هو بشري وتاريخي» إذ 
يجب أن يتلقّاه المؤمنون كما أنزل» من دون طرح أي سؤال حول كيفية فهمه 
أو تفسيره» لأنه ليس بحاجة إلى تفسير أو تأويل. لكن يلحظ أركون هنا أن 
علماء الدين عملوا على تفسير القرآن وتأويله منذ البداية» وذلك على الرغم من 
إيمانهم بأزليته» كانوا يفسرونه ويؤؤّلونه وفق متطلبات عصرهم وظروفهمء وما 
كان متوافراً لديهم من إمكانات علمية وأدوات فكرية. 


يلفت أركون في هذا السياق إلى أن جرأة المعتزلة بالإضافة إلى المناخ 
المنفتح الذي كان سائداً في أيامهم. أمران غير متوافرين اليومء وذلك منذ أن 
تم إغلاق مجال النقاش والمناظرة والتفكير المنفتح منذ عشرة قروك. إنه يعتبر 
أن «ما كان ممكناً التفكير فيه في القرن التاسع أو العاشر الميلادي أصبح 
مستحيلاً التفكير فيه في أواخر القرن العشرين! (.. .) إن الوضع السياسي 
الحالي يجعل مستحيلا ليس فقط إعادة فتح تلك المناقشة التي أثارها المعتزلة 
حول خلق القرآن» وإنما كل تفكير لاهوتي بشكل عام»”". 


يبدو هنا جلياً همّ أركون. من خلال طرحه مناقشة خلق القرآنء ألا وهو 
تدعيم التفكير اللاهوتي الذي يُعتبر ضرورة ملححة. إن توقفه عند المعتزلة ليس 
فقط من باب تسليط الضوء على ما قاموا به» إنما من أجل إظهار الفرق الشاسع 
بين الماضي والحاضرهء ولفت الانتباه إلى ضرورة العمل على تنشيط علم 
اللاهوت من أجل توسيع آفاق العقل الإسلامي المعاصر» وتأسيس فكر ديني 
على ركائز عقلانية منفتحة. 


(66) أركونء الإسلام » أوروياء الغرب : رهانات المعنى وإرادات الهيمنة. ص 188. 
 (‏ المصدر نفسهء؛ ص .١185‏ 


إن الموقف الذي اتخذه المأمون لدعم المعتزلة وتبتي نظريتهم يراه 
الجابري في المقابل أنه أتى نتيجة أوضاع اجتماعية وسياسية أجبرت المأمون 
على ذلك. بهدف محاربة التيار الحنبلى المتطرّف الذي كان قد بدأ يسيطر على 
الشارع: كنا يده الجابرزي على القمع الذي مارسه المعتزلة واضطهادهم :لكل 
من رفض فكرهم وآراءهمء متوقفاً عند مثال محنة ابن حنبل الطويلة'”. 


أما فى ما يتعلّق بدور العقل عند المعتزلة فيرى الجابري أنه مجرّد أداة 
للقياس» يعتمد على آلية الربط وقياس الغائب على الشاهد. كذلك لم يتقذموا 
على غيرهم عندما بحثوا في السببية» إذ إن موقفهم منها «لا يختلف في جوهره 
عن موقف الأشاعرة» فالسببية عندهم جميعاً ليست علاقة ضرورية بين الحوادث 
وإنما هي علاقة اقتران بينها والفعل الناتج هو فعل الله الصادر عن إرادة 
سر يشير الجابري في سياق كلامه على المعتزلة إلى التناقض بين 
اتجاههم العقلاني «المبالغ فيه كثيراً» وإنكارهم مبدأ السببية. إنه ينتقد بعض 
الباحثين المعاصرين لأنهم وجدوا في قولهم بخلق الأفعال اعترافاً بالحرية 
الإنسانية؛ فى حين أن هدف المعتزلة كان يعود إلى تئزيه الله من أن تُنسّب إليه 
مباشرة أفجال التشر: المتييطة 


يحاول الجابري كما لحظنا أن يصحّح صورة المعتزلة المضخمة عن طريق 
تسليط الضوء على أوجه الشبه الكثيرة بين المعتزلة والأشاعرة» ومن بينها 
اعتبارهم أن أفعال الربط والضبط والحفظ التي يقوم بها العقل إنما تتمّ في 
القلب. أي أن العقل في المفهوم البياني الذي لم يخرج عنه المعتزلة هو وظيفة 
يقوم بها القلب. كان المتكلمون يستخدمون لفظ القلب بمعنى العقل على أساس 
أن الأول هو أداة والثاني وظيفة له. إن المعتزلة هم الذين وضعوا لمسألة العلاقة 
بين القلب والعقل إطارها النظري. ضمن نظريتهم في الجوهر الفرد. 


إن هذه النظرة السريعة التى ألقيناها على موقف الجابري من المعتزلة 


(00) نلحظ في قراءاتنا نصوص الجابري أنه يحاول أن يصحّح تلك الصورة التي ظهّرها العديد من 
المفكرين حول حداثة المعتزلة وعقلانيتهم» فهو لا يوفّر مناسبة لكي يشير إلى أوجه الشبه بينهم وبين 
الأشاعرة وانخراطهم في إطار النظام البيانيء ليس أكثر. لمزيد من التفاصيل حول محنة ابن حنبل انظر: 
محمد عابد الجابري» المثقفون فى الحضارة العربية : محنة ابن حنيل ونكبة ابن رشد (بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربيةء 1488): الفصل الثاني. 

(58) الجابريء بنية العقل العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية» ص .7١7‏ 


م٠ال/‎ 





تهدف إلى إبراز الفرق بينه وبين أركون في هذا الشأن. إن ما يعتبره أركون 
انفتاحاً وتميّزاً في التفكير العقلاني» يفسّره الجابري على أنه رضوخ لظروف 
سياسية» وتأمين للمصالح الخاصة. إن وراء دفاع أهل الحكم عن مسألة خلق 
القرآن سبب سياسي محض يطاول أمن الدولة بالتحديد؛ إذ لم يكن المأمون 
ولا المعتصم من بعده ولا حتى الواثق يرغبون في الإعلان بأن الأمر يتعلق 
بتهديد الأمن. كذلك لم يكن ممكناً على الذين اضطهدتهم الدولة أن يصرّحوا 
بأنهم يعارضون القول بخلق القرآن من أجل تعبئة الناس ضدّها. من هنا يرى 
الجابري أن الصراع كان حاصلاً على سطح القضية من خلال توظيف مسألة 
دينية ليست من الأصول» إنما هي فرع يجوز فيه الاختلاف» وتعدذد وجهات 
النظر. بعبارة أخرى. كانت هذه المسألة نوعا من توظيف ما هو دينى فى خدمة 
ما اهو ساسي "إن تلق القرآن #ميبالة درعية "جد بالسية إلى أصيول: الممتزلة؛ 
وما نعتقد أنهم كانوا سيجعلون منها الشعار الذي يمثلّهم» لو استشيروا بحرية 
في ذلك. على أن المعتزلة كان لهم شعارهم الخاصء وهو الشعار الذي 
اختاروه ليميّزوا به أنفسهم. وهو شعار «أهل العدل والتوحيد)'؟. 

من البيّن هنا التقليل من أهمية القول بخلق القرآن انطلاقاً من أخذ الظروف 
السياسية بالاعتبارء وذلك خلافاً لما تقدّم به أركون من تقدير لغنى المناقشة في 
العصر الكلاسيكي. ولرفض المعتزلة الموقف الأحادي الذي فرضه الخليفة 
الاذر بقران ماني: لآ 'مشروعلة اله ويه أو الأهوباء لفن قرفن راب القائل بن 
الفرآن غير مخلوق عن طريق القوة المسلّحة لا عن طريق المناظرة والاستشارة 
التى كان يمكن أن تجري بين مختلف العلماء المنتمين إلى مذاهب مختلفة 
واراك سسفية 0 اللقد قدت السلطة السياسية آنذاك مناقشة خصبة كانت 
تنس كنا كرا لق اوت 

يمكن أن نستنتج أن السلطة السياسية تبقى منسجمة مع مبادئها في كل مرة 
تمارس الضغط والملاحقة بقوة السلاح على من يخالف رأيها المستقيم. لكن لا 
بذ أيضاً من الإشارة إلى أن شخص المأمون عرف بالانفتاح والقبول بتعدد 
الآراء. كما إن المعتزلة» على الرغم من توظيف المأمون مسألة خلق القرآن في 

(09) الجابري» المثقفون في الحضارة العربية : محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشدء ص .١١4‏ 


(10) أركون» الإسلام؛ أوروباء الغرب : رهانات المعنى وإرادات الهيمنة. ص 187. 


مه 


أهداف سياسية تخدم مصالحه؛ لا شيء يمنع من أن يكون قولهم في هذه 
النظرية دليلاً على محاولة فهم القرآن انطلاقاً من الشروط البشرية» وإدخاله في 
التاريخ ‏ وهذا أمر يعتبر جديداً وتقذمياً في تلك الحقبة من الزمن. هذا لا يعني 
أن نسقط رغبات اليوم بالتجديد» والتأسيس لفكر نقدي» وإعادة فتح المناقشة 
اللاهوتية على الماضيء وعلى نظرية المعتزلة تحديداً. من أجل الارتكاز في 
كل ذلك على سند عرفه التراث العربي الإسلامي. ويمكن أن نقول أيضاً إن 
المعتزلة قد دفعوا غالياً ثمن آرائهم في ما بعد. حين أغلق باب الاجتهاد. 
وأسدل الستار على مسرح النقاش والمناظرات المتعدّدة. لقد اضطهد المعتزلة 
في النهاية أكثر مما اضطهدواء من هنا نجد أركون يقف إلى جانبهم» ليشير 
باستمرار إلى ما حاولت السلطة فى ما بعد طمسهء غالباً ما نجده يسلّط الضوء 
على الذين هُمْسُوا وقمعوا وأسكتت أصواتهم عبر التاريخ الإسلامي. 


استنتااجات 


يبقى أن نشير في ختام هذه المقارنة التي تناولت إشكالية العقل لدى كل 
من أركون والجابري إلى أننا حاولنا أن نحصر بحثنا بثمانى نقاطء كنا قد 
اخترناها بالتدرّج في سياق قراءتنا للمشروعين المتديين قد توققنا بالدرجة 
وحدة العقل أو تعدده. هل هناك عقل عربي إسلامي واحدء أم ثلاثة أنظمة 
يعمل كل واحد منها بتميّز عن الاثنين الآخرين. 


كما سلّطنا الضوء على أهمية العقل واللاعقل» ودور الخيال والرمز 
والمجازء متوقفين عند رأي كل من أركون والجابري بخصوص الثقافة العالمة 
المكتوبة والثقافة الشفهية. كذلك أفردنا فقرة تناولنا فيها منزلة التصوّف فى 
مشروع اللجاري ‏ رفزاةة أركوق الفجرية الصوفتة بزانا كانعه ند السام 
أردنا أن ننتقل إلى نقطة محورية ميّزت بين المشروعين وهي كيفية استخدامهما 
مفهوم القطيعة المعرفية» وأوردنا أبرز الردود التي تناولت توظيف الجابري لهذا 
المفهوم. 

كما أدّت بنا المقارنة إلى التوقف عند انشغال أركون بالمفكرين الثانويين 
المهمّشين أكثر من الجابري الذي أولى اهتماماً أكبر بالمفكرين الرسميين الذين 


21 


سطعت أسماؤهم في التراث العربي. إننا خصّصنا فقرة للتوقف عند اختلاف 
لافت في قراءة فكر ابن سينا بين أركون والجابريء لم نكتفف بأن نثير هذا 
الاختلاف ضمن الحديث عن القطيعة المعرفية بين المشرق والمغربء إنما أردنا 
أن نوسّع له مكاناً خاصاً في هذه المقارنة نظراً إلى أهمية هذا البون الشاسع في 
قراءة نصوص التراث. وختمنا بحثنا بإثارة تقويم كل منهما لفكر المعتزلة بعامة 
ولنظرية خلق القران بخاصة. 

حاولنا من خلال التوقف عند هذه النقاط الثماني أن نتوصل إلى الكشف 
عن خصوصية ما يميّز المشروعين النقديين عن بعضهماء متوقفين عند بعد 
التفاصيل التي رأيناها مهمة. وهي تضفي طابعاً خاصاً بكل مشروع على جدىء. 
في ما يتعلّق بإشكالية العقل. لكي ننتقل الآن إلى مقارنة قراءة كل من أركون 
والجابري لعلاقة الديني بالسياسي في التراث العربي الإسلامي. 


0٠ 


(لفصل التاسع 
الديني والسياسي 
في مشروعي أركون والجابري 


كنا قد بيّنا على مدى الصفحات السابقة من هذا القسم الأخير كم أن نقاط 
الاختلاف. سواء على صعيد المنهج أم على صعيد إشكالية العقل. هي أكثر 
من نقاط الالتقاء في مشروعي نقد العقل بصفتيه العربي والإسلامي. إن 
الخيارات المنهجية مغايرة» كما آليات التطبيق» والنتائج والخلاصات التي تمّ 
استنتاجها. كذلك لن يختلف الأمر كثيراً بخصوص العقل السياسى أو المقاربة 
التقدية لعلاقة الدين بالسياسة في التراث العربي الإسلامي. ْ 


هناك ما يجب أن نشير إليه في ما يتعلّق بنقد العقل الأخلاقي الذي لم 
نخصّص له قسماً محذداً من دراستنا. إن الكلام في السياسة لم يكن منفصلا 
تماماً عن الأخلاق في التراث العربي الإسلامي. لم نشأ أن نتوقف بالتفصيل عند 
القراءة النقدية للعقل الأخلاقي لسببين: 

الأول لأن معالجة أركون للقيم الأخلاقية الإسلامية وردت من خلال 
تحذثه عن السياسة في الإسلام» ومن خلال بحثه في النزعة الإنسية التي 
برزت في القرن الرابع الهجري. يكاد لا يخلو كتاب لأركون مترجم إلى 
العربية من ذكر شيء عن علاقة الديني بالسياسي والأخلاقي في الماضي وفي 
المسستنوا فال مذي نامير ذا نود ا ل ثلاثة كنت تظهر 
عناوينها اهتماماً خاصاً بالأخلاق. هي على التوالي: الإسلام. الأخلاق 
والسياسة. ونزعة الأنسنة في الفكر العربي ومعارك من أجل الأنسنة. من هنا 


اه 


حاولنا تسليط الضوء على نظرة أركون النقدية للخطاب الأخلاقي في الإسلام» 
ولعلاقته بالسياسة. فى سياق حديثنا عن إشكالية العقل العربى الإسلامى وعن 
الإسلام والسياسة. 


أما السبب الثاني الذي حال دون أن نفرد قسماً خاصاً بالأخلاق في 
دراستنا فيكمن في أن ملتووع نقد العقل الأخلاقي العربي كان ينتمي إلى دائرة 
المؤجّل بالنسبة إلى الجابري. اهتمّ بشكل أساس بالجانب المعرفي للعقل 
العربي» من ثم السياسي. لكي يأتي انشغاله بالعقل الأخلاقي متأخراً في الزمن 
عما سبقه من مراحل نقد العقل العربى. نلحظ عند الجابري أيضاً أنه تطرّق 
إلى السياسة في سياق تحدثه عن نظم القيم في الثقافة العربية الإسلامية. لذلك 
اخترنا أن نكتفي بجانب واحد من العقل العملي» أي الجانب السياسي من 
دون أن نهمل الكلام على الجانب الأخلاقي إلا عند الجابري» وذلك لأسباب 
عدّة نذكرها تباعاً. إنه احتفظ بآرائه النقدية حول المسألة الأخلاقية لكى ينشرها 
فى كتابه العقل الأخلاقى العربى الذي أراده «أن يكون «دراسة تحليلية نقدية 
لنظم القيم في الثقافة العربية الإسلامية»: وفي ذات الوقت تأريخاً للفكر 
الأخلاقي العربي)”". 


لم نجد على صعيد المنهج خطوات جديدة في هذا الكتاب, إذ إن 
المؤلف نفسه كان قد صرّح بأنه سوف يعتمد كما في كتبه السابقة على التحليل 
التاريخي. والمعالجة البنيوية» والطرح الأيديولوجي. كما إنه استبعد التراث 
الشفهي لكي يلتزم بالثقافة العالمة» تاركاً دراسة «الأخلاق المطبقّة» أو «العادات 
الأخلاقية' لعلماء الأنثروبولوجيا والاجتماع. كذلك لم نجد في هذا الكتاب بحثا 
في القيم الإسلامية كما أسّسها القرآن التي تطاول الشرع الإسلامي والحديث. 
إننا نلحظ بوضوح تجتب المؤلف عملية البحث النقدي». حتى في مجال 
التحدثٌ عن الأخلاق. فالنص الديني قد شرّع للأخلاق مسهماً في تأسيس فكر 
أخلاقي خاص بالإسلام. لكن الجابري بقي ملتزما بخياره منذ البداية» لا يريد 
خوض معارك نقدية فى المجال اللاهوتى». لقد حدد نطاق عمله بالعقل العربى 
فقظ: هذا على الرغم من أنه أثناز إلى أن تكوين العقل الألخلاقي العربي متعدّد 


)١(‏ محمد عابد الجابري» العقل الأخلاقي العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقاقة 
العربية . نقد العقل العربي ؛ (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. الكل ص /67. 


ه١‎ 


المصادر يضِمٌ خمسة موروثات ثقافية متصارعة هي: الموروث الفارسي» 
واليوناني» والصوفي, والعربي الخالص» والإسلامي الخالص. نلحظ أنه لم 
يشأء حتى عند تحليله الموروث الإسلامى الخالصء أن يتوقف مليّا عند القرآن 
والسئة إنما اختار أن يسلط لفو قفومو للمحاسبي والماوردي 
والأصفهاني والغزالي وابن تيمية. 


إننا نجد أركون في المقابل يولي اهتماماً بنظرية القيم القرآنية» ويتوقف 
عند الخطاب المعياري السردي فى بعديه الدينى والدنيوي». وعند الخطاب 
التعاري العجليلن: تن مستعرركة اللامريي' والةلضفي!' برت توقفية معد الس 
الديني باعتبار 5 ارا حالقا رن جكوين «الكس نه الورك الأغدقين 
وذلك من دون أن يهمل النصوص الفلسفية التي بحثت في الأخلاق. 


نود أن نشير في هذا السياق إلى أمر لفت انتباهناء وهو يذكرنا بالتناقض 
الذي وقع بين موقفي كل من أركون والجابري بخصوص فكر ابن سينا. إنه 
ينسحب هذه المرّة على مسكويه. سبق أن أشرنا إلى انشغال أركون بالمفكرين 
المهمّشينء واهتمامه بالتوحيدي ومسكويهء وتركيزه على قيمة انفتاحهما 
وعقلانيتهما ونزعتهما الإنسية. مشذداً على أن العقل العربي الإسلامي قد عرف 
ازدهاراً مهمّاً في القرن الرابع الهجري. لقد تناول بالبحث المفصّل فكر مسكويه 
والتوحيدي فى كتابه نزعة الأنسنة فى الفكر العربى. من دون أن يُهمل العودة 
إليهما في مراضع عدّة أهمها في كتابه معارك من أجل الانسنة. حيث نجده 
يركز على الموقف الفلسفي عند مسكويه وعلى موضوعيته؛ واعترافه بسيادة 
العقل. وتشديده على «الصلاحية الأبدية للحكمة». كذلك يشير أركون إلى أن 
أثر أفلاطون وأرسطو كان أقوى من أثر القرآن في مسكويه الذي يبدو «كمفكر 
ذي وعي «مُعَلْمَنَ) إلى حد كبيرء مثله في ذلك مثل مفكرين آخرين في عصره. 
فالبعد الديني لا يفرض نفسه عليه إلا على هيئة مجموعة من الشعائر 
والطقوس. التي لا نعرف في ما إذا كان يحترم فيها الإكراه الاجتماعي أو 


التعبير الرمزي عن إيمان شخصي جداً)”" . 


(؟) محمد أركون. الإسلام» الأخلاق والسياسة؛ ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومي. ».)١55٠‏ الفصلان الأول والثالث. 

(؟) محمد أركون» معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية؛ ترجمة هاشم صالح (بيروت: 
دار الساقى. .)5٠١١‏ ص .14١‏ 


اه 


أما الجابري». فعندما توقف عند مسكويه في سياق تحليله للموروث 
اليوناني في العقل الأخلاقي العربي» حاول أن يركز على النزعة التلفيقية 
الظاهرة بوضوح في كتاب تهذيب الأخلاق. أراد أن يدحض كل الآراء القائلة 
بأهمية هذا الكتاب وعظمته. أشار إلى أن مسكويه قام بترك أرسطو لكي يلجأ 
إلى الاقتباس من «الفلسفة الدينية الهرمسية الفيضيّة». كما إن منهجه العلمى كان 
قد تحوّل إلى «طريقة وعظية06”'. ينتقد الجابري مسكويه لأن في فكره 
الأخلاقي ترويج واضح للقيم الكسرويه الآتية من الموروث الفارسي والتي 
تعتمد على تأكيد «المماثلة بين الله والسلطان». 


أكد الجابري في خاتمة العقل الأخلاقى العربى «أن كتاب مسكويهء هذا 
الذي بقى إلى الآن يعتبر قمة التأليف فى الأخلاق في الثقافة العربى» قد انكشف 
5206 مظهره فبدا على حقيقته باع من 7 «المقا اكاك 0 
يرتكز بشكل أساس على التلفيق. 


شدّد الجابري في معرض حديثه عن الموروث اليوناني على أهمية ما جاء 
بان وقد تفن مجال القاليق الى الأخلاق: 'لقد تمكن من تجارر افلاطون إلن 
أرستطوء كما متنق أن ذكر ذلك»قئ المقدمة التسليالة لكاب التروري: في 
السياسة؛ بالإضافة إلى اهتمامه بالواقع العربي والأندلسي. نقد لفط حلول 
اشتغالنا على نص الجابري في الجزء الرابع من نقد العقل العربي المخصص 
للأخلاق» إن ما أورده حول فكر ابن رشد ومنهجه وجذة ما توصّل إليه؛» كان 
قد ذكره بتفاصيله سابقاً في سياق تقديمه كتاب الضروري في السياسة لابن 
رشدء فلم نعثر على موقف جديد. 


لقد جعل الجابري من ابن رشد أنموذجاً يُقتدى بهء في مجال التأليف في 
السياسة سابقاً. وهنا فى مجال الأخلاق» انطلاقاً من الكتاب عينه أي 
«الضروري في السياسة». إنه يختم عرضه لمضمون هذا الكتاب بالتصريح ب «أننا 
هنا لأول مرة في الثقافة العربية أمام عمل متميّز هادف وأصيل. رصين 
وشجاع). ويشير إلى «(أنه لأول مرة ‏ وأيضا لاخر مرواعيت الخبايل» في 


(؛) الجابري؛ العقل الأخلاقي العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية» 
ص .41١5-11١١‏ 
(8) المصدر نفسه» ص 177 


بطانة ميتافيزيقية (كتلك التي لفه فيها الفارابي)» وعن منهج «المقابسات» 
و«سوق الأدب» الذي يقتطف عبارة من هنا وأخرى من هناك. مع تجتب ما 
فل تقد 0 


نود أن نشير هنا إلى أن الكلام في الأخلاق بالنسبة إلى الجابري على 
علاقة وطيدة بالسياسة. وقد أشار إلى ذلك عندما بحث فى التراث العربى 
الإساؤى »هناك إذا قرع مرو الما حي «الحجاني وال خلذتن عن انه أن يز 
لنا خيارنا الاكتفاء بالتكلم على السياسة في هذه الدراسة» وتسليط الضوء من 
خلالها على الأخلاق. فالجابري كان قد طرح مفهوم ابن رشد للسياسة ولتدبير 
المدينة في مجال التحدّث عن السياسة ومن ثم عن الأخلاق. كما إنه أشار إلى 
أن كثيراً من القيم التي روّجت لها الموروثات الثقافية «كانت قيماً سياسية أو 
ذات حمولة سياسية (...) والحق أن الأخلاق والسياسة كانا مندمجين فى 
الفكر القديم (...) فصلاح الفرد (الأخلاق) كان من أجل صلاح الجماعة 
السياسية (الدولة)00"©, 


أردنا من خلال ما أوردناه فى مجال المقارنة بين مقاربة أركون والجابري 
للخطاب السياسى الإشارة إلى أن التداخل بين الأخلاق والسياسة فى التراث 
العربي الإسلامي قد ظهرء على صعيد التأليف» في نقدهما معاً. كذلك أردنا 
أن نبرز الفرق بين أركون والجابري في قراءة فكر مسكويه الأخلاقي وتحليله. 
ثم إن توقفنا عند ابن رشد كان بهدف الإشارة مرة أخرى إلى أهمية هذا 
الفيلسوف بالنسبة إلى الجابري» وتصدره أهم موقع بين مختلف الذين كتبوا إن 
فى مجال الفلسفة أو العقيدة أو السياسة أو الأخلاق. بينما نجد صورة ابن 
رشد أقل عظمةٌ عند أركون :الذي يعتبرة اقد أسهم «في صباغة النظرية العامة 
لتأويل النصوص المقدسة. ولكن هذه النظرية .لم تكن كلها عقلانية» أو لم 
تكن مستقلة عقلانياً بالكامل)7". 


خضع ابن رشد في النهاية إلى معطى الوحي. إذ إن نظريته في التأويل 
(1) المصدر نفسه. ص 595. 


2ع« المصدر نقسهة ) ص 37. 


(4) محمد أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإملام البوم» ترجمة وتعليق هاشم 
صالح. سلسلة نقد الفكر الديني (بيروت: دار الطليعة» )2 ص 506 


01 


ممكناً تخطي هذا الموقف في القرون الوسطى مهما كان المفكر أو الفيلسوف 
عبقرياً. رفض أركون كمؤرخ أن يفرز أنماط العقلانية في الفكر العربي الإسلامي 
لكي ينتفي الأفضل. ويؤكد تفوّقه وحده. ويفرضه على الآخرين كأنموذج 
يُحتذى. هذا على الرغم من إعجابه الشديد بالعديد من المفكرين الذين أغنوا 
التراث بإنتاجهم. لم يلتزم بخط واحدء. ولا بمفكر واحدء. ولا بمنهج واحد. 
إنه تعددي النزعة والتطبيق» لأنه يتفادى الوقوع في تأسيس عقيدة جديدة» أو 
أيديولوجيا خاصة. لذلك لم نجده ينحاز إلى نمط محدد من العقلانية» ولا إلى 
فيلسوف يرفعه إلى مستوى الأنموذج الأوحد. 


برز هذا الأمر كعامل أساس» يفرّق بين نظرتين نقديتين اختارت كل واحدة 
متهم أشلوباً خاضا» وشلكت كل واحدة طريقاً مغايرة» الطلاقاً من "اقتناعات 
ثابتة لدى صاحبيهما. لقد بدا واضحاً هذا الاختلاف خلال مراجعتنا لما تقدّم به 
كل من أركون والجابري سواء في مجال المنهج أم إشكالية العقل» وسواء في 
خصوص الإسلام والسياسة. 


إن مراجعة نصوص أركون التي يتطرّق فيها إلى دراسة الخطاب السياسي 
في الإسلام تبرز لكا أشكية ماله تقد مفهوم السلطة من الزاوية كلتف 
والتاريخية» وذلك من أجل الكشف عن عملية إقحام الدين في السياسة. لقد 
حوّل الخطاب السياسي الدين أداة طيعية يتم استخدامها في الدفاع عن شرعية 
كل مذهب. من هنا نجد أن أركون يتحدّث عن الإتولوجية السياسية فى 
الإمئلام وهو يعت يذلك تشكل.خطاب' خاض باللاهوت النتياتتى. إنه يشير 
إلى العلاقة التى تربط السلطات السياسية بالسيادة العليا الإلهية إلى حذ يصعب 
معه الفصل الجدرع بينهما. بصياغة أخرى» يعتبر أركون أن الفصل بشكل قاطع 
بين العامل الديني والعامل السياسي أمر صعب للغاية» إبان القرون الوسطى 
حين سيطر الوحى على السلطة السياسة ومارس دوره كسيادة عليا وكمصدر 
وحيد للحقيقة العفالة: إنه يتوقف عند دراسة العامل أو السبب الذي يجعل 
إنساناً ما يقبل بتقديم الطاعة والرضوخ إلى سلطة إنسان آخرء. فيرى انطلاقاً من 
مفهوم «مديونية المعنى» لمرسال غوشيه (1ءاعاة6[6ه:813) أنه بإمكان الإنسان 
أن يرضى بملء إرادته ويطيع شخصاً آخر لكي يروي عطشه في سبيل التوصّل 
إلى «معنى مليء». إن هذا النوع من الطاعة خالٍ من الضغط الخارجي لأنه نابع 
من أعماق الذات. 


إن السلطة تمارس هنا من دون عنفء اتطلاقاً من العلاقة الداخلية التي 
تربط بين المؤمن والسيادة العليا. لذلك يشير أركون إلى ضرورة البحث في 
عمق هذه العلاقة بهدف الكشف عن أثرها في مسار التاريخ الذي تمّ 587 
عن طريق استخدام القوة. إن المشروعية كانت تُخلع على سلطة كل من 
استلم الحكمء بواسطة البحث عن نوع من «مديونية المعنى» في مكان ما. 
إن دراسة مشكلة الخلافة والسلطنة فى ما بعد. داخل المجتمعات الإسلامية 
أمر ملح. فق أجل ميظة الشترة على كبقل شيل علماءد الاير ا القداسة الي 
السلطة السياسية بواسطة السيادة العليا. إذ كان للخليفة حضور مقدّس يفرض 
الطاعة على الجميع» ولا يجوز أن يتعرّض أحد لسلطته. يشدد أركون على 
الفرق بين السيادة الإلهية من جهة والسلطة البشرية من جهة أخرى. هناك 
بون ساسع بين الأولي: التي : تخسن التعالى وبين "الكانية الع :تعن" إلى 
مستوى العمل البشري المحض. من هنا نجده ينتقد بشدة عملية التعاطي مع 
النبوّة باعتبارها مسألة تخصٌ الحكم أو نظام الدولة وتعمل على تحقيق 
الاستمرارية والخلافة. 


إن النبوّة هي أرقى من هذا الاعتبار بكثيرء إذ إن الفرق كبير بالنسبة 
إليه بين النبي والخليفة الذي هو مجرّد حاكم. لا يجوز تقليص مفهوم النبوة 
وإقحامه فى السياسة والمشروعية القانونية واستمرارية الدولة لأن فى ذلك 
تخفيضاً 0 قدر هذا المفهوم. إن عملية التصوّر السياسي للخلافة تؤدي إلى 
أحداث قطيعة مع «المقصد التأسيسي الأعلى» الذي يتضمّنه الوحي. إنه يرى 
أن الأديان التقليدية. وليس فقط الإسلام» «كانت قد استُخدمت ولا زالت 
تستخدم حتى الآن كملاذ سياسي. واحتمالاً كوسيلة أو كقاعدة انطلاق من 
أجل الاستيلاء على السلطة. وما دام هذا الضغط التاريخي واقعا على 
الأديان.ء فإن أكثر الأنظمة اللاهوتية انفتاحاًء وأعظم العلوم استنارة لن ينجحا 
في موازنة تأثير التصورات الدينية الطائفية بصفتها قوة أيديولوجية محرّكة 
جما 


يحاول أركون أن يلفت الانتباه إلى هذا التداخل بين السيادة الإلهية 


(9) محمد أركونء القرآن من التفسير الموروث إلى نحليل الخطاب الديني» ترجمة هاشم صالح 
(بيروت: دار الطلبعة. )ل ص 77. 


/ااه 


والسلطة السياسية عن طريق الإشارة إلى أن الخلافة في الإسلام ليس لها 
مشروعية دينية في حدّ ذاتها لأنه تم الاستيلاء عليها بواسطة القوة. قام الفقهاء 
الرسمبون في ما بعد بخلع المشروعية عليهاء انطلاقاً من العقائد الإيمانية» 
والمبادئ الأخلاقية العامة» بخاصة العدالة» ومن تصوّرهم لكيفية ممارسة 
الخلافة. يطبّق أركون القراءة التاريخية لمسألة كان قد أضفيّ عليها طابع 
التقديس والتعالى». كاشفاً عن الصبغة الدينية التى لوّن بها الفقهاء السلطة 
سوست 12" لماكل )فح بريه عه سيدا 0ك النو اماف ارم رم 
القدسية في آن. 


إن الجابري لم يتعرّض في مجال نقذه العقل السياسي العربي إلى دور 
السيادة العليا الإلهية وعلاقتها المباشرة بالممارسة السياسية التى صدرت عن 
السلطات الحاكمة في الإسلام. حتى إنه عندما يتحذث عن محذدات العقل 
السياسي العربي الثلاثة: العقيدة والقبيلة والغنيمة» لم يتطرّق بالنقد إلى 
العقيدة وإلى أثرها في ممارسة آلية الحكم. لم يشأ أن يهتمٌ إلا ب «المظهر 
السياسي» للدعوة المحمدية التي أدّت دوراً في تكوين المخيال الاجتماعي 
السياسي لدى الجماعة الإسلامية الأولى» وأثْرت في خصومها من أهالي 
قريش على الصعيد السياسي. ركز على العقيدة التي عملت على توحيد أفراد 
الجماعة الإسلامية الأولى» وقام بدراستها انطلاقاً من علاقتها بالغنيمة 
والقبيلة. 


السياسي العربي هو كثرة الآيات القرآنية التي يعود إليها لكي يعدّد الموضوعات 
الرئيسة التي طرحها القرآن والتي تشير إلى الترابط العضوي بين الديني 
والتورىق* ”5 [تعيدا الأمر يشتير إلى ووو التعر اللديني فى مدي العفل 
السياسي العربيء. الذي هو أحد تجليات العقل العربي. إنه على الرغم من 
رفضه التوقف عند نقد العقل الدينى أو اللاهوتى» نجد الجابري هنا يبرز علاقة 
هذا الأخير بالممارسة السياسية وبتحديد العقل السياسي في أن معاً. إن العدد 
الكبير من الآيات التي ذكرها فيه دليل واضح على أن الفصل بين ما هو إسلامي 


)٠١(‏ نود أن نحيل القارئ هنا إلى كتاب: محمد عابد الجابري» العقل السياسى العربى : محدداته 
وتجلياته؛ نقد العقل العربي؛ . ط ”7 منقحة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» .)2١947‏ القسم 
الأوّل» ص 8ه هلال حيث يجد عودة مستمرة إلى النص القرآني. 


01/8 


وما هو عربي أمر فيه الكثير من الصعوبة» وهو بعيد عن الواقع الذي أدّى إلى 
تشكل وبلورة العقل العربي. 

نلحظ فى هذا المجال أن الجابري لا يود الغوص فى مسألة تأويل 
الخطاب الدينى ومتابعة أثره فى النفوس والنصوص» وق قعادية اسلف كن 
الإسلام تقد بع وفيا لخارانه الاستراتيجية التي اددع مل ترات مكوووضه: 
النقدي. أراد أن يتطرّق إلى العقيدة للكشف تحديداً عن أثرها فى المجال 
السياسى. وهنا يمكن أن نسأل» هر المقددة قن خصو نك كدلهاة كن الشتايية قط 
أم دخلت في عمق العقل النظري: :فئ البنى: الثللاك الت انلها الجانوق: أي 
البيان والعرفان والبرهان؟ 


نود أن نشير في هذا السياق إلى أنه على الرغم من عدم تطرّق الجابري 
لنقد العلاقة بين السيادة العليا الإلهية والسلطة الحاكمة في فترة الدعوة 
المحمدية» وفي زمن الردة» وك بعدة زمن الفتنة» أبرز بوضوح كيفية توظيف 
الأمويين أيديولوجيا الجبر دعماً لحكمهم. وكيفية استفادة العباسيين من 
الأدبيات السلطانية الفارسية تثبيتاً لمفهوم طاعة الملك. وتكريساً للمبدأ القائل 
بأن إرادة الملك من إرادة الله. كما إنه عندما تومّف عند محددات العقل 
السياسي العربي تميّز الجابري بالكشف عن أهمية دور القبيلة كمرجعية فاعلة 
بخاصة خلال المرحلة الأولى من تأسيس الدولة في الإسلام. فالقبيلة أذت دوراً 
في دعم الدعوة المحمدية التي بقيت حية في البداية بسبب «حماية نصرة 
الأقارب ونظام الجوار»ء وحدّت في الوقت عينه من انتشار هذه الدعوة 
وانتصارهاء «لأن نجاحها كان يعنيء في المخيال القبلي» ارتفاع بني هاشم إلى 
مركز السيادة على جميع القبائل»”١‏ "©, 

كذلك إن الحديث عن القبيلة قاد الجابري إلى التوقف عند الدور الذي 
قامت به الغنيمة فى بناء الدولة الإسلامية» وبخاصة أن النبى قد ضرب الأساس 
التاق الذي اتيت عليه البيلة "قن كه ين بخاذل الحضار:الدى: فيه عبلنهنا: 
وهنا إشارة واضحة إلى أهمية العامل الاقتصادي وفاعليته بالتأثير في القبيلة 
وانتشار العقيدة أيضا. فالغنيمة «هي التي تضفي المعقولية والتاريخية على 
صراعات «القبيلة)0”"'. 


(١١)المصدر‏ نقفسيه » ص 88. 
(6١)المصدر‏ نفنه» ص 154. 


يبدو أن البناء المرتكز على ثلاثة أسس أمر وجدناه مهمأ في مشروع 
الجابري النقدي. فالعقل العربي يرتكزهء بالنسبة إليه على ثلاثة أنظمة وضعها 
طبقاً للمنهج المتبّع في تحصيل المعرفة وفي إنتاجها. كذلك العقل السياسي 
العربي يقوم على محذدات ثلاثة تحكمت في تأسيسه وأسهمت في تحديد 
مساره. ولكن ألا يمكن خرق هذا النظام الثلاثي بإضافة البنية الأسطورية إلى 
العقل العربي» والعاملين النفسي والتاريخي كمحددين رئيسين في بناء العقل 
السياسي العربي؟ 


إن التكلم على العلاقة بين الدين والسياسة أو بين الروحي والزمني في 
الإسلام قد أدَى عند أركون إلى التحدّث عن العلمنةء وعند الجابري إلى 
التحدّث عن إعادة تأصيل الأصولء بالإضافة إلى المزاوجة بين نقد الحاضر 
ونقد الماضى» وتحديد ممارسة الشورى بالانتخاب الديمقراطى. 


إن التداخل بين العاملين الديني والسياسي في المجتمع أمر أشار إليه 
أركون مرارآء وهو لا يخصٌ المجتمعات الإسلامية من دون سواها. «فالسياسي 
يقع في قلب العامل الديني» والديني يقع في قلب العامل السياسي». لأن 
الديني هو المكان الذي يتحقّق فيه التقديس عن طريق الشعائر والطقوس 
والاحتفالانت: وإذا ما قرأنا التوراة والأناجيل والقرآن قراءة أنثروبولوجية حديثة 
تبيّن لنا بكل وضوح ذلك التمفصل البنيوي والوظائفي الفعال بين العاملين 
الميافى .والذيق > ذلك «على سجوى الشرحلة التاسيسية لاكديانة” "تسد 
فقا اك ركو جارك الإشارة إلى أنه ليس الإسلام وحده قد عرف الخلط بين 
الدين والدولة والدنياء وإن فكرة التلاحم الأزلي بين هذه الذرى الثلاث قد 
انتتجها معظم المستشرقين والمراقبين والصحافيين في الغرب». وذلك من أجل 
البرهنة على استحالة تقبّل الإسلام مفهوم العلمنة. فالإسلام لا يتميّز بخلطه 
بين الروحي والزمني» كما يعتقد الكثيرون» إذ إن التحليل التاريخي بإمكانه أن 


من هنا نلحظ أن أركون يجتهد في أن يبرهن على «أن العلمنة ممكنة في 
الإسلام) من دون القضاء على الدين ولا على العاطفة الروحية. يكاد لا يخلو 

(18) محمد أركون» الإسلام » أوروباء الغرب: رهانات المعنى وإرادات الهيمنة. ترجمة وإسهام 
هاشم صالح (بيروت: دار الساقي » )2 ص 6١‏ 


0 


كتاب من كتبه المترجمة إلى العربية من التوقف عند أهمية العلمنة فكرياً 
وسياسياً. بينما نجد الجابري في المقابل يرفض التحدّث عن العلمنة ويفضل 
الكلام على الديمقراطية والعقلانية» وذلك تحاشياً للوقوع في أي لَبْس وسوء 
فهم. فالعلمانية بالنسبة إليه «ترجمة غير موفقة» لكلمة «اللايكية» في اللغة 
الفرنسية؛ لأن لفظ «لايك» الفرنسي غير مرتبط بأي علاقة اشتقاقية بلفظ 
«علم» في اللغة العربية» كما إن أفنل الكلمة يوناني «لايكوس» وهو يعني ما 
ينتمي إلى الشعب أي إلى العامة؛ في مقابل الانتماء إلى الكهنوت أي إلى 
الخاصة. 


يرى الجابري أن العلمانية «فكرة مرتبطة أصلاً بوضعية خاصة؛ وضعية 
المجتمع الذي تتولى فيه الكنيسة السلطة الروحية: المجتمع الذي يكون فيه 
الذيق هبن لا على العلافة ‏ الفاشرةدبين اللآتسات. والله» بل علق علاقة تيه 
عبر «رجل الدين»: (...)470“. إن هذا الأمر غريب تماماً عن الإسلام 
حيث إن العلاقة بين الإنسان والله مباشرة لا تعترف بأي وسيط. وحيث لا 
نجد سلطة روحية في مقابل سلطة زمنية. من هنا (إن غياب الكنيسة في 
الاثلاء يجمل اسعال العلمانية شيعاراً غير ابترائيجي فى أئ رحاب يتطرح 
قضية العلاقة بين الدين والسياسة في المجتمع الإسلامي. ذلك لأنه لا وجود 
لمؤسّسة دينية يمكن أن ينصرف إليها وحدها خطاب العلمانية. كما كان 
الشأن في أوروبا. 


في الإسلام هناك الدين وهناك الجماهيرء وليس هناك وسيط آخر غير 
(السا ار 


لذلك يعتبر الجابري أن طرح شعار العلمانية في المجتمع الإسلامي غير 
مبرّر وغير مشروع.ء وبالتالي لا معنى له. إن هذا الطرح يعودء بالنسبة إليهء إلى 
الرغبة بتحقيق الاستقلال عن الأتراك من أجل تأسيس دولة عربية واحدة.» وهو 
عشر» ومن ثم عبر عنه بعض المفكرين العرب الذين نادوا بالاستقلال عن 

)١4(‏ محمد عابد الجابري» الدين والدولة وتطبيق الشريعة. سلسة الثقافة القومية ؛ 4. قضايا الفكر 
العربي؛ 5 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» 17 ص .1١9‏ 


4 العدد‎ .١ محمد عابد الجابري» «فى قضاياالدين والفكر (حوار)ء' فكر ونقدء السنة‎ )١6( 
.17 117 ص‎ .)١994 (أيار/ مايو‎ 


6ه؟١‎ 


الأتراك. لقد ارتبطت العلمانية بشكل عضوي بالاستقلال والوحدة فى سبيل 
تحقيق دولة عربية في المشرق متحرّرة من ١‏ لسلطة العثمانية. 


يشير الجابري إلى أن العلمانية لم تُطرح في المغرب العربي». إنما في 
الأقطار العربية التي تضم أقليات دينية بخاصة مسيحية» من أجل تفادي حكم 
دين الأغلبية. لذلك إنه يرى أن مسألة العلمانية «مزيفة» في العالم العربي لأنها 
«تعبّر عن حاجات غير متطابقة مع تلك الحاجات». إن ما تحتاجه الأقطار 
العربية يكمن في ممارسة الديمقراطية التي تحترم حقوق الأقليات. وفي 
ممارسة العقلانية السياسية. إن في ذلك حاجات موضوعية» ومطالب معقولة» 
لكن التعبير عنها بشعار ملتبس كالعلمانية» أمر يفقدها معقوليتها. يشدد 
الجابري على «أنه من الواجب استبعاد شعار «العلمانية» من قاموس الفكر 
العربي وتعويضه بشعارَي «الديمقراطية» و«العقلانية»» فهما اللذان يعبّران تعبيراً 
مطابقاً عن حاجات المجتمع العربي: الديمقراطية تعني حفظ الحقوق: حقوق 
الأفراد وحقوق الجماعات». والعقلانية تعنى الصدور فى الممارسة السياسية 
عن "العف «وسعاير» الختطفنة: و الابشلة ةا ونين عق الو والتخضى رتقليات 
المزاج»" "2. 


لا يوافق أركون على هذا الحكم الذي أطلقه الجابري بخصوص العلمانية» 
لأنه لا يعتبرها غريبة عن الإسلام» لقد برهن من خلال العودة إلى فكر المعتزلة 
من جهة. وإلى محنة ابن حنبل من جهة أخرىء. على أن بذور العلمنة كانت قد 
نبتت في القرون الهجرية الأربعة الأولى» فهي غير «مزيفة». هناك منحى علماني 
عند المعتزلة برز في حركتهم الفكرية التي ارتبطت بشكل مباشر «بالأطر 
الاجتماعية للمعرفة وليس بالإسلام كدين». بتعبير آخرء لقد تأثر المعتزلة 
بالتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفته المراكز الحضرية الكبرى» والذي 
أدَى إلى انتشار العلوم العقلانية. كذلك فأن محنة ابن حنبل كما يفسرها أركون». 
هي نوع من الفصل بين الروحي والزمني؛ لأن ابن حنبل عندما رفض إطاعة أمر 
الخليفة فى مسألة خلق القرآن التى تخصٌ العقيدة. كان قد ثبّت حدود 
صلاحيات الخليفة التي يجب أن يلتزم بها. كما إنه اعتبر أن العقائد الدينية هي 
من اختصاص ومسؤولية العلماء المستقلّين عن السلطة الذين يعترف بهم 
الجمهور العام. أما الخليفة فواجبه حماية القانون الديني والعمل على تطبيقه» 


(0 الجابري» الدين والدولة وتطبيق الشريعة. ص ادك 


؟ 05 


ولا يجوز أن يُطاع إلا في الأمور التي تخصٌ الدولة. لكن مع ازدياد الحاجة إلى 
الأمن وفرض النظام بدءاً من القَران الخامس الهجري» خضع العلماء ومعهم أمة 
المسلمين لإرادة الأمير الحاكم». أو السلطان» بغية رد الخطر المهاجم» وكانت 


كذلك يرى أركون أن «السلالة الأموية ذاتها كانت قد اعتبرت بمثابة 
المُلك وليس بمثابة الخلافة الشرعية حتى من قبل السُّئْيين أنفسهم. هكذا يمكن 
أن نبيّن بوضوح. وتاريخياًء كيف أن الدولة قد علمنت الدين باستخدامها له 
كأداة لتبرير سلطتها وخلع المشروعية عليهاء أكثر مما لجأت إلى حمايته طبقا 
لما ينص عليه قسم الطاعة (أو البيعة)"''. إن الدولة منذ حكم الأمويين 
انغمست في الأيديولوجيا التي راحت تميل إلى الهيمنة على الدين» والتي 
عملت على توسيع نشاطها ونفوذها. كذلك كان الأمر خلال حكم العباسيين 
الذين تأثروا بالتراث الساساني الإيراني. لقد كانت الثقافة الدنيوية في أيامهم. 
كما المؤسّسات السياسية. وتقاليد البلاط والحياة الاقتصادية أقرب إلى التراث 
الإيراني والفكر الإغريقي وعادات وتقاليد الشرق الأوسط القديم» منها إلى 
تعاليم القرآن والنبي. 


يشير أركون فى مجال حديثه عن علمنة الثقافة الدنيوية والمؤسسات 
السياسية في الإسلام إلى أن هذه العلمنة «قد وصلت إلى حذ أن العلماء الدينيين 
أنفسهم قد استسلموا لهاء وراحوا ينهلون من ملذاتها. وحدهم الصوفيون رفضوا 
هذه المتع والملذات» وراحوا يتأسفون على أيام العصر الأول. أي العصر 
الافتتاحي؛ عصر الدين والزهد الحقيقي”*''2. كذلك يلفت إلى أنه حتى في 
العصر الافتتاحي. وفي النصف الأول من القرن الهجري التأسيسي بالتحديدء 
كان القضاة يستوحون الأعراف المحلية التي سبقت الإسلام» وهي تختلف من 
مكان إلى آخر. لقد كان «الرأي الشخصي للقضاة هو الذي يفصل في المسائل 
المطروحة في نهاية الأمر. وأما الرجوع ل القانون القرآني فلم يحدث إلا بشكل 
متقطع. وليس بشكل منتظم كما حاولت الرواية الرسمية أن تشيّعه”*'2. وما 


(1) أركونء الإسلام» الأخلاق والسياسة. ص /01. 

.5656 المصدر نفسهء ص‎ )١8( 

(19) محمد أركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومى.ء ))١95485‏ ص 797. 


وفك 


رسالة الشافعي إلا خير دليل على هذا الوضعء لأنها حاولت أن تعالج الفوضى 
القاكمة من خلال تحديد منهجية القانون. 

إن العلمنة هي إذأً بالنسبة إلى أركون غير بعيدة عن التجربة الإسلامية 
ويمكن بالتالي التحدّث عنهاء والعمل على نشرها. أما بالنسبة إلى الجابري 
فالقليدة طرم غريت عن الإسلام» لآ يعت عن حاجات المتجتمعات الإسلاميةء 
لذلك يجب أن تستبدل بالديمقراطية والعقلانية. 


إن العلمنة بمعناها الواسع لا تتناقض مع الديمقراطية والعقلانية» إنما على 
العكسء» فهي ترتكز عليهما وتسعى إلى تدعيمهما. من هنا يمكن القول إن 
استبدال العلمنة بالديمقراطية والعقلانية كما فعل الجابري هو نوع من استراتيجيا 
نقدية تمرّر المضمون نفسه بحلة مغايرة وتحت ستار مقبول جماهريا ونخبويا. 
هناك دائماً هاجس القبول أو تلقّي الخطاب حاضر في ذهن الجابري» وهو 
يعمل باستمرار على تحقيق هدفه في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من القرّاء 
بلغة وأسلوب مقبولين إلى حدّ ما لدى الأكثرية. فالذي يتأمّل مليّأ في معنى 
الديمقراطية ومضمون العقلانية يجد أن العلمنة حاضرة بقوة في كل منهماء لا 

إننا نجد فى المقابل أركون يعتمد على العلمنة كنقطة ارتكاز «صلبة 
وتقينة؛ امن :دون أن ببالع فى تعظيم أشأنها لأنه يقد بإنكائية التخليعنهاة 
فهي ليست بالنسبة إليه الأداة الفكرية الوحيدة التي وظفهاء ولا هي الهمّ 
المركزي الذي انشغل به عندما قام باستكشاف آفاق أخرى مفتوحة على التواصل 
بين مختلف الثقافات. إنه يعى نسبة النفور الذي تثيره للوهلة الأولى لدى العديد 
من الموافين النضية دازنيشى كن فى أن السلمنة كانيه قن ف منت يليا كن 
بعض البلدان الإسلامية» في أوج قوعلا الاستعمارء بأسلوب مفعم بالغرور 
العلموي والوضعي. كما إن الأوروبيين كانوا يعتبرون أن الإسلام هو نوع من 
السحر والخرافات والعقلية البالية التي ترفض التقدم. يرى أركون «أن العلمنة 
مفهوم عُرَضي وتاريخي وليس أزلياً أو سرمدياً كما يتوهم البعض. فهي مرتبطة 
بالتاريخ السياسي والقانوني لبلد محدّد بعينه هو: فرنسا'” ". 

لذلك فهو يقترح مفهوماً فلسفياً واسعاً لهذه الكلمة لكي يتمكن من أن 

(00) أركون.ء الإسلامء أوروباء الغرب : رهانات المعنى وإرادات الهيمنة. ص .٠١7‏ 


3م00 


يستخدم المصادر الثقافية الإسلامية» ويحثٌ المسلمين اليوم على تلقي 
المكتسبات الإيجابية للعلمنة» وعلى تبتيها. إن هذا المفهوم يصوّر العلمنة 
كموقف متعمّد للروح عليه مواجهة مهمّتين رئيستين والقيام بهما. 


المهمّة الأولى تكمن في أن تعمل الروح البشرية على بلورة المعرفة النقدية 
واتخاذ موقف محايد من كل الأديان والعقائد والنظريات. ثم عليها أن تطبّق 
العلاقة النقدية من دون شروط على مختلف العمليات التي تنفذها هذه الروح 
عندما تواجه الواقع المبهم والمعقّد. 

أما المهمّة الثانية فيخددها أركون بالمقدرة على إيصال المعرفة المكتسبة 
فى الخطوة الأولى» لأنه لا يكفى تكوين المعرفة النقدية «المرنة؛» إنما يجب 
إتقانا 'كينية نفلها إلق الآخرين لكى تمن حية, .ؤذلك بأسلوضه يحكوم :الانفقاح 
ويبتعد عن تأطير عقول الناس وسجنها في نظام مغلق. 

«إن العلمنة تصبح عندئذء. بالمعنى الواسع والمنفتح للكلمة» موقفاً حرا 
للروح أمام مشكلة المعرفة» ثم محاولة إيجاد القواعد أو الوسائل الملائمة 
لتوصيل هذه المعرفة إلى الآخرين2”'". إن هذا التصوّر المنفتح لمفهوم 
العلمنة» يمكن قبوله في المجتمعات الإسلامية لأنه يحترم كل الأديان والعقائد 
كما إنه يمكن تبتيه في الغرب نظرأ إلى تركيزه على المعرفة النقدية «المرنة» التي 
ترفض التقوقع داخل الأطر الضيّقة للفكر البشري. نود أن نشير هنا إلى أن 
أركون كان قد انتقد بشذة التطرّف فى تطبيق العلمنة» ورفض الدين» وتحويل 
الجمهورية إلى عقيدة؛ كما حذث في فرئسا بخاصة. إنه يعثبر أن وضعه 
الشخصي يخوّله أن يقوم بدور الوسيط بين الفكر الإسلامي والفكر الأوروبي. 
لذلك فهو يعمل على توسيع المطلب العلماني وعلى تعميقه. 


استنتاجات 


نلحظ في ختام هذه المقارنة بين مقاربة محمد أركون للعامل السياسي 


العربي. إن الهم المعرفي كان مسيطرا على المقاربة الأولى» بينما كان الهم 
السياسي المقرون بالأيديولوجيا طاغياً على المقاربة الثانية. هناك حذر دائم 


)2 المصدر نفسهء ص ,1٠١37‏ 


0 


لدى الجابري كلما قام بطرق إزميل النقد في بناء العقل العربي» إنه يبغي 
باستمرار أن يصل خطابه إلى الآخرين ليقبلوه ويتفاعلوا معه في سبيل تحقيق 
النهضة القومية العربية المرجوّة. كذلك يمكن أن البيظ اقبرزات الجابري أكثر 
إلى علوم الإنسان والمجتمع عندما درس العقل السياسي العربي» بالمقارنة مع 
دراسته العقل النظري حيث تبتى المنهج الإبستمولوجي» هذا ما فرضته طبيعة 
الموضوع. 


أما أركون فقد بقي على صعيد المنهج ملتزماً بالاستفادة من آخر 
مكتسبات علوم الإنسان والمجتمع كما رأيناه في نقده للعقل الإسلامي. يبقى 
أن نشير إلى أن ما توصّل إليه الجابري في نهاية مشروعه النقدي العقل 
النياسن اموي افد امتسر بالقوله القالى 19« ردن لم يعرف" الفكر الاسلقي» 
فى الميدان السياسىء إلا ميتولوجيا الإمامة والأيديولوجيا السلطانية (...) إن 
نقد العقل الات ارين يجب أن يبدأ من هنا: من نقد الميتولوجيا ورفض 
]الام الوافم 98" سنا لويد اذى مانيفف الأبدير ترجا البملطاقة 
الموروثة عن الفرس. أما أركون فنجده يركز في أبحاثه على إبراز انفتاح الفكر 
الإسلامي على بذور العلمنة من خلال بعض الأمثلة التي توقف عندهاء كما 
إنه حاول أن يثبت أن الفصل بين العاملين الروحي والزمني ممكن في 
الإسلام؛ وذلك على الرغم من اعتقاد الكثيرين من مسلمين ومستشرقين أن 
العكس هو الصحيح . وأن الإسلام هو دين ودولة ودنيا. 


لقد انهى الجابري مشروعه النقدي للعقل العربى بإعلان استقالة هذا العقل 
ولعطو اقرفات واليان عله عطاليا بلول الذات. العربية. كما إنه خلّص إلى 
إعلان غرق العقل السياسي العربي في نهاية المطاف بالميثولوجياء وبالأدبيات 
السلطانية المنقولة عن قرسي بطالنا بنقد هذه النهاية ببُعديها الاثنين» وداعياً 
إلى تحويل محدّدات العقل العربي الثلاثة: فالقبيلة يجب أن تصبح تنظيماً مدنياً 
سياسياً اجتماعياً. والقبيلة اقتصاد ضريبة» والعقيدة مجرّد رأي وحسب. أما 
أركون فهو بعيد عن تحجيم الخطاب السياسي العربي وسجنه في إطار 
ميتولوجبا الإمامة والأيديولوجيا السلطانية» إنه يدعو إلى مزيد من التنقيب من 
أجل تسليط الضوء على التلاعبات التي قامت بها السلطة السياسية في إخضاع 


(١؟)الجابريء‏ العقل السياسي العربي : محدداته وتحلياته. ص ؟757. 


الريك 


السيادة العليا الإلهية لمتطلّبات الواقع» وحماية هذه السلطة؛. وتأمين 
استمراريتها. كما إنه يدعو من دون ملل إلى إعادة التفكير بالعلمنة والعمل على 
تطبيقها معرفياً وسياسياً لأنها تقدّم حلا مناسباً لكثير من المشكلات التي تواجه 
المجتمعات الإسلامية المعاصرة. 

يبقى لنا في نهاية المطاف أن نطرح السؤال حول كيفية تلقّي المشروعين 
النقديين» لأنهما يتوجّهان إلى طرف آخرء ويبغيان الوصول إليه. والتفاعل معه. 
إذا أردنا أن نأخذ بالاعتبار» الأطر الاجتماعية للمعرفة» نحن نسأل: كيف تم 
استقبال كل من مشروعَيْ أركون والجابري؟ 


637/ 


الفصل العاشر 
نظرة في تلفي المشروعين النقديين 


إن أول ما يلفت انتباه القارئ الذي يود الغوص فى كتابات أركون 
والجايريء: أن "الاتين له «يمارسا النقد مق أخل النقدء .وله يعوا في النتظيز 
حبّاً به فقط. هناك أهداف استراتيجية وعملية قد صرحا بها أو سكتا عنهاء ٠‏ لكن 

من البيّن أنهما ملتزمان بقضايا الفكر والمجتمع والسياسة. يشكل هذا الأمر جزءاً 
مهما من أي مشروع نقدي يهدف إلى التحرير أو التغيير أو التجديد. لذلك نجد 

من الضروري أن نتوقف في هذا الفصل الأخير من دراسة المقارنة التي نحن 
بصددها عند نجاح أو فشل مشروعي أركون والجابري النقديّين» دل 


نود أن تيدأ بحثنا هذا بذكر نض لمحمد أركون :وجدناه معبراء ويصلح أن 
نجعله محط تفكيرناء حتى ولو نزعناه من سياقه حيث كان الموضوع يتعلّق 
بالخرتي: المقدسة أو الجياد» .وبعلاقة العتف :يكل من التقديسن والحفيقة. يقول 
الكاتب : «إن كل خطاب بشري ينطوي فى داخله على إرادة القوة لأنه يهدف 
إلى إقناع الآخرين بهء أي بمعناه. ولا ينجو من ذلك خطابي هذا الذي أكتبه 
هناء على الرغم من أنني أحاول احترام الحقيقة والتوصّل إلى الموضوعية. 
ولكني بمجرّد أن أدخل عالم الفكر والكتابة فإِنّي أنافس الآخرين بالضرورة. إني 
اتعدى على منطقة المعنى التي يحتلونها قبلي» وبالتالي سوف ينزعجون مني. 
وكلما كان فكري قوياً وقادراً على احتلال مساحة واسعة من منطقة المعنى كلما 
كان ردّ فعلهم عنيفاً لأنهم يخافون على مواقعهم وامتيازاتهم (...) وإذا حصل 
وأن وصلت في انتقاداتي إلى الدائرة الأسطورية أو الرمزية المقدّسة لحكايات 


2 


التأسيس «<أي تأسيس الدين)» فإن الحرب «المقدسة» أو «العادلة» أو «الشرعية» 
تحرف ند قدي كررا. تعدا كن الافترات مو هاده الففظفة التعدا به يدا را 
فقد يدقع المرء الغمن غالياًن”". 


نشير في البداية إلى أن هذا النص يروي قصة الخطاب الأركوني لافتا إلى 
تضنين أى مشوروع جروا عل الاقرات من المفاتات» إن أكقر اللخطايات 
تجريداًء وترباً من الموضوعية لا يخلو من الرغبة بإقناع الآخرين بما يحمله من 
معنى» عن طريق إرادة القوة». والسيطرة على وعبهه. فكم بالحري هي حال 
الخطاب الذي يحمل هما إصلاحياً أو تغييراً أو نهضوياً أو تربوياً؟ 

يحاول أركون فى هذا النص أن يسلّط الضوء على المنافسة بين الأديان إذ 
نا كل بودن تسو بحسا جقافيا ب حتفف لبط ةك كمزا | مشي ل 
المنافسة بين الأيديؤلوجيات وبين المشاريع النقدية أيضاً من دو أن يَسِمَيهاء 
المعنى التي كان قد احتلها قبله العديد من المفكرين» ما تسبّب بإزعاجهمء 
وبخاصة أن منطقة المعنى التي يشغلها ليست بضيّقة. فهو قد تجاسر واقترب من 
ذائوة المقددى مكويفا صدد دور القصصن. والرت” والشيا ل والعتضي: البتدميقي 
والساحر الخلاب» كاشفاً عن أهمية هذا المجال» وكيفية التعاطى معه بأسلوب 
يأخذ في الاعتبار مناهج علوم الإنسان والمجتمع» من دون أن يكتقن لمعن 
الذي قُدَّم سابقاً. إن هذه القراءة الجديدة التي يقترحها أركون قد لقيت ردود 
فعل جمّة نصبّ معظمها في خانة الرفض الشرس الذي لا يترك مجالاً للحوار. 
من هنا تحذثه عمًا يسمّيه علماء النفس والألسنيون ب «استراتيجية الرفض». 


إن كل قارئ أو مستمع لخطاب ما هو ذات مشكلة بوساطة عقائد ومبادئ 
يقينية ومقدمات أيديولوجية ومقاييس موروثة». وكلها راسخة في العقل والمخيال 
ومكوّنة للوجدان وموجّهه ومكيّفة للإدراك. وهذه العوامل المركبة تكوّن نسق 
الذات (اأءزناك5 نال عمرغاولزو 0 لذلك كان من الصعب على الذات العربية 
الإسلامية أن تقبل مشروع أركون النقدي انطلاقاً من مبادئها اليقينية ومقدماتها 


)١(‏ محمد أركونء, قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم؛ ترجمة وتعليق هاشم 
صالحء سلسلة نقد الفكر الديني (بيروت: دار الطليعة» »)١9498‏ ص 1598. 


)١(‏ محمد أركونء أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟: من فيصل التفرقة إلى فصل المقال. ترجمة 
وتعليق هاشم صالح (بيروت؛ لحن دار الساقي» 21949 ص 22137 . 


م0 


الأيديولوجية» فهذا المشروع مجهّز بمفاهيم غير مألوفة» ومحمّل بنظرة للعقل 
ترتكز على التاريخية وهي لا تلاتم ما هو موروث في هذا المجال. 

إن ردود الفعل على المشروع الأركوني الذي وصل إلى القارئ العربي بعد 
مروره بمختبر الترجمة حيث تمت إضافة العديد من الشروحات والتعليقات 
لتسهيل المهمّة على القارئ» وتماشي سوء الفهمء إن هذه الردود كانت أمْيّل 
إلى الرفض منها إلى القبول» وذلك طلبا لحماية «نسق الذات» لكي لا يتعررّدض 
للانحلال والتفتت. ْ 


يشير أركون إلى استراتيجية الرفض التي طاولت مؤلّفاته؛ وما نشر حوله 
من أنه لا يتقن العربية» ولا يمكنه الكتابة أو التفكير بهاء من أجل إبطال قيمة 
ما يقدمه إلى القارئ العربيء والحث على رفضه وإبعاده عن دائرة التداول. 
كذلك إنه يلفت إلى ما يُشاع عن صعوبة نصه في اللغة العربية» وغرابة ألفاظه 
ما يؤذي إلى عزله ونسيانه. 

إهتم أركون بالبحث في كيفية تلقي مشروعه النقدي رغبة منه في تطبيق 
مناهج علوم الإنسان ليس فقط على النصوص الترائية إنما أيضاً على النصوص 
المعاصرة. لقد استفاد في هذا المجال من «علم اجتماع التلقي» كأحد المناهج 
النقدية الأدبية التي تبلورت في مدرسة كونستانسء» في ألمانيا الغربية. يعتبر هذا 
الفاعلة» وتدخله المستمر على مختلف الصّعد. هذا القول الذي طبّقه على 
النص الديني يصلح أيضاً لكي يُطبّق على أي نص آخر يتوجّه إلى الجمهورء 
كنصّه مثلاة”", 


يقسّم أركون قرّاءه إلى ثلاث فئات: هناك أولاً زملاؤه المثقفون الذين 
يتجاهلون إصداراته متناسين ما قرأوه. ومهملين ما لم يريدوا أن يقرأوه. فهم لا 
يشيرون إلى قبولهم أو رفضهم لما نشره» وكأن الذي قدّمه لا يستحق الذكر. 


() بذكر هاشم صالع :في بياق تعلينه علق نظرية لجتمالباتةالدلقي) التي استفاد متها أركون ني 
أبحائه ما يلي يفير الناقد الألماني هانز روبير يوس (055ا13 105661 2)11305 زعيم هذه المدرسة التي 
تُدعى ب «مدرسة كونستانس» لأنها اشتهرت في جامعة هذه المدينة الألمانية (.. . ). وهو يسير بعكس النقد 
الأدبي المألوف: : فبدلاً من أن ينطلق من المؤلف أو من العمل الأدبى ذاتهء إن مطل يع الذرار الذين تلقره 
أو استقبلوه أو قرأوه. وهكذا يدرس الجمهور القارئ والتأثيرات الجمالية التى يُحدثها هذا العمل فى 
الجمهور». انظر: محمد أركونء القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني» ترجمة هاشم 
صالح (بيروت: دار الطليعة» )ل ص 14-775 


05١ 


وهناك ثانياً العلماء الذين يثورون غضباً مهاجمين كتاباته» ومحمَّلين إياه ما لم 
يقصد أن يقوله» فيفترون عليه كذبا مستخدمين مختلف وسائل الإعلام التي 
تشحن المخيال الشعبوي. أما الفئة الثالئة من متلقّى كتابات أركون فهى التى 
كود حم اللاي يعدكررة من اضمونة المعهم الدق: يعدن والجلحى 
الغربي للمنهج الذي يطبّقه» وغرابة الترجمة المعتمدة وثقل أسلوبها. «وهكذا 
يتلقى المجتمع العربي المعاصر جهود أبنائه الذين لا يستطيعون أن يتحمّلوا تأثير 
العوامل السلبية فيه وانتشار الجهل وعدم التسامح؛ وهكذا تتجدد سوسيولوجية 
الفشل التي همّشت ابن رشد وأمثاله وأزالت نفوذهم الفكري والثقافي وقضت 
عليه»”؟؟. إن الذات المشكلة لدى القارئ العربي تجعله يميل إلى رفض كتابات 
أركون أكثر من قبولهاء لذلك فهو يتحدّث عن فشل مؤلفاته في المجتمع العربي 
الإسلامي. إن سوسيولوجيا الفشل التي أشار إليها في النص تعني الاهتمام 
بالأطر الاجتماعية للثقافة في مرحلة ما من تاريخ المجتمعات. 


إن ما حل بفكر ابن رشد الذي رُفض في مكان وقُبل في مكان آخرء 
مرتبط بالنسبة إلى أركون» بالأطر الاجتماعية للثقافة» أو بصياغة أخرى. إنه 
مرتبط بقيمة الثقافة داخل مجتمع ما. إنه يدعو إلى البحث عميقاً في سبيل 
تسليط الضوء على فشل الفلسفة من خلال دراسة العلاقات التي تربط بين 
عوامل عذة وهى: أشكال السلطة السياسية» والأطر الاجتماعية للمعرفة 
السائدة. والمكانة الاجتماعية والاقتصادية التى يحتلّها المفكرون والمثقفون». 
بالإضافة إلى الوظائف المشروعية التي أوكلت إلى الدين. إن التعمّق في 
العلاقات التى تربط بين مختلف هذه العوامل من شأنه أن يبرز الأسباب التى 
أدذت إلى فشل الفلسفة فى السياق الإسلامى. وازدهارها فى سياق آخر. لكن 
الفترة التي حصل فيها تهميش الفلسفة وانحسارها». وذلك بدءاً من القرن الثاني 
عشر الميلادي» لا تزال مهملة لا يكترث بها الباحثون لأنها تنعت بالانحطاط 
والجمود. 

وإذا أردنا أن نبحث في العوامل التي أسهمت في فشل مؤلفات محمد 
أركون في السياق العربي الإسلامي نجد أنها ليست ببيعدة عن تلك التي أت 
إلى فشل الفلسفة بعامة وفكر ابن رشد بخاصة فى السياق نفسه. فالسلطة 
السياسية في معظم البلدان تسيطر بشكل تام على كل ما يُطبع ويُنشرء وتخضعه 

(5) أركونء أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ : من فيصل التفرقة إلى فصل المقال. ص 111<. 


0 


للمراقبة» إذ لا يجوز المساس بالمحرمات» أي أنه من غير المسموح تخطي 
إطار ما هو مفكر فيه فى اتجاه المستحيل التفكير فيه. هناك أطر محدّدة على 
المفكرين أن يتحرّكوا بتأنِ في داخلهاء وألا فمصيرهم النفي أو الاضطهاد أو 
القتل. ومن البيّن لكل من يقرأ أركون أنه رفض الالتزام بما هو مباح» والتقوقع 
داخل ما هو مسموح التفكير فيه اليوم. أراد أن يطرق أبواب اللامفكر فيه 
والمستحيل التفكير فيه الموصودة منذ قرون» هاجسه الأول معرفي» يكمن في 
سبر أغوار التراث وإبراز غناه والعمل على الاستفادة من مكتسبات علوم الإنسان 
والمجتمع من أجل الانخراط في الفكر العالمي والمساهمة في بناء الحضارة 
المعاصرة. إنه يعمل بجهد من أجل محاربة تهميش الإسلام من الداخل ومن 
الخارج من خلال التركيز على تاريخيته وتقبّله للانفتاح على المعرفة. 

كذلك يمكن القول فى هذا المجال إن السلطات السياسية فى المجتمعات 
الفريئة الكتتاوبية السياضية قد كه إلياوها بعال تمان وتشيانا كبر ترق 
قدرتها على المساهمة في حلها. من هنا إن الهم السياسي هو الأول والأخيرء 
والهمّ المعرفي يُعتبر اليوم من الأمور البرجوازية التي لا يمكن التفكير فيها في 
خضم الأزمات المتتالية. فالتسلّح والمحافظة على الأمن في الداخل وعلى 
الحدود. بالإضافة إلى الهمّ الاقتصادي. أمور تشغل السلطة السياسية وتجبرها 
على تقديم التنازلات في سبيل السيطرة عليها. من هنا نجد أن أركون مهمّش من 
قبل السلطة السياسية» لأن المعرفة ليست من أولويّاتهاء وهي غير مكترثة 
بمشروعه النقدي ولا بأبعاده الإصلاحية. 


أما في ما يتعلّق بدور الأطر الاجتماعية للمعرفة في رفض أو قبول كتابات 
أركر كه معي" القول" اماك هوه راسهة تتصيل هذا الممكر عن القار ف الفريق 
الغارق في اترائه والحتشغل في كينية الدفاع عحة في "وجه ما تعض له من 
هجمات. إن تكوين أركون المعرفي مختلف جدا عن جمهور قرّائه العرب 
المسلمين» لا بل مختلف حتى عن زملاته الباحثين في الفكر العربي الإسلامي. 
يكفي أن نتابع ما يذكره من مصادر ومراجع في هوامش كتبه أو في خاتمة كل 
فصلء. لكي نلحظ عمق ثقافته» ومدى اطلاعه وهضمه وتوظيفه مختلف ما ينتج 
في الغرب حول علوم الإنسان والمجتمع؛ أو حول الإسلام. إن الفضاء الذي 
تسبح فيه مؤلفات أركون مغاير لذلك الذي يغرق فيه جمهور قرّائه شرق البحر 
الأبيض المتوسط حيث تُحصى أنفاس البشرء ويكفر الناس لأدنى هفوة» وحيث 
إن الانغلاق المعرفي هو القاعدة. والانفتاح هو الشواذ. 


لان 


يمكن أن نشير في هذا المجال إلى أن الكثير من المصطلحات الذي تضحٌ 
بها أبحاث محمد أركون غير مألوفة على أذن القارئ العربى ولا على ذهنه» من 
هذا تكو الكقير مق سوه القيم حول سداق الحلزيطة مكلا يمتها الإيعانى 
المنفتح على المطلق وعلى التجربة الدينية» كذلك حول استخدامه مصطلحي 
الأسطورة والقصص كترجمة لكلمة (عطالالة)» أو نينت اشتغاله على مضمون 
العجيب المدهشء أو استعمال مصطلح الأرثوذكسية. إنه وجد صعوبة كبرى في 
نقل مضمون بعض المصطلحات الأجنبية بكامله إلى اللغة العربية» ونذكر على 
سبيل المثال لا الحصر ما عاناه في نَل مضمون مصطلح #©معد5) إلى اللغة 
العربية» فهو لا يعنى به لا المقدس ولا التقديس كما يُتداولان فى اللغة العربية» 
إن "هناك :ترا ذاتما دن اللمقدين :و لك فهر العو ا ويك تدر طهر كايا 
مقدس وتقديس هما أقرب إلى مفهوم (53120) منه إلى (582016). 


إن هذا الأمر ليس دليلا على فقر اللغة العربية ولا على قصورهاء إنما فيه 
إشارة إلى أن الفكر العربي بعيد عن الانشغال بمسألة نقد الفكر الديني 
وبالمقارنة الأنثروبولوجية للظاهرة الدينية» لذلك لم يطوّر مفاهيم خاصة تمكئه 
من التعبير عنها على نحو موضوعي ومعاصر. إن ضيق الأطر الاجتماعية 
للمعرفة لا يسمح بتقبّل المصطلحات الحديثة والمناهج النقدية» لأن المجتمع 
والفكر هما على علاقة عميقة» فتطوّر أحدهما يؤدّي إلى تطوّر الآخرء إذ إنهما 
في تفاعل مستمر. المجتمع الذي يعاني الجهل والفقر والغرق في حل الهموم 
المعيشية» والذي ما زال متمسّكاأً بماضيه لأنه مقدّس ويعلو على التاريخ» فهو 
غير قادر على تطوير فكر نقدي ولا على تقبل مشاريع معرفية مبنيّة على النقد 
الجذري» حتى ولو كانت هذه المشاريع غير معلبة ولا مستوردة جاهزة من 
الخارج» إنما نابعة من وعي متطوّر لدى أحد أبنائها. 

إذا انتقلنا إلى التأمل في العامل الثالث الذي من شأنه أن يسهم في فشل 
تلقى كتابات محمد أركون نجد أن المكانة الاجتماعية والاقتصادية للمفكر تؤثْر 
في انتشار مشروعه أو في تراجغه. لقد عُرف أركون واشتهر اجتماعياً في الغرب 
أمدويدق الذوك: العوبية» “وذللك! اللي فقظ يفيت إقافته كيه االإذاتية فيس ولد 
بين بلدانه» إنما لأنه أيضاً اعتمد اللغة الأجنبية (الفرنسية والإنكليزية) للتعبير 
عن أفكاره النقدية» فهو لا يجد صعوبة فى العثور فى هذه اللغة على 
امعط ايفاك كه كاوق ١‏ ْ 

نود أن نشير هنا إلى أن رفيق أركون» قد أسهم إلى حدّ بعيد في تقليص 


0 


المسافة بينه وبين جمهور القرّاء العربف» عن طريق التزامه بترجمة نصوصهء 
والعمل على شرحها. والتعليق عليها. قصدنا به هاشم صالحء وذلك على الرغم 
من الردود النقدية التى طاولت بعض المصطلحات أو العبارات التى ترجمها. 


إن من يغوص في النص الأركوني يلمس بوضوح أن صاحبه غربي المنهج» 
منضبط بأدق تفاصيل الموضوعية؛ والصرامة العلمية. إن تتلمذه في باريس عاصمة 
الثقافة والطفرات المعرفية» ولقاءه بالعديد من كبار المستشرقين والمؤرخين 
والباحثين مثل لوفيفر (©691ع]عآ ..آ) وبلوخ (طعماظ .84) وبيرك (عناومء8 .[) 
وبلاشير (8128856 .8) وغيرهم» بالإضافة إلى ميله الخاص نحو البحث 
الدؤوب والاطلاع على ما يمكن أن يروي عطشه المعرفي. كل هذه الأمور قد 
أسهمت فى تكوين شخصيته. كذلك إن استقرار أركون فى باريس قد ساعده 
على الات بعيداً في البحث المعرفي من دون أن يضع لفييم لواف ةا 
ويُخضع نصه لمراقبةٍ غير تلك التي تصدر عن حسه النقدي» والتزامه العقلاني. 
إن توقفنا مرة أخرى عند أثر المجتمع في تكوين أطر المعرفة يهدف إلى إبراز 
الفرق بين المجتمع الذي يقيم فه أركون وبين ذاك الذي يتلقى كتاباته المترجمة. 
من هنا يمكن أن نفهم أو نبرّر التحذث عن فشل مؤلفاته في اختراق أكبر عدد 
من القرّاء؛ أو بالأحرى عن التهميش المفروض على أعماله. 

أما في ما يتعلّق بالمكانة الاقتصادية لأركون والدور الذي قامت به في نشر 
فكرهء فلا شيء بين أيدينا يشير إلى تحقيقه أرباحا طائلة من جرّاء مواقف فكرية 
اتخذهاء. أو بسبب كميّات هائلة من الكتب المباعة في المحتوع العربي 
الإسلامي. إنه غير محسوب على السلطات الحاكمة ماسنا أو يننا بسبب 
اعتماده النقد المعرفي الذي لا يحابي أحداًء نراه يلتزم بالسعي إلى الكشف عن 
مختلف وجوه الحقيقة لا غير. 


يبقى لنا أن نتوقف عند العامل الذي يشير إليه أركون في سياق دعوته إلى 
دراسة أسباب فشل الفلسفة وانحسارها فى القرن الثانى عشر الميلادي» إنه 
يدعو :إلى البحث في الوظائف المشروعية التي أوكلت إلى الدين: تود أن تقوم 
بدورنا بالإشارة إلى مدى تأثير هذا العامل في تلقّي مؤلفات أركون في 
الجسمعاف العرية الاشلاية: 0 ْ 


يرى أركون أن مختلف المشروعيات التي ظهرت بصيغة لاهوتية للأديان» 


همه 


للخلافة والإابراطوريات والسلطنة. . . إلخ. يود أن يشير إلى العلاقة العميقة 
بين الدين والسياسة عبر التاريخ وتأتكوههنا معا في المجتمعء وبخاصة في 
الأقليات أو «المشروعيات المقهورة». لذلك نجذه قد بدأ منذ الثمانينيات 
بزحزحة المشروعية الإسلامية التقليدية» وعمل على تفكيكها عندما أطلق 
مشروعه النقدي تحت عنوان: «نقد العقل الإسلامى» من أجل بناء مشروعية 
حديدة قي الغالم االإسلامن: 


يؤكد أنه «لا يمكن للمشروعية أن تكون حقيقية أو عادلة إلا إذا كانت نتاج 
العقل الحرء أي المستقل من كل ولاء أو خضوع لهيئة أخرى تتجاوزه. لا 
يمكن للمشروعية أن تكون حقيقية إلا إذا كانت نتاج هذا العقل الحر المنخرط 
في نقاش مستمر مع الاستخدامات الأخرى للعقل. أي مع العقلانيات الأخرى 
الجامزة أز المتتعيلة»'"'. تلحظ مهنا مداى إضران أركون »على ندل الجهد 
الفكري من أجل تأسيس مشروعية العقل الحر المنفتح على مختلف أنماط 
العقلانيات من دون أن يسعى إلى استبعاد إحداها أو إلى السيطرة عليهاء وذلك 
في سبيل تحقيق الحوار المتواصل بين الأفكار والآراء المتعدّدة. 

إن محاولة زحزحة المشروعية الإسلامية التقليدية على النحو الذي أراده 
أركون لن يتم تلقيها على الرحب والسعة» إنما أثارت موجات من الغضب 
العارم من قبل المناضلين الأصوليين المعاصرين. وهو يتفهّم موقفهم بالعمق» 
ويعي تمامأ الأسباب التي تدفعهم إلى رفض مشروعه» وهي مرتبطة بالأوضاع 
الديمغرافية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات الإسلامية المعاصرة. إن 
الأصوليين يناضلون من أجل إعادة القانون الدينى التقليدي بشكل كامل كما 
لون قن الغرون الوسظن: كل هاا يسستتد مق أدوالة 6 وبقاضنة بنظامه يفن 
تأسيس المشروعيةء وذلك من أجل التعويض عن النقص الإداري والتشريعي 
للدول القومية التي نشأت بعد الاستقلال ولم تتمكن من حل المشاكل التي 
واجهتها من جهة؛ ومن أجل الحد من سياسة الحزب الواحد التي ابتعدت عن 
هموم المجتمعء واخفقت في تحقيق الوعود بتوحيد الأمة عوك ول شرعية » 
من جهة أخرى. 


إنه على الرغم من استيعاب أركون الأسباب التي أدّت إلى التطرّف في 


(5) محمد أركونء الإسلام؛ أوروباء الغرب: رهانات المعنى وإرادات الهيمنة؛ ترجمة وإسهام 
هاشم صالح (يبروت : دار الساقي » 266 ص .١1١6‏ 


د 


طلب المشروعية الدينية التقليدية؛ وعلى الرغم من رفض مشروعية العقل الحر 
والمنفتح كما يطرحهاء إننا نجده لا يمل ولا يتعب من العمل على تحقيق 
مشروعه الهادف إلى تفكيك العقل الإسلامي الذي يحتمي به اليوم المناضلون 
الأصوليون من أجل الحصول على المشروعية. 


هناك إذا عوامل عذة تقوم بالحد من تقبّل فكر محمد أركون وتلقّيه في 
المجتمعات العربية الإسلامية» لكن أبرزها ما سبق أن أشرنا إليه من أثر للأطر 
الاجتماعية للمعرفة السائدة» التي تقلصت منذ موت ابن رشد ولغاية اليوم. 
كذلك إن المعجم الفلسفي والموقف الفلسفي شبه غائبين عن المدارس الثانوية 
والجامعات العربية» الأمر الذي يؤدّي إلى مزيد من التفاوت بين فضاء أركون 
المعرفي وفضاء قرّائه العرب الذين لا يمتلكون الأدوات المعرفية الضرورية لفهم 
مؤلفاته. إنه يلفت إلى هذا الأمر قائلاً: «لو أن الأطر الاجتماعية السائدة فى 
العالم الغرى :1ل الااد يي يشعخة على الدكن القع ار يله له لسطليت كت 
بنجاح كبير؛ ولكانت تناقش في كل الأوساط والعائلات وليس فقط في أوساط 
النخبة المثقفة المهتمّة بهذه الموضوعات»”"2. 


أما في ما يتعلّق بالوظائف المشروعية التي أوكلت إلى الدين والتي يحاول 
أن يقوم بزحزحتها من خلال نقد العقل الإسلامي»؛ ومقاومة المناضلين 
الأصوليين لهذه المحاولة وتمسّكهم بالمشروعية الإسلامية التقليدية» فهو يشير 
إلى أنه حريص على المحافظة على جزء ولو قليل من التواصل مع الآخرين» 
وذلك على الرغم من المسافة التي تفصل بينه وبينهم. إننا نجده يعترف قائلا: 
«أنا شخصياً أمارس الرقابة الذاتية على نفسي وذلك في كتاباتي ومحاضراتي 
لمن كن أجل شماه فتاعاتن الفحطلية او إكنانها» وإتياامن آجر الشفاط بعلن 
خيط التواصل مع الآخرين: أي: مع مختلف أنماط الجمهور في البلدان العربية 
والإسلامية. وأعتقد أيضاً بأن الموضوعات التي أصبحت محرّمة (...) تحتاج 
اليوم إلى أكثر من البيداغوجيا الصابرة من أجل فتح العقليات (أو إطلاق سراح 
العقليات)0””". وكأنه في هذا القول يشير إلى ضرورة القيام بالنقد الجذري 
وعدم الاكتفاء بالصبر على الانغلاق» هذا ما حاول لغاية الآن أن يقوم به. إنه 
يدرك مدى خطورة مشروعه لكنه أيضا يريد التواصل مع الجمهورء. لذلك فهو 


(5) أركونء قضايا في نقد العقل الديني: كيف نقهم الإسلام اليوم؛ ص 15 .5٠‏ 
(0) المصدر نفبهء؛ ص 08. 


63/ 


يحرص إلى حدّ ما على أن يمارس نوعاً من الرقابة الذاتية من دون أن يشوّه 
أفكاره ويخئف من عدزة منهجه النقدي الصارم. 


إذ ها يتترعى الثناة قارئ كثابات أركوق أنه يرذه: هزارا غبارة «العوؤاضلن 
الكتمعد ادمقيرا دن ذلك إلى فقنة تلق مقروقه لمت ففط الدى الجمهور 
العربي الإسلامي إنما أيضاً في الغرب. إنه يتحدّث عن مرارة تحر في نفسه 
د عدم تقوم زملائه في الغرب الأوروبي لما يكتبهء إذ يتهمونه بالأصولية» 
والدفاع عن الإسلام؛ فينتقدونه إلى حذ التجريح وإشعاره بالاضطهاد 
والإحباط. 


يعتبر أركون أن الجمهور الأوروبي يجهل الكثير عن الإسلام والمجتمعات 
الإسلامية؛ ولديه بالتالي الكثير من الأحكام المسبقة السلبية تجاه هذه 
المجتمعات. لذلك فهو يريد أن يبرز الأمور على حقيقتها محاولا فتح فضاءات 
خاصة بالمعرفة العلمية والثقافية. إنه يريد أن يشير إلى البعد الفكري والثقافى 
لتاريخ الإسلام» لأن الغرب لا ينظر إلى الإسلام باعتباره اغيرية شرعية»» أو 
كمقابل في الطرف الآخر مساو له أو كطرف يستحق الحوار لأنه شريك 
لارو يالا الإسلام هو اله إلى الغرب ذلك الغائب الذي يُشار إليه 
باستخدام ضمير الغائب هوء أي أنه موضوع يدور حوله الكلام وليس "ذاتا 
متكلمة». من هنا نقد أركون للعقل الغربى فى مختلف تجليّاته» لكن هذا النقد 
قد شُوّه واعتر صاحبه وكأنه يهاجم الغرب احم الإسلام» بوصفه مسلماً تقليدياً 
لا أكثرء إذ إنه لا يمكن لإنساناً مسلم أن يبلغ درجة العلمية والموضوعية 
والتحرّر من العقائد الموروثةء فهذا كله من مزايا المفكر الأوروبي وليس 
المسلم. يعلّق على هذا الوضع قائلاً: «على الرغم من أني أحد الباحثين 
المسلمين المعتنقين للمنهج العلمي والنقد الراديكالي للظاهرة الدينية إلا أنهم - 
أي القراء والسامعون الأوروبيون - يستمرون في النظر إليَ وكأني مسلم تقليدي! 
فالمسلم في نظرهم ‏ أي مسلم - شخص مرفوض ومرمي في دائرة عقائده 
الغريبة ودينه الخاص وجهاده المقدّس وقمعه للمرأة وجهله بحقوق 
الإنسان (...). والمثقف الموصوف بالمسلم يُشار إليه دائماً بضمير الغائتب: 
فهو الأجنبي المزعج الذي لا يمكن تمثله أو هضمه في المجتمعات الأوروبية 
لأنه يستعصي على كل تحديف أو حدانة0. 


(8) أركرن» الإسلام» أوروباء الغرب: رهانات المعنى وإرادات الهيمنة. ص 45. 


004 


واضح في تعليق أركون على موقف الغرب من الإسلام والمسلمين أنه 
يصدر عن معاناة واختبار شبه يومي. ونحن هنا لا بد من أن نسأل: إذا لم يفهم 
القرّاء العرب كما يجب كتابات محمد أركون بسبب ضيق الأطر الاجتماعية 
للمعرفة السائدة» فلماذا لم يفهم القرّاء الأوروبيون مضمون مؤلفاته بالعمق؟ 
ليس لقصور في تكوينهم الفكري بالطبعء لأن معظمهم أساتذة في أهم جامعات 


العالم» ومستشرقون معروفول. 


يشير أركون إلى أنه قد تمّ سجنه في الغرب داخل انتماء ديني مؤطر ضمن 
تصنيفات محذدة من قبيل مسلم ليبرالي أو مسلم أصولي أو مسلم معتدل أو 
غيرها من التصنيفات» وبضيف قائلاً: «وهكذا أصبح أنا شخصياً مادة للملاحظة. 
وللتحديدء وللتصنيفء وللدراسة» ولا يمكن أن أصبح في نظرهم ‏ أي 
الأوروبيين أو الغربيين ‏ ذاتاً عارفة مثلي مثل غيري من المثقفين الأوروبيين الذين 
يدرسون الإسلام أو أي شيء ل 

عفلمئ إلى الفول يان" القراصتز نات مححدرا إلى عد سايق أركوق 
والجمهور العربي الإسلامي من جهة»ء وبينه وبين الجمهور الأوروبي أو الغربي 
من جهة أخرى. لذلك فهو يحرص على إنقاذ التواصل وجعله ممكناً على 
الجبهتين» إنه مجبر على أن يثبت هويته الإسلامية مراراً لكي لا يُشتبه به من 
لذن السسالمين: امنا مدي و عي" ناوقيط » لمر اسه الى لسلس للق نمف 
الغرب على المثقفين المسلمين» بخاصة إذا كانوا يحملون انين كك ات 
من خلال الالتزام بقواعد البحث العلمي الصارم. 


نود أن نشير في هذا المجال إلى أن الجمهور العربى الإسلامي الذي يتوجّه 
إليه محمد أركون من خلال كتبه المترجمةء غارق في انشغالات أخرى وهموم 
عذّة» تمكنت مجتمعة من أن تبعده عن الهمّ المعرفي» والفكر النقدي» وتحرير 
الذات من الأحكام المسبقة» وهي كلها ثوابت في المشروع الأركوني. من هنا 
يمكن التحدث عن هوة تفصل بينه وبين هذا الجمهور الذي تم إلهاؤه عمّا هو 
جوهري وأساس في مسيرة بناء الوعي المنفتح على المعرفة من أجل تحقيق 
واقع أفضل»ء والدخول في الثقافة العالمية والمساهمة في تطويرها. أما في ما 
يتعلّق بالجمهور الغربي فإننا نلحظ أنه على الرغم من سوء الفهم والمحاربة التي 


(9) أركون» قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم» ص ؟7. 


04 


يتعرّض لها أركون ومؤلّفاته» فهو محاضر زائر في أهم جامعات العالم. يتنقّل 
من عاصمة إلى أخرى ملقياً محاضراته» ومناقشاً ومستمعاً إلى العديد من 
المهتمّين بفكره وآرائه النقدية التي لم توفر الغرب ولا عقل الحداثة. 

إذا أردنا أن نقارن بين كيفية تلقّي مشروع أركون النقدي وبين تلّقي مشروع 
الجايريء نجد أن هناك فرقا كبيرأء بخاصة إذا حصرنا اهتمامنا بالجمهور 
العربي. أما عن جمهور الجابري الغربي أو الأوروبي فلن نتطرّق إليهء لأنه لم 
يتوجّه إليه» فهو لم يكتب بالفرنسية أصلاً ولا بالإنكليزية» ومشروعه النقدي 
ينبع من الواقع العربي ويتوجّه إليه في سبيل بلوغ النهضة المنتظرة»؛ وتحقيق 
استقلال الذات العربية بشكل أساس. 

إن أول ما يلفت قارئ مؤلفات الجابري منذ الصفحة الأولى عدد الطبعات 
التى سبقت طبعة الكتاب الذي بين يديه حتى إن بعض الكتب قد اقتطع جزء 
منها لكي بُطبع في كتاب آخر وتحت عنوان مختلف”''2. إن في ذلك دليلاً على 
التواصل بين الجابري والجمهور العربي. فهو يتوجه إليه بلغته» ويبحث في 
قضاياه التراثية والمعاصرة. 


إذا حاولنا أن نبحث في سبب نجاح مؤلّفات الجابري انطلاقاً من نظرية 
التلقّي» أو العوامل التي تحدّث عنها أركون في سياق دراسته أسباب فشل 
فلسفة ابن رشد في منطقة معيّنة ونجاحها في منطقة أخرى» نرى أن وضع 


الجابري مغاير لوضع أركون إلى حدّ بعيد. 
نبدأ بالتوقف عند أثر أشكال السلطة السياسية فى فكر الجابري؛: كعامل 
أول فاعل في نظرية التلقّي. إن الجابري قد قام في دراسته للعقل السياسي 


)٠١(‏ نود أن نذكر في هذا المجال أن كتاب الجابري نحن والتراث نفدت طبعته الأولى بعد منة 
واحدة من نشره؛ وتم طبعه مرات عذة لدى المركز الثقافي العربي. كما إن كتابه تكوين العقل العربي قد طبع 
أيضاً مرة ثانية بعد عام واحد من الطبعة الأولى لدى دار الطليعة. ومن ثم أعيد طبعه ست مرات لدى مركز 
دراسات الوحدة العربية. أما كتابه وجهة نظر الصادر عن هذا المركز فى طبعتين فقد اقتطعت فصوله وأعيد 
نثرها مرّة أخرى في أربعة كتب تحمل عناوين مختلفة نذكرها على التوالى: محمد عابد الجابري: المسألة 
الثقافية» سلسة الثقافة القومية؛ 15. قضايا الفكر العربى؛ ١‏ (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» 
5 + الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ سلسلة الثقافة القومية؛ 17. قضايا الفكر العربى؛ ؟ (بيروت : مركز 
دراسات الوحدة العربية» 994١)؛‏ مسألة الهوية: العروبة والإسلام.. والغرب» سلسلة الثقافة القومية؛ 71. 
قضايا الفكر العربى؛ ” (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» »)١990‏ والدين والدولة وتطبيق الشريعةء 
سلة الثقافة القومية ؟ 78. قضايا الفكر العربي؛ ‏ (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» .)١991‏ 


0 


العربي بتوجيه النقد للسلطة السياسية» بخاصة في خاتمة الكتاب. كذلك نجده 
في معظم كتبه التالية يطرح مشروع الوحدة العربية في سبيل تحقيق النهضة 
وتحسين الوضع القائم. لكن يمكن أن نلحظ في المقابل عدم تعرّض السلطة 
السياسية له ولا لمؤلفاته التى تشهد ازدهاراً مميّزاً. إن السبب فى ذلك يعود 
بح رأبنا. إلى عدم «تطق: الجايري إلى الاين وامستاعه: عن القن اللاهوتى» 
ورفضه طرح العلمنة كبديل للأنظمة الراهنة. كلها أمور ساخنة من شأنها أن 
تحرّك السلطة السياسية في اتجاه القمع أو المنع أو حتى الاضطهاد. إن المسائل 
الدينية من الصعب التطرّق إليها اليوم؛ من دون الحصول على نوع من الرضى؛ 
ليس فقط من قبل رجال الدين إنما أيضاً من قبل رجال السياسة؛. لأن السجون 
وفنون التعذيب بإدارتهم وتحت سيطرتهم. لقد تمكن الجابري لغاية الآن من 
المحافظة على شعرة معاوية بينه وبين أشكال السلطة السياسية. 


أما العامل الثاني الذي نود أن نتوقف عنده من أجل المزيد من تسليط 
الضوء على كيفية تلقّى مشروع الجابري النقدي» فهو الأطر الاجتماعية للمعرفة 
السائدة. صحيح أن الجابري كان قد اطلع على الفكر الغربي وتأثر به وغرف 
من معينه بغية الاستفادة منهء لكنه بقي ينتمي في رأينا إلى ابن رشدء وهو لم 
يوفر فرصة من أجل التصريح بذلك. إن العودة المستمّرة إلى فيلسوف قرطبة» 
والغوص في نصوصه والاستشهاد بها في أكثر من موضعء أمور تجعلنا نميل 
إلى القول بأن الجابري عربي التفكيرء وهو رشدي حتى العظم. من هنا يمكن 
أن نلحظ الفرق بينه وبين أركون الغربي التفكيرء الغارق في مناهج علوم 
الإنسان والمجتمعء والباحث في أحدث إنتاجاتهاء والمعالج لأبرز إشكالياتها, 
من دون أن يغيب عنه واقع المجتمعات العربية والإسلامية. 


إن الجابري قد تمكن من التواصل مع القارئ العربي؛ فحمل إليه 
مشروعه النقدي. وآراءه المتعلّقة بالعديد من المسائل التي تشغله في الحقبة 
المعاصرة. كمسألة الهوية» والمسألة الثقافية» والديمقراطية وحقوق الإنسان» 
وغيرها. إنه ليس بعيداً عن الأطر الاجتماعية للمعرفة السائدة» وهو يتحرّك 
ضمنها على الرغم من أنه اطلع على الفكر الغربي واستفاد من فلاسفة كثر في 
إنجاز مشروعه. إن «تبيئة المفاهيم» عملية مهمّة قام بها من أجل تأمين التواصل 
بين الفكر الغربي الذي ينهل منه والفكر العربي الذي يبحث فيه ويتوجه إليه في 
آن معاً. لقد ساعدته هذه العملية فى تقليص المسافة بينه وبين جمهوره من 


6١ 


القرّاء العرب» وسهلّت له الطريق من أجل اختراق الذهن العربي الذي لم 
يتمكن بعد من الاستفادة من مناهج الغرب ومفاهيمه بسيب عائق اللغة. 

كذلك نود أن نشير في هذا السياق إلى أن الاهتمام بمؤلّفات الجابري لم 
المفكرين أيضاً الذين تناولوه في مقالاتهم وأبحاثهم وكتبهم؛ نذكر على سبيل 
المثال لا الحصر. كمال عبد اللطيف». وعلى حرنيء وطه عبد الرحمن» 
ويحيى محمد» ونتوقف على وجه الخصوص عند جورج طرابيشي. إنه على 
الرغم من النقد الذي يتخطى أحياناً عدّة حدود الاعتدال والتجرّدء نجد أن 
جورج طرابيشي هو أكثر الذين اهتمّوا بكتابات الجابري» وصرفوا جهداً كبيراً 
فى الردّ على أطروحاته» مكرّساً من أجل ذلك وقتاً مهماء وعناية فائقة فى 
العودة إلى نتصوص التراث مقارنة بعضها ببعض. كما في العودة إلى نصوص 
مستلّة من الفكر الحديث والمعاصره في سبيل دحض بعض أقوال الجابري» 
وإبراز الثغرات التى تتضمنها. 


أما اهتمام المفكرين العرب بأركون فلم يصل إلى. هذا الحد.ء صحيح أن 
قناك الغديد م المقالات فد تكرت حول فكره :: وبعفن الدراسات قد فديتك 
حول مشروعه النقدي» إلا أن ذلك لا يعتبر كافياً بالنسبة إلى أهمية فكر محمد 
أركون وخطورة مشروعه من جهة» وبالنسبة إلى ما يُنشر حول فكر الجابري 
وغيره من الباحثين في الفكر العربي. من جهة أخرى. لذلك يمكن أن نتحدث 
هنا عن «نجومية» الجابري في الفكر العربي المعاصرء بخاصة خلال حقبة 
التسعينيات من القرن الماضي». وهي تشهد اليوم نوعاً من التراجع كما يبدو. 


أما العامل الثالث الذي قد يُسهم في المزيد من الإضاءة على نجاح 
الجابري في التواصل مع جمهورهء فيكمن في إبراز المكانة الاجتماعية 
والاقتصادبة التي حظي بها كمثقف ومفكر عربي. نود أن نشير أولاً إلى أن 
الجابري لم يتعرّض للاضطهاد كغيره من المفكرين النقديين» لذلك نجده مقيماً 
في الوطن العربي» يتنقّل فيه أَنَى يشاء ملقيأ محاضراته وموقّعاً كتبه. إنه صوت 
507 به له برعي إلى حد الإسكات والقمعء إنما يبثٌ أفكاره بلياقة وتأنٍ» 
هادفا إلى اختراق ذهن المواطن العربي». وتحريك الركود الذي فيه. إن مركزه 
فى حادم الرياط "قن ديع له والاسقكاله ترييحة كير من لامي و انرا مول 
معهم. إنه منخرط بهموم المجتمع العربي» وملتزم بصفوف المناضلين من 


60:5 


أبنائه» ما اتاح له تحقيق شهرة كبرى» الأمر الذي قد يكون قد وفْر له راحة ما 
على الصعيد الاقتصادي. إنه ليس بالمفكر المحروم الذي يعاني مادياء فنجاحه 
الفكري قد أثّر في وضعه الاقتصادي. 


أما العامل الرابع الذي يقترحه أركون من أجل دراسة فشل فلسفة ابن رشد 
من خلاله. والذي اعتمدناه في تقويم تلقّي كل من مشروعي أركون والجابري» 
فهو يكمن في التوقف عند الوظائف المشروعية التي أوكلت إلى الدين. إن 
الجابرف لم يعرف للمشروعية الديية بالبقد كبهمد. أركرة:تحاول الايتعاة 
قدر الإمكان عن العقل الإسلامي؛ كما إنه امتنع عن ممارسة النقد اللاهوتي. 
لذلك إن المشروعية المعطاة للدين في أيام الجابري لم تُمسّ» فلم يعترض 
طريقه أحد. خلافاً لما حدث مع كل من مرشده ابن رشد وزميله أركون. لا 
يخلو الأمر من بعض المتحمّسين والأصوليين الذين انتقدوه. لكن الأمر لم 
يصل إلى حد التكفير أو الاضطهاد أو القمع. 


عندما برّر الجابري اختياره العمل على نقد العقل العربي وليس الإسلامي 
اعتبر أن القرآن كتاب منزل لا يمكن إخضاعه لمبضع النقد. إنه فوق كل شك 
وبحث نقديء وذلك خلافاً للحديث النبوي الذي هناك خلاف حول نقله 
ل إن التأكيد على تنزيه القرآن من أي قراءة نقدية كالتي قام بها المفكرون 

فى الغرب للتوراة والإنجيل» قد جعل الجابري مد كعداعم مس اليلمطة 
الوبحن ه وحام لمن يمتّلها على الأرضء. الأمر الذي بحسب اعتقادنا - قد أمَن 
له هامشاً واسعاً من الحرية في التعبير عن أفكاره في المجال المعرفي والسياسي 
والأخلاقي» مكدّلاً بنوع من الرضى المسكوت عنه. لم يخترق الجابري دائرة 
المقدس. ولا حتى افترب منهاء لذلك وفر على نفسه الكثير من التوتر والتشئج 
الذي هو بغنى عنه. اختار منذ البداية حقل عملهء وحذدّد أطره من دون أن 
يتعذاهاء فهذا هو خياره الاستراتيجي الذي تحدّث عنه مراراً. 

هنا تكمن نقطة محورية في التمييز بين كل من خيار أركون وخيار 
الجابري» فى الأول خياره أشمل لأنه أدخل الدين من زاوية أهميته بالنسبة إلى 
الإنسان» وتشكمه :في حقبة تاريظية معينة فى بمتعظم إنتاج العقل العربي 
الإسلامي. 


أما الثاني فقد اعتبر أنه يمكن الفصل على الصعيد النقدي بين الدين 
والدنياء وقرّر الاهتمام بالدنيا بما فيها من معرفة وسياسة وأخلاق وهموم 


وك 


إنتعانيةاه ثارها أمور الذيى والعقجدة لمواة: ل يرق أركرن سييلة إلى اتوم 
والتجديد والإصلاح ومن ثم مواكبة العصر إلا من خلال نقد العقل الذي ساد 
مختلف مجالات التفكيرء والكشف عن المشروعية التقليدية التى أسندت إلى 
التق اوموشيافة :فى المخصع» أما الجائري قلا وري سكيلة إلى تسقيق: الفويضنة 
إلا من خلال تدشين عصر تدوين جديد.ء والعودة إلى التمثّل بنماذج من 
العقلانية التي عرفها التراث» والتخلّي عن قيم العقل المستقيل. 


استنتاجات 


نختم هذا القسم الذي أردناه جولة تقويمية بين محطتين نقديتين بارزتين 
فى نهاية القرن العشرين بالإشارة إلى أننا اعتمدناء فى سياق توقّفنا عند الفصول 
الأربعة السابقة (السابع» الثامن» التاسع» العاشر)ء منهج المقارنة بين مشروعين 
مغايرَين؛ سالكين طريق التفكيك لمضمون الخطاب الذي قدمه كل من أركون 
والجايري» محاولين الكشف عما هو مسكوت عنهء ومسلطين الضوء على ما 
هو محجرب إلى حدّ ما. هاجسنا الأول الكشف عن ميزة كل مشروع من خلال 
مقارنته بالآخرء متوخين تقديم كل من مفكرينا بصورة موضوعية تجسّد قدر 
المستطاع عمق ما أراد قوله. نترك للقارئ أن يجد لنفسه مكاناً بينهما أو فيهماء 
فاسحين المجال لاختيار ما هو مناسب في اللحظة المناسبة. 


إننا بالطبع لا ندّعي هنا البتة أننا أحطنا بكل ما كتب أركون والجابري وما 
كُتب عنهما بشكل كامل وناجز ونهائي» فهذا ضرب من المستحيل وبخاصة أن 
مفكرينا هما الآنء في أوج عطائهماء وأفكارهما ما زالت تحظى بالمزيد من 
ردود الفعل هنا وهناك. لكننا فى الوقت عينه نأمل بأن نكون قد ظهّرنا صورة 
واشحة كن أدق تفاصيل مشر وعييم التعدييق: بغارلا فى عرمكا السائق: أن تجد 
مواضيع مشتركة قد تمت معالجتها بشكل مغاير لإبراز الفرق بينهماء ما يزيد 
الفكر النقدي العربي غنئ» وذلك بفضل تعددية المناهج المتّبعة في إنجاز النقد. 

أردنا في الفصل السابع أن نسلّط الضوء على ما يميّز منهج أركون عن 
منهج الجابري» ثم انتقلنا إلى المقارنة بين كيفية نقد أركون للعقل العربي 
الإسلامي ونقد الجابري للعقل العربي محاولين إبراز الإطار الذي عمل فيه كل 
منهماء لكي نتوقف في الفصل التاسع عند الفرق بين المقاربة الأركونية لما هو 
سياسي وعلاقته بما هو ديني وبين مقاربة الجابري للعقل السياسي العربي ونقده 
محدداته وتجلياته عبر التاريخ. ثم أردنا في الأخير أن نتوقف عند مسألة مهمة 


0 


كان أركون قد لفت انتباهنا إليها عندما أراد أن يدرس سبب إخفاق الفلسفة 
بعامة. وفكر ابن رشد بخاصة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط 
وتتعاخهما ون التلحية المشابلة "ينا يوا عتيالة يلمي 

لقد أخذنا العوامل التى دعا إلى درسها من أجل الكشف عن هذا الفشل 
لكي نطبّقه في دراستنا لاسبات دل فى الفواصل مم القارقة العربي ونجاح 
الجابري فى ذلك. لقد ساعدنا ما ذكره أركون حول نظرية التلقّى وازدهار 
«جماليات التلقّي» في ألمانيا لكي نقوم بدراسة هذه المسألة بالنسبة اد كل 
فكره وفكر الجابري. نود أن نشير فى هذا السياق إلى أننا وجدنا نصوصا معبّرة 
عدا ليهمة اركرن كينت الماامن جلالها عن حيقه ب كادنة عاط نم 
نصوصه شرقاً وغرباً. إنه كمفكر قد غرف مليّاً من المناهج الغربية» وحاول أن 
يطبق على نفسه منهج «جماليات التلقي» لكي يتعرّف أكثر إلى سبب فشل 
مشروعه في الوصول إلى الآخر. لقد استفدنا من هذه النصوص التي استشهدنا 
بها في سياق هذا الفصل لكي نغوص أكثر ونعمل على كشف ما قد حال 
ويحول لغاية الآن بين أركون والمتلقّي العربي من جهة» وبينه وبين المتلمّي 
الغربي من جهة أخرى. 

أمَا في ما يتعلّق بالجابري فإننا لم نجد لديه اهتماماً بالتوقف عند كيفية 
تلقّى مشروعه., باستثناء بعض العبارات التي أوردها في الفصل الأخير من كتابه 
التراث والحداثة حيث تمت مناقشة كتابه العقل السياسى العربى. وهنا يبرز مرة 
احرئ أثر المتاهع العربية :في فك محينا أركوة ودكري المعرفي ها بجع 
مغايراً لفكر محمد عابد الجابري الذي له تكوينه الخاص أيضاً. كذلك» يمكن 
القول» إنه ربما كان النجاح الذي حققه الجابري في ساحة الفكر العربي 
المعاصر قد أغناه عن البحث في سوسيولوجيا التلقي أو التنظير لكيفية تلفي 
أفكاره. 


بعد أن أشرفت دراستنا على نهايتها يبقى لنا أن نطرح سؤالاً: ما مدى 
الاستفادة من الفكر النقدي فى الوقت الراهن» ومدى فاعليته في النفوس 
ومقدرته على تحقيق أهدافه النهضوية المعلنة والمرجوّة؟ 


6:6 


خاتمة 
وتبقى الحداثة الهدف المنشود 


أعلن كل من أركون والجابري «الجهاد الأكبر» في سبيل بلوغ الحداثة 
والدخول في رحابها من الباب الواسع. كل حارب على جبهته؛ من موقعه. 
وبأدواته الخاصة التى يعتقد بجدواها أكثر من غيرها. كل حدّد إطار المعركة» 
ورسم خطة الهجوم بتفاصيلها ومحطاتهاء من دون إغلاق الباب أمام المفاجآت 
التى من شأنها أن تعدّل المسار أو حتى تبدّله» بخاصة لدى أركون الذي غالباً 
جا ردرلة جاع :فداه لعرجهه: كز برق انه فى ند تدشين قراوة اجلايلة: 
ومشروع اخر مختلف ذي نظرة خاصة ليست تقليدية محضةء ولا غربية بحتة؛ 
كما إنها ليست توفيقية ولا تلفيقية. لقد تمكن كل منهما من أن يضفي على 
نتروعة قبيةا خاضة» وسار يمكزه عه نترام من المشاريم اللقدية الغي كثر 
عددها فى السنين القليلة الماضية» ما يشير إلى رغبة العديد من المفكرين اعتلاء 
ف اله والمحاربة من أجل التحديث. 


لكن هل يمكن مفكرا مهما علا شأنه. وعظم عتاده؛ وتنوّعت جِطتُه» أن 
يخوض معركة بهذه الضخامة وحيدا؟ ألا تتطلب المعارك؛ مهما انحصر 
إطارهاء عديداً من المجئدين المستعدين دائماً لمواجهة الأسوأ؟ وهؤلاء 
المجندون أليسوا بحاجة إلى تدريب رفيع المستوى يمكنهم من تحقيق الهدف 
الذي يقاتلون من أجله؟ 

هل أثمرت بالفعل جهود مفكرَيّناء أقلّه على الصعيد الأكاديمي المعرفي 
في التأسيس لمدارس فكرية تتبّع المنهج النقدي المبني على أسس علمية 


/اغه 


رصينة؟ ما الذي يحول بعد دون بلوغ هذه الحداثة المنشودة منذ أكثر من مئة 
عام؟ 


سوف نحاول أن نقدم في ما يلي بعض التصوّرات التي قد تصلح 
كإجابات عن سلسلة الأسئلة التى طرحناها أعلاه؛ ونحن نعلم أنه يوم نحصل 
الجابري ولا غيرهما بإمكانه أن يقدّم بمفرده حلاً شاملاً لقضايا الفكر العربي 
الإسلامي المعاصرء كما إنه ليس بمقدور الات سوس الى كسد 
حقائق الماضي البعيد أو القريب. وتسليط الضوء على ما كان مُشكلاً أو مخفياً 
فيه عن قصد أو غير قصد. 


لا بد لدراسة اتخذت عنوناً كبيراً لها «خصوصية المنهج النقدي في الفكر 
ا ل ل ل الت من أركون 
والجابري على هذا الصعيد. ٠‏ لا بد لها في الختام من أن تعود إلى الوراء 
بد لح ل سق حرطا تر ند حون دن ملسي عرفت ررد 
سواء نظرياً أم عملياً 


١‏ دخول الحداثة فى النظر 


إذا أردنا أن نحصر في نهاية المطاف أبرز ما قد ميّز المنهج النقدي لدى 
أركون» يمكن أن نجد حضور شبكة ور التدافع مد لعي وام لمن اخل 
تفكيك طبقات التراث المتراكمة. وبخاصة العقل الذي أنتجهاء وفهم الظاهرة 
الدينية في ماهيتها ووظائفها والتوترات التي بينها وبين الظاهرة السياسية.ء وذلك 
من فون التواقف عند عتبة النص الديني التأسيني الأول والامتناع عن قراءته من 
منظور مختلف. إنه يهدف إلى تحقيق فهم صحيح للإسلام. لذلك نجده يستعين 
بأدوات هي بمثابة خلاصة لأبرز ما طوّره الفكر الغربي في مجال علوم الإنسان 
والمجتمع واللغة. إن مناهج هذه العلوم قد أثمرت ‏ في نظر أركون ‏ غرباء 
وجاءت بنتائج فكرية مرضية. فلم لا يتمّ استثمارها شرقاً أيضاً. طالما أن شهادة 
فاعليتها مضمونة الجودة؟ 


لكن ألا يعاني الغرب اليوم قصوراً في مجال تطوير علوم الإنسان 
والمجتمع على وجه الخصوص» وذلك بالمقارنة مع ما يشهده من نمو سريع 


04 


على الصعيد التكنولوجي؟ ألم تصبح هذه العلوم هرمة متأخرة عن أحداث 
التاريخ المتتالية والتحديات المستجذة» ليس آخرها ما جرى في ١١‏ أيلول/ 
لِمَ لم تعمل هذه العلوم على كشف المنحى الأيديولوجي في الفكر الغربي 
المعاصرء والخطابات المتطرّفة التى ينتجها؟ 


إذا أردنا من جهة أخرى أن نحذد خصوصية المنهج النقدي كما تبلور لدى 
الجابري يمكن أن نجد عنده اتركيزأً بالغ على ضرورة الانتظام في التراث 
العربي الإسلامي واحتواثه ل فك أن يحتوينا. ل 
العقل الذي أنتجه بهدف فهم هذا التراث على حقيقته» بما فيه من منحى 
ل ا ل ل الات ل 
الضروري - في نظر الجابري ‏ التخلّى عن فكر ابن سينا الغنوصي وكل من دار 
فى فلكهء لأنه أدى إلى استقالة العقل العربى من مهامه الفكرية الإبداعية» 
والعودة إلى ينابيع العقلانية والواقعية في المغرب العربي والتي بلغت ذروتها مع 
ابن رشد من خلال الروح النقدية التي ميّزت فكره. إن المنهج العقلاني والرؤية 
الواقعية والروح النقدية هي أهم ما نحتاج إليه اليوم ؛ وبإمكاننا أن نجد أسس 
كل ذلك في ما كان قد أنتجه ابن رشد الذي استغله الغرب. واستفاد منه فى 
في سبيل تحقيق الاستقلال التاريخي للذات العربية» والإسهام في الحداثة؟ 


إن ما يعمل الجابري على تحقيقه ضروري لكنه غير كافٍ لا على صعيد 
الفكر ولا الواقع» لأن الأوضاع. بحسب رأيناء باتت تحتاج مجهوداً أكبر من 
العقلانية الرشدية التي كانت خصبة ومفيدة في ظروف غير تلك التي يعانيها 
الفكر العربي الإسلامي المعاصرء والواقع الراهن. ثم هل يكفي أن ننتقد 
التطرّف في استخدام اللاعقل. والمغالاة في الروحانيات. والمزايدة في 
الدعوات الأصولية. في طريق النقاك فلصيقة الى سينا" شرق ا المنحى 
«الغنرصي الظلامي» الكامن فيها؟ بتعبير آخرء. هل الدعوة إلى تبتي العقلانية 
الرشدية والانتظام في مسارهاء رد دعاوى الأصوليين ل وإخحماد 
تحرّكهمء وإرواء غليلهم.ء ومخاطبتهم بلغة مقبولة لديهم تقي من يحاورهم 
خطر التكفير؟ هل العائق الأساس الذي يمنع العرب اليوم من دخول الحداثة 
فكرياً. والمشاركة في الحضارة العالمية يكمن في عدم الاعتراف بقيمة ابن رشد 
وإهمال ما نادى به من فهم للفلسفة اليونانية وفهم للدين؟ 


26. 


نود أن نطرح في سياقٍ تحليلنا هذا مسألة وجدناها قاسماً مشتركاً على 
الصعيد النظري لدى مفكريناء عنينا بها موقف العقل البشري أمام مُشكل 
المعرفة. لحظنا بوضوح أن أركون كما الجابري انشغلا بفهم الماضي العربي 
الإسلامي وبتفكيك العقل الذي أنتج التراث» لكنهما اختلفا في المقاربة 
المنهجية للموضوع الواحد. ما نريد الإشارة إليه هنا يكمن في إهمالهما التفكير 
في العفل» لقد اكتفيا ‏ إلى حذ ما بتوظيف العقل في سبيل نفع ماء اهتم 
بالناحية الإجرائية أكثر من الناحية التنظيرية. وذلك بهدف فهم الماضي على 
حقيقته؛ وكشف الجانب الأيديولوجي في كل من الخطابات التراثية والأبحاث 
التي قُدَمت من أجل فهم هذه الخطابات. إننا نجد علاقتهما بالفلسفة بوجه عام 
علاقة محدودة بجانب معيّن يهمهما من دون سواه. بتعبير اخرء إن مهمات 
العقل النقدي لدى كل منهما لا تتسّع لكي تشمل موضوعات الفلسفة بعامة كما 
عند أي فيلسوف كلاسيكي, لأن هذه الموضوعات لا تعنيهما بذاتها ولذاتها. 
ومن بين هذه الموضوعات نذكر مثلاً كيفية عمل العقل البشري أمام المعرفة. 
أو كيف نعرف؟ أو كيف يعمل العقل فى مواجهته الأزمات الفكرية التى تهرٌ 
كيانه» وتتحدّاه بقوة؟ وما قيمة الآليات المعرفية التي نستعمل أدواتها؟ - 


لقد حصر كل من مفكرينا الشاغل الفلسفي. والدرس العقلي لديه» بموضوع 
بعينه من دون غيره. اسم الو ل كو 
اشتغالاً محضاً في قضاياه» وبين العقل باعتباره أداة تُوَظْفء لها طابع نفعي 
إجراتى أ إن هناك فرقاً بر بين ما يُعبّر عنه بالفرنسية ب (8215088282]6 0 
وبين عور 1 ده5نة 1.3). لكن إذا عمّقنا النظر في موقع كل من 
مفكريّنا وعلاقته بالخطاب الذي ينتجه. يمكننا أن نفهم سبب ابتعادهما عن 
التنظير البحت في أمور العقل والمعرفة. 

هناك علاقة تربط بين الموقع الذي يشغله أركون مثلاً وبين خطابه» فهو 
يتوجّه إلى الماضي من موقع المؤرّخ أولاً. وعالم الأنثروبولوجيا ثانياً. 
والمتمرّس باللسانيات وعلو م المجتمع ثالثاً. إن موضوعات الفلسفة بعامة لا 
تعنيه مباشرة» ولا تشغله بذاتهاء فهو منهمٌ بنقد العقل الديني» وبالحفر في 
التراث الذي تراكم عبر السئين فشكل حدوداً واسعة من اللامفكر فيه 
والمستحيل التفكير فيه. إن اشتغاله بموضوع العقل جاء - بحسب تقديرنا - لكي 
يلفت إلى المخيال الذي أذى دور أبرز من العقل. ودخل في صدام معهء ليس 
فقط في الحضارة الإسلامية إنما في حضارات قديمة وحديئة عديدة. يمكن أن 


00 


نقول» إذا جاز التعبير» إن المخيال بإمكانه أن يدل أركون إلى ما كان عليه 
الماضي واقعاًء إنه يدخل ضمن إطار العقل» فيستخرج منه شيئاً عقلانياً. إن 
علم الأنثروبولوجيا الدينية عندما يدرس المجتمعات البدائية يتعاطى مع قوى 
الخيال جر فن: إنتاج. العقل: فلا يفصيل: بشكل جدرئ بين العقل« الله عفل 
على غرار ما قامت به الفلسفة منذ زمن. 

كذلك الأمر بالنسبة إلى الجابري» فالموقع الذي انطلق منه أسهم إلى حذد 
كبير في توجيه الخطاب الذي أنتجه. يضع نفسه مراراً وتكراراً في موقم 
الإيستمولوجيا رافضاً أي تطرّق إلى العقل الديني لأنه لايرى من نفسه مصلحاً 
دينياً» فهو قد ترك مهام الإصلاح لسواه. لكن حتى عندما يصئّف نفسه في خانة 
الباحث الإبستمولوجي» نجده يصرّح بأنه يود توظيف هذا العلم في أبحاثه. 
كأداة إجرائية» وهو لا يهمّه كعلم بذاته مثل باشلار وغيره. كما إن هدف 
الجابري واضحء إنه يبغي نقد العقل العربي» لذلك توقف عند البحث في 
درس تكوينه» وفكك بنيته ليكشف عن الأنظمة المعرفية التي أنتجهاء ٠‏ ومن ثم 
توجه إلى دراسة تجليات هذا العمل في المجالين السياسي والأخلاقي. بكل 
ذلك. في رأيناء لكي يشير بإصبعه إلى كنز ثمين دفين في التراث» من شأنه أن 
يؤدي دوراً سحرياً في القضاء على الركود والشكلت المسسطوين علن الشناسة 
العربية» ويمدّ العرب بدفعة لا بأس بها من العقلانية والواقعية والروح النقدية 
تمكنهم من مواكبة العصرء والدخول في الحداثة. لا حاجة بنا بعد إلى تكرار 
ذكر هذا الكنزء لكن نود أن نشير إلى أن تحقيق هذا الهدف وتسليط الضوء 
على أهمية ابن رشد لا يتطلّبان الغوص تنظيراً فى موضوعات الفلسفة بعامة. 
والبحث المعمق في العقل ومشكل المعرفة بخاصة. 

يبقى السؤال مطروحاً فى النهاية على الصعيد النظري الفكري البحت. ما 
الذى يمكن عله تحديدا من أجل #خرل: الحدانة؟ هل يعليها انبام المتاز 
الفكري الغربيى؛ أي العمل على الانتقال من مرحلة القرون الوسطى إلى الحداثة 
ومالك !إلى مااتعديهاء الرعركا أن« كس ساهو إلى الفاعد إلى لواقم 
الحالي»: من أجل مواكبةٍ أفضل لكل ما ينجزه الغرب وما يختبره من طفرات 
معرفية وثورات منهجية فكرية؟ 

هل علينا أن نأخذ الغرب كمثال يُحتذى فنتشبّه به سيراً على خطاهء أم 
علينا أن نشِىْ طريقنا إلى الحداثة الفكرية وفقا لبيئتنا ومناخنا الفكريّين» 
مستجيبين بذلك إلى ضرورات الواقع الملمّ الذي يئنَ تحت وطأة التخلّف 


ه١‎ 


والانشغال بالسجالات والجدالات العقيمة؟ بتعبير آخرء هل المسار الغربي هو 
الأنجح والأفضل إلى حذ يمكن تعميمه ل الحضارات؟ إن كان 
الجواب إيجابياًء فإن أبرز ما قام به هذا الغرب في اتجاهه نحو الحداثة والقفز 
إلى ما بعدها كان الفصل بين الدين والفلسفة. وبين الدين والسياسة. وبين 
الإيمان والعلم. هل هذا الفصل جائزٌ تحقيقه كما الغرب. في المجتمعات 
العربية الإسلامية» وبخاصة في ذهن معظم الذين يدخلون في دائرة الباحث 
المتخصّص»ء أو المفكر أو المثقّقف. قبل تحقيقه بشكل أعم لدى الطلبة؛ و 
ضيتا 


؟ ‏ دخول الحداثة فى العمل 


إذا عدنا إلى ما كتبه أركون حول الازدهار الفكري والنمو الثقافي اللذين 
عرفهما القرن الرابع الهجري. نجد أنه يشدّد على الدور الذي أذته الطبقة 
البرجوازية في ذلك الحين. ما أسهم في توفير الأجواء الملائمة للنهوض 
والإبداع. وهو يعلّق أهمية على هذا الدور في حال أراد المسلمون اليوم دخول 
مرحلة التقدم» والخروج من الركود والاكتفاء بالاستهلاك. لكن إذا نظرنا من 
حولنا يمكن أن نلحظ بوضوح كيف تبذر الطبقة البرجوازية المعاصرة 
مدخراتهاء وفي أي هدف. ليس من اختصاصنا هنا أن تقوم بإحصاء دقيق لإبراز 
الأرقام المخيفة التى 0م الأجنبية والعربية حول ما يصرفه 
البرجوازيون يمينأ ويساراً في سبيل توفير ما يجدونه مناسباً لأوضاعهم. حتى 
الذين يصرفون على النشاطات الفكرية والأعمال الأدبية والمؤتمرات الثقافية. 
ليس لديهم الهم المعر في » ولا يملكون خطة توجيهية السو محذدد. ولا 
أهداف معرفية علمية جدية يسعون إلى تحقيقها. 


كذلك إن من يتابع أحاديث أركون في الوسائل الإعلامية العربية ومحاضراته 
العديدة يجد أنه يدعو على صعيد التطبيق إلى العمل في سبيل التحرير كضرورة 
أولى ومهمة من أجل الدخول فى الحداثة. إن تحرير رفن والشعب وبخاصة 
الأزادة عن فانم أ يوه الغا علي الاجتماعيين نحو بناء مجتمع حديث. لذلك 
على الكناح السياسي أن يأتي أولا لكي يتحقّق في ما بعد النهوض الاجتماعي 
والاقتصادي. لكنه يرى أنه لا سبيل إلى البناء من دون الإعداد لأرضية فكرية 
صلبة ٠‏ والتأسيس لفكر نقدي يرتكز على الأبحاث التاريخية التى تكشف جذور 
الها ساف معنف عن السسسيعاتف الس الا 6 


وك له 


من هنا نجده يتحدّث في الفترة الآخيرة عن «الجهل المؤسَّس» الذي ُعلّم 
في المدارس الرسمية بعناية من قبل الدولة. إنه ينتقد بشدّة طرق التعليم أو 
التلقين غير المبني على أسس معرفية متينة» ويرى في المقابل أن علوم الإنسان 
والمجتمع من شأنها أن تسهم في محاربة «الجهل المؤْسّس». والحد من التعليم 
الجاهل الذي يُفرض على التلاميذ. 


إن هذا النوع من التعليم في رأينا قد أدّى دوراً مهما في نمو الحركات 
الأصولية المتطرّفةء لأنه يعتمد على تلقّى الحقائق الراسخة والمتعالية» ورفض 
الآخر بما يحمله من تاريخ وحقيقة وتزاقة وهو بالتالي يهمش الفكر النقدي 
المنفتح متغاضياً عن المراجعة النقدية لمختلف المسلمات أو التعاليم التي قُدَمت 
على أنها بديهيات. لقد بات أمراً أكثر من ضروري التوقف عند هذين السؤالين 
للتفكير فيهما جدياً في حال أراد العرب والمسلمون أن يلجوا مشروع الحداثة: 
ماذا نعلم؟ وكيف؟ 


إن المسألة التربوية هي اليوم من أبرز ما يجب التصذي له من قبل 
المفكرين والباحثين وبخاصة المنشغلين في أمور التعليم والتربية» علمية كانت 
أم دينية أم مدنية... إلخ. لكن كيف السبيل إلى كل ذلك طالما أن الشأن 
التربوي ليس من أولويات الجماعات الحاكمة أو الطبقة السياسية الحالية؟ لا بل 
إنها تسهم في التأسيس للجهل ورعايته على أفضل وجه. 


ركز ا ا 0 يه 
ا ا لأن هذه 00 ولادة الديانات السماوية 
التوحيدية » كما عرفت الصراع والمنافسة والمزايدة فى ما بين الجماعات الدينية 
التابعة لها. إن اللاهوت المقارن الذي يدعو إلى الخوض فيه من شأنه أن يسلط 
ممارسات شبيهة حصلت في الماضي» سواء على صعيد رجال الدين أم على 
موضية لقعا مانت المؤقة 


هذا ما نادى به أركون نظرياً؛ أما عملياً فقد سعى فى السنوات الأخيرة من 
القرن الماضى إلى تأسيس معهد أوروبى يختصٌ بدراسة الأديان على أساس ما 
تقذمه علوم الإنسان والمجتمع من مناهج ومعطيات فكرية. إن هذا المشروع 


“وه 


يهدف إلى التعرّف إلى الظاهرة الدينية في المجتمع. وإلى الدور الذي قام به 
وما زال؛ العامل الديني» بالإضافة إلى أنه يسهم في الانفتاح على الديانات 
الأخرى التي تحمل بدورها تعاليم تخصّهاء وحقائق تبشر بهاء وسلوكات تدعو 
إلى ممارستها في سبيل الخلاص والسعادة. 

إننا نرى في هذا المشروع الذي سعى أركون إلى تحقيقه ‏ إذ يبدو أنه بعد 
حقيقة الماضي» وحقيقة الآخرء وهي تسهم في توسيع أفق العقل الديني عن 
طريق الانفتاح على الديانات الأخرى. إن المقاربة الأنثروبولوجية للظاهرة الدينية 
التي يسعى أركون إلى تعميمها من شأنها أن تسهم في الخروج من الجهل 
والانغلاق ورفض الآخرء وهي بإمكانها أن تخفف من حذة التوتر والتنابذ 
والتعصّب الأعمى لدى مختلف الجماعات الدينية. لكن يبقى أن نسأل عن مدى 
تجاوب أصحاب الشأن مع هذا المشروع. وهل» بالتالي» الانخراط فيه متوافر 
لجميع المهتمّين به؟ هذا إذا ما افترضنا أنه أحسن اختيار منهجية مقبولة لدى 
الباحثين في طرح مضامين التراث من مناحيه كافة. 

إذا عدنا إلى ما أنتجه الجابري لكى نبحث فيه عن خطوات عملية يقترحها 
أو يقوم بها من أجل دخول الحداثة نجد أنه يشدّد مثلاً على النهوض 
الاقتصادي. ويدعو في خاتمة نقده العقل السياسي العربي إلى إنشاء سوق عربية 
مشتركة تفتح الدول العربية على بعضها وتسهم في إنعاش الوضع الاقتصادي. 
فالاهتمام بالاقتصاد بإمكانه أن يؤسّس للنهضة المرجوة. 

كما إن الجابري لا يهمل الشأن السياسي» إذ يرى بالديمقراطية حافراً 
ضرورياً يؤمّن الانخراط في الحداثة؛ ويوفر الأجواء الملائمة لها. إنه يعي ما 
حقّقته الديمقراطية في الدول الغربية لأبنائهاء وهو يسعى في كتاباته. وفي 
إشاراته المتكرّرة إلى ضرورة نقد الوضع السياسي القائم» وإلى بلورة تصوّر 
ملائم للديمقراطية. لقد انتقد بشذة صورة الحاكم الطاغية التي نشرها الفكر 
الفارسي وصدّرها إلى الفكر العربي. كما أشار إلى أهمية النقد الذي ضمَّنه ابن 
رشد في كتابه الضروري في السياسية لسلوك الحاكم» وما نتج من ذلك النقد 
من نكبة حلت عليه وكلفته غالياً. وكأن الجابري يريدء بحسب رأيناء أن يحتٌ 
المفكرين العرب على القيام بنقدٍ مماثل ومحاسبة الأداء السياسي لدى 
المسؤولين الذين ينفون فى الحاضر كما فى الماضى» فكرة «الشريك» عن 


06 


كذلك؛ لقد انشغل الجابري أيضاً بالتنظير لمشروع الوحدة العربية» إذ 
وجد فيه أساسأ صلبا للنهضة» وتجميعا لمختلف القوى والثروات العربية» لكي 
تت كلها 'في مواحهة التخلف والتعضب والجهل» وبشاعنة التفكك الذي 
تعانيه الأمة العربية. لقد انتقد الدولة القطرية التى فرضها الاستعمار. وبين 
فشلهاء مقدماً الحل في السعي إلى تحقيق الوحدة التي بإمكانها أن تؤمّن توازن 
العرب النفسي والاجتماعي والاقتصادي» وتسهم في تقذمهم العلمي والتقني 
والصناعي. يجب السعي إلى تحقيق الوحدة فكريا ونفسيا ووجدانيا لدى 
العري كما يجت تخنيقيا عاقيا 'أيضاء هلا أن الوحدة: قائمة فن :الوطة” العربى 
أقله على الصعيد الثقافي من خلال الانتماء إلى لغة واحدة» وتراث 000 

إن الوحدة الثقافية قائمة وذلك على خلاف الوحدة السياسية التي يجب 
العمل على تحقيقها عبر جهات وطنية وأنظمة حكم فدرالي أو كونفدرالي. لكن 
الخطوة الأولى في سبيل تحقيق الوحدة العربية هيء, بالنسبة إلى الجابري. 
ااتصحيح الوعي بالوحدة». والتفكير فيها من خلال البحث في وضع الدولة 
القطرية الواقعية» وما توصّلت إليه من فشل» لكي يُصار في ما بعد إلى نفيها 
موط ين صبنين الل كتر اط يكن اله فى شال ادك الحنيي أمون انبلط 
والحكم فصارت إرادته هي المرجعية الأولى» عند ذاك سوف تتحقّق الوحدة» 
ولأن معظم العرب يحبذون الوحدة؛ ويرغبون به'"". 


واضح أن الجابري يحاول ‏ من خلال هذا المختصر الذي عرضناه ‏ أن 
يعطي بُعدأً واقعياً لحلم راوده كما راود الكثيرين قبله. إنه عمل على إضفاء 
طابع العقلانية والواقعية على مشروع هو أقرب إلى الحلم والتمئي إلى الحاضر 
المشرذم والواقع المفكك. يكفي أن نراجع مختلف المشاريع الوحدوية عبر 
الماضى فى كل ما آلت إليه بين الدول العربية. يكفى أن نقرأ محاضر جامعة 
تتوصل إلى إفشال قمة عربية» أو مشروع قرار يتبناه الجميع. يكفي أن نلقي 
نظرة خاطفة على البرامج السياسية التى تبثّها الفضائيات العربية وما تتضمّنه من 


)١(‏ حصرنا اهتمامنا في هذا الكتاب بكيفية قراءة التراث من منظور نقدي» لذلك لم نهم في سياق 
الفصول السابقة بما كتبه الجابري في شأن الواقع الراهن والأزمات التي يتخبّط فيها. لكننا هنا في صدد 
البحث في كيفية دخول الحداثة عملياً. لذلك توقفنا عند طرح مشروع الوحدة العربية لديه. لمزيد من 
التفصيل» انظر : محمد عابد الجابري» إشكاليات الفكر العربي المعاصر. ط ” (بيروت: مركز دراسات 
الوحدة العربية» 144١2؛‏ الفصل الرابع. 


00 


مواقف حادة في تعيير سياسة هذا البلد الشقيق أو ذاك. وتخوين هذا النظام أو 
ذاك. يكفي كل ذلك لكي ندرك أن مشروع الوحدة العربية الذي مرّ عليه ردح 
فق الزرقةع لق "أن كان فقاولا للهية والعسدق :ليسلل عون الوتعوى وانيك جدازت 
في حل الأزمات المعاصرة والتحذيات الجمّة التي تواجه الأمة العربية. ثم هل 
الوضع العربي الراهن يحتاج تحديدا إلى الوحدة لكي يحل مشاكله الاقتصادية 
والسياسية والاجتماعية؟ 


أما في ما يتعلّق بالمناداة بالديمقراطية» والسعي إلى تحقيقها في ربوع 
الدول القطريةء فإننا نسأل هنا عن سبب التأخر في إنجاز ذلك طالما أن معظم 
المفكرين والقادة السياسيين والحزبيين يطالبون بهاء ويبذلون الجهد في التفكير 
فيها والبحث في إنجاحها. هل باتت الديمقراطية من الأمور المستحيلة التي 
يتطلب إنجازها قدرات خارقة تفوق إمكانات أمة بأكملها وشعب بكليّته؟ هل 
نحتاج فعلاً إلى معلّم يأتينا من الخارج لينصٌ علينا مبادئ السلوك القريمء 
ويوفر لنا المفاتيح السرّية الكفيلة بفتح باب الديمقراطية. 


نخلص إلى القول إنه تعدّدت الأبحاث والمشاريع الفكرية الرصيئنة التي 
عملت على إدخال الفكر العربى الإسلامى المعاصر فى الحداثة. كما كثرت 
الدعوات المنادية بتطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان». وتنوّعت السبل التى 
اقترحك أتماطأ. من الستلوكات التحديقية: تافيك. بالخطابات» السياسية :التن تتفل 
فى طيّاتها كمأ من المخططات الخمسية والعشرية التى تهدف إلى النهوض 
الاقتصادي والاجتماعى والسياسى. ولكن... 

إنه من البديهي أن نسأل: لماذا لم ندخل بعد في الحداثة؟ ما هو تكوين 
هذه المملكة التي لا يتّسع بابها للحضارة العربية الإسلامية المعاصرة» بينما 
نجده واسعاً رحباً يستقبل العديد من الحضارات والأمم؟ ماذا لو أنه كان العكس 
هو المطلوب تحققه؟ لمَ لا تعمل هذه الحداثة على الدخول في باب الحضارة 
العربية الإسلامية المبنيّة على أسس علمية ومعرفية متينة؟ 

هناك من يعتبر أن العرب والمسلمين المعاصرين ليسوا بحاجة إلى 
مكتسبات الحداثة. إنهم في غنى عنهاء لذلك نجد أنه ليس من همّهم 
التفكير ني هذه المسألة ولا العمل على حلها. هل يمكن في النهاية إرغام 
الاخرين. وحملهم على الانخراط في مشروع ا يريدونه. ل بل ير فضونه في 
الصميمء ولا يرون أنفسهم بحاجة إليه؟ كم بالحري إذا كان هذا المشروع 


065 


قائماً على أساس ) احترام الآخر وحرية التعبير وحقوق الإنسان؟ 

تم امن المدنين أن لسال:: هل المشكلة تكمن حقاً في الحداثة. أم في 
المنخرطين فيهاء أم في المدعوين إلى الانضمام إليها؟ ما الذي يعيق حقاً 
دخول الفكر العربي الإسلامي الحداثة والإسهام بشكلٍ ار في الحضارة 
العالمية؟ هنا يكمن جوهر البحث في رأينا. 


إن ما قام به كل من أركون والجابري ضروري ومهم للغاية» وبخاصة ما 
قدّمه محمد أركون من جهود فكرية تصبّ كلها فى إطار التأسيس لقراءة جديدة 
ملشكة لض الذي لكو يدو أن الواقم يفيو بقزة إلى :أن كيدا السمهوه 
الفكري ما زال لا يفي بالغرضء وإلا لكنًا رأينا بوادر تشير إلى بلوغ الهدف. 
يبدو أن نقد العقل الإسلامىء أو نقد العقل العربى؛ عن طريق العودة إلى 
التراث من أجل قافن وتيكية الك رامق كرتن سيناة لكولا الحداثة. 
مشروعان فكريان لم يؤتيا بعد الغمر المطلوب. قد يكون من المبكر جداً الحكم 
عليهما منذ الآن. لكن من يتبّع مسار كل مشروعء. ويحاول أن يستشرف ما 
سينتج منهء سواء على صعيد تلقيهء أم التفاعل معه. أم الاقتناع به وخوض 
معتركه. ويرى أن ل ا الآن. ربما لم يصل المشروعان بعد إلى 
العدد الأكبر من الذين وجه إليهم. أو ربما وصلا لكن على نحو غير واف. 
نقصد هنا بخاصة مشروع أركون الى تلو رلفة :احنية ,ممتحدفا ممطدلحات 
ومناهج لم يعتد عليها القارئ ) العربي» وذلك على الرغم من جهود هاشم صالح 
في ترجمة النص الفرنسي. 

نرى أن التراث العربي الإسلامي شكلء, بالنسبة إلى كل من أركون 
والجابري» عائقاً في دخول معترك الحداثة. كما إن التعاطي مع التراث والنظر 
فيهء والقياس عليه. واتخاذه مثالا يحتذى. وتقديسه إلى حذ وضعه فوق 
التاريخ. كل ذلك هو في نظر مفكريّنا قد أخر وأعاق دخول الحداثة. لكن 
يمكن أن ننظر مثلاً إلى الأنموذج الياباني» والتجربة التي خاضها شعب هذا 
البلد الذي ينتمي جغرافياً إلى الشرق الأقصى وحضارياً إلى الغرب الأقصى - 
جاز التعبير #الكل خرى وضعاً مغايراً. إذ ليس بإمكان أحد أن يتجاهل الدور 
الذي يقوم به التراث في نفس الإونسان الياباني» وتعلقَهُ بالأجدادء وتكريمّه 
ذكرهم. كما إن أحداً لا ينكر غرق هذا الشعب بالروحانيات» واعتماده سبلا 
متطوّرة في التأمل والغوص في أمور النفس. فلماذا لم يَحُل كل ذلك دون 
دخول اليابانيين في الحدائة؟ إنهم لم يدخلوا فيها فحسبء بل إنهم أصبحوا من 


/ع6ه6 


أبرز محركيها المعاصرين. إن في ذلك ظاهرة تستحقٌ الدرس والتوقف عندهاء 
لأنهء قد لا يكون التراث والتعلّق به هو السيب المباشر والعائق الأساس الذي 
حال» وما زالء دون دخول العرب والمسلمين ركب الحضارة العالمية. قد 
تكون هناك عوامل أخرى لم يتم البحث فيها لغاية الآنء أو يتم تجاهلهاء سهواً 
أو قصداًء وهي من شأنها الكشف عن مكمن العلة. 

إن المستقبل سيظهر لنا مدى الاستجابة لمحاولة كل من أركون والجابري» 
ومقدرتهما على إصابة الهدفء. كما إنها ستبيّن ما إذا كان هناك من سبل 
أخرى. غير القراءة النقدية للتراث العربي الإسلامي. بإمكانها أن تحدث تغييراً 
ما في ذهن المثقف والمواطن والمسؤول؛ لكي يتم أخيراً التغيير المنشودء 
فيسهم العرب والمسلمون كمن سواهم في الحضارة الإنسانية بقوة» كما فعلوا 
سابقاء وربما بشكل أصح. 


0048 


الثيت التعريفي 


رأينا من المستَخْسّن أن نضيف هنا مُلحقاً يتضمَّنُ نَبْتَا للمصطلحات والعبارات 
التي وردت في صفحات هذه الدراسة؛ لكي تُحصي أهمّ المفاتيح المنهجيّة التي 
استخدمها أركون في عمليّة نقدٍ العقلٍ الإسلامي: ولتُبرز بالتالي المعاني التي أضفاها 
الجابري إلى بعض الألفاظ المتدارَلّة, ونسلّط الضوء على عمليّة ١تبيئة‏ المفاهيما 
التي قام بها عندما خاض مغامرة مشروعه النقدي. 

حاولنا أن نجمع بعض المفاهيم والعبارات الجديدة» إلى حدٌ ماء التي أُدَجْلَت 
حَيّر التداول في القول الفلسفي بالعربية. نذكر بخاصة» تلك المفاهيم التي استخدمها 
أركون في قراءته للتراث العربي الإسلامي. وهي مستلة بمعظمها من آخر ما تم 
إنجازه في مَيْدانٍ علوم الإنسان واللّغة والمجتمع في الغرب. 

فضّلنا أن نتبع التسلسل الألفبائي» وذكر عناوين كُتب مفكرَيْنا مع رقم 
الصفحة. نبدأ أوَلاً مع ما ورد في فكر محمد أركونء وتُنهي بما ورد لدى محمد 
عابد الجابري. 

يبقى أن نشير» فى ما يتعلّق بمسألة ترجمة هذه المصطلحات والعبارات إلى 
الّغة الفرنسيّة» أي إلى لغتها الأم بالنسبة إلى مؤلّفات أركونء إلى أننا لم نتمكن من 
أن نعثر بدقّة على كل المصطلحات الفرنسيّة كما وردت فى النص الأصلىء» لذا 
فلن أن نكر فمط: الت همه الى تاكدنا عدبا أفااقن مابش ترضهة الجمتطلسات 
القن سدق أن أحده] الجابرى عن القكر الكو وعي) على ميل فإننا ايلذنا 
اقرح التي أوردها هو في موَلّفاته. ١‏ 

آثار المعنى : يميّز علماء الألسنيّات والنقد الأدبي بين المعنى الحرفي للخطاب 


00 


وبين ما يمكن أن يتولّد لدى القارئ من آثار للمعنى. إن آثار المعنى هي ما ينتج من 
قراءة الخطاب من إيحاءات تتولد فى نفس القارئ» وليس من الضروري أن يقصدها 
المؤلف أو يفكر بها. 


إيستمه (06:غاوام8) : نظام الفكرء أي معظم المسلّمات الضمنية التي تتحكم 
بمجمل ما يُنتجه الفكر خلال فترة زمنيّة محددة. وذلك بشكل مخفيّ. من دون أن 
تبرز بوضوح. تجدر الإشارة هنا إلى أن ميشيل فوكو قد بلور هذا المفهوم. 


يذكر الجابري أن هذا المفهوم قد بلوره فوكوء. ويحدده على أنه «النظام 
المعرفى فى ثقافة ما». وهو الذي يعطى المعرفة فى فترة تاريخيّة ما (بنيتها 
اللاشعورية». 


إيستمولوجيا تاريخيّة (عباو1:ماقئلط عأعه1هتمصغاوام8 ) : علم يدرس مسيرة العقل 
عبر التاريخ ويكشف عن المواقع التي لا تزال منسيّةٌ أو مجهولة وهي تنتمي إلى 
الواقع التاريخي. 

أنثروبولوجيا قرآنية (عناونصدهءرم أزعهاهمهءطادة) : «التصوّر القرآني للإنسان» 
وحقوق هذا الإنسان وواجباته طبقاً للقرآن»”''. 


أتولوجيا سياسيّة (©داوف)ذادم وزههاهط:8): يعني بها أركون عمليّة تشكل 
خطاب خاص باللاهوت السياسي» بهدف تسويغ شرعيّة السلطة الحاكمة من 
خلال التقرّب في النصٌ التأسيسي» والأنموذج الذي يحمله. الأمر الذي يبرز 
العلاقة التي تربط السلطات السياسيّة بالسيادة العليا الآلهية إلى حدّ يصعبٌ معه 
الفصل بينهما. 

اجتهاد (ععمء1010م10115): بلور أركون علم اجتهاد جديدٍ أطلق عليه اسم 
«تيولوجيا - إناسيّة ‏ منطقيّة» للوحي. والاجتهاد لدى أركون عبارة عن منهج ينقل 
المشروعيّة أو السيادة العُليا التي ترتكز على التسامي الرمزي للتاريخ إلى السلطة 
القانونيّة والقسريّة للشريعة”". 

أروذكسيّة (0:5000«16): أي السلطة الرسميّة» والتعليم القويم اللذين هما 


)١(‏ محمد أركون» الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. تر جمة وتعليق هاشم صالح (بيروت؛ لندن: دار 
الساقى, 1990). ص .7١04‏ 


)١(‏ محمد أركونء الفكر الإسلامي قراءة علمية» ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومى» »,)١941‏ ص ,١55‏ 


0 


في مواجهةٍ مستمرَةٍ مع كل محاولات الخروج عن السراط المستقيم أو المسار 
الصحيح المعبّر عنها في الفرنسية بمصطلح «ع0ده116]62000). 

أركيولوجيا الأفكار أو المعرقة أو المعنى 12 عل ,ء6ؤصعم 12 عل أنعه1امغطء:م) 
(5625 نال ,20 602231553: استخدم ميشيل فوكو مصطلح الأركيولوجيا بالمعنى 
المجازي وعمّمه فى الستينيّات من القرن الماضي. أنه يقصد به عمليّة البحث عن 
جذور الأفكار المتراكمة في طبقات التاريخ بهدف التوضّل إلى معرفة كيفيّة انبئاقها 
وتشكلها لآرلةفزة: إن أركبولهنا المعم تعس هذ( الاصيرت اق 'المعض غير 
أزليَ؛ وغير نهائي» إنما له لحظة انبثق فيها وتشكل كما له لحظة تفسّخ فيها وانهدم 
لكي يأتي مكانه معنى آخر”". 

أسطورة (عط]/ز80) : يقصد بها أركون القصص وليس الحكايات الخرافيّة التى لا 
غلاكة' لها بالتحقتفة بحيوى: أن للاستطورة وطيفة لا تمرص فى عملت اء المحيان 
الشني كما ومنو زلق أن لهذا الكققور ب واقيية ور به نبي بولسم الح 
للوعي الجماعي الخاص بجماعة بشرية معيّنةٍ التي تسججل في حكاياتٍ تأسيسيّةٍ أولى 
و عدوذا العمل العاري 0 ٍِ : 

إسلامتات تطبيقيّة (282010816ا:1) : أسّس أركون هذا العلم» ووضع له تسميئّه 
بعد أن قام بنقد الإسلاميّات الكلاسيكيّة» أي المنهج الاستشراقي. إن الإسلاميّات 
التطبيقيّة علمٌ يُجسَّد مشروعه النقديء. ويُبلور منهجه المرتكز على مكتسبات علوم 
الإنسان والمجتمع الحديثة بشكل أساس. إنها ممارسة علميّة تعتمد على اختصاصات 
متعددة» تهدف إلى تحرير الفكر الإسلامي من المحرّمات والأيديولوجيّات 
والمينولوجيّات””. ْ ٠‏ 

إنسية عربيّة (225 عدرونمةدسس11): تيَارٌ فكريّ اهتمٌ بالإنسان. وليس فقط 
بالله» في الفكر العربي الإسلامي خلال القرن الرابع الهجري. كل تيّار يتمحور حول 
الإنسان وهمومه ومشاكله يُعتبر تيّاراً إنسيّا أو عقلانيّاً أو علمانياً. 


أيديولوجيا الكفاح (أ#طسرم© نال عع 1046010) : نشأت في أثناء فترة الاستعمار 


(*) محمد أركونء العلمنة والدين (الإسلام» المسيحية» الغرب)» ترجمة هائم صالح (بيروت؛ 
لندن: دار الساقي؛ .)١1994٠9‏ ص ,15١‏ 

(:) محمد أركون. تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ترجمة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومى» .)١985‏ ص .5١١‏ 

(65) المصدر نفسهء ص 69 -08. 


هك١‎ 


محلم الكد العمل مس “تضاليا هد الغرت متائرا بأفكان الغورة السياشية 
البرجوازيّة فى فرنساء والثورة الاجتماعيّة فى الاتحاد السوفياتى والبلدان الشيوعيّة 
الأخرى. ْ ١‏ ْ 

تاريخانية» أو تاريخويّة (06:ؤو1115:0101): يعنى بها أركون تلك الفلسفة 
الوضعية والعظرة القبلولوجية التي ساذت القر التاسع عشر وأوائل الْقرَن العشريق؛ 
والتي تهتمٌ بدارسة التاريخ وكأنه محكومٌ بفكرة التقدّم المستمّر باتّجاهِ محدودٍ وثايتٍ 
وتعرواف سلف" , 


تاربخيّة (16ن10:ه:1115): إنها دراسة التغيّر والتطوّر الذي يصيب اليُنى 
والمؤسّسات والمفاهيم بسبب مرور الزمن, تهتمٌ التاريخيّة بما هو تاريخي غير 
خيالى ولا وَهمى » أي كل ما تحقّق عن طريق استخدام أدوات النقد التاريخى””". 
تمثّل التاريخيّة إذآً تلك العلاقة التي تربط الحقيقة بالزمن. 


تبيئة المفاهيم: عمليّة مهمّة يشدّد عليها الجابري في كل مرَةٍ يضطر المفكر 
إلى أن يستعين بأدواتٍ منهجيّةٍ وبمفاهيم غريبة عن حقل عمله ليستخدمها في 
أبحائه. عليه أن يجتهد في جعل هذه المفاهيم الغريبة مألوفة من قِبَل البيئة المنقولة 
إليها. إنه يرى من الضروري عندما يضطرَّ إلى أن يستعير منهجاً ماء أو مفهوماً 
محدّداً؛ أن يُضْفيَ عليه طابعاً خاصًاً ذاتيَاً أو لوناً مختلفاً. حتى ولو تم ذلك بينه 
وبين نفسه فقط. 

تراث (531120186): يرى أركون «إن التراث فى مجتمعات الكتاب ليس فقط 
عبارة عن «كل مكتنز بالشهادات التي خلفها لنا أولئك الذين مسّتهم روح الوحي 
عبر التاريخ» وإنما هو عبارة عن خلق جماعي يصنعه أو يشارك في صنعه كل 
أولئك الذين يستمدّون منه هوّيتهم ويساهمون في إنتاجه وإعادة إنتاجه (. ..) 
باستمرار). 

التفاوت التاريخي: يعني به أركون عصر الانحطاط» ويفضّله على هذا الأخير 
لأنه يصف بشكل أفضل» مرحلة التكرار والركود التي مرّ بها تاريخ الفكر العربي 
الإسلامي. وذلك انطلاقاً من المقارنة بين القوى الموجودة على جَِهِنَيْ البحر 
الأبيض المتوسّط وانطلاقاً من المقارنة بين الآليّات التاريخيّة والأنظمة الاقتصاديّة 


(0)المصدر نفسه. ص 54 و58. 
(0) أركون:ء الفكر الإسلامي قراءة علمية. ص .١١1‏ 


وك 


والسياسيّة والقانونيّة والمعرفيّة في هذه المنطقة الحضاريّة من العالم. 


تيولوجيا ‏ إناسيّة ‏ منطقيّة (أه10 - هم201870 - 1560) : إنه علم اجتهادٍ جديدٍ 
لقراءة الوحي. تكمن مهام هذا العلم في بذل الجهود المتواصلة وتوسيعها وإغنائها 
بهدف تحرير الوضع البشري. مستخدماً أدوات المنطق ووسائله في بلورة خطابه. 
هكذا يتم نسج روابط مفهوميّة واستنباطيّة منطقيّة بين العلوم الثلاثئة المذكورة: أي 
علم التيولوجياء وعلم الأنثروبولوجياء وعلم المنطق. 


جماليتات التلقي (دمتامءءع: واعل عنومغط1) : إنها نظريّة تسير يعكس النقد 
الأدبي المألوف. اشتهرت في «مدرسة كوتستانس» الألمانية على يد هانز روبير 
يوس ٠‏ صاحب كتاب («منامععء” 4[ مك علانةاء([اءت عابنا «لامط) . إن المنهج المعتَمد لا 
ينطلق من المؤلّف أو من العمل الأدبي؛ إنما من الذين تلقّوا العمل الأدبي من قرَاءء 
وجمهورٍ عريض» لكي بتمّ التركيز على التأثيرات الجمالية التي يتركها هذا العمل في 
نفس الجمهور ووعيه. 


الحس العملي (©8)1010:م 5هم56) : عنئوان كتاب لعالم الاجتماع الفرنسي بيار 
بورديوء ويقصد به الحاسة العمليّة الفطريّة التي توجّه تصرّفاتنا في حياتنا اليوميّة وهي 
«تختلف كليّاً عن المفهوم الثنائي؛ أو الازدواجي للفعل البشري: أي الوعي بالفعل 
من جهة» ثم تنفيذ الوعي عمليّاً من جهة أخرى.٠.‏ . .) فالإنسان عندما يتصرّف» 
يتصرّف بشكل عفوي مباشرء (. . .). وبالتالي فعندما يقوم بردٌ فعل ما على حدث 
ما فإنه لا يتصرّف وحده. ولا يحدّد نوعيّة ردّ فعله وحدهء لكأن تاريخاً وماضياً 
وَجْماعَةٌ باكملها تتصدف أي خلال )130 

الحقائق الشغالة (5ءااعمهمه6»م0] 9/6:165): يعنى بها ١تلك‏ الأفكار الكبرى 
لكا دل اتشاهه وق ا تمعد و دإلوات :لامي لوابلفة» إنبنا كن افخالة 
وعاملة في أذهان العم ْ 

الحقيقة الاجتماعيّة (1/61145001016): يشير أركونء. مميّزاً بين الحقيقة 
الاجتماعيّة والحقيقة الحقيقيّة» إلى أن الأولى يتمّ تأسيسها انطلاقاً من رأي الأكثرية 
وضغط أكبر عدد من الناس. 


(4) محمد أركونء الإسلامء الأخلان والسياسة. ترجمهة هاشم صالح (بيروت: مركز الإنماء 
القومي » +) ص 0 
(5) أركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ص 177. 


5م 


الحقيقة الحقيقيّة (1/61116): يعنى بها أركون «انبثاق بدهيّة ما داخل الروح عن 
طريق المقارعة والمجابهة التي تخوضها الروح مع معطيات الواقع». 

الخيال (00غ21داع 2ص 1]) : «ملكة أو وسيلة للتصوّر والمعرفة مرتبطة بالعقل في 
كل العمليّات التي يخوضها من أجل الإدراك والتعبير والكشف المعرفي". 

الدائرة اللغوية (:16م1.0805): يقصد بها «الفضاء اللغوي الذي تنظم فيه (أو 
داخله) كل فكة بشريّة تجاربها التاريخيّة ووظائفها وآليّاتها وتنقلها أو تعدّل فيها». 
يكتسب هذا المفهوم أهميّة كبرى بالنسبة إلى «أهل الكتاب» الذين «يمتلكون كلاماً 
نصيّاً ومتعالياً ومتخّذاً كنموذج أعلى أبدي لا يتغيّر ولا يتحوّل)”"". 

الدين («ونونذاء8): يحذد الدين بأنه تلك «الرّعشة الدينيّة العالية والمنرّهة أو 
التجربة البشريّة لما هو إلهى». لقد الختبر هذه الرعشة الدينيّة الأنبياء كما 
المفكرون والعلماء الكبارء إذ إن لحظة الكشف العلمي أو الفلسفي هي لحظة 

الدين الحق : إنه أيديولوجيا تقتنع بها كل جماعة دينيّة لكي تفرض تفوّقها على 
الجميع. 

دين المعنى, أو مُديونية المعنى (5605 نال 106:16 1.8): تحدث عنه مارسيل 
غوشيه مشيراً إلى عمليّة قبول الإنسان بملء إرادته أن يطيع شخصاً آخر يُروي عطشه 
لكي يتوصل إلى معنى مليء1. 

الدلالات الحافة («0غ0820:3©): ١يقصد‏ أركون بالدلالات الحاقة والمعاني 
المحيطة ما يُدعى في اللغة الفرنسية بال (00200181108). فكل كلمة أو مصطلح 
له معنى حرفي مباشر أي قاموسى (...) ومعنى مجازي أو (ممنا2]امصمه©) 
(... والواقع أن العرب الكلاسيكيّين كانوا يتحدئون عن ظِلال المعاني بنفس 
المعنى). 

ديناميكية الوعي الأسطوري - التاريخى : يعتبر أركون أن التاريخ الحالي 
للمجتمعات الإسلاميّة مَدِين لديناميكيّة الوعي الأسطوري - التاريخي, إذ إن 
اديناميكيّة المتغيّرات» التي شهدها المجتمع الإسلامي خلال فترة النبوّة قد أنتجت 
وعياً يجمع بين الأسطورة من جهة. والتاريخ «الوقائعي الحدثي» من جهة أخرى. 


(١٠)أركون.‏ تاريخية الفكر العربي الإسلامي» ص 1147. 


055 


الأمر الذي أذى إلى خلع القدسيّة والتعالي على التاريخ البشري الأكثر ماديّة 
ودنيويّة (. .)23170 - 

ذاكرة جماعية (176اع16امء 6زهم381) : يرى أركون «إن الذاكرة الجماعية 
تتشكل من قِبَل سلسلة متلاحقة من الأحداث التاريخيّة التي تؤدي أيضاً إلى ولادة 
0 تراث حيّ حيث يستمذ كل فريتٍ من الفرقاء العناصر التي تشكل هويته: ووسائل 
حقيقته. ضمن هذا المعنى فإن التاريخيّة تبدو. جوازاً احتمالياً وحقيقة مجرّبةٌ في 
صلب التاريخ من قِبَل الوعي الجماعي في آن معاً»”""2. 


رأسمال رمزي (©عناوذآهط«:ا5 [2اأمة©): بلور هذا المصطلح بورديو في كتابه 
(©111 نمم :1ر56 1.6) لكى يشير إلى (إن التبادللات الرمزية» أو العلاقات الرمزية 
السايذة فى حتحييعات ما قبل الرأسمالية لا تقل أهمبّة عن العلاقات الماديّة 
الفعليّة لإنتاج الاقتصاد الحيوي اللازم لاستمراريّة الجماعة (...). فعلاقات 
الزواج والقرابة وحسن الضيافة وقانون الشرف والعرضء كل ذلك يشكل 
0 الرمزي للجماعة؛ وهي تحرص عليه أكثر مما تحرص على رأسمالها 
المادئ)”"'*. 


رهانات المعنى: تحدث عن ذلك فى سياق تحليله للصراعات الفكرية بين 
الإسلام والغرب» مشيراً إلى أن مفهوم المعنى قد تم التنافس عليه من قبل كل الفئات 
التي بحثت عن المعنى الحق» من اجل فرضه على الغير. يقصد بكلمة رهانات 
«انخراط كل متكلّم عن طريق خطابه في لعبة الصيرورة الكبرى للعالم». 

زحرزحة إيستمولوجية (عناوأع 10مستغاكلمة امعمعءةامغ12) : تحدث نتيجة وضع 
العقل في التاريخ وليس خارجه. هذا ما حاول أن يقوم به أركون عندما أدخل العمل 
الديني في إطار التاريخيّة والتبذل ضمن شروط اجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة محذدة. إن 
التحرّر - برأيه ‏ من المنظور التقليديّ سوف يؤدّي إلى «زحزحة إبستمولوجيّة» في 
ساحة الفكر الإسلامى. 

لكر والتجاوز سيد اع ان إنه يعني ار «إما 


(١١)انظر‏ ايضاً : أركونء الفكر الإسلامي قراءة علمية. ص١١9.‏ 
(١١)المصدر‏ نفسهء ص .١78‏ 
)١١(‏ أركونء الإشلام, الأخلاق والسياسة. ص .١75‏ 


66 


كال احزري مو وعلونى اله" للبشتكة ودام جايةة تجا تو و 
في منهجه على الزحزحة كخطوة أولى» لمختلف الأجهزة المفهوميّة. والمقولات 
القطعيّة. والتحديدات البديهيّة المنقولة عن الماضي» لكي ينهض في ما يعد إلى 
تجاوزهاء كخطوة ثانية. 1 ْ ْ 

زمن عرو رمن دنيوي: يرى في الأوّل «الزمن اللامحدود للحياة الأبديّةك» 
وفى الثانى «الزمن المحدود للحياة 000 ويتشين :إلى أن الرزمة الأخروي كما 
ترون القران اكد شوو راطا لاما وهر منطة بسنا به للربيخ الدتيرئ بصني مده 
زمنيّة معاشة وليس فقط مفهوماً تيولوجيّاً أو فلسفياً». 

رمن مليء: يعتبر أن «الزمن القرآني هو زمنٌ مليء؛ بمعنى أن كل لحظةٍ من 
الحياة والمدّة المعاشة مليئة بحضور الله الذي يُجِسّد بالشعائر والتأمّل الدينى 
واستذكار تاريخ الخلاص وتلاوة الكلام الموحى (كلام الله) والسلوك الأخلاقي 
والشرعي المتوافق مع الأحكام». 


سوسيولوجيا الفشل: منهج يقوم بتحرياتٍ واسعةٍ للبحث في «الأسباب 
الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة التي تؤذي إلى فشل تيّار فكري معيّن في لحظة ما 
من لحظات التاريخ ونجاح معاكسة). 

الشيفرات الثقافية: أي الأعراف والتقاليد الثقافيّة السائدة والموروثة عبر 
الأجيال» والطقوس الشعائرية والأنظمة الرمزية للتصوّر والإدراك. 


طوبولوجيا المعنى (5625 11ل عأ1020108): إن الطوبولوجيا «تعنى دراسة المحل 
في الهندسة اللاكمّية التي هي أحد فروع الرياضيّات. يُعنى هذا الفرع بدراسة موقع 
الشىء الهندسى بالنسبة إلى الأشياء الأخرىء لا بالنسبة لشكله أو حجمه2”” '“. يريد 
أركون من خلال استخدامه لطوبولوجيا المعنى الإشارة إلى أن المعنى المطلوب لا 
يمكن التوصّل إليه بحدّ ذاتهء وإنما من خلال علاقته مع غيره. يرى أن ديانات الوحي 
تقدم 'طوبولوجيا المعنى التي تتيح ليس فقط قول معنى الح والمعنى 
الحقيقئ (. . .). وإنما أيضاً تتيح أن يعيش المرء ذلك ويحياه)"' '2. 


طبيولوجيا المعنى (5605 نال عأع 010ملا1) : أي أنماط الدلالات التى بإمكانها 


.5١ أركونء تاريخية الفكر العربي الإسلامي؛ ص‎ )١4( 
١6 المصدر نقسه» ص‎ )١5( 
.١1550 المصدر نفسه.؛ ص‎ )1١( 


ككه 


أن نُسهم في فهم حقيقة ما. يقصد أركون بذلك. عِلماً يبغي بلورة الأنماط من 
أجل تسهيل عمليّة تصنيف واقع معقَّدِء ومن ثم تحليله. هناك مثلاً علم أنماط 
البنى الاجتماعيّة والاقتصادية» وعلم أنماط الأنظمة السياسيّة على اختلاف 
أنواعها”"''. 

الظاهرة الإسلامية أو الحدث الإسلامى (©ناوندصةا15 526): إنها تجسيدٌ تقريبىّ 
للظاهرة القرآنية في التاريخ ؛ من خلال الوساطة البشريّة» أي من خلال فعل التفسير 
الذي يقوم به البشر. وهم الفقهاء والمتكلّمون. إنها عبارة عن محاولة غير دقيقة وغير 
مطابقة في الغالب لتحيين وتجسيد المقاصد والمعاني الأولى للخطاب القرآني وليس 
فقط حرفيته. هذا الخطاب الذي يستعصي على كل التفاسير". ب يضم أركرن ركيرة 
الظاهرة الإسلاميّة في تجربة المدينة التي عاشها النبي. 


الظاهرة القرآنية (©0او1ه0:8© 758316): إنها ظاهرة متعالية لا يمكن مره في 
تفسير واحد لأنها مفتوحة على كافة الدلالات المعنوية. كما أنها مفتوحةٌ على 
الكاد العسطكي »الهو الم أن تعفية: امخطانا نينا عتنا انها بالضمان مدان 
الظاهرة القرآنيّة كانت شفهيّة.» وهى عبارة عن سلسلة من الآيات الشفهية التى 
تلفط بها لضن ْ 

العقل الأرثوذكسي (©<0115000 1#381508) : هو عقل لا يعترف «بآنيّته وصفته 
الاحتمالية ولا يعترف بالضعف النظري لتراكيبه». فرض نفسه باعتباره الأكثر صحّة» 
أي إنه «يعبّر بشكلٍ مطابقٍ وأمينٍ عن التعاليم المحفوظة في النصوص المقدسة». 
لذلك نجده يصئف كل ما سواه في خانة البدعة والضلال. 


العقل الإسلامي (2:106اذ1 ه89150) : عندما يستخدم أر كون مصطلح العقل 
الإسلامي لا يعني به «عقلاً خصوصيّاًء مميّزاً أو قابلآً للفرز والتمييز لدى 
المسلمين عن غيرهم. فالعقل بالمعنى العام ملّكة مشتركة لدى كلّ البشر وإنما 
التمييز أو الفرق كامنٌ كلّه فى النعت: أي الإسلامى». يقصد بذلك أن الفرق كامنٌ 
في المعطى القرآني وفي ما كان قد دعاه ابتجربة المدينة» التي تحوّلت في ما بعد إلى 
الخو المديئة»,. ١ ١‏ 

عقل الحداثة: يقصد به ذلك العقل المستقل الذي عمل على تحرير الروح 
والعقل من سيطرة العقل اللاهوتي القروسطيء وعلى تحقيق الاستقلاليّة الذاتية. هذه 


.١168 المصدر نفسه» ص‎ )١( 


/اكه 


الاستقلاليّة التي تعني قيام الذات البشريّة ببلورة الأخلاق وقواعد السلوك» وتنظيم 
المجتمع بمبادرة خاصّة منهاء لآن التشريع بات يعني البشر وحدهم. 

العقل الشفاهي (©0:21 531508 13): يفصل أركون «مفهوم "كلام الله؛ عن 
مفهوم القرآن. فكلام الله لا ينفد ولا يمكن استنفاده.(. . .) فالخطاب القراني 
مدعرٌ اخطاباً» لأنه لم يكن مكتوباً في البداية» وإنما كان كلاماً شفهاً أو ارات 
لغويّةٌ شفهيّة تنبثق على هوى المناسبات والظروف المتغيّرة» وقد استمرَ ذلك 
عشرين عاما». 


إن التواصل اللغويّ في البداية كان شفهيّاً. وحُفظ عن طريق الذاكرة قبل أن 
يتحول إلى نص كتابىّ مسجل أي إلى «مدوّنة نصيّة رسميّة مغلقة»0*'. 


العقل العربي: يرى الجابري أنه كلما توفر موضوع ما يتمتّع بخصوصيّة 
واضحة. يجوز ز القول بوجود عقل أو منطتي خاص به يوجّهه. وإذا نظرنا إلى الثقافة 
العربية انطلاقاً من الموضوع الذي عالجته بنشاط ذهنيّ فاعل» نجد أن هذا الموضوع 
له خصائصه التي تميّزه عن الموضوع الذي عالجه فلاسفة اليونان وأوروبا. من هنا 
يؤكد تاريخيّة العقل. لأنه مرتبط بالثقافة التى يعمل داخلهاء فلا يجوز إضفاء أي 
صبغة أخلاقية عليه. إنه يشير في هذا المعال إلى أنه عندما يستخدم عبارة «العقل 
العربي! فهو ينطلق «من منظور علمي» يرتكز على «النظرة العلمية المعاصرة للعقل»؛ 
من دون أن تحمل مها السقيفة المطلفة: 

العقل الكتابي سي مصمكنة 8 18) : يربط أركون بين «المدونة الرسميّة» 
والعقل الكتاب» فهو يشير إلى أن العبارات الشفهيّة اللغويّة التي تحوّلت إلى ١مدونة‏ 
رسميّة؛ بإشراف السلطة السياسيّة قد أسهمت في تشكيل مجالٍ خصب تستثمره طبقة 
الخاصّة. لقد استخرج العلماء من النصّ الرسميّ علم الفقه. كما اعتمدوا عليه لتأسيس 
علم الكلام» ولإنجاز «منظومة اخلاقيّة» (أي علم الأخلاق)2"57. 


العقول المتنافسة : يعتبر أركون أن النص القرآني» باحتماله تأويلات متنرّعة» 
بلق فاضا من التنافس. كما إن النزاع من أجل السلطةء قد أسهم أيضاً في زيادة 
التنافس» إذ إن كل طرفٍ كان يحاول أن ينتصر لكي يفرض مذهبه ويُهيمن على 
الآخرين ويهمّش مذاهبهم. 


(16) أركونء العلمنة والدين (الإسلام» المسيحية. الغرب)؛, ص 87-8١‏ 
(18) المصدر نفسه» ص .41١‏ 


64 


العقل المكوّن. والعقل المكوّن «دؤئة: 18 اء 81 قلا نكمم 181505 8آ) 
(ع6نا)ناومهه : إن التمييز بين الفكر كأداة والفكر كمحتوى. واعتبار العقل أنه الفكر 
بوصفه أداة» جعل الجابري يستعين بالفصل الذي أقامه لالاند بين العقل المكوّن أو 
الفاعل وبين العقل المكورّن أو السائد. إن العقل بالمعنى الأول ه7815 2.آ) 
(082511]112816ه يفيد الفكر عندما يقوم بنشاطه الذهني فينتج المفاهيم ويضع المبادئ 
خلال عملية البحث والتنظير. إن العقل المكون هو «الملكة التي يستطيع بها كل 
إنسان أن يستخرج من إدراك العلاقات بين الأشياء مبادئ كليّة وضرورية» وهي 
واحدة عند جميع الناس). 

أما العقل بالمعنى الثانى (6018]1]1066 181505 1.3) فهو يفيد كل المبادئ 
والأسس المعتمدة خلال ع3 الاستدلال. إن هذه المبادئ ليست واحدة فهي 
تختلف بين عنصر وآخره أو حتى بين فرد وآخرء وذلك على الرغم من أنها تبدو 
وكأنها تميل إلى الوحدة. 

العقل المنبئق أو العقل الاستطلاعي (عامععمعصثة د55 1) : إنه يعني تحديداً 
العقل الذي يصررّح بموافقه المعرفيّة طارحا إياها للبحث والمناظرة. إنه يهتمّ بما لا 
يمكن التفكير فيه» وبما لم يتم التفكير فيه إِبَانَ المرحلة التي بحث فيهاء لكي يحدد 
بعد ذاك هذه المرحلة معرفيَاً إذ إن لكلّ مرحلة تاريخيّةٍ محوديّئُها الفكرية. يقترح 
أركون استخدام مصطلح «العقل الاستطلاعيّ أو «العقل المنبثق»» لأن مصطلح «ما 
بعد الحداثة» لا يصحّ من الناحية التاريخيّة ولا الاجتماعيّة ولا الفلسفيّة» فهو يوحي 
بأنه قد تمّ تجاوز الحداثة. إن ما بعد الحداثة هو استمرارٌ لهاء لأنها مشروعٌ غير مُنجز 
نهائيا لغاية الآن. 

العقيدة: لم يهتمٌ الجابري بالعقيدة من أجل الغوص في المضمون اللاهوتي 
الإسلامي» إنما بهدف البحث في الدور الذي تؤديه فى تحريك الأفراد والجماعات 
ضمن فِرّقٍ كلاميّة» أو طرق صوفيّة أو طوائف دينيّة. هناك ارتباط عضوي برأيه؛ 
بهن العقيدة في هذا المعنى والفعل الاجتماعي السياسي. لذلك توف عند المظهر 
السياسى فى الدعوة المحمّدية التى أدّت دور فى تشكيل المخيال الاجتماعى 
الفبانيي لدي الجماعة الأولى. ْ ْ ١‏ 

علم اجتماع التلقي (همتامءمع؟ 13 عل عنعم1م1ء50) : (انظر أيضاً: جماليّات 
التلقّي). إنه أحد المناهج النقدية الأدبية الأكثر خصوبة في ألمانيا الغربية. ويمكن 
القول بأن هذه المنهجيّة قد انتقلت إلى ألمانيا من فرنساء وكان رائدها سارتر فى 
كتابه ما هو الأدب؟ . تطوّر هذا العلم في مدرسة كونستانس الألمانية مع اعد 


254 


مؤسّسيها هانس روبير يوس الذي اعتبر «أن العمل الأدبي أو الغني لا ينوجد ولا 
يدو إلا بالمساهمة الفغالة والتدخل الفستم” لجمهورة على شن الأصعدة70 "0 

علم تاربخ الأديان (كقموأعذاء: وعل 156ه138151) : إنهء بحسب تصوّر أركونء 
علم «يقف موقفاً حيادياً من كل الأديان والمذاهب والطوائف. إنه يرتفع فوقها 
جمعها* ويتخل مسافة تقدية متساوية منياء ولا يفضل بشكل مسبقٍ هذا الدين 
علن ذلا أرب هذا التذهن على داك كما يفغل الموسصون التفليدئون المسلفزن 
داخل أديانهم ومذاهبههم''". 

علم النفس التاريخي (ععازمغقتط'! عل عنوهامطعلزوط) : لمّد ازدهر هذا العلم في 
فرنسا من خلال دراسة النفسيّة الجماعيّة الفرنسيّة في القرون الوسطى» ثم نشوء 
النفسيّة العلميّة الجديدة في فرنسا الحديثة وتطوّرها. يهتمّ علم النفس التاريخي 
بالبحث في العقليّة التي سادت في فترةٍ ماء ويتعمق بخاصّة في «العقليّة الجماعيّة 
والحساسيّة الجماعيّة والنفسيّة الجماعيّة ثم الخيال والمخيال والأسطورة. 
إلخ». كما يدرس أيضا التطوّر التاريخي لمفهوم العقل» والعلاقة التي تربط بين 
العقل والذاكرة والخيال» بخاصّة في مجال التراث الشفهي. يتعلّق الأمر إذأ 
بتحليل العلاقات ذات الطابع النفساني التي تربط بين مختلف قدرات الفكر 
البشري. 

علمنة (1.2116): تشكل العلمنة «موقفاً مُتعمّداً للروح أمام مهمّتين أساسيّتين: 


- بلورة المعرفة النقديّة التي تفترض أن نقف موقفاً حياديّاً تجاه كل 
الأديان والعقائد والنظريات (. ..). ثم تطبيق العلاقة النقدية بشكل غير مشروط 
على كل العمليّات أو اموت التي تنفذها الروح وهي منهمكة في مواجهة 
صعبة مع كثافة الواقع وإبهامه ومقاومته (...). 


” - مقدرتنا على توصيل المعرفة المكتسبة على هذا النحو إلى الآخرين. 
...2 وعندما نحاول إيصالها ينبغي أن نحرص كل الحرص على الآ نؤطر 
عقول الناس عن طريق التلاعب الخفئّ بواسطة الأساليب البلاغيّة والجيّل 

قي 1 
الكلاميّة 


)٠(‏ أركونء الفكر الإسلامي قراءة علمية. ص /ا7. 

)١١(‏ محمد أركون» الإملامء أوروباء الغرب : رهانات المعنى وإرادات الهيمنة. ترجمة وإسهام 
هاشم صالح (بيروت: دار الساقي. .)١9986‏ ص .1١4‏ 

(56) المصدر نفسه ص ؟١٠.,‏ 


ه٠‎ 


علمانوية (ع0:وء23.آ): موقفف متطرّففٌ يع في الانغللاق ورفض التطرّق إلى كل 
ماهو روحى ودينى. إن العلمانوية مذهب يرتكز على حذف الموقف الدينى نهائياً 
وتعتيره من يخلنات العافت المدض : إنها الجعالاء نى لليف إلى درحة اعفاد 
الدور الديني الذي قام به الوحي طوال قرونٍ من تاريخ البشرية. 

الغنيمة: يعني الجابري في كلامه على الغنيمة الدور الذي يقوم به العامل 
الاقتصادي داخل المجتمعات التي يرتكز فيها الاقتصاد على «الخراج) و«الرّيع» 
وليس على العلاقات الإنتاجيّة. عندما يستخدم الجابري مصطلاح الغنيمة يريد به ثلاثة 
أشياء متلازمة: «نوعاً خاصاً من الدّخل (خخراج أو ريع)؛ وطريقة في صرف هذا 
الدّخل (العطاء بأنواعه)» وعقليّة ملازمة لهما». يهتمٌ بالاقتصاد لمزيد من الغوص في 
العقل السياسي على الصعيدّين الفكري والعملي. 

الفاعلون الاجتماعيون (<50019107 15 ) يعني بهم البشر الذين يتم التعاطي 
معهم من قبل علوم الإنسان والمجتمع الحديثة كأفراد. بصياغة أخرى» ينظر أركون 
إلى الفرد البشري باعتباره كائناً يفعل في المجتمع. لذلك عندما يتحدّث عن البشر 
يستخدم عبارة «الفاعلون الاجتماعيون». 

القبيلة : إن الكلام على القبيلة يعني القرابة في مصطلح علماء الأنثروبولوجياء 
كما إنه يعني العصبية عند ابن خلدون؛ وهو يعني اليوم ما يُسمّى بالعشائرية» أي 
طريقة معيّنة في الحكم والسلوك الاجتماعي والسياسي ترتكز على «ذوي القربى»؛ 
الأباعد منهم كما الأقارب. يرى مفكرنا أن هذا النهج في السلوك يستبعدٌ أصحابٌ 
الخبرة والمقدرة انطلاقاً من مفهوم خاص بالأنا/ الآخر. فالأنا لا تعني فقط القرابة 
الذموية» تاكن أشكال العضيية #الاساء مفلا الو عدينة وااخذة أو :طائفة أو سيري: 
إن القبيلة بهذا المعنى يمكن أن يُقال إنها حاضرة حتى فى المجتمعات الصناعيّة لكن 
ف إظار 9اللاتكور ساف ا أسادعن خضي رهف المحكياق الزرافية والرهوية 
نوي بمثابة المركر الأساسن اللي يظم المتطمع والسافة. 

قراءة إسقاطية : إنها قراءة تقع في هوّة المغالطة التاريخيّة» فتُسقِط على النص 
معانٍ لا تنتمي إلى زمنه. 

قراءة تزامنيّة (عناونهه2طءصلاة عردعع.1) : إنها قراءة تحاول أن تعود إلى الوراء. 
إلى الزمن الذي كُتب فيه النص» فتقرأ مفرداته وتركيباته انطلاقاً من معانيها في ذلك 
الحين :ولس مل المعتن الحتها رفت علية البواه. ْ 


القطيعة الإيستمولوجيّة: عبارة تعود إلى باشلار» بلورها عندما درس تاريخ 


ةهال١‎ 


الفيزياء» ليؤكد أن العلم لا ينمو إلا عبر القطيعة والانفصال. استخدم الجابري هذه 
العبار: استخداماً إجرائياً لا غير من دون الدخول فى جوهرهاء لأنه يريد أن يستفيد 
منها فى دراسة التراث. تحذث عن قطيعة إيستمولوجيّة بين ابن سينا وابن رشد» 
وعمل على تحقيق القطيعة «مع نوع من العلاقة مع التراث» القطيعة التي تحولنا من 
«كائنات تراثية» إلى كائنات لها تراث (...)2. 

فطيعة إبستميائية (ع1ا210 وام ع1ناأمناظ) : يمير أركون بين القطيعة 
الإبستمولوجية والقطيعة الابستميائيّة. «فالأولى أقلّ عموميّة وانّساعاً. وهي قل نعني 
حصول قطيعة فكريّة محدودة على مستوى علم الفيزياء مثلا دون أن يعني ذلك 
حصول القطيعة على المستويات المعرفيّة الأخرى من فلسفيّة وسياسيّة وغيرها ( 1 
أما القطيعة الابستميائيّة فتشمل عادة عدّة مستويات معرفيّة دفعةٌ واحدة وفي فترة 


زمنيه واحدة. وهذه هي القطيعة التي تحدّث عنها ميشيل فوكو في كتابه الشهير 
«الكلمات والأشياء» (2..)) اا 


الكتابة السلبية للشاريخ؟ أو القراءة السلبية للتاريخ : يعني بها«القراءة 
اللارسمية» قراءة الوجه الآخر من التاريخ». فالقراءة الرسمية تجعل التاريخ خطأً 
متواصلاً لا قطيعة فيه» ولا ثغرات» وتكتفي بالاهتمام بالأبطال والفاتحين» مهمّشة 
أصوات المهزومين. تعمل الكتابة السلبيّة للتاريخ على تخطي مشكلة المستحيل 
التفكير فيه التي مُرضت في كل ثقافة لكي تهتم بسائر الفئات المغلوب على أمرهاء 
والمفكرين المضطهدين الذين تم محيّْهم من الذاكرة الجماعية. 

الكتلة التاريخيّة : استخدمها الجابري لكي يشير إلى أنه فى زمن الأمويّين 
تكتّلت قوى اجتماعيّة مكارهة من لهرت والعحي نشي القتراء كبا لعجاف 
تحالفت جميعها من أجل قضيّة واحدة: دعم الثورةٍ العباسيّة على الحكم الأموي. 
لذلك كان من الضروري استبدال الزوج عرب/ عجم بمفهوم «الكتلة التاريخيّة» التي 
أصبحت هي «القبيلة» المناهضة للدولة الأموية. 

اللاشعور السياسي (عناو امم الءأءقممءم1.'1) : استعار الجابري هذا المفهوم 
من ريجيس ديبري ليوظفه في دراسة العقل السياسي العربي» » عن طريق تبيئة هذه 
العبارة لتصبح أكثر انسجاماً مع موضوع الدراسة. يشير إلى أن «اللاشعور السياسي» 
في المجتمع العربي ليس نتيجة لما هو ديني وعشائري». إنما العكس هو الصحيحء 


(59) أركون. تاريخية الفكر العربي الإسلامي. ص 510. 


"لاه 


أي أن الطائفيّة والتعصّب العشائري هما اللذان يؤسّسان «اللاشعور السياسي»» 
وبالتالي الفعل السياسي بحدذ ذاته. 


اللاشعور المعرفى (ءلاناتمومء أمعءقممءم1."1) : لقد اقتيس الجابري مفهوم 
«اللاشعور المعرفي» عن بياجي ونقله من ميدان علم النفس التكويني إلى ميدان 
الإبستمولوجيا وعمل على تبيئته. عرّف اللاشعور المعرفي العربي على أن كل 
المفاهيم والتصوّرات والنشاطات الذهنية التى تقوم بتحديد نظرة الإنسان العربى إلى 
الكون والمجتمع والتاريخ . . . إلخ. وهو يرى أن الزمن الثقافي شبيه بزمن 
اللاشعور» إنه متداخل ومتموّج» ما يؤدّي إلى تعايش أكثر من مرحلة مختلفة في فكر 
واحدء وفى بئنية عقليّة واحدة. مثلما تتواجد الرغبات المكبوتة المختلفة فى 
اللاشعور النفسي الواحد). 


اللا مفكر فيه (156م110'.آ) : يعني به كل ما لم يتح للفكر العربي الإسلامي أن 
يفكر فيه معتبراًء أن "ما لم يُفكر فيه الفكر الإسلامي أهم وأجلّ شأناً مما كان قد فكر 
فيه ومهمّته اليوم كمجددٍ للفكر الإسلامي أن يفتتح تلك القارّة الواسعة من اللامفكر 
فيه» والتي بقيّت مغلقة زمنا طويلا. إن اللامفكر فيه» ليس إلا تراكما للمسبتحيل 
التفكير 1 في عذة مراحل متعاقبة من التاريخ (ءاطهدمعمصر]'.1) وذلك لأسباب دينيّة 
أو اجتماعيّة أو سياسيّة أو غيرها. . .4(0". 


المخيال الاجتماعى (5001216 1.'15038122156): استعار هذه العبارة من بيار 
اناوه لكل ند تجديده التامن ,بها المقهوم اقائلة + «أن مخيالنا الاجسماعي العريى 
هو الصرحٌ الخيالي المليء برأس مالنا من المآثر والبطولات وأنواع المعاناة» الصرح 
الذي يسكنه عددٌ كبيرٌ من رموز الماضى (. . .) إضافة إلى رموز الحاضر و«المارد 
العرين» تاقد المسيوه. :+ إلع. ونين جاني ةا لمعيال العري الأسلانق 
المشترك تقوم مخاييل متفرّعة عنه كالمخيال الشيعي الذي يشكل الحسين بن علي 
الرمز المركزي فيه؛ والمخيال السني الذي يسكنه «السلف الصالح» خاصةء 
والمخيال العشائري والطائفي والحزبي . . . إلخ). 


المدوّنة النصيّة (5ام001): تعني في علم الألسنيّات «مجموعة من العبارات 
الشفهية واللغوية التي جُمعت لكي تشكل وحدة ما (. ..). وهذه الوحدة المتجمّعة 
ترغب في أن تشمل كل العبارات النصيّة التي تلمُظ بها المعلّم (أو النبي). ثم إن هذه 


.18 أركون» الفكر الإسلامي قراءة علمية؛ ص‎ )١4( 


؟/اة 


المدونة النصيّة رسميّة في حالة الإسلام كما في حالة المسيحيّة أو اليهوديّة. (...) 
إنها واقعة تحت سيطرة السلطة. أي سلطة الخليفة في حالة الإسلام». 


المدوّنات النصيّة المفسّرة: أي كتب التفسير. يرى أركون أنه «يوجد عددٌ من 
التفاسير بقدر ما يوجد عددٌ من المفسّرين» بل وحتى من القرّاءء القرّاء أيضاً مفسّرون 
على طريقتهم الخاصّة. وبهذا المعنى فإنه لا يوجد سيا مغلقا. 


مزاودة محاكاتيّة (عناو )مام عمغطعمععن5) : «مصطلح انتروبولوجي حديث من 
اختراع رينيه جيرار» وهو يعني مزاودة عدّة فئات داخل الأيديولوجيّات نفسها على 
محاكاة النموذج الأصلي الأعلى (...)». إنها «تهدف إلى تجييش المتخيّل 
الاجتماعي للناس من أجل زجّهم في انتفاضة أو ثورة””"). 

يشير أركون إلى أن تنافس الفرق الإسلاميّة التى كانت موجودة على الساحة قد 
أدى إلى إنتاج ما يسمّيه بالعقول المتنافسة التي تصارعت من أجل السيطرة على 
السلطة؛ فحاول كل عقل أن يبرهن من خلال المزايدة المحاكاتيّة أنه هو الأقرب إلى 
فكر النبي وإلى تجربته. " 

المخيال أو المتَخَجل (©128:2215): هو مدل التصوّرات المنقولة بواسطة 
الثقافة. وكانت هذه الثقافة معمّمة شعبياً في الماضي بواسطة الملاحم والشعر 
والخطاب الديني» وهي اليوم معمّمة شعبياً بواسطة وسائل الإعلام أوّلا (...) ثم 
بواسطة المدرسة ثانيأ». 

المستحيل التفكير فيه (625861م1.*1:0): أي «ما هو مستحيلٌ إيضاحه في الفترة 
ذاتها والبيئة الاجتماعيّة ‏ الثقافيّة ذاتهاء وذلك إما بسبب محدوديّة النظام المقرفي 
وطراز العقلانيّة الخاصّة بالنظام الاجتماعي ‏ الثقافي الموجود. وإنما بسبب أن الذات 
المتكلّمة (المؤلف) كانت قد تمثلت على هيئة رقابة ذاتيّة للاكراهات المتجسّدة 
بالأيديولوجيا المسيطرة (. . .2» وإما أخيراً بسبب أن توثّر الفكر يصل إلى منطقة ما 
يستعصي على الوصف والتحديد ومنطقة الكثافة التي لا يمكن سبرها للكائن . ..». 

المغالطة التاريخيّة (عمةؤاممعطءةم4) : 0 منهجي مهمء لا يكف أركون 
عن التحذير من الوقوع فيهء وهو يكمن في أن يقرأ الباحث نصًا ماء ينتمي إلى 
عصر محدد ويفسره انطلاقا من حاجاته هوء وفي الإشكاليات التي تشغل عصرهء 


(5؟) أركونء الإسلام. الأخلاق والسياسة. ص 44 - 00. 


:لاه 


الممكن التفكير فيه (©1.62605301آ): إنه «الشيء الذي يمكن إيضاحه والتفكير به 
بمساعدة الجهاز العقلي المتوفر» في فترةٍ محدّدةٍ بالنسبة إلى أمّة لغوية معيّنة. يشكل 
الممكن التفكير فيه المجال الذي يسمح للعقل بأن يشتغل داخله ولا يجوز تخطيه. 


المنهجيّة السلبيّة: يقصد بها «دراسة كل ما يحذفه هذا العقل المؤسّس 
والمؤسّس على هيئة إطلاقيّة ونهائيّة من ساحة اهتمامه رامياً إيَاه في مهاوي البدع 
والضلال)3©, 


المنهحتة التقدمية التراجعيّة (25517قة26 - »ء/ازووع1ع 7710 2161006) : تفترض 
هذه المنهجيّة كخطوة أولى؛ الرجوع إلى الوراء» إلى الماضي البعيد لمراقبة كل 
التلاعبات التي يتعرّض لها الماضي من قبل الحاضر. إن العودة إلى الماضي ضروريّة 
لتحديد كل الأشياء التي انقرضت ولم يَعُد لها أئرٌ. ولتحديد كل إنتاج فكري قد 
أهيل وطمس ظلماً. أما الخطوة الثانية» فتكمن في عدم إهمال أثر النصوص 
التأسيسيّة واستمرار فاعليتها في المجتمعات المعاصرة. لأنها لا تزال فاعلة نُسهم في 
رسم المستقبل وتشكيله. 


المنهحيّة الفيلولوجية (عداننع11010م 8465006) : اعتمد هذه المنهجيّة 
الاستشراق الكلاسيكي كله. فهي «تتمثل في تحقيق المخطوطات وطباعتهاء وقراءة 
النصوص قراءةً لغوية تقليديّة تكتفي بملاحقة حقة التأثيرات التي تتركها النصوص السابقة 
على النصوص اللاحقة. يرى أركون فيها منهجيّة تقدّم قراءة محدودة» إذ يعتبر (أنه لا 
يوج اللنسن إلآ معن واتيو””, 


الموضوعاتية التاريخيّة المتعالية -م21560116 126102610106 12آ) 
(©2022121عه12425) : هذا المصطلح من إبداع فوكو في كتابه أركيولوجيا المعرفة. 
يعني به تاريخ الأفكار التقليدي كما كان سائداً في القرن التاسع عشر وحتى منتصف 
القرن العشرين. لقد انتقد فوكو «الموضوعاتيّة التاريخيّة المتعالية» طارحاً «أركيولوجيا 
المعرفة» بديلاً منهاء أو منهج الحفريّات. 


نص رسمي مغلق (056كء 0081132]10106 016]1156©) : عبارة تنطبق على الجميع 
النصوص التأسيسيّة التى قُدُست (. . .) ورُفِعت إلى مرتبة الذروة العليا للمشروعيّة 
أو للهيبة». إن النص الرسمي المغلق والناجز «هو مفهوم تاريخي ويدل على عمليّات 


(157) أركون؛ تاريخية الفكر العربي الإسلامي.ء ص .5١‏ 
(50) أركون» العلمنة والدين (الإسلام» المسيحية» الغرب). ص .١١9‏ 


63/0 


بلورة حصلت تاريخيّاً». وضعه أركون لكي يحيلنا «إلى مستويات من التعبير» 
ومعطات من المغتن» ور لعطات كاريقة ين التويثم الالال لشاف 809 

النظام البرهاني : عندما يستخدم الجابري مصطلح برهان فهو لا يقصد معناه 
المنطقي ولا معناه العام؛ إنما يريد الإشارة إلى نظام معرفي تفرّد بمنهج خاص» 
وبلور نمطأ في التفكيرء ورؤيةً محددة للعالم يرتكزان بشكل أساس على فكر 
أرسطو. يشير إلى «أن «البرهان» كنظام معرفي بقي متميّزاء منهجا ورؤية» عن البيان 
والعرفان بكونه يعتمد منهج أرسطو ويوظف جهازه المفاهيمي والهيكل الغام للرؤية 
التي شيّدها عن العالم» عن الكون والإنسان والله» مما جعل منه عالما معرفياً خاصاً 
يختلف عن عالم البيان وعالم العرفان ويدخل معهماء وبكيفية خاصة مع البيان؛ في 
علاقة احتكاك وصدام". 

النظام البياني: يعتبر مفكرنا أن أصول النظرة المؤسّسة للنظام البياني تكمن في 
اللغة العربية باعتبارها السلطة المرجعية الأساس التى حكمت التفكير البيانى. إنه لا 
يقصد باللغة هنامحرة [ذاة للتؤاصل :إنما يى فبها حاملا للثقافة العربية: فاللغة التن 
جمعت من الإعرابي خلال مرحلة التدوين تفرض العودة إلى عالم الجزيرة العربية 
فى عصر الجاهلية. لذلك فإن مبدأي الانفصال والتجويز اللذين يحكمان الرؤية 
البباية للعانم ع 7ا بذ أننيكون أشلهما ف عاله الإعراتن, بير الجابرق إلى نظام 
البياني برتكز على الاستدلال والتشبيه والقياس» ويستنتج أن الانفصال والتجويز 
والمقاربة مبادئ ثلاثة أخذها البيانيون من اللغة كما تبلورت داخل الثقافة العربية إيان 
العصر الجاهلي. 

النظام العرفاني : ساد النظام العرفاني طيلة العصر الهلنستي» فهو عبارة عن 
منهج في تحصيل المعرفة» يُبلور رؤية خاصة للعالم. وموقفاً منه. لقد انتفل إلى 
الثقافة العربية الإسلامية عبر الثقافات التي سادت قبل الإسلام في منطقة الشرق 
الأدنى. إن العرفان هو معرفة بالأمور الدينية على نحو أرقى من معرفة المؤمنين 
البسطاء؛ ومن معرفة اللاهوتيين الذين يعتمدون النظر العقلي. 

من المعروف اليوم أن العرفان والعرفانية ظاهرة عرفتها الأديان السماوية 
الثلاثة» كما الديانات الوثنية» إنها تقوم على «تجنيد الإرادة»؛ وتجعل منها بديلا 
من أجل التوصّل إلى معرفة عميقة بالله وبأمور الدين. يرى الجابري أن ما من 


(14) محمد أركون, الفكر الأصولي واستحالة التأصيل : نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي» ترجمة 
وتعليق هاشم صالح (بيروت: دار السافي» 484 ص ”737 


كلاه 


فكرة أتى بها العرفانيون الإسلاميون إلا وتجد أصلها في الأدبيات الهرمسية. 


إن اعتماد النفس كطريق إلى معرفة الله وتهميش دور العمل وربطه بالإدراك 
المادي» قال به جميع العرفانيين. من هنا نجد أن الجابري يطلق على الفكر العرفاني 
صفة «العقل المستقيل» أو «اللامعقول الديني". وهويرى أن دمج العلم في الدين 
والدين في العلم علامة من العلامات البارزة التي يكشف فيها «العقل المستقيل» عن 


نفسه وهويته. 


النقد الإبستمولوجى : يعتبر الجابري أن الممارسة النقديّة ستفضى حتماً إلى 
تجديد العقل العربى لأنها سوف تطاول لا محالة البنية الذهنية العربية. إن إضفاء 
المعقولية على التراث من أجل وضعه في سياقه الزماني ‏ المكاني داخل الحضارة 
العربيّة الإسلاميّة» وترتيبه منطقيّأء هو ما يبغي الجابري القيام به من خلال النقد 
الذي يمارسه. يرى أن «الفكر العربى لا يمكن أن يتجدد إلا بالممارسة» فالفكر هو 
جملة ثوابت» هو طريقة عمل تترسّخ في ذهن الإنسان في خلاياه, من خلال 
ممارساته. (. . .)). إنه على يقين من أن الممارسة النقدية بهدف إضفاء المعقوليّة لا 
يمكن أن تتم إلآ من خلال الإبستمولوجيا الغربية في سبيل تجاوز غياب العقلانية في 
كيفيّة التعاطي مع التراث العربي. 

نقد العقل الإسلامى (06و1هتةاذا هه5ئه؟ 18 عل عندو 011 ) : يرى أركون أن أهمْ 
ما يقوم به المفكر المسلم في مجال نقد العقل الإسلامي يكمن في الانخراط في 
تلك المهمة المرعبة والمتمثّلة برحزحة شروط الاجتهاد النظرية وحدوده فى 
المجال اللاهوتي ‏ القانوني الذي خخصر فيه من قبل الفقهاء. إلى مجال التساؤلاات 
الجذرية وغير المعروفة حتى الآن من قبل التراث الإسلامي (...)1. يقصد أركون 
أيضاً بنقد العقل الإسلامى» تطبيق شروط التاريخيّة على هذا العقل. وإدخاله حيّر 
التاريخ. 

واقعيّة أنطولوجيّة (عناونعه1هط]هه 861116) : إنها عملية اعتبار الإيمان بعفو 
الله» والوحي. والمعجزات. ب إلخ. وقائعم حقيقيّة لا يمكن التوصّل إلى ضبطها 
عن طريق الحواسء» كما إنها لا نُفسَر انطلاقاً من قانون السببيّة» فهي صحيحة 
وحقيقيّة أكثر من المعطيات الطبيعيّة. 

الوحي (8540612]108 1.3): يرى أركون أن الوحي «يعني تحريك التاريخ أو 
شحنه بطاقةٍ خلاقة تعلّم الإنسان بأنه كائنٌ وسيط». لم يحصر مفهوم الوحي بالديانات 
السماوية الثلاث إنما جعله يستوعب بوذا وكونفوشيوس والحكماء الأفارقة وغيرهم» 


/ا/ام 


بالإضافة إلى مختلف الأصوات الكبرى التى قامت بتجسيد التجربة الجماعية لفئة 
بشرية محددة. 


الوعى الممكن (©055151م 002506266 18): يرى فيه أركون أنه «عبارة عن 
انان دن متك على مع الوعل الال :(الؤافس )4 و لكك ينابسا مسموعة 
الممكنات الاحتماليّة التي هي في حالةٍ مخاض داخل الوعي الجماعي؛ والني لا 
تتوضّل إلى مرحلة التحقّق على أرض الواقع» لأنه ما من نبي ولا من قائدٍ ولا من 
مجموعة بشريّة كانت قد منحتها كلامها أو كتابتها أو مقدرتها الاستراتيجيّة؛ أو لأنه 
لم يتحقق بالنسبة لها «ذلك التلاقي 22-5 والناجح بين إرادة ما ومنعطفب تاريخيّ 
ما»» كما تحقّق بالنسبة لغيرها""*'“. إن الوعي الممكن مفهوم ضروريّ يجب 
طرحه عد تحت ٠‏ ولو بشكل نسبيء. الوعي التاريخي الذي انتصر. يدعو 
أركون إلى اعتبار «تاريخيّة القرآن وكأنها انتصارٌ لوعي ممكن على مجموعة أخرى 

من الوعي التي كان لها هي الأخرى حظّ ما في الانتصار أيضاً ولكنها لم تنتصر؛. 


(19) أركونء الفكر الإسلامي قراءة علمية.» ص .١14١‏ 


م0617 


كتب 


ابن الرشدء أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد الأنتدلسى المالكى . تهافنت 
التهافت: انتصاراً للروح العلمية وتأسيساً لأخلاقيات الحوار. مع مدخل 
ومقدمة تحليلية وشروح للمشرف على المشروع محمد عابد الجابري. بيروت: 
مركز دراسات الوحدة العربية» .١494/‏ (سلسة التراث الفلسفى العربى. 
مؤلفات ابن رشد؛ ”) ١‏ ْ 

. الضروري في السياسة : مختصر كتاب السياسة لأفلاطون. نقله من العبرية 
إلى العربية أحمد شحلان؛ مع مدخل ومقدمة تحليلية وشروح للمشرف على 
المشروع محمد عابد الجابري. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» 
(سلسة التراث الفلسفي العربي. مؤلفات ابن رشد؛ 4) 

. فصل المقال فى تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الإتصال أو وجوب النظر 
العقلي وحدود التأويل (الدين والمجتمع). مع مدخل ومقدمة تحليلية للمشرف 
على المشروع محمد عابد الجابري. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» 
07 (سلسة التراث الفلسفي العربي. مؤلفات ابن رشد؛ )١‏ 

. الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة أو نقد علم الكلام ضداً على 
الترسيم الأيديولوجي للعقيدة ودفاعا عن العلم والحرية الإختيار في الفكر 
والفعل. مع مدخل ومقدمة تحليلية وشروح للمشرف على المشروع محمد 
عابد الجابري. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» ١494‏ . (سلسة التراث 
الفلسفي العربي . مؤلفات ابن رشد؛ ”) 


078 ىه 


ابن حزم أبو محمد علي بن أحمد. الفصل في الملل والأهواء والنحل . بيروت : 


ابن منظورء أبو الفضل محمد بن مكرم. لسان العرب. بيروت: دار صادر. 
١ 219201-5-262‏ ج. 

ابن نبي » مالك . شروط النهضة . ترجمة عمر كامل مسقاوي وعبد الصبور شاهين . 
ط ؛ . دمشى: دار الفكر. .1١9/1/‏ 

. الظاهرة القرآنية. ترجمة عبد الصابور شاهين. ط 4 . دمشق: دار الفكر. 
/ا/9١.‏ 

. مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي. ترجمة بسام بركة وأحمد شعبو. 
دمشق: دار الفكر. .١497‏ 

. وجهة العالمالإسلامي. ترجمة عبد الصابور شاهين. ط 95. دمشق: 
دار الفكر. كمة١‏ . 

ادو زات نصر حامد. إشكاليات القراءة وآليات التأويل . طْ '". بيروت: المركز 
الثقافي العربي» 4 .١‏ 

يكت + النص ء السلطة. الحقيقة : الفكر الدينى بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة . 

أركونء محمد . الإسلامء الأخلاق والسياسة. ترجمة هاشم صالح. بيروت: مركز 
الإنماء القورمي» ,.,٠‏ 

. الإسلام» أوروباء الغرب: رهانات المعنى وإرادات الهيمنة. ترجمة وإسهام 
هاشم صالح. بيروت: دار الساقي» 06 .١‏ 

. أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ : من فيصل التفرقة إلى فصل المقال. 
ترجمة وتعليق هاشم صالح . بيروت؛ لندن: دار الساقيء ١149175‏ ., 
الإنماء القومي». ك4ة ١‏ . 

. العلمنة والدين (الإسلام» المسيحية. الغرب). ترجمة هاشم صالح. 
بيروت؛ لندن: دار الساقي». .1٠‏ 

. الفكر الإسلامي قراءة علمية. ترجمة هاشم صالح. بيروت: مركز الإنماء 
القومى: .1١941/‏ 


0٠ 


حت الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد. ترجمة وتعليق هاشم صالح. بيروت؟ 
لندن: دار الساقى ١‏ 1 

. الفكر الأصولي واستحالة التأصيل : نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي . ترجمة 
وتعليق هام صالع ٠تيروك‏ دان الجناقي »159:8 

0-7 الفكر العربى . ترجمة عادل العوا. ط ؟. بيروت : دار عويدات» ه68١‏ . 


. القرآن من النفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني. ترجمة هاشم 
صالح. بيروت: دار الطليعة؛ .5١١١‏ 


. قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ترجمة وتعليق هاشم 

. معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية. ترجمة هاشم صالح . 
بيروت: دار الساقى» 5٠١٠١١‏ 

. من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي . ترجمة هاشم صالح . بيروت؛ لندن: 
دار الساقى » 11١‏ . (بحوث اجتماعية ؛ 211 

. نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكويه والتوحيدي. ترجمة هاشم 
صالح. بيروت: دار الساقي. ١9910‏ . 


ولوي غارديه. الإسلام الأمس والغد. ترجمة علي المقلد. بيروت: دار التنوير 
للطباعة والنشرء .١97‏ 

بغورة. الزواوي. ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر: محمد عابد 
الحابري, محمد أركون. فتحي التريكي ء مطاع صفدي . بيروت: دار الطليعة» 
ا 

تيزيني». طيب . مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط. ط ؟. 
دمشق : دار دمشق» [د. ات .]. 

ثامرء فاضل . اللغة الثانية : فى إشكالية المنهج والنظرية والمصطلح في الخطاب 


الجابري» محمد عابد. ابن رشد: سيرة وفكر» دراسة ونصوص . بيروت - مركز 
مراساك الوحيدة العزبية» 44 


.١ا‎ 6 


حت ؟ خسو اط كا بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية» 1+5. 

. بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة 
اللعربية 2 عل: 3 «تبرولت تمر كت ووانيانتة الؤيعةة لتر يي 147 انفد لقال 
العربى؛ ؟) 

. التراث والحداثة: دراسات . . . ومناقشات . بيروت : مركز دراسات الوحدة 
العربية» .1١991١‏ 
0١‏ (نقد العقل العربى؛ .)١‏ 

كن تحتبانف قن النذا كردن بعد ثروت مر كوور ايداكا لهذ لسري 
.١1/‏ 

تدان الخطاب العربى المعاصر: دراسة تحليلية نقدية. طهة. بيروتث: مركر 
دراسات الرعدة العرية 34ة ان 


. الدبمقراطية وحقوق الإنسان. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» 
614. (سلسلة الثقافة القومية؟؛ 5؟7. قضايا الفكر العر بي ؛ 1( 


لحت ا الدبن والدولة وتطبيق الشريعة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 
7 (سلسة الثقافة القومية؛ 79. قضايا الفكر العربى؛ 4). 

تن العنل الأخلاقي العربي : دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية . 
بيروت: مركز دراسات الوحلة العربية» 5١‏ (نقد العقل العربى ؛ 0( 

. العفل السياسى العربى: محدداته وتجلياته. ط " منقحة. بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية» ١497‏ . (نقد العقل العربى؛ *) 

. قضايا في الفكر المعاصر: العولمة ‏ صراع الحضارات ‏ العودة إلى 
الأخلاق ‏ التسامح ‏ الديمقراطية ونظام القيم ‏ الفلسفة والمدينة. بيروت: 
مركز دراساءت الوحدة العربية» /1ة١.‏ 

. المثقفون في الحضارة العربية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد. بيروت: 
مركز دراسات الوحدة العربية.» ,.١9968‏ 


”مه 


. مدخل إلى فلسفة العلوم : العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي. ط ". 
بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» ١0:‏ 

-. المسألة الثقافية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» .١944‏ (سلسة 
الثقافة القومية؛ 55. قضايا الفكر العربى؛ )١‏ 


. مسألة الهوية: العروبة والإسلام. . والغرب. بيروت: مركز دراسات الوحدة 
العربية» .١9446‏ (سلسلة الثقافة القومية؛ 71. قضايا الفكر العربى؛ ”) 


تح المشروع النهضوي العربي: مراجعة نقدية. بيروت: مركز دراسات الوحدة 
العرنيةه 1435 


. نحن والتراث : قراءات معاصرة فى تراثنا الفلسفى. ط ١8‏ . بيروت؛ الدار 
البيضاء : المركز الثقافى العربى» .١997”‏ 


ل . وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر . بيروت : مركز 
دراسات الوحذدة العربية» .١9957‏ 


مكدر منت يبظ اتبتزيت ‏ #مركريوراسات الوحدة الهرية 135512 


الجرجانى., أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن. أسرار البلاغة. تحقيق السيّد 
محمد رشيد رضا. القاهرة : مكتبة القاهرة» زد. كه ا 


. دلائل الإعجاز. بيروت: دار المعرفة. .١941/‏ 
جهامىء جيرار. الإشكالية اللغوية فى الفلسفة العربية: دراسة تحليلية نقدية. 
بيروت: دار المشرق». + . (المكتبة الفلسفية) 


المصطلحات العربية والإسلامية) 
حرب. على . الفكر والحدث . بيروت: دار الكنوز الأدبية» .1١4891/‏ 
. الماهية والعلاقة: نحو منطق تحويلي . بيروت: المركز الثقافي العربي ء 


.١194 
الممنوع والممتنع : نقد الذات المفكرة. بيروت: المركز الثقافي العربي.‎ . 
.١6 


اكاشففة 51 نقد النص . بيروت: المركز الثقافى العربى. ١417‏ . 


ىه 


حنفي» حسن. التراث والتجديد. موقفنا من التراث القديم. طّ ؛. بيروت: 


الخروج على الحس المشترك : قراءات في مشروع أركون. البحرين: مركز الشيخ 
ابراهيم محمد آل خليفة للثقافة والبحوث. .5٠١”‏ 

الخوري؛ بولس . التراث والحداثة: مراجع لدراسة الفكر العربي الحاضر: مقدمة 
عامة ومصادر لاستقصاء النتاج الفكري الحاضر . بيروت: معهد الإنماء 
العربى؛ ١98”‏ . (دراسات الفكر العربى) 

دغيم » سسميح . فلسفة القدر فى فكر المعتزلة . بيروت: دار الفكر اللبنانى» ١15‏ . 


السكاكيء أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر . مفتاح العلوم. ضبطه وكتب هوامشه 
وعلق عليه نعيم زرزور. بيروت: دار الكتب العلمية. ١37‏ . 


.١ 1/ 


شلحدء يرسف. بنى المقدس عند العرب قبل الإسلام وبعده. تعريب خليل أحمد 
خليل . بيروت: دار الطليعة.» .١995‏ 


صليباء جميل . المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية . 


بيروت: دار الكتاب اللبناني» ١لا١‏ _ "”/ا9١.‏ '“ج. 


1491. 
. من النهضة إلى الردة: تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة. بيروت: دار 
الساقى. .50٠١‏ 


. نقد نقد العقل العربي. بيروت: دار الساقي» .7٠١4 ١997‏ 4 ج. 
اج :١‏ نظرية العقل .)١197(‏ 
ج ؟: إشكاليات العقل العربي .)١998(‏ ط ” .)50١5(‏ 
ج ": وحدة العقل العربي الإسلامي .)350١7(‏ 
ج 5: العقل المستقيل في الإسلام .)35٠١5(‏ 
عبد الرحمن» طه. العمل الديني وتجديد العقل. بيروت: المركز الثقافي العربي» 
6 . 


0/4: 


. تجديد المنهج في تقويم التراث. بيروت: المركز الثقافي العربي؛ .١9914‏ 
عبد الرحمن» عبد الهادي. عرش المقدس . بيروت: دار الطليعة. .5٠٠٠‏ 

عبد اللطيف. كمال. العرب والحداثة السياسية. بيروت: دار الطليعة» /ا9491١1.‏ 

. قراءات في الفلسفة العربية المعاصرة. بيروت: دار الطليعة» .١994‏ 
العجم. رفيق. الأصول الإسلامية : منهجها وأبعادها. بيروت: دار العلم للملايين» 


194417 . 
العرويء عبد الله. الأيديولوجيا العربية المعاصرة. بيروت: المركز الثقافى 
العربى. .١6‏ 
10. 


. مفهوم الأيديولوجيا. ط 5. الدار البيضاء : المركز الثقافي العربي» ١997‏ . 

العظمء صادق جلال. نقد الفكر الدينى . ط ”3. بيروت ٠‏ دار الطليعة» الاة١.‏ 
الجابري. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشرء 1997 . 

فخري. ماجد . تاريخ الفلسفة الإسلامية. نقله إلى العربية كمال اليازجي . بيروت : 
الدار المتحدة للنشرء .١910/4‏ 


فضل اللهء مهدي. الاجتهاد والمنطق الفقهي في الإسلام. بيروت: دار الطليعة» 
/941. 


فوكو. ميشيل . الكلمات والأشياء . ترجمة مطاع صفدي وأخرون. بيروت: مركز 

الكوّازء محمد كريم. كلام الله: الجانب الشفاهي من الظاهرة القرآنية. بيروت: 
دار الساقى؛ .5٠١7‏ 
مؤسسة الانتشار العربىء 14917 . 

مرؤة» حسيق,"التزعاتك المادية فى الفلشفة العنزبية الإسلافية ..ط 5 بتروت: 
دار الفارابى» ١84‏ . ؟ج. 


6086 


المناهج والأعراف العقلانية في الإسلام. تحقيق فرهاد دفتري؛ ترجمة ناصح 
ميرزا. بيروت: دار الساقى . 5# 

نضَارء ناصيف . مفهوم الأمة بين الدين والتاريخ : دراسة فى مدلول الأمة فى التراث 
العربى الإسلامى . ط ”. بيروت: دار الطليعة. ١87‏ 


هاليبر؛ رون. العقل الإسلامي أمام تراث عصر الأنوار في الغرب: الجهود 
الفلسفية. ترجمة جمال شحييد. دمشق : الأهالى للطباعة والنشرء .70١١‏ 


دوريات 


أبو عز الدين» أمين. «الدين والعلمنة فى طروحات محمد أركون.» الآداب: 
السنة »5١‏ العدد 5» أيار/ مايو .1١991‏ 

أبي نادر» نايلة. «التاريخية والإسلاميات التطبيقية: قراءة في منهج أركورن 
النقدي.» حوليات (كلية الآداب والعلوم الإنسانية» البلمند): العدد 21١‏ 
ا 

. «قراءة في فكر محمد أركون: العلمنة لا تستورد والإسلام عرفها مع 
المعتزلة.» النهار: /ا/ 7/5 .70١‏ 

الأتاسي » محمد علي . «محمد أركون: نحن منغلقون في فلكنا الإسلامي الخاص» 
وليست لنا نافذة صغيرة ننظر منها إلى جارنا اليهودي أو النصرانى .» النهار 
«الملحق الثقافى): 5/8/4 .5٠١‏ 

أركونء محمد. «مفهوم الشخص في التراث الإسلامي.» ترجمة عبد الله 
الإدريسى. فكر ونقد: السنة .١‏ العدد 4. أيار/ مايو ١99/4‏ . 

. «(مقدمة ابن خلدون). . آخر كتاب فكري مبدع لدى العرب 2١‏ أدار الحوار 
جهاد فاضل . العربى (الكويت): العدد ».56٠‏ أيلول/ سبتمير 4 .7١١‏ 


البشري». طارق . «حول «العقل الأخلاقى العربى»» نقد لنقد الجابري .2 المستقبل 
العربى : السنة 5 ؟7» العدد 71/7 » شباط/ فبراير 7 .7٠١‏ 


الجابري؛ محمد عابد. «التجديد لا يمكن أن يتم . . إلآ من داخل تراثنا (مقايلة 


فكرية).» حاوره عبد الله بلقزيز. المستقبل العربى: السنة 5#» العدد 27/4 
نيسان/ أبريل .5٠١5‏ 


كى/ة 


حت كن قضايا الدين والفكر (حوار).» فكر ونقدء السنة .١‏ العدد 9. أيار/ 
مايو .١949/‏ 


حرب» علي . «أوهام الحداثة : قراءة في المشروع الأركوني .2 الاجتهاد : مجلة 
متخصصة تعنى بقضايا الدين والمجتمع والتجديد العربي الإسلامي : السئةٌ همه 
العدد ١5؟, .]١995[‏ 

الحلو. كرم. «محمد أركون في «العلمنة والدين»: الوفاق الممكن بين العلمنة 

حنوش » مكرم سعيد. «محمد أركون: حقوق الإنسان كانت معروفة في الإسلام.» 
النهار: /9/٠١‏ 149. 

الخازن» وليم. «محمد أركون نموذج بين العلماء يؤمن بمبدأ حرية الفكر 
والروح .2 النهار: هم 111 . 


داغرء شربل . «مفكر «اللامفكر» فيه.» النهار: 9/59 .7٠١7‏ 


عبد اللطيف.». كمال. «العروي فى مرآة الجابري ‏ الجابري فى مرأة العروي.» 
الطريق: العدد ؟. آذار/ مارس - نيسان/ أبريل .5٠١7‏ 


قاسم» قاسم. «محمد أركون» يشذني إليه .2 النهار: ؟”/ 5/ .149١‏ 


أطروحة 

أبى نادرء نايلة . «مدخل إلى دراسة فكر محمد أركون.» إشراف د. وليد الخوري 
(رسالة ماجستير غير منشورة» الجامعة اللبنانية» كلية الآداب ‏ الفرع الثاني» 
4). 


8500/5 


عل 215 1أاذاء 211لا وعووع81 أماطة2] . «أ0طيامم أء ىا الهم ,دءأع 0600[ .ع عاط را لومحم 
(أناط”1(01110ات"0 عاع1010ء50) .1977 ,ععمممرظآ 


,للمقطن .5 نتطاءع”دط-بوع لا . اب[ع ه11 لل :4 . لعستتسقطه ك8 ممعم 


.963 بلط[ تكتيوط .عنوتأمدول موأسماكة عفددعم وا عل كاععوو4ل . 


/لالمه6 


م20 عااإه دءزاءاء 50 عع نا طناك[ -أنل اال وروز نتنوام مم8 إه اوعن ته ع[ 7 . 
.88 ,بامصصطء5 11216ل012) اام 1317نت تقتصعه تله .مم8 

([مروسق إعتابز بماءقزى نإل إغلآ ل[ نتن عطو"ل متتركتموتصيج' | عل عويزان' | ل ممتعبتط 0 ) . 

0 سارلا .ل :كاعهط .عتمم اذاط اء ءتإدرهدىم] نام , [(932/936-1030) - ( 320/325-421) 


(12 زدعملط الاكبامر د5عل0 نا ) 

1 رعده هآ أء علالاعطصمكلد آلا :متتو .عنال أ ناتنثا عتكلومم ن| ناك كأوككط . 

عبلة'ل عء ععتط ”ل صندأة]) .1984 ,عدهعهآ اع ع الاعمصموكته لا توزموم الخ 3605 , ١‏ 
(23 : أنلط*لنامز 


الا ملكاطاء مطررهكم ]انام , تابرض ]داق تمإاعغزى معز إع'| ل ين عألنن ل تاتكتتن اليا . 
(12 زوع مفسصاناكتادم دعلناظ) .1982 بمملا .ل بوموط برعم لخن “2956 


6 راع الاو رظ عل ع6اعوعج0] :قلعو .عبان لامع اه عأه"منر ,ترواكاهنا . 
18015 عن الل 1/1 ققم معتلةا:'! عل ليله .01د اء ممقعزلء" ‏ تبساكانا . 
كمعن :واموط 
اء تعلط 'ل سملذ]) .1982 ,ع5م32.اآ اء علالاء لمضمكله ألا تختعوط .سوعرة )© نل وم امنا . 
(7انتسط*لننهزسسهة”ل 
(011/ائ 52 مسمااعع| !اه ) .[1991] تاثا :كتطن ] .071" ينل وم انما . 
1989 ,تعطعصهدن) كعنالوعه ل :قاموط .تمان" | لاي دم ريا "06 . 
-5315 0116) .1975 رععطةرط عل فععلهألولء /اللانا وعووع81 أؤولقة8 بعتاننن مفرومط هنا . 
(915 باعل 
5315-67 عنده) ,1995 بععصوعط عل مقعم لها أكمع امنا وعدوورط أولموم الخ “510 . 
(915 
8105[ ه علالاعمموكلتة الا[ تمكهط .عبني أ1مهانىز سمكنهم ما عل ماوتلا متنا انقو , 
(24 اناط' نا 0 زناه 'ل اع "تعلط "ل منذأو]) .1984 


-0 !1 ععامعن) تعااع قارط ”نآ .تسصمائ]'] عل منناك| عاعم موا علا :مالغ أن| ا رماع ة عل . 
89 ,رععن طلا دمر 


/م018 ص لاعغخطهن) عه]! مرعامعن) :ل)نآ ,ممأعمتطمه /7ا . 'رهله 1 هادا ونا اسمتطاء 18 . 
(وعلمع5 تتعم و [02أكموعء20) .[1987] .لاسرع 7 1ط نآ داللاماعع 7 0ع0) ,ؤ5ع1ل باد 106 م 


1 .كنع ناى 1 ل 0111171011 11ل , 015 | اكعلاز) تمتصمدم 0 تل |؟[ وتات امل . 
4 رووع:2 ببعع بناوج /الا :0)ن) ,لزعل أناهظ8 عع.1 .ناآ أرعطه] نز لعاالط لصة 


اطالة- !1ش طمتطلطهة 1 نال 5م7201 به لاعن ل0: ألا بلماأء 1201 .عنابو اطاط 'ل 16نه 1 ١.‏ 
.69 موعط مدعف دع لان 'ل الاألاكم1 :10245 .طلإاو هاا عل 


-8115162 ع0 وقاطعلة-21 طاتطلطة 1 بال 5ع201 ,مم1اع0 171500 ملاع 1200 . : 
.8 روعط هخ 5ع10ااة'0 111 أده[ :021235] .ل6 عدوغ2 .اناو 


رك[ 800 5201 :حالما .اطأعناه78 1 عتتره|ى] مجنو مامه :00 ننة اطعنتمط الا 17/6 . 
.2002 


هل[ نهل اه تع بال 6#أع0-ناتك ٠64لع80‏ 0 1نن ١ن[‏ 2ه ل[ 126 .113112 امعده [ أء 
,لع /االامع8 ع2[ 166عو122 :وأجوط 


0/4 


(أعطعلا8ظ تكاعهظ ازوامعءل- عن تررن|:1' ا .أع020) كانامنآ اع لع0تتطتقطه84 رمنمائم 
(كأتهلامك عل 5ل ه1 لانم عدبع«1) .1978 ,اعأاكقطت) 


(كاصةلامي عل 2205 تلاط حناء) .1982 ,لعأمقط لأعطعنا8 تولعوط .لغ 206 , : 


.2004 ,اعطعلل/طا منطااك :5اعة .تمم]ئة | عل عمنعكجرمم عديوء نتن 77 وعط .لتطعةخ] رعسأجمع8 
(011165 أ نام5 .5عمغلصسن! دعل ننم أ15 1 ) 





0 ,االامتالطا :115وط . مان أن نم 3615 ومط .لمعا رناعللانام8 


-101] هم التلتلة؟ 1 .ترمأتمداعو لو انروغل اء ءأع مله [اترام رعبدوةل .]01001] .مسمحمصناسق8 
اده عل ععواغع2 بامنلجظ لق قاطن اء متأاء1355)-5320نا0نآ أعباصة؟5 ,ووبزعع] ععمء 
.6 ,أتأناء5 نال كم110ل8 :كلمو .للاعم12 8 


بتأصةوع0]آ أملة55 ناه !1 -صدء ل عل 0705م -اضد كش .نجعلا 46 16و11 ) .عو ذاناهل8 ,اعكوات0 
( 1 تأامعاء؟ة عناوغطاملاطتط عااعنتنهل]) .1980 ,لممممستسماط ازمموط] 


للا وعووء]8 :215 ]1 .رن 0 راوع اعزم عنعملمغ10'| عل علاو] !"0 .مطولله0 ,عماه م مااعدآ 
6 بععصوعط عل 5م ل أو2ء؟ 


ل تغط 7/4 :هم دعامص اع لمأاعن 10500 عع كه مماكتلة . تابروصجمع/دنل7 عل ومنرقامة عرز 
[1961 ,880 رعناولاكء ممغتلظ :نممتهجآ] .منام عم 


.طمعول غعلمة'ل ممناعع] زل ها كندهة قتاطوط ,ءل/لاءى«عصنمي عاتواطممدماتنام عتلعممولن ممت[ 
.05 ك4 .1989-1998 رععصوعط عل 5ع01) ١5م‏ لقنا وعووع22 :215ة12 


.05 2 .(1990) دعلاو ا أدودم|/ض]ط كدم1ن0// وما :2 .أو لا 
2 .كعلال أ1أممدم/ننام عع «صينه 0 دما :3 .1آ0 لا 
4 ,2/250 1 :إماعة] .كانه 0م اتعاتنف كمى اه اأنتمعنته] أعطعتكقة .“ع نل1دآ بممطمظط 


,110 501611005 دعل ءزع 60/0[ "4 عترلا «وعدوتل كع[ اء داول دعل .أعطعالا ,اابتدعنه1 
(265 1 تقناط 5عع2ع501 دعل عناوغطأه تاطن8) .1966 ,لعمقصستالله0 :إمتميوط] 


مأذناع نا -056 ل 31ج أتنال 2 آ] .0غ هع !1 ه00 تر أت 501616 ,2لان 0/11 .110أت) وللمفحصعء 0 
:101لا 1011 :ناه 1ط تمع .[لا10] عماعغظ1] أء طلء1 0:21 لم235 رعناونع نا وتتطااه 
(5 نوع ضمغط 1 .عااءلانا00 عزعه101ء50) .1972 ,[011151011آ ممنتدب)لل] :[وتعوط] 


9 ,للملا :كاه .عناق 1 /مه2 (0كأعل 4ل .كاعة ل ,ل00001 


6 ,عع صوعط عل 5ع1311(وقء لالطنا وعووء281 إكلتو . اأنتوعلامط أعطء لا .عتاغل 16 .0105 
(3118 9 ع[-5215 عنا0)) 


-18] عنالء200.آ غعلمط 'ل عا 1'.ءلطاظ 4[ “ءعدىجرء .لكلتاععلظ الوط اء عرل تخ ,عناوع220 1 
ه[) .1998 ,ااباع5 :83215 .نان '1 31ص دالكع؟ أع 22116 علللى دم 5تداعم د ٠"‏ عل انال 
زوءغ10 دعل تنعا نهم 


عطععوعطعع: ها ذ) .1963 بعاأأعطعوط :ناموط .كعمم دم| اء ج«روكئزنه1ا ما .تلمك ,علصداة[آ 
,و1 عل 
وعدوء ]5 توتموط ,لخن 13976 ,عنراممعم نام ها عل عنوتاتى أء مبوتاسرلععا عمبتوابتطوعم لآ . 
0 بععصوءط عل ذ615119165 17 ملآ 


مصلللطا عل كممختفظ :[كلعةدط] .كءعميراة "رم :1ع 7100 4| © 004217011 نل أطوة 1آ رع رخطعاعآ 
(2)5:9ة172ناععة) .[1962] ,اللا 


0.44 


.[1962] بصها2 :[كامه2] .عع2 نود ء6دودءط م[ .ع012110) ,1-51131155/ا16آ 


1967-1-3 رعطع فاده آلا تتعتط يلط :ولعة2 .1 رمعل عك عرتوابتطوءه لا عا .جع8 110 ,"للدعوى 1 
(أترمةع'! عل عتطمه5ه11طط) .7015 2 


1701.1: 120611635 ©1 1611005 


200100000 00 


7# عل « .167 نصمعء 00م اء ددن [ذ ا ج116 ده ادع لطدره 0)» .20 نتقط0 714 رمتامعا رم 
00 1ضابلل :10217/01112116 


١10.9, 2003-‏ :121 !20/1 « .5عنان اطق اذا وعاءع ]0ك لاء ع لمتحطة1 0٠0111مه0)‏ ه[آ» . 
,2004 


11111156 0225 0650102315 53556 56 10101 رأمعلأعء1'0[ أء تصهاوة'! عمتاصظ» . 
6 .1120 تدمع 1ط عدم 1[15[أعتاعة: وممه22 «رعن1700مأء16 10و نااعلاء علا 20101111 اتاو 
ع1 


6 :7611© «. 211165 لاط 5016205 065 01/6311ا20ة1 16 أء 15353 [آ)» . 


101 531631172 5ع1 اع 5عط مدهط 5ع1 35م 1م50 عم ع0)» .1120 أتسعط أء عل عع1منوط ,رعع8 
©/ « .(2لامعات4 20 تتقطه 7/1 عع بتاع ز لكل ]2 1) ع1 أمأقلط عأاءه عأناه] علناموة؟ امه 
01 اخأ 100110 


2 نحطل :ءابأ !0 

.8 رأطفعة النناة لل م0أنتاتاذا مأعتاتتده هحدم[ .هنع اكت مراءهترروان]1 
.3 ,طلط228 1لنااة أل 10نأناكا مأعأنامه :1802030 

.6 ,2861 1لناة تل 010 ناذا مل 11أتامه2 نفنزه 18 


- انلق رذ .1]10 :(215ه) (ع11011تامعاءة عطءتعغطععء 2[ وصهل عطدعهة علده81) .5 .ل .ل .4 
1995 عع لطع در 


6 121617121 « .عنان 21 ة]ؤز عغومعم 18 عاطاقء بد رءو235 :نامعل ع4 لع تتسقطه11» 
.8 921011[ ,10.13 :دء1طه4 .18219 أسوط هجر 


اه 


هذا الكتاب 


دما عتى إلنا حكد نه كتانهنا عندد_ ف فسأن النهج خصوصا, على 
أنها ما يضيء العلاقات بين العقل والخطابء كما تتبدى 4# كتابات 
أركون والسابري. وهبيء لهذا الشرضء استقصت يلا البحث من 
كقاباتهها خضلا عما كتب عتههاء ها بعد ه حد ذاته مدونة ثمينة: 
تُظهر المجهودات الكبيرة التي بذلها هذان المفكران ‏ وهما ناشطان 
التأليف حتى أيامنا هذه 4# نطاق اشتغالهما المشترك ( الذي 
يفيض عن معنى الماضي ليتناول أيضاً النظر السياسي 3 الراهن). 
وهولقاء بينهما طلبتّه وحققته بعد أن تنبهت إلى أنهما يجتمعان ب 
ما يختلفان عليه؛ فبادرت إلى جمع مدونة اللقاء وأجرته؛ وبالعمل 
معهما أيضاً ب لقاءات جانبية استكلمت بها «معاشرتها» (كما تقول) 
لنصوصهما. فهما يجتمعان 3 النطاق عينه تقريباً. مع بعض 
تعديلات 24 الحدود: إذ تذهب مساعي الجابري إلى ثقافات سابقة 
على الإسلام: فيما تذهب مساعي أركون صوب متون وثقافات أخرى. 
مثل المسيحية تحديداء الماضية أو المعاصرة. 


هكذا تناولت 4# كتابهاء # ثلاثة أقسام كبيرة: «خصوصية 
المنهج» عند أركون (2 القسم الأول)؛ ثم عند الجابري ( © القسم 
الثاني) . مخصصة القسم الثالث والأخير لإجراء مقارنة بين حاصل 
الجهدين ث الميادين المختلفة ( بين دينية وسياسية وغيرها): من دون 
أن تهمل «تلقي» المشروعين 2# الفكر المعاصر.» 





الشبكة العربية للأبحاث والنشر 


بناية «سادات تاور»ء شارع ليون» ص.ب: 5788 ١١7‏ أ 
الحمراء ‏ بيروت 4٠٠1١‏ لا١7‏ _لبتان 
هاتف: 84487/ (131-1) 
فاكس: 1845164 )951-1١(‏ | 
8 0 9 86 87 384058 1 


تزمء. 011 'تتأعصة نجاط 22 6 ملسا :القع